رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الشرق الأوسط هو المنطقة التي تلتقي فيها ثلاث قارات وسبعة بحار، ليست منطقة أجنبية عن الأتراك. وحقيقة الأمر أن الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام بشكل جماعي في العصر العباسي، سرعان ما استقروا في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ومصر. وخاضت الجيوش التركية تحت حكم العباسيين حروبا مهمة أولا ضد الصليبيين ثم ضد المغول. وتجدر الإشارة إلى أن المماليك كذلك مثل السلاجقة، كانوا مؤثرين أيضًا في العالم العربي. وحدت الإمبراطورية العثمانية المنطقة وقامت بحمايتها ضد الاستعمار الغربي، ومكنت الأتراك والعرب والأكراد من العيش معًا لمدة 400 عام، مع احترام الأديان الأخرى. ووقفت هذه الدول معًا ضد الاحتلال الغربي في الحرب العالمية الأولى. وعندما خسرت الحرب، سيطر الغربيون على طرق التجارة وموارد النفط المكتشفة حديثًا في الشرق الأوسط، بدءا بقناة السويس. ورد البرلمان العثماني، الذي اجتمع في إسطنبول المحتلة بعد الحرب، على كل من إعلان بلفور واتفاقية سايكس بيكو بإعلان الميثاق الوطني وإعلانه أنه ضد الاستعمار في المنطقة. بين عامي 1919 و1922، استمرت نضالات الاستقلال والتضامن ضد المستعمرات الغربية في مصر وسوريا والعراق وفلسطين والهند، كما هو الحال في الأناضول. لكن فيما بعد، رضيت النخب التي حكمت إبان فترة حرب الاستقلال بمعاهدة لوزان. وفي الفترة الجديدة، حول الحكام اتجاه تركيا نحو الغرب وقللوا من اهتمامها بالعالم العربي.
منذ أن تم إضعاف المستعمرين بعد الحرب العالمية الثانية، كان الاستقلال والوحدة ممكنين في الشرق الأوسط، لكن في بيئة الحرب الباردة، لم تتمكن تركيا من الخروج من الإطار الذي رسمه الغرب لأنها اعتمدت على الولايات المتحدة، أظهرت عملية قبرص والحظر النفطي لتركيا مرة أخرى أهمية تكوين صداقات وحلفاء في الشرق الأوسط. بشكل عام، اتجهت الحكومات الديمقراطية في تركيا إلى العالم العربي لشراء الطاقة الرخيصة وجذب المستثمرين وإيجاد أسواق للصادرات، من أجل زيادة التنمية والتوظيف.وقد أولى تورغوت أوزال، الذي وصل إلى السلطة كإدارة مدنية في الثمانينيات، اهتماماً خاصاً بالشرق الأوسط. على سبيل المثال، مهدت المناقصات التي تلقتها الشركات التركية في ليبيا في ذلك الوقت الطريق لتطوير قطاع البناء التركي القوي. وفي نفس الفترة، تطورت التجارة الخارجية مع العراق بشكل كبير. وعلى الرغم من أن تركيا أتيحت لها الفرصة للتميز بعد نهاية الحرب الباردة في التسعينيات، إلا أنها أضاعت هذه الفرصة بالتحول إلى الداخل بسبب مشكلة الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. وفي الفترة نفسها، أدى الحصار المفروض على إدارة صدام بعد حرب الخليج إلى إضعاف الاقتصادين العراقي والتركي.
كان الحدث الأكثر أهمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عالميًا وإقليميًا، هو هجمات 11 سبتمبر واحتلال العراق وأفغانستان. كانت هذه الاحتلالات بمثابة عملية أدت إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتركيا. خلال هذه الفترة، أولى حزب العدالة والتنمية، الذي وصل إلى السلطة في تركيا، اهتمامًا خاصًا أيضًا بتطوير العلاقات مع الشرق الأوسط. وبدأت تنفتح على المنطقة اقتصادياً وسياسياً، وشهدت علاقاتها تحسناً جدياً مع سوريا والأردن والعراق ومنطقة الخليج وليبيا ومصر. وخلال الفترة نفسها، سادت حالة من عدم الاستقرار الخطير في العراق وكان لها تأثير سلبي على تركيا.
ومع ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011، دخل الشرق الأوسط فترة جديدة من الاضطرابات. وفي الواقع، فإن العملية التي بدأت بمطالب الشعب بالديمقراطية، عادت فيما بعد إلى النظام القديم بتدخل القوى العالمية والإقليمية. وكان للعملية الفوضوية، بما في ذلك الانقلابات والحروب الأهلية والصراعات الطائفية، تأثير سلبي على تركيا، لكنها لم تكن كافية لوقفها. ولا تزال عملية الفوضى هذه مستمرة في اليمن والسودان وفلسطين. لكن تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي أمام قوتها، وقامت بتدخلات لتقليل أضرار حصار قطر وسوريا وليبيا.
وبما أن التدخلات الإيرانية المناهضة للديمقراطية في اليمن والعراق وسوريا أضعفت أيضًا دول المنطقة، فإن هذا الوضع عزز وضع إسرائيل بشكل غير مباشر. وفي السنوات الأخيرة، اتجهت بعض الدول العربية إلى حل توتراتها مع إيران من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لقد كشفت أزمة غزة الجديدة عن أن إسرائيل لا يمكن أن تكون جارة طبيعية، وأن الشعبين التركي والعربي لن يقبلا بدولة الاحتلال هذه. ومن ناحية أخرى، أظهرت حرب غزة أن المشكلة الأساسية للعالم العربي والإسلامي هي التجزئة. وهنا يكتسب الدور القيادي والموحد لدول مثل تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية ومصر أهمية.
ونتيجة لذلك، فإن الجمهورية التركية، باعتبارها دولة صناعية وسياحية وتجارية، في عامها المائة، ترى أن التطبيع مع منطقتها يتيح استقرارها وتنميتها جنبًا إلى جنب مع استقرار المنطقة وتنميتها. ورغم أن العنصرية وبعض الأصوات الهامشية تواصل عاداتها الغربية القديمة، إلا أنها في الواقع أقلية. وفي قرنه الثاني، كان الشعب التركي وإدارته مقتنعين بأن العالم العربي يمثل ميزة (عامل قوة) في هذه السياسة المتعددة الأوجه، وليس نقطة ضعف. لقد أظهرت حرب غزة بوضوح أن الجانبين التركي والعربي بحاجة إلى التعاون. فإلى جانب روابطها الثقافية والتاريخية، ومصالحها المشتركة، وسكانها العرب البالغ عددهم 5 ملايين نسمة (قدامى وجدد)، فإن علاقات تركيا مع المنطقة متطورة وينبغي أن يزداد هذا التطور في كافة المجالات.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية


مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
6546
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
6117
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2802
| 05 نوفمبر 2025