رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. هلا السعيد

مساحة إعلانية

مقالات

201

د. هلا السعيد

هل فقد العصر الحديث بوصلته الأخلاقية؟

28 يوليو 2025 , 12:35ص

كنت أشاهد أحد الأشخاص على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدث عن الزمن الحديث، ويقول إن المبادئ والقيم أصبحت في الحضيض. هذا الكلام أثار اهتمامي، وجعلني أكتب هذا الموضوع لأناقش من خلاله فكرة تغيّر القيم والمبادئ في العصر الحديث، وأوازن بين النقد والتأمل الواعي، فكان العنوان الأنسب لهذا الموضوع: “قيم تحت الرماد: هل فقد العصر الحديث بوصلته الأخلاقية؟” 

في خضم التطور الهائل الذي يشهده العالم اليوم، من ثورات تكنولوجية إلى تغيّرات اجتماعية جذرية، يجد الإنسان نفسه أمام سؤال جوهري: هل ما نعيشه هو تقدم حقيقي، أم مجرّد تحلُّل تدريجي من القيم التي شكّلت أساس المجتمعات عبر التاريخ؟ إن ما كان بالأمس عيبًا أصبح اليوم شجاعة، وما كان يُعدّ خروجًا عن المألوف صار يُحتفى به كتحرر وانفتاح. فهل هذا التغير نعمة أم نقمة؟ 

أولًا: التحولات القيمية في العصر الحديث شهدنا خلال العقود الأخيرة تحوّلات عميقة في النظرة إلى الأخلاق والسلوكيات. القيم الأصيلة مثل الحياء، الاحترام، الصدق، والالتزام كانت سابقًا من ركائز المجتمع. أما اليوم، فهناك نوع من التطبيع مع سلوكيات كانت مرفوضة أخلاقيًا واجتماعيًا. وأصبح يُنظر إلى من يتمسك بتلك القيم على أنه “رجعي” أو “غير متطور”، وهذا أمر مؤسف وغير عادل. 

ثانيًا: منظومة الممنوع والمسموح.. انقلابات صامتة في الماضي، كانت هناك خطوط حمراء تفصل بين المقبول والمرفوض، واضحة المعالم. أما اليوم، ومع انتشار وسائل التواصل والانفتاح العالمي، تلاشت تلك الحدود. أفعال كانت تُعد خروجًا عن الدين أو الأدب أصبحت تُعرض اليوم على أنها “حرية شخصية”، دون ضوابط واضحة.

 ثالثًا: التمسك بالقيم.. موقف أم تهمة؟ في واقعنا، من يتمسك بالمبادئ يوصف أحيانًا بالجمود أو التخلف. ويتعرض الأفراد لضغوط مجتمعية ليكونوا مثل “القطيع”، مما يجعل التمسك بالقيم موقف مقاومة بدلًا من أن يكون فطرة وسلوكًا طبيعيًا. 

رابعًا: هل كل تغير سلبي؟ لنكن منصفين لا يمكن إنكار أن بعض التغيرات جاءت لتصحيح مظالم تاريخية، مثل: • حرية التعبير • عدالة اجتماعية • حقوق الإنسان والمرأة • رفض التمييز والطبقية وهذه كلها مكاسب إيجابية لم تكن متاحة في السابق. لكن يجب أن ننتبه أن التمسك بالقيم لا يعني رفض التطور، بل من الممكن أن نحافظ على المبادئ النقية مع الانفتاح الواعي. المشكلة ليست في “التغيير” ذاته، بل في الفراغ القيمي الذي يخلفه إن لم يُضبط ببوصلة أخلاقية. 

الخاتمة: الزمن الحديث ليس خصمًا، بل وعاء تشكّله اختياراتنا. لسنا مضطرين للتنازل عن القيم لنكون “معاصرين”، كما لسنا مجبرين على رفض كل جديد بحجة الحفاظ على الأصالة. التحدي الحقيقي هو أن نُوازن بين الأصالة والتجدد، وأن نحافظ على ما هو نقيّ فينا وسط زحمة التغيرات. وأخيرًا أقول: “ليس التقدم أن نغير ثيابنا وأفكارنا، بل أن نحفظ ما هو نقيّ فينا وسط العاصفة.”

مساحة إعلانية