رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مرزوق فليج الحربي

مساحة إعلانية

مقالات

84

مرزوق فليج الحربي

بين الفاشر وغزة.. ازدواجية المعايير وتغليب المصالح

19 نوفمبر 2025 , 04:00ص

في الفترة الأخيرة شهد العالم صراعين كبيرين تركا آثارًا إنسانية مروّعة: حرب غزة الأخيرة ومعركة الفاشر في السودان، ورغم أن السياق الجغرافي والسياسي مختلف، إلا أن معاناة المدنيين تبدو متشابهة بشكل مؤلم فكلتا المنطقتين تواجهان قتلًا ممنهجًا وحصارًا مسببًا للمجاعة، ونزوحًا جماعيًا، وانهيارًا شبه كامل للبنية التحتية وغياب الخدمات، مع غياب العدالة الدولية الفعّالة.

في غزة، جاءت الحرب بعد عملية “طوفان الأقصى”، لتشهد المدينة قصفًا مكثفًا أدى إلى تدمير أحياء بشكل كامل، واستهداف المستشفيات، ونزوح الملايين داخل مساحة ضيقة مما تسبب في كارثة إنسانية طالت المدنيين، واستشهاد وجرح عدد كبير منهم أغلبهم من النساء والأطفال، وانهيار شبه كامل للقطاع الصحي والخدماتي في القطاع.

أما في الفاشر أحد أهم مدن إقليم دارفور فقد واجهت المدينة هجومًا عنيفًا من قوات الدعم السريع أدى إلى ارتكاب جرائم واسعة ضد المدنيين، بما في ذلك القتل على الهوية، الاغتصاب، الحرق، والنهب المنهجي، مع حصار خانق ونقص شديد في الغذاء والدواء، أصبحت الفاشر شاهدة على واحدة من أكثر المآسي الإنسانية قسوة في السودان المعاصر، ومع ذلك، لم تحظَ هذه الأحداث بالتغطية الدولية الكافية، رغم أن المدنيين هناك يعيشون سيناريو شبيهًا بالدمار والحصار والنزوح الذي شهدته غزة.

ويكمن الفرق الأبرز بين القضيتين في التناول الدولي والإعلامي، ففي غزة الصراع يمس مصالح دولية كبرى بشكل مباشر وهناك لوبيات داعمة للكيان الصهيوني وضاغطة على الخطاب الإعلامي العالمي، إضافة لوجود حركات تضامن فلسطينية قوية، بينما ينظر لإقليم الفاشر كمنطقة هامشية بالرغم من ثرواتها الطبيعية والقوى العالمية تتدخل فقط عندما تتأثر مصالحها وليس لحماية المدنيين، أما إعلاميا ففي غزة شهد العالم تغطية مستمرة واهتمامًا ضخمًا، لكن في حالة الفاشر طغى الصمت الدولي وانشغل العالم بصراعات أكبر إعلاميًا أو سياسيًا هذا التجاهل لا يلغي حجم المأساة بل يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير ودور القوى الدولية في تحديد القضايا التي تستحق الاهتمام.

في النهاية، يظل المدنيون في كلتا الحالتين الضحية الأكبر. ويبقى السؤال المطروح: هل باتت قيمة الأرواح تُقاس بوزن الجغرافيا والسياسة؟ أم أن العالم بحاجة لإعادة النظر في معايير الإنسانية والعدالة بعيدًا عن الانتقاء والازدواجية.

وهناك مسؤولية يجب أن يتحملها المجتمع الدولي بشكل عام والإسلامي بشكل خاص، فالمظاهرات والفعاليات والخطابات والتفاعل الدولي مع غزة يجب أن يكون مثله مع أهالي إقليم الفاشر في السودان فإن المعطيات واحدة والمأساة واحدة وقتل الأطفال والنساء والتنكيل بهم واحد وإن كانت المعايير السياسية والإعلامية تحكمها المصالح فإن المعايير الأخلاقية والإنسانية ثابتة لا تفرق بين أحد بسبب الجغرافيا أو اللون أو المعتقد.

مساحة إعلانية