رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

كيف تقرأ السلفية الجهادية الحالة العربية الراهنة؟

"كان الربيع العربي لحظة تاريخية مماثلة للحظة سقوط جدار برلين، من حيث إعادة توزيع الخرائط الجيوسياسية، كما حصل بداية التسعينيات".. هكذا قرأ أغلب الخبراء للانتفاضات التي ضربت عددا من الدول العربية مطلع العام 2011. لكن أحدًا من هؤلاء لم يجازف في المراهنة على توقع ما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة العربية عقب هذه الأحداث، إلا أن المحلل الرئيسي في "مجموعة الأزمات الدولية" مايكل العياري في حديث سابق لوكالة فرانس برس يرى أن التحالفات في المنطقة تبنى ثم تتفكك ونحن إزاء مسارات ربما ستستمر عقودا والانطباع العام أننا في مرحلة فراغ الآن. وعلى غرار غيرهم الذي تباينت آراؤهم في تشخيص الثورات، كان لتنظيم القاعدة قراءة خاصة حول أسباب الثورات والمآلات التي تتجه نحوها. وتبدو "رسالة الأمل والبشرى لأهلنا في مصر" لأيمن الظواهري عام 2011 أول تقييم تظهره القاعدة لمجرى الثورات العربية حيث اعتبر الظواهري في حينه ما حدث من ثورات هو جزء مكمّل للحرب التي تخوضها القاعدة في العراق وأفغانستان ضد الغرب والأنظمة المتحالفة معه، بهدف تحرير الأمة من الاستبداد والاحتلال. فالأمة "تخوض معركة واحدة ضد غزاة الحملة الصليبية ووكلائهم حكامنا الفاسدين المفسدين". ثم جاءت رسالة أبو يحيى الليبي -المفتي الشرعي للتنظيم بعنوان "ثورات الشعوب بين التأثر والتأثير". وهي أكثر مقاربة من رسالة الظواهري حيث رأى الانتفاضات التي حصلت "فرصةً سانحةً" يجب استثمارها، إذ أن "المطلوب من المجاهدين أن يتقنوا الولوج للأحداث محافظين على جهادهم ومبادئهم، وأن يحذروا من تسلل شيء من المفاهيم المعوجة إليهم في غمرة الانشغال والانفعال مع التغيرات الكبرى المتسارعة المبهرة".يستشرف أبو قتادة الفلسطيني في رسالته المعنونة "صدمة الثورات" أن المستفيد الأكبر من هذه الثورات هي الأمة حيث تخلخلت أعمدة النظم الحاكمة التي يسميها أبو قتادة "بنيان الجاهلية"، وذلك بتفاوت بين الدول، الأمر الذي حفز الحالة الجهادية وصارت رقما مهما في المواجهة. وخلافًا لنظرية المؤامرة الخارجية في تفسير ظاهرة الثورات والانتفاضات العربية يذهب أبو قتادة إلى أن ما حدث كان صدمة كبيرة بالنسبة للغرب، ولم يكن فاعلا فيها أو متنبئًا بحدوثها، وهو اليوم غير قادر على التحكم بمساراتها أو استشراف مستقبلها. يعيش الغرب صدمة لأنه أمام مشاكل جديدة مع "عالم الإسلام المقاتل، وعالم الإسلام المنتفض على جاهلية هو يسيطر عليها سنين كثيرة، جرت فيها الأمور على نسق مقارب، لا يخرج في بعض نتوءاته على ما يريد وما يستوعبه".أبعد من ذلك يندفع القيادي في تنظيم القاعدة، وأحد أبرز منظريها عبد الله العدم للقول إن الثورات العربية مهدت لحدوث فراغ سلطوي سيعقبه لا شك فوضى عارمة تعيد المنطقة العربية إلى حكم الطوائف والقبائل، ستبعثر أوراق النظام العالمي القائم ما قبل الثورة، وستشكل عاملًا مهمًا في خلخلة الاقتصاد الغربي، وبالتالي دفعه إلى مزيد من الإنهاك الذي سيساهم في تدميره كلية. والولايات المتحدة تحتضر اليوم من وجهة نظره، والفوضى إليها أقرب من أوروبا، والدولار عصب التماسك الاقتصادي الكوني الجامع للخليط الإثني في الولايات المتحدة الأمريكية يتعرض لهزات قاصمة بسبب تخبطات الاقتصاد الأمريكي الذي أثخنته الحرب على أسموه الإرهاب، والاقتصاد الأمريكي عماد الاقتصاد العالمي يمر بأقصى حالات التأزم، فانهياره يعني انهيار المنظومة الاقتصادية العالمية وانهيار الاقتصاد العالمي يعني الفوضى.ومع انهيار الدولار فإن الولايات المتحدة الأمريكية لن يكون هناك جامع لولاياتها المختلفة عرقيًا وإثنيًا ومذهبيًا. فما يجمعهم سوى الدولار وقوة الاقتصاد، فإذا ضعف اقتصادها وانهار ستنهار معه هذه الوحدة الهشة، فليس هناك قومية جامعة تتعصب فيما بينها لتفادي الانهيار والفوضى، وليس هناك مذهب جامع لهم يجمعهم من التفرق والشتات.ومع تهاوي النظم العربية تحت ضربات مطرقة الثورات ووقوف الغرب على حافة الهاوية سيذلل الصعاب "ويزيل عوائق التمكين أمام المؤمنين، ويهيئ العالم لاستقبال الخلافة الراشدة" هي الخلاصة التي يتوصل إليها العدم في كتابه "العالم على أعتاب الفوضى".هل سيقنع الغرب بهذه النهاية الحتمية التي هندسها الجهاديون له؟ يتكفل زعيم حزب الأمة الإسلامي حاكم المطيري بالإجابة عن السؤال في إحدى تغريداته: "إذا كانت الثورات العربية زلزلت المنظومة الاستعمارية القديمة، فإن الأخيرة ما لبثت أن أعادت ترميم تحالفاتها لمواجهة ثورة الأمة وإعادة المنطقة إلى السيطرة من جديد مستغلة الفراغ السياسي الناتج عن الثورات الشعبية. وهكذا نجد أنفسنا أمام صراع مفتوح ليس له أفق ولا نهاية متوقعة، صراع أيديولوجيات، وصراع إرادات في وقت تطحن فيه الشعوب العربية طحنًا تحت مطرقة الفقر والجهل والتطرف والاستبداد ويخفت صوت الدعوة إلى عدالة اجتماعية لأن الحديث عنه يصبح من المترفات والكماليات التي تخلو منها أدبيات وأجندات النظم العربية والتنظيمات التي تواجهها في سبيل المحافظة على الدولة عند النظم أو الهوية الإسلامية عند من يحاربها اليوم.

362

| 25 يونيو 2016

التشدد والرّهان على تونس مرة أخرى

كما كانت تونس رائدة في إشعال جذوة الثورات العربية. فهي على ما يبدو تتقدم الصفوف بين الدول العربية على أكثر من صعيد. يُحسب لتونس أنها الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت من العبور من فوضى الثورات إلى مرحلة بناء الدولة على أسس ديمقراطية. يُحسب لها كذلك أنها أول بلد عربي تخرج فيه الحركة الإسلامية الأكبر وهي حركة النهضة من ضيق "الإسلام السياسي" إلى رحابة "الديمقراطية المسلمة" كما يحلو لزعيم النهضة راشد الغنوشي أن يسمّيها. وعلى ضبابية المصطلح والخوف من إجهاض مستلزماته وتوقعاته إلا أنه حرّك المياه الراكدة في أيديولوجيات الحركات الإسلامية وحاول إخراجها من دائرة الصراع المكرر مع السلطة على نحو دائم، طارحًا قضايا أكثر واقعية ونفعية للمجتمع الباحث عن لقمة عيش كريمة ومعاملة إنسانية مستحقة واختبار نهضة طال الزمن دون أن تُوضع تربة صالحة لاستنباتها.العلمانية التونسية، وعلى خشونتها الأيديولوجية غالبًا، إلا أنها هضمت وجود حركة سياسية ذات مرجعية إسلامية كحال النهضة في الحياة السياسية مع تحفظات أقرب إلى الهواجس منها إلى المحددات الأيديولوجية المقفلة على ذاتها. وهذا يراكم من رصيد الكتل العلمانية التونسية التي اعترفت بالآخر المخالف وحقوقه السياسية طالما أنه ندّ لها في المواطنة واحترام القانون. لا يجاريها في هذا إلا شجاعة الرئيس السبسي الذي لم يلن للمغريات الكثيرة، داخليًا وخارجيًا، التي كانت تدفعه دفعًا لنسخ النموذج المصري في إقصاء الإسلاميين عن الحكم وملاحقتهم وتكدير حياة من يفكر في التعاطف معهم. دفع السبسي ثمن خياراته السياسية، فانقسم حزبه، ربما بتحريض خارجي، وربما لأسباب موضوعية. لكن المؤكد أن الانفتاح على النهضة كان من الأسباب التي أحدثت الانقسام داخل "نداء تونس" أو عجلت في إخراجه على الشكل الذي تمّ فيه. حرص السبسي على الشراكة السياسية مع حركة النهضة وإن كانت الشراكة المعروضة غير عادلة. وقد قبلت النهضة اليد الممدودة لها من السبسي دون أن تفكر بالعدل في التوزيع، فهمّ بناء الوطن على أسس من المساواة والعدالة في منح الحقوق كما في طلب الواجبات أضحى أهمّ لديها من مناصب سياسية تعلم يقينا أنها كانت ستوردها المهالك لولا أنها خرجت من الحكم في الوقت المناسب ووفق الطريق الأنسب للخروج.ربما الفضل الأكبر فيما وصلت إليه تونس اليوم هو لمؤسسات المجتمع المدني التي كانت أكثر نضجًا من الأحزاب السياسية المؤدلجة أو المتكلسة، فتصدرت قيادة قطار الأزمة حتى أوصلته إلى محطته المرجوة. لا شك أن تونس لم تحقق أغلب مطالب الثورة، وربما لن تحققها في المستقبل القريب، لكن يكفيها عملًا أنها جنبت البلاد سيناريو الدول المجاورة لها شرقًا. المعضلة الأبرز في مخرجات الثورة التونسية، وكحال غيرها من الثورات أنها كشفت عن مخزون جهادي كبير في تونس مقارنة بمثيلاتها من الدول العربية. لا تحديات الفقر والبطالة، ولا تطبيق الدستور وخلق مناخ سياسي سليم، ولا مكافحة الفساد والقضاء على البيروقراطية في مؤسسات الدولة هي التحديات الأخطر التي تواجه الدولة التونسية راهنًا، بل هناك تحدٍّ، ربما لا ناقة للدولة التونسية في إيجاده، ولا جمل. فآلاف التونسيين المنخرطين في صفوف تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية يجوبون الأرض قتلًا وتدميرًا، في تونس كما في ليبيا كما في سوريا والعراق. ظاهرة حيّرت الباحثين في كشف أسبابها ومولداتها. قلّة فقط من يقولون إنها أزمة فكر معطوب. وكثيرٌ هم الذين يرونها تجليات خشنة جدًا لمعضلات اقتصادية واجتماعية أساسًا. في دراسة له حول تونس، يتوصل البنك الدولي أن 33 بالمائة من الشباب التونسي الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما هم "خارج دائرة التعليم والعمل والتدريب"، وهي من أعلى المعدلات في المغرب العربي. وإذا ما أضيف له عجز الحكومات ما بعد الثورة وفشلها في الحدّ من تفاقم الوضع الاقتصادي سنصل إلى خلاصة مفادها: تردّي الوضع الاقتصادي أدى إلى "إذكاء تطرّف شباب مهمش" وفقًا لمركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط.المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية التونسية في كتاب أصدره سنة 2015 تحت عنوان "السلفية الجهادية في تونس: الواقع والمآلات" يحلّل الظاهرة ويفسر انتشارها وسلوكياتها بما يسميه بـ"العطوبة الاجتماعية" التي تبرز في المرحلة الوسطى بين الانفكاك التام عن المجتمع الأصلي وبين الاندماج فيه. بعد ذلك يأتي سحر الأيديولوجيا الجهادية التي تتمتع بقوة جذب لمن يعاني العطوبة الاجتماعية حيث تحقق له بعض الرغبات المادية وتأخذه إلى عالم آخر "روحاني" إلى جانب عالم الجماعة، كما تمكنه من استخدام العنف في سبيل هدف "مقدس". لا شكّ أن الظاهرة معقدة، والحلول المطروحة لوقف تدفقها تعجز عنها تونس حاليًا، لكن البلد الذي تجنب سيناريوهات مدمرة، هل سينجح في اجتراح حلول غير تقليدية في تصويب الفكر المتشدد بعد أن تحول إلى ظاهرة عامة تهدّد وحدة المجمتعات العربية وهويتها الفكرية؟

434

| 18 يونيو 2016

ما حقيقة التورط الإسرائيلي في سيناء؟

يشكل تنظيم "ولاية سيناء" تهديدا مستمرا وقلقا متصاعدًا للمصالح الإسرائيلية، بسبب مراكمته الخبرات القتالية وعجز الحكومة المصرية عن القضاء عليه تمامًا بعد سنوات من الحملات العسكرية والاستخبارية المكثفة ضد التنظيمات المسلحة في عموم سيناء. ورغم التنافس بين التنظيمات المسلحة المنتشرة في سيناء وتباين أدبياتها الأيديولوجية التي تصل حدّ تكفير بعضها لبعض إلا أنها جميعًا تلتقي على ضرب المصالح الإسرائيلية. وقد تتعاون فيما بينها لتحقيق النكاية في العدو الإسرائيلي. يضاف لذلك أن القضية الفلسطينية ما زالت معينا لا ينضب في استقطاب المتعاطفين والمجنّدين لصالح التنظيمات المسلحة. ونكاد لا نجد تنظيما ينشط في سيناء لا يرفع شعار "تحرير الأقصى" من يد اليهود الغاصبين. تزايد التهديدات على المصالح الإسرائيلية دفعت الأخيرة لتدشين وحدة عسكرية متخصصة تدعى "كاركال" تتولى تأمين مسافة 394 كلم من الحدود الفاصلة بين سيناء وإسرائيل، بحيث يكون عناصر الوحدة "خط الدفاع الأول" عن المستوطنات والمرافق الحيوية والمستوطنين اليهود الذين يتحركون بالقرب من الحدود. وذلك لمواجهة عمليات تسلل مرتقبة لتنظيم الدولة من سيناء إلى داخل فلسطين المحتلة لتنفيذ عمليات ضد الكيان الإسرائيلي، وفقًا لما نقلته مجلة "ISRAEL DEFENSE" في عددها الصادر في 25 - 5 - 2016 عن مصدر عسكري إسرائيلي.وعلى ذمّة المجلّة الإسرائيلية، فإن المستويات العسكرية والسياسية في تل أبيب تشعر بالإحباط من النتائج التي حققها الجيش المصري في حربه على تنظيم "ولاية سيناء"، رغم أن إسرائيل سمحت للسلطات المصرية بتجاوز بنود الملحق الأمني في اتفاقية "كامب ديفيد" والدفع بقوات ومعدّات ثقيلة لشمال سيناء. مرجعة عجز الحملات العسكرية والأمنية المصرية المكثفة ضد التنظيمات المسلحة وفي مقدمتها تنظيم ولاية سيناء من تحقيق أهدافها المطلوبة لفقر المعلومات الاستخبارية التي تعدّ أهم المشاكل التي يواجهها الجيش المصري في حربه داخل سيناء، مشيرة إلى أن الجيش المصري يكاد لا يملك القدرة على جلب المعلومات الاستخبارية بتوظيف التقنيات المتقدمة. وتشدّد المصادر على أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، تلعب دورًا في تزويد المصريين بمعلومات استخبارية يتمّ جمعها عبر "وسائل تقنية متطورة". واستباقًا لحالة قد تجد إسرائيل نفسها أمام وضع قتالي مباشر ضد تنظيم "ولاية سيناء" على الأراضي التي تحتلّها، دون مقدمات سابقة، لا ترى دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن أقل ما يمكن أن يحققه الجيش المصري في مواجهته المباشرة من مشاغلة لولاية سيناء هو الحيلولة دون تفرغ التنظيم لاستهداف العمق الإسرائيلي إلا أن ذلك لن يكون مطمئنًا بتاتا للإسرائيليين على المدى المتوسط والبعيد. وبناء عليه لابدّ من إنهاء إسرائيل حالة المراقبة واعتماد سياسة التدخل الاستباقي لمساندة الجيش المصري في حربه طالما أن المصالح ستعود بالنفع على كلا البلدين. وعلى ما يبدو، فإن إسرائيل انتقلت من مرحلة المراقبة إلى مرحلة التدخل الخشن في الوضع السيناوي. فقد نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية في 21 - 5 - 2016، عن مصادر قولها إن الجيش والمخابرات الإسرائيلية يزوّدان الجيش المصري بمعلومات استخبارية حول تحركات ومناطق تواجد عناصر "ولاية سيناء".بل يذهب بعض الناشطين السيناويين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن إسرائيل تتدخل عسكريًا في سيناء. وقد نشروا صورًا قالوا إنها لآثار قصف طائرات دون طيار إسرائيلية تنشط بشكل دائم في أجواء سيناء، تأتي من الأراضي المحتلة ويسميها الأهالي "الزنانة".لم تكن أنباء القصف الإسرائيلي لمناطق سيناء جديدة، فهي تعود لما قبل تولي عبد الفتاح السيسي قيادة مصر. وقد أدى القصف إلى مقتل عدد كبير من عناصر "أنصار بيت المقدس". وعرض التنظيم في بعض الإصدارات اعترافات لمن قالوا إنهم جواسيس عملوا لصالح الموساد الإسرائيلي حيث قاموا بوضع شرائح اتصالات لأهداف قصفتها الطائرات الزنانة الإسرائيلية. ففي 18 أغسطس 2011، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف نقطة حدودية تابعة لقوات حرس الحدود المصرية شمال سيناء ما أدى إلى مقتل 5 من عناصر القوات المصرية، وجاء هذا التدخل الجوّي كردّ فعل على تسلل عناصر من أنصار بيت المقدس، وتنفيذهم عملية إيلات التي قتل فيها 8 جنود إسرائيليين وأصيب آخرون. الأمر الذي واجهه رئيس المجلس العسكري المشير "طنطاوى" في حينه، بالإعراب عن احتجاجه والمطالبة باعتذار، في حين اندلعت موجات غضب شعبية في القاهرة وبعض المحافظات واقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة.ومع عودة الحديث مجددًا في الوسائل الإعلام الإسرائيلية عن تنسيق إسرائيلي مصري على أعلى مستوى في سيناء، والتدخل العسكري الإسرائيلي المباشر ضدّ التنظيمات المسلحة في سيناء في أكثر من مناسبة ومكان يتطلب توضيحًا مصريًا، لاسيَّما وأن الأمر لم يعد يقتصر تداوله على الساحة الإسرائيلية، بل يتداوله بعض الناشطين السيناويين على مواقع التواصل الاجتماعي.

586

| 11 يونيو 2016

لبنان.. مزاج سياسي جديد

نجاح الانتخابات البلدية التي أجريت مؤخرًا، في لبنان أعاد الحراك السياسي إلى البلد بعد سنتين من الركود، محملًا بقراءات جديدة تشي بكثير من المتغيرات التي طرأت وربما سيطرأ المزيد منها على خارطة توزع القوى والزعامات وتحالفاتها السياسية. يُسجل للحكومة اللبنانية قدرتها على إجراء الانتخابات البلدية في موعدها في الوقت التي فشلت الدولة من إجراء الانتخابات النيابية، وسمح النواب لأنفسهم بالتمديد لذواتهم بتفاهم لم يكن الشعب فيه حاضرًا أو مدعوًا أصلًا، كما تواطأ هؤلاء على عدم انتخاب رئيس للجمهورية لحسابات مغطاة بأعذار، يفهم اللبناني دلالاتها جيدًا، وتعطلت المؤسسات الدستورية تبعًا لذلك، في سابقة لم يعرفها لبنان في تاريخه. غياب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية منح الانتخابات البلدية مرتبة الحدث السياسي الذي يتخطى دائرة التنافس على إدارة المدن والقرى محليًا كاشفًا صراعًا سياسيًا وقلقًا مشتركًا على الوجود أو مساحة النفوذ عند جميع المكونات التي تمسك بمفاصل الدولة. فمنافسة قائمة "بيروت مدينتي" التي شكلتها مؤسسات المجتمع المدني المتضررة من تراكم نفايات بيروت والنافرة من طبقة سياسية متكلسة وغير مبالية، وقدرتها على إثبات وجودها في معركة سياسية خاضها تحالف الأحزاب بكل طاقاتهم، وأن مزاجًا عامًا يسري في وجدان المواطن اللبناني. ما لبث هذا المزاج أن كشف عن نفسه بشكل أكبر في مناطق أخرى بعيدة عن العاصمة بيروت. وكان لانتخابات بلدية طرابلس العاصمة الثانية للبنان التجلّي الأبرز الدّال على حجم هذا المزاج وعمق اختلافه. كان لنجاح اللائحة التي شكلها وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي وقع الزلزال، ما استطاع معه المراقبون وصفه إلاّ بالانقلاب السياسي التام الذي أفرز زعامة جديدة لمدينة طرابلس، كان يحاول الجميع أن يكتبوا له شهادة وفاة سياسية.هزم الريفي بتحالفه مع مؤسسات المجتمع المدني وطبقة المهمشين من أهل طرابلس تحالف القوى السياسية التي ركبت لائحة موحدة خاضت فيها معركة الانتخابات.وقد أظهرت نتائج الانتخابات غضبًا شعبيا واسعًا على الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد السياسي، الحاكمة منها وغير الحاكمة. ولمّا كان هذا الغضب المتراكم يبحث عن قناة يصّرف فيها طاقاته، فقد وجد في اللواء ريفي الأنموذج الأمثل. فالرجل كان قد استقال من وزارة العدل واختلف مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري اعتراضًا على ترشيحه لسليمان فرنجيه رئيسًا للجمهورية، وهو من قوى 8 مارس، ولامبالاة الحريري في ملف ميشال سماحة المتهم بقضايا تخريبية، وعلى الطريقة التي تدار فيها الملفات في الحكومة لجهة كشف عدد من الجرائم السياسية التي وقعت. غضب الشارع على الحريري وعلى التحالف السياسي الذي كُوّن على عجل شبيهًا للتحالف الذي شكّل في الانتخابات البلدية السابقة، وكان سببًا في فشل المجلس البلدي وتعطيله لسنوات، ثم وضع لائحة لا تمثيل حقيقيا للمناطق الشعبية فيها بقدر ما تراعي الحصص بين مكوناتها، وما يسري من إشاعات أن الطبقة السياسية تخطط لصفقة مريبة تقضي ببناء مرآب وسط المدينة، مدمرًا لآثارها وتاريخها، ومخططا لردم البحر على حساب قوت المواطن وزيادة بؤسه لصالح حفنة من رجال الأعمال التواقين دائمًا لمزيد من الربح. كل ما سبق عوامل كانت تغلي في نفوس المواطن الذي فجّر غضبه بإحداث زلزل سياسي. فما حدث كان انقلابًا بكل المقاييس مشكّلًا صدمة لكل القوى السياسية. لم يكن أحد يتنبأ بحدوثها إلا اللواء الريفي الذي ينقل عنه أحد مساعديه أنه قال له قبل الانتخابات بعدة أيام إن لائحته ستفوز ولن تتمكن لائحة المحاصصة سوى الاختراق بعدة أسماء. وهو بالفعل ما حدث. وما أن أُعلنت النتائج لصالح لائحة الريفي حتى شنّ هجوم مركز يتهم طرابلس وناخبيها بالتطرف وأنها استبعدت الأقليات مثل العلويين والمسيحيين من التمثيل في المجلس البلدي. وهو هجوم متوقع حدوثه عند المتضررين من أي تحول سياسي.انقلاب طرابلس يسجل حركة اعتراضية شعبية بعيدة عن أي حسابات أخرى. وقد يتمدد إلى مناطق جديدة إذا ما استمرّت الطبقة السياسية اللبنانية تتعامل بإهمال واستهتار مع حقوق المواطن الذي ملّ كثرة أساليبها الملتوية في التهرب من واجباتها الوطنية.

480

| 04 يونيو 2016

تنظيم الدولة والولايات المتعددة

خلال الأسبوع الجاري، انضمت ولاية جديدة إلى قائمة الولايات التابعة لدولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية. "ولاية شنقيط" كناية عن انضمام موريتانيا إلى ركب الخلافة. ويكاد لا يمرّ شهر إلاّ وتظهر ولاية جديدة للتنظيم، يتمّ تداول اسمها، ويُنشأ لها حساب على منصّات التراسل الفوري. فهناك عشرات الولايات في قارتي آسيا وإفريقيا. وقد نرى على شاكلتها غدا في قارة أوروبا. ربما ليس من المبالغة وصف بعض الناقدين لجماعة الدولة بأنها "خلافة" على تويتر وفايسبوك لكثرة المعرّفات، فكل ناشط في تنظيم الدولة تجده ينشئ عدّة حسابات تفوق العشرة أحيانا بأسماء مستعارة مختلفة، يكتب فيها جميعها لتكثير العدد في أعين الخصوم، وهي حيلة معروفة تاريخيا. والمتابع لمعرّفات تنظيم الدولة المنتشرة على الشبكة العنكبوتية يدرك دون ريب أن سياسة التنظيم تحاكي عمل الفطريّات في الانتشار لإغراق الشبكة بمواده وأدبياته على اعتبار أن بقاء أخبار "الدولة" متداولة على مدار الساعة في الوسائل الإعلامية والوسائط الاجتماعية عملاً جهادياً وحيلة عسكرية لا تقلّ أهمية عن المنازلة التي يواجه بها العالم أجمع في العراق وسوريا ومناطق أخرى. في كثير من الولايات التي أنشاها تنظيم الدولة شرقاً وغرباً، يكفي أن يُخرج التنظيم شريطاً مرئياً، مذيلاً بولاية كذا، يظهر فيه ثلاثة أشخاص أو اثنان بلباس عسكري، يهدّدان ويتوعّدان النظام ومؤسّساته الأمنية والعسكرية ليقنع متابعيه أن خلافته قد امتدّت إلى تلك البقعة الجغرافية من العالم، وإذا ما استطاع القيام بعمليات تفجيرية فيها يكون برهانه قد اكتمل عند الاتباع والمناصرين. يتضح أن سياسة التّضخيم في الدعاية ركن أساس في حياة التنظيم وسياساته ومعاركه. فهو ينتهج سياسة الصّدمة الإعلاميّة لكسر الحصار الإعلامي والسياسي والاقتصادي والعسكري المفروض عليه دولياً، محاولاً بسياسة التّضخيم استقطاب جنود جدد. في أحد الحسابات التابعة للتنظيم، يكتب بعضهم: سيأتي يوم يُذكر فيه أن حكاماً مرتدّين حكموا بلاد المسلمين مئة عام قبل أن تظهر كوكبة من المجاهدين تزلزل الأرض تحت أقدام الطواغيت المرتدين، وتعيد دولة الخلافة إلى أهلها من جديد. المتأمّل بسَير معاركه المفتوحة على الجميع وكيفية إدارتها، يتشكّك بأن التنظيم مصاب بشكل جماعي بجنون الارتياب أو ما يُعرف طبّياً ب"الهستيريا" حيث تكثر شكوكه ووساوسه. كما تكثر تحليلاته التي في غالبها تنتهي إلى نتائج سلبية تجاه أي ظاهرة، لأنه يشعر أنه مستهدف ممّن يشاطرونه الأدبيات نفسها مثل تنظيم القاعدة. وحتى لو لم يكن كذلك، فإنه يعيش حالة الاستهداف أكثر ممّا لو كانت واقعية تماما.والتنظيم بإعلانه الخلافة، وهي فكرة لا يُستبعد أن يكون من أوحى إليه بها جهات استخبارية تمكّنت من اختراق التنظيم، شقّ وحدة الصفّ داخل التيارات الجهادية المحلية والعالمية، ونزع الشرعيّة عن غيره من الجماعات. وكان بإعلانه هذا، أوّل من أشعل نار الفتنة والاقتتال بين التنظيمات التي تنتمي للفضاء الجهادي في سوريا. كما أنه أوّل من شرّع التكّفير ضدّ مخالفيه، ومن ثم استباح بيضتهم. وهكذا انتهى الأمر بحروب داخلية بين التنظيمات الجهادية، يقتتلون ليفني بعضهم بعضا في الوقت الذي عجز العالم مجتمعاً عن القضاء على هذه التنظيمات. وإذا كان التنظيم يحمل على نظرائه في الجهاد العالمي مثل القاعدة وفروعها أو تلك المصنّفة ضمن تيارات الاسلام السياسي كجماعة الاخوان المسلمين أنها جماعات تعظّم رموزها، ولا تخطّئ قياداتها البتة، وتستميت دفاعاً عنها حتى تصل بهم إلى درجة "الصنمية" التي يستحيل معها المبايعون والأنصار قطيعاً مقاداً دون إدراك منهم، فإن المراقب لما يكتبه كوادر وأنصار تنظيم الدولة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت معرّفات مستعارة يدرك تماما أنهم قد وقعوا في نفس المرض الذي يعيّرون خصومهم به، بل هم مصابون بداء المغالاة في التكفير والتقتيل بما يفوق الخوارج الأوائل. ومن كان هذا حاله، فلا شك أنه يدمّر نفسه بنفسه، والتاريخ شاهد على ذلك.

359

| 28 مايو 2016

الطائرة المنكوبة وفرضية الإرهاب

بدت التصريحات المصرية الرسمية متضاربة خلال الساعات الأولى لخبر فقدان الطائرة المصرية القادمة من فرنسا إلى القاهرة صباح الخميس الفائت. شركة مصر للطيران على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" نقلت عن مصدر مسؤول، أنه قد "تم الإبلاغ عن طريق البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة باستقبال رسالة استغاثة من أجهزة الطوارئ بالطائرة" لكنها عادت ونفت الخبر عقب تأكيد الناطق باسم القوات المسلحة المصرية عدم استقبال أي رسائل استغاثة من الطائرة المفقودة. ثم جاء تصريح وزير الطيران المصري، شريف فتحي، الذي رجح فرضية الإرهاب في قضية الطائرة متزامنًا ومتفقًا مع تصريحات رئيس هيئة الخدمات الأمنية الفيدرالية الروسية، ألكسندر بورتنيكوف الذي رجح أن "الطائرة سقطت نتيجة عمل إرهابي" بحسب ما نقلت وكالة إنترفاكس الروسية. الملاحظ هنا أن الموقفين الروسي والمصري سارا على خلاف ما تعاملا به مع حادث سقوط طائرة الركاب الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في نهاية شهر أكتوبر الماضي وعلى متنها 224 مسافرًا بسبب عمل إرهابي حيث استمرت مصر على نفيها وجود أي عمل إرهابي رغم التأكيدات البريطانية والأمريكية. ثم جاء الاعتراف الروسي بعد التحقيقات التي أجراها بوجود عمل تخريبي، علمًا بأن تنظيم الدولة بعد ساعات قليلة من سقوط الطائرة تبنى العملية زاعمًا أنه زرع قنبلة موقوتة داخل جسم الطائرة. وكان أوضح اعتراف مصري بمسؤولية الإرهاب عن سقوط الطائرة حديثا عرضيا للرئيس السيسي حين قال إن العمل كان يهدف لتخريب العلاقات بين مصر وروسيا.نحن اليوم أمام حالة مشابهة تمامًا لكن تغيرت طريقة إدارة الأزمة فيها. مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي استبعد فرضية العمل الإرهابي. وكذلك فرنسا التي نفى وزير خارجيتها وجود أي مؤشر على الإطلاق حول أسباب تحطم الطائرة. أما روسيا فقد سارعت وكذلك مصر على ترجيح الفرضية الإرهابية. بل نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن قناة "زفيزدا" الروسية، أن "تنظيم داعش تبنى إسقاط الطائرة المصرية، وهدد بشن هجمات أكثر تدميرا خلال بطولة أوروبا لكرة القدم في فرنسا".هناك عدة علامات استفهام حول الموضوع: ما دوافع مصر وروسيا في ترجيح فرضية العمل الإرهابي ابتداءً؟ ما هي المصادر التي اعتمدت عليها وكالات الأنباء الروسية لتحميل تنظيم الدولة المسؤولية؟ لماذا فرنسا والولايات المتحدة استبعدتا مبدئيًا فرضية الإرهاب؟ تنظيم الدولة لم يصدر بيانًا بشأن الطائرة رغم مرور ساعات كافية على الحدث. فمواقع التنظيم على الإنترنت وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي معروفة، وكذلك معرفات "ولاية سيناء" فرع التنظيم في مصر والذي سبق أن تبنى إسقاط الطائرة الروسية. وإذا كان من الممكن أن يتأخر التنظيم في إعلانه المسؤولية إلا أنه من المستبعد تمامًا أن يقف وراء الحادث دون أن يعترف بذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه: على ماذا اعتمدت وسائل الإعلام الروسية في أن تنظيم الدولة تبنى هذه العملية؟الطائرة قادمة من المطارات الفرنسية، وترجيح فرضية الخلل التقني يُوقع المسؤولية على مصر صاحبة الشركة في حين أن فرضية العمل الإرهابي ستوقع المسؤولية على فرنسا حيث سيبدو أن خللا أمنيا كبيرًا يعيشه مطار شارل ديجول الفرنسي. روسيا تسعى منذ تدخلها العسكري المباشر في سوريا إلى جرّ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي للوقوف خلفها ومساندتها وحملهم على تبني رؤيتها للحل في سوريا والمنطقة. وهي لا تعدم وسيلة في مناكفة الغرب سياساته وتحميله مسؤولية تمدد الإرهاب في المنطقة والعالم. وترجيح فرضية الإرهاب وتوظيف وسائل الإعلام في الترويج لهذه الاستنتاجات السريعة وغير الدقيقة يصب في صالح المناخ العام الذي تسعى له. ربما خلال الأيام القليلة القادمة تكون الحقيقة قد اتضحت بخصوص الطائرة المنكوبة لكن التوظيف السياسي للحدث رغم حجمه الإنساني الكبير سيبقى سيد الموقف حتى ذلك الحين.

330

| 21 مايو 2016

من يمثل القاعدة في لبنان؟

بعد طول التباس حول طبيعة علاقتها بتنظيم القاعدة ومسؤوليتها عن عدد من العمليات الأمنية في مصر ولبنان، أفرجت كتائب عبد الله عزام عن المراسلات التي جرت بين زعيمها ماجد الماجد (سعودي الجنسية)، وعطية الله الليبي الرجل البارز في تنظيم القاعدة في العام 2011. وقد كشفت مؤسسة نخبة الفكر الذراع الإعلامية لكتائب عبد الله عزام عن المراسلات خلال الشهر الجاري، موضحة من خلالها الكثير عن طبيعة الكتائب وارتباطها بالقاعدة وتاريخ نشأتها في لبنان والأهداف التي كانت تضعها لمباشرة عملها. وواضعة بذلك حداً لعدد من التكهنات حول التنظيم الذي يعتبر من أهم التشكيلات الجهادية التي لعبت دورا بارزاً على الساحة اللبنانية.معلوم أن تحت تسمية "كتائب عبد الله عزام" صدرت بيانات تبنت عمليات ضخمة ضد الإسرائيليين في منتجعات طابا وشرم الشيخ في سيناء بين عامي 2004-2006. ثم برزت في لبنان بشكل شبه رسمي بين عامي 2009-2010. وكان من أبرز أعمالها استهداف السفارة الإيرانية في لبنان عام2013 بعمليتين انتحاريتين.بعض الدراسات كانت ترجح أن تكون الجهة التي نفذت عمليات طابا وشرم الشيخ هي نفسها التي تنشط في لبنان نظراً لاشتراك الاسم بين الجهتين. في حين رجحت دراسات أخرى أن الميلاد الحقيقي للتنظيم في لبنان كان على يد السعودي صالح القرعاوي عام 2009. وقد أسس القرعاوي كتائبه متأثراً بأبي مصعب الزرقاوي في العراق. وكان يهدف من خلال التشكيل الجديد لتنشيط العمل الجهادي داخل الساحة الشامية وصولاً إلى الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. تؤكد الوثائق المفرج عنها قبل أيام أن الكتائب أنشئت عام 2008 في لبنان. وأن الرجل الثاني فيها والمدعو أبو محمد الفلسطيني يشغل منصب نائب الأمير في سوريا، حيث يعمل هناك منذ العام 2010. وكان المسؤول عن عمليات إطلاق الصورايخ على شمال فلسطين عام 2005. والتي تبناها أبو مصعب الزرقاوي في حينه. وكان الهدف من قصف الأراضي المحتلة، كما تبين الوثائق، إشعال حرب بين حزب الله وإسرائيل لضرب الاثنين معاً وإضعافهما.تتمثل إستراتيجية الكتائب وفق ما يوضحه ماجد الماجد في إحدى الرسائل طبيعة العلاقة مع الجيش اللبناني. فهي ترى أن استهداف الجيش يقوي مناعته شعبياً لذا قررت الامتناع عن استهدافه كذا الأمر مع قوات اليونفيل العاملة في الجنوب اللبناني، لأن اليونفيل من وجهة نظر الماجد تضيّق على أنشطة الحزب وتكشف تحركاته. نافياً في الوقت ذاته أي مسؤولية عن العمليات التي طالت الكتيبتين الإسبانية والإيطالية العاملتين ضمن قوات اليونفيل عام 2007.وقد لعبت الأزمة في سوريا منذ نشوبها في آذار 2011 واستمرارها حتى يومنا هذا دوراً بارزاً في تبلور السلفية الجهادية في لبنان حيث ساهمت بانفلاشها وجعلها أكثر عرضة للاختراق الاستخباري.فمع دخول عدد من اللاجئين السوريين إلى لبنان زادت وتيرة "العمل الجهادي" على الأرض اللبنانية التي لم تعد دار نصرة بل تحولت إلى أرض جهاد تستقطب وتجذب المقاتلين من الجنسيات غير العربية. في الحالة السورية يتبنى تنظيم القاعدة على الأرجح إستراتيجية أبي مصعب السوري الداعية للانتقال من "الجهاد النخبوي" إلى "الجهاد الشعبي" أي تثوير العمل الجهادي عند الشعب السوري بوصوله لكل شرائح المجتمع وطبقاته. وهذا يتطلب ألا يكون الانتماء التنظيمي لدى جبهة النصرة أو كتائب عبد الله عزام منعزلا أو متمايزا كليا عن مكونات جهادية أخرى، حفاظاً على الحاضنة الاجتماعية.والصراع بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة بعد الانقسام الشهير بينهما، انعكس تنافسا حادا لها عند السلفية الجهادية اللبنانية على صعيد الاستقطاب وغيره. وتبين الدراسة الاستطلاعية التي أجراها مركز بيو في تشرين الثاني عام 2015، على 11 دولة حول انطباعاتهم عن تنظيم الدول الإسلامية، حيث أتى لبنان على رأس قائمة الدول التي لديها انطباعات سلبية تجاه التنظيم، بنسبة 100% تقريبًا.وتشير القراءة المسحية لهويات أغلب من انخرط في تنظيم الدولة وإلى حد ما في جبهة النصرة من اللبنانيين أنهم من سكان المناطق المهمشة حول المدن أو من أولئك الذين عجزوا عن التكيف الاجتماعي في المجتمع المدني ومتطلباته. ما يدفع باتجاه شرح الظاهرة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية وليس بفعل قدرة الخطاب السلفي الجهادي على الإقناع.

449

| 30 أبريل 2016

سيناريوهات بديلة لفشل مفاوضات جنيف السورية

يبدو أن الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة أن مفاوضات جنيف 3 بين النظام السوري والمعارضة المتمثلة بالهيئة العليا لقوى المعارضة في طريقها إلى الفشل، وهو ما يعني عودة فتح جبهات القتال من جديد وبشكل أشد ضراوة مما سبق، وهو أمر مقلق للولايات المتحدة أكثر من الروس حاليًا، لأن العودة إلى الحلّ العسكري يعني فشل المخطط الأمريكي في محاربة تنظيم الدولة بأيدٍ سورية معارضة، وأن عملية الفكاك بين جبهة النصرة وباقي مكونات المعارضة المسلحة التي تخطط لها المخابرات الأمريكية منذ مدّة ستفشل بدورها. تصريحات رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب في مؤتمره الصحفي أشار بشكل واضح إلى نية الهيئة إنهاء عملية التفاوض وليس تعليقها فقط، بحجة أن النظام يحاول كسب الوقت فقط للقضاء على الثورة تماما، لذلك كانت دعوته في ختام مؤتمره الصحفي قوى المعارضة إلى عدم التخلي عن سلاحها حتى تحقيق تطلعات الشعب السوري.الخلاف البارز حاليا بين طرفي الأزمة يدور حول تفسير مقررات جنيف1 وجنيف2، والقرار الدولي ذات الصلة، والذي من بنوده تشكيل هيئة حكم انتقالي، إذ تصر قوى المعارضة على تفسيرها أنها هيئة حكم، لها كامل الصلاحيات مع عدم وجود دور للرئيس الأسد، في حين يحاول النظام السوري أن يفسرها بأنها تشكيل حكومة وطنية موسعة ذات صلاحيات تنفيذية، مستبعدًا بشكل مطلق الحديث عن أي تغيير بشأن دور الرئيس الأسد في السلطة. القراءة الروسية المعتمدة رسميا تتماهى تماما مع رؤية النظام في تشكيل حكومة موسعة بصلاحيات تنفيذية بحيث تبقى للرئيس السوري السيطرة التامة على الجيش وقوى الأمن، وهي تراهن على اقتراب الموقف الأمريكي منها في مقاربة المسألة السورية وسبل حلّها، لاسيَّما وقد نجحت موسكو في دفع واشنطن إلى التراجع كثيرا في مواقفها المتصلبة تجاه التدخل الروسي من ناحية وتجاه النظام السوري من ناحية أخرى، بل إن الروس نجحوا في إرغام الأمريكيين على التنسيق معهم على الأرض السورية بعد طول تمنع، وضغطوا باتجاه منع توريد السلاح إلى قوى المعارضة في الوقت الذي لم ينقطع السلاح عن النظام. يهدف السيناريو الروسي إلى إلزام الأمريكيين في نهاية المطاف إلى محاربة كل معارضة تحمل السلاح ضد الحلّ السياسي الذي ترتأيه موسكو لإنهاء الأزمة، وأن يصبح أي سلاح في سوريا موجها حصريًا لقتال التنظيمات المصنفة إرهابية، والتي يقصد منها في الحقيقة كل التنظيمات الفاعلة على الأرض والتي تحركها جميعها أدبيات إسلامية. فما هي السيناريوهات المطروحة أمريكيًا لمنع العودة إلى العمل العسكري في حال فشلت المفاوضات؟ صحيفة العربي الجديد في عددها الصادر يوم الأربعاء الفائت نقلت عن مصادر في المعارضة السورية أن الفشل المتوقع لمحادثات جنيف أبرز سيناريوهات جديدة تم التباحث بين الولايات المتحدة وروسيا بشأنها منها الذهاب إلى مجلس الأمن لإصدار قرار تحت الفصل السابع ينص على تشكيل "مجلس انتقالي موسّع لا يضم شخصيات لا من المعارضة ولا من النظام تحت الفصل السابع، أو هيئة رئاسية موسّعة لا تستبعد رئيس النظام السوري بشار الأسد". وهي سيناريوهات لا تكاد تخرج في مطابقتها عن أحد هذه الاحتمالات: السيناريو الأفغاني، السيناريو العراقي، السيناريو اللبناني.. قد يكون أقصى طموح الأمريكيين تحقيق السيناريو اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية. في الحقيقة استنساخ السيناريو اللبناني أمر صعب لأنه شديد الخصوصية. ففي لبنان المكونات الطائفية الأساسية متقاربة من حيث الحجم والتوزيع الجغرافي، ولعل السيناريو العراقي أو الأفغاني هو الأكثر توقعًا في الحالة السورية. إذ إنه من المؤكد أن الرئيس السوري لن يتمكن من استعادة السيطرة على كامل التراب السوري ما لم يكن هناك دعم حقيقي من الدول الإقليمية التي ترعى المعارضة لاسيَّما بعد تهميش متعمد أمريكيًا وروسيًا لكل من تركيا والسعودية من مفاوضات الحل النهائي مهما كان الدعم الأمريكي والروسي المقدم للرئيس السوري. كما أن قوات المعارضة لن تقبل بالحل الروسي القائم على دعم الأسد لإعادة السيطرة على البلاد مع تحقيق إصلاحات غير مضرة بهيكلية النظام. وما نرى من نتائج السيناريوهين العراقي والأفغاني، يمكن القول إنه لا حلّ قريبا في الأزمة السورية وأن الصراع باق حتى إشعار آخر.

353

| 23 أبريل 2016

ليبيا والنموذج المطروح

دول الشرق الأوسط في أغلبها نشأت بإرادة خارجية مستعمرة حرّكها الحرص على تفتيت السلطنة العثمانية لإنهاء تهديدها المزمن للهوية والجغرافية الأوروبيتين. لم تنشأ دولنا الحديثة نتيجة مخاض داخلي بين مكونات وطبقات المجتمع انتهى بالتوافق على إنهاء الصراع وتأسيس عقد اجتماعي لبناء الدولة الوطنية كما هو الحال في دول أوروبا الحديثة. بقيت الولاءات داخل العالم العربي ما دون وطنية أو ولاءات قبلية يعرّفها ابن خلدون بـ"العصبية". المُستعمِر الذي قرّر تمزيق هذه الرقعة الجغرافية حرص على تفجير وتعزيز وتظهير التناقضات الداخلية للحيلولة دون عودة أبنائها للوحدة من جديد. واستخدم أساليب وأدوات مختلفة لتحقيق غرضه، فالحدود، على سبيل المثال، رُسمت بطريقة اعتباطية انطوت على قدر كبير من الاستنسابية، أملًا في خلق صراع مستقبلي بين الدول الوليدة على ترسيم حدودها التي كانت تُقسّم القبلية الواحدة فيها إلى شطرين. السلطة التي جاءت لتحكم الدولة الوليدة لم تأت بإرادة داخلية بل فرضها الوصي الخارجي، لذلك بقيت السلطة التي توارثتها نظم حكم مختلفة مشكوكا في شرعيتها. وبما أن دولنا العربية كانت ضعيفة أمام تغول الوصي الخارجي، ظلّت شرعيتها موضوع شك واهتزاز دائمين. لما جاءت الثورات العربية، تفجرت التناقضات الني كانت كامنة ومضبوطة داخل المجتمعات العربية بفعل قمع النُظم واستبدادها مع العلم أن الثورات بريئة تمامًا من خلق التناقضات التي انفجرت بقوة وأن كانت تتحمل مسؤولية تحريرها من قيد الجلاد. فانطلقت التناقضات من عقالها مسعورة في كل اتجاه لا تلوي فيه على شيء. كانت الحالة الليبية نموذجًا صارخًا للهزال التاريخي الذي أصاب مجتمعنا العربي وشوّه بنيته وقولبه في إطار من الاهتزاز وعدم القدرة على الاستقرار. والحالة الليبية تكشف لنا حجم المأزق، وإن كانت بصورة مضخمة. القذافي الذي حكمها لعقود ثلاث، اعتمد القوة والوشاية والحيلة في بناء حكمه. وكانت الرشوة في توزيع عائدات النفط على بعض المتنفذين قبليا وسياسيًا أساسًا في التعامل والتعاطي مع من قد يشكل تهديدًا محتملًا للسلطة. أحجم القذافي عن إنشاء مؤسسات تتسم بالديمومة التي تتطلب استقرارًا نسبيًا تحت أي ظرف داخلي أو خارجي. فكان يقيم مؤسسة ثم يدمرها ثم ينشئ أخرى وهكذا دواليك، ما عدا مؤسستين فقط، شذّتا عن سنّة القذافي في إدارة البلاد: هما "المؤسسة الوطنية للنفط" و "المصرف المركزي". لم تنجُ المؤسستان من مخطط القذافي إلا لأن طابعهما خارجي أكثر منه داخليا. فالأولى مرتبطة بالمنظمات الدولية الضابطة لاستخراج النفط وتحديد أسعاره وحجم توزيعه في الأسواق العالمية مثل منظمة "أوبك" وغيرها. وكانت" المؤسسة الوطنية للنفط" تدرّ أموالًا خيالية إلى حسابات القذافي في البنوك العالمية المعروف منها والمُشفر. والثانية أي مؤسسة "المصرف المركزي" فهي من المؤسسات التي تتطلب استقرارا مبالغًا فيه حتى تقدر أن تؤدي وظيفتها، ولهذا كان "المصرف المركزي" أحوج ما يكون إلى اعتماد سيادة نقدية ثابتة مرتبطة بسوق النقد العالمي. لم تكن المؤسسات مستقلة عن سيادة القذافي الذي لم يفرق – عن وعي طبعًا - بين الدولة والسلطة. وكانت الفوضى والارتجال والتغلب والبحث عن الغنيمة الناظم الحقيقي لطبيعة إدارة الدولة التي انتهجها القذافي خلال حكمه المديد. ولهذا لما رحل وتفككت شبكة المؤسسات التي كانت قائمة في عهده برز الصراع بشكل فج في سلوكيات النخب السياسية التي أتت لإدارة البلاد بعد إسدال الستار على حقبة القذافي. فكانت فكرة "التسوية السياسية" أو "الشراكة السياسية" غريبة عن أذهان النخب التي تربت على ثقافة القذافي وفي عهده. وما شغلها هي فكرة "الغلبة" وكيفية تحقيقها للحصول على عائدات النفط التي كانت تقدر قبل انهيار أسعار النفط بـ70 مليار دولار سنويا. ولم يكن التدخل الخارجي مساعدًا لليبيين لتجاوز أزمتهم وحثّهم على منطق الفصل بين الدولة والسلطة، وأن الشراكة السياسية التي تُعلي من الشأن الوطني العام والخير العام المشترك أساس في بناء الدولة. ولعل الدرس الأكثر إفادة في المشهد الليبي هو أن الدولة لا تبنى من الخارج كما حرصت الأمم المتحدة وإنمّا من الداخل وبإرادة أهلها الذين يتفقون على عقد اجتماعي، يحدد هوية الدولة التي ارتضاها الجميع.

482

| 09 أبريل 2016

تركيا والتحديات

لم يكن لتركيا ناقة ولا جمل في المشهد الكئيب الذي طبع علاقاتها مع دول الجوار خلال السنوات الثلاث الماضية. وربما تتحمل بعض المسؤولية إن لم يكن كلها على مذهب "عنزة ولو طارت" لكن المؤكد أنها اليوم غدت محاصرة أكثر من أي وقت مضى. توتر العلاقات لم يبق حبيس الحدود الإقليمية أو المجال الحيوي لتركيا، وإنما طال علاقاتها الراسخة تاريخيًا مع حلفائها في حلف الناتو وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. لا شك أن برودا ملحوظا في العلاقات بين الرئيسين التركي والأمريكي قائم حاليًا. يقال إن الأسباب مرتبطة بعدة قضايا أبرزها الملفّ السوري ومزاعم غربية عن ضغوط تمارسها الحكومة التركية ضد حرية الصحافة. يختصر الرئيس الأمريكي القول عند الحديث عن نظيره التركي بأن "الواقع خيب الآمال" في إشارة إلى رهان سابق له أن أردوغان يمثل نهجًا معتدلًا ينبغي أن يحتذي به قادة الدول الإسلامية. الانطباع نفسه موجود عند الرئيس التركي عن نظيره الأمريكي. فقد صرح أكثر من مرة وفي نبرة تشي بغضبه من سلوك أوباما في الشرق الأوسط: على واشنطن أن تختار بين دعم المنظمات الإرهابية، في إشارة إلى العمال الكردستاني، وبين حليفتها أنقرة. كما لم يتردد في إظهار ريبته وقلقه من حلفائه الغربيين أنهم يخططون لتقليم أظافر تركيا وتقزيمها في دور صغير يراد لها أن تلعبه ضمن جوارها الإقليمي.أوجه التنغيص كثيرة هذه الأيام.. رغم وجوده في واشنطن لأربعة أيام في إطار مشاركة تركيا في قمة دولية حول الأمن النووي لم يكن على جدول لقاءات أردوغان اسم بارك أوباما، وإن جاء إلى مقر إقامته في السفارة التركية نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري. ولأول مرة منذ عام 1997 هيئة أركان الجيش التركي، في تصريح غير اعتيادي تنشره على موقعها الإلكتروني جاء فيه: "الانضباط والطاعة غير المشروطة والخط القيادي الواحد هي أساس القوات المسلحة التركية". وهو ما فُهم بأنه ردّ على مقالة للمسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية "مايكل روبن"، المنشور في صحيفة "نيوزويك" الأمريكية بعنوان "هل سيكون هناك انقلاب ضد أردوغان في تركيا؟" حيث يتساءل عن إمكانية حدوث انقلاب عسكري بعد أن يكيل عدّة اتهامات لأردوغان، من التضييق على الصحافة إلى النزعة التسلطية المتزايدة لديه، مرورا بإنفاق الملايين على قصره الخاص، ومحاربته الشاملة للمكوّن الكردي. لخطورة المقالة اضطرّت المؤسسة العسكرية التركية أن تردّ عليه بطريقة أثارت الاستغراب وأعطت صدقية للشكوك التي أثارها روبن أو على الأقل كشفت حجم الغضب والانزعاج الذي طال أنقرة لا سيما وأن توقيت نشرها تزامن مع وجود أردوغان في واشنطن.لم تكن المقالة تغريدة خارج سياق عام تعيشه العلاقات الأمريكية التركية. ففي الوقت الذي كان أردوغان يطل على المشاهد الأمريكي عبر مقابلة أجرتها معه شبكة CNN الأمريكية، كانت ورقة تصل طاولته حملت عنوان "رسالة مفتوحة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان" مزيلة بتوقيع 48 شخصية سياسيّة ودبلوماسية أمريكيّة وصفوا أنفسهم بأنهم"أصدقاء تركيا" في واشنطن. جاء في الرسالة أن "التفاؤل صاحب العديد من أصدقاء تركيا في واشنطن خلال العقد الماضي حول إمكانية تحولها إلى دولة ديمقراطية مستقرة وفعالة وكذلك إلى حليف قوي للولايات المتحدة، ولكن التطورات الأخيرة في تركيا تبعث على قلق عميق".كانت رسالة هؤلاء تزاحمت على مخيلته مع التفجير الذي وقع في ديار بكر جنوب البلاد موديًا بحياة ضباطًا من الشرطة التركية. وقد ترجم أردوغان واقع حال تركيا اليوم بقوله "تركتنا الدول الغربية لوحدنا، ولم تستجب لتوقعاتنا في مجال المعلومات الاستخبارية..طالما دعونا الدول الغربية لاتخاذ موقف موحد إزاء الإرهاب، ولكن العديد من الدول الأوروبية لم تأخذ هذه الدعوات مأخذ الجد"، آملًا أن يرى الغرب حقيقة الإرهاب الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني مثلما يرى إرهاب تنظيم داعش.

572

| 02 أبريل 2016

عودة الحديث عن الفدرالية لبنانياً

خلال الأسبوع الفائت نُسب لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قوله "إننا سنواجه التقسيم بالسلاح لصون الوحدة الوطنية"، مضيفًا أن "التقسيم خط أحمر ولن نسمح بتفتيت الدولة وضياع لبنان". حديث بري الذي نقلته صحف لبنانية تعتبر محسوبة على الحلف السياسي الذي ينتمي له يزيد في تأكيد صدقية المنقول وأنه لم يصل إلى طاحونة الصحافة نتيجة خرق للدائرة الضيقة، بل كان تسريبا يقصد منه توجيه رسالة شديدة لمن يرى فيهم الرئيس بري تهديدًا لمشروع الدولة القائم حاليًا. الغريب هنا أن يكون رأس الدائرة التشريعية في البلاد هو من يهدد باستخدام السلاح لوقف التقسيم والفدرلة في حين يفترض أن ينوط به بحكم موقعه الدستوري أن يكون من أبرز الداعين إلى حسم الخلافات داخل المؤسسات الشريعة مثل مجلس النواب وليس اللجوء إلى خيارات تتنافى مع مشروع الدولة مثل اللجوء إلى حمل السلاح خارج إطار الشرعية الدستورية. فما الباعث على إطلاق هذا التصريح الذي جاء في وقت لم يكن متداولًا على الساحة اللبنانية حديثًا عن التقسيم أو الفدرلة، ولم يطرحه أحد بعد أن حسم الدستور اللبناني الجدل التاريخي بشأن التقسيم فأورد في مقدمته "لا تجزئة ولا توطين ولا تقسيم". هل جاء كلام الرئيس بري تعبيرًا عن رفضه للتحرك في الشارع الذي سيربك الدولة أكثر ويهدد وجودها أم أنه نمى إلى سمعه أن أطرافًا لبنانية تستسيغ مشروع الفدرلة وترى آن أوان طرحه اليوم تماشيا مع المشروع الدولي مستعيدين أحلام قديمة، تمكن اتفاق الطائف الذي حسم الحرب الأهلية التي استمرت لعقد ونصف من دفنها وإهالة التراب عليها من أجل وحدة لبنان.المؤكد أن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وهما فصيلان مسيحيان يدرسان خططًا شعبية وسياسية للنزول إلى الشارع لمواجهة ما يقولون إنه تعطيل مبرمج للحيلولة دون انتخاب رئيس للجمهورية الذي هو من حصة المسيحيين في لبنان الأمر الذي يقصد منه إضعاف الدور السياسي للمسيحيين في لبنان. كان واضحًا كما قال زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع أن الفدرالية تتطلب أكثريات داخل كل طائفة في لبنان، الأمر غير المتوافر لا مسيحيا ولا سنيا ولا شيعيا ولا درزيا، وبالتالي النقاش في هذا الموضوع يؤدي إلى حرف الانتباه عن القضية الأساس المتمثلة بتطبيق اتفاق الطائف. أما الجنرال عون زعيم التيار الوطني الحر فمعلوم عنه معارضته الشرسة لاتفاق الطائف وأنه مع إعادة وضع اتفاق سياسي جديد يكون بديلًا عنه، وهو ما تستمرئه بعض القوى السياسية اللبنانية على خجل. لا يخفى على مطلع أن حديث لبنان والتقسيم حديث قديم قد يكون عمره من عمر لبنان الحديث..عند كل أزمة سياسية حادة كان يطرح التقسيم مشروعا للحل.. الأزمة الرئاسية اليوم في لبنان دخلت موسوعة جينيس لجهة أطول فراغ رئاسي يعيشه بلد عضو في الأمم المتحدة. ومجلس النواب مدّد لنفسه دون استشارة المواطن اللبناني أو حتى محاولة الوقوف على رأيه لمعرفة أنه يؤيد هذا الاتجاه من عدمه، وجاء التمديد مختزلًا العديد من الخيارات التي كان بالإمكان اختبارها دون اللجوء إلى تعطيل الحياة السياسية في إدارة البلاد في المؤسسات السيادية مثل البرلمان والرئاسة. لا شك أن تسويق فكرة الفيدرالية والنظام الفيدرالي في بناء سوريا الحديثة دوليًا ترك أثره الكبير على السياسي اللبناني طالما أن المشروع يعتبر تفاهمًا أمريكيا-روسيا بالدرجة الأولى وأنه قد يجري تعميم طرحه على دول أخرى في المنطقة تعاني أزمات حادة مثل اليمن، أو مباركته في العراق بعد تعنت واضح من قبل المكونات السياسية العراقية علمًا أن الدستور العراقي أشار إلى موضوع الأقاليم المتعددة داخل الدولة. ربما من هذه الزاوية يُفهم قول الرئيس بري إذا كان يرى أن مشروع الفدرلة المطروح إقليميا هو مشروع تقسيمي، وبالتالي يخشى أن يندفع مكون سياسي لبناني باتجاه طرحه للتخلص من المراوحة السياسية الحالية التي تعكس أزمة حكم في لبنان وليس أزمة أحزاب وقوى عاجزة عن إدارة الدولة منذ ما يربو على ثلاث سنوات حتى اليوم.

858

| 26 مارس 2016

فعلها الكرد..فهل سينجحون؟

الثابت الوحيد الذي آن للعرب، حكامًا وشعوبًا، معرفته أنه لا توجد دولة كبرى تشاطر هذه المنطقة حقوقها التاريخية. الدول الكبرى ترى لنفسها الحق في احتلال أي بلد عربي بحجة الدفاع عن أمنها القومي على غرار أسلافهم الأوروبيين. دول أوروبا العجوز لم تنكفئ يومًا عن التمدد، ولو أتيحت لها الفرصة مرة أخرى لما ترددت وستخلق لنفسها الأعذار. الولايات المتحدة فعلتها حديثًا في العراق، وقد تفعلها في سوريا حاليًا. غنيّ عن الحديث تصريحات الروس حول الفدرالية كحلول للأزمة السورية.ينتهي التدخل الدوليّ غالبًا، إما بالسكوت المريب أو التواطؤ على الفدرلة التي تعني التقسيم حتمًا في العقل الجمعي العربي الذي لم تؤهل شعوبه لمستوى أن تعيش الفيدرالية كما تعيشها الولايات المتحدة أو ألمانيا أو سويسرا. لا توجد دولة استعمارية واحدة قالت إنها ضد إرادة الشعب الذي تستعمره. بل العكس تماما فهي تكيل لنفسها المديح كلما سنحت الفرصة، وتطلب من الشعوب المسلوبة الإرادة شكرًا مستمرًا لها، لأنها تضحي برجالها ومالها ووقتها من أجل تأهيل هذه الشعوب لتصبح لها دولًا قوية وذات حضور على الساحة الدولية.في سوريا يموت القلب كمدًا. بلد يدمر منذ خمس سنوات، ولم يبق فيه حجر على حجر..أحيانًا لا يعرف المراقب من يقاتل من؟ وما الأهداف التي يصبو إليها المتقاتلون.. فقط بعض الكرد يعلم ماذا يريد من الحرب الطاحنة في سوريا والعراق.. فالمآسي العربية عند هؤلاء، الذين لا يمثلون كلّ الكرد قطعًا، فرص ساقها القدر إليهم. حلمٌ ببناء دولة كردية، ولو قامت على أشلاء العرب وجماجمهم.صحيحٌ أن نُظمًا عربية أساءت إلى الكرد، لكنها لم تفعل ذلك لأنهم من غير العرب، بل لأنهم جزءٌ من الشعب المكلوم. آخر ما تفكر فيه النُّظم هو عرقية المواطن. سلوكه ودرجة خطورته على مصالحه هو المهمّ. ظُلم الكرد مع عامة الشعب، فهل جزاء العرب أن يظلموا من أخ شاركوه المظلومية؟ يعلم الكرد قبل غيرهم أن مشروع الاستقلال التام دونه خرط القتاد. لن يقبل به العرب المتناحرون بين نظم ومعارضة. كما لن تقبل به الدول الإقليمية المعنية إيران وتركيا.. وحدها الدول الكبرى وشبه الكبرى هي من لا تمانع في مزيد من تفتيت الشرق الأوسط وتطييفه مذهبيًا وعرقيًا ودينيًا.. قد يحلم الكرد بالكثير لكن الصراع لن تنهيه الفدرلة أو التقسيم. الأيديولوجية التي تحملها الميليشيات الكردية الداعية للانفصال لا تمثل كلّ الكرد الذين يربطهم تاريخ مشترك مع إخوانهم العرب والفرس والترك.شاءت الأقدار أن يكون تاريخنا مشتركا ومصيرنا واحدا مهما تقاتلنا وتناحرنا وتخاصمنا. ولا حلّ لأزمات المنطقة ما لم تنجح العرقيات الأربع الأساسية في الشرق الأوسط في احترام حقوق بعضها البعض واحتضان ما تبقى من قوميات ومكونات عرقية وطائفية أخرى..للكرد حقوق، لا يختلف على ذلك اثنان. لهم مظلومية تاريخية، وهو أمر مؤكد، لكن حقوقهم لا ينبغي أن تنال بظلم إخوانهم العرب. خيارات الفدرلة والتقسيم جلّ ما تقدمه للشعوب في بلادنا هو فتح فصل جديد من الصراعات الطويلة. الكرد يعلمون ذلك جيدا، ويعلمون أن الحفاوة الروسية الأمريكية بهم لدورهم في مواجهة تنظيم داعش لن تستمر طويلًا. فالدول الكبرى تأتي وتذهب، ولا يمكن أن تبقى إلى الأبد.. أمّا الدول الإقليمية التي تشاركنا الجغرافيا والتاريخ والموروث القيمي فهي التي تبقى مصالحها. وهذا يعني أن المراهنة على وافد من خارج المنطقة لخلق مظلمة جديدة وحمايتها هو رهان خاسر تماما.على الكرد قبل غيرهم لفظ الميليشيات والأحزاب الانفصالية لأنها عقدت المسألة الكردية أكثر مما كانت عليه. فما الذي قدمه حزب العمال الكردستاني وتفرعاته للكرد في سوريا وتركيا والعراق؟ وما الذي قد يقدمه غدا للكرد في إيران غير الضغائن والأحقاد؟!.الحلّ الأقرب والأقل كلفة والأكثر واقعية هو الذهاب إلى دولة وطنية تحترم حقوق شعبها السياسية دون تفرقة عنصرية أو دينية أو مذهبية. دولة فيها المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات. عندها سيتنافس المواطنون في بناء وطنهم دون ترف السؤال عن الخلفية العرقية أو الدينية أو المذهبية، لأن النفع سيعمّ الجميع. ما عدا ذلك، فمصيره التخاصم والتقاتل والمغالبة التي قد لا تنتهي أبدًا.

429

| 19 مارس 2016

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4149

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1740

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1599

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1440

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1410

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

900

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

654

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

612

| 04 ديسمبر 2025

558

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية