رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الصراعات الداخلية التي ضربت العالم العربي خلقت تحديات جديدة أمام النظم والنخب لم تكن ملحة إلى أن اجتاحت الثورات أقطارا عديدة. وهذه التحديات شبيهة إلى حد ما بالحالة التي عاشها العالم العربي عشية قرار الولايات المتحدة الأمريكية شن حرب على العراق في أبريل 2003. كان القلق العربي يومها يتمحور حول نية الولايات المتحدة من الاحتلال، وما إذا كان سيتمدد إلى دول عربية أخرى أو ينجح في بناء واحة الديمقراطية في صحراء العرب، وفقا لما كانت تعد به إدارة الرئيس جورج بوش الابن؟ اليوم يتكرر الهاجس نفسه بشكل أعمق وأكثر تشعبا، والخوف ليس من احتلال غربي جديد لقطر عربي رغم تصريحات رئيس الأركان الأمريكي من أن بلاده قد تعيد نشر قوات لها على الأراضي العراقية، بقدر ما ورد في التصريح ذاته لجهة أن الحل الوحيد المتبقي في العراق ربما يكون التقسيم. القلق العربي ليس حباً بالأنظمة التي تحكم البلدان المعرضة للتقسيم مثل سوريا والعراق واليمن، وإنما من تمدد التقسيم لبقية العالم العربي. ومع هذه المتغيرات العميقة التي تضرب في بنية الجغرافيا السياسية العربية، تصبح الصورة شديدة الرمادية عند النظام العربي الرسمي لحقيقة من هو العدو للأمة العربية؟ هل إيران وعقيدة ولاية الفقيه عند الشيعة العرب أم داعش أم الأخوان؟ وعلى من يفترض أن تنصب الجهود في محاربته أولا؟ والصراع مع إيران قائم على قناعة عربية رسمية مفادها لا وجود لجبهة مقاومة. وإنما هناك محور إيراني يتدخل في الشؤون العربية، يقابله محور عربي يطالب إيران باحترام حقوق الجيرة، وإلا فالمواجهة على كافة الصعد على اعتبار أن إيران تهدف لتخريب العالم العربي وما قلق التقسيم إلا نتيجة للسياسات الإيرانية الخاطئة في المنطقة. وبهذا خرجت إسرائيل فعليا من دائرة الخطر الأول على الأمن القومي العربي، وإن بقيت في الذاكرة الشعبية، فهذا أمر لا فعالية كبيرة له. والحديث دوليا لم يعد متحفزا للبحث في الحقوق العربية والفلسطينية وإنما في كيفية احتواء تداعيات الانهيار التي تعيشها الدول المهدمة، سوريا، العراق، ليبيا، اليمن. والتحدي اليوم في الأدبيات العربية الرسمية هو مكافحة الإرهاب السني، أو الأصوليتين السنية الشيعية، وبهذا أضحت كل دعوة لمقارعة إسرائيل أمراً خارج السرب، فلم يعد يدعي أحد أن وجود إسرائيل هو سبب نشوء التطرف الديني، كما كان يُردّد عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وإسرائيل بدورها تعيد صياغة معادلة الإرهاب والاعتدال، فالاعتدال العربي هو من يبني مع إسرائيل شراكة إستراتيجية قي مواجهة إيران والإسلام السياسي والمتشدد. وهي تسوق نفسها عبر منصات دولية أنها أكثر نجاحا من أي نظام في المنطقة، إذ هي بمنأى عن الإرهاب الذي يضرب في كل دولة عربية. وإسرائيل اليوم في وضع أكثر راحة مما كانت عليه سابقاً. ولم تعد تخشى ضغطاً شعبيا عربياً بدليل أن احتراق عائلة الدوابشة لم تحرك الشارع العربي على فظاعتها وبشاعتها بالحجم الذي كان يتحرك فيه الشارع العربي قبل الثورات. والأسباب تكمن في لجم القوى المدنية والدينية من قومية ويسارية وإسلامية التي كانت تحرك الشارع ضد الممارسات الإسرائيلية. وقد نجحت السلطة السياسية في شيطنة هذه القوى أمام الرأي العام ودفعتها إلى انشغالها بالدفاع عن نفسها ونسيان الهموم القومية. والمقاومة الفلسطينية بخسارتها العمق السوري، وضغط النظام المصري عليها نتيجة ارتباطها الفكري بالإخوان، وتوتر العلاقات مع إيران فتح لها باب التقارب مع السعودية أملاً في كسر الطوق المضروب عليها. وفي الوقت الذي تحاول فيه السعودية ترتيب البيت العربي في المواجهة مع إيران كانت حماس معنية برفع الحصار الخانق عن قطاع غزة، والقلق هنا أن تنزلق قضية المقاومة الفلسطينية من تحرير الأرض إلى فك حصار عن بقعة من الأرض. وبما أنه لا توجد جبهة فلسطينية موحدة أصلا حالياً والخلاف الحمساوي الفتحاوي ربما يكون أكثر تعقيدا من الخلاف القائم بين السلطة وإسرائيل تزداد خطورة المخطط الإسرائيلي في إجهاض القضية الفلسطينية بعد أن حوّلها من قضية عربية إسلامية إلى قضية سياسية بين فصائل متناحرة ودولة قائمة.
265
| 15 أغسطس 2015
جملة من التطورات على الحدود التركية السورية بدأت برسم ملامح المرحلة المقبلة من المشهد السياسي والعسكري في سوريا والعراق، لعل أبرز هذه التطورات ما أعلنه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو يوم الخميس الفائت تعقيباً على وصول الطائرات الأمريكية المخصصة لمحاربة داعش إلى قاعدة إنجيرليك التركية من أن تركيا ستبدأ مع واشنطن خلال فترة قريبة مكافحة شاملة ضد داعش، مؤكداً أن الأراضي المحررة من داعش ستتحول بشكل أوتوماتيكي إلى مناطق آمنة، حيث تجد المعارضة السورية المعتدلة مكانًا لها كما ستوفر ملاذاً آمناً يسمح للراغبين من اللاجئين في العودة إلى بلادهم. التطور الإستراتيجي آنف الذكر تبعته متغيرات ميدانية على الأرض تمثلت بإعلان السلطات التركية في ولاية شانلي أورفة، جنوب شرقي البلاد، إقامة 3 مناطق "أمنية عسكرية مؤقتة"، في قضاء أقجة قلعة على الحدود مع سوريا. تزامناً مع بدء إخلاء جبهة النصرة النقاط التي تسيطر عليها على الحدود السورية – التركية لكتائب الثوار، بعد إعلان أنقرة رفضها أي تواجد للنصرة على الحدود السورية التركية، وذلك ضمن المشروع الذي أعلنت عنه مسبقاً والمتعلق بتشكيل منطقة آمنة في الشمال السوري تمتد من عفرين إلى أعزاز إلى جرابلس، على مسافة 140 كيلو متراً طولاً، وبعمق 50 كيلو متراً. قرار الحرب الذي شرعت في تنفيذه أنقرة، تُرجم بتعيين مجلس الشورى العسكري التركي القائد السابق للقوات البرية الجنرال خلوصي أكار رئيساً لأركان الجيش خلفاً لنجدت أوزال الذي أحيل على التقاعد. والجنرال صالح زكي شولاك، الذي يرتبط بعلاقة جيدة مع واشنطن، قائداً للقوات البرية. طبعاً التفاهم التركي الأمريكي الذي احتاج لشهور طويلة من المفاوضات بين الجانبين قبل أن يبدأ تطبيقه على الأرض لا يعكس تطابقاً تاماً بين الرؤيتين الأمريكية والتركية حول المسألة السورية وكيفية حلها، فالولايات المتحدة لم تعد مهتمة كثيراً بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وترتكز إستراتيجيتها على مواجهة تنظيم داعش والحيلولة دون تمدده إلى مناطق جديدة في حين ينصب الجهد التركي على النمو الكردي المسلح في سوريا وهو خطر إستراتيجي أكثر منه آني كما هو الحال مع تنظيم داعش، فضلاً عن إصرار أنقرة على إدراج النظام السوري على لائحة المستهدفين من الحملة العسكرية الدولية. التدخل التركي في المواجهة ضد داعش سيحقق أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب. فمن شأن التدخل التركي أن يقطع الاتصال الجغرافي للمناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش مع الأراضي التركية، وهو ما سيتعبه تجفيف منابع التجنيد القادم من الخارج والذي يعبر الأراضي التركية للالتحاق بالتنظيم في كل من العراق وسوريا، فضلا عن الحد من تجارة المحروقات داخل السوق السوداء التركية والتي تدر أرباحا وفيرة للتنظيم في حربه. ثم إن قرب قاعدة انجرليك التركية من مسرح الأحداث في سوريا والعراق يمنح الطائرات الحربية تحليق ساعات طويلة في إطار المراقبة ورصد أهدافها بدقة واستهدافها بأسرع وقت ممكن. ثم إن التأثير التركي على بعض العشائر العربية والتركمانية في كل من سوريا وتركيا قد يساعد في تأليب هؤلاء على داعش، لكن تركيا في المقابل لا تريد أن تقدم خدمات مجانية للآخرين وإن كان انخراطها في الحرب أضحى مطلبا لأمنها القومي، فهي تسعى بجدية إلى الاستفادة القصوى من هذا التحول، فهي تأمل من خلال انخراطها في الحرب على الإرهاب أن تفقد القوى الكردية في المنطقة مكانتها في التحالف الدولي للإرهاب وتحديدا شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة في حربها، لاسيَّما وأن الأكراد لعبوا دوراً كبيرا في سحق داعش في عين العرب كوباني بعد أن تلقوا دعما واضحاً من واشنطن. بهذه الخطوة المأمولة تركياً، يفترض أن تخف النزعة القومية التركية التي ترجمت انتعاشها القومي والهوياتي بالتصويت المكثف لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي مما حقق فوزا ساحقا للأكراد لأول مرة في تاريخ تركيا. هذا المسعى التركي ليس رغبة في الحد من التطلعات الكردية أو رغبة دائمة بالخصومة والانتقام منه وإنما قلقا من ميل كردي متنامٍ في بناء كيان مستقل له في سوريا قد يتمدد لاحقا إلى مناطق أخرى في تركيا والعراق. كما تأمل ألا تكون منطقة العمليات التي تنوي إقامتها داخل سوريا خالية من تنظيم الدولة، أو القوات الكردية فحسب، وإنما من قوات النظام، لاسيَّما تلك المتمركزة في بعض مناطق ريف حلب الشمالي والجنوبي.
307
| 08 أغسطس 2015
هل ما زالت القضية الفلسطينية على رأس أولويات النظام العربي الرسمي ومعه تيارات الإسلام السياسي؟ سؤال يطرح وسط كمٍّ من التصريحات الرسمية وتغطيات الصحف وبرامج التوك شو التي تملأ الفضائيات العربية، والتي في أغلبها تتركز حول القضايا الداخلية للدول أو القضية التي تشغل العالم أجمع وهي مواجهة الإرهاب!. لا شك أن الصراع العربي الإسرائيلي مرّ بمراحل متعددة ومتباينة انتهت إلى ما يشبه السلام الصامت بين الطرفين وسط زحمة الأحداث التي تعتبر أكثر إلحاحا لدى صانع القرار العربي. وتعتبر اللحظة التاريخية الفارقة في هذا الصراع هي توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل بشكل منفرد عام 1979، حيث خرجت من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي. منذ ذلك اليوم، ترتيب أعداء مصر الخارجيين لم تعد إسرائيل على قائمته، ومع خروج مصر فرط عقد التحالف العربي ضد إسرائيل، وانتهى عهد الحروب العربية باستثناء الراية التي حملتها قوى مقاومة في فلسطين ولبنان، وهي قوى شعبية وليست رسمية. بعد تشكل التحالف الدولي لإخراج العراق من الكويت في التسعينيات، أراد الغرب التحرك باتجاه حلّ سياسي للقضية الفلسطينية، فبدأت المشاورات، وانتهت باتفاقيات أوسلو، وبدأت سياسات الغزل المتبادل بين دول عربية وإسرائيل. ولخلق مناخ جديد بين العرب وإسرائيل، حثت الولايات المتحدة دول المنطقة على نبذ الأفكار المعادية لليهود والغرب. وبدأت المبشرات بولادة شرق أوسط كبير تلعب فيه إسرائيل دور العراب، نتج عن ذلك ابتعاد كثير من النظم العربية عن دعم المقاومة الفلسطينية، والتوجه نحو دعم مشروع أوسلو وتفاهمات مدريد. وقد مضى عقد كامل راوحت المفاوضات محلها. وحصلت إسرائيل خلاله على اعتراف من الدول العربية في حين لم تعترف بحق الفلسطينيين في وجود دولة حقيقية لهم. جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 التي نفذها عدد من الجهاديين العرب، لتفتح فصلاً جديدا في القضية الفلسطينية. شرع الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحرب على الإرهاب وتوجه نحو إعادة رسم معالم الشرق الأوسط على أسس جديدة، داعيا القيادات العربية إلى تجفيف منابع الجمعيات الخيرية التي تدعو للجهاد، كما دعا لمواجهة الفكر السلفي المتشدد. شعرت يومها السعودية بحرج تجاه الولايات المتحدة، فأرادت ترميم العلاقة مع واشنطن من خلال طرحها ما بات يُعرف بالمبادرة العربية للسلام التي طرحها الملك عبد الله حين كان وليا للعهد في قمة بيروت عام 2002. نصت المبادرة على الاعتراف بإسرائيل مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967. لم تتبن إسرائيل المبادرة ولم تعترف بها في حين تعامل العرب مع إسرائيل على أسس أخرى تماما. ثم جاء العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 فأزاح القضية الفلسطينية عن المشهد العربي تماماً. وقد خسرت القضية الفلسطينية وهجها مع تصارع المحاور على الأرض العراقية وتزايد نشاط جماعات الجهاد العالمي. بعد موجات الثورات والاضطرابات التي ضربت العالم العربي، أغلب النظم العربية اتجهت إلى الخطر القادم من الداخل، وتحديدا مطالب الشعوب وتحركاتها. وتحولت القضية الفلسطينية من قضية عربية وإسلامية إلى قضية إنسانية تنحصر بتعويضات وتسهيلات للفلسطينيين. كما أن إسرائيل لم تعد عدوا مؤكدا لأغلب النظم العربية. وقد وجد بعضها في تل أبيب وسيطا لإصلاح علاقاته بدوائر صنع القرار في الغرب. بات مفهوم دعم القضية الفلسطينية حاليا ينحصر في دعم اتفاقات السلام القائمة أساسا على الاعتراف بإسرائيل وإسقاط خيار المقاومة المسلحة وتبني مسار المفاوضات السياسية دون تحديد سقف زمني له مع التلويح بإمكانية التنازل عن بعض الثوابت التاريخية. وإذا كان هذا هو حال النظم العربية، فإن الأمر ليس بأفضل كثيراً عند أغلب تيارات الإسلام السياسي، حيث انزاحت هذه الجماعات بشكل غير مقصود أو واع نحو التركيز على قضاياها الداخلية، وتبدلت أولوياتها من التوجه نحو فلسطين لتحريرها إلى ضرورة تغير النظم العربية، تمهيدا لإنشاء تحالف إسلامي يفضي إلى تحرير فلسطين. أما تيارات الجهاد العالمي (القاعدة وأخواتها) فتحولت هي الأخرى من حركات ترفع شعارات التحرر من الاستعمار إلى حركات تخريب وتطرف وتطهير فكري وديني داخل المجتمع العربي المسلم نفسه. ويتحول السؤال في نهاية المطاف عن حجم الاهتمام بالقضية الفلسطينية إلى التساؤل بشأن مستقبل القضية نفسها في قادم الأيام.
442
| 01 أغسطس 2015
مهما حاولت تركيا أن تنأى بنفسها عن المشاكل في الدول العربية المجاورة فإنه ليس بإمكانها ذلك لاعتبارات تاريخية وجيوسياسية وإثنية . وتثبت الأحداث يوما بعد يوم أن سحب البلاد نحو دوامة الصراعات الدائرة في المنطقة أسرع مما كان متوقعاً . وإذا ما انزلقت فإنه من الصعوبة التنبؤ بالمسارات التي ستسلكها تلك الصراعات داخل هذا البلد اليافع والمتنوع والمستهدف إقليميا ودولياً، لا سيما أن هذه التحديات تأتي بعد انتهاء تفرد العدالة والتنمية في الحكم الذي دام عقدا ونيفا إذ بات مجبراً على مشاركة قوى سياسية أخرى رغم كل التباين والتحديات غير المسبوقة التي تعيشها البلاد. الهجوم الذي ضرب مدينة سوروج في الجنوب عرّى كثيراً من الواقع المستتر، فمنفذ الهجوم شاب تركي في العشرين من العمر، التحق بتنظيم داعش قبل شهرين من العملية بحسب الجهات الأمنية التركية. وإذا ما استثنينا الحوادث السابقة ذات الأهداف التخريبية الخالصة، يتضح أن عملية سوروج كانت تحمل أبعاداً استراتيجية . فقبل التفجير بأيام نشر الموقع الرسمي لتنظيم داعش الناطق بالتركية، والذي يدار من ولاية الرقة تهديدا للدولة التركية، اتهمها بقمع المسلمين، والتضييق على المهاجرين إلى دولة الإسلام، وذلك عقب اعتقال الحكومة التركية العشرات من المشتبه بهم. كما أن الهجوم استهدف مجموعة كردية كانت تحاول جمع الأموال لإعادة إعمار عين العرب كوباني . وبهذا الفعل أراد داعش تحقيق عدد من الأهداف. منها تعويض لثأر مع الأكراد كونهم أول من هزم التنظيم في عين العرب كوباني، وينظر داعش إلى غالبية الأحزاب الكردية ومؤيديها باعتبارهم جواسيس وعملاء لأعداء الأمة. ويتزامن توقيت التفجير مع حالة النشوة التي تعيشها القومية الكردية بعد النصر التاريخي الذي تجسد في فوزهم لأول مرة بهذا العدد من النواب في البرلمان التركي والذي أحدث قلقا قوميا تركيا من نزعات الانفصال. وما زاد من منسوب القلق كانت تصريحات صلاح الدين ديمرطاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الذي دعا الأكراد إلى اتخاذ تدابير أمنية خاصة، فُهمت من القوميين الأتراك أنها دعوة للتسلح على حساب الدولة. وفي الوقت الذي اتهمت فيه الرئاسة التركية معارضين باستغلال تفجيرات سوروج لغايات سياسية. فإن داعش أراد إثارة النعرة العرقية في تركيا لأن هذا يساعده على التمدد في المنطقة، فضلاً عن النية المبيتة باستهداف تركيا، وهو ما يؤكده أسامة عبد الله عزام في مذكراته التي ينشرها عبر تويتر من واقع علمه وقربه من الشخصيات المعنية أن أبرز الخلافات بين داعش والنصرة قبل الانفصال هو رغبة البغدادي تنفيذ تفجيرات في العمق التركي عام 2012 وهو ما رفضت جبهة النصرة تنفيذه لاعتبارات فقهية كما يقول الراوي. علماً أن تركيا أوقفت 24 ألف مهاجر غير شرعي عام 2014 باتجاه الدول الأوروبية، كما أنها قامت بترحيل 1600 مواطن أجنبي على صلة بداعش منذ العام 2013 وهو العام التي صنف فيها التنظيم بأنه إرهابي . ولعل القلق التركي المتزايد من انزلاق البلاد نحو صراعات دول الجوار دفع رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو للتأكيد أن تركيا لن تسمح بأن تتصدر أزمات دول الجوار إليها. وأنها ستنظر في التدابير الأمنية الإضافية التي ستُتخذ في الجنوب، وإعداد خطة عمل بالترتيبات الأمنية على حدود البلاد. وهو ما يعيد طرح فرضية التدخل في سوريا وإنشاء منطقة عازلة تمتد على مساحة 110 كلم مربع .هذه المنطقة العازلة بحسب دراسة أعدها مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتجية تحتاج إلى 40 ألف جندي مجهزين بأحدث الأجهزة، لكن في المقابل سيجعل تركيا هدفاً لكل التنظيمات التي تتقاتل في سوريا، كما ستعاني فراغاً أمنيا كبيرا في الداخل، فضلاً عن ضبابية الرؤية تجاه من ستقاتل في سوريا هل داعش أم الأكراد، وإن كان إمكانية تشكل دولة أكردية في شرق تركيا أمراً لا يمكن تجاهله لفترة طويلة.
302
| 25 يوليو 2015
يفترض أن تكون الأعياد هي أكثر أيام العرب فرحاً، وليس الفرح فيها وحدها، لكن عاقلا لا يجادل أن واقعنا لم يعد يحمل لنا فرحاً، لا في عيد، ولا في غيره من بقية أيام الله ممّا كان يسمى يوماً بربيع عربي، وتبقى المعايدة مؤنسة لكل حي، فكل عام وحال أمتنا أكثر أمنا واستقرارا، وأقل ظلماً واقتتالاً! وعند حلول كل عيد، يجيش في النفوس: هل من بصيص أمل في الخروج من النفق التي وضعت الأمة العربية نفسها فيه مذ قدّر لها أن تستقلّ عن الوصايات الخارجية في النصف الأخير من القرن العشرين؟سنوات ونحن نعيش أزمة تتلوها أخرى، ومن بلد عربي إلى آخر تكثر الجراح، وتتعمق المآسي، ويجتاح اليأس قلوب الملايين من الشباب الذين لا يجدون أملا يلوح في الأفق، فيقنط بعضهم مستسلماً لليأس، ويطلب بعضهم الهجرة ولم تطلبه هي، فيقضي ليله ونهاره يسعى في طلبها، أملا في غدٍ أفضل من حاضر غير آمن ومستقبل غير مطمئن، في حين قلة من هؤلاء الشباب ونتيجة عوامل عديدة معقدة ومركبة يقع فريسة العنف والتطرف، ويظن أن ضالته هي في سلوك جماعات العنف الديني فيصبح حربا مدمرا على نفسه وأهله ومجتمعه والوطن الذي احتضنه.. مأساة نعي تماما كيف نصنعها، لكن أحداً غير مستعد على وضع نهاية لها أو التحكم بمسارها. وباستثناء دول الخليج – والاستثناء لا اعتبار له أمام القاعدة - التي تحتل بلادها مرتبة عالية في قياس معدلات السعادة، فإن الغالبية الساحقة من بلاد عرب، شرقت أو غربت، لن تجد فيها الحال بأحسن مما تركت في حين أن العالم من حولنا يتغير، وتغيره قد لا يكون لصالحنا إذا بقينا على هذا النمط من التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية. وها هي بعض دول الجوار تتلمس طريقها إلى الريادة والسيطرة وامتلاك زمام أمورها بعيدا عن وصية مستعمر كما هو حال تركيا أو إيران ما بعد الاتفاق النووي مع الغرب وإن اختلفنا في تقييم تداعيات التفاهم مع الغرب على الداخل الإيراني من ناحية وتعاطيها مع قضايا المنطقة من ناحية أخرى، فلا شك أن إيران حققت مكسباً لا ينكره إلا مكابر. مع هذا التغيير، تحولت العلاقة بين إيران والغرب من صراع ثابت وتناحر دائم إلى تحالف ممكن. ومبررات التحالف وشروطه ودواعيه قائمة للطرفين، ولا يملك أي منهما ترف التعالي عليه وهو التطرف السني المتمثل في القاعدة وداعش وفق تصنيفات العرب قبل غيرهم. وفي الوقت الذي يرغب فيه الغرب في التعامل مع عدو واحد عاقل، يمسك بخيوط اللعبة، ومستعدّ لأن يكون فاعلا في ترتيب المنطقة (والمقصود إيران طبعاً)، يرى في العالم العربي دولاً متناثرة متناحرة فيما بينها، أو أن أغلب نظمها فاقد للشرعية الحقيقية، بعيدا عن سياط الأمن وأبواق الإعلام المسخر بعناية للتسبيح بحمد الحاكم وأفعاله. ولم يتورع الغرب الأمريكي عن اتهام حلفائه العرب بالوقوف وراء ظاهرة داعش في سوريا، ويذكر الجميع كيف وجّه جوي بايدن نائب الرئيس باراك أوباما سهام الاتهام لدول عربية بعينها، لقد كانت اتهاماته قاسية وعسرة الهضم على دوائر صنع القرار في هذه البلدان.يوما بعد يوم يثبت العقل الأمريكي الذي يقود العالم الغربي دون منازع أنه شديد البراغماتية، ولا يعرف المصالح الدائمة أو المواقف الثابتة، وأن سياساته الثابتة هي عدم الثبات في صنع التحالفات وتصنيف الخصوم. ومن كان يعول يوما على الموقف الغربي في الصراعات الداخلية كان مخطئا تماما لاسيَّما منظمات حقوق الإنسان التي راهنت بسذاجة على تقديم الغرب لقيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية على مصالحها في العالم غير المتقدم. سيبقى العرب في دوامة العنف والاستنزاف للخيرات والطاقات ما لم تكن هناك سياسات مغايرة جذرياً لما تطبّعت به السياسات العربية منذ بزوغ الدولة الوطنية. فشلت أغلب المشاريع السياسية (قومية، يسارية، وإسلامية) في تحقيق طموحات المواطن العربي لأنها كانت توجهات أيديولوجية غارقة في التنظير والطهورية ومتعالية على المجتمع وأحزابه. وقد سلمت ركابها لشاغلي الثكنات في كثير من بلداننا، فأضحى حالنا على ما نحن عليه.
328
| 18 يوليو 2015
قبل الثورات العربية كان يحكى عن لبنان أنه واحة الديمقراطية والتعددية السياسية، العين التي قاومت المخرز. لبنان الفن والحضارة والإنسان، صلة الوصل بين الشرق والغرب. لبنان التنوع الديني والمذهبي الجميل. لبنان النموذج، إلى غير ذلك من النظريات الحالمة التي تعكس المرارة العربية الدفينة أكثر مما تعكس واقعا حقيقيا معاشا.جاءت الثورات العربية فكانت ثورة على المفاهيم كما هي ثورة على نظم مستبدة متكلسة تعيش خارج حركة التاريخ وتشد المجتمع قسرا إلى قوانين بالية لم تعد تصلح مع التدفق المعرفي الحر، والتواصل البشري المفتوح. فلبنان لم يعد النموذج المطوب بقدر ما تكشّف أنه النموذج المستحيل. فهو بلد لم يشهد ثورة على غرار أقرانه رغم أن أول إرهاصات الثورات العربية ولدت فيه عام 2005 .. يوم خرج أغلب اللبنانيين إلى الشوارع داعيا الوجود السوري وجهازه الأمني لمغادرة لبنان ومنحه استقلاله الحقيقي دون وصاية أخوية أو أبوية. يومها رفع المتظاهرون الأعلام اللبنانية فقط وحملوا شعارات الحرية، الكرامة، العيش المشترك.قيل يومها: لبنان يحاكي ثورة البرتقال التي ولدت في أوكرانيا عام 2002 قبل أن تفترسها يد الثورة المضادة التي أعادت البلاد إلى دائرة الوصاية الروسية التي لم تصمد بضع سنوات أمام تجدد الثورة في البرلمان والشارع، فكان خيار المواجهة عبر تقسيم البلاد، وإدخالها في أتون حرب داخلية، مع تقطيع أوصالها بسلخ جزيرة القرم منها وإعادتها إلى روسيا. الذرائع والمبررات كثيرة كما هو حال ما يخطط لكثير من دولنا العربية بعد أن تضع الحروب أوزارها، ويبدأ الحديث عن الحلول السياسية للصراعات الطاحنة. في زحمة تلك الأحلام المراهقة، قيل: إنه لبنان الأرز الشامخ، لبنان الديمقراطية، لبنان العيش المشترك، لبنان الثقافة والفن، لبنان الذي لا يشبهه قطر عربي آخر. وخلافا لكل توقع - ما أكثر التوقعات السياسية في عالمنا العربي قديما وحديثا - فاجأت الثورات العربية النخب ومراكز النفوذ وقوى التسلط، فجاءتهم في تونس فقالوا: مصر، ليبيا، اليمن،.. ، غير تونس ثم فاجأتهم في مصر وليبيا واليمن، وبقيت منظومة التحليل هي نفسها. ويا للمفارقة، لبنان النموذج المحبوب حاول هذه المرة أن يحاكي المجتمعات العربية الأخرى، فحاول أن يصنع لنفسه ربيعا حقيقيا، فخرجت نخب شبابية تحرّض على الخروج عبر منصات القصف الاجتماعي (فيسبوك، تويتر) . بالفعل تجمع عشرات وربما بضع مئات في جزر منفصلة، في مدينة هنا وضاحية هناك، لكنهم لم يصنعوا ربيعا لبنانيا على الإطلاق، والسبب أن لبنان بلد الطوائف، والطوائف هي من تحكم، ولكل منها حصة وكوتة ثابتة في مؤسسات الحكم وأدوات الفساد، وهذه لها قوانين تختلف عن قوانين المجتمعات التي تتحكم بها قوى متسلطة في مكان آخر.. ولما بدأت الحركات في سوريا، وتحول الصراع السياسي فيها إلى نزاع مسلح، دخل لبنان في طور جديد، أقل ما يمكن أن يقال فيه: إنه يعيش حربا غير معلنة، لكنها حقيقية، طائفية هي حتى النخاع حتى لو أنكرها كلّ لبناني، وتغنى بالعيش المشترك كل رجالات الدين. وعند كل خضّة سياسية أو زلزال في عاصمة عربية، كانت بيروت وأخواتها من مدن لبنان تعيش ارتدادات تلك الهزات وتتفاعل بها، حتى غدا لبنان النموذج المستحيل الذي لا يشبهه أحد لا في بني قومه، ولا في بني عمومته من أبناء العم حام وسام وبقية العائلة البشرية.ومن أغرب هذا النموذج أن تجد الحكومة الواحدة تقاتل نفسها، وتهدم ذاتها، وتتصارع في الشارع، تماماً كما يصارعها خصومها. نموذج النزول للشارع على يد فئة سياسية هي شريكة في الحكومة، ومنهج القصف الكلامي المتبادل بين أقطابها من على المنابر المتوفرة، يختزل لك ببساطة حكاية لبنان "النموذج المستحيل".. وما أدري إن كان هذا النموذج الذي لا يمكن أن يحاكيه بلد عربي آخر يعتبر من ألطاف الله بالعرب أم من سوء حظهم المتعثر؟رحم الله وزير الخارجية السعودي الأسبق، سعود الفيصل حين سئل عن صحته في آخر أيامه، فقال: بات حالي كحال الأمة العربية.. رحل الأمير سعود، فهل يعني كلامه أن الأمة العربية هي على أعتاب إعلان موتها؟ اللهم لطفك !
2099
| 11 يوليو 2015
الثورات التي اندلعت مطلع العام 2011 أظهرت هشاشة النظم والمجتمعات العربية وكشفت عوراتها المتعددة. وبنظرة فاحصة وسريعة لواقع المجتمعات العربية ما بعد الثورات نجد أن منسوب العنف والاحتراب الداخلي ارتفع إلى مستويات قياسية لم تكن تمرّ بها المجتمعات العربية بهذا الاتساع إذا ما استثنينا الحالة الجزائرية في التسعينيات والذي راح ضحية العنف المتبادل بين السلطة والمجموعات المسلحة زهاء 200 ألف جزائري ليستقر الوضع ويحسم لصالح الجيش وتندثر معه الجماعات المسلحة كما اندثرت آمال الجزائريين بالتحول الديمقراطي المنشود لعقود ثلاثة.هاهي دول عربية اليوم تستنسخ التجربة الجزائرية بأدق تفاصيلها دون أن تعتبر بها أو تتعظ، بل يجمح إليها البعض كملاذ أخير في إلحاق الهزيمة بخصومه المفترضين من أبناء وطنه. وكلما زاد إصرار الحالمين بالتغيير، تشددت النظم المستبدة في الدفاع عن نفسها وسيرت الجيوش وحركت آلتها الفتاكة من قضاء وإعلام محلي وفضائي في معركتها المباشرة مع الشعب المنتفض أو مع بعضه ممن رفض المسار القائم وأبى العودة إلى القمقم الذي طوى الشعوب العربية في غياباته دهورا.الواضح وسط هذا الصراع أن الدولة في عالمنا العربي فشلت في أن تكون دولة وطنية جامعة لكل مكوناتها العرقية والدينية، كما أن غياب الحريات وتضاؤل فرص العمل وتباطؤ النمو الاقتصادي والفشل في مكافحة البطالة والعجز أمام الانفجارات السكانية والتحولات الديموغرافية، جميعها عوامل ساعدت بنسب مختلفة في الوصول إلى حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المجتمعات العربية التي تطالب بالتغيير.ترفض النظم العربية مناقشة الحقوق السياسية في بلدانها. ومفاهيمها حول الدولة والشعب والعقد الاجتماعي الناظم للحياة الخاصة والعامة تكاد تعود إلى مفاهيم ما قبل الدولة. وتعتقد أنه بامتلاكها وسائل القوة واحتكارها حق العنف ووقوف وسائل الإعلام إلى جانبها أمور كفيلة بمواجهة هذه المتغيرات وبترويض الشعب ومنعه من المطالبة بحقوقه الفطرية والمكفولة بالقوانين الإنسانية الدولية.قد تنجح النظم في إطالة أمد وجودها بتكاليف عالية جدا، وقد تنجح في إدارة معاركها مع خصومها في الداخل والخارج وشيطنتهم وسلبهم حقوقهم الأصلية لكنها لن تنجح في إبقاء الوضع على ما هو عليه لسنوات طويلة، لأن العالم تغير وتغيرت معه قوانين التواصل والاتصال، وما أحدثته تكنولوجيا التواصل وإدارة المعلومات من وفرة إلكترونية تمثلت بمواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت الدور الأبرز في قيام الثورات العربية كفيلة بأن تنسف كل مخططات النظم في الاستمرارية والبقاء، إذ لم تعد الأساليب القديمة وغير المرنة فعالة في عصر شديد التغيير والتبدل والتحول.وكلما تأخرنا في اعتماد الحلول الصحيحة المتمثلة بالتحول الديمقراطي كلما كانت الخسائر كبيرة ومكلفة وكلما أضحت الحلول معقدة. والأمر لم يعد يقتصر على الاستنزاف المستمر لموارد الأمة ومقدراتها المادية بل وصلت الخطورة إلى احتمالية تفتت المجتمع العربي بكل مكوناته مع هيمنة لغة الثأر على خطابه وبلوغ الرغبة في الانتقام مدايات عالية. وفي الحقيقة وصلنا إلى حالة الاحتراب الأهلي في أكثر من بلد عربي، وهي مرحلة على الأقل تؤكد على فشل الدولة وليس فقط على فشل النظام السياسي الموجود.وكما هو معلوم فإن حالة الاحتراب الأهلي عندما تقع يتطلب الخروج منها سنوات من العمل الجاد على كافة الصعد في سبيل إعادة اللحمة إلى المجتمع وتنقيته من عوامل التفتيت. والمثير للدهشة أن بعض النظم تسرع من وتيرة الانزلاق نحو الاحتراب الأهلي وتنفخ فيه وتزينه في عيون داعميها دون أن يرف لها جفن وهذه الحالة تعكس انعدام الحس الوطني لدى من يفترض بهم حراسة الوطن والقيام على تنمية قيم المواطنة في قلوب أبناء الوطن.لاشك أن الشعوب العربية تمر بأسوأ مراحلها، وأن قوافل الهجرات غير الشرعية التي يعبر بعضها البحار نحو الشمال ويغرق أغلبها في أعالي البحار قبل الوصول مثالا صارخا على حالة اليأس والإحباط والأفق المسدود أمام مستقبل أفضل.لقد تحولت بلادنا إلى مقابر متنقلة لأحلام أبنائها وطموحاتهم بعد أن تضاءلت فرصهم بالحرية أو العيش الكريم. لكنها مرحلة فيها الكثير من الفرص لنهضة حقيقية ممكنة لصالح المنطقة وأهلها إن أحسنت الدول والشعوب استغلالها بشكل جيد. إذ لم تصعد أمة من كبوتها ولم ينتقل مجتمع من طور إلى آخر إلا وقد مرّ بما يشبه الخضات العنيفة التي تهدد وجوده وتكاد تمزق وشائجه، وقد عاشت أوروبا هذه المراحل داخل الدولة الواحدة أو في علاقتها فيما بينها. وهي حالة شبيهة بالتي عاشتها الولايات المتحدة أثناء وحدتها. فهل نحن مستعدون لتجرع نفس الكأس للعبور نحو مستقبل أفضل للجميع؟!.
290
| 04 يوليو 2015
تدخل تركيا حاليا مرحلة حرجة مدتها 45 يومًا، لتشكيل حكومة جديدة، على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية. وفي حال فشلت الكتل البرلمانية في تشكيل الحكومة من حق رئيس الجمهورية مع رئيس البرلمان الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة خلال تسعين يوما.وبما أن النمو الاقتصادي الذي تمتعت به تركيا على مدار عقد كامل مرتبط بشكل أساسي بالاستقرار السياسي الداخلي، وبما أن منطقة الشرق الأوسط تعيش مخاضاً عسيراً فإن ما يتطلبه الأمر هو أن تتفادى الكتل البرلمانية الحساسيات الإيديولوجية والسياسية للحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والحيلولة دون العودة إلى تركيا القديمة. هذا القلق فرض على الجميع تكثيف اللقاءات للتشاور مع إظهار الرئيس أردوغان الحرص على ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية ما أمكن إلى ذلك سبيلا. القلق المعني به نحن العرب هو السياسة الخارجية التركية فهل ستتغير هذه السياسة طالما أن العدالة والتنمية لن يحكم منفرداً؟ سؤال من المبكر الإجابة عليه طالما أن الأمر مرتبط بنوع وشكل الحكومة القادمة.لا تغيير يذكر في السياسة الخارجية لتركيا حتى تنال الحكومة القادمة ثقة البرلمان أو إلى ما بعد الانتخابات المبكرة في حال فشلت الأحزاب المكلفة بتشكيل حكومة، ما يعني أن مدة لا تقل عن ستة أشهر لن نلمس فيها تغييراً حقيقيا في السياسة الخارجية.وحتى ذلك الحين، يرجح أن يخفف أردوغان انتقاداته للأحزاب الداخلية، وأن يقلل من التصريحات الخارجية التي قد تثير حفيظة توجهات الأحزاب خلال فترة التشاور لتشكيل حكومة.وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة بخصوص نوع الحكومة وطبيعتها:أولاً: حكومة ائتلافية: سيعتمد الأمر في هذه الحالة على نوع الشريك الائتلافي وعلى المواضيع التي سيتم الاتفاق عليها أو المساومة بشأنها. المرجح في مثل هذه الحالة أن يبحث العدالة والتنمية عن الشريك الأضعف والأقل عددا والمرجح لذلك هو حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب الحركة القومية. يكاد يجمع أغلب المحللين على عجز الأحزاب الثلاثة المعارضة على تشكيل حكومة بعيدا عن العدالة والتنمية لتناقض هوياتها الإيديولوجية وتضارب وتضاد مشاريعها السياسية.الأرجح أن يكون الائتلاف بين حزب العدالة وحزب آخر، فإذا كان الائتلاف مع حزب الشعوب الديمقراطي، من المرجح أن يكون العمل الأكبر منصب على تسريع ملف المصالحة مع الأكراد وإظهار دعم تركيا لهم إقليميا سواء في سوريا أو إقليم كردستان. أما إذا كان التحالف مع الحركة القومية فالمرجح تعثر ملف المصالحة مع الأكراد لصالح النزعة القومية والتخلص من طموحات أردوغان بتحويل البلاد إلى نظام رئاسي، والحد من التدخل التركي في أزمات المنطقة والانكفاء نحو الملفات الداخلية الأمر لا يكاد يختلف ما إذا تم الائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري. وسيكون التركيز على ملفات كشف الفساد الداخلي وإسقاط مشروع النظام الرئاسي والتوافق على بعض البرامج الاقتصادية.ثانيا: حكومة أقلية يمثلها حزب العدالة والتنمية: في هذه الحالة سيكون من الصعب اتخاذ قرارات مصيرية على الصعيدين الداخلي والخارجي لعجز الحكومة في الحصول على ثقة الأغلبية البرلمانية في كل قضية تتقدم بها. وسيكون الأمر مرتبطا بكل قضية على حدة، حيث ستنظر كل كتلة إلى الفائدة المرجوة من التصويت بنعم أو لا.ثالثاً: التوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة: وهذا يعني بقاء حكومة داوود أوغلو، وبقاء السياسة الخارجية كما هي دون تحويل أو دفع نحو الأمام، وإنما ستكون إستراتيجيتها هي تقطيع الوقت لحين تجاوز الأزمة السياسية بانتخابات جديدة تسمح بوجود حكومة من لون واحد، يراهن العدالة والتنمية على كسبها فيما لو أجريت الانتخابات المبكرة.وفي نظرة سريعة على المواقف التركية المتوقعة لجهة قضايا الشرق الأوسط نجد أن الأحزاب الثلاثة الفائزة في البرلمان معارضة في مواقفها لتوجهات حزب العدالة والتنمية الأساسية في الشرق الأوسط بدرجات متفاوتة. الاختلاف الأوسع هو بين حزب العدالة، وحزب الشعب الجمهوري سواء في سوريا أو مصر أو في العراق وغيرها من الملفات. في حين تخف حدة الخلاف مع الحزبين الباقيين، وقد يتمكن العدالة والتنمية إلى التفاهم مع شريكه الائتلافي منهما بخصوص السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط كون العدالة والتنمية يدرك أن من طبيعة الحكومات الائتلافية هو التوجه نحو القضايا الداخلية بشكل أكبر، وقد تعود تركيا إلى سياسة الانسحاب الهادئ والتدريجي وإعادة اعتماد سياسة صفر مشاكل حتى لا تقع في أزمة داخلية. المحرك الأساسي للسياسة الخارجية في هذه الحالة هو الاقتصاد ما يعني مزيداً من الانفتاح نحو إيران وروسيا ودول الخليج ودول شمال إفريقيا.
341
| 13 يونيو 2015
في انتخابات قد تغير هوية تركيا ومصيرها السياسي، تشتد المنافسة بين الأحزاب السياسية على نيل أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، ويأخذ الصراع السياسي مداه باستعمال القوى المشاركة كلّ الأسلحة المتاحة لحشد أكبر عدد ممكن من المؤيدين وإلحاق الهزيمة بالمنافسين.. هنا يحضر التخوين والاتهام بالعمالة أو الانحراف عن المسار الديمقراطي والعمل من أجل أجندات سرية تهدف إلى تدمير البلاد وتفتيته. ومن يتابع خطابات الزعماء السياسيين خلال الأسبوع الجاري فقط يدرك حجم الاتهامات والاتهامات المضادة.بعيدا عن بيانات مراكز استطلاعات الرأي المتضاربة، يبقى السؤال الأهم في العملية الانتخابية: ما السيناريو المتوقع في حال فشل حزب العدالة والتنمية في تحصيل النصاب المطلوب برلمانيا للموافقة على إجراء استفتاء يتمكن من خلاله تعديل النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي؟ لا شك أن حماسا يجتاح الحزب الحاكم وهو أمر تعكسه ماكيناته الانتخابية الناشطة منذ عدة أيام في عموم الولايات التركية، ولا يكاد يجاريها حزب منافس في حملتها الانتخابية أو حتى يقترب منها، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحزب الحاكم قادر على بلوغ العتبة التي تؤهله لتغيير النظام السياسي في البلاد. من حيث التحليل.. يقال: إن العدالة والتنمية سينال، في أحسن الأحوال، نفس نسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات البلدية التي جرت العام الماضي، وأنه على الأغلب الأعم سيتراجع عدة نقاط لصالح الأحزاب الصغيرة الإسلامية وغير الإسلامية، وسيكون للأحزاب الكردية النصيب الأوفر من أصوات الناخب الكردي الذي كانت أصواته تذهب لحزب العدالة والتنمية على خلفية موقف أردوغان من عين العرب - كوباني في سوريا. حالات الفساد والتستر عليها ومنع التحقيق القضائي بشأنها، وفقاً لما تورده الأحزاب المعارضة، تركت أثرها على الناخب التركي، كما أن الحملة الشرسة التي تشنها الحكومة على جماعة فتح الله غولن تركت أثرا لا يقل عن الآثار الأخرى.السياسة الخارجية التركية حاضرة هي الأخرى بقوة في السجال السياسي، يحكى هنا عن إخفاق في عدة ملفات، منها الملف السوري الذي تحولت سياسات أردوغان فيها إلى ظاهرة صوتية تحدث ضوضاء دون أثر فعلي، ويستحضر هنا قبيل بدء العملية التصويتية بأيام، وبشكل معروف المقصد، حادثة الكشف عن أسلحة مهربة إلى سوريا بسيارات تتبع لأجهزة الاستخبارات التركية. يراهن خصوم أردوغان على أن نسبة تصويتية إسلامية قد تضع أصواتها في خدمة أحزاب أخرى، مثل حزب الحركة القومية الذي يوصف بالمحافظ، وستفضله على العدالة والتنمية وربما على حزب السعادة التي لا تشير استطلاعات الرأي أنه سيتخطى العتبة التي تسمع له بحجز مقاعد داخل البرلمان. وعودا للسؤال: ماذا لو فشل العدالة والتنمية في نيل ما يريد؟ يجيب خصومه: السيناريو المتوقع هو حدوث انشقاق.. يحكى هنا عن خلاف يتسع بين رئيس الحزب أحمد داود أوغلو، والرئيس رجب طيب أردوغان، وبين الأخير وكل من الرئيس السابق عبد الله غول، والقيادي البارز في الحزب بولند أجاويد.ثم إن الولايات المتحدة التي دعمت رجب طيب أردوغان في انشقاقه عن الأب الروحي للإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان لاعتبارات مرتبطة بليبرالية أردوغان ومرونته السياسية تجاه المصالح الحيوية للغرب في تركيا، ثم دعم واشنطن فتح الله غولن في الأزمة الحالية القائمة بين جماعته وأردوغان بحجة أن "الإسلام السياسي" في طريقه إلى الفشل وأن البديل الذي يتم الترويج والتمهيد له هو "الإسلام الاجتماعي" قد تدعم حصول انشقاق داخل العدالة والتنمية إذا ما شعرت أن انشقاقا سيأخذ بعض قيادات الحزب مع شريحة واسعة من أعضائه وطبقات اجتماعية داعمة في سيناريو مشابه لما حلّ بحزب أربكان بعد خروج العدالة والتنمية من رحمه. في هذه الحالة تكون تركيا عادت إلى حظيرة الغرب التي وضعتها فيها منذ إلباسها قبعة أتاتورك وبقيت تحت السيطرة بعيدا عن طموحات الإسلاميين الأتراك في تحويل البلاد بحلول العام 2050 إلى دولة عظمى تأكل مما تزرع، وتلبس مما تنسج، وتحارب بما تصنع، حينها يحسب لها ألف حساب في السياسات الدولية وليست الإقليمية فحسب، وهو ما سيدفع الغرب لكوابيس القرون السابقة حين كانت الخلافة العثمانية تؤرق السياسة الداخلية والخارجية للدول الأوروبية بما فيها روسيا الجارة الشمالية لتركيا!. هل سينجح الناقمون على العدالة والتنمية داخليا وخارجياً في تحقيق هذا السيناريو أم سيصدم أردوغان العالم بفوز جديد كما صدمهم في الانتخابات البلدية السابقة؟.
259
| 06 يونيو 2015
يعتبر تنظيم داعش قفزة نوعية في الأدبيات والسلوك العسكري لتيارات الجهاد العالمي، فأصحابه يحملون إيمانا راسخاً يتخطى ما كان لدى أفراد تنظيم القاعدة بمراحل، ومعه تحول تنظيم القاعدة إلى مجرد فكر عابر للحدود، في حين شرع تنظيم الدولة في بناء دولته بكل معنى الكلمة. وقد أثبت التنظيم قدرة فائقة في التخطيط والمناورة والمواجهة العسكرية، إذ لم يفلح التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب في القضاء عليه، وما حققه هو فقط الحد من سرعة تقدمه أو إخراجه من بعض المناطق. ومع بناء دولته، لم يعد داعش تنظيما متطرفاً فحسب، بل بات المهدد الأول لكل دول المنطقة. وعلى الرغم من أنه لا توجد دولة في العالم تريد للتنظيم أن ينجح في تأسيس دولته، والجميع يعلم أن التنظيم هو خطر وجودي عليه، إلا أن سياسة الاحتواء والمواجهة تختلف وتتفاوت من بلد إلى آخر.أحد أبرز أسباب نمو وتمدد التنظيم هو الصراع الطائفي والتأجيج المذهبي، لاسيَّما السني- الشيعي. وكلما اشتد الصراع المذهبي كلما سمح للتنظيم بالتزايد والانتشار. في حين ستشعر إسرائيل براحة تامة لسنوات وربما لعقود قادمة، حيث إن الفكر الداعشي يرى محاربة المرتدين والصحوات من بني الإسلام أولى بكثير من محاربة الإسرائيليين والغزاة الكفرة لأرض الإسلام على قاعدة "المرتد أولى بالقتال من الكافر الأصلي".وإذا نجح التنظيم في إقامة دولة مستقرة نسبيا، فسيصبح نموذجا يحتذى لكل شاب متدين يتطلع إلى إقامة دولة إسلامية، وتتلاشى معه عمليات الجذب لتيارات إسلامية أخرى مثل الإخوان والتحرير والدعوة والتبليغ والسلفيات العلمية. ولنجاح التنظيم في بناء دولته، يتطلب الأمر من منظوره تصفية الأقليات وترحيلها والقضاء التام على كل الفصائل والأحزاب والشخصيات المعارضة وتعميم ثقافة الطاعة والعزل للمجتمع القابع تحت سلطته والشروع بعملية غسل دماغ واسعة لأبناء المجتمع، ما يسهل قيام مجتمع يسعى بكل قوة للحفاظ على أدبيات وطروحات التنظيم وسيعتبرها عين الإسلام الذي جاء به النبي محمد.وإذا لم يتم القضاء على التنظيم خلال السنوات الخمس القادمة، الأرجح أن تذوب فيه كل التنظيمات الجهادية في العالم ممن تنتمي للسلفية الجهادية عقائدياً.الهدف القادم للتنظيم بعد استقرار دولته في العراق وسوريا هي الأردن والسعودية وإيران وتركيا. فهدف التنظيم على المدى البعيد إزالة الحدود الكاملة بين الدول وإسقاط كل أنظمة المنطقة وتوحيدها تحت راية خلافة البغدادي وإنهاء أي مخاطر داخلية قبل التفرغ للعدو الخارجي (اليهودي والصليبي) وهذا يتطلب حاليا القضاء على كل الفصائل السورية المسلحة ضمن مناطق المعارضة وإخضاعها لولائه، ثم يتحول نحو النظام السوري فيسقطه، وهو نفس ما حاول تطبيقه في العراق، ينتقل بعدها للتمدد جغرافيا نحو المناطق الأخرى بنفس طريقة تمدد "بقعة الزيت".تفجيرات المساجد في السعودية هي بداية مرحلة التوسع نحو الداخل السعودي، حيث إن مراحل التمكين لدى التنظيم تبدأ بالمرحلة الأولى (التعرية): التحريض على السلطة ونزع الشرعية عنها دينيا، تليها مرحلة التعبئة: تتمثل في خلق حالة من الغضب والحنق الشعبي على السلطة، وصولاً إلى المرحلة الثالثة (نزع المهابة من السلطان) ويتم خلالها تشكيل جبهات رافضة للسلطة على شكل خلايا تتحرك عسكريا لإسقاط النظام، ثم المرحلة الرابعة (خلق الفوضى الواسعة) وأبرز ما فيه يتمثل في زرع القلاقل وضرب مفاصل الدولة باستهداف الأمن والأسواق ومراكز العبادة بمفخخات واغتيالات لتأليب الرأي العام وإظهار الحاكم أنه عاجز عن ضبط الوضع، وصولاً إلى الاستنزاف التام لكل مؤسسات الدولة حتى يسقط النظام تماما، إما عن طريق انقلاب عسكري أو تظاهرات شعبية تطالب بالتغيير تتمدد لتحول إلى ثورة مسلحة أو أن يتمدد التنظيم بالقضم المستمر للأرض والمجتمع. والسيناريو الذي بدأ في السعودية يفترض أن يتكرر في الدول المستهدفة التي من المتوقع أن نشهد نفس الحالة فيها إذا ما تمكن التنظيم من الحفاظ على وجوده والتمدد نحو تطبيق مخططاته في التوسع.وفي إطار مقاربات لكيفية مواجهة التنظيم، فلا يتوقع العارفون أن يتم القضاء على التنظيم في سنة أو سنتين وقد يحتاج الأمر إلى سنوات في إطار رؤية متكاملة وشاملة وأن تتم على مراحل وفي كافة المجالات، فكريا وفقهيا وسياسيا واجتماعيا. على سبيل المثال بقاء الاحتقان السياسي في مصر أو الانقسام في ليبيا أو الأزمة في كل من اليمن وسوريا سيبقى التنظيم قويا ويتمدد، ثم أن مواجهة التنظيم تتطلب تفاهما وحوارا إقليميا إيرانيا سعوديا تركيا، ومن ثم التعاون الدولي لمواجهة التنظيم على كافة الصعد.
259
| 30 مايو 2015
في تركيا، تقترب الانتخابات البرلمانية، ويشتد الصراع بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين أحزاب المعارضة لاسيَّما القومية منها التي تخشى من تحول نظام الحكم في البلاد إلى رئاسي. وفي الوقت الذي تهتم فيه تركيا بالانتخابات القادمة فإنها تعمل بصمت على توحيد الفصائل العسكرية المسلحة في سوريا وإدارة ملف التنسيق بين المكونات السياسية تمهيدا لجمعها في ثوب واحد يضم أطيافها المتنوعة. يمكن الحديث هنا في إطار من التجاذب الداخلي وتعدد الرؤى داخل مراكز القرار عما يحكى عن صراع بين الرئيس أردوغان وقائد أركان الجيش حول الدور التركي في سوريا بعيد زيارة رئيس الحكومة داوود أوغلو ضريح مؤسس الدولة العثمانية داخل الأراضي السورية. فاهتمام تركيا ينصب على اجتماع وزراء خارجية الناتو في تركيا مؤخراً والذي يهدف إلى مواجهة داعش تزامناً مع بدء البرنامج الأمريكي لتدريب المعارضة السورية المعتدلة داخل الأراضي التركية لمواجهة تنظيم الدولة، وهي خطة تبدو متكاملة لمواجهة التطرف الديني من المنظور الأمريكي إلاّ أن لتركيا تحفظا واضحاً من الإستراتيجية الأمريكية إذ ترى أن رحيل الرئيس الأسد ومواجهة داعش خطان لا يمكن الفصل بينهما وهي مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة إذا قبلت الأخيرة بهذه المعادلة. ولهذا تسعى أنقرة بالتنسيق والتعاون مع دول خليجية إلى توفير بيئة آمنة لحكومة الائتلاف في الشمال على وقع الانتعاش في العلاقة المتجددة مع دول الخليج بعد فترة من التوتر خلال السنوات الثلاث الماضية.التقاطع التركي السعودي في الملف السوري لا يعكس رؤية موحدة تجاه إيران، أنقرة وطهران ترتبطان بعلاقات جيدة نسبياً وهناك اتفاقات تجارية مبرمة لم تتأثر بالتصريحات النارية والعدائية بين البلدين، في حين لا ينطبق الأمر على العلاقات الإيرانية السعودية، فاستهداف إيران هو على رأس أولويات الرياض التي تجد طهران تقف خلف أغلب مشاكل المنطقة، وعلى ما يبدو فإن العداء السعودي لإيران تحول من مناكفات إلى إستراتيجية واسعة متعددة الأذرع وعلى مراحل متنوعة.وتتضح معالم هذه الإستراتيجية شيئا فشيئا بعد أن أعادت الرياض ترتيب أولوياتها الخارجية والتي جاء على رأسها استهداف إيران التي يتمدد نفوذها في اليمن والبحرين وبعض المناطق الشيعية داخل المملكة. ومواجهة النفوذ الإيراني تتطلب وفق الرؤية الخليجية توحيد جميع الجبهات ضدها (في لبنان، اليمن، سوريا، العراق، البحرين..) وعلى كافة الصعد (عسكرياً، سياسياً، دبلوماسياً، إعلاميا، استخباراتيا، اقتصادياً، ودينيا).عسكرياً: من خلال المواجهة المباشرة كما هو حاصل في اليمن، أو توحيد الفصائل المسلحة ودعمها كما هو الواقع في سوريا، ومن ثم الإيعاز للفصائل السورية المسلحة بعدم حضور مؤتمر جنيف إذا حضرت إيران ولم يقم المؤتمر على أسس رحيل بشار الأسد نفسه، وكانت دول خليجية دعمت تأسيس جيش الفتح في القلمون تمهيداً للمعركة مع حزب الله، وتحييد داعش، لكن الجهود فشلت في احتواء الأخير حيث تفجر الخلاف من جديد بينه وبين باقي مكونات جيش الفتح في القلمون، وهو ما أثر على سير المعارك والخطط. سياسياً: توحيد كل المعارضات العربية خلف النظم الحاكمة في مواجهة إيران، فغير مسموح لأي فرد بالدفاع عن إيران في هذه المواجهة.دبلوماسيا: بدأت السعودية تتحدث في دوائر القرار الدولي عن الاحتلال الإيراني لسوريا وليس عن قمع نظام لشعبه كما اعتدنا سماعه سابقاً. وهناك مساع لوضع دول الخليج في خانة حليف لحلف الأطلسي، قد يترجم بتحالف تركي خليجي أمريكي كما يقول جمال خاشقجي في إحدى تغريداته التويترية.إعلامياً: يتمثل في حشد جيش من الكتاب والصحفيين والإعلاميين ضد إيران تزامناً مع إطلاق حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي (تم خلال اليومين الماضيين إطلاق حملة "بث موحد" لمدة ساعتين على أربعين قناة موجهة ضد إيران). وقد يتطور الأمر إلى توفير الدعم المالي والسياسي والإعلامي لعرب الأهواز، أملاً في نقل الحرب إلى داخل إيران وإشغالها بنفسها.لاشك أن الإستراتيجية السعودية تجاه إيران تختلف عن مثيلتها التركية، وهي لعبة صفرية –على الأغلب- فإما أن تنجح السعودية فيها بمهارة وتربح كل ما نويت حصده قبل بدء اللعبة وإما أن تخسر كل شيء، حينها لن يكون بمقدور أحد التنبؤ بما قد تؤول إليه الأمور في الشرق الأوسط كله.
528
| 16 مايو 2015
تدخل الأزمة السورية منعطفاً سياسياً جديداً مع بدء المشاورات مع أطراف النزاع التي أطلقها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا لنزع فتيل الصراع القائم.. متغيرات محلية وإقليمية ودولية استجدت منذ اندلاع الأزمة قبل أربع سنوات. فالأحداث الجارية في اليمن لا يمكن فصلها بحال من الأحوال عما يجري في سوريا، إذ إن إيران ومحورها من ناحية والسعودية والتحالف العشري من ناحية أخرى، كلاهما يرى أن انتصار أحدهما في اليمن يعني انتصارا له وخسارة محققة لخصمه في سوريا والعراق وكل مناطق الصراع. انطلقت معركة القلمون – أو توشك- التي تعهد فيها النظام السوري وحلفاؤه بإنهاء وجود المعارضة فيها، وهذا يعني أن عملية تسخين الجبهة قد وضع على النار لأهمية المنطقة استراتيجيا في ربط المدن التي يسيطر عليها النظام واستقرار خط الإمداد اللوجستي لعناصره، في الوقت الذي يتمّ فيه تسريب معلومات، لا ندري مدى دقتها، تفيد أن المحور الداعم للمعارضة السورية قد يتدخل لمساعدة فصائلها المسلحة في القلمون إذا ما شعر أن المعركة المنتظرة قد لا تكون في صالحها.مجلة الشراع اللبنانية في عددها الصادر في الثاني من الشهر الجاري أوردت عن مصادر مطلعة قولها إن الطائرات التي غارت على مناطق حزب الله في القلمون قبل عدة أيام لم تكن إسرائيلية، كما ظن البعض، وإنما كانت عربية تنتمي لمحور عاصفة الحزم.يعزز ذلك تصريحات لبعض قيادات المعارضة السورية تتحدث بالفعل عن دعم عسكري عربي وإقليمي مؤكد ستحظى به الفصائل المسلحة في معركة القلمون، لأنه بنظر هؤلاء أن انتصار حزب الله في القلمون يعني انتصار لمحوره في اليمن أيضا، وهذا يعني أن وحدة المعركة أصبحت أكثر تماسكا وتماهياً من أي وقت مضى لدى طرفي الصراع من صنعاء إلى بغداد فدمشق.وما يحكى عن تخطيط لدى المحور العشري أو الثلاثي السعودي القطري التركي يقابله خطط للمحور الإيراني، ومن أحدث تحركاته في كسب النقاط الإستراتيجية في الصراع ما سربته المعارضة العراقية من أن قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران قد دخلت منطقة النخيب على الحدود العراقية مع السعودية والأردن دون تنسيق مع الجهات المعنية في محافظة الأنبار ودون مراعاة لهواجس العشائر في المحافظة.. التضييق على الحدود السعودية والأردنية هو الهدف من هذا التحرك وفقاً لما تقوله المعارضة العراقية.مستجد آخر دخل على الأزمة السورية منذ توقيع جنيف 1 عام 2012 تمثل بدخول تنظيم الدولة (داعش) على خط الصراع.. وهو أمر قال عنه دي مستورا لابد من أخذه بعين الاعتبار في المحادثات المتوقعة.وإلى جانب الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة لكل من تركيا والسعودية، تمثل المستجد الجديد في دعوة إيران التي استبعدت من مؤتمرين دوليين حول سوريا نظمتهما الأمم المتحدة في العامين 2012 و2014.. تحرك دي مستورا يواكبه تحرك إقليمي تسعى من خلالها السعودية إلى توحيد فصائل المعارضة بجناحيها السياسي والعسكري قبل مؤتمر جنيف القادم.. يحكى هنا عن تنسيق عالي المستوى بين السعودية وتركيا وقطر في دعم المعارضة المسلحة.. كما يحكى عن استعدادات مماثلة للجيش السوري وحلفائه.يرغب كل فريق أن يحقق أكبر المكاسب على الأرض قبل الذهاب إلى مؤتمر جنيف 3. وزائرو البيت الأبيض يقولون إن مزاجا أمريكيا قد تبدل لصالح دعم المعارضة السورية والتشدد على ضرورة رحيل الرئيس السوري في أي عملية سياسية، وأن ذلك ضروري لمواجهة الإرهاب.مع هذه التصورات والتطورات المتلاحقة، تصبح معضلة دي مستورا كبيرة والتحدي أمامه عظيم. وقد رأينا كيف أن سلفيه، الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان والدبلوماسي الجزائري المخضرم لخضر الإبراهيمي قد فشلا في إحداث ثغرة في جدار الأزمة السورية، فهل سيكون مصير دي مستورا كمصير سلفيه أم سيقدم شيئاً مختلفا؟ لا أحد من معسكري الصراع حتى اللحظة ولا من داعميهم الإقليميين متفائل بما قد تفرزه المحادثات الجارية حاليا، والتي قد تفضي إلى مؤتمر دولي في مدينة جنيف.. لكن الجميع يدرك أن ما بعد جنيف3 لن يكون كما كان قبلها!.
451
| 09 مايو 2015
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4227
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
1872
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1770
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...
1611
| 02 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1422
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1161
| 04 ديسمبر 2025
مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...
1149
| 03 ديسمبر 2025
لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...
903
| 03 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
663
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
630
| 04 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
552
| 07 ديسمبر 2025
ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...
501
| 03 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية