رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

729

د. فاتن الدوسري

كيف يُعجل ترامب أفول الهيمنة الأمريكية؟

17 فبراير 2025 , 02:00ص

قد أمسى من المسلم به أن الهيمنة الأحادية الأمريكية على العالم تعيش فصلها الأخير وليس الآن بل منذ الأزمة المالية العالمية 2008، وسط اعتراض قلة محدودة من المتخصصين على ذلك. ورغم علم الإدارات الأمريكية السابقة لترامب بذلك علم اليقين؛ ومع ذلك سعت جاهدة للمحافظة على هذه الهيمنة - إذ لا يمكن أن تتخلى قوى مهيمنة عن هيمنتها بسهولة - لكن عبر انتهاج سياسات وتكتيكات مختلفة، على رأسها حشد التحالفات الدولية، والتركيز على التفوق التكنولوجي، والحفاظ على الدور القيمي للولايات المتحدة في العالم من خلال قيادة المبادرة في بعض القضايا خاصة التغير المناخي.

 وبالقطع من المستحيل أن تستمر الهيمنة الأمريكية المطلقة عبر هذه السياسات، فالهيمنة الأحادية أو القطبية الأحادية استثنائية الطبع في النظام الدولي، أو وضع غير اعتيادي لن يدوم طويلا هذا من جانب. ومن جانب آخر تعد الأحادية الأمريكية استثناء خاصا برزت في ظل ظروف خاصة استثنائية في النظام الدولي، حيث انهار كل المنافسين في وقت واحد تقريبا. ومن جانب ثالث وهو الأهم، أن النظام الدولي قد أمسى متعدد الأقطاب ولن يعود للوراء بأي حال من الأحوال.

 لكن بغض النظر عن تصور الولايات المتحدة بإمكانية استدامة الهيمنة الأمريكية عبر تلك السياسات، وهو تصور خاطئ بالقطع. فإن تلك السياسات من شأنها الحفاظ على القوة الأمريكية إلى أطول مدى زمني ممكن، أو بعبارة أخرى عدم التسريع في إعلان الأفول الرسمي للهيمنة الأمريكية.

 ويقدم المقال تقديرا للكيفية التي يعجل بها ترامب من أفول الهيمنة الأمريكية من خلال التركيز على الحرب التجارية وسياسة الهجرة.

رغم إصرار ترامب على شعاره «جعل أمريكا عظيمة مجددا»، لكنه في المجمل العام يتبنى نهجاً في السياسة الخارجية تحديدا يتمحور حول الانعزالية، والانفرادية، ومنطق الصفقات التجارية، وغطرسة القوة المفرطة، منافيا تماما لذلك الشعار. وتعكس الحرب التجارية، وسياسة الهجرة العنيفة ذروة النهج الخاص لترامب وعقيدة الشخصية أيضا.

 دشن ترامب مصطلح الحرب التجارية في قاموس السياسة الأمريكية، العالم. بدأت الحرب التجارية لترامب في ولايته الأولى كان المستهدف منها بالأساس الصين، لكنها عكست تصور ترامب العالم للاقتصاد الأمريكي والقوة الأمريكية عامة. إذ يرى ترامب أن الاقتصاد الأمريكي قد تدمر جراء عدم الحمائية التجارية الناجمة بالأساس من الاعتماد التجاري المتبادل والعولمة. وفى ولايته الحالية، قام مؤخراً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 % على جميع واردات الولايات المتحدة من الحديد والألومنيوم، ولم يستثن دولة واحدة، إضافة إلى فرض رسوم بنسبة 10 % على جميع واردات الصين.

 تعكس الحرب التجارية قصر نظر فادحا لترامب وداعمي الحرب التجارية. إذ على المدى القصير لا شك أنها ستجلب مليارات الدولارات للخزانة الأمريكية. لكن التداعيات على المدى المتوسط والطويل شديدة الخطورة على الاقتصاد الأمريكي، والدور الاقتصادي العالمي لواشنطن، ودورها الريادي العالمي أيضا.

 ستجلب الرسوم الجمركية مليارات الدولارات للولايات المتحدة، لكنها في المقابل ستؤدى إلى موجة تضخمية عنيفة، وخلق مناخ سلبي طارد لمجتمع الأعمال. وذلك ببساطة لأن الولايات المتحدة تعتمد على الأسواق الخارجية بنسبة تناهز 80 % سواء في المنتجات العادية، أو مستلزمات الإنتاج والتشغيل، خاصة من الدول الثلاث التي كانت بؤرة تركيز الحرب التجارية: الصين، كندا، والمكسيك.

 وعلى نحو آخر، تمثل الحرب التجارية العنيفة لترامب عداء صريحا لنظام التجارة العالمي ومن خلفه العولمة الاقتصادية الداعمة له، مما سيقوض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية التي لا تزال تحتفظ بها عبر قوة الدولار وتشجيع تحرير الأسواق والتجارة، فالعولمة بالأساس حركة منتجة ومدفوعة بواسطة الولايات المتحدة. ومن المحتم أن يكون نتاج ذلك، تعزيز النظم العالمية الناشئة للاقتصاد خاصة النظام الصيني الأكثر موضوعية وعدالة، ذات التصورات المختلفة للعولمة وتحرير التجارة العالمية، والمتجسد في مجموعة البريكس. وعلى نطاق آخر، ستدمر الحرب التجارية التحالفات الأمريكية خاصة مع حلفائها التاريخيين عبر الأطلسي، فتضرر الحلفاء الشديد من الحرب التجارية في ظل التدهور الاقتصادي لهم، وفى ظل أيضا العداء الترامبى الانعزالي للحلفاء؛ سيدفعهم حتما إلى فك الارتباط التاريخي مع واشنطن نظير الالتفاف نحو الخصوم خاصة الصين. والتصريحات الألمانية الفرنسية منذ تولى ترامب توحي على نحو كبير بذلك.

 يعد ضبط سياسة الهجرة حقا سياديا لأي دولة، ونهج ترامب العام للهجرة لا يجانبه الصواب، إذ من غير المعقول أن تكون أمريكا مرتعا سهلا لتدفق عشرات الآلاف من أمريكا الجنوبية سنويا. لكن تكمن خطورة سياسة ترامب في تطرفها الشديد، والتي تنم عن شيفونية متطرفة ضد الأجانب، أكثر من كونها توجها لضبط الهجرة. تعد أمريكا دولة مهاجرين بالأساس، وقدم المهاجرون-غير الأنجلوساكسون- خدمات عظيمة لأمريكا، فأغلب حائزي جائزة نوبل من الأمريكيين مهاجرون من بينهم من أصول صينية وأصول مسلمة. ولا يزال المهاجرون يشكلون قوى مهمة للأمة الأمريكية، وعاملا رئيسيا للتفوق الأمريكي العالمي عبر تشجيع قدوم المهاجرين ذوي الكفاءة العالية من كافة أنحاء العالم.

 وهنا تكمن خطورة سياسة ترامب المتطرفة في الهجرة، حيث تنطلق من منطلق إقصائي، ستؤدى بدورها إلى حرمان الولايات المتحدة من أكفأ المهارات العملية والعلمية في العالم التي تستغلها واشنطن لتعزيز تفوقها، خاصة من العالم الإسلامي، وجنوب شرق آسيا.

مساحة إعلانية