رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

هديل رشاد

صحفية فلسطينية

مساحة إعلانية

مقالات

435

هديل رشاد

اقتلاع شجر الزيتون خطة ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية

16 أبريل 2025 , 03:00ص

أصبح اقتلاع أشجار الزيتون إجراءً استعماريًا يسعى إلى تغيير المظهر الطبيعي والثقافي للأرض، ومحاولة طمس الهوية والتراث الفلسطيني. تُعد الزيتونة رمزًا عريقًا للثبات والأصالة بين الفلسطينيين، إذ تحمل في جذورها ذاكرة الأجيال وترمز إلى الصمود في مواجهة المحن. إلا أن سياسات الاستيطان لم تقتصر على حوادث منفردة، بل اتخذت شكلًا ممنهجًا على مدى عقود، مما أثر بشكل عميق على المشهد الزراعي والثقافي والاقتصادي.

يمكن القول إن الانتهاكات المتعلقة باقتلاع أشجار الزيتون بدأت بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، حيث وقعت بعض الحالات الفردية والموثقة لاختفاء أشجار الزيتون نتيجة لإجراءات عسكرية وإدارية. ومع ذلك، فإن تلك الحوادث لم تكن تعكس بعد سياسة ممنهجة تستهدف التراث الزراعي الفلسطيني.

وبحلول التسعينات، ومع تصاعد نشاط الاستيطان بعد اتفاق أوسلو، بدأت تظهر سياسات ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الطبيعي للأراضي الفلسطينية. وفقًا للدكتور عصام سخنيني في دراسته المنشورة عام 1998، فإن “استراتيجية اقتلاع أشجار الزيتون لم تكن عشوائية، بل جاءت ضمن خطة ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية وتحويل المشهد الطبيعي لصالح مشاريع استيطانية” هكذا، بينما بدأت الانتهاكات الأولية بعد 1967، فقد تطورت لاحقًا لتصبح جزءًا من استراتيجية سياسية شاملة.

يمتد أثر اقتلاع أشجار الزيتون إلى ما هو أبعد من الجانب الاقتصادي؛ فهو يحمل دلالات ثقافية ورمزية عميقة. فقد أكد الباحث المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري في مقالة له نُشرت عام 2005 أن «إزالة الزيتون من الأراضي الفلسطينية تُعد رسالة رمزية تهدف إلى إعادة كتابة التاريخ، وإلى محو الذاكرة الجمعية التي تربط الفلسطينيين بأرضهم»، وفي مقابلة له عام 2007، قال الدكتور المسيري إن “المستوطنات ليست مجرد تجمعات سكانية، بل هي مشاريع استراتيجية تسعى إلى تغيير مفاهيم الانتماء والهوية، مما يجعل من كل شجرة زيتون تُزال خطوة نحو محو التاريخ الفلسطيني”.

ونحن نقول إن نقل شجرة الزيتون من الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنات لا يقتصر على تغيير المشهد الطبيعي فحسب، بل يمثل أيضًا محاولة لإعادة تعريف الأرض وفقًا لرؤية سياسية جديدة تهدف إلى تغيير الذاكرة الجماعية، وتقويض الروابط التاريخية بين الشعب الفلسطيني وأرضه.

كما تُعد أشجار الزيتون مصدر رزق رئيسيا للعديد من العائلات في القرى الفلسطينية، وتُشكل جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الزراعي المحلي، إن فقدان هذه الأشجار يعني أكثر من مجرد خسارة للنبات؛ فهو يمثل فقدان جزء من التراث الزراعي والثقافي الذي يربط الفلسطينيين بأرضهم، وقد أشارت تقارير من منظمات حقوق الإنسان إلى أن السياسات الاستيطانية أدت إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج الزيتون، مما زاد من الاعتماد على المعونات الخارجية في بعض المناطق.

وعلى الرغم من الضغوط والإجراءات الممنهجة التي تهدف إلى تغيير المشهد الطبيعي، يستمر الشعب الفلسطيني في التمسك بتراثه وهويته. تبقى شجرة الزيتون رمزًا للنضال والصمود، حيث يستمر المزارعون في زراعتها والعناية بها وسط التحديات. وتعتبر هذه المقاومة ليس فقط معركة اقتصادية، بل معركة ثقافية وإرثًا حيًا يعكس كفاح الفلسطينيين من أجل الحفاظ على هويتهم وذاكرتهم التاريخية.

يبقى اقتلاع أشجار الزيتون من الأراضي الفلسطينية إجراءً استعماريًا يحمل في طياته معاني سياسية وثقافية عميقة، إذ بدأت الانتهاكات الفردية بعد عام 1967، ثم تطورت في التسعينات إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الوطنية وإعادة تشكيل الذاكرة الجماعية، كما أن الهدف من هذه السياسات يتجاوز مجرد تغيير المشهد الطبيعي، بل يمتد إلى تغيير طبيعة الانتماء والهوية الفلسطينية. ومع ذلك، يظل الشعب الفلسطيني متشبثًا بتراثه، وتستمر الزيتونة في الظهور كشاهد حي على الصمود والنضال.

ختاما …

تختلف التقديرات حول عدد أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون حسب المصدر والمنطقة الزمنية، ولا يوجد رقم موحد معتمد على نطاق واسع، فقد أشارت بعض التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان والباحثين إلى أن عدد أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون منذ بدء الاستيطان قد يصل إلى ما يقارب 100,000 شجرة أو أكثر، وذلك منذ عام 1967. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الأرقام تقريبية وتعتمد على منهجيات جمع البيانات والظروف الخاصة بكل منطقة. لذلك، تبقى هذه التقديرات مؤشرة لتأثير السياسات الاستيطانية على التراث الزراعي والهوية الفلسطينية، دون وجود رقم نهائي موثق من كافة الجهات المعنية.

مساحة إعلانية