رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

270

د. أحمد المحمدي

فلا تظلموا فيهن أنفسكم

12 يناير 2025 , 02:00ص

الحمد لله الذي جعل الزمن مواسم، والدهر أياما يفيض فيها بكرمه على عباده، فجعل منهم شهورا عظّمها وشهرا مباركا، حتى يكون العبد فيها أقرب إلى ربه وأشد استقامة على أمره. ومن أعظم هذه المواسم، الأشهر الحرم التي قال فيها الله تعالى: “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ”.

والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان».

وقوله: ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، لأن ربيعة كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مضر تحرم رجباً نفسه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الذي بين جمادى وشعبان» تأكيداً وبياناً لصحة ما سارت عليه مُضر.

لقد اصطفى الله هذه الأشهر من بين سائر الشهور، فجعلها حُرُماً: حرّمت فيها الدماء، وعُظّمت فيها الحرمات، وأُمر العبد فيها بمزيد من التقى والعمل الصالح، فكانت بمثابة الراحة للنفس من عناء الخطايا، ومجالا رحبا لإصلاح ما أفسده الزمن والشيطان والنفس بالإنسان.

عظم الله هذه الأشهر وحذر من ظلم الإنسان نفسه بها فقال: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر المحرمة، لأنها آكد، وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).

ويقول القرطبي رحمه الله: (لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً).

بقي أن نذكر أن شهر رجب لم ترد فيه عبادة مخصوصة به، وما يفعله البعض من ذلك لا أصل له، ولكن هذا لا يعنى التهاون في العبادات، بل يعنى عدم اعتقاد أن هذه العبادة بعينها لها فضل ما في شهر رجب.

مساحة إعلانية