رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد القديدي

د. أحمد القديدي

مساحة إعلانية

مقالات

519

د. أحمد القديدي

ذكريات مع الجزيرة في عيدها

30 أغسطس 2024 , 02:00ص

تحيي قناة الجزيرة هذه الأيام ذكرى تأسيسها وهو موعد لا يرتبط بيوم محدد لأن القناة تأسست على مراحل وقد تحولت مع الأحداث إلى ظاهرة حضارية أكثر من كونها ظاهرة إعلامية أو سياسية فتغير بفضل نقلها الذكي والموضوعي للحقائق ذلك المشهد العربي البائس لتتفجر عبقرية الأمة وتشارك الشعوب في حركة التاريخ. وأذكر عندما بدأ البث التجريبي لقناة الجزيرة في قطر أواسط التسعينيات كنت أستاذا مشاركا للإعلام في جامعة قطر وبالطبع مثل غيري من حملة الهموم الإعلامية اهتممت عن كثب بهذه القناة الوليدة خاصة وقد أعادت لي شخصيا بعض الزملاء والأصدقاء الذين فرق الدهر بيني وبينهم مثل الأخ الفاضل محمد كريشان والزميلة القديرة ليلى الشايب حين عادا من مغامرة (البي بي سي) العربية من لندن برصيد مهني احترافي ثري جمع في سنوات لندن بين الاستقلالية عن الإملاء والخبرة العالمية العالية. وجاء معهما فريق إعلامي رفيع المستوى يضم مؤسسي (البي بي سي العربية) أمثال سامي حداد وجميل عازر وفيصل القاسم وأحمد الشيخ وحسن إبراهيم وجمال ريان والأخوين الشولي وتعود لذاكرتي خاصة صورة المكلف بالأرشيف والدعوات (الذي هو صاحب أضخم مذكرة أرقام هاتفية للمسؤولين وأصحاب القرار والمحللين السياسيين في العالم) وصلاح نجم وغيرهم ولم يلبث أن انضم إليهم جمع طيب من الشباب الإعلاميين ذوي الإسهامات الطويلة في المجال الاتصالي أمثال مديرها العام الأسبق وضاح خنفر وأحمد منصور وغسان بن جدو وماهر عبد الله وهويدا طه وتيسير علوني وكثيرون قد أكون ظلمتهم عندما لم أذكر أسماءهم. وإلى هذه النخبة انضم شباب قطري مؤهل مثل مديرها الأول محمد جاسم العلي والمخرج جاسم المطوع وتشرفت شخصيا ومعي كل الزملاء بقسم الإعلام بالجامعة بأن زودنا القناة بخيرة خريجينا من الطلبة والطالبات القطريين والعرب الذين دربناهم في مختلف أقسامها ثم عملوا في القناة وللعلم فالشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس الإدارة والدينامو الحقيقي لقناة الجزيرة هو أيضا من أفضل من تخرج من الدراسات الإعلامية بكلية الإنسانيات بقطر. ولكن للحقيقة لم تكن الجزيرة لتؤسس لولا الإرادة السياسية الذكية والجريئة للأمير الوالد صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي تحمل برحابة صدر بعض الانتقادات من قبل بعض المدعوين للحديث في برامج الجزيرة الحوارية. وقد تشرفت عام 2000 بتعييني عضوا ضمن لجنة خبراء عرب لتقييم أداء القناة إلى جانب زملاء محترمين مثل الكاتب والمفكر السعودي تركي الحمد وأذكر أننا اتفقنا بعد أربع سنوات من بث الجزيرة حينذاك بأن رفع سقف الحرية الإعلامية أحدث نقلة نوعية في الإعلام العربي بالرغم من بعض صعوباته المعروفة. وقد عايشت الكثير من أخطر وأهم الأحداث العالمية التي قلبت موازين الدنيا رأسا على عقب ورأيت كيف تتحول « علبة الكبريت الصغيرة «كما سماها المرحوم حسني مبارك فتحولت القناة في لحظات إلى مختبر حساس لمعالجة قضايا ساخنة وملفات متفجرة مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حين كنت أنا المعلق الرئيسي في الاستوديو الوحيد المباشر آنذاك وعلى مدى ثلاث ساعات كاملة كان وجه العالم بأسره يتغير فيها وتتبدل ملامح الخرائط وتتسارع الأنباء التي فجرت استقرار الدنيا مع تفجير برجي التجارة العالميين.. وأذكر أن قنوات العالم وبخاصة (السي إن إن) نقلت أجزاء من هذه المداخلة العفوية ورأيت وجهي على شاشة (السي إن إن) لأول ولآخر مرة. كما أذكر أنني كنت على الهواء يوم التاسع من أبريل 2003 يوم إسقاط تمثال المرحوم صدام حسين أعلق على هذا الحدث العربي الجلل حين بادرتني الزميلة ليلى الشايب بقولها: ها... دكتور... انتهت الحرب اليوم؟ فأجبتها بسرعة: « لا فالحرب بدأت اليوم فالذي انتهى هو قصف بغداد ونظام البعث وتفكيك الجيش العراقي». ومهما كانت الانتقادات الموجهة إلى القناة فهي فتحت طريق المزاحمة والندية مع القنوات التي درجنا على تسميتها بالعالمية وهي في الواقع غربية تخدم مصالح الدول التي نشأت فيها واكتسبت أشواطا بعيدة في الحضور الدولي والمبادرة والسبق في عالم أصبح يعتمد على السرعة الضوئية في اقتناص الأخبار وعلى التألق في تغطيتها والتفرد في الوصول إلى قلب الحدث وصانعيه.

ولا غرو أن نرى اليوم أغلب القنوات الفضائية العربية تتنافس في تقديم الأفضل والأهم في مجالات نقل الخبر وعلى صعيد البرامج الحوارية وقد تطورت عديد القنوات مهنيا ولو أن بعضها أصابه داء التطبيع والقائمة ستطول على ضوء التحولات الحضارية الكبرى التي صنعتها الثورات وشيوع مستحقات العولمة وارتفاع مستوى الرأي العام العربي الذي أصبح أدق وعيا بما يحدث حوله في وطنه وفي العالم وأشد اطلاعا بفضل وسائل الاتصال الآنية على كل ما يجري في الدنيا الواسعة

فهنيئا للعرب و المسلمين جميعا بعيد الجزيرة والشكر الصادق من القلب لمن تجرأ على بعثها والتمسك بها رغم المناورات والتهديدات ولكل من وضع فيها لبنة. ولو فسرنا اليوم بعد الطوفان وجرائم الإبادة كيف انتصرت قضيتنا الأم وكسبت معارك الرأي العام العالمي سنجد وراء هذه الانتصارات الفذة قناة الجزيرة بقافلة صحفييها ومصوريها الشهداء هم والتحقت بهم في الشهادة عائلاتهم بسبب مروق الكيان عن القانون الدولي والأخلاق. تستمر الجزيرة في مقاومة الظلم بوجه رمزي هو أيقونة الفداء من أجل الحقيقة وائل الدحدوح رمز الشجاعة والصبر والرضا بقضاء الله سبحانه.

مساحة إعلانية