رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

396

د. أحمد المحمدي

اللسان السائب

17 نوفمبر 2024 , 02:00ص

العرب تقول: صَارَ وَلَداً سَائِبا أي تَائِهاً، ضَالاًّ، وحديثنا اليوم عن سوائب الكلمات التي تخرج من فم من لا يدرك الخطر ولا يعرف الخلل، ولم يفهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ( إن الرجل ليتكلم الكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا تقذفه في النار سبعين خريفا )

ولاقوله صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو يصمت)

وليست الآفة في اللسان وفقط، بل في المريدين والمتحمسين، فلكل لسان آذان تستمع له، وقلوب تتشوق إليه، وأسواق فيها تباع أعراض المسلمين بثمن بخس دراهم معدودة لا توصف إلا بالنخاسة الفكرية أو النجاسة السلوكية!

العرب في جاهليتها كانت تعاقب من هذا حاله بشدِّ لسانه تأديبا، أو شرائه بالمعروف تهذيبا، تلمح هذا في هجاء الحُطيئة للزبرقان بن بدر، والتي أفضت إلى سجن عمر له ثم أخرجه بعد أن توسل إليه ونهاه عن ذلك فقال: إذاً تموت عيالي جوعاً! فاشترى عمر -رضي الله عنه- منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم.

ولنا أن نتساءل اليوم -بعد أن أصبحت أعراض المسلمين لا بل أعراض بعض الصادقين في الأمة والمدافعين عنها مقدساتها: مائدة يستدعي لها أنصاف الرجال وأشباه المسلمين- أين من يشتري أعراضَ العلماء والدعاة والمسلمين اليوم من أقوام قد تخلفوا في كهوف القَعَدَة، وصرفوا وجوههم عن آلام الأمة وعيوب الذات إلى تتبع عورات الناس ولسان حالهم: هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب!

أين من يشتري أعراض الناس بأربع لا تتخلف:

النجاة من النار: قال صلى الله عليه وسلم (من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة، والأمن من مكر الله فقد قال صلى الله عليه وسلم: « يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، ألا لا تؤذوا المؤمنين ولا تعيبوهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته فضحه في بيته «

وثالثتهم النجاة من عذاب الله فقد قال الله: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» والرابعة: ستر الله عز وجل فقد قال صلى الله عليه وسلم: « من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة»هذا إذا كان الكلام بحق فكيف بفاسد القول وباطله!

إن اللسان السائب خطره كبير لذا كثيرا ما كان يحذر السلف منه:

ابن وهب بقول: في حكمة آل داود مكتوباً: (حق على العاقل أن يكون عارفاً لزمانه، حافظاً للسانه، مقبلاً على شانه).

والبصري الحسن يقول: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه.

ومنح بن عبيدة يقول: ما من الناس أحد يكون منه لسانه على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.

وآخر يقول: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.

وختاما:

خَلِّ جَنْبَيْكَ لِرَامٍ وَامْضِ عَنْهُ بِسَلَامٍ

مُتْ بِدَاءِ الصَّمْتِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ دَاءِ الْكَلَامِ

رُبَّمَا اسْتُفْتِحَ بِالْقَوْلِ مَغَالِيقُ الْحِمَامِ

رُبَّ قَوْلٍ سَاقَ آجَالَ قِيَامٍ وَفِئَامِ

إِنَّمَا السَّالِمُ مَنْ أَلْجَمَ فَاهُ بِلِجَامٍ

مساحة إعلانية