رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
م«ا زالت الأحداث في بعض البلدان العربية غير المستقرة تشكل هدرا واستنزافا اقتصاديا لا سابق له في المنطقة، فالأوضاع الاقتصادية تسير نحو المزيد من التدهور وتتقلص باستمرار معدلات النمو وفرص العمل وتتسارع عملية هروب رؤوس الأموال والمستثمرين والمؤسسات التجارية، »حيث تجاوزت الخسائر حاجز التريليون دولار حتى الآن. يبدو أن الاقتصاد أصبح محور التجاذبات السياسية من خلال عمليات التخريب الاقتصادي التي تنتهجها المعارضة في هذه البلدان، علما بأن مثل هذه العمليات تطال كافة أفراد المجتمع، وبالأخص الأغلبية الصامتة التي لا حول لها ولا قوة.يتم انتهاج أسلوب التخريب الاقتصادي في كافة البلدان التي شهدت الأحداث منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبالأخص بعد أن فقدت الحكومات المركزية قوتها، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن أو تلك التي توالى فيها تغيير الأنظمة، كمصر وتونس وليبيا، حيث تنتهج المعارضة في الوقت الحاضر أسلوب الترهيب للمستثمرين ورؤوس الأموال، بل حتى في البحرين ذات الاقتصاد الصغير تعتمد المعارضة أساسا على نهج التخريب الاقتصادي، علما بأن هذا النهج محكوم عليه بالفشل مسبقا في البحرين، وذلك بفضل سلامة قطاع النفط المتركز أساسا في حقل أبوسعفة البحري المشترك مع السعودية.وثانيا، فإن فشل المعارضة يأتي بسبب صغر حجم الاقتصاد البحريني والذي يمكن تلافي تضرر بعض قطاعاته، كالخدمات من خلال المساعدات الخليجية، في الوقت الذي تسبب ذلك في تقلص فرص العمل، إلا أن ذلك طال مؤيدي المعارضة، كما طال المواطنين العاديين، أي أن المنظمات المعارضة بانتهاجها أسلوب التخريب الاقتصادي أدمت عيون مؤيديها قبل أي شخص آخر.لهذه الأسباب تعافى الاقتصاد البحريني بصورة سريعة متجاوزا عمليات التخريب الاقتصادي، وهو يحقق الآن معدلات نمو مرتفعة لا تقل عن معدلات نمو اقتصادات أشقائه الخليجيين الآخرين، وهو ما يؤكد الاستنتاج الذي أشرنا إليه آنفا، وهو أن عملية التخريب الاقتصادي في البحرين لن يكتب لها النجاح لعدم توفر الظروف الموضوعية للتدهور الاقتصادي الذي تطمح المعارضة لتحقيقه، مما يتطلب وقف هذا النهج والعودة لانتهاج أسلوب الحوار العقلاني والمفيد للمواطنين وللتنمية.أما في بقية البلدان العربية، فإن لنهج التخريب الاقتصادي عواقب مؤثرة جدا على اعتبار أنها اقتصادات كبيرة نسبيا وتعتمد على قطاعات حساسة، كالسياحة والنقل والخدمات، إذ بمجرد القيام بعمل إرهابي في منشأة سياحية، فإن أضرارا كبيرة ستلحق بهذا القطاع لفترة طويلة وستتسبب في خسائر، وبالأخص لصغار المستثمرين، كما أنها ستؤدي إلى رفع معدلات البطالة، خصوصا وأن قطاعي السياحة والخدمات يعتبران من القطاعات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة، مما يعني أن فئات واسعة في المجتمع لا ذنب لها ستعاني وستتدهور مستوياتها المعيشية. ينجم ذلك عن سوء فهم أو تقدير من قبل المعارضة أو ربما بصورة متعمدة من قبل بعض أقطابها، فالممتلكات العامة هي ملك للمجتمع بكافة فئاته وأطيافه وأن تخريبها سيلحق الضرر بالجميع بغض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، مما يتطلب فهم ذلك بصورة صحيحة، حيث تتوفر من خلال هذه الخدمات فرص العمل والخدمات الطبية والتعليمية أو تلك الخاصة بالبنى التحتية، كالكهرباء والمياه والطرق...إلخ.وإذا كانت البحرين قد تجاوزت هذه المرحلة، فإن بقية البلدان العربية ما زالت تعاني وتتدهور باستمرار مستويات المعيشة ويفقد المزيد من الأفراد أعمالهم بصورة يومية، كما تشهد هذه البلدان عمليات إفلاس لمئات من الشركات الصغيرة التي تعتمد على السياحة أو تلك التي تعتمد في تسويق منتجاتها وخدماتها على السوق الداخلية.لذلك وبهدف المحافظة على الحد الأدنى من متطلبات المعيشة لكافة أفراد المجتمع دون استثناء لابد للمعارضة في البلدان العربية أن تعيد النظر في نهجها الخاص بالتخريب الاقتصادي للحفاظ على ثروات بلدانها وعدم الإضرار بمصالح مواطنيها، إذ أن هذا النهج لا يؤدي إلا إلى طريق واحد وهو هدم المعبد على من فيه، بما في ذلك المعارضة ومؤيديها.
830
| 16 مارس 2014
خلف الأحداث الدامية في أوكرانيا تختفي الكثير من القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية للأطراف الدولية المتنازعة هناك، فأوكرانيا تاريخيا هي التوأم لروسيا منذ عهد القيصرية ودولة "كيفسكيا روس" في العصور الوسطى والتي ضمت الدولتين معا، كما أنهما شكلتا أهم أسس الاتحاد السوفيتي وتمركزت في أوكرانيا صناعات مهمة، كصناعة الطائرات.ورغم توفر العديد من الثروات الطبيعية والزراعية، إلا أن أهم مشاكل أوكرانيا تكمن في فقرها بمصادر الطاقة والتي تعتمد فيها بدرجة كبيرة على جارتها روسيا، سواء في العهد السوفيتي أو في الوقت الحاضر، مما أوجد صعوبة في محاولات الغرب ممثلا في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فصل "التوأم" خلال العشرين عاما الماضية، إلا أن مستجدات عديدة حدثت في تكنولوجيا الطاقة أتاحت إمكانية استغناء أوكرانيا عن إمدادات الطاقة الروسية، أي إنتاج النفط والغاز الصخريين، حيث تشير التقديرات الأولية إلى توافرهما بصورة كبيرة في الأراضي الأوكرانية.وينوي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة استثمار مليارات الدولارات لتطوير مكامن النفط والغاز في أوكرانيا والتي قد تصبح دولة مصدرة الى جانب اكتفائها الذاتي، إلا أن ذلك قد يؤثر في إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا والتي تمر في الوقت الحاضر عبر الأراضي الأوكرانية وتمد أوروبا بـ 30% تقريبا من احتياجاتها من الغاز.إلى جانب هذه القضايا الاقتصادية، فإن هناك دون شك جوانب استراتيجية وأمنية وسياسية تتمثل في وجود الأسطول الروسي في منطقة القرم ذات الحكم الذاتي والتي قد تنفصل عن أوكرانيا في حالة استمرار الصراع، علما بأن الغرب يحاول الحد من التأثير الروسي في الجمهوريات السوفيتية السابقة والتي ترتبط بعلاقات قوية مع روسيا بحكم ترابط مصالحها الاقتصادية، حدث ذلك مع جورجيا قبل خمس سنوات تقريبا ويحدث حاليا مع أوكرانيا.إشكالية الاتحاد الأوروبي أنه يريد تخفيض اعتماده على إمدادات الطاقة الروسية، وفي نفس الوقت لا يرغب في إنتاج النفط والغاز الصخريين في أراضيه بسبب الأضرار البيئية التي تنجم عن عمليات الإنتاج هذه، خصوصا أن منظمات حماية البيئة تقاوم بصورة مستمرة سعي بعض بلدان الاتحاد المباشرة في الإنتاج الصخري إلى درجة استدعت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند للتصريح بأن هذا النوع من الإنتاج لن يحدث في فرنسا ما دام هو رئيسا لهذا البلد.إذن البديل الممكن هو تطوير إنتاج النفط والغاز الصخريين في بلدان أوروبا الشرقية، وبالأخص أوكرانيا والسعي إلى ضمهم إلى الاتحاد الأوروبي، علما بأن هذه البلدان بحاجة لمصادر الطاقة إلى جانب احتياجاتها لعوائد إضافية لتمويل مشاريعها التنموية والتي تعتمد فيه حاليا على الخارج، حيث بلغت الديون الخارجية لأوكرانيا وحدها 140 مليار دولار.بذلك يستطيع الاتحاد الأوروبي وبدعم من الولايات المتحدة اصطياد عدة عصافير بضربة واحدة تتمثل في تلبية جزء من احتياجاته من الطاقة من مصادر غير روسية، وبالتالي التقليل من ضغوط موسكو عليه، وثانيا إبعاد أوكرانيا عن روسيا وتقريبها من الاتحاد الأوروبي وضمها إليه لاحقا وثالثا تفادي الأعضاء الغربيين في الاتحاد للأضرار البيئية التي ستنجم في حال اضطرارهم إلى إنتاج النفط والغاز الصخريين في أراضيهم.في المقابل تسعى روسيا إلى حماية الوضع القائم حاليا، فأوكرانيا تمثل عمقا استراتيجيا وأمنيا لها، كما أن استمرار الغرب في الاعتماد على إمدادات الغاز الروسية يشكل عامل ضغط كبير ويحقق لموسكو مكاسب، إذ إننا نرى في الوقت الذي تركز واشنطن انتقاداتها لروسيا في العديد من القضايا الدولية، فإن الاتحاد الأوروبي عادة ما يلعب دور التهدئة ليتجنب غضب القيصر الروسي.إذن الأزمة الحالية لا تتعلق بالشعارات المعلنة، إذ إنه تمت في أوكرانيا انتخابات شفافة شارك الاتحاد الأوروبي في الإشراف عليها، وإنما نحن أمام صراع مصالح اقتصادية ومحاولة للتحكم في مصادر طاقة موعودة سيترتب على عملية استخراجها عواقب استراتيجية وأمنية عديدة.
1911
| 09 مارس 2014
ما زالت الأحداث في بعض البلدان العربية غير المستقرة تشكل هدرا واستنزافا اقتصاديا لا سابق له في المنطقة، فالأوضاع الاقتصادية تسير نحو المزيد من التدهور وتتقلص باستمرار معدلات النمو وفرص العمل وتتسارع عملية هروب رؤوس الأموال والمستثمرين والمؤسسات التجارية، حيث تجاوزت الخسائر حاجز التريليون دولار حتى الآن.يبدو أن الاقتصاد أصبح محور التجاذبات السياسية من خلال عمليات التخريب الاقتصادي التي تنتهجها المعارضة في هذه البلدان، علما بأن مثل هذه العمليات تطال كافة أفراد المجتمع، وبالأخص الأغلبية الصامتة التي لا حول لها ولا قوة.يتم انتهاج أسلوب التخريب الاقتصادي في كافة البلدان التي شهدت الأحداث منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبالأخص بعد أن فقدت الحكومات المركزية قوتها، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن أو تلك التي توالى فيها تغيير الأنظمة، كمصر وتونس وليبيا، حيث تنتهج المعارضة في الوقت الحاضر أسلوب الترهيب للمستثمرين ورؤوس الأموال، بل حتى في البحرين ذات الاقتصاد الصغير تعتمد المعارضة أساسا على نهج التخريب الاقتصادي، علما بأن هذا النهج محكوم عليه بالفشل مسبقا في البحرين، وذلك بفضل سلامة قطاع النفط المتركز أساسا في حقل أبو سعفة البحري المشترك مع السعودية.وثانيا، فإن فشل المعارضة يأتي بسبب صغر حجم الاقتصاد البحريني والذي يمكن تلافي تضرر بعض قطاعاته، كالخدمات من خلال المساعدات الخليجية، في الوقت الذي تسبب ذلك في تقلص فرص العمل، إلا أن ذلك طال مؤيدي المعارضة، كما طال المواطنين العاديين، أي أن المنظمات المعارضة بانتهاجها أسلوب التخريب الاقتصادي أدمت عيون مؤيديها قبل أي شخص آخر.لهذه الأسباب تعافى الاقتصاد البحريني بصورة سريعة، متجاوزا عمليات التخريب الاقتصادي، وهو يحقق الآن معدلات نمو مرتفعة لا تقل عن معدلات نمو اقتصادات أشقائه الخليجيين الآخرين، وهو ما يؤكد الاستنتاج الذي أشرنا إليه آنفا، وهو أن عملية التخريب الاقتصادي في البحرين لن يكتب لها النجاح لعدم توفر الظروف الموضوعية للتدهور الاقتصادي الذي تطمح المعارضة لتحقيقه، مما يتطلب وقف هذا النهج والعودة لانتهاج أسلوب الحوار العقلاني والمفيد للمواطنين وللتنمية.أما في بقية البلدان العربية، فإن لنهج التخريب الاقتصادي عواقب مؤثرة جدا على اعتبار أنها اقتصادات كبيرة نسبيا وتعتمد على قطاعات حساسة، كالسياحة والنقل والخدمات، إذ بمجرد القيام بعمل إرهابي في منشأة سياحية، فإن أضرارا كبيرة ستلحق بهذا القطاع لفترة طويلة وستتسبب في خسائر، وبالأخص لصغار المستثمرين، كما أنها ستؤدي إلى رفع معدلات البطالة، خصوصا وأن قطاعي السياحة والخدمات يعتبران من القطاعات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة، مما يعني أن فئات واسعة في المجتمع لا ذنب لها ستعاني وستتدهور مستوياتها المعيشية. ينجم ذلك عن سوء فهم أو تقدير من قبل المعارضة أو ربما بصورة متعمدة من قبل بعض أقطابها، فالممتلكات العامة هي ملك للمجتمع بكافة فئاته وأطيافه وأن تخريبها سيلحق الضرر بالجميع بغض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، مما يتطلب فهم ذلك بصورة صحيحة، حيث تتوفر من خلال هذه الخدمات فرص العمل والخدمات الطبية والتعليمية أو تلك الخاصة بالبنى التحتية، كالكهرباء والمياه والطرق...إلخ.وإذا كانت البحرين قد تجاوزت هذه المرحلة، فإن بقية البلدان العربية ما زالت تعاني وتتدهور باستمرار مستويات المعيشة ويفقد المزيد من الأفراد أعمالهم بصورة يومية، كما تشهد هذه البلدان عمليات إفلاس لمئات من الشركات الصغيرة التي تعتمد على السياحة أو تلك التي تعتمد في تسويق منتجاتها وخدماتها على السوق الداخلية.لذلك وبهدف المحافظة على الحد الأدنى من متطلبات المعيشة لكافة أفراد المجتمع دون استثناء لابد للمعارضة في البلدان العربية أن تعيد النظر في نهجها الخاص بالتخريب الاقتصادي للحفاظ على ثروات بلدانها وعدم الإضرار بمصالح مواطنيها، إذ إن هذا النهج لا يؤدي إلا إلى طريق واحد وهو هدم المعبد على من فيه، بمن في ذلك المعارضة ومؤيدوها.
2452
| 01 مارس 2014
صدرت الموازنات السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2014 بمستويات إنفاق قياسية، مما يعكس الأبعاد التنموية والمعيشية التي تسود دول المجلس في الفترة الحالية مدفوعة باستقرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، رغم انخفاضها عن مستوياتها في العام الماضي. وتراوحت نسب الزيادة في الإنفاق بين 4.3% و5% للدول التي أعلنت موازناتها حتى الآن، حيث تعكس هذه الزيادة تنفيذ المزيد من المشاريع وتنوع الخدمات العامة المقدمة وتطوير البنى التحتية، إذ يتوقع أن يتجاوز حجم الإنفاق نهاية العام الجاري حجمه المعلن في بداية العام، وذلك للارتفاع المتوقع في الالتزامات المالية، خصوصا وأن الموازنات السابقة تجاوز فيها الإنفاق الفعلي بنسب كبيرة الإنفاق المعلن وبنسب تتراوح ما بين 5-19%. وبلغت الميزانية الاتحادية المعلنة لدولة الإمارات لهذا 46 مليار درهم (12.5 مليار دولار)، وذلك باستثناء الموازنات المحلية.. في حين أعلنت السعودية عن ميزانية قياسية بمبلغ 855 مليار ريال أي ما يعادل (228 مليار دولار)، في حين بلغت ميزانية سلطنة عمان 51.5 مليار دولار، مقابل 5.3 مليار دولار لميزانية البحرين في الوقت الذي يتوقع أن تعلن كل من قطر والكويت موازنات قياسية في بداية شهر أبريل القادم.ويعكس هذا النمو الكبير في الإنفاق متانة الأوضاع الاقتصادية في دول المجلس، إلا أنه يشكل في الوقت نفسه تحديا في حالة استمرار ارتفاعه بالمعدلات الحالية، خصوصا وأن عائدات النفط والتي تشكل 93.3 من إيرادات ميزانية الكويت و90% من ميزانية السعودية، وهي نسبة كبيرة، في الوقت التي تعتبر مساهمة قطاع النفط في إيرادات الموازنة الإماراتية هي الأقل، وهو تقدم تم بفضل تنويع مصادر دخل الحكومة الاتحادية والتي تشكل 58% من إجمالي إيرادات عام 2014.وتتمثل المخاوف الخاصة بالاعتماد على العائدات النفطية في إمكانية انخفاض أسعار النفط في السنوات القادمة، وذلك للعديد من الأسباب المالية والجيو- سياسية والتي يتمثل أهمها في ارتفاع إنتاج النفط الصخري، وبالأخص في الولايات المتحدة والذي لن يؤثر كثيرا في الأسعار بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجه، بقدر تأثيره على الإمدادات القادمة من البلدان الأعضاء في الأوبك، كما أن تخفيف العقوبات على إيران بعد الاتفاق الإيراني الأمريكي واحتمال زيادة إنتاج النفط في العراق بنسبة كبيرة قد تصل إلى %100 ربما يؤدي إلى تأثر الإمدادات من البلدان الأخرى المصدرة للنفط في منطقة الخليج العربي وخارجه.وسوف تتراوح شدة تأثر الموازنات الخليجية بين بلد وآخر، فدولة الإمارات والسعودية وقطر والكويت حققت في السنوات الماضية فوائض كبيرة بلغت 55 مليار دولار في السعودية وحدها في العام الماضي 2013 ، و45 مليار دولار في الكويت، في حين حققت موازنتا عمان والبحرين نوعا من التوازن أو العجز البسيط.وفي العام الجاري، احتسبت التوقعات الخاصة بأسعار النفط للموازنات الخليجية بتفاوت كبير أيضاً تراوح ما بين 65 دولارا للبرميل في قطر إلى 105 في عمان، حيث يمكن للموازنة العمانية أن تعاني من عجز في عام 2014 بسبب التوقعات الخاصة بإمكانية انخفاض متوسط برميل النفط إلى أقل من 100 دولار في العام الجاري.وتحسبا لذلك أعلنت سلطنة عمان رسميا عن إمكانية بيع بعض الأصول الخارجية أو الاقتراض من الأسواق العالمية لتسديد العجز المتوقع، حيث يمكن لعمان التعامل بسهولة مع هذا التطور في الوقت الحاضر، إلا أن استمرار أسعار النفط لأقل من 100 دولار للبرميل لعدة سنوات سيشكل عبئا على الموازنة السنوية.لذلك، فإن الحل الأمثل يتمثل في العمل بالسرعة القصوى لتنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية وتخفيض مساهمتها، حيث تبرز من جديد تجربة الموازنة الاتحادية الإماراتية وتجربة دبي، والتي لا يشكل النفط أكثر من 5% من مكوناتها، حيث يمكن لبقية دول المجلس الاستفادة من هذه التجربة لتنمية مصادر الإيرادات البديلة مع المحافظة على عائدات الاستثمارات الخارجية، والتي تشكل دعما إضافيا للموازنة لابد من المحافظة عليه وتقليل مخاطر الاقتراض الخارجي.
542
| 23 فبراير 2014
بعد أن طوى العالم معظم تداعيات الأزمة المالية العالمية بكل تداعياتها ومآسيها، وبعد أن اتضحت الكثير من المعالم الخفية لعالم المال والأعمال وتقلصت إلى حد كبير عمليات المضاربات والزيادات المصطنعة للمشتقات المالية والتلاعب بأسعارها، برزت في الآونة الأخيرة أساليب أخرى من الفقاعات والتي يرمى من خلالها إلى تعظيم الثروات بصفقات وهمية وخدع جديدة.وضمن هذا الاتجاه برزت في الفترة الأخيرة عملة وهمية تسمى "بيتكوين" تتداول من خلال الانترنت فقط، ابتدأ سعرها من عدة سنتات ليرتفع إلى 13 دولارا في بداية العام الماضي 2013 وليقفز مع بداية العام الحالي 2014 إلى ألف دولار، وبالأخص بعد أن اتسع نطاق تداولها من خلال الشبكة العنكبوتية.وعلى الرغم من أنها عملة رقمية لا وجود مادي لها ومن غير المعروف من يتحكم في إدارتها وتحديد مستوياتها، إلا أنها تنتشر بصورة سريعة إلى درجة أنه تم وضع ماكينات صراف آلي خاصة بتداولها في بعض البلدان الأوروبية، مما ينذر بعملية تلاعب كبرى، قد يدفع ثمنها ملايين الأشخاص الباحثين عن الربح السريع.ويبدو للوهلة الأولى أن هناك جهات مرتبطة بغسيل الأموال وتجار المخدرات وجهات أخرى تدور حولها علامات استفهام كثيرة تحاول استغلال مثل هذه العملات الوهمية لتبييض الأموال والدفع باتجاه منح هذه التعاملات الصفة الشرعية من خلال ربطها بتعاملات تجارية ومالية كبرى تسهم فيها بعض البنوك الدولية.الأمر المقلق أن التعاملات بهذه العملة الوهمية يزداد وينتشر بصورة مخيفة ويندفع نحوها مئات المتعاملين يوميا، مما قد يحدث كارثة لمدخرات الأفراد ويؤثر بصورة سلبية في اقتصادات بعض البلدان، وبالأخص الصغيرة والضعيفة منها، مما قد يؤثر في اقتصادات بقية بلدان العالم، وذلك إذا ما اتسع نطاق التعامل معها بسبب التسهيلات المتوفرة في الوقت الحاضر.من الواضح أن البلدان الكبرى في الغرب والفاعلة اقتصاديا تغض النظر عن التعاملات بهذه العملة، مما يثير الاستغراب، إذ إن متابعة هذه التعاملات من خلال الإنترنت ومحاولة الوصول إلى مركز إصدارها ووقف التعامل بها ليس بالأمر الصعب على هذه البلدان التي تراقب عن كثب وبشكل يومي كل مراسلات الإنترنت.أما لماذا يتم التقاضي عن ذلك، فإن هذا السؤال المحير يشير إلى أي مدى تمكنت بعض الجهات المالية الكبرى الهيمنة والتحكم في سير التعاملات حول العالم والانتقال من أسلوب إلى آخر للاستحواذ على أموال طائلة من خلال تعاملات وهمية، ابتداء من تعظيم قيم المشتقات المالية التي أحدثت الأزمة المالية العالمية، وليس انتهاء بعملة "البتكوين".وفي نفس الوقت تقف البنوك المركزية حائرة أمام هذا الأمر الذي يتحرك مثل الشبح من خلال الإنترنت، وذلك لاستحالة التحدث مع أي جهة بشأنها، إلا أن السماح باستمرار التعامل بها وربط صفقاتها بالنظام المالي والنقدي الدولي يعتبر أمرا ضارا وخطيرا يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الفقاعات والأزمات والاستحواذ على المدخرات ونقلها من بلد إلى آخر من خلال هذه التعاملات.ومع ذلك، فإن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق البنوك المركزية وشركات الاتصالات في المنطقة للعمل على وقف التعامل بهذه العملة الوهمية لحماية الأنظمة المالية والأفراد من عمليات احتيال محتملة، خصوصا وأن بعض حاملي جائزة نوبل في الاقتصاد حذروا مؤخرا من فقاعة جديدة تصاحب التعامل بعملة "بيتوكين" والتي رأوا ضرورة عدم التعامل مع مروجيها.ندرك جيدا أنه من الصعب إقناع الكثيرين بالابتعاد عن هذا النوع من التعاملات المالية والنقدية، فالأرباح السريعة والكبيرة مغرية، إلا أنه عندما تنتهي الحفلة ستكون الآلام موجعة كثيرا، مما يتطلب على أقل تقدير الحد من التعاملات بهذه العملة ومحاصرتها، والأهم من ذلك توعية الناس بمخاطرها على استثماراتهم ومدخراتهم.
600
| 09 فبراير 2014
تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الست الأفضل من بين بلدان الشرق الأوسط في التنمية بشقيها الاقتصادي والاجتماعي، إذ إنها حققت على مدى العقود الأربعة الماضية معدلات نمو مرتفعة وقضت تقريبا على الأمية ورفعت كثيرا من مستويات المعيشة للمواطنين والمقيمين.ندرك جيدا أن الجواب سيأتي سريعا، إنه النفط، إلا أن الجواب ليس بهذه البساطة، فالنفط عامل رئيسي دون شك، إلا أنه وحده غير قادر على إحداث هذا التغيير الهائل في المجتمعات الخليجية، وإلا لكان له نفس التأثير التنموي في بلدان تملك ثروات نفطية وغازية تساوي أو تفوق ثروات التعاون الخليجي، كليبيا والعراق وإيران والجزائر.أما الأسباب الأخرى إلى جانب النفط، فإنها كثيرة ومتعددة، إلا أننا سنكتفي هنا ببعضها مع المقارنة بالبلدان النفطية الأربع التي ذكرناها آنفا، وذلك لتقارب تركيبتها الاقتصادية مع اقتصادات دول مجلس التعاون.أولا في الوقت الذي انهارت فيه الأنظمة الاقتصادية في ليبيا والعراق وإيران والجزائر والتي كانت تسير ضمن النظام الرأسمالي الطبيعي، فإن الأنظمة الجديدة التي برزت هناك لم تقدم البديل التنموي لأنها ببساطة لم تكن تملك مثل هذا البديل، مما أدى إلى تدمير البنية الاقتصادية القديمة القائمة على أسس صحيحة وخبرة تاريخية ليحل محلها التخبط والتجارب الفاشلة.في المقابل سارت دول المجلس وتطورت بصورة طبيعية ضمن نظام اقتصادي واجتماعي مستقر ومتدرج أتاح بيئة صحية لنمو قطاع الأعمال وقدمت تسهيلات كثيرة لتنمية مختلف القطاعات غير النفطية وبدعم حكومي وسياسات اقتصادية مرنة، إذ ما زال هذا النهج هو السائد والذي نقل دول المجلس من بلدان نامية إلى دول ناشئة تتمتع بمستويات معيشية مرتفعة ومعدلات نمو جيدة لقطاعاتها غير النفطية.ليس من المبالغة القول إن البلدان الأربع الأخرى كان بإمكانها تحقيق تنمية مشابهة فيما لو حافظت على أنظمتها السابقة، ففي إيران على سبيل المثال ألغى آية الله الخميني في أيامه الأولى عقودا بقيمة 50 مليار دولار لمشاريع سبق وأن اتفق بشأنها نظام الشاه، أما إذا ما حسبت هذه القيمة بأسعار اليوم، فإنها تساوي 500 مليار دولار، مما يعني إحداث نقلة نوعية للاقتصاد الإيراني، حيث لا يختلف الوضع كثيرا في البلدان الثلاث الأخرى.ثانيا التزمت حكومات دول المجلس بسياسات اقتصادية منفتحة وفسحت المجال لرؤوس الأموال والاستثمارات بالتحرك بنشاط في قطاعي التجارة والمال، مما أدى إلى استقطاب رؤوس أموال كبيرة مصحوبة بتقنيات عالية أسهمت في تطور العديد من القطاعات الاقتصادية غير النفطية وتحولت معها دول المجلس إلى مركز تجاري ومالي عالمي.وإضافة إلى رؤوس الأموال والاستثمارات المحلية تمكنت دول المجلس من استقطاب الاستثمارات ورجال الأعمال من البلدان النفطية الأربع الأخرى ومن بلدان الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، بحيث تحولت دول المجلس إلى قاطرة لقيادة النمو في المنطقة، حيث تقدر الاستثمارات الإيرانية وحدها في دول المجلس بـ 250 مليار دولار في الوقت الحاضر.ثالثا تمتعت دول المجلس باستقرار سياسي وأمني مدهش في ظل حروب وأوضاع أمنية متقلبة وخطيرة في المنطقة، وذلك رغم محاولات بعض القوى زعزعة هذا الاستقرار أو جرها لصراعات عقيمة، مما عزز من ثقة المستثمرين وقطاع الأعمال في اقتصادات دول المجلس وحولها إلى مركز استقطاب للتجارة والأعمال وتحقيق النجاح والأرباح.هذه وغيرها من الأسباب التي لا تتيح هذه المساحة عرضها تعتبر الأسباب الحقيقية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي حققته دول المجلس الست في العقود الماضية، حيث لعب النفط دورا تمويليا مهما لتنفيذ سياسات صائبة خدمت سيرا طبيعيا لاقتصادات نامية.لذلك من المهم أن تحافظ دول المجلس على خط سيرها الطبيعي وأن تعمل على تطويره بما يتناسب والتغيرات الدولية المتسارعة وأن تعمل على تعزيز تعاونها الاقتصادي من خلال السوق الخليجية المشتركة والتي ستفتح لها آفاقا جديدة وقدرات تنافسية هامة تتطلبها المرحلة القادمة من النمو والمنافسة الدولية.
516
| 02 فبراير 2014
على الرغم من أهمية الطفرات النفطية للتقدم الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذه الطفرات كان لها أعراض جانبية مقلقة، بل إن البعض لا يتردد في وصفها بأنها "أثمان باهظة". إن آخر الإحصاءات المتوفرة تشير إلى أن مجموع "القوة العاملة" في دول المجلس تبلغ 7ر13 مليونا، منهم 4,15 مليون مواطن خليجي، مقابل 9,55 مليون عامل أجنبي، أي ما نسبته 70% تقريبا، أي أن هناك ثلاثة عمال أجانب، مقابل عامل خليجي واحد.من حيث المبدأ، قد يعتبر ذلك دليلا على التقدم الاقتصادي الذي حققته دول المجلس والتي تحولت في غضون ثلاثة عقود إلى أهم مركز تجاري ومالي إقليمي يتوسط المراكز التجارية والمالية في العالم. كما حقق الاقتصاد الخليجي معدلات نمو غير مسبوقة مستفيدا من العائدات النفطية الهائلة. وللإنصاف، فقد كان للخبرات والأيدي العاملة الأجنبية دور رئيسي في تحقيق هذه النقلات والتحولات الاقتصادية والنمو السريع الذي تحقق خلال السنوات الماضية، بل من الصعب تصور تحقيق ذلك دون هذه المساهمة الكبيرة للعمالة الوافدة.وفي الجانب الآخر، وصل مجموع تحويلات العاملين الأجانب من دول مجلس التعاون الخليجي 73 مليار دولار أمريكي في عام 2013 وفق بيانات صندوق النقد الدولي، حيث تتصدر دول المجلس مجتمعة بلدان العالم في حجم هذه التحويلات، مما ساهم في دعم اقتصاديات العديد من البلدان.هذه التطورات تؤكد على الاهتمام أكثر بمسألة "التوطين"، وذلك بعد التراجع النسبي لأعداد المواطنين والقوى العاملة المواطنة، حيث يشكل الأجانب أكثر من نصف عدد السكان، بل إن هذه النسبة تتجاوز 80% في العديد من هذه الدول.الاعتبارات الموضوعية تقول، إنه لابد من الاستمرار في المحافظة على معدلات النمو المرتفعة لأسباب محلية وعالمية تتعلق بالموقع المميز لدول مجلس التعاون في العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، باعتبارها أكبر مزود للطاقة في العالم، وكذلك الإسراع في عملية النمو للتحضير لمرحلة ما بعد النفط.هذا التوجه يعني الاستمرار أيضا في استقدام المزيد من الأيدي العاملة الأجنبية والتي يتوقع أن ترتفع أعدادها في السنوات القادمة، فالتوسع التنموي لا يمكن أن يتم دون الأيدي العاملة المدربة والتي لا تستطيع العمالة المواطنة سد العجز لكافة القطاعات في الوقت الحاضر.معادلة صعبة، إلا أن إيجاد صيغة توفيقية بين معدلات النمو المرتفعة والتنوع الاقتصادي الإستراتيجي من جهة والمحافظة على التوازن في سوق العمل من جهة أخرى، أمر ممكن في حده الأدنى على الأقل.والحال، فإن هذه اللوحة الفسيفسائية لسوق العمل الخليجي معقدة للغاية، ولا نريد هنا أن نقدم وصفات جاهزة، فمثل هذه الوصفات لا تناسب واقع التعامل مع هذا النوع من المعادلات الصعبة، إلا أن أسلوب التعاطي مع هذه القضية لابد وأن يطاله الكثير من التغيير مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة الأطراف، وهو ما تسعى إليه دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر.الحاجة للأيدي العاملة الأجنبية ستبقى قائمة لسنوات طويلة قادمة، بل بدونها لا يمكن الحديث عن معدلات نمو ومستوى معيشي مرتفع وتنوع اقتصادي، وهو ما يتطلب المحافظة على معدلات النمو المرتفعة هذه من خلال إعداد وتأهيل المواطنين وتغيير نظرة الرأي العام المحلي لقيمة العمل بالدرجة الأولى، وبالأخص العمل المهني الذي ينظر له غالبية الخليجيين حاليا نظرة دونية لا تتناسب وأهميته للتنمية الاقتصادية.إلى هذا، لابد من كسب الكفاءات الأجنبية التي تساهم بصورة فعالة في التنمية والإنتاج، مع التقليل من العمالة الأجنبية الفائضة والهامشية، خصوصا العاملين في المنازل والذين يشكلون نسبة كبيرة جدا من مجموع الأيدي العاملة الأجنبية، لكن هذا جزء من المهمة، فالمطلوب أيضا تعميق مفهوم المواطن المنتج والمساهم الفعال في التنمية المرتفعة والتي تتيح التحضير والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط وتنويع مصادر الدخل القومي، وهي مسألة في غاية الحيوية لهذه البلدان.
3500
| 26 يناير 2014
قلبت الأزمة المالية الكثير من الثوابت التي سيرت الاقتصاد العالمي لسنوات طويلة، وفرضت سياسات مالية لم يكن بالإمكان حتى مجرد التفكير في اتخاذها، قبل عام 2008، فالتداعيات الناجمة عن الأزمة عصفت باقتصاديات العديد من البلدان وبالاقتصاد الدولي ككل، بحيث أصبح باستطاعة المشرعين في البلدان الغربية اتخاذ أية أنظمة تعيد الأمور إلى نصابها. وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر البلدان التي اتخذت إجراءات صارمة تمس حياة الملايين من مواطنيها في الداخل والخارج لدفع المزيد من الضرائب التي يمكن أن تساهم في تقوية الوضع المالي المتهالك والمعتمد على الديون بصورة متزايدة.وفي إجراء لا مثيل له، تقرر أن يطبق اعتبارا من بداية شهر يناير الجاري، قانون "فاتكا" والرامي إلى إخضاع أموال الأمريكيين في الخارج للضرائب وللرقابة الشديدة حتى وإن كان هؤلاء يدفعون ضرائب في البلدان التي يعملون ويعيشون بها.. وفرض القانون على المصارف والمؤسسات المالية الأجنبية في مختلف البلدان وتقديم تفاصيل عن أموال وحسابات الأمريكيين، وإلا تعرضت هذه المصارف لعقوبات أمريكية، مثلما حدث مع بنك "يوزبيزاس" السويسري في عام 2009.ونتيجة لهذه الإجراءات، فإن عصر الجنة الأمريكية التي سعى الملايين من المهاجرين الوصول إليها يكون قد شارف على نهايته، بل على العكس، إذ بسبب هذا القانون تخلى ما يقارب 4 آلاف أمريكي عن جنسيتهم في العام الماضي 2013 للهروب من قانون "فاتكا" الصارم، علما بأن هناك 7 ملايين أمريكي مغترب في مختلف بلدان العالم، بما فيها البلدان العربية لا زالوا حائرين في كيفية التصرف حيال ذلك، خصوصا وأن التخلي عن الجنسية لا يكفي للخروج من المأزق، إذ لابد من تسوية الضرائب لكل فرد خلال السنوات الخمس السابقة للتخلي عن الجنسية، وأن يبرئوا ذمتهم المالية خلال تلك الفترة.أما المصارف والمؤسسات الأجنبية التي تملك حسابات لمواطنين أمريكيين، بما فيها المصارف العربية، فإنها أمام خيارات صعبة، إذ عليها تقديم معلومات شاملة عن عملائها من حاملي الجنسية الأمريكية وإلا تعرضت لعقوبات صارمة ربما تكلفها ملايين الدولارات، مما حدا ببعض البنوك إلى رفض فتح حسابات للأمريكيين أو إغلاق حساباتهم الحالية وصعب من الحياة المعيشية للكثيرين منهم.وحتى الآن، من غير المعروف إلى أي مدى يمكن أن يساهم هذا القانون في التخفيف من حدة الأزمة المالية التي تواجهها الولايات المتحدة، خصوصا وأن هناك جوانب سلبية سترافق عملية التطبيق في بداية العام الجاري، فبالإضافة إلى أن التخلي عن الجنسية سيفقد الولايات المتحدة كفاءات وخبرات مهمة، كما أن ذلك سيساهم أيضاً في انخفاض عمليات تحويل الأموال لسبعة ملايين أمريكي لازال الاستثمار في وطنهم يعد أحد الخيارات المفضلة لديهم، حيث ستحاول العديد من البلدان المتقدمة استقطاب هذه الكفاءات وتقديم التسهيلات اللازمة لها.وفي نفس هذا الاتجاه، قررت بريطانيا فرض ضرائب لأول مرة على مالكي العقارات من غير المقيمين اعتبارا من إبريل عام 2015 وهو ما يعد بدوره سابقة ربما تقلل من أهمية السوق العقارية البريطانية، والتي تعتبر من أفضل الأسواق جذبا للاستثمارات الخارجية.لذلك، فإن الأمر المهم بالنسبة للمصارف والمؤسسات المالية والمستثمرين الخليجيين التهيؤ لهذه الإجراءات، أولا من خلال الالتزام التام بقانون "فاتكا" الأمريكي والذي ربما تكون مخالفته مكلفة للغاية، وثانيا لابد من مراقبة تفاصيل الضرائب العقارية البريطانية المقررة العام القادم والتي تتطلب إعادة النظر في الاستثمارات الهائلة في القطاع العقاري البريطاني، إذ قد يتم الاستحواذ على معظم المكاسب التي يمكن تحقيقها من عوائد الاستثمار هناك في حالة تطبيق القانون الجديد.تداعيات الأزمة كثيرة ومعقدة ولا زالت تتوالى فصولها رغم تحسن الاقتصاد العالمي، إلا أن متابعة الإجراءات والقوانين المستجدة وتفادي مطباتها وعواقب تطبيقها يعتبر أمرا في غاية الأهمية للاستثمارات الخليجية في الخارج، بما فيها استثمارات القطاع الخاص.
664
| 19 يناير 2014
بين فترة وأخرى تتعرض دول مجلس التعاون الخليجي لحملات تشويه إعلامية تتعلق بحقوق العاملين الأجانب، حيث تكتسي هذه الحملات طابعا سياسيا لتشكل ضغوطا على دول المجلس لإجبارها على الاستجابة لطلبات وصفقات تجارية ربما لا تتناسب ومصالحها الاقتصادية في الوقت الحاضر. الغريب أن هذه الحملات تطال بصورة أساسية المشاريع التي تحقق فيها دول المجلس مكاسب دولية من خلال تطوير بعض المرافق التي تعزز من أوضاعها في المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضية، كما أنها تشتد في كل مناسبة تتمكن من خلالها دول الخليج من الفوز باستضافة أنشطة عالمية كبيرة، مع ما يرافقها من تنمية للبنية التحتية والمرافق العامة والتي تزيد من القدرات التنافسية لدول المجلس.وبعد الضجة المفتعلة التي أثيرت في وسائل الإعلام حول استضافة قطر لمونديال 2022 جاء دور الإمارات التي احترمت وتحترم باستمرار، كما هو الحال مع بقية دول المجلس العمالة الأجنبية لديها وتوفر لها الرعاية والاهتمام الإنساني في العديد من المجالات، وبالأخص الرعاية الصحية وضمان الحقوق الأساسية، حيث شنت في الآونة الأخيرة حملة مفتعلة أخرى تتعلق بتنفيذ بعض المشاريع ذات الطابع الثقافي العالمي، علما بأن البدء في تنفيذ هذه المشاريع بدأ العمل به منذ سنوات، إلا أن الحملة أخذت طابعا عدائيا بعد تنامي الدور الاقتصادي والسعي الحثيث لدول المجلس لتنويع علاقاتها الدولية.ولم تجد هذه الحملة الجديدة صدى واسعا، وذلك لسبب بسيط للغاية، وهو أن العاملين الأجانب في دول المجلس يتمتعون بحقوق كثيرة وبمستويات معيشية جيدة بشكل عام، كما أن الأغلبية الساحقة منهم على قناعة تامة بأن حقوقها مصانة بعد أن شرعت للمؤسسات التي تدافع عن مصالحهم، وبالأخص لجان حقوق الإنسان التي ساهمت في حفظ حقوق العاملين متى ما حدثت تجاوزات من قبل الشركات العاملين بها.وبالإضافة إلى حقوق العاملين الاقتصادية والمعيشية، فإن هناك اهتماما كبيرا بأوضاعهم الإنسانية في دول المجلس، حيث اتخذت إجراءات استثنائية لا مثيل لها تتعلق بمنع العمل وقت الظهيرة في فصل الصيف وتم معاقبة عشرات الشركات التي لم تلتزم بهذا القرار وفرضت نقل العاملين في مركبات تقيهم تقلبات الطقس، في حين تم تكريم الكثيرين منهم وجرى الاهتمام بهم على أعلى المستويات.وعند انتهاء خدماتهم، فإنه يتم ضمان حصولهم على كافة حقوقهم وتفرض على الشركات والمؤسسات دفع كامل مستحقاتهم، بل إن دول المجلس تتساهل أحيانا في بعض القضايا التي تمس أوضاعها وأمنها بصورة مباشرة، كالسماح بمخالفي الإقامة والمتسللين بطرق غير شرعية بالمغادرة دون عقاب، وهو نوع من التسامح الإنساني الذي لا تستطيع البلدان التي تشن حملات على دول المجلس التغاضي عنه في أوطانها.ومن بين مئات الآلاف من الشركات، فإنه هناك بالتأكيد بعض التجاوزات، كما هو الحال في كافة بلدان العالم دون استثناء، إلا أنه متى ما اكتشفت هذه الحالات أو تم تقديم شكاوى بشأنها، فإن القانون يأخذ مجراه ويتم ليس إرجاع الحقوق لأصحابها، وإنما تعويضهم عما لحق بهم من أضرار من جراء تصرف بعض إدارات هذه الشركات.وبالنتيجة، فإن دول المجلس ستستمر في تحسين بيئة العمل بعيدا عن هذه الضغوط لثقتها بعدالة إجراءاتها وقوانينها وحفاظها على حقوق العاملين فيها، علما بأن بعض المؤسسات الدولية، كصندوق النقد الدولي تساهم بصورة غير مباشرة في هذه الضغوط، إذ لا يزال الصندوق يرفض تصنيف دول المجلس ضمن دول المجموعة الأولى تنمويا بحجة حقوق العاملين أو حقوق الإنسان، علما بأن دول المجلس وبفضل التقدم الاقتصادي تشترك مع بلدان المجموعة الأولى في المؤشرات التنموية الرئيسية، كحصة الفرد من الدخل القومي ومؤشرات التنمية البشرية والتي تحتل فيها دول المجلس مراكز متقدمة على المستوى العالمي.
502
| 12 يناير 2014
بعد معاناة طويلة استمرت خمس سنوات استعادت البورصات الخليجية حيويتها وجاذبيتها للمستثمرين المحليين والأجانب لتحقق مكاسب كبيرة في النصف الثاني من العام المنصرم 2013 وهو ما أشرنا إلى إمكانية تحقيقه في بداية العام الماضي.وبداية من بورصة دبي التي حققت مكاسب تجاوزت 106% لتحقق أكبر مكاسب على مستوى العالم، كما حقق مؤشر بورصة العاصمة أبوظبي نسبة نمو بلغت 63% والسوق السعودية 25% والقطرية 24% وحققت بقية البورصات الخليجية مكاسب كبيرة ووصلت مؤشراتها معظمها إلى مستويات ما قبل الأزمة وانتعشت معها أسعار الأسهم ليحقق بعضها نسب نمو تجاوزت 200%.ومع أن الأسواق الخليجية استعادت عافيتها متأخرة نسبيا، إذا ما قورن ذلك بالأسواق الأخرى، إلا أنها تعافت بوتيرة سريعة ومفاجئة، وذلك بفضل العديد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية السائدة، حيث ألقت الأوضاع في المنطقة، وبالأخص في البلدان العربية والتوترات الناجمة عن البرنامج النووي الإيراني بظلال قاتمة على الأسواق المالية.ومع استقرار الأوضاع في مصر واتفاق البلدان الخمسة الكبرى مع إيران بدأت تلوح في الأفق بوادر استقرار سياسي في الشرق الأوسط، مما شجع أولا على عودة رؤوس الأموال وإلى جذب استثمارات أجنبية كبيرة لأسواق المال الخليجية، مما أدى إلى تغطية كامل حصة الأجانب في مشتريات أسهم بعض البنوك المدرجة والتي استجابت لهذا الإقبال من خلال رفع حصة الأجانب من 15 إلى 25%.لقد كان لهذه التطورات السياسية دورا حاسما في انتعاش أسواق المال الخليجية، فالأوضاع الاقتصادية كانت مهيأة للنمو منذ عامين بفضل استقرار وقوة الاقتصادات الخليجية والمدعومة بأسعار النفط المرتفعة. ومع تحسن الأوضاع السياسية، فقد تلقت الأسواق المالية دفعات قوية للعودة لمستوياتها السابقة.وإضافة إلى ذلك، فقد أسهمت بعض التطورات، كفوز دبي باستضافة معرض اكسبو 2020 في دعم سوقي أبوظبي ودبي ورفدهما بمكاسب تجاوزت 50 مليار درهم (13.6 مليار دولار) كما أن الإعلان عن أرقام بعض الموازنات الخليجية، كالإمارات والسعودية وصدورهما بأحجام إنفاق قياسية أسهم بدوره في تقديم دعم إضافي للأسواق المالية، حيث يتوقع أن تصدر بقية الموازنات الخليجية بصورة مشابهة.ومع أن بعض المستثمرين مازال متخوفا من الولوج مجددا لأسواق المال الخليجية، وذلك بسبب تجربته السابقة، حيث يرجع ذلك إلى عوامل نفسية أكثر منها موضوعية، مما يتطلب القيام بتحليل موضوعي للخيارات الاستثمارية المتاحة في الأسواق الخليجية، وبالأخص بعد الدخول القوي للمحافظ والمؤسسات ورؤوس الأموال الأجنبية.لا شك أنه ستصاحب هذه الارتفاعات الكبيرة للأسواق عمليات مضاربة وجني للأرباح، وهذه مسائل طبيعية لا تخلو منها أي سوق مالية في العالم، إلا أن معظم الارتفاعات تعتبر منطقية وتعكس نسب العائد على الأسهم والأداء الجيد للشركات، في حين مازالت أسعار بعض الأسهم خاضعة لأمزجة المضاربين، وبالأخص أسهم الشركات الصغيرة والرخيصة نسبيا، علما بأن بعضها مازال في حالة التعافي، كما أن البعض الآخر مازال يعاني من مشاكل هيكلية تتعلق بالسيولة وطبيعة عمل الشركات، كقطاع النقل البحري على سبيل المثال.من هنا، فإنه من الضرورة بمكان أن يحسن المستثمرون، خصوصا الصغار منهم الاختيار من خلال الاستثمار في أسهم الشركات والمؤسسات التي تتميز بأداء عال وتوزيعات مجزية مع الابتعاد قدر الإمكان عن المضاربات، فأسواق المال الخليجية يتوقع أن تشهد المزيد من التحسن في العام الحالي، كما ذكر ذلك بصورة صحيحة صندوق النقد الدولي الذي أكد أن عام 2014 سيكون عاما مميزا لأسواق المال الإماراتية، مما يجعل من عملية الاستثمار مجدية على المدى الطويل، وذلك بفضل إمكانية استقرار أسعار وعائدات النفط والتي توفر بيئة جيدة للنمو الاقتصادي ونمو قطاع الأعمال بدول المجلس في الفترة القادمة، بما فيها الشركات المدرجة في البورصات الخليجية.
535
| 05 يناير 2014
الضجة المثارة حول تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد اكتسبت زخما مبالغا فيه، وبالأخص بعد أن تحولت إلى إساءات وإساءات مضادة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولة من لا يريد خيرا لدول المجلس استغلال هذه القضية لتأجيج اختلافات طبيعية تحدث بين أي أعضاء تكتل في العالم.إن قضية التحول فيما لو تمت ستكون عملية تحول روتينية ولن تغير كثيرا من طبيعة التعاون، هذا ما تثبته تجربة الاتحاد الأوروبي، فالدول الأعضاء هناك تملك جميعها - كما هو الحال في التكتل الخليجي - حق "الفيتو"، إذ لا يمكن تمرير أي قرارات دون الموافقة الجماعية عليها، وهو ما يضمن سيادة كافة الدول الأعضاء.وإلى جانب ذلك، فإن طبيعة التجمعين الأوروبي والخليجي، هي طبيعة اقتصادية وأمنية بصورة أساسية، وذلك على الرغم أن التعاون في المجالات السياسية أخذ يحتل مكانة متزايدة في الاتحاد الأوروبي بعد سنوات طويلة وبموافقة كافة البلدان.في التكتل الخليجي مضى التعاون الاقتصادي قدما ولو ببطء، حيث يتوقع أن يطبق الاتحاد الجمركي بصورة كاملة بعد عام من الآن، أي في يناير 2015، وكذلك هو الحال مع السوق الخليجية المشتركة، أما موضوع العملة الموحدة، فإنه مؤجل حتى إشعار آخر.وتبقى مسألة توحيد السياسات الاقتصادية والتي هي بحاجة إلى وقت أطول وتفهم أكثر من كافة البلدان الأعضاء، مما يعني أنه لو تم تحويل التعاون إلى اتحاد، فإن تغيرا كبيرا سوف لن يطرأ على طبيعة التعاون والعلاقة بين الدول الأعضاء، إلا أنه سوف يمنح التكتل الخليجي قوة إضافية كبيرة في علاقاته الدولية وفي مفاوضاته مع الكتل والبلدان الأخرى وسيعزز من قدرته في مواجهة التحديات الخطيرة ويغير من تعامل الآخرين مع دوله، بما في ذلك التهديدات من الدول الإقليمية المحيطة.ومع ذلك، فإن سلطنة عمان بإمكانها، كما بإمكان أي دولة أخرى عدم الموافقة على عملية التحول الشكلية في الوقت الحاضر، على اعتبار أنها تتمتع بعلاقات خاصة مع قوى إقليمية، إلا أن ما أثار البعض ربما تهديد وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية بالانسحاب من مجلس التعاون، وهو ما أثار ضجة إعلامية كان بالإمكان تفاديها.المهم أن قمة الكويت عالجت بحكمة هذا الخلاف وخرجت بقرارين مهمين، الأول بتكوين قيادة خليجية عسكرية مشتركة والآخر بتأسيس أكاديمية أمنية مقرها دولة الإمارات. أما في مجال التعاون الاقتصادي، فإن القمة أكدت فقط على متابعة الاتفاقيات السابقة، كما أن هناك مشاريع، كالربط المائي وشبكة الغاز يمكن أن تساهم مساهمة فعالة في ربط المصالح الخليجية، تلك القضايا التي يمكن التركيز عليها في القمم القادمة، فسلطنة عمان على سبيل المثال وقعت اتفاقية قبل شهرين مع إيران للتزود بالغاز لمدة 25 عاما بقيمة 60 مليار دولار من خلال خط أنابيب بين البلدين، وهي حريصة على هذه الإمدادات من الغاز المهمة لعملية التنمية في السلطنة في ظل غياب الشبكة الخليجية للغاز الطبيعي.من هنا، فإن معالجة النقص وسد الثغرات في التعاون الاقتصادي الخليجي مهم للغاية لدعم التوجه نحو عملية التحول من التعاون إلى الاتحاد، إذ كلما زاد اعتماد دول المجلس على بعضها البعض، كلما توثقت المصالح الاقتصادية وتوفرت الضمانات اللازمة لبناء الثقة وضمان الاحتياجات التنموية لدول المجلس، وهو ما سيساهم في دعم توجهاتها الإستراتيجية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل الوطني في ظل الاستقرار الذي تنعم به دول المجلس والذي لا بد من المحافظة عليه، على اعتبار أنه يشكل ضرورة موضوعية للتنمية.
1385
| 02 يناير 2014
فرضت أزمة الاقتصاد الإيراني أجندتها على التطورات السياسية المتسارعة في منطقة الخليج والشرق الأوسط، إذ بعد عشر سنوات من الحصار الاقتصادي الذي فرضه المجتمع الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي وبسبب سياسة التحدي التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق أحمدي نجاد وكادت أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، أقدمت إدارة الرئيس الجديد حسن روحاني على دبلوماسية جديدة لا زالت تحت الاختبار حتى الآن. لقد فعلت العقوبات الاقتصادية فعلها، فانهارت العملة الإيرانية "التومان" وارتفعت معدلات البطالة والتضخم إلى أرقام قياسية وتعدى من يعيشون تحت خط الفقر نصف المجتمع الإيراني وانخفضت صادرات النفط بنسبة كبيرة بلغت 30% وتوقفت تقريبا المعاملات المالية للبنك المركزي وجمدت الأموال الإيرانية في الخارج. وشملت هذه العقوبات أنشطة القطاع الخاص، مما أعاق المعاملات التجارية والتحويلات المالية وخدمات بطاقات الائتمان والصرف الآلي للبنوك الإيرانية في الخارج، مما أدى إلى تدهور القطاع التجاري والمالي وأوجد نقصا خطيرا في بعض أنواع السلع والخدمات اللازمة لتسيير عجلة الاقتصاد. أدى كل ذلك إلى تكبد الاقتصاد الإيراني لخسائر كبيرة قدرت بـ 172 مليار دولار في غضون سنوات قليلة، حيث أعلن الرئيس حسن روحاني في أول خطاب له في البرلمان عندما اعترض كلماته بعض الرديكاليين، قائلا "يجب أن لا يخفى عليكم من أنني تسلمت خزانه الدولة فارغة"، كما أنه أشار في تصريح له الأسبوع الجاري إلى أن "معالجة التضخم تأتي في مقدمة أولويات موازنة 2014"، مما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والمالية والتي قادت إيران إلى تقديم تنازلات في محادثاتها في جنيف مع مجموعة 5+1 لإلغاء العقوبات أو تخفيفها، كمرحلة أولى. لقد أعرب ثلثا الإيرانيين في استفتاء لمؤسسة زغبي الأمريكية من أن همهم الأول يكمن في تحسين مستوياتهم المعيشية، ثم تأتي من بعدها بقية القضايا الخاصة بالتخصيب النووي والتجاذبات الإقليمية، كالأوضاع في لبنان وسوريا والتكاليف الباهظة التي تحملتها إيران هناك. ما يهم إدارة روحاني في الوقت الحاضر، هو إلغاء العقوبات لإنقاذ الاقتصاد والنظام على حد سواء، إذ ربما تلغى العقوبات في نهاية الأمر، إلا أن القضية الأساسية لا تقف عند هذا الأمر، وإنما في ضياع سنوات طويلة من التنمية وخسارة مليارات من الدولارات في سبيل الجري وراء سراب يسمى البرنامج النووي العسكري والذي لم يخدم قضايا التنمية في أية دولة في العالم قبل إيران. عندما ينظر الرئيس روحاني عشر سنوات للوراء سيرى أن بلاده تأخرت كثيرا عن اللحاق بركب الاقتصاد العالمي وأن إدارته الجديدة أو من سيأتي بعدها بحاجة لسنوات طويلة لإصلاح الخلل الاقتصادي والمالي الذي تسببت فيه إدارة سلفه، حيث تتطلب عملية الإصلاح، أولا إصلاح العلاقات مع شركاء إيران الاقتصاديين، بما فيهم دول مجلس التعاون والتي زودت إيران ولعقود طويلة بالكثير من احتياجاتها من خلال تجارة إعادة التصدير وانتقال رؤوس الأموال واستقبال الأيدي العاملة الإيرانية، كما شكلت إيران معلما سياحيا لمواطني الخليج، وهو ما عاد بالفائدة على الطرفين. لذلك، فإن إيران ليست بحاجة فقط لاتفاق جنيف، وإنما بحاجة ماسة لسياسة اقتصادية برغماتية تعيد ترميم علاقاتها مع شركائها السابقين وتسخر ثروات البلاد الهائلة للتنمية ورفع مستويات الناس المعيشية، فالتجارب التاريخية السابقة بينت وبوضوح فشل أدلجة الاقتصاد، ابتداء من بلدان المعسكر الشرقي السابق وليس انتهاء بكوريا الشمالية. في هذه الحالة فقط يمكن لإدارة روحاني أن تضع قطار التنمية في إيران من جديد على السكة الصحيحة، خصوصا وأن توجهاته الجديدة لقيت ترحيبا كبيرا من كافة الأطراف الفاعلة في المنطقة، بما فيها دول مجلس التعاون التي تشارك إيران بحيرة الخليج العربي التي هي بحاجة للتنمية والتعاون الإقليمي للحفاظ عليها من التوترات والأضرار البيئية المتزايدة والتي تؤثر سلبا على التنمية المستدامة في بلدان المنطقة.
673
| 02 يناير 2014
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3477
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1428
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1038
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
954
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
831
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية