رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أصبح اقتلاع أشجار الزيتون إجراءً استعماريًا يسعى إلى تغيير المظهر الطبيعي والثقافي للأرض، ومحاولة طمس الهوية والتراث الفلسطيني. تُعد الزيتونة رمزًا عريقًا للثبات والأصالة بين الفلسطينيين، إذ تحمل في جذورها ذاكرة الأجيال وترمز إلى الصمود في مواجهة المحن. إلا أن سياسات الاستيطان لم تقتصر على حوادث منفردة، بل اتخذت شكلًا ممنهجًا على مدى عقود، مما أثر بشكل عميق على المشهد الزراعي والثقافي والاقتصادي.
يمكن القول إن الانتهاكات المتعلقة باقتلاع أشجار الزيتون بدأت بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، حيث وقعت بعض الحالات الفردية والموثقة لاختفاء أشجار الزيتون نتيجة لإجراءات عسكرية وإدارية. ومع ذلك، فإن تلك الحوادث لم تكن تعكس بعد سياسة ممنهجة تستهدف التراث الزراعي الفلسطيني.
وبحلول التسعينات، ومع تصاعد نشاط الاستيطان بعد اتفاق أوسلو، بدأت تظهر سياسات ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الطبيعي للأراضي الفلسطينية. وفقًا للدكتور عصام سخنيني في دراسته المنشورة عام 1998، فإن “استراتيجية اقتلاع أشجار الزيتون لم تكن عشوائية، بل جاءت ضمن خطة ممنهجة لطمس الهوية الفلسطينية وتحويل المشهد الطبيعي لصالح مشاريع استيطانية” هكذا، بينما بدأت الانتهاكات الأولية بعد 1967، فقد تطورت لاحقًا لتصبح جزءًا من استراتيجية سياسية شاملة.
يمتد أثر اقتلاع أشجار الزيتون إلى ما هو أبعد من الجانب الاقتصادي؛ فهو يحمل دلالات ثقافية ورمزية عميقة. فقد أكد الباحث المفكر الدكتور عبدالوهاب المسيري في مقالة له نُشرت عام 2005 أن «إزالة الزيتون من الأراضي الفلسطينية تُعد رسالة رمزية تهدف إلى إعادة كتابة التاريخ، وإلى محو الذاكرة الجمعية التي تربط الفلسطينيين بأرضهم»، وفي مقابلة له عام 2007، قال الدكتور المسيري إن “المستوطنات ليست مجرد تجمعات سكانية، بل هي مشاريع استراتيجية تسعى إلى تغيير مفاهيم الانتماء والهوية، مما يجعل من كل شجرة زيتون تُزال خطوة نحو محو التاريخ الفلسطيني”.
ونحن نقول إن نقل شجرة الزيتون من الأراضي الفلسطينية إلى المستوطنات لا يقتصر على تغيير المشهد الطبيعي فحسب، بل يمثل أيضًا محاولة لإعادة تعريف الأرض وفقًا لرؤية سياسية جديدة تهدف إلى تغيير الذاكرة الجماعية، وتقويض الروابط التاريخية بين الشعب الفلسطيني وأرضه.
كما تُعد أشجار الزيتون مصدر رزق رئيسيا للعديد من العائلات في القرى الفلسطينية، وتُشكل جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الزراعي المحلي، إن فقدان هذه الأشجار يعني أكثر من مجرد خسارة للنبات؛ فهو يمثل فقدان جزء من التراث الزراعي والثقافي الذي يربط الفلسطينيين بأرضهم، وقد أشارت تقارير من منظمات حقوق الإنسان إلى أن السياسات الاستيطانية أدت إلى انخفاض ملحوظ في إنتاج الزيتون، مما زاد من الاعتماد على المعونات الخارجية في بعض المناطق.
وعلى الرغم من الضغوط والإجراءات الممنهجة التي تهدف إلى تغيير المشهد الطبيعي، يستمر الشعب الفلسطيني في التمسك بتراثه وهويته. تبقى شجرة الزيتون رمزًا للنضال والصمود، حيث يستمر المزارعون في زراعتها والعناية بها وسط التحديات. وتعتبر هذه المقاومة ليس فقط معركة اقتصادية، بل معركة ثقافية وإرثًا حيًا يعكس كفاح الفلسطينيين من أجل الحفاظ على هويتهم وذاكرتهم التاريخية.
يبقى اقتلاع أشجار الزيتون من الأراضي الفلسطينية إجراءً استعماريًا يحمل في طياته معاني سياسية وثقافية عميقة، إذ بدأت الانتهاكات الفردية بعد عام 1967، ثم تطورت في التسعينات إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الوطنية وإعادة تشكيل الذاكرة الجماعية، كما أن الهدف من هذه السياسات يتجاوز مجرد تغيير المشهد الطبيعي، بل يمتد إلى تغيير طبيعة الانتماء والهوية الفلسطينية. ومع ذلك، يظل الشعب الفلسطيني متشبثًا بتراثه، وتستمر الزيتونة في الظهور كشاهد حي على الصمود والنضال.
ختاما …
تختلف التقديرات حول عدد أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون حسب المصدر والمنطقة الزمنية، ولا يوجد رقم موحد معتمد على نطاق واسع، فقد أشارت بعض التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان والباحثين إلى أن عدد أشجار الزيتون التي اقتلعها المستوطنون منذ بدء الاستيطان قد يصل إلى ما يقارب 100,000 شجرة أو أكثر، وذلك منذ عام 1967. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن هذه الأرقام تقريبية وتعتمد على منهجيات جمع البيانات والظروف الخاصة بكل منطقة. لذلك، تبقى هذه التقديرات مؤشرة لتأثير السياسات الاستيطانية على التراث الزراعي والهوية الفلسطينية، دون وجود رقم نهائي موثق من كافة الجهات المعنية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
صحفية فلسطينية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13593
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1791
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1173
| 20 نوفمبر 2025