رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هذا صدر بيت شعر من النشيد الوطني الرسمي لتونس والذي يفتتح بـ
(حماة الحمى يا حماة الحمى***
هلموا هلموا لمجد الزمن
* لقد صرخت في عروقنا الدماء ***
نموت نموت ويحيا الوطن.
إلى آخر النشيد الذي هو مصري في الأصل ومن شعر شاعر النيل مصطفى صادق الرافعي كتبه في الثلاثينيات لتحفيز المصريين لمقاومة الاستعمار البريطاني لمصر أما تلحينه فينسب أحيانا للفنان المصري محمد فوزي وأحيانا أخرى للموسيقار محمد عبد الوهاب. وحين اعتمده التونسيون منذ الثلاثينيات نشيدا للثورة على الاستعمار الفرنسي أضافوا له بيتين من أشهر قصائد شاعرهم العبقري أبي القاسم الشابي بعنوان (إرادة الحياة) وهما:
إذا الشعب يوما أراد الحياة***
فلابد أن يستجيب القدر*
ولا بد لليل أن ينجلي***
ولا بد للقيد أن ينكسر
وذلك بسبب بحر العروض والقافية المشتركين بين قصيدة الرافعي وقصيدة الشابي رحمهما الله. ذكرت هذه المعاني القيمة التي تلهب شعور الجماهير وتحرك حماسها من أجل الفداء بالروح حتى يحيا الوطن محررا من دنس المذلة وخزي المهانة. حتى طلع علينا الشاعر اللبناني المشاغب والرافض للقوالب الموروثة ليقول علنا: «لست مستعدا للموت من أجل وطن لا أجد فيه كرامتي ولا أتمتع فيه بحقوقي بل يتحول باستبداد وظلم بعض رؤساء جمهورياته الوراثية إلى وطن يطردني ويهجرني...»
وأتذكر أنا ما قاساه آلاف المفكرين والمثقفين والنخب من آلام الهجرة من بين العرب والذين كتب الله لي أن أتعرف عليهم وأعيش ما عاشوه من غربة في الدول التي قاومنا استعمارها وهيمنتها ثم وجدنا أنفسنا لاجئين في مدنها الباردة لأنها تملك دستورا يحمينا ومكنت العديد من رفاقنا من اللجوء السياسي وعاش معنا أولادنا فتكلموا لغة وطن اللجوء وتعلموا في مدارسها واندمجوا في مجتمعاتها ونشأوا على قيم الحرية والعدالة التي وجدناها لدى مستعمرنا القديم ولم يمنحها لنا حين استولى على خيراتنا واستخرب أرضنا (وليس استعمر) وحين فرض على مجتمعنا قوانينه وتقاليده منذ 1881 فسمى هذا الاستخراب «حماية» حتى يقنعنا بأننا تحت حمايته وتحت جناح رحمته !
الغريب أن هذه الحيلة انطلت ولا تزال تنطلي على «نخبة» من التونسيين والعرب والمسلمين تخرجت في جامعات أوروبا فحصل لديها اعتقاد كاذب وهو أن هذه الأمم الغربية مثل أعلى في التقدم العلمي والحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية بفضل التكاتف بين أفرادها عن طريق مؤسسات الضمان الاجتماعي المقننة والتي تمنح الحق لكل مواطن فيها أن يوهب جراية ويسند ماليا فننسى ويغيب عن إدراكنا أن المجتمعات الغربية ترمي كبار السن من جدود وجدات عيالهم فيما يعرف بدور العجائز وفي الحقيقة أماكن لعزل الطاعنين في السن ليموتوا في غربة مؤلمة وبلا رحمة من ولد صالح أو بنت صالحة انشغلا عنهم بالعمل الشاق في مصنع أو إدارة أو شركة تحولهم إلى عبيد جدد في أسواق النخاسة والربح السريع والصراع المتوحش! ولكن هذه النخبة العربية المسلمة في الحقيقة تم اجتثاثها من تراثها الإسلامي الأصيل وأصبحت مثل زهرة عباد الشمس تتفتح إذا اتجهت نحو شمس فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا وطبعا ربوها في مدارس الغرب وجامعاته أن تتنكر لماضيها المجيد وتتنصل من جذورها العميقة فبحثت عن نعمة الانصهار التام في مجتمعات الغرب ولا نتردد في القول بأن التونسي تحول إلى «فرنسي صغير درجة ثانية» وأن المصري تحول إلى «إنجليزي صغير درجة ثانية» فلا نتعجب بعد هذا المسخ الحضاري أن يستمر استغلال القوى الغربية لخيرات أراضينا وأن تصدر لهم دولنا عن طواعية سواعد وعقول شبابنا ليعملوا لديهم بعد أن دفعنا نحن أعز ما نملك ليتعلموا ويصبحوا كوادر مؤهلة للشغل وبناء الأوطان فأصبحوا بناة لدول الغرب بل وقلدناهم كمغلوبين يقلدون الغالب حسب رأي علامتنا عبد الرحمن ابن خلدون في سائر ملبسهم ومأكلهم وفي انتحال لغتهم وأحيانا دينهم!!
* ونعود إلى عنوان المقال لنؤكد أن هذه الانحرافات الخطيرة قضت على أوطاننا الأصلية والأصيلة لتعطينا وهما يسمى زورا وبهتانا «اللحاق بركب الحضارة» وهو الشعار الذي كان الحبيب بورقيبة رحمه الله يرفعه باستمرار على مدى عهد حكمه لتونس وهو مؤمن ربما عن حسن نية أن الغرب هو الحضارة وأن على شعوبنا نحن محاولة اللحاق بركبه وبوسائله هو وبقيمه هو وهذه عقيدة النخبة التونسية المسلمة التي صدقت الزعيم بورقيبة واتبعت خطاه حتى أدركنا الإفلاس النهائي لكل جهودها الواهمة للحاق بركب الحضارة!! وإذا قرأتم اليوم سرديات السوريين المنفيين والضاربين في أرض الله منذ عقود أو الناجين من مجازر بشار وأبيه يدرك أن استعادة الوطن يعني استعادة الحقوق والحرية من أنياب ومخالب وحوش بشرية قتلة ومجرمين في حين أن المهجرين قسرا من الشعب السوري يعدون بالملايين بداية من الإسلاميين الناجين من مجزرة حماة سنة 1982 ولنا منهم أصدقاء ورفاق منافي وزملاء في جامعة قطر طالما تذاكرنا وتبادلنا قصص المحن والتشرد وضياع العيال بين المدارس وفقدان الوطن وتلاشي الذكريات مع الزمن.
وأتذكر ذات يوم من التسعينيات في مقهى باريسي قدم لي صديق نخبة كريمة من الطيارين الليبيين الذين انتدبتهم (شركة فرنسا الجوية) ليكونوا لديها قباطنة طائرات (إيرباص) بعد أن عوقب العقيد القذافي بتجميد شركة طيرانه والصديق قدم لي الإخوة الليبيين بقوله: «أقدم لك مجموعة من الكلاب السائبة...!» وهو النعت الذي أطلقه العقيد المعقد على كل من يعارضه فضحكنا جميعا ونحن نفكر بحزن وألم في أوطان فقدناها ولم تعد أوطاننا إلى أن يحين يوم تحريرها من الاستبداديات الداخلية الغبية وهي أعتى من الاستبداديات الخارجية التي تستبيح أرضنا وتنتهك عرضنا. لهذه الأسباب نقترح تعديل عبارة الوطن من المطلق الراهن إلى تنسيب «المواطنة» التي هي اشتراك شعب ما في التمتع بالحقوق والحريات في حالة وفرتها لنا الأوطان! فالوطن ليس رقعة جغرافية من الأرض بل مساحة حضارية من قيم ديننا وكفاءة لغتنا وخصوصية تقاليدنا وهذه الكنوز هي التي من واجبنا الحفاظ عليها وتوريثها لعيالنا من بعدنا. وفي حال توارثنا أوطانا تكون بحق أوطاننا يكون من حقها علينا أن نموت من أجلها وتحيا هي حرة خفاقة الراية مرفوعة الرأس محمية بمواطنيها الكرماء المكرمين مدى الدهر.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2319
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025