رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في "عموريّة" كان جيش المعتصم قد أدّى أوّل الصيف مهمته، التي اشتهرت فيما بعد على لسان شاعرٍ كبير هو أبو تمّام، الذي أثّر في النصّ الشعري، وأدخله مدرسة المنطق، وجمّلها بتوابل اللغة الجديدة "البديع". ولكنّ الذي أخذني إلى هذا النصّ، توصيفه توقيت الإنجاز العسكري، في الصيف الحارّ، إذ بدأت المعرك أواخر شعبان عام 223 هجرية، واستمرّت حتى فتح عمّورية 17 رمضان، وهو ما يقابل آخر يوليو حتى آخر أغسطس عام 833 ميلادية. وفي هذا الصيف القائظ، يكون الإجهاد أكثر، وهذا ما يتعب المحاربين، وقد كثرت الشكوى منها، ولعلّ ما وردنا منها في خطبة سيدنا علي رضي الله عنه، يشرح ذلك: "إذا أمرتكم بالسير إليهم في الحر قلتم حرارة القيظ أمهلنا حتى ينسلخ عنا الحر". ولهذا جاءت المرويات التي نصح فيها المنجمون الحليفة المعتصم بعدم القتال في الصيف، ولكنّ الخليفة يذهب في قراره تحت ضغط اجتماعي ديني، وإعلامي إن صحّ التعبير، في التنديد بسقوط عمورية على المساجد، وفي القصائد الأدبية. يظهر ليل أبي تمام الصيفي كثير النجوم "شابتْ نواصي اللَّيالي وهيَ لمْ تشبِ" ونهاره شديد الحرّ، فالجندي الهارب من نار الحرب يعدو "مِنْ حَرّهَا عَدْوَ الظَّلِيم"، ويقارن بينهما (الليل والنهار" مقارنة لونية، بعد أن تبادلا السواد والبياض، لاشتعال النيران ليلًا، وانتشار الدخان نهارًا: "ضوءٌ منَ النَّارِ والظَّلماءُ عاكفةٌ/ وظُلمة منَ دخان في ضُحى شحبِ"، لكنّه يؤجّل الإفصاح عن وقت المعركة حتى الثلث الأخير من القصيدة، في تعريضه بالمنجمين، الذين لم ينجو منه في أولها، فها قد تمّ النصر قبل مغادرة الصيف، مشيراً إلى فاكهة الصيف الشهيرة "التين والعنب" المشهورة في تلك البلاد: "تِسْعُونَ أَلْفًا كآسادِ الشَّرَى نَضِجَت/ جُلُودُهُمْ قَبْلَ نُضْجِ التينِ والعِنَبِ". يسمّونه في الشام "آب اللهاب"، وفيه جرت معارك شهيرة كاليرموك، وجالديران، ومرج دابق.
5734
| 31 أغسطس 2016
في 1975، تعلمت المنقلة، ولعبت مع أخي مباريات لا يحصيها العدّ، حين نحمل خشبة الجوز بدوائرها الغائرة، من دار إلى دار، طوال صيف مديد. لم أكن لاعبًا جيدا، ولا مدمنًا، ولكني تعلمت أن البيوت ترحل وتنزل، وأن البيوت تفرغ من حجارتها مهما امتلأت، وأنّ أفضل المباريات وأشدّها حماسة، هي التي تنتهي في اللحظات الأخيرة، بزيادة حجر وحيد على الخصم، يسمونه "القعود" -نسبة إلى ابن الجمل- تماماً مثل مباريات الكرة التي تنتهي بضربات الجزاء، وعندما يكون في رصيد اللاعب خمسون حجراً، فإن المباراة صارت في اليد. وها أنا أضع خمسين حجراً في بيوتٍ كثيرة، شهدتها ست محافظات، في سوريا، وست بيوت أخرى في الدوحة، صلصل الحجر فيها على شواطئ، ودروب وفي مساءات وأصابيح. أنا فزت بالقعود، ولم أتخبّأ من "درب الأعمار"، لعبت الكرة، وسددت طويلاً على أهداف بعيدة، ركبت باصات كثيرة، وركبت القطار الأحمر المكتوب على عرباته بخطوط نافرة خ ح س، جرّبت اليُتم، صغيراً، وعاشه أطفالي قبل سنوات، حشوت ذاكرتي بنصوص رديئة، وهربت إلى حكايات جدّيّ، تركت المنقلة والشطرنج إلى كرة القدم، استأجرت مع الطلاب والعساكر، غرفاً تنقطع عنها الكهرباء، ويرسم المراهقون على حيطانها الكلسية صورا لفتيات قادمات من الحلم. خمسون حجراً؛ جمعتها "قعوداً قعودا، ورِجعة رجعة"، فزت فيها بأولاد وأحفاد، وصور مختلفة، ورعيت فيها الدواب، وشاركت أخوالي الرحيل والنزيل في أكثر من ربيع، عرفت نبات الصحراء، ولحم الخراف المطبوخ باللبن، عرفت مدرّسين وطلاّباً قرأت لهم شيئاً من المعرّي. اخترعت مع إخوتي عشرات الألعاب في بيت صغير، مازال هناك على شفا حروب لم تنتهِ. خمسون مرّت، لا جرس ولا مرياع، سأقول يوماً: لا تسأل الخمسين ما فعلت، وأنتظر أصدقائي الشعراء أن يزيدوا على ما لم أزد، خمسون من حجر وغيم ودروب، ولا أجد حجةً للتعرف إلى جاري الجديد، فالدكاكين التي لا تنام، تجعل من العيب أن تدق باب جارك لتستعير شيئاً، خمسون مدروزة بآمال صغيرة، وجلاءات وشهادات خبرة، وقصائد منشورة في صحف محلّية. فاز أبي بالقعود، ولم يزد، وفاز جدّي بكلّ الحجارة، وزاد عليها، ومازال أقارب لي يلعبون مع الحياة ويكسبون حجارة، في حين يموت الأحفاد في الجبهات المشتعلة، مع كلّ الجهات وضدّ كلّ الجهات، شباب راغبون في الموت الجديد، الموت الذي تعقبه كلمات قصيرة، وصور، ثمّ تمضي الأمّهات في حدادٍ أبديّ، لا يعرفه أمراء الحرب.
277
| 24 أغسطس 2016
تحضر الرياضات المعاصرة في متن الثقافي، وربّما تذهب إلى الإبداعي، بحضورها الأنيق، في حروب صغيرة جميلة، تشغل العالم الذي يستريح من الحرب القذرة، التي تنتصر للغة الدم، فكيف بنا ونحن نتابع الدورات الأولمبية التي تنعقد كلّ سنة كبيسة مرّة، تمامًا كموسم الانتخابات الأمريكية. لا ينقص هذه الجمهرة الإنسانية إلاّ إعلان صارم من الأمم المتحدة، تفرضه القوى المهيمنةـ يقضي بتوقف الحروب، في أيام المسابقات. رغم أن الدورة الأولمبية هذا العام حطّت في أرض السامبا والجمال، إلاّ أن أولمبياد الدم، جار على هذا النشاط الأمميّ، ولكنّ البرازيل تظلّ البرازيل، فهي إلى الآن لم تملأ جيوبها من الميداليات الملوّنة، وتراجعت مراكز إلى الوراء، رفقة الدول النامية رياضيًا. يسجّل للبرازيل حفاوتها بالهامش، فكما حدث في نهائيات كأس العالم 2014، حين أقامت نهائيات موازية لأولاد الشوارع، فقد اهتمّت هذا العام، باستضافة أبطال لاجئين، ضمن المسابقات، وكان منهم السباحة السورية يسرى مارديني، التي نجت من الغرق على شواطئ اليونان، بعدما انقلبت سفينتهم البالية الصغيرة (البلم) وواصلت مع أختها سباحة حتى الشاطئ. في ريو يستعيد العرب، بحدّة أخفّ، سؤالهم التقليدي، عن حضورهم في مثل هذا النشاط، الذي يعدّ مؤشّرًا على تقدم الأمم، إضافةً إلى مضمار الاقتصاد، والتعليم. كما يشير إلى عودة الولايات المتحدة إلى صدارة العالم في هذا النشاط، بعد سنين طويلة كانت الصدارة فيها للاتحاد السوفييت (سابقًا)، مع ظهور قوة جديدة هي الصين التي فازت بالمركز الأوّل عام 2008 في البطولة التي استضافتها. ويبدو أيضًا أن تركيز العالم والإعلام، اتجه مؤخّرًا إلى لعبةٍ بعينها، فرغم تمثيلها في الأولمبياد، إلّا أن أخبار الدوري الأوروبي، أخذت جانبًا كبيرًا من الاهتمام، ولو تمّ دراسة هذا الموضوع، لكان حضور الأولمبياد أقوى. في مقابل الشعار الأولمبي، أعلى أقوى أسرع، يجب أن يتخذ الأدب شعاره في مضماره، مثل: " أنقى أعمق أروع" ففي البلاد التي تركض نحو المجهول على عكّاز، يسمع الناس بين الغارة والغارة، أنّ ذهبية القصف الأجدى، أحرزته طائرة روسية مثلًا. فثمة أولمبياد في بلدي، تتبارى فيه عشرات الميليشيات والأنظمة، على إزهاق الأرواح، ولا أدري من الفريق الفائز بقتل السوري الأخير، عندها سيكون الأولمبياد قد نجح.
205
| 17 أغسطس 2016
سيّدي الرئيس؛ كان في ودّي أن أخبرك أخباراً طيبة عن ديواني الخامس، وحفيدي الثامن، وذكرياتي عن الطبشور الفرنسي، وميراي ماتيو، وبعض العبارات التي ظلّت في البال من مسرحية البرجوازي النبيل لموليير، والممثلين البارعين آلان ديلون وكاترين دينوف، عن الإتيكيت الفرنسي، ومدرسة ما بعد الحداثة. كنت سأقول لك إنّ حفيدي (إبراهيم) في الرقّة، وقد ولد منذ عشرة أيّام، وليس له علاقة بسائق الشاحنة في نيس؛ فلا تصدّق واضعي الأهداف أن إبراهيم إرهابي، كنت سأقول لك إني حتى الآن لم أره، طلبت الصورة مراراً من أهله، يقولون إن الكهرباء مقطوعة دائماً في تلك القرية البعيدة، سامحني؛ فلن أذكر لك اسم القرية حتى لا يصطادها طياروك، كنت سأقول لك: أهل الرقّة طيّبون ولم يعرفوا الإرهاب ولا التديّن الحادّ في حياتهم، وأنّهم يبكون إذا سمعوا منشداً يغنّي "الموليّا". كان يجب أن تسمع الموليّا، لتعرف أن ثمة باريسيين في الشرق، يدينون بدين الحبّ والفنّ، وأنّ الرقّة أسيرة لعبة كبيرة، خاض فيها الجميع. كنت سأقول لك كلّ هذا، ولكنّ قصف طياريك لهذه القرية (قرية التوخار) بحجة دعوشة أهلها، فاجأتني بهذا الداعشيّ الصغير إسماعيل، إسماعيل ابن (البطة السوداء) يا سيدي، أنا أعرف أنه شقيّ، أقصد من ملامحه وجسده المتعافي، ولكن هل يعقل أنه من أرسل سائق الشاحنة إلى نيس؟ أنتم أدرى. ربّما قال لكم من قال إن إسماعيل هو من حمل ساطوراً، أو ارتدي حزاماً ناسفاً، ولكن ألا ترى أن هذا الطفل بحلاقة (البانكي) لم يقصّ شعره، ولم يقصّر ثوبه، ولم يضع طاقية على رأسه؟ أنا أكتب لك، وربّما لا أجد من سيترجمها لك، فبؤساء هيغو تناسلوا فينا يا سيدي، في كلّ مدينة وفي كلّ حارة وفي كلّ قرية، ثمة جان فالجان وثمة مسيو تيناردييه وثمة الشرطي جافير، وفي كلّ بيتٍ يا سيدي (طاعون) وثمة (ذباب)/ وثمّة هواة كرة يهربون من الواقع بتشجيع الفرق التي لعبت في يورو 2016، وصفّقت للاعبكم رقم 7، وحزنت لخسارتكم اللقب، كما حزنت لضحاياكم في حادثة نيس. يا سيّدي أكتب لكم؛ لأقول لك نحن لسنا إرهابيّين، ولا طاقة لنا بالهجرة التي يجب أن نسير على صراطها المستقيم الضيّق فيقع من يقع، ويغرق من يغرق، حتى يصل المغامرون إلى جنّتكم الموعودة. نحن يا سيدي لسنا إرهابيّين، لسنا قتلة، وأنتم أدرى بلعبة الإرهاب وصناعته، نحن أغنية تلك الأرض البائسة، نغنّي لليل الصحراء الموليّا، ثم نبكي. قديماً كان إسماعيل وإسحاق ابنا إبراهيم، وإسماعيلنا هذا، هذا الذي يتمدّد مبتسماً على ترابٍ هشّ ليس إلاّ ذاك الـ (إسماعيل) في صحراء الرعب، يصرخ من العطش، وأمّه المحاصرة تبحث له عن جرعة خلاص، في هذا السراب الأمميّ. ثم ألا ترى أنها ليست معه؟
303
| 10 أغسطس 2016
"بونجور"، أو "بونسوار"، أو "بون ميدي"، هذا ما عرفته من أدب الحياة، وأنا أدبّ في درب الثالثة عشرة، على يد المدرّس الزاهد دخيل أوسي. ومن أيامها كنّا محسوبين على فرنسا، بشكلٍ أو بآخر، لأنّنا أولاد الفلاحين البسطاء الذي لا واسطة لهم تمكّن أولادهم من تعلم الإنجليزية. كان الأستاذ دخيل يجتهد أن يعلّمنا الحروف الصوتية الصعبة التي عانى من تعلّمها برجوازيّو باريس، ونبلاؤها الجدد. سيّدي الرئيس؛ أنا أحب فرنسا، أحبّ فيكتور هيجو، وميراي ماتيو، وجان جاك روسّو وفولتير والروائي (الأزعر) بلزاك، والكئيب البير كامو، وأحبّ غافروش وكوزيت وجان فالجان، وأتذكر دائمًا شكل مدام تيناردييه، حين يقرأ لنا المدرس العبقري محمد بشير صالح، الذي يبكي حين يتحدث عن فانتين المرأة التي حوّلها ظلم باريس إلى عاهرة. أنا أحب فرنسا؛ أحبّ فريقها الذهبي أيام بلاتيني وجيريس، ونسخته التالية التي فازت كأس العالم بفضل (زيداننا) شيخ الشباب، أنا أحب فرنسا جريدة الإيكيب التي حاولنا قراءتها ونحن صغار ولم ننجح، فقصصنا صور الرياضة، وعلقناها على الجدران. أحب فرنسا الصعلوك رامبو، ومركبه السكران، أحب فرنسا ريجيس دوبريه وديباجته البارعة التي ليس لي إلا أن أدهش في ثناياها، أحب فرنسا مطبخ الفكر الجديد من وجودية جان بول سارتر، إلى بنيوية سوسيير ورولان بارت صاحب موت المؤلف، أحبّ طاعون كامو، وأكره "ذباب"، وأقطع الدروب التي مشاها "ريمي" المكسين مع فرقة سيرك فقيرة. أحبّ طواف فرنسا، وفولارها الأصفر، وراءها الباريسية، ونهر سينها، وحيّها اللاتيني، وجامعتها السوربون، وشوارعها في (أديب طه حسين) وروعتها في دهشة الطنطاوي، وعزة نفس شعرائها في رواية سيرانو دي بيرجراك. أنا لم أزر باريس، قال لي دخيل أوسي يومًا: إذا بقيت على هذا المستوى حتى الصف العاشر سأرسلك إلى فرنسا، لم أزرها لأني طالب كسول، ولم أزرها فيما بعد لأن السياحة ليست لأمثالنا، ولم أزرها لاجئًا، لأنّ متاحًا من الهواء لا يزال في رئتيّ، ولأنّي اخترت منفاي قبل فصل الربيع العربي. eassash2@hotmail.com
304
| 03 أغسطس 2016
أيها الإرهابي الصغير، أيها المندس، يا عدوّ الجميع، وأنت تتبلّل بغيث الطائرات؛ وتنام إلى حين، أيها المشاغب العفيّ، المبتسم في وجه الموت والقصف والطائرات، وتهمة الإرهاب الأبدية. هذا جزاء ما اقترفت يداك، من التراب وإلى التراب، نم هنا، وانتظر حساب يوم الحساب، يوم العرض على الواحد الديّان. قل مرافعتك أمام الحق، والعنا جميعًا، سنصفق لك بالتأكيد، وأيدينا في الأصفاد، وننتظر محاسبة المتفرّج الذي صفّق للجميع، وهتف للجميع، وداس عليه الجميع. دمنا ماء، وشهداؤنا قتلى، وقبورنا بطون الهوام، وندامانا بنات الحزن، وليلنا طويل.يا صغيري؛ يا إرهابيّنا الجليل؛ هل كنت "عطشان" عندما لمعت القنبلة أمام عينيك؟ هل أعطوك الوقت لتقضي حاجتك؟ هل كنت نائمًا وحلمت بطعامٍ لا يشبه طعام المحاصرين؟ وهل وعدك أبوك أن يذهب إلى السوق ويشتري لك الحلوى الرخيصة، حلوى الفقراء؟ وهل قتلوك يا أيها الولد الآثم قبل أن "تتهجّأ فلسطينك" كما نعى الدرويش يومًا محمد الدرة؟ وقبل أن تهرب إلى أرضٍ جديدة، يعدونهم فيها بالمنّ والسلوى، وملاعب ومراجيح. كنت أشرف منّا، وأنبل منّا، نحن الذين نسكن البعيد، هنا وهناك، نجيد الفرجة والتحليل، وتقليب "الريموت كونترول" على المشاهد المؤسية. أيها الجرح الذي لا يندمل، والأسى الذي لا يشيخ. ولكن تعال؛ قل لي ما اسمك؟ تخيّل أنني أحدثك حتى الآن ولا أعرف من أنت؟ جاسم المحمد؟ قيس العلي؟ حمزة؟ خالد؟ حسن؟ عمر؟ … وإذًا؟ كيف حاكموك دون أن ينادي عليك في المحكمة منادٍ يحمل "صينية" الشاي وفوق أذنه قلم رصاص؟ يا أخي لو حاكموك وهم في الطائرة، يتتبعون الهدف المرصود؟ معقول أن تظل بلا اسم هكذا. ثمة أغنية تقول إن أسماءنا موجودة في عيوننا؟ ولكنّك لا تريد النظر إليّ. بـالله عليك انظر إليّ، يا أخي "لا تتدلّل علينا"، انظر لأقطف اسمك من جنّة عينيك. سأسميك ذا الرداء الأحمر، وأغنّي لك "يا بو الثويب أحمر" أو "أبو الأحمر جنّنني" كما يكتبون على سيارات طريق منبج - حلب. اسمع؛ احكِ معي، والله سأشتري لك ما تريد: أقلام – نظارات - سيارة تمشي بالبطاريات - بالونات - عصير – آيس كريم.. أي شيء، أيّ شيء. قم أيها البطل الشهيد شجرًا في وجه الريح والقصف.
262
| 27 يوليو 2016
باتت الخريطة ملازمة لنشرات الأخبار العربية والعالمية منذ سنوات قليلة، وبخاصة بعد حركة الربيع العربي التي انتقلت في معظم بؤرها من المظاهرات إلى الحراك المسلّح الدامي. تعرّف مشاهدو التلفزيون معظم أسماء ساحات المدن العربية، وأسماء مناطق تجمع المظاهرات من شارع بورقيبة في تونس إلى ساحة التحرير في القاهرة إلى ميدان السبعين وشارع الستين في صنعاء. وما لبث أن صعد نجم مدن صغيرة أخرى ظلّت خاملة الذكر، فمن سيذكر البيضا الليبية أو زملكا السورية أو الضالع اليمنية، وما هذه إلا نموذج بسيط عن عشرات المواقع التي مرّت على لسان قارئ النشرة والمحلّل السياسي وقارئ الجريدة العادي من بوابة العزيزية في طرابلس الغرب حتى القامشلي شمال شرق سوريّا. لم تعد الخريطة تلزم نشرة الأخبار الجويّة فقط، بل صارت ضرورة ملحّة للنشرات المتلاحقة السريعة التي تقف على أرض النار المشتعلة والممتدّة على خريطة الشرق الأوسط. لم تعد الخرائط هي الأخرى وحدها تكفي المتابعين الذين ذهبوا إلى صفحات الكتب ومواقع البحث الكبيرة لتعرّف التفاصيل الدقيقة التي تساهم في صناعة الحدث اليومي، وظهرت طبعات جديدة من كتب الملل والنحل والتاريخ القريب والبعيد ليلبّي حاجة سوق القراءة.لكنّ اللافت أيضًا سرعة تمثّل الرواية العربية للأحداث الجارية بظهور روايات تعكس التحوّلات الصعبة في المشهد منذ رواية الصديق جاسم سلمان "غرباء في الرمادي" المنطلقة من إحدى أهمّ البؤر التي تحرّك الأحداث منذ غزو العراق 2003، إلى الروايات التي عملت دور المراسل الأدبي في نقل الأحداث. رغم أنّ رواية الربيع العربي لم تنضج إلاّ أنّها ضرورة أوّلية يحتاجها القارئ، لسدّ الفجوة المعرفية بينه وبين مواقع جغرافية برزت في ساحة الأحداث.
275
| 20 يوليو 2016
من المؤكد أن كرة القدم ورثت حقل الأساطير السابق، لتبني أسطورتها الخاصة في الحقل ذاته، بوصفها شكل الحرب الملائم لجمهور لا ينتظر مؤرّخين، وبرغم حروب الشرق الحزين الدامية، فإنها لا تصمد أمام ما وصلت إليه ثقافة الحرب الجديدة بوقائعها وأيّامها وأبطالها ومؤرّخيها وشعرائها (المعلّقين). حروب أوروبا التي أفسدت الدراما الرمضانية هذا العام؛ فدراما يورو 2016 هذا العام، كانت كفيلة باستدرار دموع المشاهدين وهم يودعون أبطالهم في مشهد "القتل الرمزي" حين غادر إبراهيموفيتش ونيستا ومودريتش حلقات المسلسل المثير. ولأنّ الأسطورة وجع تراجيدي في المقام الأوّل؛ فإنّ حظّ لاعب البرتغال كريستيانو رونالدو يذكرنا بحظّ آخيل في حرب طروادة حين بصّرته أمّه بنهايتين: السلامة، أو الموت مقابل الخلود، فقد كان اللاعب أمام إكمال المباراة "سالمًا" والخسارة المتوقّعة، أو الإصابة والظفر بالكأس. كان آخيل الجديد قد خرج بإصابة مشابهة لسلفه الإغريقي. ولكنّ المشهد الآسر الذي استأثر بالاهتمام هو تلك الفراشة التي حطّت على جبهته. كان اللاعب في ذروة حزنه عندما أصيب، لعدم المشاركة، وكانت الفراشة تقول له شيئًا، وكأنها تنقل إليه البشارة، هكذا تكتمل ثيمات الأسطورة في وجدان الغاوي الجديد، فمشهد الحشرات في الملعب الفرنسي كان حديث المهتمين، كما حدث في افتتاحيات كأس العالم للشباب في الرياض 1989 حين حطّت أسراب حمام (مشاركة في عرض الافتتاح) أرض الملعب.تلك فراشات العاشق، سيقول قرّاء الأدب، وهم يتذكرون مائة عام من العزلة لماركيز، وهم يتذكرون فراشات العاشق التي تلاحقه طيلة ذلك الفصل الحميم في الرواية "العبقرية" الفراشات التي هي دليل الموت إلى العاشق. هنا الموت "رمزي" في رواية يورو 2016، والجميع تابع بأسى المحفّة تحمل البطل في مشهد جنائزي مهيب، حتى مدرّب فريق الخصم، وأدّى الجميع واجب الاحترام للبطل.ولكنّ البطل يعود ليحمل كأس البطولة (الخلود) في ملحمة الكرة التي تبدّل أبطالها مثلما تبّدل الطبيعة أثوابها بين فصل وفصل؛ ففي عالم الميديا ثمة نهر لا يتوقف من الصور بحسب ريجيس دوبريه.
341
| 13 يوليو 2016
على حدّ علمي؛ لم يداعب شاعر مفردة العيد منذ زمن، وظلّت عبارة المتنبي: "عيدٌ بأيّة حال عدت يا عيد"، تهيمن على ذهنية كتاب المقالات والخواطر، وربّما استحضر بعضهم أبياتًا من الكلاسيكية المعاصرة كعبارة إلياس فرحات: "يا عيد عدت وأدمعي منهلّة"، ذلك أنّ الناس تريد أن تنسى في العيد خيبات الحياة، ولكنّ الشاعر السوري عبدالسلام العبّوسي داعب العيد القادم بمكر ودهاء، في أبيات قليلة، كون العيد توقّف عند الحدود السوريّة منذ زمن، فما من بيت إلاّ وفجع بفقد أو تدمير بيت، أو نزوح أو أسر. ففي خمسة أبيات يختصر العبوسي واقع الحال: في العيد عودي ودُقِّي بابنا الخشبي * ما زال في البيت طعمُ السّكَّر الحلبي ما زال في الحائط الشرقيِّ نافــــذةٌ * تُلقي على حزننا خيطًا من الذهـــبِ لا تُفسدي وجعي في العيد صامتةً * أنا الرخيصُ وهذا وجهــــي العربي قولي بأنّكِ بنتُ الريـح والتفـــتي * حيث القلوبُ هنـــــا مثقوبةُ القصبِ لا تفضحيني فما في التوت من ورقٍ * وليس في (بُقجَةِ) العطَّار من سببينتمي العبوسي إلى جيل جديد يحاول أنسنة قصيدة العمود وتقريبها إلى القارئ، بفتح صرّة الشعبي الحميم، والابتعاد عن التفاصح المعجمي، ويدهش القارئ بهذه الالتفاتات التي تؤنس وتبهج، وبرغم قسوة الوضع السوري المندغم بالكارثة، إلاّ أنّ الشاعر يفلح في فتح نافذة للضوء، وهذه مهمّة المبدع الحقيقي الذي يحضّر مفاجآت لقرّائه، وكأنّه أب غائب يخفي في جيبه قطع الحلوى لأولاده المنتظرين في تلك القرى البعيدة.يمكن عدّ هذه الأبيات التي تناقلتها صفحات التواصل الاجتماعي "عيديّة صغيرة" لمتذوّقي الأدب، وأبناء الشتات السوري وهم ينتظرون نهايةَ الكارثة، وهذا ما يفعله الشعر في ليل العرب الطويل. كلّ عام وأنتم بخير.
2385
| 06 يوليو 2016
كان ذلك الجيل من الآباء لا يعوّض، الجيل الذي وجد خلاصة حلمه في الأبناء، فاستبقوا إلى الميدان الجديد (التعليم) يقتطعون من لحمهم، ليكمل أولادهم مسيرة الدراسة، وكان حلمهم أن يصيدوا ذلك الهدف البعيد بأبنائهم، فيرتقون في المجتمع الجديد، مجتمع (الأستاذ والدكتور والمهندس والمحامي)، فيجدون في الأولاد النابهين "فئران الكتب" لاعبي المستقبل الذين سيقطفون الضوء. وتماماً كما يتابع غاوو الكرة ترتيب فرق الدوري من مباراة إلى أخرى. كان آباؤنا يتفقدون دفاترنا ودرجاتنا وقصصنا اليومية مع الدروس والمعلّمين، فتسري في المجتمعات شفاهيات مؤثرة عن التفوق والطموح والتحوّل.لكنّ المحزن في كثير من الحكايات أنّ المدربين يموتون قبل ظفر اللاعب (الابن) بميدالية (الشهادة الكبيرة)، فيأتي التتويج حاملاً معاني جديدة. حدث هذا معي، ثم مع جملة من الأصدقاء، وقد حاولت القبض على المعنى، المعنى الناقص للفوز في السباق دون أن تجد مشجّعك المتحمّس على خطّ النهاية، ليحتضنك، وتذرفان معاً دموع الفرح. هناك آباء يتعثر الأبناء بظلّهم المديد، يتعثّر بفيض الحبّ الذي تعجز سدود العالم عن لجمه، ولم يعد لنا في الأمتار القليلة سوى ترتيب الحكايات البسيطة لآباء وقفوا هناك على تخوم الأبدية، ولم يبق من تلك التجارب إلا صور لآباء كبر أبناؤهم، ولكنّ صرخات الطفولة مازالت فيهم تنظر إلى البعيد، كان معنى القوس والسهم يلحّ عليّ حتى كتبته في نصّ "وكنّا سهاماً لأقواسهم/ فرمونا إلى حيث لم يصلوا/ فوصلنا". وفي يوم الأب؛ مازال أبي ماثلاً أمامي في إهاب الشيخ، وأنا في موقف القلق والخوف والحبّ، ما زلت ذلك الطفل الذي يقف بين يدي أبٍ وجد في أبنائه إخوته الذين غادروا الحياة سريعاً، وعشيرته وقد قضى شطر حياته غريباً. كان اليتم قد حفر فينا أخدوداً عميقاً، ولم أجد رثاء يليق به لأكتبه، ولكني بعد عشرين سنة قبست من تلك اللحظات ما يصلح ليكون نصّاً.
238
| 29 يونيو 2016
يستحقّ التأمّل، وأعني برنامج "الصدمة" الذي يُعرض في رمضان، وفي وقتٍ مدروس تشاهده الأسرة العربية مع الإفطار في منطقة الخليج العربي. يأتي الجديد في البرنامج أنه يقترح أفكاراً جديدة تستفزّ مسلّمات المتابع، مستفيدةً من "الكاميرا الخفيّة" في مفاجأة الجمهور المستهدف أمام المشهد الخادع، لقياس ردّات الفعل تجاه القِيم المهدّدة في أفعال يقوم بها ممثلون على مرأى من حشد بشري في الأسواق، ولكنّ المواقف التي تحدث لا تستثير الضحك والمرح، ولكنّها تستثير البكاء؛ فقد استدرّت دموع المشاركين والمتفرّجين على حدٍّ سواء.في مواقف متشابهة تجري في أماكن مختلفة (مصر- السعودية - العراق - الإمارات - لبنان) يستطيع المتابع أن يتعرف طبيعة المجتمعات العربية وطريقة تعبيرها في موقفها من العنف وعقوق الوالدين والموقف من ذوي الإعاقة ومن الاختلاف الديني والمذهبي وغير ذلك، في مشاهد يقف المشاهد - المشارك منها في مواجهة تحدٍّ أخلاقيّ صعب، تجعل الكثير منهم يغامر ويتدخّل بغض النظر عمّا سيحدث له.يمكن القول إنّ برنامج الصدمة ذا البعد الدرامي - الترفيهي قد سحب البساط من الدراما الخالصة، والتي تجاهد لتجاوز مأزقها الحالي، أمام الضائقة المالية التي لم تعد تسمح بأعمال عملاقة، ولعدم هضمها ظاهرة الربيع العربي، التي كانت الدراما الحقيقية في السنوات التي خلت.يأخذ "الصدمة" من الدراما شغف الفرجة، وما تحققه الدراما من أثر انفعالي "التطهير" وتضيف إليه من خصائص تلفزيون الواقع، والكاميرا الخفيّة، من مفاجأة المشارك دون علمه في الأحداث.ولكنّ الأهمّ أن نتائج هذا البرنامج تقف بنا على معايير القيم والأخلاق، ومن خلال ما ظهر فطبائع البشر تنزع إلى الخير، ولكنّ ضعف ردّات الفعل يبيّن لنا أثر مفاعيل القمع في المواطن العربي، في مجتمعات الحداثة ونموذجها المثالي "لا أرى - لا أسمع - لا أتكلم".
720
| 22 يونيو 2016
في الرقّة التي تحتلّ موقع الصدارة في نشرات الأخبار، يتأنّق الموت في مضارب أقامت على الضنك والشدّة والتفاؤل؛ فـ"الدم ليس أحمر" كما توهّم أبناؤها قبل ربع قرن وهم يكتبون مجموعتهم القصصية الأولى قبل ثلاثين، يومها كنت قد تجاوزت الثانوية بدرجات قليلة، وكان أهلي في القامشلي يتذكرون بلادهم التي هاجروا منها في نسماتٍ من جهة الفرات، وعبوات من مائه. وفي السبعينيات سرت أغنية "مندل يا كريم الغربي" فرأى فيها الشيخ ما لم يره المراهقون، وكأنه قبض على ما قبض عليه نادبو الأندلس في "جادك الغيث"، وكنّا محظوظين في تلك الهجرة، لأنّنا وجدنا بيوتًا من طين في انتظارنا لا مخيمات، إذ هي بيوتٌ على أي حال.لم يكن هذا الشتات إلاّ محطة عابرة في رحلة التيه الكبيرة التي وسمت المكان منذ الخلل الديمغرافي العظيم بعد غزو المغول، ولم يبق من العرب إلاّ قبائل صغيرة، هم "عرب الله" يتتبعون مساقط الغيث، ومظانّ الأمن، تلحقهم لازمة "عرب الله" أو "الشوايا" وقد نثرتهم تقلبات الزمان، و"تجارب الأمم وتعاقب الهمم"، في أحضان الجغرافيا المكلومة. ورغم زهد مرتادي الحداثة بتأصيل المفهوم اللغوي والاجتماعي لنسيج اجتماعي (مهمل) إلاّ أن صاحب اللسان يقرر أن الشوايا "بقية قومٍ هلكوا".أجل؛ فنحن "عرب الله" هنود أمريكا السمر، وصعايدة الشام، على أكتافنا نهضت أبراج بيروت، وجرود البقاع، وعمارات عمّان والزرقا، نزعم أن الدم ليس أحمر، وأن الدنيا بخير، وأنّ "المرض يأخذ حقه ويمشي"، نحن المهملين في الخطط الخمسية، وبيانات المعارضة.لم تكن الرقة غير منتجعٍ بعيد عن صخب مدينة القرار السياسي (العاصمة)، لم تكن إلاّ "رصافة" الأمويّ، و "رقّة" العباسي، ترضى بنصيبها من اهتمام الخليفة الباحث عن رحلة استجمام، ولم يكن أبناؤها محطّ اهتمام أحد، وظلّت المنتجع البعيد للعابرين إليها.يسمع المراهقون أغنية "وين عرب الله" فيمرحون ويرقصون، ونسمع الأغنية ذاتها فنسأل أين حلّ القوم وكلّ جهات الأرض أغلقت في وجوههم؟
19
| 15 يونيو 2016
مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
6009
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5067
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3717
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2811
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2406
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1542
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
1176
| 23 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1077
| 20 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
990
| 21 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
984
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
864
| 20 أكتوبر 2025
في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...
816
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية