رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

174

إبراهيم عبد المجيد

الجعران ينظف الأرض من الآثام..

25 ديسمبر 2025 , 12:20ص

«آشا – الجعران والقمر» هو عنوان رواية قصيرة، نوفيلا، للكاتبة النوبية سمر نور صادرة عن دار ديوان المصرية هذا العام. سمر نور لها أعمال سابقة، وصحفية بالقسم الثقافي بجريدة الأخبار. الرواية حافلة بالحكايات الأسطورية عن النوبة وأهلها. تبدأ الراوية حكاياتها بالحكمة النوبية التي تقول، إن الرواية «حكاية من الله». فيرد القارئ « خير.. خير من الله». إذن سنرى الخير رغم ما سنراه من لعنة حلت بأهالي القرية النوبية حين أيقنوا أن ذريتهم خلت من البنين. فكل من تم إنجابهم قبل خمس سنوات من الأحداث كانوا من الإناث. تبدأ شخوص الرواية في الظهور. نوري كبير القرية وزوجته «فاتي» وغيرهما. نوري صانع تروس السواقي حملت منه زوجته «فاتي» عشر مرات منذ تزوجت في التاسعة من عمرها. مات كل أبناؤه فصعد حزينا إلى المغارة، أو كهف الجعارين في الجبل، وأنجبت فيه زوجته «فاتي» الطفلة «آشا». كيف مات بعض أبنائه في حروب بين المماليك ومحمد علي، وكيف كادت النوبة تخلو من أهلها بسبب هذه الحروب.. نحن إذن في تاريخ قديم تعيده سمر مجسدا.

 تمشي الرواية بحكايات شخصياتها، وحكايات الأطفال، وألعابهم النوبية في اليابسة والنيل. منها حكاية الجعران والقمر. فحين تمنت الخنفساء – الجعران - المغرمة بالقمر منه الزواج، وافق بشرط أن تطهر الأرض من فضلات الإنسان والحيوان. فعلت ذلك وعادت تسأله متى نتزوج، فطلب منها أن تجمع آثام البشر وخطاياهم، ففعلت ذلك وعادت تسأله، فطلب منها أن تدفع قرص الشمس بعيدا عنه حتى يستطيع رفعها إلى السماء جواره، ففعلت ذلك واكتمل القمر، لكنه لم يلتق الشمس ولا الخنفساء حتى يومنا هذا. بالمناسبة الجعران في الأساطير المصرية القديمة هو إله الخصوبة، وله تمثال في معبد الكرنك تطوف حوله النساء أملا في الحمل والولادة. تلخص الحكاية هنا مسيرة البشرية في الأمل وتتجسد فيما سيأتي من أحداث. فحين يتزوج كرم ابن القرية الأخرى من «آشا» التي صارت صبية، يتم مقتل أبيها، ويختفي كرم في النيل مع غريمه في حبها، بعد أن تم اتهامه بمقتل الأب لخلاف بينهما وهو بريء. النيل تأتي منه حكايات مبهرة وتظهر منه لآشا مخلوقات شريرة يسمونها «أمَن دوجُر». كذلك أمانجي الجميلة وفتيات الأمانجي اللاتي يحرسن النهر من المخلوقات الشريرة.

عرفت «آشا» بمقتل أبيها وطُلب منها أن تقتص له. حيرتها هل تقتل كرم وقد صارت حاملة منه. أنكر كرم ذلك قبل اختفائه في النيل. كان في القرية عجوز هو «غلّاب» يعرف من متابعته للنجوم والأبراج، مصائر البشر أو أفعالهم، وكان السؤال له من آشا بعد مقتل أبيها «نوري» شيخ القرية هل ستنتهي القرية، وتحل اللعنة على الجميع من جديد. قال «الليل سيطول لأن الحزن لن ينتهي، والنهار سيطول لأن الفرح قادم، والليل والنهار لن يتعاقبا، بل سيسيران بجوار بعضهما، وهذا قدرك». انتهت الرواية بدخول «آشا» كهف الجعارين من جديد الذي فيه وُلدت وهي الآن حامل.. أنجبت «آشا» طفلا ذكرا هو أحمد. انتهت اللعنة القديمة واختفي سببها وقام الجعران بتنظيف الأرض من الخطايا. تقول الراوية « الخضراء لنا واليابسة لكم يا سكان عوالم السحر فلتنصرفوا إلى عوالمكم من دون إيذائنا. كومان كوماه!». وكأن كل ما مضى كان سحرا، وبالفعل كتبته سمو نور بلغة ساحرة، تجسد كل حكاية حقيقية كأسطورة، وكل أسطورة كحقيقة، في لغة رسام محترف للوحة باهرة، معلنة في النهاية أن الأمل باق والفرح قادم. « كومان كوماه» النوبية تعني الفرح رغم أي شيء.

مساحة إعلانية