رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحرب تنتج عباقرة وعظاما في خيرهم وشرهم، وتلك مفارقة إنسانية غريبة، وقد عرفت البشرية عبر عصور ومراحل تاريخية مختلفة كثيرا من الشخصيات القيادية التي برزت في الحروب وويلاتها، فكان منها الداهية كعمرو بن العاص ومن جمع الذكاء والشجاعة والدهاء كخالد بن الوليد ومنهم السفاح كيوسف الحجاج وهتلر وموسوليني وغيرهم، وكل عمل ومضى في حربه وسلمه على ما اتصف به فمنهم من حرق ودمر وأباد البشر، ومنهم من خاف قطع شجر، وهكذا التاريخ يسطر صفات القادة فمنهم من يدون اسمه من نور ومنهم من يذهب إلى مزبلة التاريخ. للقائد السفاح دوما بداية قوية وشرسة يظهر بها جبروته وقوته، حتى يصبح الكل يهابه ويحسب له ألف حساب، وهذا الجبروت غالباً ما يكون هو ما يزكيه بسيف الغرور في النهاية ويمحو تاريخه، ثم ما يلبث الزمن أن يؤدب الطاغية المتغطرس، والشاهد المعاصر لذلك حالة سوريا، حيث مارست جيوش الأسد الصغير في البداية أقسى أنواع القتل والتنكيل في الشعب السوري ومشاهد اليوتيوب كانت الدليل على ذلك، إذ نراهم يستخدمون الأسلاك والعصي والسكاكين للضرب والتعذيب وقطع الرؤوس ومع مضي رحلة العذاب والموت لم يعد هذا السلاح يجدي نفعا، فالنفوس تحررت من الخوف وأظهرت الشجاعة في الدفاع عن العرض رافضة أن تستسلم وتستكين. كيف للظالم أن يقضي على إرادة شعبه بالأسلحة مهما بلغ تطورها؟ ذلك ضد منطق التاريخ، وما صعد طاغية بجبروته وعنفه ودمويته إلا كما صعد وقع في خاتمة المطاف، وقد أصبح الأسد يتعامل في هذه الحرب ضد الجيش الحر والشعب السوري كحرب حقيقية مستخدما فيها الصواريخ والأسلحة الكيماوية، وأصبح سيناريو انهزامه النفسي والمعنوي وفي ميادين القتال بمثابة قصة يمكن أن تحولها هوليوود دراما على نمط أفلامها التي ما أن يبدأ أحدها فلا يمكن لأحد أن يتنبأ بالنهاية ولكن عندما يصل إلى المنتصف تبدأ ملامحها في الظهور وعند الربع الأخير توضع النقاط على الحروف، وهذا ما بات عليه حال الأسد الصغير، فالآن باستخدامه الأسلحة الثقيلة وقناعته بأن ما يجري هو حرب فإنه كتب النهاية بنفسه، ولكن الكل متشوق أن يرى المشهد الأخير هل سيكون مثل القذافي أم مبارك أم بن علي؟ بتنا أكثر تشوقا لأن تضيء الأنوار وتكتب عبارة (game over).
460
| 20 أبريل 2013
يظل سلاح الدبلوماسية أحد أهم وأبرز أسلحة العمل السياسي الرصين الذي اتسمت به دولة قطر واستطاعت من خلاله تحقيق نجاحات استثنائية في كثير من الملفات العربية والدولية، ولعلّي مثل كثيرين يرفعون القبعات لنجاح الدبلوماسية القطرية في حل كثير من الأزمات وفك تشابكها في وقت أخفقت فيه دبلوماسيات أكثر عراقة في الفضاء الدبلوماسي، فلماذا فشلت فيما نجحت قطر رغم صغر مساحتها الجغرافية وحداثة عهدها بالمعالجات الدولية. القيادة القطرية استطاعت بحكمتها أن تخترق الملفات المعقدة بما حظيت به من احترام مستحق نتيجة لسلوكها السياسي المتوازن ووقوفها على مسافة واحدة من أطراف المعادلات السياسية ذات الصلة بالأزمات، وإلى جانب ذلك فإنها تعمل بمبدأ الشفافية واختصار الطرق إيمانا بأن أقصر مسافة بين نقطتين هي الطريق المستقيم، ولذلك فإنها لا تمارس حيلا أو تحتفظ بخطوط رجعة لأعمال هي في الأصل ليست صحيحة، فقيادة قطر واضحة في تقديم رؤيتها ومعالجتها للقضايا وتضعها أمام الأطراف بنزاهة وبالتالي يضيق الخيار لمن يرغب في العبث والتحايل على الحلول. والسمة الأكثر وضوحا في دبلوماسية قطر الناجحة هي الصبر، فهي لا تستعجل حل أزمة عمرها سنوات في جلسة مباحثات أو مفاوضات واحدة، وذلك يعني تلقائيا واقعية الدبلوماسية وصدقها، وبالتالي ليس أمام الأطراف إذا كانوا يرغبون في حل إلا التسليم برؤية واقعية تستهدف الحصول على نتائج إيجابية متوازنة ومنطقية، والقياس في ذلك على مفاوضات سلام دارفور، تلك المنطقة السودانية التي شغلت العالم طوال عشرة أعوام وترتبت عليها تعقيدات على الأرض وفي الحراك السياسي حولها وبشأنها بما يجعل الحلول صعبة وتبدو مستحيلة. لم تنجح المنظمات الإقليمية والدولية والأمم المتحدة في تحقيق أي مقاربة مهمة على صعيد هذه المشكلة منذ تفجرها وما صاحبها من عنف وضحايا وتداعيات سلبية على الواقع السياسي والاقتصادي للسودان، ولكن قطر بدبلوماسية الصبر والحكمة نجحت في إطلاق وثيقة الدوحة للسلام وجعلتها مرجعا لأي عمل تصالحي في الإقليم والسودان، وأبقتها مفتوحة لاستيعاب أي بقايا للمتمردين يرغبون في الانضمام للسودان، واستغرق ذلك وقتا طويلا يتناسب مع تعقيدات الأزمة وتطوراتها السلبية، وذلك يعتبر أحد أرقى أشكال الدبلوماسية التي أصبحت نموذجا للإخلاص وصدق النية والرغبة الجادة في حل المشكلات وليس تحقيق انتصارات دبلوماسية على منابر الإعلام.
428
| 14 أبريل 2013
ابن خلدون في مقدمته أفاض في تشريح البنية الاجتماعية للعربي، وهي بنية ذات تداخل عميق مع نظيرتها العقلية والفكرية، وبغض النظر عن الانتهاء إلى الحالة الاجتماعية التي كانت تجذيرا لماهية العربي، فالمفارقة تبدو ماثلة بين ما ذهب إليه قديما وما ينتجه العقل العربي حديثا، ما يؤكد صدق النهايات والاستخلاصات المنطقية لما طرحه الرجل في كتابه الضخم. من خلال الواقع ومجرياته في أكثر من سياق ومسار، سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو اجتماعيا، نلمس فروقات أكبر مما يبدو في السطح من إظهار لضرورة العمل المشترك وأخوة الدم والعقيدة، وذلك نتاج عقل لا يستقيم مع مقتضيات التطور الحضاري وإدارة الدولة في نمطها الاجتماعي، وتقدم لنا حالة الثورات العربية نموذجا شاملا ومتكاملا لكيفية مواجهة تحدياتنا وتجاوز جسر السلامة السياسية. في تقديري كل مواطن هو بالضرورة سياسي، فالسياسية التي يشرّحها أرسطو طاليس تحتمل هذا المعنى المنطقي، لأن كل فعل يقوم به المواطن داخل مجتمعه أو وطنه ينعكس على القيمة الكلية للحراك السياسي الذي هو حزمة تحركات حيوية في الثقافة والمجتمع والعمل السياسي، ولكن أسوأ ما في السياسة العربية هو الفهم الرديء للديمقراطية ومقايستها بالفوضى، وليس بالضرورة أن تحصل الشعوب على نموذج ديمقراطية وستمنستر وإنما فهم الحدود الأخلاقية للحرية في الممارسة السياسية وذلك ما لم نفهمه، وهي الحقيقة التي يجب أن نفهمها جيدا. الشعوب العربية ليست مهيأة للديمقراطية، تلك حالة سياسية أكبر من إنتاج الفوضى والبلطجة والشبيحة والعصابات الإجرامية التي تتطفل على الديمقراطية والعمل السياسي، ولكي تطالب تلك الشعوب بالديمقراطية ينبغي أن تثبت حسن سيرة سياسية في فهمها للممارسة السياسية وأن الأوطان مقدمة على أي مكاسب وأن استقرارها نتيجة يجب الحصول عليها باحترام السلطة وعدم منازعتها في أمر يكتبه الله سبحانه وتعالى ويوليه من يشاء، وحين تغفل مثل هذه المعاني ويتم رميها في نفايات الليبرالية الهشّة، بالضرورة أن يصبح "المعلم زلطة" و"الأسطى سمكة" زعماء يقودون الشعوب إلى هاوية الديمقراطية والحق في الحرية الموهومة والزائفة، فلا حرية تنشر الفوضى في الدولة ولا ديمقراطية تؤسس لخراب السلطة وانهيارها، وفي الحالتين لا مرحبا بها، غير أنها للأسف حالة عربية خاصة وخالصة.
873
| 07 أبريل 2013
من خلال مجريات الأحداث في المنطقة وتعسف النظام الإيراني في حل مشكلة البرنامج النووي يبدو واضحا أن سلوك نظام الملالي في واد، والعالم في واد آخر، ويبدو أن هناك عقيدة سياسية تختلف عن كل السائد في العالم المعاصر، فليس هناك من دولة على عداء مبطن مع جميع جيرانها كما هو الحال بالنسبة لنظام إيران، وأيا كان التكتيك الذي يتبعه في إدارة أزماته واختلاق أزمات لجيرانه فإنه لن يصل به إلى أهدافه المكشوفة. قد لا تكسب إيران كثيرا من تعكير الأجواء السياسية في الدول المجاورة، ولكنها من المؤكد أنها تخسر ثقتهم وحرصها على سلامة وأمن المنطقة، فهي تقدم وردة بيضاء بيد وفي اليد الأخرى خنجرا مسموما، العملية السياسية يجب أن تكون واضحة ونزيهة، لأنه لا يمكن لدولة أن تطلب الثقة فيها وهي تنقض العهود وتكيد الدسائس وتبادر إلى العداء وتنكفي عن أي حوار جاد. مخابرات إيران نشطة في دول الخليج ولبنان وسوريا، وحين تجازف بدبلوماسيتها إلى الحد الذي يجعل دبلوماسييها عناصر مخابرات فإنها دولة مثيرة للقلق، ومزعجة ولا يمكن أن تعيش في استقرار وسلام مع الجيران رغم رفع الشعارات الإسلامية الزائفة التي لا تنطلي على الآخرين، ولا يمكنها في ذات الوقت أن تطلق الكذبة وتصدقها وتطلب من هؤلاء الآخرين أيضا أن يصدقوها، ذلك غير منطقي. مؤخرا كشفت السلطات السعودية عن خلية تجسس تتبع للمخابرات الإيرانية، فما الذي تبحث عنه إيران في أكبر جيرانها في الخليج؟ ذلك سلوك مدمر ومرضي وغير أخلاقي يتنافى مع شروط حسن الجوار وإقامة علاقات قائمة على الاحترام والنزاهة والمصداقية التي تدعو إليها القوانين الدولية والأعراف الإنسانية وقبل ذلك ديننا الإسلامي الذي يجمعنا ويدعونا إلى الأخوة دون نفاق أو كذب أو تخوين. خلية إيران دليل إضافي على سوء نيات نظامها وعدم جديته في الوصول إلى استقرار وأمن إقليمي يستفيد منه الجميع، ولذلك فإنها بهذا السلوك السيئ إنما تنهك الثقة فيها حاضرا ومستقبلا ويفرض عليها عزلة وإقصاء تعيشه حاليا بمستوى أقل، أما وقد فعلت بالتجسس المعلن فإنها تغرق في مستنقع الإقصاء والتهميش وفقدان النصير الإقليمي والإسلامي والعالمي، لتصبح وحدها في معادلة لا تسمح باستضافة مشاغبين ومخربين دوليين.
331
| 21 مارس 2013
لا جدل في قيمة مصر الحضارية وما أنتجته عبر التاريخ من مكتسبات لا تزال تستحضرها الأجيال وتفرض نفسها في الفكر الإنساني عموما والعربي والإسلامي خاصة، ولا شك أن الامتداد العريق للحضارة الفرعونية يشكل إضافة متواصلة ومستمرة لدور وقيمة مصر في المشهد الإنساني، وذلك لعب دورا مؤثرا في حفز المصريين للقيام بكثير من المعالي في المجال الحضاري والمعرفي والثقافي. ولمصر قيمتها الدينية، ويكفيها شرفا ذكرها في القرآن الكريم تسع مرات، ووصف رسولنا الكريم لها بأنها أرض الرباط، وقول عمرو بن العاص إن جنود مصر خير أجناد الأرض، وهو ما نستشهد به في العصر الحديث من وقائع بطولية سطرها الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973م، وغير ذلك مما يندرج في مقامات الرفعة والسمو الذي يضيف إلى مصر والمصريين. غير أن تلك الوقائع تبدو أنها أصبحت غير مستقرة وتقف على أرضية معرضة لزلزال قد تنهار معه قيمة مصر وشعبها، فعدم حسن تدبير أمور الدولة واضطرابها على النحو الذي تحول فيه الأجيال الحالية وقادة المعارضة فيها بلادهم إلى جمهورية موز لا تختلف كثيرا عما يجري في أي دولة من العالم الثالث تعيش إنهاكا سياسيا وخللا في بنيتها السياسية تفقد معه الدولة هويتها. ما يحدث في مصر يؤكد أنه لم يعد هناك وعي بالدولة وقيمتها، وأن هناك سوء فهم غريبا للسلوك الديمقراطي الذي يعلو فيه صوت البلطجة والرصاص والحرائق التي تشتعل في كل مكان، حتما هناك خلل في الوعي وتراجع في القيمة الوطنية التي تتسامى على الصغائر وتضع مصلحة الوطن فوق الكيد والمزايدات السياسية، ذلك مؤشر لزيف القيمة المصرية وهوانها وتراجع مؤشراتها في المنطق الإنساني والحضاري. عدم اعتياد المصريين على الديمقراطية وتعطشهم للحرية لا يمكن أن ينتج مثل هذه الفوضى وتخريب استقرار الوطن ليس بعامل من خارج وإنما من داخل، محصلته النهائية أن المصريين ليسوا بخير حين يمارسون البلطجة ويمررون الطرف الثالث في وسط المسيرات والتظاهرات ليقتل ويحرق ويدمر وينهب ويروع ويحرم بلادا بأكملها نعمة الأمن والطمأنينة، ذلك لا يستقيم مع منطق التاريخ، ولم يعد بوسع المصريين أن يتحدثوا في الحاضر والمستقبل بلغة التاريخ التي تجاوزها الزمن، فأبو الهول لن يؤكلهم الخبز وكذلك الديمقراطية التي يزعمونها ونرى وقائعها أمامنا يوميا.
319
| 18 مارس 2013
الطغاة على مر التاريخ يبدأون نهاياتهم بالخروج أولا من الزمن وافتقاد الحس الإنساني والشعور بالآم ومتاعب مواطنيهم، ولذلك تفسيره السيكولوجي، غير أننا في السياق السياسي ومن خلال تجربة الرئيس بشار الأسد نصل إلى استخلاص منطقي بأنه بالفعل أصبح خارج الزمن فهو يطالب بتسمية 70 ألف قتيل سوري ماتوا بسبب هجماته الوحشية على المدن والأحياء والأرياف ولم يسلم من ذلك طفل صغير أو امرأة أو عجوز تتكئ على عصاة كان يفترض أن تتكئ على رئيس يوفر لها الأمن والأمان والاستقرار. حين يطالب الأسد الصغير بتسمية 70 ألف شهيد فإنه في الواقع يستهتر بالمأساة والألم الذي يعيشه الشعب السوري، ويؤكد أنه لم يعد يمتلك حسا إنسانيا يرتفع إلى المستوى البشري الذي يجعله يعبر بلغة سياسية منطقية عن أعمال القتل اليومي التي يقوم بها جيشه ومليشياته في المدن والأحياء السورية، حين يفقد الرئيس حسه الأخلاقي ويصبح على هذا النحو السلبي من الكياسة والفطنة والهذيان واللامعقولية التي تجعله يطلب تسمية الشهداء. حسنا، إنهم مواطنون سوريون شرفاء قضوا بالضربات الجوية والصاروخية والرصاص والقنابل والحرائق التي أشعلها جيشك دون رحمة أو خلق عربي مزعوم أو ديني أو عرف إنساني، إنهم زيد وعبيد وباسم وبسمة وصقر وحازم ورغد وسعد وسعيد ونور وجمال وألم وأمل، إنهم تلك السرادق المكتومة في جوف الوطن والشعب لأن طائراتك ودباباتك والقناصة لم يسمحوا بإقامتها لتلقي العزاء، إنهم تلك القوائم التي تشردت في البلاد المجاورة بحثا عن الأمان الذي فقدته في وطنها بعد أن جردت شعبك من نعمة الأمن والاستقرار. ماذا تفيدك الأسماء؟ وهل ستوقف المجازر أو تعيد الابن الشهيد لأمه الثكلى أو الزوج للأرملة؟ أو الطمأنينة للحرائر اللاتي تشردن وأصبحن عرضة لانتهاك الأعراض؟ ذلك ليس سوى حديث الطغاة الذين عميت بصيرتهم وانسد الأفق أمامهم لرؤية المشهد والصورة الكلية لحال الشعب، وهي أسوأ من طلب تسمية الشهداء، إنهم في الواقع في ذمة الرئيس الذي لا يحس أو يشعر، إنها أمانة كانت في عنق من خانها وأهدرها وتبلّد حسه وعقله ولم يعد تعني له دموع الأطفال ومناظر موتهم تحت الأنقاض أو الرصاص يخترق أجسادهم أي شيء ولم يعد من مناص سوى الرحيل ولا شيء غيره.
519
| 10 مارس 2013
ليست هناك حرية مطلقة، ذلك مبدأ شائع في جميع المجتمعات البشرية، حتى إنه عبر العصور السحيقة كانت لحرية الفرد حدودها التي تقف عندها بحيث لا تصطدم أو تتعدّى على حريات الآخرين وذلك ما هو مؤكد في إطار حركة الإنسان وتفاعله مع الوسط الذي يعيش فيه، إذ لا بد له أن يحتك بما يتناقض مع قناعاته وخياراته ولا يتوافق معه بصورة كاملة أو نسبية، وذلك هو التفاوت الطبيعي في فهم نسبية مفهوم الحرية وتباين حدوده بين البشر. يطلب الإنسان حريته منذ أن يبدأ إدراكه ووعيه في الاتساع، ويزداد طلبا للمزيد منها بدءا من داخل أسرته وبعدها مجتمعه، حيث يرى أنه وصل المرحلة العقلية والنفسية التي تحفزه وتهيئه في الوقت نفسه للتصرف بما يتوافق مع تفكيره ونمط الحياة الذي يراه مناسبا له، ولكن بالضرورة أن يصحب ذلك تفكير مواز في تحقيق التوازن بين القدر الذي يحتاجه من الحرية وحريات الآخرين. بصورة واقعية في الإطار الفكري، ليس متصورا أن يتخذ مسلم قرارا بالإلحاد أو أن يكون علمانيا أو ليبراليا متحررا من أي قيود فيما هو يعيش في بيئة إسلامية محافظة ومعتدلة في سلوكها واحترامها لعقيدتها ومذهبها الديني، لا بد أن يحدث اصطدام بين رؤيتين، الأولى اجتماعية غالبة والثانية فردية نادرة، فلا تتحقق حرية الفرد بصورة منطقية، وفي الإطار الديني صحيح أن الفرد حر في تحديد خياراته والإسلام لا يجبر أحدا على اعتناقه إلا عن قناعة وإذا كتب له الله الهداية، ولكن ليس من الحرية الإساءة للعقيدة أو التشويش عليها بأفكار خاطئة ومتعمدة. في الإطار السياسي لا يمكن للديمقراطية أن تمنح الشعوب والمجتمعات تلك الحرية التي تعزز الفوضى بحكم أن كل شخص حر في التعبير عن رأيه، وذلك لا بد أن ينتهي إلى تناقضات وتضاد ينتقل بالمجتمع بأكمله إلى حال الفوضى لأن الجميع يطمحون ويسعون إلى فرض وإملاء رؤيتهم باعتبار أن ذلك حقا أصيلا ينسجم مع مفهوم وتطبيقات الحرية الفكرية والسياسية فتقع المجتمعات في فخ الفوضى، ولذلك أعتقد أننا في المنطقة العربية بحاجة إلى إعادة توظيف مفهوم الحرية بصورته النسبية المنطقية التي تحترم التناقض وأخلاق وقيم المجتمع والعقيدة ولا تمس بحريات الآخرين.
1858
| 03 مارس 2013
الثورات العربية دون استثناء بدأت مبررة وانتهت غير مبررة في تداعياتها وانحرافها عن السلوك الديمقراطي وميلها إلى الفوضى وإهدار حقوقها في التنمية والعدل والمساواة بعد أن فقدت الشعوب والأوطان أمنها واستقرارها واستمرار عجلة التنمية وأكل العيش تحت ستار الديمقراطية. الديمقراطية بمثابة جرعة دواء سياسي، كثيره ضار وكذلك قليله، ولعل الشعوب العربية عقب ثوراتها المشروعة أسرفت في تناول الجرعة الديمقراطية حتى أضرّ ذلك بحقوقها وأضاع أوطانها وألقاها في وحل الفوضى وعدم الاستقرار وتوقف التنمية، وتلك نتيجة مأساوية لا تليق بالقيم الثورية والأسباب التي دعتها للانقضاض على الأنظمة التي كانت تحكمها. لم تختلف الأسباب عن بلد لآخر في كل دولة "ثورية" ولكن تشابهت النتائج وأصبح المواطنون البسطاء، وهم الغالبية، ضحايا حقيقيون ومستمرون للنزاعات السياسية واختلاف النخب وقادة الثورات في توجهاتهم وأوزانهم وكسبهم السياسي، فكان حصاد الجميع هو الفشل والنهاية المريرة لاستشهاد كثيرين خلال الثورات وحتى سقوط الأنظمة، بل وسقط قتلى عقب الثورات وهؤلاء ليسوا سوى ترجمة للانحطاط السياسي الذي وصلت إليه تلك الثورات. الديمقراطية لا يمكن أن تقدم منجزا سياسيا ذو قيمة في بيئات متخلفة ولا يرتفع أفقها السياسي بعيدا إلى حد الأفق واستيعاب ما بعد المراحل التالية لحركة الثورة وإنجاز أهدافها والوصول إلى غاياتها، وقد جعلت تلك الثورات بأدائها الركيك وظهور جيوش من الأبطال، مستقبل بلاد الثورات العربية مظلما وقاتما ولا يمكن التكهن بمآلاته واتجاهاته، فأصبحت الدولة في مهب الريح والسلطة ذهبت مع الريح ومعها هيبة الدولة وراحة المواطنين الغلابة. تلك الشعوب مسلمة ولا يمكن تمرير أجندة ليبرالية أو علمانية عليها، ولذلك على أصحاب هذه النزعات والاتجاهات تهدئة اللعب السياسي وعدم المجازفة بأوطانهم لأنهم في الحصيلة الديمقراطية أقل قبولا ونفوذا ووزنا، ولا يمكن أن يتحولوا إلى مشاغبين من أجل أن يكونوا أبطالا على حساب أي قيم وطنية واجتماعية، ذلك في الواقع يعزلهم ويقلب الدائرة عليهم عاجلا أو آجلا، وإن كانوا أكثر ثقة في السند الشعبي فليمارسوا الديمقراطية بهدوء ولينظروا كسبهم ورصيدهم فإن تقدموا لهم ذلك، وهو غير متوقع، وإن تأخروا فعليهم أن يعودوا إلى الصفوف الخلفية فذلك خير لمجتمعاتهم وأوطانهم.
416
| 24 فبراير 2013
قيمة الخليج الاقتصادية لا ترتكز إلى النفط والغاز ومشتقاتهما وحسب وإنما هناك كثير من المقومات الطبيعية التي يمكن توظيفها اقتصاديا سواء لتنويع مصادر الدخل أو تحقيق نمو وتنمية شاملة ومستدامة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، وفي الواقع هناك الكثير الذي يمكن القيام به من أجل تطوير الأدوات الاقتصادية واستغلال المعطيات الموجودة في دول مجلس التعاون. تمتلك دول المجلس تراثا عريقا وإمكانات هائلة في المخزون التاريخي الذي يمكن أن يلعب دورا اقتصاديا حيويا، ولا يقتصر الأمر على الجوانب السياحية وما يتعلق بها من شواطئ طويلة تتجلّى فيها جماليات الطبيعة وإمكانات الغوص واستكشاف البيئة البحرية، بل هناك موروث حضاري لم يوظف اقتصاديا واستثماريا بالصورة المثلى إلا من بعض النماذج في دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، فيما الأمر أكبر من تجارب محدودة ومتواضعة يمكن الانفتاح بها والتعامل استثماريا معها في إطار سياحي وعلمي له جدوى اقتصادية كبيرة. وحين يتم الاستثمار في التراث الخليجي بصورة منهجية تستهدف زيادة معدلات التنمية واستيعاب أبناء دول المجلس في التعريف بموروثاتهم وتاريخهم وعطاء الأرض والإنسان منذ أقدم العصور، فإننا ندخل في دورة اقتصادية وتنموية تحقق كثيرا من المكاسب الذاتية لمن يعملون في هذا المجال إلى جانب الاستثمارات الاقتصادية التي تنشأ وتسهم في تطور البلدان، إلى جانب القيمة الاقتصادية المضافة الكبيرة وهي تنشيط الجانب السياحي والمساهمة الواقعية والحقيقية في التعريف بأصالة مجتمعاتنا ودورها وحضورها الحضاري والتاريخي وأننا أكبر من منتجي نفط فقط. لابد من خطط وأفكار وطنية كبيرة ترتقي بالتراث الخليجي وتتعامل معه بحرفية وعلمية تجعله لافتا لأنظار العالم ومستقطبا للملايين لاستكشاف منطقتنا والتعرف على قيمتها ووزنها الإنساني عبر العصور، وعلى المؤسسات المعنية بالتراث والثقافة تحقيق مقاربات نوعية في توظيف التراث وحفظه من الاندثار لأننا منشغلون أكثر بالاقتصاد التقليدي على حساب أصالتنا، وكما أنشأت قطر متحف الفن الإسلامي فهناك دور لمثل هذه المؤسسات في استيعاب التراث في الدورة الاقتصادية والإفادة منه اقتصاديا فذلك يحفظه ويجعله يسهم في التنمية بصورة كبرى وأكثر تأثيرا في المجريات الثقافية والإنسانية والحضارية.
563
| 14 فبراير 2013
بصورة عامة لا تبدو المجتمعات الخليجية منتجة بما يتناسب وقدراتها من الموارد الطبيعية، ولا يمكن تبرير معدلات البطالة ولو ارتفعت واحد بالمائة، إذ أن عجلة الإنتاج تتحرك عندما توفر الدولة البنيات الأساسية للإنتاج وليس التوظيف، وتلك هي المفارقة التي تجعل الخليجيين غير منتجين بذات المستويات التي قامت عليها نهضات عملاقة كما في اليابان بعد تدميرها بالقنبلة الذرية حيث واصل اليابانيون العمل ليلا ونهارا في أرض محروقة هي أرضهم وبلادهم التي ينتمون إليها ورفضوا حتى الإجازات الأسبوعية فكان سرعان ما صعدوا وحققوا نهضة التجربة اليابانية التي جعلت اقتصادهم ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومنبع كثير من التقنيات وفي مقدمتها الترانزستور. لم يبحث اليابانيون عن وظائف روتينية وإنما وظفوا طاقاتهم في الإنتاج وطوروا قدراتهم وارتفعوا بهممهم فحققوا طموحاتهم، وتلك التجربة ينبغي أن نستفيد منها في الخليج، لأننا نحمل السلّم بالعرض وننتظر السماء تمطر وظائف وحياة سهلة ورخوة وسلبية للغاية، فقيمة الحياة في العمل الجاد وتحقيق الغايات والطموحات من خلال الجهد والتعب وليس انتظار الدولة والحصول على رفاهية تصب المزيد من الزيت على نار السلبية والاتكالية. لا بد من إعادة نظر اجتماعية في تقييمنا للعمل واكتساب ثقافة عملية بديلة عن التي تسيطر علينا حاليا، فهي لن توصلنا إلى النتائج الكبيرة على النسق الياباني أو الكوري، فأولئك قوم لديهم وعي عملي وإنتاجي هائل ولم يتوقفوا حتى بعد أن وصلوا مرحلة الرفاهية والتطور والازدهار، فيما نحن مع أول مظاهر الطفرة ونتائجها سلمنا بما لدينا ودخلنا حالة استهلاكية أقل ما يقال عنها أنها مرضية ولا تستقيم مع مقتضيات التطور وبناء الذات والأوطان ووضعها في طريق الإسهام الحضاري والعلمي والعملي، ولو صدرنا نفطا وغازا وبتروكيماويات في مصانع تم توطينها ولكن تقنياتها وعامليها جميعها أجنبية. النهضة لا يمكن أن تتم على القياس الذي نقوم به حاليا، فالوعي بالمستقبل لا يزال ضعيفا لدينا، وطالما تتملكنا هذه الحالة الاستهلاكية فإننا سنظل بعيدين عن الشروط الضرورية للتطور والازدهار، لأننا في المحصلة بحاجة لدافع إنتاجي يوظف قيم العمل بصورة صحيحة وإيجابية وليس ركونا للرفاهية وانتظار دور الدولة في دعم المواطن وتلبية احتياجاته فقط.
495
| 07 فبراير 2013
إلى حين انتهاء العمليات العسكرية المتبادلة بين النظام السوري والمعارضة ستكون الحصيلة النهائية دمارا شاملا لسوريا، وذلك من ضمن إستراتيجية الرئيس بشار الأسد الذي قد ينتهي به الحال مطاردا فيما يتبقى من أزقة بالعاصمة دمشق إن لم يهرب في اللحظات الأخيرة. مسار الحرب الحالية ليس في صالح الرئيس ونظامه، ومهما طال الزمن فمن المؤكد أنه سينتهي به خارج السلطة حيا أو ميتا، ولكن كيف تستعيد سوريا حالتها الطبيعية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا عقب إزاحة النظام الحالي؟ تتعدد السيناريوهات ولكن هناك تكلفة غالية وثمنا باهظا ستدفعه سوريا وشعبها بعد استيعاب صدمة المشهد التخريبي الحالي. ذلك أمر ينبغي دراسته وبحثه قبل أن تصمت المدافع ويتوقف الرصاص، فالمؤكد أن العمليات وتداعياتها هي بمثابة حمل ثقيل وأمانة أثقل في عنق الذين يقودون المعارضة حاليا، ولعل أسهل وأيسر الأثقال هو ما يتعلق بإعادة الإعمار الذي يمكن تسويته بدعم الأشقاء والأصدقاء وإعادة إنتاج الآلة الاقتصادية الوطنية ومضاعفة عملها لتعويض ما فقدته سوريا خلال هذه العمليات. الأكثر ثقلا هو الجانب السياسي الذي يتوزع بين معارضة لا تبدو في أفضل حالات الانسجام والتنسيق بين أطيافها ومكوناتها، ما يعني صراعات كامنة قد تظهر فور التخلص من نظام الأسد، وذلك ظهرت بوادره قبل أن تصمت المدافع، فحسابات السياسيين غالبا ما تكون معقدة، ولدينا في النماذج المصرية والليبية والتونسية ما يجعلنا نتصور كارثة تبعات العملية الديمقراطية الهشة في هذه الدول التي لا تختلف كثيرا عن المشهد السوري. مطلوب من القوى السياسية ألا تزايد على قوتها الشعبية وأن تتعامل بمثالية في مداواة جراح الوطن السوري الذي لا تزال نساؤه وشيوخه في الملاجئ ولم تكفكف الأمهات دموعهن على أطفالهن الضحايا والذين قضوا في المعارك، ما يعني سموا وارتقاء على الكسب السياسي والاتفاق على ثوابت وطنية تُعنى أولا بإعادة تجميل وجه سوريا من خلال عمل جماعي للمعارضة بعيدا عن حصيلتها السياسية وأوزانها التي يمكن أن تدعيها، فالكسب الديمقراطي ينبغي أن يتأخر إلى حين استقرار أحوال الشعب وعودته من الملاجئ وبناء بيوته التي تدمرت حينها يمكن التعامل بالنسب والثقل السياسي أما إذا تقدم ذلك على حساب التنمية وإعادة الإعمار فلن يصلح حال سوريا أبدا.
373
| 04 فبراير 2013
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4791
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3483
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2865
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1434
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1038
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية