رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ميسون أبو حمدة

* مدربة معتمدة في التنمية الذاتية

مساحة إعلانية

مقالات

753

ميسون أبو حمدة

الركض الصامت في زمن الإنجاز

27 يونيو 2025 , 05:09ص

استيقظتُ يومًا، ووجدتني أركض.

لا موعد ينتظرني، ولا خطر يلاحقني… لكنني أركض.

أفتح الهاتف، أقرأ، أُجيب، وأشعر بالذنب تجاه ما لم أردّ عليه. أنهي مكالمة لأبدأ مهمة، أُنجز مهمة لأُفكر في التالية، دون أن أتوقف لحظة لأسأل نفسي: ما الذي أفعله حقا؟

بمرور الوقت، لم تعد هذه الحالة استثناءً… بل أصبحت عادة. ركضٌ صامت يلتهم كل شيء: الوقت، الانتباه، الراحة، وحتى الملامح الحقيقية لما كنا عليه.

صرنا نعيش وكأن هناك من يُراقب أداءنا باستمرار.

نفتخر بالضغط، ونمجّد قلة النوم، ونتعامل مع الإرهاق وكأنه شارة فخر.

لكن… لا أحد يسأل: ما الثمن؟

ولا أحد يلاحظ كم خسرنا من ذواتنا ونحن نحاول أن نكون «كاملين» للجميع.

لقد تحولنا من كائنات حية إلى كائنات مُنفّذة. نستيقظ، نُنجز، نردّ، نُربّي، نُخطط، نُحمّل أنفسنا فوق طاقتها… ثم ننام. وفي هذا الزحام، ننسى أن نسأل:

هل هذه فعلًا الحياة التي نريدها؟ أم أننا نؤدي أدوارًا رسمها غيرنا، ونخشى أن نبدو «مقصرين» إذا توقفنا؟ كل يوم يُشبه سابقه.

لا جديد سوى مزيد من المهام، ومزيد من الركض، ومزيد من الغياب عن ذواتنا.

حتى كلمة «التوازن» صارت طوق نجاة نظريا، نراه على دفاتر التخطيط، أغلفة الكتب، وفي المحاضرات… لكننا لا نمارسه. نُؤجّل الراحة، ونُؤجّل الحضور، ونُؤجّل أنفسنا… إلى أجل غير مسمّى. نُقنع أنفسنا بأن «لاحقًا» سيأتي:

«حين أُنهي هذه المرحلة»،

«حين تهدأ الأمور»، لكن لا شيء يهدأ. ومع الوقت، نُتقن التأجيل… إلا في تنفيذ المهام. كأن الواقع يُطالبنا أن نكون كل شيء في وقت واحد:

ناجحين، محبّين، متعلمين، مثاليين، متصلين، متجددين… دون خطأ، دون ضعف، دون توقّف. وهكذا، يتحوّل التوازن إلى مفهوم خيالي، لا تجربة إنسانية. لم يخبرنا أحد أن التوازن ليس قائمة مهام ولا تطبيقًا لإدارة الوقت… بل لحظة صدق مع النفس. لحظة نختار فيها أن نكون حاضرين، لا منتجين فقط.

أن نغلق الهاتف بلا شعور بالذنب. أن نُعيد ترتيب حياتنا لا لإرضاء الآخرين… بل لنشعر أننا ما زلنا نعيشها، لا نُؤديها فقط. في النهاية…

لن يتذكّرك أحد بعدد المهام التي أنجزتها، ولا بعدد الرسائل التي رددتَ عليها.

لكنّك أنت، ستتذكّر جيدًا:

هل كنتَ حاضرًا في أيامك؟

أم كنتَ فقط تتقن أداء الدور؟

أنا لا أقدّم حلولًا هنا.

ولا أدّعي أنني عرفت الطريق.

أنا فقط أكتب… لأتأكد أنني ما زلت أفكر.

أنني لم أصبح آلة تُنجز وتردّ وتبتسم في الصور.

الركض ما زال مستمرًا، نعم…

لكني أحاول، كل يوم، أن أُبطئ ولو خطوة.

أن أُقاوم الذوبان في الزحام.

وأعترف…

أحيانًا، قبل النوم، أُطفئ الهاتف لا لأرتاح، بل لأقنع نفسي أنني توقّفت… ثم أمدّ يدي إليه من جديد.

مساحة إعلانية