رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إقليم كردستان بين التمدد والاستقلال

بعد سيطرة تنظيم داعش على منطقة سنجار في محافظة نينوى العراقية لمدة عام تقريبا، تمكنت قوات البيشمركة بغطاء من الطائرات الأمريكية تحريرها في الأيام القليلة الماضية. اللافت أنه لم يعثر على أي وثائق أو معدات أو قتلى لتنظيم داعش بعد خروجه من سنجار، وكأن معركة لم تحدث أصلا في المنطقة. عقب التحرير رُفع علم إقليم كردستان دون العلم العراقي، وانتشرت القوات البيشمركة، وقامت المجموعات الأيزيدية، وهي مليشيات كردية صغيرة بطرد العوائل العربية القاطنة في سنجار ونهب ممتلكاتها على وقع تصريح رئيس رئيس الإقليم مسعود البرزاني بأن سنجار أصبحت جزءاً من كردستان، متعهدا بتحويلها إلى محافظة جديدة تتبع للإقليم. أما حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فقد أعلن في بيان أن انتصار البيشمركة في سنجار «سيؤثر» على المنطقة من النواحي السياسية والجغرافية والعسكرية. لم تمض ساعات على تحرير سنجار حتى بادرت القوات الكردية التابعة لجلال الطالباني منافس بارزاني إلى دخول منطقة طوزخورماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين وبسطت سيطرتها عليها بحجة وجود تنظيمات إرهابية، وهو ما أدى إلى اشتباكات مسلحة بين قوات البيشمركة والحشد التركماني حتى أن القيادي في الحشد الشعبي الشيعي سامي المسعودي هدد الأكراد بأنه لن يتم السكوت على «التجاوزات» بحق أبناء المكون التركماني في قضاء طوزخورماتو في حين دعا «التحالف الوطني» الأطراف التي خرقت الأمن في طوزخورماتو إلى الكفّ عن «التسبب بالأزمات» والإذعان لسلطة الدولة، حيث تبدو الطوز بلدة تركمانية، شيعية في الغالب، لم يدخلها الكرد إلا في منتصف الخمسينات، برغم أنها كانت تتبع لمدينة كركوك قبل تعديل انتمائها إلى محافظة صلاح الدين التي استحدثت بعد عام 1968. وقد عانت هذه البلدة من صراعات مريرة، لتغيير الهوية. تمدد نفوذ إقليم كردستان إلى إقليم سنجار وما تبعه من سلب ونهب وتهجير للعوائل العربية بحجة معاقبة البيئة الحاضنة لتنظيم داعش قابله تمدد مماثل لقوات طالباني إلى طوزخرماتو ووقوع اشتباكات اتنية وطائفية داخل المنطقة. وكلاهما يتحدث عن توسيع الإقليم الكردي حتى إن مسعود بارزاني جاء في تصريحه أن حدود الإقليم ترسم بالدم في إشارة إلى تغير واضح في خارطة الحافظات العراقية التي تحوي خليطا من الإثنيات العراقية. معروف أن إقليم كردستان يمر بأزمة بشأن رئاسة الإقليم ونهاية ولاية مسعود بارزاني، إذ تطالب الأحزاب الأربعة (الاتحاد الوطني -التغيير – الاتحاد الإسلامي – الجماعة الإسلامية) بتنحي بارزاني من السلطة وتغيير نظام الحكم في الإقليم من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني واختيار رئيس جديد من البرلمان. وقد جاء تحرير سنجار لإعادة تعويم الرئيس مسعود بارزاني داخل المكونات الكردية بشكل عام حيث يطرح نفسه كقائد وزعيم كردي قادر على سوق الأكراد إلى تحقيق الدولة المنشودة أو على الأقل تحقيق امتيازات خاصة لهم فيما يشبه الإدارة ذات الاستقلالية التامة عن المركز في العاصمة العراقية بغداد. لكن هذا التوسع من شأنه تدشين حرب عرقية ومذهبية لا تقل خطورة عما ارتكبه تنظيم داعش بحق العراقيين في أماكن أخرى. وتحت ذريعة مواجهة الإرهاب قد يُرتكب من الجرائم ما لا يقل عما فعلته التنظيمات المسلحة بحق العراقيين على اختلاف انتماءاتهم المذهبية والسياسية. نحن نعيش على ما يبدو حرباً من نوع آخر بدأت ترتسم على طول رقعة الجغرافيا العراقية وبدعم خارجي في غالب الأحيان..

608

| 21 نوفمبر 2015

عودة التفجيرات إلى لبنان

تعود التفجيرات إلى بيروت من جديد بعد انقطاع نسبي واستتباب للحدّ الأدنى من الأمن على مدار سنة ويزيد، كان لبنان قد حيّد نفسه عن تداعيات الأزمة السورية، أي حال دون استقرارها أو اعتمالها داخله بحيث تصبح جزءا لا يتجزأ من طبيعة المشهد اللبناني المعقد أصلا، لكن ما حصل ليل الخميس من عملية انتحارية مزدوجة وفشل انتحاري ثالث في تفجير نفسه في ضاحية بيروت الجنوبية وحجم الضحايا الذي سقط، أماط اللثام عن حقيقة الوضع الهش أمنياً، وأن لبنان لم يستقر تماما كما كان يأمل ويظن الجميع. والمقلق أكثر مما سبق هو أن التفجير المزدوج، وما صاحبه من عمليات أمنية استباقية للأجهزة الأمنية تعطي صدقيّة للتهديدات التي أطلقها تنظيم داعش قبل عدة أسابيع، وما سُرّب من وثائق لقوائم اغتيال يعدّها التنظيم على التراب اللبناني لعلماء سنة سلفيين وقفوا حاجزاً أمام تحصّل التنظيم على بيئة حاضنة له في الشمال اللبناني وبعض المخيمّات الفلسطينية حين وصفوه بالتنظيم الخارجي عن أهل السنة والجماعة والمعادي لتطلعات الشعب السوري. تنظيم داعش الذي تبنى العملية الانتحارية المزدوجة في بيروت، كان أطلق تهديدات قبل أسبوعين ضد الضاحية الجنوبية، كاشفاً عن إعداده خلايا جهادية لاستهداف منطقة حزب الله، لا يمكن الجزم أن الأزمة السياسية اللبنانية لعبت دوراً في هذا الخرق الأمني، حيث تمكنت القوى السياسية رغم احترابها السياسي بتحييد البلاد أمنيا. والتنسيق بين الأجهزة الأمنية فيما بينها، وبينها وبين حزب الله هو في أعلى مستوياته لضبط الأمن، وقد نجح التنسيق في إحباط العشرات من العمليات التي كانت معدّة، كما أن تزامن التفجير مع التئام البرلمان لأول مرة منذ سنة تقريبا، وما تبعه من اجتماع للحكومة اللبنانية وتوقيعها على عدة قوانين ليس أكثر من مجرد صدفة ولا يمكن الجزم بارتباط الحدثين، فلقاء الحكومة فتح كوّة في جدار الأزمة السياسية لاسيَّما بعد أن سبقه تصريحات سياسية عاصفة. الصحيح أن لبنان رغم أزمته السياسية الداخلية وارتباطها بالواقع الإقليمي إلا أنه نجح في فصل المسار السياسي عن الأمني، لكنه يبقى جزءاً من مسرح العمليات الممتد إلى سوريا والعراق، وكلما شهدنا تقدمات أو تراجعات ميدانية في سوريا لهذه الجهة أو ذاك، نتلمّس ارتدادات لهذا التحول في مناطق أخرى ومنها لبنان. ما جرى يوم الخميس أفسد حياة اللبنانيين عامة وأهل بيروت خاصة أنه قد يستمر لأسابيع قادمة، والخشية تبقى أن لبنان بدأ يستولد جيلاً جديداً من الانتحاريين، ولم يعد بلد عبور، وإنما بلد منتج لظاهرة التفجيريين.

329

| 14 نوفمبر 2015

أردوغان العائد من جديد

كانت توقعات استطلاعات الرأي تعطي حزب العدالة والتنمية تقدما طفيفاً لا يزيد على نقطتين عما تحصل عليه في الانتخابات السابقة التي أجريت قبل خمسة أشهر.. النتيجة التي توصل إليها العدالة كانت مفاجئة للجميع وتحديدا للمراقبين من الخارج، إذ كانت أغلب التحليلات تشير إلى عجز العدالة والتنمية عن الاستمرار بنفس الزخم الذي انطلق فيه منذ العام 2002 تاريخ وصوله للحكم في البلاد. حتى أن بعضهم كان يرى أن الإسلام السياسي يشهد أفولا واسعا ونهاية حزينة لطروحاته بعد أن أفلس سياسيا.. طبعا كانت النظرة أقرب إلى التمنيات أكثر منها تحليلا سياسيا رصينا، إذ يعلم القاصي والداني أن تركيا لم تكن قبل العدالة والتنمية شيئا يذكر في محيطها الإقليمي وتحديدا العربي. وأن القفزة الاقتصادية الهائلة التي جسدتها كانت على يد العدالة والتنمية الذي لم تنته بعد رزمة إصلاحاته المطروحة والتي منها الخطة الطموحة بالوصول إلى المنصب العاشر عالميا في قائمة الدول الأكثر نفوذاً مع اعتماده الكلي على التصنيع المحلي التام لكل حاجياته العسكرية من البندقية إلى الصاروخ والطائرة. لاشك أن الناخب التركي اختار الاستقرار على النكد الذي عاشه المجتمع التركي خلال الشهور الخمسة الماضية حيث عجزت المعارضة عن تشكيل تحالف أو جبهة قوية في مواجهة الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم. كما عجز العدالة والتنمية عن تشكيل الحكومة منفردا، وبقي أسيراً لما تتقاذفه رياح الإقليم الهوجاء التي زادت من حدة القلق عند الناخب التركي. ولعل أكثر مما أخاف الناخب التركي هو عودة حزب العمال الكردستاني إلى المواجهة المسلحة مع الدولة بعد انهيار عملية السلام. هي جملة من الأسباب كانت كفيلة بأن يحسم الناخب التركي أمره لاسيَّما المترددين الذين كانت الرؤية غير واضحة لديهم بين رغبتهم في دعم أردوغان وحزبه وبين الإصغاء لدعوات المعارضة التي كانت تحذر من انهيار الديمقراطية وتحول البلاد إلى دكتاتورية جديدة على يد "السلطان أردوغان"، ومن تابع الإعلام الغربي وجزءاً من الإعلام العربي يلمس بوضوح حجم القلق من أردوغان وحزبه. في الملف السوري ورقتان تقلقان تركيا، ورقة داعش الذي يحاول أن يضرب في العمق التركي متى ما تسنى له الأمر، وهنا ترغب تركيا بالتعاون مع كل مخابرات العالم لوقف أذاه والحيلولة دون تمدده، وهناك ورقة الأكراد والإدارة الذاتية التي طرحها أكراد سوريا الذين يتلقون دعماً أمريكيا وروسياً، يضاف له اتهام تركي لإيران بشكل غير رسمي بالتعاون مع الأكراد لخلق جبهة متوترة في تركيا وهو ما يعني عمليا نسف البناء الداخلي للمكونات الإثنية في تركيا. جميعها تحديات تفرض نفسها على السياسة الخارجية التركية أيا كانت الحكومة التي تديرها. ومع دخول روسيا الصراع في سوريا، سقط مشروع المنطقة العازلة التي كانت تركيا تدافع عنه وتروج له بين عواصم العالم. وأضحت خياراتها تجاه الأزمة السورية مرتبطة بمواقف حلفائها الولايات المتحدة، بعض دول الاتحاد الأوروبي، السعودية، قطر. والأرجح أن تنظر تركيا للخطوات التي سيقدم عليها اللاعبون الحلفاء والخصوم في الأزمة السورية على أن يكون دورها ضمن تحالف وثيق وثابت، وألا تعمل منفردة، مع التأكيد أن أي حلّ للأزمة السورية من دون أخذ مصالح تركيا بالاعتبار فلن يكتب له القبول. فهي تملك نفوذا متزايداً على الفصائل المحاربة وتحديدا في الشمال. ومع تحول الأزمة السورية من وجهة نظر أردوغان إلى احتلال خارجي مباشر وهو يؤثر على أمن تركيا والتوازنات الداخلية فيها ويهدد حلمها بالتوسع بما يتناسب مع تنامي قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياحية. لا تريد تركيا أن تخسر روسيا، وهي حتى اللحظة لا تعرف ما إذا كان بوتن يريد إبقاء الأسد في السلطة بأي ثمن أو يفاوض عليه. وبالتالي المطلوب المزيد من التريث وتقطيع الوقت والعمل دون تسخين الجبهات بشكل سريع ومفاجئ.

417

| 07 نوفمبر 2015

توقعات عشية الانتخابات التركية

ساعات تفصلنا عن بدء الانتخابات البرلمانية الثانية لهذا العام في تركيا بعد فشل الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية، لأول مرة منذ العام ألفين واثنين ستجري الانتخابات وسط أزمة سياسية حادة تواكبها اضطرابات أمنية متنقلة، ومتغيرات إقليمية شديدة التأثير على تركيا بأحزابها وسياسيها. يتنافس على خوض هذه الجولة ستة عشر حزباً، يأتي في مقدمتهم حزب العدالة والتنمية الذي يتفرد بالحكم منذ عقد من الزمن يليه في الترتيب من حيث عدد الأعضاء في البرلمان الحالي حزب الشعب الجمهوري، ثم حزبا الحركة القومية والشعوب الديمقراطية. بعض الاستطلاعات تتوقع حصول أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي على نسب 44، 27، 13 و11 في المائة على التوالي. طبعا الاستطلاعات تتفاوت في توقعاتها، وإن اتفقت أغلبها على أن حزب العدالة والتنمية قد لا يتمكن من تحقيق تغيير كبير يمنحه قدرة مطلقة في تشكيل حكومة بشكل منفرد. فنسبة المتغيرات قياسا على الانتخابات السابقة عديدة ومهمة، بعضها داخلي بطبيعة الحال وبعضها خارجي قد لا يقل تأثيرا على الناخب التركي في خياراته من العامل الداخلي. وباتفاق أغلب المحللين، فإن التطورات الإقليمية تسيطر على قرار الناخب التركي حاليا. كما أن فشل المعارضة التركية في التوافق بينها في تشكيل جبهة موحدة أمام العدالة والتنمية أثّر بدوره على قرار الناخب. وفي هذا الأمر تقول استطلاعات الرأي إن القوميين سيتراجعون نقطة أو أكثر بسبب الرفض الدائم الذي مارسوه في الفترة السابقة. وهناك توقعات بتقدم حزب الشعوب الديمقراطي على الحركة القومية بحيث يصعد للمرتبة الثالثة في البرلمان. ثم إن رفض الحركة القومية التفاهم مع الشعوب الديمقراطية سابقاً، سيدفع الناخب المؤيد للقوميين التوجه بصوته لأقرب من يمثله، ولن يجد أمامه سوى العدالة والتنمية أو الشعب الجمهوري كأكبر الأحزاب التي تملك فرصة التأثير على مجرى الحياة السياسية في البلاد. وإذا كان من غير المرجح حصول حزبي السعادة والوحدة على أزيد من 2.6 بالمائة ما يحول معه تخطي عتبة 10% المطلوبة لدخول البرلمان، فإن بعض الأصوات المحسوبة على الحزبين قد تتسرب لدعم حزب العدالة والتنمية خوفا على أصواتها من الضياع. وبما أن نسبة المترددين الذين لم يحسموا قرارهم تتراوح ما بين 14 إلى 18% رغم سعي الأحزاب قاطبة لاستمالتهم. فضلاً عن انضمام 600 ألف صوت جديد من الشباب إلى العملية الانتخابية. وهؤلاء الشباب ومن هم دون 30 سنة لا يعرفون تركيا قبل حزب العدالة. لذا اهتماماتهم السياسية تختلف كليا عما تطرحه الأحزاب القائمة بما فيها العدالة والتنمية. الوضع الاقتصادي بدوره هو مقلق مع تراجع قيمة الليرة التركية وتباطؤ في الاستثمارات العالمية وركود في الأسواق الداخلية. ثم الحرب على العمال الكردستاني ستؤدي إلى تغذية الاستقطاب الهوياتي العرقي في الانتخابات بما يجعل من عمليات التنبؤ أمراً مربكاً إلى حد ما. ومن جملة ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار أنه في الانتخابات السابقة عزف عن الاقتراع نسبة كبيرة من أنصار العدالة إما شعورا بأن حزبهم سيفوز وإما تململا من سياسات أردوغان، ويحاول الحزب تشجيع هؤلاء على المشاركة مجددا. الخطابات السياسية للمعارضة خلال الحملات الانتخابية التي بدت فاترة بعض الشيء كانت أقل حدة عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، وقد أبدت مرونة في تصريحاتها السياسية تجاه تشكيل حكومة ائتلافية. ولعل ما يهم العدالة والتنمية حاليا هو كيفية الحيلولة دون بلوغ حزب الشعوب الديمقراطي العتبة الانتخابية المطلوبة وهي 10%. لكن الخطورة لن تتأتى من تخطي الشعوب الديمقراطية العتبة بقدر عجز حزب العدالة عن تحقيق فوز مريح وكاسح لأنه سيكون عاجزا تماما ومكبلا في تشكيل حكومة قوية. وربما قد يتعرض الحزب لعمليات انشقاق في حال تدنت نسبة حصته في البرلمان أو اضطر لتشكيل حكومة ائتلافية مع حزب آخر. ومعه ستضطرب الحياة السياسية أكثر لاسيَّما أن أردوغان معروف بالإقدام لحد التهور. وقد يدعو إلى انتخابات جديدة بدلا من تقديم تنازلات لأحزاب، يريد مرغما مشاركتها في تشكيل الحكومة القادمة. ويبقى السؤال المحوري هل ستخرج تركيا من أزمتها السياسية بتشكيل حكومة ائتلافية في حال فشل حزب العدالة والتنمية في كسب الأغلبية المطلقة في البرلمان القادم؟ قد تكون الإجابة في صناديق الاقتراع التي تنتظر أوراقها.

400

| 31 أكتوبر 2015

خلفيات الصراعات الدينية في العالم العربي

منذ أواخر السبعينيات وبشكل تصاعدي، أضحت الصراعات الدينية تستحوذ على أغلب الصراعات المجتمعية محليا وإقليميا ودولياً حيث يبدو الدين حاضرا فيها بشكل ما. وهذا ما استرعى انتباه الباحثين الذين تصدوا لهذه الظاهرة درساً وتحليلاً، ففي دراسة مسحية يوردها اكرام بركان في أطروحته العلمية المقدمة لجامعة باتنة المغاربية عام 2010 استنادا إلى تحليل للبيانات في الدول الفاشلة بين عامي 1948 و2003 تبين فيها أن الصراعات الدينية قد ارتفعت من 25% من جميع الصراعات المحلية في عام 1976 إلى 60% في العام 2003. ولا شك أنها ما بعد 2003 قد تصاعدت بشكل كبير في العالم العربي حيث تسبب الغزو الأمريكي للعراق بتفجر الصراعات المذهبية في عموم المنطقة كما سنلاحظ في سياق هذا المقال. ويرى روبن رايت Robin Wright أنه منذ مطلع الألفية الجديدة أصبح الدين قوة حيوية للتغيير على النطاق العالمي. فالدين يوفر الهوية المشروعية والبنية التحتية بدرجات متباينة وقز لوحظ عودة البوذيين في شرق آسيا إلى الدين. كما الكاثوليك في شرق أوروبا وفي أمريكا اللاتينية، وفي الفلبين والهند عاد السيخ والهندوس للتشبث بمعتقداتهم كي يحددوا أهدافهم.أما في الشرق الأوسط فيأخذ الدين بعداً أعمق وأكثر أهمية بالنظر إلى أربعة شروط وفقاً لما يرى الباحث الغربي فوكس جونوثن Fox Jonathan: دور الدين في الصراعات القائمة كما هو الحال في فلسطين المحتلة، وجود التمييز الديني داخل السلطة والمجتمع، وحراك أقلوي يطالب بالمزيد من الحقوق الدينية، واستحضار الدين في التنافس على السلطة. والمتأمل في مجتمعاتنا العربية يجد أنها تعيش حالة من التشظي والتمزق العنيف على أسس مذهبية وعرقية. نشهدها على طول قوس الأزمات الممتد من المغرب العربي إلى أقصاه. قتل واسترقاق ونفي في عالم تزدحم فيه الهويات القاتلة وهي غربة حقيقية تعيشها المجتمعات التي لا تجد لنفسها مكاناً تحت الشمس إلا إذا نفي الآخر من الأرض، الآخر الذي ليس إلا أخا في اللغة أو الدين أو الوطن لكنه صاحب رأي مختلف. وقد بلغ التمزق أقصاه مع بلوغ بعض التنظيمات المتطرفة حداً في التوحش الفكري والسلوكي ما استرعى انتباه العالم لخطره وغلوائه. وقد أرجع بعض الباحثين الأسباب، كما هو حال عهد كمال شلغين في كتابه "الهويّة العربيّة صراع فكري وأزمة واقع" إلى فقدان الهوية الجامعة عند العرب الذين لم يصلوا حتى اليوم إلى هويّة كليّة منتصرة على باقي الهويّات. وكثرة الانتماءات غالباً ما تتحول إلى أداة للصراع مع الآخر حتى إنها تصل إلى ذريعة للقتل، كما يحدث اليوم، ما يوسع دائرة الخلاف بين العرب أنفسهم، فكل منهم يحاول تأسيس خطابه بناءً على مبادئ وأفكار خاصّة به لا يشترك بها مع غيره. وإذا كان شلغين محقاً فيما يقول، إلا أننا لا يمكن استبعاد العامل الخارجي. وهذا ما يشير إليه الكاتب اللبناني أمين معلوف في كتابه الهويات القاتلة حيث يرى أن الحركات الأصولية التي ظهرت في التسعينيات إلى اليوم ليست وليدة التاريخ الإسلامي، ولا هي ترجمة فعلية لنص متشدد. وإنما هي وليدة عصرنا الذي نعيش فيه بكل اضطراباته وتشوهاته وخيباته. ولسائل أن يسأل لماذا تفجرت الهويات الطائفية بعد العام 2003 بشكل ضخم ولم تتفجر قبله طالما أن النصوص موجودة في بطون الكتب وأن مشاكل المجتمعات العربية لم يطرأ عليها جديد؟ الجواب يتضح في الغزو الأمريكي للعراق الذي أيضا حمل في بعض مضامينه نبوءات دينية تجاه العالم الإسلامي والشرق الأوسط تحديداً. فالمستشرق برنارد لويس يعتبر أباً روحياً لمدرسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة التي تخرج الرئيس السابق جورج بوش الابن.. رأى لويس أن تمزيق المنطقة العربية والإسلامية طائفياً وعرقياً هو استجابة طبيعية لدواعي التاريخ والجغرافية والثقافة والتراث. آمن بوش بطروحات معلمه فغزا العراق عام 2003 ثم سعى لإعادة ترتيب أوضاعه على أسس طائفية وعرقية. فتفجرت الطائفية هناك، ومن ثم تمددت ألسنة لهبها شرقا وغربا في بلاد العرب والمسلمين. قبل الاحتلال الأمريكي للعراق كانت وجهة الجهاد الإسلامي نحو الاستكبار العالمي أمريكا والغرب إلا أنها بعد الاحتلال استحال الجهاد فيها فرضاً مقدساً ضد أخا اللغة والدين والوطن.

738

| 24 أكتوبر 2015

ما الذي تخشاه تركيا حقيقة؟

إلقاء الطائرات الأمريكية أسلحة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري لمواجهة تنظيم داعش وفقا للتصريحات الأمريكية مثَّلَ صدمة واسعة للحكومة التركية التي بادرت فورا إلى استدعاء سفيري الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، محذرة من خطورة الدعم المقدم لهؤلاء على الأمن القومي التركي. فمن يريد احتواء النار المشتعلة وليس توسيعها يفترض به تقديم هذا الدعم للجيش السوري الحر والألوية الكردية المنضوية تحته، وليس إلى فصيل كردي يسعى إلى الانفصال، وينتمي روحيا وتنظيميا إلى حزب العمال الكردستاني المصنف ضمن التنظيمات الإرهابية على قوائم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، كان لسان حال رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو. وإذا كان مفهوماً استدعاء السفير الأمريكي على خلفية هذا الموضوع، فما هو المبرر لاستدعاء نطيره الروسي؟ أنقرة تعيش قلقا جدياً متصاعداً منذ الانتخابات البرلمانية السابقة. وقد تعزز هذا القلق مع الإخفاقات الأمنية والسياسية التي تمظهرت بتمكن الإرهاب من ضرب العاصمة أنقرة، حاصداً ما يقرب من مئة قتيل وذلك قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها مطلع الشهر المقبل. لقد كان الأمر بمثابة صفعة موجعة للحكومة، ولأجهزتها الاستخباراتية، وكذلك لحزب العدالة والتنمية الذي يسعى لحصد أغلبية مريحة تسمح له بتشكيل الحكومة منفرداً وسط تباطؤ في النمو وتدفق مزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا.الاتهامات التركية غير معهودة، إذ وجهت أصابعها إلى كلّ من الأسد وداعش وحزب العمال الكردستاني PKK، وهو أمر يحمل في طياته أبعاداً سياسية أكثر منها جنائية، إذ لم يثبت من قبل أن تعاوناً قام بين العمال الكردستاني وتنظيم داعش. فهما عدوان لدودان أيديولوجيا وسياسيا، ودعم الولايات المتحدة للاتحاد الديمقراطي السوري جاء على خلفية نجاحه في وقف تمدد داعش في عين العرب "كوباني" ومن ثم طرده من بلدات كردية وعربية أخرى. لكن الاتهامات للاتحاد الديمقراطي بالتعاون والتنسيق مع النظام السوري وتهجير قسري لعوائل عربية من بلدات كردية أو مختلطة أثار الريبة حول النوايا الحقيقية للحزب، لاسيَّما أن منظمة العفو الدولية اتهمته في بيان بارتكاب جرائم حرب في سوريا، وهو أمر غضت واشنطن والاتحاد الأوروبي وروسيا النظر عنه.أمّا استدعاء أنقرة للسفير الروسي، فهو يأتي على خلفية اللقاء الذي جمع المبعوث الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف مع رئيس الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم في باريس. وتنتاب أنقرة الشكوك من سعي روسي لتقديم الدعم العسكري أو إشراك الأكراد في غرفة التنسيق التي أنشأتها موسكو مع كل من طهران ودمشق وبغداد لمواجهة الإرهاب. والمراهنة على الحزب الكردي في سوريا تؤتي أوكلها بشكل جيد، كون الحزب أظهر قدرة قتالية عالية واستقطب تعاطفا دوليا لصالح الأكراد عندما ظهرت قضيتهم على أنها استهداف عرقي لهم وليس مذهبيا، على اعتبار أن الأغلبية الساحقة من الأكراد في المنطقة يعتنقون المذهب السني. روسيا تريد تحييد تركيا في معركتها المفتوحة في سوريا، كما تريد استثمار جميع أوراقها في سبيل هذا الهدف. وليس أربح من الورقة الكردية لردع أنقرة من تسهيل مرور مقاتلين جدد إلى الفصائل الإسلامية المتشددة في سوريا أو تزويد فصائل الجيش السوري الحرّ بمضادات للطائرات ومضادات للدروع. وهو إن حصل فقد يفرّغ الجهد العسكري الروسي من مضمونه، ويدفع موسكو للغرق في المستنقع السوري بعد أفغنته. ومن هنا فإن التصلب السعودي إزاء سيناريو الحلّ الذي تروج له موسكو، ومن ثم تقاربها مع أنقرة وتطابقهما في الرؤية السورية يُشعر موسكو بحاجتها الشديدة لاستغلال الورقة الكردية في وجه الأتراك.تجد أنقرة نفسها أمام ملفات مركبة ومتداخلة، والخيارات المتاحة أمامها قليلة، وتكاد أن تتساوى في حجم مخاطرها.

406

| 17 أكتوبر 2015

أوراق تركيا في مواجهة التدخل الروسي

تركيا أمام استحقاق الانتخابات البرلمانية الشهر المقبل والأحزاب جميعها تحشد لها، والحكومة التركية المعنية بالحصول على أغلبية مطلقة لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات لا تريد أن تخسر الناخب التركي صاحب الاهتمامات الداخلية اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مهما كان تقديرها للمصالح التركية خارجيا. وهي تعلم أن ما يربطها مع روسيا جملة من المصالح المتنوعة اقتصاديا وسياسيا في مناخ جيوسياسي شديد الحساسية. ولا يمكن أن تطيح بكل مصالحها مع روسيا بسبب الخلاف حول الوضع في سوريا في رهان لا تملك فيه أوراق قوة واضحة مع حلفائها. كما تعلم أنها لا تستطيع التحرك بمفردها أمام هذا التطور النوعي في الأزمة السورية طالما أنه لا يمكن الاعتماد فقط على الحلفاء الخليجيين دون دعم أو غطاء أمريكي وأوروبي واضح، وهو غير متوفر حالياً إذ تنعدم الثقة التركية بالموقف الأمريكي الذي بدأ يميل لقبول الأسد في فترة انتقالية على الأقل. أما الموقف الأوروبي فهو أشد وضوحاً في رفض مطالب أردوغان إقامة منطقة عازلة لما يراه حلا جذريا لتدفق المهاجرين إلى الغرب. وكان أردوغان تحدث في بروكسل عن ثلاثة حلول: تدريب وتجهيز القوات المسلحة المعتدلة المعارضة، إقامة منطقة آمنة لابد من حمايتها من الإرهاب، إقامة منطقة حظر جوي. وبدلا من الموافقة على مطالب أردوغان، سعى الاتحاد الأوروبي إلى إقناعه بالمعادلة الأوروبية: تقديم مساعدات مالية إلى تركيا، وإعفاء مواطنيها المتوجهين إلى أوروبا من الحصول على تأشيرات، ومشاركتها في دوريات مشتركة مع خفر السواحل اليونانيين في شرق بحر إيجة كجزء من العمل المنسق من قبل الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، وإقامة "مواقع ساخنة" لتسجيل طالبي اللجوء على الأراضي التركية، وبناء ستة مراكز استقبال جديدة للاجئين على الأراضي التركية، تستوعب حوالي مليوني لاجئ. في ظل هذا المناخ المعقد والظروف المستجدة، تعيش أنقرة على وقع التدخل الروسي الواسع في سوريا، وتكاد تحصي كل قنبلة تسقطها الطائرات الروسية، مع الصواريخ العابرة القادمة من بحر القزوين في رسالة شديدة الوضوح لتركيا التي باتت تحاصرها النيران الروسية. ولعل الهاجس الأبرز عند أردوغان حاليا هو تصميم الروس على فرض الأسد عسكريا قبل الخوض في الحل السياسي ما يعني بقاءه دون العودة للنقاش حول مرحلة انتقالية ومدتها، أو تقديم دعم عسكري للأكراد وهو ما سيضع الأمن القومي لتركيا على المحك. قليل من التدخل الروسي يخدم الموقف التركي بلا شك، وهو إضعاف داعش. لكن حتى اللحظة، ليس واضحاً أمام الحكومة التركية وأجهزتها الاستخبارية النوايا الحقيقية للتدخل الروسي في سوريا. ولهذا فهي تنتهج سياسة تقطيع الوقت بالتصريحات الحادة، المرافقة للدبلوماسية النشطة مع التقييم للخيارات المتاحة وأضرارها الجانبية قبل اتخاذ موقف واضح لحفظ مصالحها في سوريا. عملياً لم يتم وضع تصور تركي لكيفية مواجهة هذا التصعيد الروسي. كما أن خيارات أنقرة المتوفرة حاليا قد تؤذي البلدين، كإيقاف مخطط عبور أنابيب الغاز الروسي عبر تركيا إلى أوروبا، أو الانضمام إلى العقوبات الأوروبية المفروضة على موسكو، أو تحريك الأقليات المسلمة في جزيرة القرم الخاضعة حاليا للسيطرة الروسية. الأرجح أن تعمد تركيا خلال الفترة المقبلة انتهاج الدبلوماسية النشطة مع حلفائها من جهة ومع روسيا من جهة أخرى وداخل المؤسسات الدولية الفاعلة للتأكيد على مصالحها الحيوية أملا في خلق جبهة دولية معارضة بفعالية للتدخل الروسي. وأوراق الضغط التركية على روسيا قد تكون بإعادة الالتزام بدعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً، وهذا يتطلب وقتاً لما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في الأول من نوفمبر القادم.وفي حال فشلت الدبلوماسية النشطة، وطال أمد الحرب السورية دون أن تحسم، سنجد أنفسنا أما سباق تسلح جديد بين الناتو وروسيا في كل من سوريا وتركيا، ما يعني عودة للحرب الباردة تحت مسميات جديدة، معها ستخرج الأزمة السورية من وضعها الإقليمي إلى أبعاد دولية أكثر تعقيداً وخطورة. وهو ما سيعكس ضررا فادحا على تركيا التي تسعى أن توازن وتنوع علاقاتها الخارجية بين الغرب وروسيا والصين وإيران.

372

| 10 أكتوبر 2015

الغنوشي والأزمة السورية

تحولات عميقة في المواقف والتصريحات يشهدها العالم الدولي والإقليمي تجاه الأزمة السورية وقد جاء التدخل الروسي ليقلب التوازنات ويعري التفاهمات التي كانت تجري تحت الطاولة بين الولايات المتحدة والغرب من ناحية وبين الروس من ناحية أخرى حول كيفية ايجاد مخرج للأزمة في سوريا. التكهنات حول أسباب هذه التحولات عديدة، منها ما هو مرتبط بالتطورات الميدانية على الأرض السورية سواء لناحية حماية الجيش السوري من الإنهيار على ما تقول المعارضة أو أن تقدم النظام في عدة مناطق فرض ليونة على المواقف الغربية التي لم تعد تمانع في بقاء بشار الأسد على رأس السلطة لفترة انتقالية يعلم الله وحده متى تنتهي، هذا إذا كان هناك فترة انتقالية أصلاً. هذا التغير في المواقف الدولية يرجعها البعض لتزايد موجات التطرف الديني التي بدأت تداعياتها تهدد المصالح الدولية عموماً فضلا عن تدفق اللاجئين على الدول الأوروبية مذكرهم بتاريخ الحربين العالميتين ومثيرا لقلقهم حول هويتهم الدينية المسيحية التي تميزت بها أوروبا عبر تاريخها. المحير في الأمر، أن التبدل في التصريحات لم يعد يقتصر على المواقف السياسية للدول الغربية وربما الإقليمية لاحقاً، بل وصلت العدوى – على ما يبدو - إلى الحركات الإسلامية التي تعاظم نفوذها وحضورها بعد الإحتجاجات الشعبية التي ضربت العالم العربي مطلع العام ألفين وأحد عشر وتصدرت المشهد السياسي في نظم ما بعد الثورات قبل أن تفاجئها الثورات المضادة. يمثل الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة طليعة هذا التحول. حيث دعا الغنوشي في تصريح لـ «قدس برس» الفرقاء في الدول العربية والإسلامية إلى «نبذ خطاب العداوة والبغضاء والتواضع على نهج المصالحة والإخاء»، مؤكداً أهلية تونس لاحتضان مؤتمر مصالحة عربي بين كافة المتخاصمين. ثم أعقب كلامه في تصريح آخر ل» آخر خبر أونلاين» في 25 سبتمبر قائلاً: إنه لا يمانع أن يشارك النظام السوري في هذا المؤتمر وأن الدعوة مفتوحة أمام الجميع وأنه لا يملك عداوة شخصية مع النظام لكنه لا يريد الاقتتال والعنف وفقاً لما نقل عنه الموقع المذكور.لم يكن لهذه التصريحات أهمية، أو احتمال الخطأ في النقل وارد لولا أن تصريحات صدرت من مدير مكتب الشيخ راشد الغنوشي زبير الشهودي لصحيفة المغرب التونسية في 29 سبتمبر، تؤكد أن الشيخ الغنوشي التقى مع قيادات إيرانية حاملاً اليها مبادرة تهدف إلى الوصول لحل سياسي يحقن الدماء في سوريا، ملمحاً أن الغنوشي سوق لفكرته لدى أنظمة ودول تربطها علاقات جيدة مع حركة النهضة دون أن يسمي هذه الدول والأنظمة، تاركا التأويل يصيب دولاً محورية في المنطقة مثل تركيا خصوصا وأن مواقف الحركة تتناسق مع موقف تركيا في كل ما يتعلق بالأزمة السورية منذ انطلاقها.يجادل البعض أن الشيخ الغنوشي يرى أن بلاده قدّمت مآثر عظمى في التوافق بين المتخاصمين، بما يجعلها مؤهلة لأن تكون ساحة لقاء وحوار بين المختلفين إذا توفرت النوايا الصادقة والعزائم، كما أن التجربة التونسية تملك من القوة والتميز ما يجعل امكانية تكرارها أو نقلها إلى أماكن النزاع الأخرى قائمة وملحة. ومن هنا جاءت دعوة الغنوشي إلى مؤتمر مصالحة عربية عربية بين المتخاصمين قائمة على المصارحة، لكن أن يكون النظام السوري عضوا أساسيا على طاولة المؤتمر. فهذا أمر لم يكن يخطر ببال أحد أن يدعو اليه الشيخ الغنوشي. فهل هي تحولات عميقة في قراءة الغنوشي للواقع العربي؟ وهل تؤسس مواقفه لمراجعات فكرية وسياسية داخل حركات الإسلام السياسي على غرار المراجعات التي اجرتها جماعات إسلامية في مصر سابقا؟ أم أن الغنوشي أدرك أن المعارضة في سوريا فشلت في توحيد مواقفها وأن المراهنة على الحسم العسكري لم يعد منطقياً وأن التحرك باتجاه حجز مقعد للاخوان في سوريا على طاولة الحل السياسي السوري تتطلب مقاربة مختلفة عما سبق؟!وسواء اتفقت مع الشيخ الغنوشي في مواقفه الجريئة أو اختلفت لا يسعك سوى أن تحترم تجربة الرجل الذي انقذت تونس من مخطط شبيه بالذي وقعت فيه مصر ولم تخرج منه إلى الآن. ولا ندري إلى اين قد تمضي مواقف الشيخ إذا بالفعل صدرت عنه هذه التصريحات.

390

| 03 أكتوبر 2015

اللاجئون السوريون في تركيا

لم تكن دول الاتحاد الأوروبي لتهتم كثيراً لوجود مليوني لاجئ سوري على الأراضي التركية لولا تدفق بضعة آلاف منهم إلى أوروبا بطرق غير شرعية. دقت دول أوروبا جرس الإنذار، وكشفت عن مكنوناتها المكبوتة تجاه الإرث التاريخي في الصراع الإسلامي المسيحي، وما تلاه من حقبات استعمارية. وقامت الدنيا ولم تقعد خوفاً على الهوية المسيحية لأوروبا أو قلقا من تفكك دول الاتحاد وحرصا على الرفاهية للمواطن الأوروبي إذا ما استقبل بضعة آلاف ضاقت بهم الأرض. سهام الاتهام وجهت لتركيا بأنها تسهل مرور اللاجئين عبر أراضيها إلى دول الاتحاد، وهي التي أنفقت على اللاجئين السوريين ما يقارب 6 مليارات دولار، لم تتجاوز مساهمة المساعدات الدولية فيها 3 في المائة. كما أنها تُعتبر البلد الأبرز بين دول المنطقة في استقبال ومساعدة اللاجئين بشكل عام حيث قارب المليونين عدد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها وهو أعلى من أي عدد موجود في بلد عربي آخر باستثناء لبنان. وفي الوقت الذي كانت تقل فيه أعداد اللاجئين السوريين في تونس ومصر والأردن ودول الخليج كان العدد يزداد في تركيا. وبحسب إحصائية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين فإن أعداد اللاجئين السوريين في تركيا قفزت بأكثر من 200 ألف شخص منذ يونيو الفائت مقارنة بزيادة بلغت 14 ألفا فقط خلال الثلاثة أشهر السابقة على ذلك.تقول تركيا إنها حاولت أن توفر ما تستطيع من إمكانات لهؤلاء اللاجئين لكن صعوبات داخلية وخارجية حالت دون ذلك. والمدقق بإنصاف في وضع اللاجئين السوريين يرى أن جملة صعوبات وتحديات تواجه هؤلاء منها: تكاثر مافيات التهريب، مافيات التجارة بالأعضاء البشرية، مافيات النصب لسرقة أموال الراغبين بالهجرة، نمو الارتياب التركي من اللاجئين السوريين مع تزايد الضغط الاقتصادي، الاضطرابات الأمنية المتزايدة في تركيا الناتجة عن الصراع مع حزب العمال الكردستاني، تواجد السوريين الباحثين عن العمل بكثرة دفعهم للقبول بمرتبات قليلة مقارنة مع ما كان يتلقاه المواطن التركي، مما أدى إلى خفض الأجور، وزاد من نقمة شريحة واسعة من الأتراك على اللاجئين. يضاف لذلك تعامل الأحزاب السياسية مع ملف السوريين كقضية سياسية داخلية وليست إنسانية. فأحزاب المعارضة كحزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الحركة القومية" حاولت استخدام ذلك بجعل الهجوم على السوريين جزءاً من حملاتها الانتخابية.والسؤال المطروح لماذا زادت نسبة الهجرة من تركيا إلى أوروبا؟ وهل للدولة التركية دور في هذا الموضوع؟ الهجرة سرا من تركيا سببه الأكبر أن اللاجئين الذين قدموا إلى تركيا اتخذوها محطة عبور إلى أوروبا. واللاجئ السوري إلى أوروبا يبحث عن الرفاهية وليس الأمن على حد قول رئيس الحكومة المجرية.تركيا بعد أن أغلقت بوابتها الحدودية بوجه القادمين من سوريا وشددت التدابير الأمنية على حدودها، إثر إعلان الحرب على تنظيم داعش، بدأت بالتخلي عن التشديدات الأمنية تجاه تسلل السوريين نحو أوروبا على ما يقول منتقدوها، وباتت تتبنى سياسة الأبواب المفتوحة لكن نحو أوروبا. فهي لا تملك الحق بمنع أي لاجئ من مغادرة أراضيها، فكيف إذا كان يفرّ سراً بعيداً عن أعين السلطات؟ وهي تبحث دائماً على ضرورة إقدام المجتمع الدولي، وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي على الخطوات اللازمة لتقاسم عبء أكثر من مليوني لاجئ سوري وعراقي في تركيا.تركيا قلقة من أن يكون الغرب يبيت النية لاستنزافها عبر إغراقها باللاجئين من دول الجوار في الوقت الذي يتأفف من استقبال 150 ألف لاجئ فقط. لا شك أن أردوغان يريد أن يوظف ملف اللاجئين سياسياً بما يصب في رؤيته للقضاء على هذه الظاهرة. وهو أمر لا يخفيه، حيث قال في خطابه الأخير: إن حل مشكلة اللاجئين لا يمكن أن يكون عبر إغلاق الباب بوجههم أو وضع الأسلاك الشائكة على الحدود.. إنما حل القضية السورية يكمن في إسقاط نظام الأسد واستبداله بحكومة تحترم إرادة الشعب وواقع المنطقة، مكرراً عرض اقتراح رفضه الغرب لإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا لإيواء النازحين من أجل تقديم المساعدة في بلدهم لأولئك الذين يقرعون أبواب أوروبا.

356

| 19 سبتمبر 2015

في لبنان والعراق.. تململ أم موجة ثورية جديدة؟

كشفت الحراكات الشعبية التي ضربت لبنان والعراق عن وجود انسداد سياسي تام، تضاءل الأمل معه بوجود مخرج سياسي من الأزمات الموجودة. كما أبانت عن مدى الاحتقان الذي وصلت إليه المجتمعات التي قد يتطور حراكها إلى ثورات غير معروفة طبيعتها فيما لو استمر الوضع القائم على ما هو عليه. وهي قد تكون موجة جديدة من موجات الثورات التي اجتاحت العالم العربي بعد أن عجزت هذه الثورات عن تحقيق أهدافها أو سرقت أو انحرفت عن مسارها. ومن المثير للدهشة أن الجهات المنظمة لها والعناصر الفاعلة فيها أغلبهم من الجيل الذي ولد بعد الحرب في لبنان أو ممن لم يدرك حكم صدام حسين. وبالتالي لم يشعر بنفس القلق التي عاشته أجيال أخرى. ويملك من الجرأة في رفع الصوت واختبار بدائل جديدة أكثر من سابقيه الكثير. كما أن الحراك كان مدنيا تماماً تجلّت مطالبه بالمسائل الإنسانية البسيطة التي لا يختلف عليها اثنان، وهي تتجاوز الأيديولوجيات السياسية أو المطالب الفئوية والطائفية في أكثر بلدين عربيين معروفين بدور الطائفية في تشكيل حياته السياسية.. ثم إن الشعارات المرفوعة في كلا الحراكين شبيهة إلى حد كبير بالشعارات الأولى التي رفعت في ثورتي تونس و25 يناير في مصر. وغابت معها شعارات "يسقط النظام" وهي إن ظهرت فكانت بشكل خجول. كما أن طرحها أثار قلقا وامتعاضا عند بعض المنظمين، لأن المطالبين بها قلقون من تداعيات الفوضى. وهم لا يريدون ثورة جذرية بقدر ما يردون إصلاحاً شاملا في المنظومة التي تسيّر الدولة والمجتمع. والمراهنة على هذه الحراكات الشعبية في هذه المرحلة أمر فيه نوع من الاستعجال . لكنها قد تتطور إلى انتفاضات، قد تشبه في شكلها الانتفاضتين الفلسطينيتين. وحتى تصبح هذه التحركات العفوية حراكات شعبية ضاغطة، لا بد أن تتجاوز بعمق العقبات الاجتماعية والسياسية الموجودة في المجتمعات العربية. يلاحظ في الحالة اللبنانية أن خلفيات المنظمين للحراك الشعبي هم من أنصار أو من بعض المكونات التي تشكلت منها قوى 14 آذار عام 2005 فقد اكتشف جمهور هذه القوى أن شعاراته ولاءاته التي رفعها في 2005 تبخرت، وتم توظيفها بحرفية عالية في المحاصصة السياسية، وأن القوى الممثلة حاليا له في الحكومة متورطة في كل أشكال الفساد السياسي والمالي. كما أن الضائقة المالية التي يمرّ بها تيار المستقبل اللاعب الأقوى والممول الأبرز لجميع قوى 14 آذار لعب دوراً في صورة التململ التي أصابت الكثير من نخبها الفكرية والسياسية. بكل الأحوال، الحراك الاعتراضي نجح بإحداث اهتزاز كبير في الواقع السياسي والحزبي، موجدا حالة سياسية وشعبية جديدة من خارج الانقسام القائم. وفاتحا الباب أمام البحث في تطوير النظام السياسي والإسراع في معالجة الأزمات المختلفة.فهو أسهم في إعادة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. ولفت أنظار المجتمع الدولي إلى خطورة ما آلت إليه الأوضاع. إلا أن شخصنة الحراك كما بدا حاصلاً في الأيام الأخيرة من التحركات لحملات مثل "طلعت ريحتكن" سيّس الحراك، وقد يجهضه مستقبلا. ولعل الطبقة السياسية الحاكمة نجحت في جرفه نحو إما مطالب ضيقة على شاكلة الإصرار على استقالة وزير البيئة وإما خلق نزاع داخلي بين منظميه، يرافقه تشويه إعلامي متعمد، بأن سفارات ودول إقليمية صغيرة أو كبيرة أو رؤساء حكومات سابقة تقف وراءه، دون كشف عن أسماء هذه الجهات المتورطة أو تقديم أدلة دامغة تقنع الرأي العام اللبناني. وهناك لا شك محاولة حثيثة خارجية لتوظيف هذا الحراك. فدعوة فلتمان مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لبحث الوضع اللبناني مؤشر مقلق. وما يتم تداوله في الصحف اللبنانية عن رغبة دولية بخلق جبهة علمانية في لبنان تتجاوز التخندق الطائفي يقلق أكثر مما يطمئن، إذ يزيد من ريبة هذه الحراكات الشعبية. وتبقى الأسئلة الأكثر أهمية في المشهد: هل يمكن أن يُسهم الحراك الاحتجاجي في تغيير الواقع السياسي في كل من العراق ولبنان، وهل بإمكانه التمدد إلى بلدان أخرى؟ إلى أي مدى يبقى محمياً من التجاذبات الداخلية أو التوظيف الخارجي لصالح أجندات غير وطنية؟!

274

| 05 سبتمبر 2015

هل يكسب داعش المعركة الإعلامية؟

يتناول رافيل .ف.بيرل، متخصص فى سياسات مواجهة الإرهاب الدولي بمكتبة الكونجرس الأمريكي، في بحث له بعنوان "الإرهاب والميديا في القرن الحادي والعشرين" جدلية العلاقة والصراع بين السلطات الأمنية ووسائل الإعلام والتنظيمات المتطرفة، حيث تختلف رؤية كل طرف عن الآخر حول وظيفة وأدوار ومسؤوليات وسائل الإعلام عند تغطية أخبار التنظيمات المتطرفة وما ينتج عنها من تداعيات، وغالبا ما ينتهي التناقض بين الأطراف الثلاثة إلى تحقيق مكاسب هي لصالح الإرهاب. التنظيمات المتطرفة تسعى إلى الترويج لإيديولوجيتها عبر الإعلان المجاني الذي توفره وسائل الإعلام وهو ما يمنحها الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المجتمعات البشرية بسرعة قياسية ولغات متعددة وتكلفة مجانية مما يصعب تحقيقه بالاعتماد على وسائلها الذاتية. وهي غالباً ما تدرس إمكانية بث رسائل مشفرة وغير ملحوظة للجمهور المستهدف عبر تغطية الوسائل الإعلامية لنشاطاتها وأعمالها، في حين تسعى الحكومات وأجهزة الأمن لإيجاد أرضية للتعاون وكسب ولاء وسائل الإعلام حول تحديد أضرار الإرهاب، والترويج لإجراءات السلطة في مواجهة الإرهاب وأحيانا تسعى الحكومات لتوجيه الإعلام بشكل غير مباشر للنيل من القوى المعارضة لها عبر وسمها بالإرهاب أو فرض مصطلحات صحفية على وسائل الإعلام العاملة على أراضيها. أما وسائل الإعلام فهي عند تغطيتها الحدث الإرهابي تريد أن تكون أول من يعرف قصة الحدث الإرهابي وينشره فى وقته الحقيقي والفعلي تحت ضغط المنافسة الشديدة بين وسائل الإعلام بعيدا عن أي إملاءات غير مدرجة ضمن الخط التحريري التي تعتمده الوسيلة الإعلامية. التباين والتضارب بين الأطراف الثلاثة يؤديان إلى تزايد الاتجاه نحو سرية الحركات الإرهابية، حيث يحدث العنف، ولا يدعى أحد مسئوليته عنه، وبذلك تعطي فرصة أكبر لوسائل الإعلام في التخمين، والتضخيم والمبالغة في طلبات وأهداف الإرهابيين، فيتزايد الخوف والرعب منهم، وتزداد الأضرار الاقتصادية وخاصة في قطاع السياحة، وبالتالي تثار ردود فعل قوية من الحكومات إلى درجة تقييد حريات الأفراد. وتضعف الثقة بوسائل الإعلام التي قد تكون لعبت دورا غير مقصود في زيادة الإرهاب الذي يشرع في استهداف الصحفيين والإعلاميين والمفكرين الذين يتناولون قضاياه وتحديد المسؤولين عنه. لا شك أن إيلاء التنظيمات المتطرفة وفي مقدمها داعش للإعلام ووسائطه الجديدة الأهمية القصوى في الترويج لأطروحاته الإيديولوجية فكريا وعسكريا وسياسيا، دفعه بعض طول تجربة مع الإعلام وكيفية توظيفه لصالحك اعتماد على الآليات التي يعمل بها والميكانزمات التي تحكمه في تغطية الأحداث والتفاعل معها، وبعد دراسة متأنية نفسيا واجتماعيا وتاريخيا للمجتمعات العربية والغربية، يسعى تنظيم داعش عبر ما ينشره من إصدارات مكتوبة ومرئية ومسموعة لتمرير رسائل مشفرة وغير ملحوظة إلى الجمهور المستهدف. وبمقارنة هادئة لأغلب إصداراته على تنوعها وبعيدا عن مستوى الاحترافية الفنية للمادة نجد أن مضامين الرسائل غير المباشرة ترسم صورة كاملة للتنظيم ودولته وعمل أفراده والمناطق التي يحكمها. فالتنظيم يحرص على إبراز رجاله المحاربين دائما بلباس أسود (جلباب) ولحى طويلة وسلاح باليد ما يعزز الصورة النمطية الشبيهة بالصور العالقة في الأذهان عن أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما رسمها فيلم الرسالة وغيره من الأفلام التي تناولت تلك الحقبة من التاريخ. فإذا ما أتينا إلى المناطق التي يحكمها، فأغلب ما يبثه عنها من أحوال يظهر أنها دولة آمنة مباركة يأتيها رزقها رغدا، ففيها تحقق وعد الله فأقيمت خلافته، حيث يحكم شرع الله لا يزاحمه قانون أو وثن، وعدالة السماء تشق طريقها إلى عدالة الأرض فالناس سواسية لا وجود لطبقة اجتماعية تتمايز عن أخرى. فلا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى ولا فضل لرجل على امرأة إلا بما فضل الله بعضهم على بعض. والأمن والأمان صفتان ملازمتان لكل من يعيش تحت راية هذه الدولة، والعالم أجمع يحارب دولة الخلافة خوفاً من عودة سيادة الإسلام وخوفاً على مكتسباته التي كفلت له تفوقا على باقي الشعوب، النظام العالمي هو نظام مستبد وفاسد ومحتكر ومزور للتاريخ ومفقر لشعوب الأرض في سبيل حفنة من رجال الأعمال والمتنفذين والذي في غالبيتهم يهود وكفرة. أما شعار الخلافة "بقية وتتمدد": فهي باقية لأنها الأصلح والأفضل والمؤتمنة على تطبيق حكم الله على الأرض، وهي طمأنة لكل داعم لها أو منتسب، وهي تتمدد فلن تبقى حبيسة حدود مصطنعة من إنتاج تآمر سايكس-بيكو على الأمة الإسلامية وتقسيمها فيما بينهم، ولن تبقى بقعة تحت الشمس لن تصل إليها دعوة الخلافة ورايتها تحقيقاً لوعد الله في كتابه "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا" الآية. وقد تلقف متخصصون غربيون الرسالة المشفرة التي يبثها تنظيم داعش مع كل نشرة إخبارية تتناول أخباره ومعاركه.. ويجادلون أن داعش "نجح في خلق صورة نمطية سهلة وجاذبة، فهم عبر أفلامهم ومنتجاتهم الإعلامية الموجهة للغرب يقدمون جانبا من حياة محافظة بسيطة توحي بالألفة والروح المعنوية العالية، ومظاهر البطولة والتحدي والانتصار". فهل خسرنا المعركة إعلاميا مع التنظيم ؟ أم أن السياسات التحريرية المعتمدة وعدم وجود متخصصين في قضايا الإرهاب حال دون الدراسة المعمقة للتنظيمات المتطرفة وأطروحاتها قبل معالجتها إعلاميا ؟

388

| 29 أغسطس 2015

خيارات حماس

في قمة بيروت عام 2002، قدمت الجامعة العربية مبادرة للتصالح مع إسرائيل، تنص على الاعتراف بدولة إسرائيلية تعيش جنباً إلى جنب دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967. يتعهد العرب وفقاً للمبادرة بإقامة علاقات تطبيعية كاملة (اقتصادياً، سياسياً، ثقافياً) مع إسرائيل، بحيث تكون الأخيرة جزءاً من المحيط العربي. المبادرة العربية للسلام، كما وُصفت يومها، وتمسك بها العرب، وعلى أساسها تفاوض السلطة الفلسطينية اليوم، رفضها رئيس الحكومة ارئيل شارون مطلقاً عبارته الشهيرة بأنها لا تساوي الحبر التي كتبت فيه. المبادرة كانت فكرة سعودية، طرحها العامل السعودي الراحل الملك عبد الله حين كان ولياً للعهد. من ضمن ما قيل يومها: إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 شكلت إحراجاً كبيراً للسعودية أمام الإدارة الأمريكية التي كان المحافظون الجدد يديرونها إذ إن أغلب من نفذ وخطط ومول لتلك الهجمات، كان سعودي الجنسية. ثم جاءت اعترافات أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة مرفقة بلاءات جهادية " لن تنعم أمريكا بالأمن ما لم يعيشه أهلنا في فلسطين واقعا". أرادت العربية السعودية إظهار مرونة في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي على قاعدة أن القضاء على التطرف الديني يكون بحلّ هذا الصراع، وأن العرب يملكون من الجرأة للقبول بأقل مما كان يرفضونه في العام 1948، حين رفضوا خطة أممية تنص على قيام دولة إسرائيلية على جزء صغير من فلسطين إلى جانب دولة فلسطينية عربية على أغلب مساحة فلسطين التاريخية. المبادرة العربية لم تكن أول طرح عربي لحل القضية الفلسطينية. سبقتها اتفاقيات أوسلو مطلع التسعينات حين قبلت حكومة إسحاق رابين العمالية بدولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية تتم على مراحل تنتهي بإقامة دولة مستقلة. لكن اغتيال رابين، ومجيء الليكود مكن إسرائيل من التنصل من اتفاقاتها السابقة، وأجهض مشروع السلام العربي الإسرائيلي. وهكذا عند كل أزمة تضرب الشرق الأوسط، تُطرح حلول للصراع العربي الإسرائيلي. لكن المفارقة اليوم أن الأزمات، التي تضرب العالم العربي والمنطقة كلها، وهي أزمات عديدة وليست أزمة واحدة، كما أن المتضررين منها كلّ الدولة في الإقليم وليس بضع منها لم تستدع اجتراح أفكار جديدة للصراع مع إسرائيل. وهذا مؤشر يشي بتراجع أهمية القضية الفلسطينية عند صانع القرار العربي، وكذلك عند المجتمع الدولي. فالإرهاب والتطرف الديني، وتشكيل المحاور تحت مسميات براقة هو من يرسم خارطة الصراع ومدايات حدوده في المنطقة. المبادرة العربية للسلام التي لم يجن منها العرب أي نفع، ورفضها الإسرائيلي بالمطلق أصبحت أساسا في أي مفاوضات بحيث لم يعد من حق الفلسطيني المطالبة بأكثر من ذلك وإلا اعتبر متطرفاً وخارج عن الشرعية الدولية. وبهذا تُوصف اليوم حركات المقاومة الفلسطينية الرافضة لاتفاقيات أوسلو وما ترتب عليها من ملاحق. إشكالية المقاومة الفلسطينية المسلحة أن ثوابتها التاريخية انتهت محط انتقاد من النظام العربي الرسمي بما فيه جامعة الدول العربية التي اقتصر اعترافها على السلطة الفلسطينية ممثلا وحيداً للشعب الفلسطيني بعد إقصاء عملي لمنظمة التحرير التي هيمن عليها قيادة السلطة الحالية. وأضحت كرة الاختلاف والتناحر العربي - العربي أو العربي الإقليمي (التركي –الإيراني) تدوس ذهاباً وإيابا على جمجمة المقاومة لمّا يقذفها طرف لآخر. واستقرت القضية الفلسطينية مغيبة في أدراج الملفات الدولية العالقة إلى حين. وتحولت المقاومة التي كان أحرى بالعرب دعمها كورقة للتفاوض عبئا على النظام العربي الرسمي. وتقوم حالياً دول عربية بمحاصرتها أكثر مما تقوم إسرائيل تحت ذرائع متعددة. لا شك أن المقاومة الفلسطينية تدفع ثمنا كبيراً نتيجة التحولات التي ضربت العالم العربي منذ شرارة ثورة البوعزيزي في تونس. ولا شك أيضا، أنها أخطأت في بعض توجهاتها السياسية أو استعجلت تقييمها لمسار الثورات ومآلاتها، وانتهى بها الأمر معزولة في خندق داخل قطاع محاصر من السماء والأرض والبحر وهي تسعى جاهدة للخروج منه. يحكى اليوم عن مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لفك الحصار عن القطاع بوساطة توني بلير مبعوث الرباعية السابق لحل القضية الفلسطينية، سهام النقد لحماس كبير، كما أن حجم القلق داخلها تجاه اتخاذ أيّ قرار ضخم، لكن كلما تقدم الزمن كلما ضاقت خيارات الحركة، ولابد من مواقف حاسمة حتى لو استدعى الأمر تحولات فكرية، طالما أن البوصلة هي استعادة ما تبقى من الحق الفلسطيني.

472

| 22 أغسطس 2015

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4149

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1740

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1599

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1440

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1410

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

900

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

654

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

612

| 04 ديسمبر 2025

558

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية