رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
فيلم ومشهد ومجلة. وضعت هذه الوسائط الثلاثة الإطار الدرامي لمعركة تدور في الخفاء بين الغرب وإفريقيا، لأن ما يهمس به أكثر مما يقال على الملأ.. تستخدم فيها جزرة الدبلوماسية الناعمة، وعصا الحرمان الغليظة من بذل المساعدات التنموية. ليست بسبب محاربة الجماعات الإرهابية، ولكنها معركة من نوع آخر وهي بين سلوكيات الحداثة والليبرالية الجديدة ومزاعم القيم الغربية، وبين التراث والقيم الحضارية لإفريقيا. أما الفيلم فهو (بروانباك ماونتاين) وهو فيلم من الدراما الرومانسية للدفاع عن حقوق المثليين في العالم، أنتجته هوليوود في عام 2005 وأخرجه أنج لي، وأعيد تدشينه بداية هذا العام بصورة ثلاثية الأبعاد. أما المجلة فهي مجلة تايم الأمريكية وهي تضع في صورة غلافها عنوان بارز(أثيوبيا مقبرة المثليين). أما المشهد فهو لقاء النائب العام اليوغندي في برلين وهو يلتقي بنظيره الألماني في أكتوبر من العام الماضي. كان النائب العام اليوغندي يستمع مندهشا لأهمية أن تنفتح بلاده لحقوق المثليين حتي لا تخالف الميثاق العالمي لحقوق الإنسان.وفي حركة درامية أخرج النائب العام اليوغندي نسخة الإنجيل التي كان يحملها في حقيبته وقال لنظيره الألماني: أتؤمنون بهذا؟. فأومأ بالإيجاب. فقال له لا نجد ما تدعوننا إليه في هذا الكتاب. لخصت افتتاحية صحيفة النيويورك تايمز الصادرة في 11 فبراير أبعاد هذه المعركة وقالت إن ما يتمتع به المثليون وما ينعمون به من حرية في الغرب، يقابله تضييقا واستهدافا غير مبرر ضد المثليين الأفارقة. وجاءت صرخة النيويورك تايمز عندما لمست توجهات قوية في البرلمانات الإفريقية لإصدار قوانين تجرم المثلية الجنسية. واتخذت من توقيع الرئيس النيجيري علي القانون في يناير من هذا العام الذي أصدره البرلمان في أبوجا ذريعة للاحتجاج، وقالت إنه يمثل تراجعا كبيرا لمسيرة الحرية في إفريقيا لأنه يجرم ويعاقب علي ممارسة الأنشطة والترويج للمثلية الجنسية ومثلية الهوية الثقافية. وفي هذا الصدد هاجم سفير واشنطون في بوركينا فاسو رئيس البلاد لأنه قاد الحملة ضد المثليين، كما أصدر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تصريحا ضد الرئيس الغامبي يحي جامع لأنه أنتقد المثليين وقال كيري إن واشنطون تشعر بالقلق من جراء هذا التصريح العدائي ضد المثليين من الرئيس الغامبي. ودعا ناشطون الوزير كيري إلى سحب سفيريه من بوركينا فاسو وغامبيا. ومورست ضغوطا عنيفة علي الرئيس السينغالي لإبطال التشريعات القانونية السائدة ضد المثليين والتي تعاقب بالسجن خمس سنوات، إلا أنه أكد أن قرارا كهذا سيواجه بغضب شعبي عارم ولن يستطيع أي سياسي دفع ثمنه أو مواجهة عواقبه. وحتي يكون لهذه التوجهات الإفريقية ثمنا اقتصاديا وسياسيا قالت منظمة العفو الدولية إن توجهات الدول الإفريقية في تجريم سلوك المثليين يحمل مخاطر اقتصادية ضد القارة لأن مناخ الاستثمار يبدو غير آمن وليس جاذبا للاستثمارات الأجنبية.ولعل الصفعة أو الدهشة الكبرى جاءت إلى الغرب من تلقاء يوغندا التي تعتبر الحليف الاستراتيجي الأول للغرب في منطقة شرق ووسط إفريقيا، وظل موسيفيني يتمتع بثقة ودعم الغرب في كل مغامراته السياسية في الإقليم. إذ وقع الرئيس موسيفيني بعد طول ترقب وتوقع قبل أسبوعين في شهر فبراير الماضي القانون الذي أصدره البرلمان اليوغندي بتجريم ومعاقبة ممارسات المثليين وإشهارها والترويج لها. وقال تقرير خاص في وكالة الأسوشيتد برس إن موسيفيني تعرض لضغوط عنيفة عبر وسائل الدبلوماسية الخفية والهادئة والتي فشلت في وقف تصاعد إصدار تشريعات تجرم حرية المثليين حسب زعمها في إفريقيا. وقابل موسيفيني قبل شهر من توقيعه القانون مجموعة من الناشطين الأمريكيين وأنضم لهم عبر الهاتف القس الجنوب إفريقي ديزموند توتو لإثناء موسيفيني عن ذلك. وخرج موسيفيني حينها بمبررات لتأجيل النظر في أمر القانون حتي يطلع علي تقرير أعدته مجموعة مختارة من العلماء اليوغنديين والخبراء الدوليين لكشف ماهية وهوية هذه التوجه الجنساني والممارسة وهل هي مسألة جينية أم سلوكية؟.أي هل هي خلقية جينية أم سلوك مكتسب؟. وقرر موسيفيني أخيرا توقيع القانون رغم الوعود المعسولة التي بذلها لكل زائريه من الناشطين والسياسيين.وقال مبررا ذلك إن تقرير العلماء اليوغنديين أثبت أن هذه الممارسة تمثل مخاطرا جمة علي الصحة العامة في البلاد. في أول رد فعل أدانت الولايات المتحدة الخطوة التي اتخذتها يوغندا، وهددت بوقف العون السنوي البالغ 400 مليون دولار، كما أعلن البنك الدولي تجميد مساعدات للقطاع الصحي ب 90 مليون دولار. وفي ذات الاتجاه عبرت كل من هولندا والنرويج والسويد عن إدانتها ليوغندا وهددت بالنظر في وقف المساعدات التنموية. وقال تقرير صادر من منظمة العفو الدولية أن موسيفيني وقع علي القانون لأنه يريد إعادة ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة مرة أخري، ويريد ضمانات المساندة السياسية من داخل حزبه وأعضاء برلمانه. وفي استطلاع أجرته البي بي سي البريطانية الأسبوع الماضي قال طبيب يوغندي إن القانون الذي أصدره البرلمان يعني بالأمن الثقافي لبلاده، وقال آخر إن هذا القانون لتعزيز احترام التقاليد والإرث الإفريقي. وفي ذات البرنامج قال الدكتور جونثان مدير معهد دراسات ما وراء البحار بلندن إن قرار البنك الدولي لتجميد العون المقدم إلى يوغندا بمبلغ 90 مليون دولار يعتبر قرارا غير حكيم لأن الضرر يقع على المواطن لا الحكومة، كما أشار إلى أن الخلافات الثقافية لا تحل عبر الضغوط السياسية. وقال إن الغرب الذي كان يمثل أكبر منتهك لحقوق الإنسان قبل أقل من مئة عام أصبح الآن شرطيا دوليا وضميرا أخلاقيا لشعوب القارة الإفريقية.توضح قاعدة البيانات التي تنشرها المنظمات الناشطة للدفاع عن حقوق المثليين أن 38 دولة في إفريقيا تحرم وتجرم هذا السلوك من أصل 54 دولة وكيان سياسي في إفريقيا. وأن هناك 76 دولة في العالم تتبني ذات الموقف. وفي الخارطة الملحقة في قاعدة البيانات يرد أسم السودان ضمن أربع دول في المنطقة توقع حكم الإعدام علي مرتكب الجريمة،وهي موريتانيا، السعودية وإيران بجانب السودان، أما بقية دول العالم العربي فتطبق عقوبة السجن. ولكن الأمر الأهم هو العناية والاهتمام بالضحايا الذين عانوا من تشوهات نفسية حادة جراء الاعتداءات والتحرشات التي تعرضوا لها في طفولتهم.
739
| 02 مارس 2014
قال الأستاذ هيكل في ذات السياق: إن الرئيس نميري بعد مؤتمر القمة العربية في الرباط في ديسمبر 1969 أعرب عن قلقه من الاهتمام بالثورة الليبية أكثر من السودانية. وقد التمس نميري من عبد الناصر زيارة السودان، حابسا غيرته من زيارة ناصر إلى بنغازي أولا، رغم سبق ثورة مايو في السودان على ثورة الفاتح في ليبيا.. وقد أشار هيكل إلى هذه النقطة مجددا عندما نقل وقائع الاجتماع الأول بين جمال عبد الناصر والقيادة السوفيتية في زيارته الأولى لموسكو، حيث أبدى الروس اهتماما بثورة الفاتح لموارد البترول، بينما لم يكترثوا للتغيير الذي حدث في السودان رغم أنه كان محسوبا عليهم في بادئ الأمر.استجابة لطلب الرئيس الأسبق نميري، زار عبد الناصر الخرطوم في رأس السنة الفاصلة بين سنوات القلق والغليان 1969-1970. وفي الخرطوم ذهب إلى منزل الرئيس نميري وتعرف على أسرته، كما خاطب عددا من الحشود الجماهيرية، واستغل نميري تلك الزيارة ليعلن قرارات التأميم المشهورة. في الخرطوم انبثقت التوجهات الإستراتيجية الجديدة لعبد الناصر في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث قال عبد الناصر لهيكل إنه بعد أن اتضحت المواقف العربية في قمة الرباط، وحدوث ثورة السودان وليبيا، لا بد من نقل الصراع من الإطار المحلي إلى النطاق الإقليمي والدولي. ولابد من تأثير الصراع العربي الإسرائيلي على موازين الحرب الباردة بين القطبين، وفي ذلك الوقت قرر عبد الناصر زيارة موسكو لرفع وتيرة الصراع إلى المستوى الدولي ليكون جزءا من أجندة الحرب الباردة. يقول هيكل: "كان الناس يحتفلون برأس السنة في الخرطوم، وأنا أتمشى على شاطئ النيل، متجها نحو حدائق المقرن، حيث يلتقي النيلان الأبيض والأزرق، وكنت مهموما أفكر فيما قاله لي عبد الناصر من ضرورة رفع الصراع إلى المستوى الدولي". وكانت السنة التي شهد ميلادها هيكل بالخرطوم حبلى بالجديد والمثير في خارطة الصراع العربي الإسرائيلي وإعادة تشكيل الخارطة العربية.وزعم هيكل لنفسه دورا تاريخيا لمنع ضرب الجزيرة أبا بسلاح الطيران المصري. وحسب روايته: اتصل الرئيس الراحل نميري بالرئيس عبد الناصر في مطلع عام 1970 شاكيا من ازدياد المعارضة المسلحة للثورة من قبل الأنصار بالجزيرة أبا، وعدها منفذا لعودة الرجعية مما يستدعي التعامل معها بحسم. وطلب نميري الاستعانة بسلاح الجو المصري. وعرض هيكل نص المحادثة التي جرت بين نميري وعبد الناصر حسب رصد هيئة الإرشاد المصرية، حيث وصف هيكل المحادثة بالوضوح التام.. وسرعان ما أحال عبد الناصر الطلب السوداني إلى الفريق فوزي وزير الحربية طالبا إعداد العدة والتجهيزات ، للقضاء على الأنصار في الجزيرة أبا.. وتم تحديد أسراب الطائرات التي كانت تضم الأنتنوف، وقادة السرب منهم العميد مصطفى أمين، والعميد محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية المصرية لاحقا. وكان أن تم نشر فرق استطلاع سياسية وعسكرية في المنطقة لتوجيه وتصويب الضربات.وقال هيكل: عندما أطلعني جمال عبد الناصر على خطة ضرب الجزيرة أبا بواسطة سلاح الطيران المصري ، طرحت له رأيا مغايرا، مشيرا إلى أنه لا يجوز أن يتدخل سلاح الجو المصري لإراقة دماء الشعب السوداني مهما تكن الخلافات السياسية. وأن تدخل مصر العسكري في معركة الخلاف السياسي مع الأنصار سيسمم مستقبل العلاقات بين البلدين إلى الأبد، كما أشار حسب زعمه إلى أهمية منطقة حوض النيل، وضرورة الابتعاد عن أي تدخلات عسكرية للحفاظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. واقترح بديلا للضربة العسكرية حل المشكلة سياسيا. وقال هيكل عارضا وثيقة أخرى بخط عبد الناصر موجهة للفريق فوزي وزير الحربية، إن رأي هيكل يبدو معقولا لأنه لا توجد أهمية سياسية للجزيرة أبا، بل يجب الاهتمام بالخرطوم فقط. أي يمكننا التدخل إذا تم تهديد الخرطوم وليس التدخل لقمع تمرد في منطقة نائية بالسودان. وطلب عبد الناصر من الفريق فوزي إبلاغ أنور السادات بوقف الضربة الجوية للجزيرة أبا قبل سويعات من بدء العملية.. وهنا يقرظ هيكل من القدرة القيادية للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث يرى أن عبد الناصر قد استمع لصوت التاريخ أيا كان مصدره، واستجاب لرأي هيكل لوقف ضرب الجزيرة أبا، وهذه خصلة نادرة في القادة ومتخذي القرار، في أن يستجيبوا للنصح والمراجعة، بل وأن يحنث بوعد بذله للرئيس نميري بالإمداد العسكري. وبالتالي ينسب هيكل لنفسه فضل انسحاب الجيش المصري عن ضرب الجزيرة أبا، مدعما ذلك بالوثائق والمخطوطات.. ولكن رغم هذه الرواية إلا أن هناك شبه إجماع وسط السودانيين أن سلاح الجو المصري تدخل بالفعل في قصف الجزيرة أبا بقيادة الرئيس الأسبق حسني مبارك، رغم أن هيكل يزعم أن قصف الجزيرة تم بمدافع الهاون، وربما بعض طائرات سلاح الجو السوداني، ولكنه ينفي نفيا قاطعا تدخل الجيش المصري في هذه الحادثة، ونتيجة لموقف عبد الناصر غضب الرئيس نميري وقرر اقتحام الجزيرة أبا بالجيش السوداني..ويفاجئ هيكل في برنامجه (مع هيكل) مرة أخرى الجمهور السوداني زاعما أن الإمام الهادي مات مسموما بفاكهة قدمت له في كسلا في طريقه للهرب واللجوء نحو أثيوبيا.. ويؤكد ذلك بتحديد نوع الفاكهة (مانجو).. وقال إن هذا النوع الغامض من الاغتيالات مشهور في أفريقيا، بدليل أنه لم يتم التوصل إلى القاتل الحقيقي حتى اليوم.. في المقابل تكشف ملابسات التاريخ المثبتة، والتحقيقات التي أجريت فيما بعد أن الإمام الهادي اغتاله أحد أفراد البوليس في الحدود المشتركة مع أثيوبيا. واستعرض هيكل ضمن وثائقه خطاب بعثه الرئيس نميري إلى عبد الناصر في 8 أبريل 1970، ابتدأ الخطاب بالصيغة التالية (أيها الأخ الرئيس جمال).. وقال هيكل إنه أدرك على الفور أن محرر الخطاب شيوعي، لأن صيغة النداء التي تبدأ (بأيها) من متلازمات الخطاب العقائدي لدى الشيوعيين. وحمل الخطاب الذي أرسله نميري إلى عبد الناصر ربطا أيدلوجيا بين التطورات السياسية في الداخل، وبين ما يحدث على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث أشار إلى أن الاستعمار ظل يكثف مؤامراته منذ يونيو 1967، ولكن انفجار الثورتين مايو وسبتمبر في السودان وليبيا خلق روافد جديدة للثورة العربية الاشتراكية.. وهنا قال هيكل: إن خطاب نميري أدرك مسار التاريخ.
2454
| 15 يناير 2014
قال هيكل في مقابلته مع قناة سي بي سي المصرية الأسبوع الماضي إن السودان هو عبارة عن وضع جغرافي فقط، مما يعني أنه لم يرتق إلى مصاف الدولة أو الأمة. وتعني العبارة كما سنوضحها في سياقها التاريخي أن السودان عبارة عن كتل قبلية وجهوية صماء لا تجمع بينها هوية وطنية جامعة أو شعور قومي صادق أو روح سودانية خالصة. وهو يعني بهذه العبارة أن الانتماء في السودان للقبيلة وليس للوطن. وتنم هذه الإفادة عن ذهنية استعلائية لا تدرك الأبعاد التاريخية والحضارية للسودان في المنطقة. وهو ذات ما عبر عنه هيكل في كتابه الشهير (خريف الغضب) عندما عير السادات بسواد بشرته وأصله السوداني وقال إن السادات كان يعاني من عقدة لونه ودمائه السودانية. وقال هيكل في خريف الغضب إن أم السادات (ست البرين) كانت ابنة رجل يدعي خير الله تم استرقاقه وبيعه في دلتا النيل وقد ورث السادات من أمه ست البرين تقاطيع الزنجية وورث مع هذه التقاطيع مشاعر غاصت في أعماقه بعيدا، وقال إن السادات ظل يعاني من عقدة اللون حتى مماته. وهيكل بالرأي السابق عن أن السودان حالة جغرافية فقط يؤكد أنه لم يزل واقفا في محطة 1953 التاريخية عند زيارته للسودان، لأنه وصف السودان للرئيس عبد الناصر بعد زيارته للخرطوم آنذاك قائلا: إن السودان هو مجموعة قبائل متفرقة قد تجمع بينها تحالفات ظرفية وعابرة ولكنها سرعان ما تذوب وتتلاشى وهذه القبائل لا تجمع بينهما هوية وطنية جامعة أو دولة حديثة. وقال هيكل في حديثه للقناة المصرية إنه أدرك منذ ذلك التاريخ أن الجنوب سينفصل من السودان. وذهب أبعد من ذلك وقال: السودان الراهن ليس دولة متماسكة، بل هو أربع سودانات في الشمال والجنوب والشرق والغرب. وأبدى هيكل في سياق تحليله النظري للراهن المصري اهتماما بدولة جنوب السودان وقال: يمكن لمصر أن تستفيد من الإمكانات الزراعية الهائلة في جنوب السودان والموارد المائية والطبيعية. وضرب صفحا عن ذكر أي تعاون إستراتيجي أو اقتصادي بين السودان ومصر وهو رغم الوضع الراهن المضطرب إلا أنه من ناحية إستراتيجية لا يوجد بدليل للبلدين سوى التعاون المشترك في جميع المجالات. وهيكل في سياق هذا التحليل يجعل من دولة جنوب السودان بديلا للعلاقات التاريخية للسودان في سياق التعاون الاقتصادي وسد الفجوة الغذائية التي ستواجه مصر خلال العقود القليلة القادمة لضيق المساحات الزراعية وزيادة الكتلة السكانية.حسب روايته السابقة والتي سردها في حلقات برنامجه التوثيقي (مع هيكل) بقناة الجزيرة سابقا فقد التقى هيكل في زيارته للسودان في عام 1953 بالسيدين عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني، ورفض الميرغني أن يحدثه في السياسة وطفق يحدثه عن ممالك النحل والنمل والطيور حتى أدرك الرسالة وأنهى المقابلة دون أن يظفر بإجابة عن تساؤلاته، وقال له: تحدث في السياسة مع الخلفاء. وعلى عكس ذلك الموقف تحدث السيد عبد الرحمن المهدي مع هيكل وقال ردا على سؤاله عن تفضيل حزب الأمة للاستقلال، قال المهدي: نحن نتحدث مع الإنجليز، لأنهم مثل السائس الذي يقود عربة الكاريته التي يجرها حصان، فالسائس هم الإنجليز وهو الذي يقود العربة ويوجهها حيثما يريد، أما الحصان الذي يجر العربة فهم المصريون والحصان يأتمر بأمر السائس ولا يخالفه في أمر، لذا فإن السيد عبد الرحمن المهدي يتحدث مع الإنجليز عن أمر استقلال السودان وليس مع المصريين. وقال هيكل معلقا على حديث السيد عبد الرحمن المهدي إنه حديث ينطوي على حكمة وبعد سياسي واقعي. ظل الأستاذ هيكل يفاجئ النخبة السودانية في كل مرة يطل فيها عبر النشر والإعلام بالتعليق على حوادث تاريخية تعارض تماما ما وقر في وجدان ومعرفة وإدراك الشعب السوداني. ومثالا لذلك كتب هيكل عن رئيس وزراء السودان الأسبق محمد أحمد المحجوب على هامش كتابه (بين الصحافة والسياسة) بأنه توسط لدى عبد الناصر لإطلاق سراح العقاد. وعرفه في هامش الكتاب بأنه رئيس وزراء السودان الأسبق واتهمه بأنه زير نساء، رغم صداقته العريقة معه.وتلك التهمة أبعد ما تكون عن المحجوب الذي عرف بالثقافة والعفة والفصاحة والبيان. وقد نفى لي الأستاذ الراحل أحمد سليمان المحامي هذه التهمة المقيتة من قبل هيكل، وكما هو معروف كان أحمد سليمان صديقا مقربا من المحجوب، مؤكدا أن المحجوب كان مشهورا بالعفة والكرم إضافة إلى صفات النجابة والقيادة، والفصاحة والبيان، كما هو معلوم.وأورد هيكل ذلك التعريف المنقوص عن المحجوب على هامش كتابه للتحقير بالقيادات السياسية السودانية، خاصة ذات النزعة الاستقلالية والأنفة والكرامة الوطنية.
1328
| 12 يناير 2014
السودان عبارة عن (جغرافيا فقط).هكذا لخلص الأستاذ محمد حسنين هيكل السودان في إفاداته التي قدمها لقناة سي بي سي المصرية الأسبوع الماضي في حوار شامل تحت عنوان (مصر أين؟ ومصر إلى أين) في خواتيم العام 2013. وهي عبارة تكشف في معناها الخفي أن السودان ليس شعبا أو أمة أو دولة. ولم أجد وصفا يليق بهذا الحكم سوى أنه يمثل استعلاء فارغا وجهلا مسفا لعلامة بارزة في تاريخ الصحافة العربية. وقد طوف هيكل كعادته في مثل هذه اللقاءات على تطورات الوضع الإقليمي والداخلي، متحدثا عن النظام العربي الإقليمي وأشار إلى أن مصر فقدت قوتها الناعمة المتمثلة في الثقافة والفن التي تكونت عبر حقب متطاولة، وقال إن عام 2014 سيكون حاسما لمستقبل مصر الذي يعتمد استقراره على التحالفات الإقليمية، وانتقد رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان وقال رغم أهمية تركيا إلا أن أردوغان تسيطر على ذهنه الأساطير لأنه فقد مصر بسهولة وأبدى حماسا للعلاقات مع إيران، كما انتقد سياسة قطر في المنطقة مؤكدا أن الغنى لا يصنع قوة. وأنا أشاهد هذه الحلقة تذكرت النقد الهادر الذي واجهه الدكتور سيار الجمل عندما نشر كتابه (في تفكيك هيكل) الذي هاجم فيه منهجية محمد حسنين هيكل وعده متطفلا على التاريخ السياسي وقال: هو مجرد صحفي وليس مؤرخا سياسيا مؤكدا أنه لن يقبل به طالبا في الفصل لأنه لا يملك المؤهلات العلمية الكافية لأداء هذا الدور الذي يدعيه لنفسه.ظلت علاقة هيكل بالسودان تعاني من ذات الحساسيات التاريخية مع الشقيقة مصر، وهي ما عرف عند النقاد بأزمة الهيكلين. وهو الدكتور أحمد حسنين هيكل الذي كتب (عشرة أيام في السودان) وهي مشاهداته لدى افتتاح خزان سنار عام 1925. وعدت النخبة السودانية كتابه تشويها وإساءة للسودان عندما عاب طعام أهله ووصف بعض نسائه في المزارع والأرياف بما لا يليق. مما حدا بالبعض أن يرد عليه كتابة، ومن ثم ألف المؤرخ محمد عبدالرحيم كتابه (دفع الافتراء) ردا عليه.أما الأزمة الثانية فهي مقال محمد حسنين هيكل عام 1964 (ثم ماذا بعد في السودان) الذي أنكر فيه أن تكون أكتوبر ثورة حقيقية.فهاجمه جيل أكتوبر. وجاءت حادثة احتكاكه مع الرئيس الأسبق جعفر نميري في الطائرة والتي يقول الرواة أنه لكمه في وجهه حتى تدخل الرئيس السادات قائلا (ده إيه ده يا جعفر).وظل هيكل يتحاشى زيارة السودان رغم تطوافه الذي لا ينقطع على العواصم العربية والإقليمية. وعندما التقت به مجموعة من المعارضة السودانية بقيادة المرحوم د. عمر نور الدائم في التسعينيات بترتيب من الصحفي الراحل يوسف الشريف وصفوه بأنه (مثل شجر الدليب ترمي بظلها بعيدا عن أهل البيت) مما يعني أنه يتحاشى الدخول في معمعان السياسة السودانية خوفا من إستثارة الحساسيات التاريخية.عندما طالعت إفادات وزير خارجيتنا مولانا علي كرتي مؤخرا في حوار صحفي بشأن تسليم مصر ذخيرة فاسدة أي (فشنك) للسودان في صفقة مشتركة تذكرت موقف الكوميديان عادل إمام في مسرحية (الواد سيد الشغال) عندما أراد الدخول على زوجته ولم يكن يدرك أنه كان محللا فقط لسيدته التي يعمل معها حتى يتزوجها مجددا طليقها الثري.ولما رفضت أن يمسها قال لها (أنت عايزة صحبي يقول علي فشنك). ولما أفتى المأذون بعدم صحة طلاقه منها حتى يدخل بها قال (الله أكبر).والأمر لدى النخبة السياسية في السودان لم يكن مجرد ذخيرة (فشنك) بل مسيرة تاريخ وسلوك مستقر ونظرة مستعلية،وصورة مبتسرة للشخصية السودانية في الذهن الشعبي والسينما المصرية التي تختزلها في شخصية (عثمان البواب).هذه الأشياء الصغيرة تتطور لتصبح موقفا صلبا، لذا ظلت صورة مصر في الذهن الشعبي السوداني أقرب إلى شخصية (منسي) ذي الأصول المصرية في عمل الطيب صالح الإبداعي الذي كان يرى الدنيا عبارة عن ضحكة كبيرة ممتدة وغش متواصل(إن الحياة نكتة كبيرة وضحكة متصلة وفهلوة لا تنقطع وضرب من شغل الحلبسة). وقد هلل السودانيون عندما قدم الممثل يحيى الفخراني مسلسله الشهير (الخواجة عبدالقادر) وظنوا أن هذا العمل هو البداية لتغيير الصورة النمطية للإنسان السوداني الذي أبرزه المسلسل بأنه من أهل التصوف والعرفان والحقيقة.إن إفادات الأستاذ هيكل الإعلامية عن السودان في نهايات عام 2013 لا تخرج عن سياق آرائه التاريخية عن السودان التي ظل يرددها منذ مطلع الخمسينات. وهي تعبر بصدق عن أزمة الذهن السياسي المصري عن السودان وهي أن (الملك فاروق هو ملك مصر السودان) وأن السودان يستمد أهميته فقط من أنه حديقة خلفية للنفوذ المصري، وظل السودان في هامش الهم الاستراتيجي المصري إلا عند الضرورات القصوى التي تهدد الأمن القومي المصري. وقد كشف هيكل عن نظرته تلك في مراسلاته السرية المحظورة إلى الرئيس الأسبق (حسني مبارك) والتي نشرها بعد ذلك في كتابه (زمن حسني مبارك) بعد ثورة 25 يناير.يقول هيكل.. "وعلى سبيل المثال أخيرًا، فإن مصر عقدت مع السودان اتفاق تكامل - لم أكن متحمسًا له، وإن لم أكن بالتأكيد ضده - لكن كل شيء لابد أن يجيء بمعيار، خصوصًا أن تلك لم تكن المرة الأولى أو الثانية أو الثالثة التي توقع مصر فيها مثل هذا الاتفاق مع السودان. وظني أن التكامل - إذا أريد له أن ينجح - يحتاج إلى ما لا يملكه الطرفان الآن من الموارد والحقائق! وفي بداية الأمور ونهاياتها، فإن الالتفات للسودان - مع فائق أهميته - ليس بديلاً عن دور مصر العربي - وبالغ خطورته. وقد أكون مخطئًا - يا سيادة الرئيس - فيما رأيت ولاحظت، لكني أصدر فيما أقول عن نظرية للأمن القومي المصري، أؤمن بها".هنا وضع هيكل كفتين لموازين الأمن القومي المصري، إما الالتفات إلى البعد العربي، ودور مصر الإقليمي أي الاهتمام بقضية فلسطين والصراع التاريخي مع إسرائيل، أو التركيز على البوابة الجنوبية وهي السودان.ولا يخفي هيكل ترجيحه لكفة التوجه نحو الشمال الشرقي أي الاهتمام بقضية الصراع العربي الإسرائيلي، وعدم الاهتمام بالسودان، لأنه لا تتوفر الحقائق والموارد الضرورية لتلك العلاقة. وينبع إيمان هيكل باستراتيجية التوجه شرقا، وجعل الصراع العربي الإسرائيلي هو مركز استراتيجية الأمن القومي المصري، - ينبع من- البحث عن دور قيادي وطليعي لمصر في المنطقة العربية.أما البوابة الجنوبية، أي السودان فهو لا يعطي مصر دورا رياديا في المنطقة العربية هذا فضلا عن أن السودان لا يشكل أي خطورة على الإطلاق على مرتكزات الأمن القومي المصري.لكن في المقابل لا تحتمل مصر وجود نظام معاد لها في الخرطوم أو مستقل عن نفوذها السياسي الذي اكتسبته بالتأثير المباشر، ووجود نخبة سياسية موالية، وعبر صيرورة التراكم التاريخي.وأتذكر في هذا السياق الحوار الذي تم مع وزير الخارجية الأسبق د. مصطفي عثمان وكوندليزا رايس مساعدة وزير الخارجية للشئون الإفريقية في عهد كلنتون ومستشارة الأمن القومي للرئيس أوباما الآن. قالت كوندليزا رايس للدكتور مصطفي إسماعيل: ارتكبت حكومة الإنقاذ كل الأخطاء ولكنها أصابت في شيء واحد وهو استقلال السودان من النفوذ المصري.
2550
| 10 يناير 2014
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4833
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3576
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2871
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2736
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2649
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
1632
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1473
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1041
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
810
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية