رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

420

سعدية مفرح

حين نكتب لأنفسنا: لماذا نحتاج إلى اليوميات؟

28 أبريل 2025 , 02:00ص

حين يكتب أحدنا يومياته، فإنه يمارس أبسط أشكال الاعتراف مع النفس. لا يكتب ليصنع نصًا أدبيًا ولا ليبهر أحدًا، بل لأنه يشعر أن هناك أشياء لا يمكنه مشاركتها مع الآخرين.

الكتابة اليومية أشبه بعملية جرد داخلي: ماذا حدث اليوم؟ كيف شعرت به؟ ماذا تعني لي هذه التفاصيل الصغيرة التي قد تبدو عابرة لكنها، مع الزمن، تصنع حياتي الحقيقية؟

الكتابة هنا وظيفة عملية أكثر منها عاطفية. إنها طريقة لتنظيم الأفكار، لتفريغ المشاعر السلبية قبل أن تتراكم وتتحول إلى مشاكل أكبر. الإنسان الذي يكتب مشاكله وانفعالاته اليومية غالبًا ما يكون أكثر قدرة على إدارتها بعقلانية لاحقًا، لأنه راقبها بوضوح بعيدًا عن لحظة الانفعال.

كما أن اليوميات تؤدي دورًا مهمًا في بناء الوعي الذاتي. حين يراجع الشخص ما كتبه قبل أشهر أو سنوات، يلاحظ أنماطًا معينة تتكرر؛ طريقة تعامله مع الغضب، مصادر قلقه، أخطاؤه المتكررة، أو حتى تطور نظرته إلى نفسه والآخرين. بهذه الطريقة تصبح المذكرات أداة لفهم السلوك الشخصي بشكل أكثر علمية وموضوعية.

ولا يمكن تجاهل أن الكتابة اليومية أيضًا وسيلة لحفظ الذاكرة الشخصية. التفاصيل التي تبدو تافهة اليوم قد تحمل لاحقًا قيمة لا تعوض. الشخص الذي كتب عن حوار قصير مع والده أو عن صباح شتوي عادي قد يكتشف بعد سنوات أن هذه الذكرى البسيطة تساوي كنزًا شعوريًا يصعب تعويضه.

الذين يواظبون على كتابة مذكراتهم لا يفعلون ذلك بدافع الحنين فقط، بل لأنهم يدركون أن الإنسان كائن ينسى. والكتابة، ببساطتها وصدقها، تصنع نسخة موازية للحياة، نسخة يمكن الرجوع إليها حين تغيب التفاصيل أو تختلط الذكريات.

كذلك، الكتابة تتيح نوعًا من الانفصال المؤقت عن ضغوط الواقع. عندما يكتب الإنسان عن مشكلة ما، فإنه ينقلها من ذهنه إلى الورق. هذه الحركة البسيطة تخلق مسافة عقلية بين الشخص والمشكلة، تجعله ينظر إليها ببرود نسبي يسمح له بتحليلها بهدوء بدل أن يبقى عالقًا في دائرة التفكير السلبي.

وليس كل من يكتب يومياته يعاني من مشكلة أو أزمة. كثيرون يكتبون ببساطة لأنهم يجدون في الكتابة طريقة لتوثيق حياتهم كما هي، بحلوها ومرها. الكتابة هنا تصبح سجلًا موضوعيًا لرحلة إنسانية مليئة بالتناقضات؛ الفرح والحزن، النجاح والفشل، البداية والنهاية. وهذا السجل الشخصي لا يُكتب من أجل الآخرين، بل من أجل احترام التجربة الذاتية نفسها. وهذا يعني أن كتابة المذكرات واليوميات ليست رفاهية ولا سلوكًا غريبًا. إنها فعل طبيعي لإنسان يسعى لفهم نفسه، وللحفاظ على صوته الخاص في عالم كثير الضجيج. إن الشخص الذي يكتب يومياته لا يبحث عن شهرة، ولا يحاول أن يبدو مثاليًا. إنه ببساطة يمارس حقه في أن يكون صادقًا مع نفسه، أن يواجه مشاعره وأفكاره دون تزييف أو تبرير.

الجميل في كتابة المذكرات أنها لا تتطلب قارئًا آخر. الكاتب والقارئ في هذه الحالة شخص واحد. لا أحد يفرض عليك قواعد اللغة ولا منطق الأحداث. يمكنك أن تبدأ من النهاية، أو أن تكرر نفسك مئة مرة، أن تكتب بأخطائك، بدموعك، بأحلامك المحطمة. كل شيء مسموح لأنك تكتب لنفسك، ولنفسك فقط.

وفي هذا الفعل البسيط تكمن قيمة كبيرة: القدرة على رؤية الذات بوضوح، القدرة على تنظيم الفوضى الداخلية، القدرة على الاحتفاظ بما هو مهم وسط سيل النسيان. لذلك نكتب. نكتب كي نفهم. نكتب كي لا نضيع. والمهم أن نكتب، لأن الكتابة تضيء العتمة التي نخشى النظر إليها، وتبني لنا جسرًا بين ما نحن عليه وما نرجو أن نكونه. المهم أن نكتب لأننا، ببساطة، لا نستطيع أن نصمت أكثر!

اقرأ المزيد

alsharq تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع

لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة... اقرأ المزيد

111

| 24 أكتوبر 2025

alsharq منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح

النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز بالتّجدّد وتظهر دائما من خلال المشاريع الجديدة العملاقة المعتمدة على... اقرأ المزيد

135

| 24 أكتوبر 2025

alsharq لا تنتظر الآخرين لتحقيق النجاح

في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا غالبا ما نعتمد على الآخرين لتحقيق النجاح والسعادة. نعتمد على أصدقائنا وعائلتنا وزملائنا... اقرأ المزيد

42

| 24 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية