رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

وجيدة القحطاني

• ناشطة اجتماعية

مساحة إعلانية

مقالات

213

وجيدة القحطاني

الذكاء الاصطناعي.. سلاح ذو حدين

11 أغسطس 2025 , 01:24ص

نحن نعيش في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة مدهشة، حتى أننا بالكاد نلتقط أنفاسنا لنفهم ما يدور حولنا، أحد أكثر الابتكارات تأثيرًا في هذا العصر هو «الذكاء الاصطناعي»، الذي دخل حياتنا دون استئذان، وتمدد في تفاصيل يومنا العادي، في هواتفنا، في منازلنا، في تعليم أبنائنا، وحتى في لحظات الترفيه والراحة. لكن مع كل ما يحمله من فرص، لا يمكن أن نغفل عن كونه سلاحًا ذا حدين. وبينما ينشغل العالم بإبراز مزاياه، أرى أن من واجب كل أب وأم أن يقفا قليلًا ليفكرا، ما الذي يدخل حياتي من خلال هذه التقنية؟ وكيف يمكن أن يؤثر على نفسي، وأسرتي، وأطفالي تحديدًا؟

ببساطة، الذكاء الاصطناعي هو قدرة الآلات على محاكاة بعض قدرات الإنسان العقلية، مثل التعلم، واتخاذ القرار، والتخطيط، والتفاعل مع اللغة والصوت والصورة، لكن دعونا لا نُبسط الأمور أكثر من اللازم، فهذه التقنية ليست مجرد روبوتات لطيفة أو تطبيقات طريفة، بل هي منظومات ضخمة تحلل بياناتنا، وتتعلم من سلوكنا، وتُعيد تشكيل تجاربنا اليومية في كل ضغطة زر.

كيف لا يُدهشك ذكاء آلة تقترح عليك فيلمًا تحبه دون أن تطلب؟ أو تطبيق يتنبأ بما تريده بناءً على محادثة عابرة؟ أو برنامج تعليمي يتفاعل مع مستوى ابنك بشكل شخصي؟ الذكاء الاصطناعي جعل حياتنا أسهل من أي وقت مضى، يوفّر الوقت، يقلل من الأخطاء، يُحسّن من جودة التعليم، ويمنحنا راحة لم نكن نحلم بها، لكنه – ويا للأسف – قد يسلبنا في المقابل شيئًا أثمن بكثير: وعينا، قدرتنا على التفكير، وعلاقاتنا الإنسانية. لا أنكر أن هناك تطبيقات تعليمية رائعة، تنمّي مهارات الطفل وتُبسط له المفاهيم الصعبة. لكن هل ننتبه للوجه الآخر؟ كم من طفل اليوم لا يستطيع أن ينام دون شاشة؟ كم من طفل فقد قدرته على التركيز أو الكلام المباشر بسبب الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية؟ إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي في منصات مثل YouTube لا تسعى لتعليم الطفل، بل لإبقائه مشدودًا لأطول وقت ممكن، محتوى يُبهر العين لكنه – في كثير من الأحيان – يُفسد الوجدان.

أيها الأب، أيتها الأم... لا تفرحوا كثيرًا حين يصمت طفلك أمام الشاشة، هذا الصمت ليس علامة على الراحة، بل نداء خفي من عقل صغير يغرق في العزلة الرقمية. الذكاء الاصطناعي يتلاعب أيضا بعقول المراهقين أكثر مما نتصور، ما بين خوارزميات مواقع التواصل التي تبالغ في عرض «الكمال المزيف»، وتطبيقات تُعيد تشكيل الصور والواقع، يضيع الشاب أو الفتاة في مقارنة مستمرة مع نماذج غير حقيقية، يبدأ الشعور بالنقص، ثم التوتر، ثم الاكتئاب... وربما ما هو أخطر. هناك أيضًا خطر التنمر الإلكتروني، ونشر الشائعات، وتلقي رسائل مشفرة من شخصيات مؤثرة تحركها أدوات الذكاء الاصطناعي. المراهق، بطبيعته، يفتش عن ذاته، عن صوته الخاص، عن شخصيته، فكيف له أن يجدها وسط زحام محتوى مفلتر ومُصمم ليجذبه لا ليبنيه؟

أحيانًا نحن – ككبار – نستسلم بسهولة، نُسلم أطفالنا للمحتوى الذكي كي نرتاح قليلاً، أو نبرر بأن العالم يتغير ولابد أن يواكبوا، لكن... هل نراقب فعلًا ما يُشاهد؟ هل نسأل أنفسنا: هل أنا أعلّم طفلي التوازن، أم أزرع فيه التبعية؟

التكنولوجيا لا تعوض التربية، ولا تملأ الفراغ العاطفي، إن بيوتًا كثيرة تبدو هادئة من الخارج، لكن ما إن تُغلق الشاشات حتى تظهر الفجوات: طفل لا يعرف كيف يتكلم مع والده، ومراهق يفضل الحديث مع «روبوت» على أن يفتح قلبه لأمه.

وهنا أدعو جميع الآباء والأمهات، لا تتركوا التربية للأجهزة الذكية.. التطبيقات لا تُربي، والخوارزميات لا تُراعي قيمنا ولا ثقافتنا، التربية تبدأ بالقدوة، ثم بالحديث، ثم بالحب والاحتواء.. راقبوا المحتوى دون تجسس: هناك فرق بين المراقبة الحانية، والشك المؤذي. اسأل ابنك، اجلسي مع ابنتك، تحدثوا بلا توتر... فالحوار هو جدار الأمان الأول.

حدّدوا أوقات الاستخدام... وكونوا قدوة: لا يمكن أن تطلب من ابنك ترك الهاتف وأنت تمسك به طوال الوقت، التقنية تحتاج نظامًا عائليًا لا أوامر فردية.. عزّزوا المناعة النفسية والعقلية: لا تتركوا أبناءكم فريسة لما يُبهرهم بصريًا، علّموهم كيف يفكرون، كيف يشككون، كيف يسألون، التفكير النقدي هو السلاح الحقيقي.. حافظوا على العلاقات الواقعية، خصصوا وقتًا للأنشطة الجماعية، للأحاديث اليومية، للنقاشات العابرة، فالعائلة ليست شاشة، بل مشاعر وتفاعل وإنصات. 

ختاما.. الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا، لكنه ليس صديقًا دائمًا أيضًا، إنه أداة، وسلاح، ومرايا تعكس ما نزرعه نحن، إذا كنا واعين ومسؤولين، سيخدمنا، وإن كنا مهملين أو مستسلمين، فسيفسد حياتنا بصمت، دون أن نشعر إلا بعد فوات الأوان. أحب أن أكرر دائمًا هذه العبارة.. «الذكاء الحقيقي ليس في الآلة، بل في من يستخدمها.»

أيها الأب... أيتها الأم... المستقبل يبدأ من اليوم، ومن كل قرار تتخذونه داخل البيت، لا تجعلوا الذكاء الاصطناعي يُربي أبناءكم بدلًا عنكم، فأنتم – مهما تطورت الآلات – تظلون الأصل، والمرجعية، والمصدر الأهم للحب والأمان والتوجيه.

 

مساحة إعلانية