رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يبدو أن تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف قبل نحو أسبوعين أن موسكو تأمل بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية، وهو المطلب الذي يطالب به الأكراد لم يأت في سياق المناكفة الروسية لتركيا ضمن سلسلة من الاستفزازات المستمرة منذ ثلاثة أشهر. يؤيد هذا التصور كلام رئيس الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية رياض حجاب الذي قال إن المعارضة رفضت مقترحاً روسيا بتحويل سوريا إلى دولة فيدرالية. الرؤية الغربية بشكل عام سواء كانت قادمة مما كان يعرف يوماً بالمعسكر الشرقي أو منطلقة من المعسكر الغربي على ضفتي الأطلسي، فإن الحلول التي تحملها دائما إلى مشاكل الشرق الأوسط المستعصية هي التقسيم. في لبنان جربنا شيئاً من هذا القبيل خلال الحرب الأهلية لكن المخطط لم يفلح لاعتبارات لا مجال لذكرها الآن. الولايات المتحدة كرّرت النموذج نفسه مع العراق ما بعد الاحتلال عام 2003. المشروع ما زال متعثرا، فلا العرب السنة يقبلون به وهم من يمثلون رأس الحربة في مواجهة المشروع الأمريكي في العراق، ولا الشيعة المهيمنون على الحياة السياسية يرتضونه حلاً.وحدهم الكرد في العراق وسوريا يدعمون عملية الفدرلة، كخطوة أولى نحو الاستقلال التام وتأسيس دولة كردستان الكبرى. لكن سوء حظ الكرد في الشرق الأوسط أنهم مقسّمون على جغرافية هي جزء لا يتجزأ من دول أربع، سوريا، العراق، تركيا وإيران. وإذا كانت الأحوال السياسية التي يمرّ بها العراق وسوريا لا تسمح لهما بمواجهة مشاريع الفدرلة والتقسيم، فإن إيران وتركيا، وهما اللاعبان الكبيران في المنطقة، لن يسمحا بتمرير هكذا مشروع لأنه سيكون على حساب دولتيهما أكثر ممّا سيكون على حساب العرب أنفسهم. إقليمياً هناك مستفيد وحيد آخر، لطالما كانت إسرائيل صاحبة طروحات التقسيم. ومشروع الفدرلة المطروح روسيا-أمريكيا تراه حلما طال انتظاره. في دراسة صدرت الاثنين الفائت لـ"مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية، تتحمس حكومة بنيامين نتنياهو لفكرة تقسيم سوريا لأنها تقلص مستوى المخاطر الاستراتيجية على إسرائيل مستقبلا. الدراسة التي تؤكد رغبة أمريكية روسية مشتركة لتقسيم سوريا تحثّ الحكومة الإسرائيلية للدّفع نحو تقسيم سوريا وفق المعايير الأمريكية، وليس الروسية التي قد تفضي إلى تحسين مكانة إيران هناك.وإذا كانت زيارة داود أوغلو إلى طهران مفاجئة تماما بقدر إعلان الرئيس روحاني بأنه يستعدّ لزيارة أنقرة قريبا، فإن التصريحات التي صدرت عن كلا المسؤولين لم تكن مفاجئة طالما أنّ ما ذلّل العقبات، وهدّأ من وتيرة القصف الإعلامي المتبادل بين الجارين هو استشعار عظم الخطر المحدق بهما.أبرز نتائج زيارة أوغلو لطهران اتفاق البلدين على إدارة خلافاتهما المتعلقة بأزمات المنطقة، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية، لاسيَّما مع وجود نقاط مشتركة إقليمياً، أهمها معارضة البلدين لـ "تقسيم سوريا". لا شك أن التقارب التركي الإيراني الأخير ناتج عن مخاوف الطرفين من مسألة نشوء كيان كردي في الشمال السوري، ما قد يؤثر بدوره على كلا البلدين بإثارة طموحات الأكراد فيهما. إيران متوجسة قطعا من الوجود الروسي في سوريا. لم يعد الأمر سراً ولا لغزاً. روسيا تقطف جهود إيران في سوريا وتتصرف بأنها السيد الأمر الناهي في أي حلّ سوري، حتى وإن تحدث الروس طويلا عن تنسيق مع الإيرانيين. يبقى الأمر مصروفاً في إتيكيت العمل الدبلوماسي. شيء مما سبق يظهر على لسان الرئيس روحاني "أبلغنا جميع الأصدقاء والجيران وروسيا والآخرين، صراحة، أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها، مبدأ يحظى بتأكيدنا، سواء فيما يتعلق بالعراق أو سوريا أو أي بلد في المنطقة، فالسيادة الوطنية ووحدة التراب أمر مهم بالنسبة لنا".الأتراك متوجسون هم بدورهم من الأمريكان وأجدادهم التاريخيين الأوروبيين. فلقد ذاق الترك والفرس مرارة التقسيم الذي فرضه الغرب عليهم وعلى العرب بالتنسيق مع روسيا القيصرية. لا مجال بتاتا لتكرار الأمر. قد لا يكون السيناريو أكثر من مقترح مطروح، لكن من ذاق طعم الحرق يوماً سيبقى يتحسسه في كل مرة يرى فيها ناراً متقدة. فهل الخوف من مشروع تقسيم جديد قد يقرّب وجهات النظر التركية الإيرانية ويسحب البساط من تحت القوى الدولية في حلّ قضايا المنطقة سوريا والعراق واليمن؟ نجاح الأمر مرهون بمدى نضوج الدبلوماسية التركية الإيرانية ومعهما الدبلوماسية العربية، تحديداً السعودية منها.
434
| 12 مارس 2016
إعلان وزارة الداخلية المغربية مطلع الشهر الجاري أن شبكة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي تمّ تفكيكها في 18 فبراير الماضي بمدينة الجديدة، كانت تمتلك أسلحة بيولوجية، يؤكد صحة المعلومات الاستخبارية التي كشف عنها مسؤولون غربيون من أن التنظيم الأم سعى لامتلاك أسلحة غير تقليدية عبر جذب خبراء عراقيين عمل بعضهم في هيئة التصنيع العسكري أيام الرئيس صدام حسين. وقد أنشأ لذلك فرعا مختصا بصناعة الأسلحة الكيميائية للحصول على سلاح غاز الأعصاب. وليس بعيداً عما سبق ادعاء القوات الكردية بتعرضها لغاز الخردل في معاركها ضدّ التنظيم في سوريا حيث أظهرت تحاليل غربية أن قذائف هاون أطلقت على القوات الكردية في شمال العراق عام 2015 كانت تحمل آثار خردل الكبريت. المواد الكيميائية المضبوطة مع الخلية المكونة من عشرة أفراد بينهم مواطن فرنسي تحتوي على مواد سامة بيولوجية، مصنفة من طرف الهيئات العالمية المختصة بالصحة في خانة الأسلحة البيولوجية الخطيرة، وذلك بالنظر لقدرة كمية قليلة منها على شلّ وتدمير الجهاز العصبي للإنسان والتسبب في وفاته، كما أن من شأنها تعريض المجال البيئي للخطر في حالة تسريبها عبر المياه والهواء.احتوت المضبوطات على أسلحة نارية ومعدات مصنوع قسم منها في العراق. وتمّ إدخالها إلى المغرب من ليبيا، بتنسيق مع قياديين لتنظيم الدولة في العراق وسوريا. وخطّط أعضاء الشبكة التي تنشط في مدن الصويرة، ومكناس، وسيدي قاسم، والجديدة لتنفيذ سلسلة عمليات تستهدف ضرب مؤسسات حيوية وحساسة. كما خططوا لاستقطاب المزيد من العناصر للانضمام لهذا المخطط التخريبي، في أفق خوض حرب عصابات واسعة النطاق بتأطير فعلي وميداني من طرف قياديين متمرسين.أهمية المعلومات التي كشفت عنها الأجهزة الأمنية المغربية أن الخلية المضبوطة تدرّبت في ليبيا بالقدر الذي يمنحها القدرة على المناورة والتخفي وتصنيع الأسلحة غير التقليدية التي ضبطت. وبما أن تنظيم الدولة يسعى جاهدا للحصول على أسلحة غير تقليدية فقد يكون وجد في ليبيا البيئة المثالية للحصول على أسلحة من هذا النوع لاسيَّما أنه يهيئ نفسه لمواجهة فاصلة مع الكتائب الثورية من ناحية، وضدّ التدخل الغربي المتوقع بريا من ناحية أخرى. تداعيات التحرك النشط لتنظيم الدولة في ليبيا سيكون واسعاً على الوضع الداخلي للمغرب التي هزتها تفجيرات عنيفة وقعت في مدينة الدار البيضاء عام 2003 مخلفة 45 قتيلا بمن فيهم المهاجمون الثلاثة عشرة الذين نفذوها. ورغم فاعلية المغرب في مواجهة الإرهاب من خلال اعتمادها سياسة استباقية ضد الأعمال التخريبية التي مكّنتها من تفكيك أكثر من 140 خلية إرهابية، واعتقال أكثر من 2200 شخص مشتبه فيه أو متهم، منذ سنة 2002 إلا أن عدد الخلايا التي تمّ تفكيكها ارتفع ثلاث مرات مقارنة مع السنوات السابقة. وفي وقت سابق من العام 2015 كشفت السلطات أن 1354 مغربيا يحاربون في صفوف جماعات مسلحة في سوريا والعراق وقد اعتقل منهم 220 عند عودتهم إلى المغرب وقتل 286. كما يضم التنظيم نحو 158 امرأة و135 طفلا مغربيا. ونظرت المحاكم المغربية في 413 ملفا لمتهمين في قضايا الإرهاب. وتمّ تنظيم 344 ملفًا على خلفية قضايا تتعلق بـ"مكافحة الإرهاب" خلال سنة 2015. وبالتالي فإن الكشف عن هذا العدد من الخلايا والمتهمين بقضايا الإرهاب يرفع درجة الإنذار عالياً لاسيَّما أن المغرب مفتوحة على دول تنشط فيها تنظيمات متعددة توصف بالإرهاب وتملك خبرات قتالية عالية ولديها تسليح جيد وإمداداتها من التمويل يكاد لا ينقطع اعتمادا على الفدى والتهريب بين المناطق.ولعل القلق المغربي من استفحال ظاهرة الإرهاب في عموم القارة الإفريقية وتمدده نحو الدول الأوروبية المطلة على القارة السمراء دفعها للتعاون الوثيق مع الدول الغربية في تكوين قاعدة بيانات للأشخاص المتورطين بالإرهاب أو المحتملين بالتحول نحو العنف المسلح. وقد أسفر هذا التعاون في إيقاف أحد أفراد "الخلية الكيمائية" بمدينة الناظور، تزامناً مع اعتقال 3 شركاء آخرين بمدينة سبتة الخاضعة للنفوذ الإسباني في المغرب. وكان للمغرب دور كبير في كشف هوية عدد من منفذي هجمات باريس الأخيرة. كما ساعدت في القبض على عدد من الفارين في مدن بلجيكية. فهل سينجح تنظيم الدولة في تحقيق مآربه في دول شمال إفريقيا أم أن خبرات بعض الدول مثل الجزائر والمغرب وإصرار تونس على المواجهة الكاملة معه قد يقضي على آمال التنظيم في خلق بيئة مشابهة لما كان عليه تنظيم القاعدة في تلك المنطقة؟
394
| 05 مارس 2016
السؤال عمّا إذا كان الغرب سيتدخل في ليبيا بعد تدفق سيول التصريحات القادمة من شمال المتوسط ومن غرب المحيط الأطلسي التي تدور حول تنامي الخطر الشديد لتنظيم الدولة الإسلامية، ليس هو جوهر الموضوع في المسألة الليبية، رغم أن أغلب المتابعين لديهم قناعة راسخة أن الغرب هيّأ الأجواء وأعدّ الخطط لتدخل عسكري واسع هناك. عملياً التدخل الغربي في ليبيا لم يتوقف يوماً، منذ أن تحصّلت الولايات المتحدة وفرنسا على قرار من مجلس الأمن الدولي عام 2011 يبيح لحلف الأطلسي التدخل لإسقاط الرئيس معمر القذافي عسكرياً تحت ذريعة حماية المدنيين من كتائبه العسكرية، إلا أنه يرتدي شكلاً مختلفاً في كل مرحلة، آخذًا بالاعتبار حجم التحولات في الداخل الليبي وجواره لاسيما في دول الثورات العربية. التدخل الخارجي في بلد ما ليس مذموما لذاته ولا محمودا. في البوسنة والهرسك وبعض دول إفريقيا التي شهدت نزاعات أهلية، كان التدخل الخارجي محمودا لحقن شلال الدماء وحفظ ما تبقى من التنوع الإثني والديني والحيلولة دون مزيد من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وهي حالات قليلة، على كل حال ، قياسا إلى ما سببه التدخل الغربي في دول أخرى، وما ألحقه من أذى بحق المجتمعات.غالبا ما ينتهي التدخل الخارجي المنطوي على أجندات خفية إلى وبال على الدولة المنتهكة حرمتها وشعبها من ناحية وعلى الدول الغازية نفسها التي يتحول مجال تدخلها إلى مستنقع استنزاف اقتصاديّ وعسكريّ وسياسيّ لا يتوقف من ناحية أخرى. ألم يكن التدخل الخارجي في أفغانستان والعراق على تلك الحال من السوء؟سهلٌ على الغرب اتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر والواسع في ليبيا، لكنه يعلم تماما أن قرار الحرب أسهل بكثير من قرار وقفها، وأنه قد يكون درس بعناية تامة الحاجيات اللوجستيّة والتسليحيّة وفاتورتها التشغيلية لكنه بالتأكيد لن يكون قادراً على التنبؤ الجيد بمسارها ولا بحدود توسعها ولا بفترتها الزمنية. من كان يعلم في البيت الأبيض أن التدخل لإسقاط صدام حسين عام 2003 سيُلزم الولايات المتحدة تحمل فاتورة الحرب حتى عامنا هذا وربما لأعوام قادمة كون الأمور لم تتحسن قط في البلاد منذ سقوط بغداد. وما الزلزال الذي يضرب سوريا اليوم إلا ارتداداً من الزلزال العراقي ذاته.إن تدخلا عسكرياً مباشراً في ليبيا غير محسوب النتائج وغير مدروس بعناية وغير قائم على تجنب أخطاء التجارب السابقة من شأنه إشعال برميل البارود المتبقي في المنطقة. وتداعياته لن تقتصر على شمال إفريقيا بل ستضرب عمق أوروبا في الصميم كون ليبيا من أكثر الدول العربية قرباً للجغرافيا الأوروبية بعد المغرب. والطبيعة المكونة للشعب الليبي وما ألحق نظام القذافي به من مصائب خلال عقود حكمه أفقدته ثقته بالمنظمات الدولية ورسخت لديه قناعة لا تتزحزح أن العالم طامع بثرواته النفطية التي لم يهنأ الشعب الليبي بها يوماً منذ اكتشافها، وأن قوة السلاح فقط هي من تحمي حقوقه في وجه أيّ حيلة خارجية لتدجينه وسرقته أو تخطيط خبيث بصنع نظام ديكتاتوري يُفصّل لحكم البلاد ويُسخّر أساساً لنهب خياراتها وتقاسمها مع الغرب مقابل منح الغرب له الشرعية من ناحية، وترويجه لفكرة حماية الغرب من تطرف شعبه المتزمت والمتخلف ديمقراطياً، وغير القادر على الانضباط بالقوانين الناظمة لسلوكه في دولة متحضرة من ناحية أخرى، وهي سيناريوهات تتكرر دائماً في دول العالم الثالث.إذا كان التدخل العسكري المباشر مجدداً هو للهيمنة على النفط أو لنصرة طرف على آخر من المكونات العرقية أو الجهوية أو السياسية أو للقضاء على جميع الفصائل الإسلامية دون تفريق بين من تعمل على بناء دولة المؤسسات وتؤمن بشرعية الصندوق في الانتقال السلمي للسلطة وتحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الدول وبين تلك التي لا تكفر بكل ما عداه من حركات وتنتهج العنف المسلح ضد خصومها، أو من أجل تنصيب نظام حكم غير ما كان يتطلع إليه الشعب في ثورة 17 فبراير أو وقع التدخل دون تنسيق مع دول الجوار الليبي مثل مصر وتونس والجزائر فسيكون الغرب قد جرّ نفسه إلى أغبى سيناريو للتخريب والتدمير.
489
| 13 فبراير 2016
قبل يومين، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من قتل القيادي في تنظيم القاعدة جلال بلعيدي الملقب بـ"أبو حمزة الزنجباري" في غارة لطائرة دون طيار في منطقة مراقشة الجبلية في محافظة أبين جنوب اليمن. جاء ذلك عقب سيطرة التنظيم على مدينة عزان في محافظة شبوة جنوب شرق البلاد. وقد برزت شخصية بلعيدي إلى واجهة الصراع مع القوات الحكومية في 2011 بعيد هيمنة عناصر القاعدة على محافظة أبين، حيث عيّن بعد ذلك أميرا لها كولاية تابعة للتنظيم. وينسب له أتباعه المسؤولية في شن عدد من الهجمات الواسعة ضد مقرات عسكرية ومدنية تابعة للحكومة اليمنية. وقد أشاد في أغسطس 2014 بأفراد مجموعة مسلحة في القاعدة قامت بقتل 15 جنديا يمينا بعد خطفهم في محافظة حضرموت.باغتياله تكون الولايات المتحدة أزاحت عضوا جديدا من القيادات المطلوبة لها في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية المصنّف في أعلى سلم الخطر في قائمة فروع القاعدة حيث أعلنت واشنطن في أكتوبر 2014 عن مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يساعد في اعتقال بلعيدي. كما تمكنت قبلاً من قتل ناصر الوحيشي زعيم التنظيم في اليمن والرجل الثاني في تنظيم القاعدة العام بعد أيمن الظواهري، في يونيو 2015 بطائرة دون طيار قبل أن يحلّ محله قاسم الريمي الذي يقود التنظيم من حضرموت التي سيطر عليها أنصاره منذ أبريل 2015.عدد الضربات الأمريكية في اليمن بلغت أكثر من 120 ضربة منذ العام 2002 وإلى يومنا هذا. وقد تكثف بشكل ملحوظ منذ بدء العام الجاري حيث بلغت 36 عملية، مستهدفة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية. وقد أعطت الولايات المتحدة أهمية قصوى لمواجهة تنظيم القاعدة في اليمن بعد تصدر أنور العولقي الأمريكي الجنسية قيادة التنظيم. وتولت المخابرات المركزية الأمريكية مهمة جمع المعلومات وتحليلها وتنفيذ الضربات المطلوبة مستخدمة قاعدة سرية للطائرات دون طيار، أنشئت في المنطقة في ديسمبر عام 2009. وكان باكورة عملها اغتيال العولقي رفقة الخبير الإعلامي في تنظيم القاعدة سيمر خان في سبتمبر 2011.ورغم الإعلان عن مقتل أكثر من 60 عنصرا من القاعدة في اليمن إلا أن هذه الضربات لم تثن التنظيم عن الاستمرار في عملياته ولم تؤثر في هيكليته ولا في قدرته على التحرك. فقد تم اغتيال العقيد عبد الجابر عبد الرزاق، مدير التدريب في الشرطة العسكرية في العاصمة صنعاء بعد يوم واحد من اغتيال مدير استعلامات الاستخبارات اليمنية العقيد محمد العريج.نجح تنظيم القاعدة في استغلال حالة الفوضى السائدة في اليمن منذ تفجر الصراع بين الحوثيين وقوات الرئيس هادي في مارس 2015، ليستولي في الشهر التالي على المكلا كبرى مدن محافظة حضرموت. وتمدد التنظيم إلى مناطق يمنية أخرى إذ تمكن في الأيام الأخيرة من السيطرة على مدينة عزان التي تربط بين مدينة عتق عاصمة شبوة وكبرى مدن محافظة حضرموت المكلا.وإزاء عجز واضح أمريكي ويمني في مواجهة تنظيم القاعدة الذي نشأ عام 2009 باندماج الفرعين السعودي واليمني للقاعدة، فقد برز تنظيم الدولة الإسلامية كمنافس شرس للقاعدة. ووقعت صدامات بينهما لكنها لم تصل مستوى الصراع المفتوح كما هو حاصل في سوريا. وقد قام تنظيم الدولة في الأشهر الأخيرة بسلسلة هجمات خاصة في عدن العاصمة "المؤقتة" للحكومة. وكانت أولى هجماته في اليمن في 20 مارس 2015 عندما استهدف مسجداً يرتاده الحوثيون في صنعاء مخلفاً 142 قتيلاً قبل أن يوسع نطاق عملياته في الجنوب، حيث تبنى في 6 أكتوبر4 هجمات انتحارية استهدفت مقر الحكومة ومقار للتحالف العربي، وفي 6 ديسمبر الفائت تبنى تفجيرا بسيارة مفخخة أدى إلى مقتل محافظ عدن. ومع تطور الأحداث في اليمن بات من المرجح أن تنظيمي القاعدة والدولة لم يعد من الممكن القضاء عليهما عسكرياً. ومصير العمليات الأمريكية آيلة إلى الفشل هناك إذا ما اقتصرت إستراتيجية المواجهة على الطائرات دون طيار فقط.
632
| 06 فبراير 2016
خلافًا لما يقول كثيرون، لا تبدو المؤشرات على مغادرة الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط بهدف التفرغ للصراع مع الصين والهند في آسيا كافية للبناء عليها باعتبارها أمرًا متفقًا عليه في استشراف مستقبل المنطقة وهوية القوى المؤثرة فيها. الشرق الأوسط سيظل منطقة حيوية للولايات المتحدة خلال السنوات القادمة، وإن اختلفت المقاربة الأمريكية في كيفية تحقيق مصالحها، وتبدلت أوجه النفوذ المطلوب.المؤكد أن استراتيجية بارك أوباما خلال سنواته المنصرمة مثلت نقيضًا لاستراتيجية سلفه جورج بوش التي تُرجمت بالتورط المباشر في الملفات الساخنة التي تمثل تهديدًا للولايات المتحدة، فاندفع غازيا أفغانستان والعراق، وأجهض مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لصالح اليمين المتطرف. إدارة أوباما قامت على تبريد الملفات الساخنة، وسحب جيوشها من البلدان التي احتلتها، والسعي لإدارة المنطقة من بعيد بما يؤّمن مصالحها دون أن تتورط بما تورطت به في العراق وأفغانستان. الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة تنظيم داعش والقاعدة تجلّت خلال إدارة أوباما باستعمال الطائرات من دون طيار، والقيام بعمليات عسكرية محدودة خاطفة وسريعة تقوم بها فرق كوماندوز، وتوفير مستشارين لجيوش صديقة، والتشجيع على وجود جيش إسلامي مكوّن من دول عربية وإسلامية لإنجاز الحلّ العسكري المطلوب في القضاء على التنظيمات المتطرفة. لكن المؤشرات الأخيرة توحي أن أمرًا ما طرأ على استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة التنظيم. لقد جاء دخول الولايات المتحدة المنطقة خلال التسعينيات وما بعدها بذريعة مواجهة نظام صدام حسين، وها هي اليوم تعود للمنطقة من أوسع أبوابها بحجة مكافحة الإرهاب. ظهور داعش في العراق وسوريا ساعد الولايات المتحدة على العودة إلى المنطقة من الباب الواسع، وبسط نفوذها بأساليب جديدة بعد أن كانت على وشك الخروج التام من العراق بناء على اتفاق موقع مع الحكومة. في ليبيا اليوم، يتمّ الحديث بشكل واضح عن الإعداد الحثيث لتدخل أطلسي جديد تقوده الولايات المتحدة لمواجهة التنظيمات الإسلامية الرافضة للعملية السياسية التي يرعاها المجتمع الدولي. وقد شرعت تنظيمات داعش والقاعدة في الاستعداد لمواجهة التدخل الغربي المحتمل، ومن يتابع ما تنشره حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي يدرك أن هؤلاء يأخذون الأمر على محمل الجدّ، وهم يحضرون أنفسهم لمعارك استنزاف طويلة مع القوات الغربية التي ستدوس التراب الليبي. أما في العراق فقد كان واضحًا لوزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر أن بلاده ستنشر قوات برية في إطار استراتيجية الحرب على تنظيم داعش في العراق وسوريا، وأن قوات أميركية خاصة قد بدأت بالفعل الانتشار في شمالي العراق لتدريب قوات الأمن هناك وقطع طرق الإمداد بين العراق وسوريا. وإذا ما عطفنا تصريحات كارتر الأخيرة على ما أكده هو في نوفمبر الفائت بدخول عسكريين أمريكيين إلى مناطق حدودية مع تركيا يسيطر عليها الأكراد لتدريب ودعم المقاتلين الأكراد في عمليات ضد داعش، في إشارة واضحة لما قيل عن انتشار عسكري أمريكي عند سدّ تشرين في سوريا، تصبح المعلومات المسربة عن إعداد الولايات المتحدة قاعدة عسكرية جوية لها في شمال سوريا صحيحة. وهو ما كشفت عنه صحيفة التايمز البريطانية قبل أن يؤكد مصدر عسكري سوري بحسب ما نقلت وكالة فرانس برس أن قاعدة عسكرية في منطقة تدعى أبو حجر جنوب رميلان في ريف الحسكة يقوم على تجهيزها الأمريكيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر، حيث تضم عشرات الخبراء الأميركيين. وهي معدة لاستقبال مروحيات وطائرات شحن حيث سيبلغ طول مدرجاتها 2700 متر. مع عودة الحديث عن انتشار عسكري غربي في كل من العراق وسوريا وليبيا وربما دولًا أخرى، نكون قد دخلنا في فصل جديد من فصول الصراع في الشرق الأوسط والمغرب العربي، وسيصبح السؤال الأكثر طرحًا وتداولًا بين الناس: هل يهدف هذا الانتشار المتوقع إلى القضاء على تنظيم داعش كما تعلن الولايات المتحدة صراحة؟ أم سيكون أبرز تجلّيات المخطط الذي يهدف لرسم خارطة جديدة لدول المنطقة وفقًا لما يقوله المرتابون من هذا الحضور الكثيف للغرب في المنطقة؟
364
| 30 يناير 2016
تتوقع مراكز الدراسات الاستشرافية أن يكون العام 2016 على درجة مماثلة من السوء والتأزم التي طبعت العام المنفرط عقده أو ربما يكون أكثر سوءا، إذ إن مؤشرات الأحداث في سوريا والعراق تشي بمزيد من التأزم خلال الشهور القادمة.عقب سيطرة الجيش العراقي على وسط مدينة الأنبار بعد انتزاعها من تنظيم داعش، وعد رئيس الحكومة حيدر العبادي أن العام الجاري سيكون عام الانتصارات وسيخرج داعش من الموصل بعد هزيمته فيها. يبدو أن العبادي متفائل أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية لناحية الوعود التي قطعها على نفسه، لاسيَّما وأن المعلومات الغربية لا ترجح خوض معركة الموصل خلال العام الحالي، على الأقل لحين انتهاء ولاية أوباما، ومعرفة الإدارة التي ستخلفه، ونوع الإستراتيجية التي ستعتمدها في الشرق الأوسط.في العراق، حقق الجيش إنجازات لافتة في معركة الأنبار لكنها لم تكن بالحجم الذي أعلنت عنه الحكومة، ولا يمكن الجزم أن الأنبار بمأمن من عودة تنظيم داعش إليها مرة أخرى. وتفيد التحليلات الغربية أن إدارة المعارك ورسم الخطط وتوجيه الفرق العسكرية كانت أمريكية مائة بالمائة. يضاف لذلك اعتماد العمليات العسكرية بشكل كلّي على المعلومات التي كانت تجمعها أقمار التجسس الأمريكية والطائرات المسيرة، مصحوبة بفرق كوماندوز أمريكية، نفذت عمليات محدودة جداً وفي إطار بالغ السرية، فضلاً عن مئات المستشارين الغربيين في مسرح العمليات.ما تحقق في الأنبار لن يكون كافياً للقضاء على تنظيم داعش في الموصل كما وعد العبادي، والأمر يتطلب تعاوناً مشتركاً بين العراق والدول الإقليمية الفاعلة التي تملك تأثيراً واضحاً في الداخل العراقي، وفي إطار التنسيق التام للولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب. ومن المُستراب أمريكيا في قدرة العراق على مواجهة داعش هو الجيش العراقي نفسه حيث تشير الدراسات الغربية أنه لم يبن بطريقة محترفة، وأنه يعاني من درجات قصور متعددة ليس لناحية التجهيز وإنما لناحية التحكم والسيطرة عليه. وهذا لن يسمح له القيام منفرداً بمهمات قتالية تحقق انتصارات وإنجازات حقيقية ودائمة في مواجهة تنظيم داعش. وما زاد القلق أكثر أن الجيش العراقي ظهر ضعيفاً جداً أمام المليشيات الطائفية والعرقية وتأثيره محدود للغاية في حماية المناطق المحرّرة من تنظيم داعش.الولايات المتحدة تجد نفسها أمام مأزق كبير بعد إبعاد تنظيم داعش من المناطق التي توسع إليها خلال العام 2014. ففي شمال العراق حيث المناطق، التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم قبل أن تطرده قوات البشيمركة الكردية، تعرضت لعمليات ترحيل قسري، وتدمير آلاف البيوت التي تعود ملكيتها لعرب، ومنع العوائل العربية من العودة إلى سكناها بعد تحرير المناطق من تنظيم داعش. الأمر الذي أثار منظمة العفو الدولية التي حذرت المجتمع الدولي من جرائم حرب ترتكبها هذه المليشيات. الحال عينه تكرر في المقدادية، حيث المليشيات الطائفية مارست القتل والتدمير والتهجير وحتى بيوت الله الآمنة لم تسلم منها. أحداث مهولة وجدت المكونات السنية المشاركة في العملية السياسية نفسها مضطرة لتجميد عضويتها في البرلمان والحكومة لحين اتخاذ الحكومة خطوات جدّية للحدّ من التطهير المذهبي في المقدادية. وفي حال استمرت عمليات التطهير العرقي والديني وعجزت الحكومة عن مواجهته، فالأرجح أن داعش سيعود ويتمدد لمناطق ربما أبعد مما وصل إليه توسعه عام 2014.يوما بعد يوم ترتبط الأحداث وتتداخل مآلاتها بين العراق وسوريا، وأيّ تطور باتجاه الحلّ السياسي في سوريا سيترك أثره على الوضع العراقي. والعكس صحيح. وإذا ما تأملنا المشهد السوري، فالأرجح ألا تؤثر المفاوضات التي ستجري بين النظام والمعارضة برعاية دولية خلال الأيام القليلة القادمة في تخفيض منسوب الصراع. فالحرب ستستمر، وربما تزداد شراسة، وقد نشهد تدخلات إقليمية جديدة. وهناك توقعات أن تتورط تركيا عسكريا في شمال سوريا في حال تيقّنت من نية الأكراد تشكيل كيان لهم مستقل عن سوريا. باختصار لا يبدو أننا على مشارف تغيير ملحوظ للأحسن في الوضعين السوري والعراقي، وليس هناك ما يشجع للاعتقاد أن نفوذ تنظيم داعش في كلا البلدين سيتضعضع بشكل كبير. فالتنظيم يزداد انتشاراً كلما تأزمت الحلول السياسية، وتدحرج الصراع السياسي إلى أبعاد طائفية وعرقية.
319
| 23 يناير 2016
حسمت التصريحات التركية الرسمية التكهنات حول هوية منفذ الهجوم على منطقة السلطان أحمد في مدينة إسطنبول. داعش هو المسؤول عن العمل الإجرامي. كما أنه المسؤول عن سلسلة هجمات دموية أخرى وقعت سابقاً. الأرجح أن العمل الإرهابي لن يكون الأخير الذي سيستهدف الاستقرار التركي خلال العام الجاري. وأن ما ذهب إليه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بقوله: إن تركيا أضحت الهدف الأول لكل التنظيمات الإرهابية في المنطقة هو صحيح. كما لا يستبعد البعض أن يكون هناك تنسيق وتوظيف متبادل بين الجهات المتطرفة للنيل من الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم، وفقاً لما تقدمه الصحافة التركية القريبة من الحكومة. لا قلق على الاقتصاد التركي من الانهيار أو التباطؤ الحاد نتيجة العمليات التخريبية.. فأنقرة تحقق منذ سنوات معدلات نمو هي الأعلى في الإقليم. كما أنها تسير وفق خطة موضوعة بشكل علمي وواقعي باتجاه غايات يراد تحقيقها عام 2023. لكن العام 2016 لن يكون سهلاً على الحكومة التركية، ولا على أهدافها الموضوعة. قبيل نهاية العام 2015 تمكنت الحكومة التركية من تجاوز تحديات عدة، ودشنت تفاهمات جديدة مع شركائها التقليديين. فقد تخطت شرط المشاركة السياسية مع الأحزاب التي تعترض على كامل توجهاتها السياسية داخليا وخارجياً بعد أن فاز "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. عوّل الناخب التركي على الاستقرار السياسي والاقتصادي. وكان الأمر بالنسبة له كافيا لإعادة انتخاب "العدالة والتنمية" الذي وعد ناخبيه بالحفاظ على هذا الاستقرار، متعهدا في الوقت عينه بالقضاء على الإرهاب.. رغم ذلك، تبدو الحكومة التركية شاخصة أمام تعهد قد يكون أكبر من قدرتها على مواجهته بمفردها، لأن الإرهاب ببساطة ليس وليد ظروف داخلية تركية، ولا هو ينشط على أراضيها فقط، كما أنها ستجد نفسها مضطرة للتعاون مع دول مثل روسيا إذا ما أرادت الحدّ من تدفق الإرهاب المنطلق من سوريا إلى أرضيها. قضت التفاهمات الأوروبية التركية بخصوص أزمة اللاجئين السوريين أن تعمل أنقرة على إبقاء اللاجئين داخل أراضيها بعد الحدّ من تدفقهم إليها، ومنها إلى دول أوروبا، وانتهاج سياسات جديدة تجاه اللاجئين كان من بنودها، فرض تأشيرة دخول على حاملّي الجنسية السورية، منح المقيمين على أراضيها أذون عمل، تقديم المزيد من الرعاية الصحية والتعليمية للعوائل السورية، في حين تتعهد أوروبا بتقديم مساعدات مالية تربو على ثلاثة مليارات يورو، وإسقاط شرط الحصول على تأشيرة سفر للموطن التركي الراغب في دخول الاتحاد الأوروبي، وفتح فصول جديدة في ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد أن جمّد الملف لأكثر من سنتين، وتوقف دول الاتحاد عن نقد تركيا في مواجتها المفتوحة مع حزب العمال الكردستاني. المتأمل في هذه التفاهمات يدرك أن الاتحاد الأوروبي حرص على إبقاء الأزمة داخل تركيا، فهو في حقيقة الأمر لا يقدم لتركيا ما تحتاجه في مواجهة داعش. كما أن واشنطن، الحليف الأبرز لأنقرة، تراجعت كثيراً تجاه التزاماتها في حلّ الأزمة السورية.لعل من أكبر التحديات التي تواجه تركيا في مواجهة داعش هو عجزها عن توجيه ضربات جوية إلى أماكن وجود التنظيم بعد الأزمة التركية الروسية على خلفية إسقاط أنقرة للطائرة الروسية. في هذه الحال سيبقى التنظيم الموجود بالقرب من حدودها يوجه عملياته التخريبية إلى أراضيها، غير مكترث بالغضب التركي طالما أن الطلعات الجوية التي تستهدف المعارضة السورية المسلحة تساعده على التمدد باتجاه الحدود التركية. مواجهة الإرهاب المتزايد داخلياً على يد حزب العمال الكردستاني الذي يلتجئ إلى الجبال الواقعة بين تركيا والعراق أو ذلك القادم من وراء الحدود مع تنظيم داعش، يتطلب من الحكومة التركية تقديم مقاربة جديدة تتسم بمزيد من النشاط الاستخباري، مع تفعيل الدبلوماسية التركية تجاه دول الإقليم، مع المزيد من العمل لحماية الحدود التركية من أي اختراق. وإعادة ترتيب العلاقة مع موسكو التي تمتلك أوراقا عديدة قد تستنزف تركيا، سواء في ملف العمال الكردستاني حيث يُحكى عن دعم سري مقدم له، أو في الأزمة السورية حيث تتفق جميع القراءات على أنها مستمرة خلال العام 2016. وقد تزداد سوءاً عما كانت عليه عام 2015.
379
| 16 يناير 2016
ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب ليست جديدة على الإطلاق. لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تخرج من دائرة المراكز البحثية إلى فضاءات أوسع حيث تختلط السياسة بالشعوذة. ويمارس باسمها أصناف شتى من التحيز والتمييز. جديد هذه الظاهرة ما أدلى به الرئيس التشيكي "ميلوش زيمان" في مقابلة إذاعية الأسبوع الفائت حيث أكد أن جماعة الإخوان المسلمين هي من تقف وراء موجة اللاجئين بأوروبا، لتتمكن من حكم القارة بشكل تدريجي. وأنها تدير شبكة مهربين تعدّ بالآلاف تنتشر في تركيا ودول أخرى من أجل غزو أوروبا لتعويض عجزها عن هزيمتها عسكرياً نظراً للتفوق النوعي عند الأوروبيين. وكان سلفه الرئيس "فاتشلاف كلاوس" عبر عن تخوفه من اللاجئين المسلمين في أوروبا لصحيفة ليدوفه نوفيني، بالقول: جحافل من البشر يأتوننا من قارات أخرى سيدمرون ثقافتنا وحضارتنا وأسلوب حياتنا الغربي.على المستوى الشعبي، بدأت تتأطر الأفعال العنصرية، التي يمارسها في الغالب شبّان يافعون، في أحزاب وجمعيات تحوز الترخيص الرسمي. كما أن الظاهرة بدأت تنتقل من بلد إلى آخر ضمن الفضاء الأوروبي على شاكلة الحركة العنصرية الجديدة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" وتعرف اختصارا باسم "بيغيدا" التي ولدت في ألمانيا، وتوسعت لتنشأ أفرعا لها في الدنمارك والنرويج. وقد تمكنت مؤخراً من تأسيس فرع رسمي لها في بريطانيا في حفل أقيم بمدينة لوتن في مقاطعة "بيدفوردشير"شمالي العاصمة لندن. قال فيه مؤسسها "تومي روبنسون": "لدينا مشكلة إيديولوجية متعلقة بالإسلام في هذا البلد، ونريد أن نقاوم في بريطانيا كما قاومت بيغيدا ضد غزو اللاجئين الموجود حالياً في ألمانيا".هل هذا سيحملنا على تصديق ما ينقله نشطاء حقوق الإنسان من أن خفر السواحل اليونانية كانت تعمد إلى تخريب زوارق اللاجئين السوريين وسط البحر لتتركهم لمصير غامض غالبا ما ينتهي بالغرق؟! أو يفسر لنا خلفيات الاعتداءات المتكررة على مآوي اللجوء في ألمانيا بما فيه إطلاق نار؟ أو يفسر لنا كيف أن مجموعة مؤلفة من قرابة 150 شخصاً مدججين بالأسلحة الآلية يواصلون احتلال المبنى الحكومي في مقاطعة هاريس التابعة لولاية أوريغون غربي الولايات المتحدة الأمريكية لليوم السادس على التوالي، دون أن توجه لهم تهم بالإرهاب؟.نتساءل هنا: لو كان بينهم مسلم واحد، هل كانت الدول العربية والإسلامية ستضطر أن تدين عبر بيانات مكتوبة أو تصريحات رسمية هذا الفعل وأن تجهد في الفصل بينه وبين الإسلام؟. وهل كان الإعلام الأمريكي سيكفّ عن الحديث عن مستقبل الحضارة الغربية المهددة من الأصولية الإسلامية؟ وهل كانت ستزداد وتيرة حوادث الاعتداءات المتكررة على ما يشتبه بهم أنهم من أصول عربية وإسلامية؟ نجد أنفسنا دائماً أمام إشكاليات متعددة في تفسير ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الغرب.. فالأخيرة لم تولد قطعاً مع ولادة "الإخوان المسلمين" عام 1928، ولا مع ظهور الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ولا مع ظهور تنظيم القاعدة وفروعه بعد التسعينيات وإلى اليوم.. وإنما هي في جزء كبير منها حبيسة التصورات الموغلة في القدم، والتي تعود جذورها إلى الحروب الصليبية التي فجر قنبلتها البابا "أوروبان الثاني" عام 1095. ومخيالها ما زال يهيمن على العقل الغربي بدرجات متفاوتة. ويرفض على ما يبدو تجاوز هذه العقدة. التصورات غير الواقعية طبعت العلاقات الإسلامية الغربية بالتوتر الدائم. الأمر الذي ترك أثره حتى على المواطن الغربي المنحدر من أصول إسلامية.. ومثال عليه واقع المغاربة في فرنسا، حيث يتعذر على شريحة واسعة منهم الاندماج في المجتمع الفرنسي لأسباب ليس كلها مرتبطة بعدم رغبته هو في الاندماج أو التأقلم مع الثقافة الغربية. وإنما لأسباب تعود للتوجس والريبة المهيمنة على السياسات الحكومية تجاه هذه الشريحة من المواطنين، فهي غالبا ما تستحضر الموروث التاريخي بين الشرق والغرب، وتختزل الموطن المنحدر من بلاد الجنوب في البعد الديني الذي يستحيل قفصاً زُج به دون رغبة منه أو إدراك. وإذا كانت السياسات الفرنسية متفهمة لدى البعض الذي يضعها في سياق الاضطرابات الأمنية التي تعرضت لها البلاد نتيجة تورط بعض المسلمين بها، فهل هناك مبررات عند بقية الدول الأوروبية مثل التشيك أو اليونان أو غيرهما، مثلا؟.
419
| 09 يناير 2016
وصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام2015 أكثر من 30 ألف مهاجر يهودي جديد، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 10% عن العام 2014 الذي هاجر فيه 27500 إلى إسرائيل.. وهو أعلى مستوى تصل إليه الهجرة إلى إسرائيل على مدار السنوات الــ 12 الماضية، حيث كشفت معطيات الهجرة عن ارتفاع بنسبة %25 في عدد المهاجرين إلى إسرائيل من دول أوروبا الشرقية مقابل زيادة قدرها 6% في نسبة عدد المهاجرين من أوروبا الغربية. وقد بلغ عدد القادمين من الولايات المتحدة 9330 مهاجرا.وأشارت الوكالة اليهودية، ووزارة "الهجرة والاستيعاب"، الإسرائيلية في تقرير مشترك أن 50% من المهاجرين الجدد كانوا دون سن الثلاثين عاما. وقد حلّت فرنسا التي تعرضت لسلسلة عمليات تخريبية دموية تبناها تنظيم داعش وتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية في المرتبة الأولى من حيث عدد المهاجرين، للعام الثاني على التوالي، حيث وصل منها 7900 مهاجر. تلتها في الترتيب أوكرانيا بقدوم 7 آلاف مهاجر. في حين حلّت روسيا في المرتبة الثالثة بوصول 6600 مهاجر منها، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 40% مقارنة مع العام 2014. الصورة الأخرى والمعاكسة للأولى بطبيعة الحال، هو ما أعلنت عنه المفوّضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين خلال الأسبوع الأخير من العام 2015 أن أعداد اللاجئين العرب الواصلين إلى أوروبا عبر البحر فقط تجاوز المليون لاجئ، في حين غرق ثلاثة آلاف و735 شخصاً في مياه البحر العام الحالي. وقد زادت أعداد اللاجئين الواصلين أوروبا عام 2015 خمسة أضعاف مقارنة بالعام الفائت. وتصدر السوريون القائمة، تلاهم القادمون من أفغانستان والعراق وفق البيان الصادر عن المفوضية العليا التي أكدت أن 84% من اللاجئين الواصلين إلى أوروبا قدموا من سوريا، وأن عدد اللاجئين الذي وصلوا اليونان عبر بحر إيجه تجاوز 844 ألف لاجئ، فضلاً عن وصول أكثر من 152 ألف لاجئ إلى إيطاليا وثلاثة آلاف إلى إسبانيا، عبر البحر المتوسط.بالمقارنة بين الصورتين السابقتين، نجد أن عام 2015 عاماً زاهراً لإسرائيل التي نجحت بجدارة في عزل نفسها تماما عن أزمات المنطقة، رغم أنها متورطة حتى أذنيها في افتعال الأزمات أو تغذيتها في عدد من الدول العربية. وها هي تنتشي بالآمال الطموحة للعام 2016 حيث تقدّر بعض الدراسات الإسرائيلية والغربية أن أمام تل أبيب فرصة نادرة تاريخياً، وقد تتطلب منها الشجاعة للاندفاع أكثر في أزمات العالم العربي، فتعمل على تغذية عمليات الانفصال التي ينادي بها بعض الكرد، مع الضعف الواضح الذي نخر عظام دول كبيرة في المنطقة مثل سوريا والعراق ومصر، تزامناً مع تنامي لافت للنفوذين التركي والإيراني. هذا الخلل الناشئ عن انتهاء صلاحية القواعد التي أرستها اتفاقيات سايكس- بيكو قد يساعد في بناء "كردستان الكبرى" التي ستقتطع لنفسها أراض مما كان يعرف يوماً بالعراق وسوريا. وسيكون المولود الجديد حليفاً وثيقاً لإسرائيل، انسجاماً مع العلاقات التاريخية القائمة بين بعض قياداته وإسرائيل، وعدواً محتملاً للعرب ومن جاورهم من الإيرانيين والأتراك. وبما أن نزعات الانفصال تزداد، ودعواتها ترتفع تحت مسميات مختلفة، وأن أي حلول مقترحة حتى الآن للأزمات العاصفة لا تستبعد منها عمليات الفيدرلة، فلابد لإسرائيل أن تكون حاضرة بقوة لرسم المشهد، وليس التفرج عليه، وهو يرسم على يدّ الدول الفاعلة على الساحة الدولية..(انظر إن شئت مقالة "الون بن دافيد" في صحيفة معاريف الصادرة في 25/12/2015). ما كان زاهراً ومشرقا على دولة إسرائيل كان شؤماً على الدول العربية. فالأزمات لم تحلّ في أي بلد عربي، ورحى الحرب توسعت عام 2015 لتطال دولاً جديدة، وتغرق بها دول أخرى، ومستويات القتل والتخريب لم تنخفض بل زادت شراسة، وتنوعت أهدافها ووصلت إلى مدايات متفاوتة. وكان المواطن العربي أو الإنسان العربي الأكثر ضررا من هذه الأزمات والمآسي. وهو من يدفع فاتورة تصفية الحسابات التي تجريها القوى الإقليمية والدولية على أرضه. فلم يجد بدّا من الفرار أملاً بالنجاة. وإذا كان اللاجئون السوريون يفرون إلى تركيا ولبنان والأردن خلال السنوات السابقة، فإنهم في العام 2015 لم يألوا جهدا في التوجه نحو أوروبا بحثا عن مكان أكثر استقراراً مع وصول ارتدادات الأحداث السورية إلى الدول التي لجأوا إليها.
283
| 02 يناير 2016
بعد فراغ في سدة الرئاسة اللبنانية، دام لأكثر من عام ونصف، تبعه تمديدٌ البرلمان لنفسه وعجزٌ حكوميٌ في تعيينات إدارية وأمنية. مبادرة للحلّ السياسي تداولها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، المقيم في السعودية منذ إسقاط حكومته عام 2010، مع الوزير السابق سليمان فرنجية المعروف بقربه الشديد من الرئيس السوري وعائلته تاريخياً. مفاد المبادرة، التي لم تُسرب للإعلام إلا بعد نضجها وتفاهم الطرفين عليها، انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية، من فريق قوى 8 آذار رئيساً للجمهورية على أن يُسمى الحريري رئيساً للحكومة طيلة الفترة التي سيشغلها فرنجية في سدة الرئاسة. إذ إن للحريري سابق تجربة في انهيار التفاهمات مع خصومه السياسيين، حين أسقطت سوريا وحلفاؤها حكومته بعد خلاف وقع بينهما. حاول الطرفان (الحريري وفرنجية) تسويق المبادرة بين حلفائهما، في وقت خرجت فيه تصريحات إقليمية ودولية تشي أغلبها بتأييد المبادرة أو إيجاد حل سياسي في لبنان. نتحدث هنا عن اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند بالوزير فرنجية، وتصريحات أمريكية عقب ذلك، فضلاً عن السفير السعودي في لبنان الذي أكد أن الرياض تبارك أي حل سياسي يتفق عليه اللبنانيون، وهو ما فهم منه أن المبادرة التي تقدم بها الحريري هي سعودية في الأساس أو أن الحريري لم يُقدم عليها لو لم يأخذ موافقة عليها من الرياض. وهو أمر أقلق قوى 8 آذار أكثر مما طمأنها، كما سيتضح من المشاورات التي أجريت بعد ذلك بين أطراف هذه القوى. أيام مضت على طرح المبادرة، تخللتها مشاورات بين القوى السياسية لم تفض إلى شيء. زار فرنجية الزعيم المسيحي المطروح لرئاسة الجمهورية ضمن حلفه، الجنرال ميشال عون. ما سُرب من اللقاء أن عون اشترط حلاً متكاملاً للسير في المبادرة، يقوم على الاتفاق على قانون انتخابي نسبي، والبحث في الحصص الوزارية والتعيينات الإدارية العليا ضمن سلّة متكاملة يذهب بها الجميع إلى البرلمان للشروع في إنجازها وتطبيقها. خلف الكواليس، يؤكد أنصار الجنرال عون أن الأخير الحريص تماما على نيل المنصب ويرى نفسه أحقّاً من فرنجية، كونه الأكثر تمثيلا مسيحيا في البرلمان والمرشح الرسمي لقوى 8 آذار، أراد وضع العراقيل في طريق حليفه فرنجية على شكل شروط تعجيزية، تحُول دون تفكك الحلف أو إحراج حزب الله الذي يصرّ على أن القرار عند عون في منح المبادرة الحياة أو دفنها سريعاً. أما الأطراف الأخرى مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أو الرئيس نبيه بري، فقد شجعا على الحلّ السياسي بإبداء الموافقة على المبادرة. مازالت التعقيدات والاشتراطات والاستيضاحات سيدة الموقف ولا يُعرف ما إذا آلت المبادرة إلى السقوط تماماً أم أنها في طور التبلور أكثر. والثابت أن القوى الأساسية في 8 آذار غير مستعجلة، وتريد أن تدرس الأمور بهدوء وترو، وحتى ذلك الحين الذي سيتضح فيه الموقف الرسمي من المبادرة، تنشغل قوى 8 آذار في معرفة الأسباب الحقيقية لطرح الحريري المبادرة بهذه الصيغة، وفي هذا التوقيت؟ فالخشية قائمة عند هذا الفريق أن تكون المبادرة مفخخة لتفتيتها أو ضرب بعضها ببعض، وهو أمر نفاه بشدة تيار المستقبل الذي أكدت تصريحاته على لسان أكثر من مسؤول فيه أن المبادرة جدّية تماما، والحريري طرحها لأنه أيقن أن البلد لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال. والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري قال إن لم ينتخب اللبنانيون اليوم رئيسا للجمهورية ربما سينتخبونه بالدم غداً، والتصريح لم يكن فيه تهديد أو وعيد بقدر ما هو دقّ جرس الإنذار للجميع أن الاستقرار الأمني النسبي الذي يعيشه البلد، ونجاحه في تحييد نفسه عن لهيب الصراع في سوريا، قد لا يدوم طويلاً. طبعا انتخاب رئيس للجمهورية، وتسمية رئيس للحكومة، وإنجاز تعيينات في المؤسسات الشاغرة أو المُمدّ لها، لن يحل المشكلة السياسية في لبنان، لأنها أزمة نظام حكم، لكن من شأنه تخفيف حدة الاحتقان السياسي، وتحريك المياه الراكدة التي بدأت تتحول إلى آسنة نتيجة تراكمات من الجمود وانقطاع شبه تام بين القوى السياسية الفاعلة في البلاد بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في سوريا.
395
| 12 ديسمبر 2015
هل كانت الثورات العربية التي انطلقت عام 2011 كارثة على المجتمعات العربية، حيث دخلت معها المجتمعات في دائرة جديدة من التدهور الحضاري والانكفاء نحو إعصار من العنف السياسي والفكري والديني، يمارسه الكل ضد الكل؟ أظن أنه بعد أربع سنوات من عمر الانتفاضات الشعبية لابد من جردة حساب حول التحولات التي أنتجتها تفاعلات الأحداث وسياقاتها في العالم العربي، وتحديدا في الدول التي ضربها تسونامي الثورات، وتلك التي عاشت تداعيات هذه الضربات دون أن تتلقاها مباشرة. لاشك أن المتابعة الهادئة والقراءة المـتأنية والعميقة لتسلسل الأحداث وارتباطاتها الداخلية فيما بينها، وكيف أفضى كل حدث إلى الذي يليه حتى تحولت أحلام الشباب إلى أطلال وتبدلت المعادلات من "عيش، حرية، كرامة إنسانية" إلى صراع عنيف بين قوى استئصالية تماما، تلعب أدواراً مختلفة لكنها متكاملة فيما بينها. إحداها باسم الاعتدال الديني، وهي تمارس إرهاب دولة. وأخرى باسم التحرر والانعتاق من الاستعمار وملحقاته الداخلية وهي تستأصل كل اختلاف مشروع، وتكفر بالكرامة الإنسانية. في الحقيقة، كلتا القوتين تفتك في جسد المجتمع، وتفتته، وتحرضه لينهش بعضه بعضا دون رحمة أو تفكير في إمكانية للتعايش. وكلتاهما تقاتل باسم المقدس. الأولى مشروعها تنقية الدين مما تقول إنه انحراف طارئ، والأخرى مشروعها قتل الآخر لتحقيق وعد الدين في الدنيا ونيل جزائه في الآخرة. والحال الأكثر انطباقا لواقعنا الكاسد أننا أمة تنتحر. فالسلطة تجهز على المجتمع لتقضي على أي تنوع فكري وسياسي وتريد من الجميع تقديم فحص دم يومي لإثبات الولاء المطلق لتوجهاتها وتوجيهاتها في حماية الدولة والمجتمع مما تزعم أنه يتهددها. وهي بفعلها هذا تحارب مفهوم الدولة نفسها التي تدعي حمايتها، وتقتل "الوطنية" نفسها التي تنظر على المجتمع في إشكالها وتطبيقاتها مستخدمة أبواقها الإعلامية، لكنها مواطنة من نوع آخر، مواطنة تُختزل في النظام وليس في الدولة القومية أو الوطنية. ورأس السلطة أو من يقود النظام هو الدولة نفسها، وليست المؤسسات المنتخبة من الشعب، وتعود إلى الشعب عند أي معضلة تهدد شرعيتها ووجودها.كما أن اختطاف الدين من أناس يدعون اليوم فرضه على المجتمعات بقوة السلاح، ويخيرونهم بين إسلام أنتجته تصوراتهم العميقة من واقع مشوه، وتاريخ غير مغربل. وقد ارتضته عقولهم، وألفته أنفسهم الجامحة وبين القتل والاستئصال والاغتيال المادي والمعنوي فاستحال الآخر عندهم إلى كافر مرتد، مباح الدين والعرض والمال. المجتمع اليوم يطحنه المتطرفون المتفقون على فعل أي شيء مهما كان قبيحا في سبيل ما يرونه مصالح الأمة العليا. وهي في الحقيقة مصالحهم الخاصة الضيقة التي تزول بزوالهم. ما لم يعاد النظر في العلاقة بين المؤسسة الدينية والنظام السلطوي تاريخا ومعاصرة من ناحية، واستعادة الإسلام المختطف من جماعات وليدة التشوه الاجتماعي، فلن نراوح مكاننا.وستغدو مشاكلنا تنتج نفسها بأشكال مختلفة كل عقد أو عقدين من الزمن، ولن يكون لأي صوت نطلقه صدى في عملية الإصلاح المرتجى. تأسيساً على ما فات، فإن الانتفاضات الشعبية التي لم يثبت أنها كانت مؤامرة خارجية خُطط لها خارجياً، لم تكن إلا إنعاشا لجسد مريض مسجي على سرير الموت، وما تلاها من أحداث ليست إلا تداعيات هذه الصدمة المطلوبة تكرارها لإحداث نقلة نوعية في حياتنا أو فلننتظر الموت الحضاري عاجلاً غير آجل.
384
| 05 ديسمبر 2015
التساؤلات التي تزاحمت على مخيلة المتابعين لحادثة إسقاط تركيا المقاتلة الروسية سوخوي 24 يوم الثلاثاء الماضي، كانت بمجملها تدور حول ما إذا كانت الأسباب أبعد من حالة الاختراق للمجال الجوي التركي، الرواية التي يصرّ الروس على نفيها دائما. وما إذا كانت تنذر باندلاع حرب إقليمية وربما عالمية ثالثة، استئناساً بنظرية السياسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر أن حرباً عالمية قادمة ومن لم يسمع قرع طبولها فهو أصم. بشيء من الواقعية السياسية، وبعيداً عن تنبؤات السيد كيسنجر، واضح أن الأتراك والروس لن ينجروا إلى معركة مفتوحة بينهما. واستناداً إلى قواعد الأزمات الدولية، فإن الحروب بين الدول تنشأ باعتبارين: إما أن تكون إرادة سياسية تريد الحرب، وبالتالي تسعى لإيجاد ذرائع إشعالها. وإما ألا تتوفر الإرادة السياسية، لكن تداعيات الأحداث تفرض على متخذ القرار السياسي إعلان الحرب. ونزعم أن الحالتين في المدى المنظور غير متوفرتين لدى كل من روسيا وتركيا، فضلا عن حلف الأطلسي. والأحداث في سوريا مهما بالغنا بخطورتها وحجمها الدولي، فإنها لا ترقى إلى مستوى أعلى من حرب بالوكالة تتعدد أقطابها. في الحالة التركية، الأرجح أن إسقاط الطائرة الروسية لم يكن سببها الحقيقي دخول المجال الجوي التركي بقدر ما هو رسالة امتعاض للروس أن كفّوا عن استفزازنا في الشمال السوري. تصريحات أردوغان وداود أوغلو عقب الحادثة كانت واضحة وتعكس حجم الغضب والقلق في الآن. فهم لا يريدون للأمور أن تتدهور مع الروس، ولا يريدون السكوت على ما يعتقدونه أنه جس نبض روسي مستمر لقدراتهم، وتجاهل متعمد لمصالحهم في سوريا. تركيا التي أحاطت الناتو ودول أعضاء مجلس الأمن الدائمين بملابسات الحادث، كانت تحصنت بمبادئ القانون الدولي وتطبيقا لقواعد الاشتباك المعمول بها بين البلدين من ناحية، وبين تركيا وسوريا من ناحية أخرى عقب إسقاط طائرة تركية في المتوسط قبل نحو سنتين. لا ينبغي هنا أن نتجاهل أن ضغطاً شعبياً يمارس على الحكومة التركية يطالبها بفعل شيء لحماية أقربائهم في الدم في جبل التركمان. وأردوغان على ما يبدو، أراد امتصاص الغضب بهذه العملية لمّا سنحت الفرصة لذلك حتى لا يظهر عجزاً تركياً. وهو نال إعجاب الشريحة الواسعة من الشعب التركي المعتز بقوميته وهويته. وإذا دققنا قليلا في التصريحات التركية منذ التدخل الروسي في سوريا بشكل مباشر، يتضح لنا أبعاد الموقف التركي. أردوغان في تعليقه على حادثة المقاتلة الروسية، قال إن روسيا لا تقصف في سوريا مواقع "داعش"، بل تقصف فصائل الثورة السورية لحماية نظام بشار الأسد. ويبدو أنه ما زال يراهن على إنشاء المنطقة الآمنة التي تراجعت حظوظها بعد التدخل الروسي، حيث كشف في خطابه الأخير الذي أنهاه بقوله: "أتمنى التوفيق للمقاتلين التركمان"، أن تركيا ستنشئ بالتعاون مع حلفائها منطقة إنسانية آمنة بين جرابلس والبحر المتوسط. لا نعلم ما إذا كان الأتراك سينجحون في إقناع حلفائهم بضرورة إقامة منطقة إنسانية طالما أنهم يعلمون تماما أن الغرب لا يقلقه في الوضع السوري سوى أمرين لا ثالث لهما: وصول الإرهاب إلى أراضيه أو وصول اللاجئين. والغرب بشكل قاطع غير مستعد للدفاع عن مصالح تركيا إذا كانت مصالحه بمنأى عن الضرر. في المقابل، يعتقد الأتراك أن روسيا تحتاج بلا شك للتعاون التركي إذا ما أرادت ترتيب البيت السوري. وهم حتى ذلك الحين لن يسمحوا بتمدد الأكراد على حدودهم أو تشكيل إقليم خاص بهم في سوريا، كما أنهم لن يتخلوا عن التركمان في سوريا.
555
| 28 نوفمبر 2015
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4149
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1599
| 02 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1440
| 07 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1410
| 06 ديسمبر 2025
ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...
1185
| 01 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1158
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
900
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
654
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
612
| 04 ديسمبر 2025
في مايو 2025، قام البابا ليو الرابع عشر،...
558
| 01 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية