رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبدالله العمادي

د. عـبــدالله العـمـادي

 

مساحة إعلانية

مقالات

843

د. عبدالله العمادي

نعم للجواسيس !

19 سبتمبر 2024 , 02:00ص

 عنوان مقال اليوم يبدو مستفزاً بعض الشيء، فمن ذا الذي يهش ويبش للجواسيس، الذين باتت صورهم الذهنية غاية في السوء ما إن يتحدث أحد عن عالم الجاسوسية والعملاء؟ بالطبع لا أحد يهش لهم أو يسعد بهم إلا من له مصلحة معهم أو من وراء مهامهم.. ومع ذلك نقول: نعم للجواسيس الذين من نصنعهم على أعيننا، لا أولئك الذين يتم زرعهم في أوساطنا.

 نعم لجواسيس أو عملاء نصنعهم بمعرفتنا ولغايات تجسيد آية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). فهذه فئة تلعب أدواراً غاية في الأهمية في معارك الحق والباطل، إن تم التخطيط لها لتسير وتعمل وفق منهج يتوافق مع تعاليم الشرع. إذ بهم يمكنك تحقيق مكاسب وانتصارات دونما حاجة لإراقة دماء أو زهق أرواح، لا من معسكرك أو حتى معسكر الجانب الآخر.

 الجاسوسية أو زرع العملاء، أمر قديم قرأنا عنه في كتب التاريخ، بل ما زلنا نقرأ عن شخوصها وأحداثها إلى يوم الناس هذا. إنها في كل الأزمنة والأمكنة، قديماً وحديثاً. تجد اليوم أجهزة التجسس ومؤسساته في كل الدول تقريباً، بل زاد الاهتمام بمؤسسات التجسس باعتبارها صفوفا أمامية في المعارك، وعلى أكتافهم تتقدم الصفوف الأخرى إن سخنت الأجواء واحتاج الأمر إلى حزم وحسم للنتائج.

 المغول مثلاً، رغم وحشية أساليبهم مع الدول التي كانوا يغزونها وهمجيتهم بعد كل انتصار، لم يكن ليحصل لهم ذلك لولا عامل التجسس أو زرع عملاء من بني جنسهم، أو تجنيد خونة من أبناء الدول التي كانوا يخططون لاجتياحها ونهبها وإهلاك الحرث والنسل فيها. قال فيهم الإمام السيوطي: «تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم. وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم، لأن الغريب لا يتشبه بهم، وإذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه ولا عسكر حتى يخالطوه..».

الجاسوسية مهارات وفنون

 ليس هناك ما يمنع من تطبيق فكرة التجسس على العدو، لا من الناحية الشرعية ولا القيمية، بدليل قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة). ومن تلك القوة، كما أسلفنا، ما نسميه اليوم بجهاز الاستخبارات، الذي يكون من صلب مهامه وعمله، حماية أمن ومصالح البلاد ومن فيها، من أعداء الداخل والخارج.

 الجاسوسية اليوم صارت عملاً احترافياً يتطلب من القائم بهذا النوع من العمل، دقة ومهارة، وكياسة وفطنة، مع سرعة بديهة، لاسيما إن كان هذا «العميل» يعيش وسط بيئة معادية لبلده ودينه. فالعمل وسط العدو جد دقيق ويتطلب حذراً فوق المعتاد والمطلوب، وعدم مخالفة التعليمات.

 حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - طلب منه حضرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الليالي الباردة لمعركة الخندق أو الأحزاب، أن يجمع قواه ويدخل خلف خطوط العدو، وطلب منه مهمة معينة لا يتجاوزها ولا يبادر بأي عمل من تلقاء نفسه، حتى لو وجده سهلاً يسيراً وفي صالح المسلمين. ونجح حذيفة في دخول معسكر المشركين، بل ووصل إلى القائد الأعلى لهم وكان يومها أبوسفيان، حيث يقول حذيفة عن مشهد اقترابه منه: «رأيت‮ أبا سفيان‮ يُصلي‮ ظهره‮ بالنار- من شدة البرد - فوضعت‮ سهماً في‮ كبد‮ القوس‮ فأردت‮ أن‮ أرميه، فذكرت‮ قول‮ رسول‮ الله‮ - صلى الله عليه وسلم - ولا تُذعرهم‮ عليّ، ولو‮ رميته‮ لأصبته».

 المهم في القصة أنه نفذ المهمة وعرف معلومات غاية في الأهمية عن الحالة المعنوية لجيش المشركين، وعاد سالماً دون أن يكتشف أمره أحد، بعد معاناة من برودة ورهبة تلك الليلة، فأخبر الرسول الكريم ما رآه وسمعه، فكانت مكافأته كما يقول حذيفة: «فألبسني‮ رسول‮ الله - صلى الله عليه وسلم- من‮ فضل‮ عباءة‮ كانت‮ عليه‮ يصلي‮ فيها، فلم‮ أزل‮ نائماً حتى أصبحت. فلما أصبحتُ قال‮: قم‮ يا نومان‮».

 عيون الداخل والخارج

 مشاهد من الحاضر كثيرة هي أمثلة على ما نتحدث عنه. اقرأ ما كان يحدث مثلاً أثناء الحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت. كل معسكر كان يجند عشرات الآلاف من العملاء المهرة في المهام المطلوبة، وأصحاب ذكاء عاطفي واجتماعي، بالإضافة إلى تمتعهم بمهارات أخرى تتطلبها مهامهم، سواء كانوا مواطنيهم أم مواطني المعسكر الآخر أو الخونة، إن صح التعبير.

كل معسكر يريد كشف ثغرات الآخر كي تسهل عملية التسلل وجمع المعلومات لتحقيق وانجاز المهام المطلوبة. الأمر لا زال مستمراً بين المعسكرين، بل اليوم لا تجد دولة إلا ولها أجهزة للداخل والخارج. فأما الأجهزة المختصة بالخارج أو الأعداء الخارجيين، فالأمر غالباً يعتمد على مدى نفوذ وسعة المصالح حول العالم أو استراتيجات الدولة، وبالتالي تنوع الأعداء وكثرتهم بالضرورة.

 الأمن الداخلي لأي دولة لا يقل أهمية أبداً عن حماية مصالحها الخارجية وهو ما يستدعي انشاء جهاز أمن داخلي يستهدف عمله أهل الريب والشبهات في مجالات السرقة والجرائم اللاأخلاقية وما شابه من جرائم تؤثر على الأمن الداخلي للبلد، وأهمية تتبعهم وملاحظتهم للحيلولة دون وقوع ضرر منهم على المجتمع ومن يعيش فيه. لكن هذا الأمر مع أهميته، يحتاج لتقنين أو ضوابط، فالأمر ليس بهذه السعة التي يمكن تصورها حتى يتم إطلاق يد الأجهزة الأمنية الداخلية بلا حدود وضوابط كما يحدث في عديد الدول.

 الأهم من هؤلاء المؤثرين على الأمن الداخلي وسلامة المجتمع، أولئك الذين يقومون بأعمال التجسس لغير صالح بلدانهم وأمتهم ودينهم، فهذا الأمر ليس فيه أدنى شك أنه خيانة لله والرسول والأمة. إن مثالاً واحداً على النموذج هذا يكفي أن يجعلك تدرك خطورة هذه الفئة الخائنة البائسة، التي ارتضت من الدنيا القليل مقابل الاساءة لأهله ومجتمعه. إنه الصداع المستمر للمجاهدين في غزة. خونة الداخل المتعاونون مع الصهاينة. بلاؤهم ربما أكثر من بلاء الصهاينة المجرمين.

 قبل الختام، لابد من الإشارة أيضاً إلى الذي يتجسس داخل بلده لكن على أبناء وطنه، خدمة لزعيم فاشي أو ديكتاتور ظالم أو نظام سياسي فاسد أو لصالح جهاز مالي أو منفعة شركات تجارية أو مؤسسات رياضية أو ما شابه من كيانات أو حتى لصالح أفراد.. ذلك عمل تجسسي بحت ممقوت وقميء، بل هو خيانة دون أدنى ريب. وهذا بلا شك يحتاج من المجتمع نفسه أن يتنبه لهم ويكشفهم ويقطع دابرهم. وقانا الله وأوطاننا المسلمة، شر الخيانات والخونة، أكانوا منا أو من غيرنا.. إنه سميع عليم مجيب الدعوات.

اقرأ المزيد

alsharq أيها العالم: الشعب السوداني هو المنسي

أقرأ كثيرا عن الحرب في السودان بين قوات الجيش الحكومي وميليشيات حميدتي، وكيف أن هذه الحرب منسية رغم... اقرأ المزيد

453

| 13 نوفمبر 2025

alsharq الاستقرار السيبراني.. من إدارة التهديد إلى هندسة الثقة - 1

تتشابك الأكواد مع الخرائط، وتتقاطع الخوارزميات مع مسارات النفوذ، لترسم ملامح عالمٍ جديد تتداخل فيه التقنية بالسياسة، وتتماهى... اقرأ المزيد

81

| 13 نوفمبر 2025

alsharq أمهات بين موضة الـ Baby Shower ورسالة الأمومة

• أصبحت الأمومة في وقتنا الحالي لدى البعض – لا الجميع – موضة تتباهى بها بين صديقاتها؛ تبدأ... اقرأ المزيد

342

| 13 نوفمبر 2025

مساحة إعلانية