رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. خالد وليد محمود

• متخصص بالسياسة السيبرانية

مساحة إعلانية

مقالات

51

د. خالد وليد محمود

عمالقة التكنولوجيا.. مراكز قوة خارج منطق الدولة 2 - 2

11 ديسمبر 2025 , 04:00ص

لم يعد المشهد الاقتصادي العالمي محكومًا فقط بقوانين النمو والانكماش، ولا بخطط الدول والبنوك المركزية، بل بواقع جديد تشكّل بصمت: سبع شركات خاصة - لا تملك جيوشًا ولا مقاعد في الأمم المتحدة - باتت تتمتع بنفوذ يفوق قوة دول صناعية كبرى. في زمن تُقاس فيه القوة بالبيانات والحوسبة والذكاء الاصطناعي، تحولت هذه الشركات إلى مراكز سيادة موازية تعمل خارج الإطار التقليدي للدولة، وتعيد رسم خرائط الاقتصاد والسياسة والحقوق على مستوى العالم.

هذه الكيانات هي: أبل، مايكروسوفت، إنفيديا، أمازون، ألفا بيت، ميتا، غوغل... إنها سبع شركات فقط باتت تسيطر على ثلث القيمة السوقية لمؤشر S&P 500 الذي يتجاوز 51 تريليون دولار،

وأبعاد القصة لا تقف عند حدود المؤشرات المالية ولا عند هيمنة الشركات على أرباح وادي السيليكون. فالنمو الهائل الذي حققته هذه الكيانات خلق طبقة جديدة من السلطة تتجاوز الاقتصاد التقليدي إلى فضاءات أكثر حساسية: تشكيل الوعي، وصناعة السلوك البشري، والتحكم بالبنية التحتية الرقمية التي باتت شريان الحياة للدول والشعوب. ولهذا بدأت المخاوف تنتقل من غرف التحليل الاقتصادي إلى قاعات الأمم المتحدة. إذ حذّر المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، من أن تركّز القوة الاقتصادية والبيانية في يد سبع شركات فقط يشكّل تهديدًا بنيويًا للديمقراطية وحقوق الإنسان، ويخلق وضعًا غير مسبوق في التاريخ الحديث.

فاليوم، لم يعد نفوذ هذه الشركات مقتصرًا على الأسواق، بل امتد ليطول:

• بيانات مليارات البشر التي أصبحت الوقود الرئيسي لإنتاج الخوارزميات وتطوير النماذج الذكية.

• أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على التأثير في الإدراك والاختيارات الفردية، بل وإعادة صياغة السلوك الجماعي.

• المنصات الاجتماعية التي تُعتبر المختبر الأول لصناعة الرأي العام وتوجيه النقاشات السياسية والاجتماعية.

• البنية السحابية والحوسبية التي تعتمد عليها الحكومات والمؤسسات المالية والإعلامية والصحية.

إنها منظومة سيطرة تتجاوز نموذج الربح والخسارة. صارت هذه الشركات تمتلك القدرة على توجيه المعلومات، التأثير في نتائج الانتخابات، ترجيح كفة طرف سياسي على آخر، وحتى تعطيل شبكات وطنية أو شلّ قطاعات اقتصادية بقرار تقني واحد. إن ما كان في السابق شأنًا سياديًا للدول—مثل الأمن المعلوماتي، والرقابة على تدفق البيانات، وتنظيم المحتوى—أصبح اليوم فعليًا تحت سيطرة كيانات خاصة لا تخضع إلا جزئيًا للحكومات أو للمعايير الدولية.

لهذا وصف بعض الاقتصاديين والمفكرين هذه الظاهرة بأنها لحظة ولادة لـ “قوى فوق–سيادية”؛ فهذه الشركات لا تُقيّدها حدود جغرافية، ولا سلطات تنظيمية فعّالة، وتعمل في إطار عالمي يسمح لها بتجاوز محاسبة الدول، وتغيير قواعد اللعبة أسرع من قدرة التشريعات على اللحاق بها. إن التوازن بين القوة التكنولوجية والسلطة السياسية بات يميل بشكل خطير لصالح الشركات، ما يثير قلقًا حقيقيًا من أن يتحول الاقتصاد الرقمي إلى نموذج حكم جديد لا يقوم على العقد الاجتماعي، بل على العقد الخوارزمي.

خلاصة القول، ثمة ثنائية دقيقة تقف البشرية أمامها: من جهة، أحدثت هذه الشركات ثورة تكنولوجية هائلة تقود إنتاجية جديدة وتحولات صناعية ومجتمعية إيجابية. ومن جهة أخرى، أدّت هيمنتها المطلقة إلى اختلالات في الأسواق، وقلق سياسي عالمي، وتخوف متزايد من أن يتحول الذكاء الاصطناعي من نعمة الابتكار إلى أداة للهيمنة. ويبقى السؤال: هل يستطيع النظام الدولي تطوير حوكمة عالمية توقف الانفلات التكنولوجي وتحمي الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ أم أننا نتجه إلى مستقبل تصنعه شركات أصبحت بالفعل أكبر من دول، وأكثر تأثيرًا من حكومات، وأكثر حضورًا من المؤسسات التقليدية؟

ففي المحصلة، يشكّل السبعة الكبار ظاهرة اقتصادية-سياسية جديدة: قوى عابرة للدولة، تصنع المستقبل، لكنها قد تهدد أساس النظام العالمي إذا لم تُخضع لضوابط تحمي الإنسان قبل التكنولوجيا، والحق قبل الخوارزمية.

اقرأ المزيد

alsharq خيركم

يا لجمال الخير وأصحابه! من منا لا يحب الخير ؟ ومن منا لا يحب أن يترك أثراً من... اقرأ المزيد

123

| 11 ديسمبر 2025

alsharq النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش... اقرأ المزيد

216

| 11 ديسمبر 2025

alsharq مرحبا بكل من يحترم مجتمعنا

تعيش قطر هذه الأيام بطولات رياضية كبرى وهي كأس العرب فورميلا 1 وكأس الخليج تحت 23 سنة، بالإضافة... اقرأ المزيد

99

| 11 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية