رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

وداعًا أيمن

يرحل أيمن طه، وهو على أبواب الخمسين، المعلم الطيّب الخلوق، المليء بالإنسانية والسجايا الكريمة، يرحل في زحمة البؤس العربي الموعود بالربيعِ والخريف معًا. وقد اجتمعت فيه سمات المثقف والكاتب والمعلم، ولكنّه الموت. المعلمون مثل جميع الناس، يموتون، ولهم من يحزن لأجلهم، ولكنّي أنظر إلى هذا الأمر من زاوية مختلفة، بعيدًا عن زاوية "قم للمعلم"، فنحن منذ زمن زاهدون في هذا الواجب الذي التزمته أجيال ما قبل الحداثة، حين كان المعلّم الدليل إلى المجد، لا الموظّف الذي يؤدّي خدمة فحسب؛ ففي كلّ نهاية لمعلّم أرى بؤس الحال، ليس حال التعليم، بقدر ما هو حال مستقبل الأمّة العاجزة عن صدّ عدوّ، أو انتزاع كرامة، أو صناعة مجد، وأرى جيلًا يواجه المستقبل بعجزه وعجزنا الرهيب، بجهل مطبق صالحٍ لصناعة التطرّف، وعلمٍ غريبٍ على هوّيته، يسهّل أمر استلابه، ولهذا حين يموت معلّم، يموت فينا شيء، ونحسّ باقترابِ الكارثة أكثر.كان أيمن رجلًا نبيلًا، وزميلًا محبوبًا، ومعلّمًا فاضلًا، متذوقًا للأدب، يقرأ علينا دائمًا أبياتًا مختلفة لشعراء قدامى ومعاصرين. انتصر للربيع العربي، انتصر للأخضر منه، والحالم والنظيف. غادرنا إلى بني سويف قبل سنواتٍ قريبة، مؤثرًا البقاء بجانب أبويه العجوزين، وإخوته، بعدما نال المرض منه وأتعبه. وطوال تلك المدّة ظلّ أيمن جزءًا منّا نتذكره في طرائفه ومواقفه، ويتصل بنا كلّ حين.قبل سنواتٍ توفي شاعر شاب، ورثاه صديق له بعبارة موجزة: " لقد كبرنا يا أمّي، وأصبح عندنا أصدقاء يموتون". ولهذا يبدو موت الأصدقاء صعبًا، فهذا يعني أننا في الخندق ذاته، ولكنّ القذيفة انحرفت قليلًا فأصابت أخيك.لم يمت أيمن غريبًا، بل نحن الذين رأينا موته بعين غريب.

1067

| 23 نوفمبر 2016

ذاك الغروب

كنّا نصًّا مبعثر الكلمات في ذلك المرعى، سكب الخريف فوقنا الخوف والمطر، والغيوم النحاسية عند الغروب، كنا عشرين شابًا نركض خلف الكرة، ونقاوم لفحة البرد المسائية التي تفعل فعلها في الأيدي، كنّا نصًّا يقاوم الخريف الساكن بين الغبار الذي تحدثه الجرّارات الزراعية، وأكياس البذار البيضاء، نلعب الكرة خائفين مما ينتظرنا في البيت، ونستلّ اللذات العابرة، بهدف يعبر بين حجرين، وصرخات تخفي قلقًا واضحًا: غووووول". في مثل هذه الأيام، لم يكن الشتاء قد وصل بعد، كان يكتفي برسائل عاجلة من حدود المطر والريح، ليومين أو ثلاثة، ثم تعود الشمس معلنة شرعية استئثارها بالخريف، قبل أن تتوارى عن الأنظار طوال الكوانين. والآن لا نار سوى ما تحضّره الأمهات عند الغروب، وهنّ يقلبن صاج الخبز، ويضعن فوقه أعوادًا هشة من الحطب، سرعان ما تتحوّل إلى جمر قاني الحمرة. لم نكن لاعبي كرة، ولا طلّابًا، كنّا فلاحين صغارًا، يعانون من وقت الفراغ فنملؤه بالدراسة واللعب، ونتعرّف احتمالات جديدة فيما إذا رسبنا في مدرسة الكدح والشقاء. نمشي أيام العطل بضعة كيلومترات نعشّب حقلًا، أو نرعى ماشيةً، أو نصلح بناء بيوت الشتاء والصيف.كنّا نصًّا على أيّ حال، نتقن الاستيقاظ صباحًا، واستقبال الكلمات الجديدة، ومحاكاة مدرّسين جاؤوا من كلّ بلد، والتسكّع في الشارع الطويل ريثما يأتي الباص، نتعرف وجه المدينة الحقيقي، مجانينها ومشرّديها، بؤسها الهادئ المركوم، وحاراتها الفقيرة.في ذاك الغروب البعيد، ثمة عشرون فتىً، وربّما أكثر، تنتظرهم أمّهاتٌ لائمات، لأنّنا لم نلحق آباءنا في الحقول، أو إخوتنا في المراعي. ثمة عشرون فتىً بين القلق والرجاء، ينسون البؤس لساعات، خلف كرة من البلاستيك يقذونها نحو مرمىً بين حجرين.

356

| 16 نوفمبر 2016

ضعف اللغة من ضعف أهلها

أدقّق أحيانًا بعض الأبحاث والكتب، وأجد أن الكتاب ما عادوا يثقون بقوة الكلمات، فيدسون في ثناياها حروفًا تربط بينها، ككتابة أحدهم "افتقادي لصديقي" فكلمة افتقادي ليست في حاجة أن تتعكّز على اللام كي تصل الصديق. ولو أزحنا عصا اللام فستركض برشاقة، وتصل غايتها. كانت لغتنا قوية؛ الأفعال تترك وراءها المفعولات مثنى وثلاث، والأسماء المشتقة تنصب مفاعيل والمصادر كذلك، حتى حروف الجرّ (الضئيلة) تقوم مقام الأفعال، فنعرب "إليك وعليك" اسم فعل أمر. كانت السماء تتشبه بالأفعال لقوّتها، كقوّة الأمّة التي امتدّ نفوذها ودينها وبيانها ما بين المشرق والمغرب. خرجت شعلة اللغة من موقدها (جزيرة العرب) وتناثرت مفرداتها في الأمصار الجديدة، بكتابِ الله، وقانون جديد (النحو) بعدما ابتعدت عن مصادرها الأولى، ومع بعد المسافة وتراخي الزمان، خبت النار القديمة، وأنست إلى سدنةٍ جدد، لا يقولون فيعربون، بل يحاكون ويقعّدون، وذبلت بعد حين القصيدة وسقمت الكتابة.وأعطى النحاة حروف اللغة صلاحياتٍ واسعة بالبحث عن فضائلها وتعدّد معانيها، فتوسطت بين المسند والمسند إليه، وكثر الكلام الفُضلة الذي يضعّف المعنى، ويصعّبه على القارئ، بحجة استئناس السهل أبعدت التعابير القوية، ففقدت اللغة جموحها، وخاصة بعد مجيء الجريدة التي مررّت الأساليب الرديئة ذات الأخطاء الفجّة لتقريب المسافة بين القارئ البسيط والمعنى.كثير من الأفعال المتعدية بنفسها صارت في حاجة إلى حروف تتعدى بها إلى المفعول به كالباء التي ترد بكثرة بعد (رأى واعتقد) مثلاً في كلامنا هذه الأيام.وعلى الرغم من كثير من اللفتات الأسلوبية في الخطاب العربي الحديث، إلا أن هيمنة مثل هذه الأساليب مؤشر واضح على أن ضعف لغتنا من ضعفنا، وربما الصحيح هو العكس.

315

| 09 نوفمبر 2016

واعدون

حسنًا فعل المركز الثقافي للطفولة في برنامجه المهمّ "واعدون" حين غيّر وقت النشاط هذا العام، فجاءت في الفترة الصباحية، في أيام الدراسة، بعدما كان لأربع سنوات خلت نشاطًا بعيدًا عن إشراف المدرسة حيث كان يقام أيام العطل، وبمشاركة ولي الأمر.وقد قدّر لي متابعة المواهب الناشئة في مسابقتي الشعر والكتابة، وكان أمرًا طيبًا مشاركة عدد من أدباء قطر في المسابقة مرشدين قبل أن يكونوا محكّمين، استمتعت بإرشاداتهم لمواهب واعدة، حوّلت الشهر الفائت إلى ورشة نشاط دؤوب، تفاعل فيها المجتمع المدرسي مع المركز الثقافي للطفولة، ووجوه المجتمع المحلّي. استمعت إلى قصص جميلة وعميقة، ونصوص شعرية مليئة بالمشاعر الوطنية. لاحظت تفاعل المشرفين مع نصوص طلابهم، وفرح لجنة التحكيم بالنصوص اللافتة، واشتراك الجميع في صنع مشهد إبداعي، نرجو له الاستمرار.وكنت مسرورًا بطلابي الصغار، وأنا أراهم بين أسبوع وآخر يتفوقون على أنفسهم، في القراءة المعبّرة، والكتابة المتجدّدة في مناخ حماسي، يتنقلون بين الحنين إلى الماضي، ومعايشة الواقع، والذهاب إلى المستقبل المزهر في عيونهم.لم يكن "واعدون" برنامجًا في "أجندة" يجب تنفيذه، بقدر ما كان موسم عطاء، ينقصه الاهتمام الإعلامي، فلم يغطِّ المنافسات إلا قناة الريّان، وكنت أتمنى أن تشير الصحافة إلى النشاط. يشكو المشهد الأدبي في قطر قلّة المنتسبين الشباب إلى ناديه المقتصر على بعض الأسماء التي تحتاج إلى من يرفدها، فلا يجد المتابع شبابًا يقيمون أمسية للشعر الفصيح أو القصة القصيرة، ولا يجد من بين الفائزين في المسابقات العربية أسماء قطرية. لعلّ مثل هذه البرامج تعيد بعض الأمل إلى الحياة الأدبية والتحديات التي تواجهها، فشكرًا لصانعي مثل هذه البرامج.

597

| 02 نوفمبر 2016

أنا الذي رأيت

الشقّة التي صارت خيمة، والليالي التي أضاءتها الصواريخ، الدروب المقطّعة بالحواجز، والشجر الذي صار توابيت، البحر الذي امتلأ بالغرقى، والحكايات التي صارت نوافذ. "أنا الذي رأيت؛ السوري الذي ضيعته المنافي والأوطان الجديدة، وظلم ذوي القربى، وظلم الأباعد، واللغات الجديدة تنتظره في مدارس بلا عدد."أنا الذي رأيت؛ حداثيين اعتمروا العمائم، وأمميّين عادوا إلى القبيلة، ووطنيّين يرطنون بالعولمة.أنا الذي رأيت؛الشاعر الذي تحوّل إلى بائع بسطة، والملك الذي أمسى متسوّلًا، الشاعر يمدح البندورة والخسّ والبصل، ويتغزّل بالباذنجان، نعم بالباذنجان، لم يكن يعير باذنجانه السابق، أقصد مليكه وممدوحة أيّ اهتمام، لكنّه قد يدسّ في يده حبّة فاكهة آخر النهار.أنا الذي رأيت؛سنابل رمادية، تدّعي الاخضرار، وأبقار لاعدّ لها تركض في الكارثة، خبزًا على رأس الأمّة تأكل منه الطير، ومعبّرين يملأون السجون، رأيت بحرًا حلوًا مسجورًا، وقمرًا يتيمًا يذرف النجوم لليالٍ سوداء.أنا الذي رأيت؛همزة الوصل معتكفة أوّل الكتاب، وجملة الإملاء المستوحشة، رأيت لغتي السمراء تبكي بين يدي شعرائها وحرّاسها، رأيت معلمين يقفون لطلابهم ويوفونهم "التبجيلا"، رأيت ثمرة الرفع جفّت من شجر الإعراب، وربيع المبتدأ ذاب في خريف الخبر.أنا الذي رأيت؛ الدم يلمع في الظهيرة، والحمام لا يطير، والجهات موصودة، والقصيدة تعود إلى الكتاب.رأيت الدم العربي صار كالماء، وتوّهمت أن الشاعر واقفٌ على طلل، أنا الذي رأيت القوافل بين "الدخول فحومل". رأيت أخوالي ربيعة يقفون على مشارف الحرب الأهلية، ويتوهمون أنهم نقلوا رحاهم لطحن الأعداء، ولم يعرفوا أننا طوال هذا المسلسل نخرّ لـ "الجبابر ساجدينا".

373

| 26 أكتوبر 2016

هرمنا..

أمس رأيت محمد العمر، بعد أكثر من خمس سنوات، رأيته بعين كاميرا الموبايل، وكأنه كبر عشر سنوات، بنظّارة تلمع في وجه الشمس، وابتسامة عريضة لا تناسب نزقه الأبدي، وشعرٍ غلب البياض فيه السواد. لم تكن غير دقائق معدودات، في الطريق بين الدوحة والوكرة، في طريقي إلى العمل، حين تحاورنا بالكلمات، ثم غمزتني أيقونة الفيديو مضيئة، فأجبتها، ورأيت الشاب، أقصد العجوز الذي أمامي، أقصد الطفل الذي يصغرني بعامين أو ثلاثة، ومشينا معًا كلّ تلك الحياة، في دروب القرية، وملعبها، وبيتينا هناك، وأسواق القامشلي، التي يتكفّل مصروفها الأكثر مالًا بيننا.لم يكن محمد العمر مجرّد صديق حميم، فقد كان أخي الثامن، وحين أتصوّره، لا أرى غير اللاعب الشرس، قلعة الدفاع الصلبة، أو لاعب الشطرنج اللعبة التي ليس لي فيها، ولكنه يتبادل فيها الفوز مع أخويّ إبراهيم وجاسم، وأخيه المرحوم علي، أو لاعب منقلة في يده حجارة كسبها، أو لاعب ريشة، نازعته فيها الفوز مباريات كثيرة، في حوش بيتنا أو بيتهم، متّخذَين من حبال الغسيل الشبك الفاصل، ومن خطّ موقّـت يحدثه إبريق الوضوء على أرضية التراب محدّدا اعتباطًا حدود الملعب.حين اقترفت الغياب، قبل نحو عقدين، اختُزل محمد العمر بيديه الأثيرتين، في قصيدة قصيرة وسمت ديواني الثاني، وهما تشرحان الحياة والموت والتفاصيل، وتستأثران باهتمام الأصدقاء وتندّرهم، وبخاصة عندما يشاهد مباراة كرة قدم، فالمباراة التي لا يحضرها محمد ينقصها شيء، الشاب الذي تولّع بالكرة، حتى أخذته من مستقبل كان ينتظره، لمهاراتٍ ومواهب كثيرة، كان يحظى بها.ولكنّي بالأمس، لم أرَ يدي محمد، كانت إحداهما مشغولة بالهاتف، والثانية يضعها على رأسه وهو يتكئ على أكياس القمح والطحين، حيث عمله الجديد، بعد سنواتٍ قضاها في التعليم. لم أر يديه تشرحان الموت والدمار، بل رأيت نظارته الجديدة، وابتسامته المستكينة، وقلبه الذابل، ولم يكن الوقت القليل كافيًا لنتبادل دمعة على خدّ الوقت والخسارات والكارثة وبكاء الراحلين. كانت دقائق معدودات، ابتسمتُ في وجهه (أقصد في وجه الصورة التي ظهرت أمامي)، وأتفقد ما كان من شعره الأسود الواقف. وبعدما أقفلت الجهاز، مستعجلًا، تساءلت: أين يدا محمد العمر؟

293

| 19 أكتوبر 2016

حائط المبكى العربي

استعار العرب نسق المظلومية الديني لنظامهم القومي منذ سقوط الأندلس، ببكائيات أبي البقاء الرندي وغيره، وارتداء العقال الأسود، قبل أن يتوالى مسلسل السقوط، وتنحسر خريطة "من الصين شرقًا حتى الأندلس غربًا". تطابق الوجعان؛ الشعار والمكان والنشيد واللون، الرموز والعلامات ذاتها، وشعور العجز في مواجهة القوّة، والاستلاب. ولم تعد غير مقولة "ابكِ مثل النساء" نصيحة أم الملك، سلوكًا مستجابًا في حواضر "العدوة الدنيا". سقطت الأندلس، وقبلها سقطت حواضر مشرقية تحت سنابك خيل المغول، وغاب خليفة بغداد، وتعاقبت على المشهد ممالك وشعوب وإمبراطوريات، طوت فيها مفهوم العروبة المتماهي بالإسلام إلى حين، حتى أطلّ عصر القوميّات مع صعود البرجوازية في أوروبا الناهضة، التي أشرقت منها شمس الحداثة. وكانت الإشارة التي التقطها مسيحيّو الشرق، ليوقظوا الحالة الأموية-الأندلسية، الحالة التي تعاظمت في تيارات فكرية، وأحزاب، وأنظمة حكم في غير بلدٍ عربيّ، أنجزت شعارها وحدودها "من المحيط إلى الخليج" وأناشيدها وفرسانها.واستطاعت، تقريبًا، تسويق مظلوميتها، التي أسهمت في تأهيل الحزن العربي، في معابد الحداثة: "المسرح - الجريدة - المدرسة - الإذاعة والتلفزيون"، وذلك بعد احتلال فلسطين، ثمّ سقوط القدس في عام 1967، إذ أدّى الجرح الناشئ في الحلم الغضّ إلى كربلاء جديدة، حاضرة العلامات والرموز. ولعلّ وجود مواهب "ندب" عظيمة أوصل المظلومية القومية إلى رتبة المثال؛ فقد نجح السوري نزار قباني الآتي من "ليالي الأنس" في الغزل النسوي، والعراقي مظفر النوّاب الآتي من جنوب العراق المنغمس في تهجئة ثورة اليسار العربي في إحدى تداعياتها، ونجح الشاعران في تحوّلهما إلى "ندّابتين" دخلتا المطبخ الشعري (التعبير للناقد السعودي عبد الله الغذامي) ورسمتا معًا أيقونة المظلومية الجديدة، في بكائيات حادّة، مؤثّرة.

502

| 12 أكتوبر 2016

القامشلي

مثلما قال السياب عن مدينته التي لا تصلب الإنسان في فكرة، كان أصدقاء لي يسمونها البركان الوردي، لأنها قدمت إلى سوريّا أسماء مرموقة في الرياضة والفنّ، المدينة النائمة تحت سلسلة جبال طوروس، وبين الجبل والسهل ثمّ حكايات السريان والكرد والأشوريين والأرمن وقبائل عربية كثيرة لا تزال إلى الآن تقيم في الريف المخاصر للشمال السوري. بُنيت القامشلي عام 1926 على حساب "نصيبين" في مسعى فرنسي للضغط على الأتراك، فأمرت ببنائها وشجعت السريان الهاربين من مجازر "سيفو" والأرمن الناجين من مجازر 1915، إضافة إلى الكرد بعد انتفاضة آغري، والقبائل العربية المقيمة، وبعض اليهود الموجودين في المنطقة، فكانت القامشلي.كان فريق الجهاد من أهم الأيقونات التي تجمع المدينة، بشعاره المعبّر "سفير الشمال" ولاعبيه المنتمين إلى معظم شرائح المجتمع المحلّي، والذين يعكس تعاونهم في الملعب، عن تعاون الناس.وفي تبعات حراك الربيع العربي دفع السوريون أثمانًا مضاعفة، وإن لم تشهد القامشلي معارك ساخنة خلا التفجير الأخير، إلاّ أن أبناءها كانوا من أوائل من عرف طريق الهجرة، وبكثافة، وكان أهلها عرفوا هجرة الثمانينيات التي طالت جانبًا من الأشوريين والسريان، وامتد قوس النزوح المديد من العراق حتى السويد.في القامشلي أحبّ شارع المكتبات (شارع الوحدة) وسوق الخضار الشمالي (العَرَصة) ثمة بهجة اللون، وألفة الرائحة، وأمان المشهد يمنحه الجمهور الكثيف، المختلف بين خطّين متوازيين، بينهما نحو 100م، ولهذا اندغمت ثقافة التسوق في المدينة، فثمة زبائن يتبضّعون جرائد الساعة الثانية ظهرًا ويقلبونها بسرعة، وجمهور آخر يتصفّح آخر عدد من الخيار والبقدونس فوق البسطات الجوّالة. *أخمن أني اتكأت على الحزن شيئا / ونامت على كتفيّ طيور الحباري / سأمهل قلبي إذًا ليقول المدينة / يكمل عدّ شوارعها / والبيوت تفرّ إلى دفتري / والحمامَ إلى شجري / والصعاليكَ نحو براري سكوني / الصبابات ملئي / تجمعن.. حين ألفت الخناجر تلمع / والعاديات النؤومة / تعدو بجثتنا / وتنام / أفلّـي صباباتها في الربيع / أعدّ أصابعها شارعًا شارعًا / فأقول اسبقيني إلي / ولا تقلقي إن تراخى هديل الحمام على كفّ قناصة / يذبحون المعاني التي كم شقينا بها / وظلت دفاتر آبائنا التي لا تشيخ.. ترقـشها في الحكاية / لا تقلقي إن تأخـر موت المغني / المغنون فينا.. يموتون.. إن تركتنا المعاني / ولاذت بقناصة يعبرون حكاياتنا / مثل صيفٍ بطيء.

424

| 05 أكتوبر 2016

حلب

قاب قوسين من الحلم والمأساة، يبدو اللون الأحمر سوريًّا، حيث تلعب الطائرات لعبتها مع الأهداف المشدودة بوثاق الحصار والفقر والظلم العتيد. ولم تكن حلب إلا "أم الفقير" و"أوّل منزل" و"قصدنا" في نشيد المتنبي العائد من جفوة المدن الكبيرة، وقسوتها، ولكنّ مدينة "الخيل والليل" صارت أبعد من لقاء، وأدعى لعتاب، قبل أن تتدعى الجهات الخمس، من "كلّ لسنٍ وأمّة"، فما يفهم الحدّاث إلاّ لغة القنابل ذات الرعد والبرق، والغيث الكريم، وفي حلب كانت "تشتّي" في الصيف والشتاء، ولم يكن زرع الموت قد نبت، كما ينبت اليوم. ولم أحبّ حلب كما أحببتها، أنا الذي عهدتها طفلًا يقوده أبوه إلى مطاعمها الشعبية، ثم يافعًا يهرع إلى دار السينما يشاهد الأفلام الهندية الطويلة، ثم شابًا يرى في جامعتها العتيدة نافذة إلى حلمٍ كسول، نعم، أحبّ حلب، حاراتها، وأسواقها، وقلعتها، ومطاعمها، وزملاء الأمس الذين تناثروا في الجهات، والأهل، أهلي الذين هبطوا إليها سبعينيات القرن الماضي، بعد جدب أحال كروم العنب أرضًا بورًا، هناك في الصاخور والهلّك والحيدرية والشيخ نجار وطريق الباب، وقد غدت قاعًا صفصفًا، وركامًا لا يصلح إلاّ للرثاء المرّ الذي لا نطيقه، ولكنّنا لا نجد غيره.حينما في حلب، يجر الموت عربة العيد، ويسقي القصف نبتة الطفولة، وتهوي البيوت الفقيرة على شارعٍ أسود. حينما في أيلول، أمدّ المجاز إلى آخره، لأعرف أن الصبر ناتج قسمة، وأنّ الحزن جواب نهائي، وما الدمار والقصف والتهجير إلا عمليات حسابية بسيطة، افترضتها المعادلة بمجاهيلها ومعاليمها.في حلب، وفي الطريق إلى الجامعة، كنت أمشي، وتهتز القصائد في عينيّ، فلا أصطاد منها إلا نزرًا يسيرًا في أمالي الجامعة، والآن، أهرب من كلّ القصائد التي لا تذهب إلى وجعها المديد.

369

| 28 سبتمبر 2016

"باب العذاب"

إلى محمد المطرود في تشخيص الباب؛ أتخيّله دائمًا رجلًا نحيلًا وطويلًا، لا أدري السبب، ربّما لأنّنا ونحن صغار نرى الكبار يملؤون الأبواب، أبواب الخشب ذات الدرفة الواحدة، عندما يصل طول اليافع إلى الباب يفرح أنه صار رجلًا ملء ثيابه، ولكن الرجال أبواب، باب مكفهرّ تقول لك ملامحه "مع السلامة" وباب بشوش، تنفرج أساريره لتلويحة العابرين. ولكنهم أبواب ظلّوا هناك لصق بيوتهم، وكلّما خطف الغياب أحدهم، كان بابٌ ما "ينشلع" من بيت الذاكرة، وفي هذا البعيد الممتدّ أرى قرية هتماء فاغرة، وأنا أسمع صوت ارتطام الموت بالبيوت، البيوت التي هشّت لي أبوابها الفقيرة، وشاركتني الوقوف النحيل على وجع الخريف، وفائض القرى.لم يعد منها الآن إلاّ مملكة صغيرة تضيء كلّما أظلم ليل المأساة، لم يعد غير نوستالجيا فقيرة، تلوذ بصورةٍ في ألبوم صديق، أو شريط عابر، ولكن "ماكوندو" السوريّة في نسخها المتكرّرة، تجتهد كي تفسح لها مكانًا في ذاكرة الحدث اليومي، بينما يبدو التركس (الجرّافة) معينًا على استئصال ذلك المرض، مرض الحنين الدافئ المزمن، كلّما توّهجت صورة أو وقع حجر.الباب الذي سنفرك به حجر الحنين بات في ذمّة الجرّافة، ولم تعد البيوت غير جدران متعادية تلامس الأرض، ورسوم لم تفطن إليها ممحاة العابر، هناك سنسأل الطلل كما يفعل البدويّ فوق موقد نار مهجور، كما فعل الشاعر الجاهلي وهو يدوّن أسماء: "توضح والمقراة وسقط اللوى وبرقة ثهمد وحومانة الدرّاج والقطّبيات"، الآن فقط أدرك أن الشاعر الجاهلي كتب اسم المكان متحديًا لا راثيًا، متحديًا حملة السيوف وهادمي البيوت، صرخة في وجه النسيان، فقد حفظنا أسماءها ومات دونها ذكر المحاربين.هناك يا محمد، سنحضرها حجراً حجراً، وبيتاً بيتاً، وسنبني قرية كاملة في نصّ آت.

123

| 21 سبتمبر 2016

أيها العيد.. يا نحن

ما تبقّى من العيد هو نحنُ، نحن عينه التي تذرف، حتى الهزيع الأخير من سوريّة، نحن العيد العائد، والوجع الريّان، نحن العيد؛ أضاحيه، وأطفاله العائدون من القصف، والمدن التي صارت مقابر، نحن العيد؛ دهشة ألوانه، وبساتين حزنه، ورسائل الأحياء إلى الموتى، والشوارع التي تركض في الثامنة صباحًا بأحذية بيضاء، والبيوت المفتوحة للقادمين.نحن العيد، نحن عينه وياؤه، وداله الدليل، وانتظار غائبيه، وشرفات معناه، الجمال الذي خبّأته الغيمة، والسراج الذي سرقته النجوم، نحن صباحه، وأراجيحه، وساعات الفُرجة أمام التلفاز.أيها العيد؛ يا صديقنا القديم، أيها العيد؛ يا وعدنا الطلق، أيها العيد؛ يا وعيدنا المطلق، أيها العيد؛ يا نحن، دعنا نسرف في الغناء إلى آخره، الغناء الذي سافر معنا كلّ هذه الكارثة وألبسنا ثوبا بعد ثوب، وجهاتٍ بعد جهات. يوم كنّا بين عطايا الصاروخ الأعمى، ومكر "البلم" الأعور، يوم كنّا على موائد الأمم، بضاعةً مزجاة، وعبأً ثقيلًا.أيها العيد؛ يا نحن، يا مرمى البراميل والصدقات وسلال الأغذية، يا نحن؛ في خيام الأشقاء والأصدقاء، في حبسنا الطويل، يا نحن، في مواقد الحزن الطويل، والحكايات المعتّقة، ونشرات الأخبار المملّة، يا نحن.. النار الذي سكبته الطائرة، والهواء الذي حبسته الحواجز، والتراب الذي حفرته الصواريخ، والماء الذي بكته السماء، يا نحن، يا عناصر هذا الفرح العابر، ويا نشيد هذه الثكالى والأيامى والأرامل، يا نحن.. وحدنا في الممرّ الطويل للتراجيديا، نشرب شاينا الثقيل، ونحترف المأساة على مهل.العيد الذي مرّ هو "نحن"، فلا تبخلوا على الأطفال بالضحكات، وعلى الموت بالشهداء، هكذا حدثني العابر، وهو يلوّح، لم يكن سرابًا ولا أضغاث أحلام، قال لي ما قال ومشى، وهزّ يدي بعنف ومحبة.

718

| 14 سبتمبر 2016

بانت سعاد

خمسون شمسًا، ودربي بعدُ غائمةٌ، وحادي الركب حانٍ، والمدى وطَنُ/ ولي شمالٌ، وأهلي قوسُهُ، ويدٌ، فوق الضباب، تقول "حبابكم" ظعنُوا/ كأنّما البحرُ يا ‏بكري سرابهمُ، وموجةٌ من "عتابا" نصف واقفةٍ، على الخريفِ، وهذا البحر منشغلٌ بسوريّين خطّوا الموتَ، واسترقوا وجْد "الحجاز" وليلُ "المنشدِ" السفنُ. -هل عاد من حلبٍ؟ / - لا.. ظلّ في حلبٍ، "يعمّر البيت" / - هذا السقفُ من قصبٍ.- وكيف ننجو؟ / -إذًا؛ لا تترك البيت.كان الوقتُ من عنبٍ، وصاحبي قد بكى، "يدلعنُ" الفقد في أسراب غربته، ضلّ المجازُ غمامًا ملء أسئلتي، "شو عملت الروزنا"؟ يا صاح أين أبي؟ / وكنت أسمع قدّا حين فاجأني، بصوته حين أسرى بي وحدثني: يا راهب الدير، أين الناسُ، والمدنُ. *"يا دار ميّة بالعلياء" هل قمرٌ أعلى الرصافةِ يدنو من حديقتها، أقوت ديارُ بني ذبيان من أمدٍ، وحال بينكما ليلٌ وراحلةٌ، وأجفلت في دروب الحرب أسئلةٌ، هل قلتُ من تعبٍ؟ "ودّع هريرة إن الركب مرتحلُ" أم قلت من أسفٍ "بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا" أم كنت في "أثر الأظعان" تندبهم، وكلّ حبر هذا الليل من وجعي. يا أيها الراكبان البحر؛ هل لكما، أن تطفئا سيرة الأنهار في لغتي؟ أنا الغريبُ، ولي جمري، أوزّعه على الجهات، وأنسى ميتتي زمنًا "حتى انتفضت وزال اللحد والكفنُ". *"طوى الجزيرة" حزني، واستراح بها، وقال "شيموا" وأرض النار عاكفةٌ على الحطام، وخيل الحرب صاهلةٌ، وسيفُ ذي يزنٍ، يقفو طريدته، ورمحُ عنترةٍ، يعدو بلا أملٍ، "قذى بعينك" قالت وهي واقفة على الخريف، وطال السالفُ الزمنُ. *"بانت سعاد" وخيل الصبح صاهلةٌ، لكن أرض سعادٍ "لا يبلّغها إلا العتاق" بنات الحزن، سارحةٌ، لا شمسها قمرٌ، أو غيمها مطرٌ، فوق التلال ولا أيامها عدنُ.

614

| 07 سبتمبر 2016

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

6009

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5067

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3717

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2811

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2406

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1542

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

1176

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1077

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

990

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

984

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

864

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
كريمٌ يُميت السر.. فيُحيي المروءة

في زمنٍ تاهت فيه الحدود بين ما يُقال...

816

| 24 أكتوبر 2025

أخبار محلية