رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تمثل عملية استهلاك وسائل الإعلام والعمل والمدرسة والنوم النشاطات الأربعة التي تسيطر على حياتنا. فالإعلام اليوم يأخذ وقتا كبيرا من حياتنا حيث يتعرض الفرد إلى ما يزيد على مائتي إعلان يوميا، كما يشاهد التلفزيون ويمكث أمامه أكثر من ست ساعات في اليوم، إلى جانب الاستماع للراديو في السيارة أو المطبخ وكذلك تصفح الجرائد والمجلات والإبحار في مواقع الانترنت التي يصعب إحصاؤها والتأكد من عددها حيث إنها تنمو وتتوسع في كل ساعة وفي كل يوم. وسائل الإعلام شئنا أم أبينا فرضت نفسها على حياتنا وتدخلت بدون إذن في حياة الفرد واستطاعت أن تغير العالم. فوسائل الإعلام اليوم تترك آثارها وتداعياتها في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للشعوب. كما أنها تُحدث ثورة في التنشئة الاجتماعية للشباب. فالطفل الأمريكي، على سبيل المثال، يكون قد شاهد حوالي 200,000 عملية قتل واغتصاب واعتداء في التلفزيون بإنهائه مرحلة التعليم الثانوي. وهذا ما سماه إغناسيو راموني رئيس تحرير «لوموند ديبلوماتيك» بـ «التلوث الإعلامي». وما يقال عن الطفل الأمريكي يمكن قوله على أطفال معظم دول العالم لأن الصناعة التلفزيونية وصناعة الأخبار والأفلام والرسوم المتحركة والمسلسلات والإعلانات وغيرها من الصناعات الثقافية تسيطر عليها حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات التي تفرض أجندتها وقيمها وأيديولوجياتها على العالم بأسره. وبرغم كل هذا ما زال الكثير من القضايا والمسائل الإعلامية لم تُدرس ولم تُؤخذ بالجدية الكافية وبالصرامة العلمية المطلوبة لتحديد كيفية تعامل الفرد مع هذه الوسائل ومدى الاستفادة منها وما هي خطورتها وآثارها السلبية وانعكاساتها على نفسية الفرد وشخصيته وتربيته وتنشئته الاجتماعية. يمثل موضوع المعوقات المهنية و التنظيمية و النقابية للصحافة العربية واحدا من أهم الإشكاليات المطروحة في الساحة العربية في أيامنا هذه، و لا سيما بعد التحديات الكبيرة التي فرضتها الثورة المعرفية و تكنولوجيا الاتصال و المعلوماتية، التي جعلت من الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى تؤدي وظيفة محورية واستراتيجية في أي مجتمع يسعى لتحقيق الديمقراطية و التنمية الشاملة و إشراك الفئات العريضة من الشعب في المساهمة في صناعة القرار. تحتل الصحافة في المجتمعات المعاصرة موقعا مركزيا في الاستراتيجيات و السياسات التي تهدف إلى تكييف المجتمع المعاصر مع المعطيات التي يعيشها العالم والمنظومة الدولية في الألفية الثالثة؛ فالصحافة مثلها مثل وسائل الاتصال الجماهيري الأخرى تؤدي دورا محوريا في التحول العلمي والمعرفي والتكنولوجي وفي عملية إعادة توزيع مراكز القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل هذه المجتمعات وفق المعطيات الموضوعية التي يعيشها العالم و التي تتطور وتتغير باستمرار. يزداد الدور الاستراتيجي للإعلام في المجتمع يوما بعد يوم نظرا للتطور التكنولوجي والمعرفي والاتصالي الذي يشهده العالم بوتيرة سريعة تفوق كل التوقعات. وعلى مر العصور أدى الإعلام أدوارا و قام بمهام كبيرة سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو الثقافي...الخ. و كان من نتيجة ذلك أن نجد الإعلام دائما موضع الرهانات والمساومات والابتزاز والاستغلال ومحاولات التحكم فيه والسيطرة عليه لتحقيق الأهداف العديدة والمختلفة للقوى الفاعلة في المجتمع. هذه الوضعية تجعل من الجهاز الإعلامي في أي مجتمع معّرضا للعديد من المشكلات المهنية والنقابية. وتزيد هذه المشاكل وتكثر حسب الوضع القانوني والتشريعي ودرجة ممارسة الديمقراطية والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء. هل أدت الصحافة العربية خلال العقود الماضية واجبها إزاء الشعوب العربية؟ وهل أسهمت في دورها المؤسساتي الاجتماعي في التوعية والتثقيف وتفعيل التنمية الشاملة في المجتمع وتطبيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة؟ وهل استطاعت أن تكون قوة مضادة تراقب السلطات الثلاث بكل مهنية و احترافية ومهارة من أجل خدمة الصالح العام و الفئات العريضة في المجتمع؟ أم أن الموضوع عكس ذلك تماما؛ حيث إن الصحافة العربية لم تخرج عن جناح السلطة وبقيت خادمة لها منذ أن عرفت تلك الدول العربية حريتها واستقلالها وبذلك أصبحت الناطق الرسمي للحاكم سواء كانت عامة أم خاصة، أداة للتعبئة والتجنيد وأداة للضبط الاجتماعي وللمحافظة على الوضع الراهن وجهاز للتحكم ولتبرير سلوك السلطة وتثبيت شرعيتها وبقائها في الحكم. تنظر السلطة في الوطن العربي وفي سائر الدول النامية إلى وسائل الإعلام باعتبارها أداة لتثبيت شرعيتها و بسط نفوذها وتمرير خطابها السياسي بغض النظر عن طموحات وهموم الجماهير. من جهة أخرى نلاحظ أن السلطة في الدول العربية ما زالت عاجزة عن بناء نظام مؤسساتي مستقر ولم تستطع أن تحقق المشاركة السياسية الفعالة داخل المجتمع، وكانت النتيجة أن فشلت في بناء جهاز إعلامي فعال يؤمن بتوفير الاتصال الأفقي ويعمل على إدماج مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والاقتصادية والثقافية. وهكذا سادت النظرة الضّيقة للإعلام على أساس أنه أداة من أدوات السلطة تستعمل في آليات و عمليات الحكم و السيطرة. فالمؤسسة الإعلامية في الوطن العربي ما زالت لم ترق إلى مستوى المؤسسة الاجتماعية التي بإمكانها أن تقف الند للند للسلطة وتؤدي دورها على أحسن وجه في المجتمع. كما نلاحظ أن السلطة في الوطن العربي أخطأت في تقديرها ونظرتها للإعلام، فبدلا من أن تستعمله لخدمة مصلحة المجتمع في جميع مستوياته سخرته لخدمتها هي فقط، وهذا ما أدى وما زال يؤدي إلى نتائج عكسية قد لا يستفيد منها أحد في المجتمع. بالمقابل يؤدي خطاب التضليل والتزييف والتعتيم والتمجيد على المدى الطويل إلى قطيعة تامة بين الشارع والسلطة وإلى انعدام المصداقية والثقة. على الرغم من وجود الاختلال والتباين الجزئي بين نظام إعلامي عربي وآخر، تبقى الهموم والمشاكل والمضايقات التي تعاني منها الصحافة في مختلف الأقطار العربية واحدة و متشابهة. وهنا يجب التأكيد على أنه من المستحيل شرح وتفسير وفهم هموم و مشاكل و معوقات الصحافة العربية بعيدا عن إطار المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية؛ لأن الصحافة العربية ما هي إلا جزء أو نظام فرعي من النظام الكلي حيث تكون في الأخير واحدة من إفرازاته ومنتجاته. فالفعل الإعلامي هو جزء عضوي من الفعل الديمقراطي يؤثر فيه ويتأثر به ممارسة وفعلا وكذلك سياقا ومضمونا. فالصحافة بإمكانها أن تعمل على نشر الديمقراطية وتجسيدها في أرض الواقع أو قد تفعل العكس تماما من حيث إعاقتها للعمل الديمقراطي ومساندة الفعل الاستبدادي الديكتاتوري.
1115
| 01 ديسمبر 2018
في ظل الظروف الصعبة التي مرت وتمر بها الامة العربية في السنوات الأخيرة، أسئلة عديدة تفرض نفسها تتمحور أساسا حول موقع المواطن العربي في المعادلة السياسية وهل من دور لهذا المواطن في اللعبة السياسية وفي صناعة القرار؟. هذه الإشكالية تتطلب الغوص في مسائل أخرى ترتبط بآليات الرأي العام في المجتمع وبوجود الرأي العام كمتغير من متغيرات المعادلة السياسية في أي دولة. وهنا يجب أن نحدد آليات المعادلة السياسية وتوزيع السلطة وصناعة القرار وعلاقة صناعة القرار بالرأي العام وهل هناك علاقة في الأساس. وإذا عدنا إلى التاريخ وحاولنا استقراءه والغوص في خباياه نجد أن الشارع العربي لم يكن في أي يوم من الأيام موافقا على عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني. فالشعب المصري على سبيل المثال وبعد ما يزيد على ما يقارب الأربعين سنة من إقامة مصر علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني ما زال يرفض أي نوع من التعاون مع الكيان الصهيوني، وما يقال عن مصر يقال عن الأنواع والأشكال المختلفة من العلاقات والاتصالات وحتى المصافحات التي تمت بين القيادات العربية والصهاينة. لكن رغم هذا حدث ما حدث ولم يقرأ ويدرس ويحلل الشارع العربي كما ينبغي لمعرفة الواقع كما هو والرجوع إلى الشارع في عملية صناعة القرار. فهناك فجوة قاتلة بين صانع القرار والشعب أي الرأي العام. وحتى آلية صناعة القرار في الوطن العربي لا تخضع في معظم الأحيان للمنطق والشفافية والمنهجية في العمل التي تعتمد على الدراسات والأبحاث والأدلة الدامغة والإحصاءات. مع الأسف الشديد في الكثير من الأحيان يصنع القرار أو يتخذ بطريقة شخصية وفردية يغلب عليها طابع المزاجية والفردية والأنا المتورم والغطرسة والعنجهية. معظم هذه القرارات تكون طائشة وبعيدة عن الواقعية والمنطقة ومصلحة الأمة. في مقال سابق تكلمنا عن اغتراب وتهميش وإقصاء المثقف العربي الذي أصبح دوره مشلولا في المجتمع وأصبح ينظر ويبرر الفساد والاستبداد والاستعباد. غياب المثقف أدى إلى غياب الشارع ما يعني غياب المواطن العربي عن الفضاء السياسي وتقرير مصيره والمساهمة في صناعة القرار. فما تقوم به بعض الدول العربية هذه الأيام من غطرسة وتدخل سافر في الشؤون الداخلية لدول أخرى رغم رفض شعوبها لهذه التصرفات ما هو إلا دليل قاطع عن الهوة الكبيرة بين صانع القرار والشعب. غياب الرأي العام يعني غياب الآليات السليمة والصحيحة والصحية والرشيدة للماكينة السياسية الديمقراطية. وإذا غاب الرأي العام غاب الرأي الآخر وغاب الحوار وغابت السوق الحرة للأفكار. ما نلاحظه مع الأسف الشديد هو وجود فجوة كبيرة بين السلطة والشارع العربي، بين الحاكم والمحكوم، بين صانع القرار وآليات صناعة القرار في الوطن العربي. قرارات هامة ومصيرية واستراتيجية تؤخذ باسم الشعب العربي وهو آخر من يعلم. وفي غالب الأحيان نلاحظ أن الشارع العربي - إذا كانت لديه الشجاعة أن يكشف عن موقفه – في اتجاه والسلطة في الاتجاه المعاكس تماما. وأخطر من هذا نلاحظ أن بعض القادة والحكام العرب يصرحون علنا ومن خلال وسائل الإعلام بشيء ويتفقون مع قادة دول عظمى في الكواليس على أشياء مختلفة تماما، فهناك خطاب للاستهلاك الإعلامي وللتمويه والتضليل وهناك خطاب آخر لإرضاء القوى التي تدير العالم أمثال الرئيس ترامب وعصابته. هذا الخطاب المزدوج يؤدي إلى ثقافة سلبية في المجتمع تقوم على النفاق والسلبية وتفرز سلوك الاستسلام والهروب من المسؤولية. النتيجة في النهاية هي انعدام السلطات المضادة في المجتمع وانعدام المجتمع المدني وانعدام المؤسسات والكيانات التي تراقب السلطة وأجهزتها وتراقب القوى التي تقود وتدير المجتمع. هذه القوى قد تحكم وتدير لخدمة مصالح فئة ضيقة جدا من المجتمع على حساب مصالح الأمة بكاملها ومصالح الفئات العريضة من المجتمع. وفي كل ما تقدم نسأل ما هو التقارب الموجود بين السلطة العربية والشارع العربي - الرأي العام - في التعامل مع القضايا المصيرية والهامة وخاصة القضايا التي تمس مشاعر وأحاسيس ومصالح الشعب مباشرة. ومع الأسف الشديد وللوهلة الأولى نلاحظ أن الرأي العام العربي مغيب بطريقة منهجية ومنتظمة في الكثير من القضايا التي تهمه من قريب أو بعيد. وإذا أخذنا قضية غزو العراق كمثال على علاقة السلطة بالرأي العام في صناعة القرار نلاحظ أن الشارع العربي والرأي العام العربي في اتجاه والسلطة العربية في اتجاه آخر ونلاحظ هنا عدم تناسق الشارع مع صانع القرار وإلا أين رد فعل السلطة؟ وما هي الإجراءات التي اتخذت حتى تتساوى الدبلوماسية العربية والسياسة العربية مع الشارع العربي؟. السلطة في الوطن العربي ذهبت إلى أبعد من أنها تتجاهل الرأي العام، إنها قامت بقمعه وإسكاته وفي الكثير من الأحيان بصناعته وتشكيله وفبركته حتى يتناغم ويتوافق مع سياستها وإرادتها. ففي أحيان عدة نلاحظ التناقضات الصارخة بين الشارع وصاحب القرار وعادة ما نجد الرأي العام يتخذ موقفا ضد قرار السلطة والسلطة تتباهى وتتفنن في تطبيق القرار وفي بعض الأحيان تتفنن في قمع الرأي العام وإسكاته وتكميمه وسجنه وينتهي الأمر في بعض الأحيان إلى منع أي هيكل أو مؤسسة تنظيمية أو سياسية أو اجتماعية تختلف في الرأي مع السلطة. الظاهرة الخطيرة التي تتفشى في العالم العربي هي ظاهرة الرأي العام "المفبرك" أو المنافق حيث إنه لا يعبر عن حقيقة وواقع الرأي العام، ويصبح رجل الشارع يدلي بآراء وأفكار ووجهات نظر غير مقتنع بها أساسا، وإنما يقولها لإرضاء السلطة لا غير، وفي هذه الحالة نكون قد وصلنا إلى مرحلة خطيرة جدا وهي الانتحار الذاتي أو أننا أدركنا مجتمعا لا يؤمن بما يقول ومجتمعا مبنيا على النفاق. وسواء في غياب الرأي العام الحقيقي الواقعي أو في ظل وجود رأي عام منافق فإن السلطة لا تستطيع أن تتفاعل مع المجتمع ومع الشعب "السلطة الحقيقية" وهنا تقل آليات التفاهم والاتصال الحقيقي الذي يؤدي إلى التفاعل الفعال بين السلطة والشعب والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والمادية المتوفرة في المجتمع. ونختم بالقول إن الأنظمة العربية لا تجرؤ على إنشاء مراكز سبر آراء أو تسمح بإنشاء مثل هذه المراكز لأنها بكل بساطة تخاف من النتائج التي تقدمها مثل هذه المؤسسات والتي قد لا ترضيها وتفاجئ جماهيرها بحقائق صادمة.
3197
| 28 سبتمبر 2018
تغنى وما زال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام بأن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي الأساس في إنصاف الفقراء والمساكين والضعفاء، وهي الوسيلة الاستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون بـ "كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والقضايا وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. أصبح الإعلام في القرن الحادي والعشرين صناعة تفبرك الواقع أكثر مما تشرحه وتفّسره كما هو للرأي العام. الإعلام في عصر المجتمع الرقمي أصبح قوة تقرأ الواقع وتفسره وفق القوى المالية والسياسية التي تتحكم فيه. قراءة تفاعل المؤسسات الإعلامية الأمريكية مع أحداث 11 سبتمبر تعطينا الاستنتاجات التالية: * معظم وسائل الإعلام الغربية ركزت على الإسلام والمسلمين والعرب واستغلت الحدث للتضليل والتشويه والتعتيم وتعزيز الصور النمطية ضد الإسلام والمسلمين والعرب، والتي أصبحت معروفة ومتداولة منذ زمن طويل. فتجاهلت وسائل الإعلام الأسباب الحقيقية وراحت تنظر لبعض الممارسات الخاطئة والمنحرفة عن تعاليم الدين الإسلامي وهذا ما أدى إلى التباس كبير جدا وحرّك الكراهية والضغينة والحقد عند فئات كبيرة من الرأي العام في الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي أدى إلى وقوع حوادث وتصرفات عنصرية راح ضحيتها الكثير من المسلمين والعرب الأبرياء في الدول الغربية المختلفة. والتناقض الصارخ هنا هو أن الغالبية العظمى من القائمين بالاتصال في الغرب ومن المسؤولين في المؤسسات الإعلامية المختلفة لا يعرفون جيدا الإسلام ولم يحاولوا فهم هذا الدين، والتفرقة والتمييز بين تعاليمه وتطبيقه في أرض الواقع. ركزت وسائل الإعلام الغربية على نتائج 11 سبتمبر وتداعياتها على العلاقات السياسية الدولية وعلى الخريطة الاقتصادية العالمية وعلى الكثير من المفاهيم والمسلمات مثل الأمن القومي، والعولمة.. الخ وأهملت الأسباب التي أدت إلى ما حدث ولماذا الاعتداء على أمريكا دون سواها. الأسباب أصبحت ثانوية وغير مهمة ولا قيمة لها وأصبح التركيز فقط على الأصولية الإسلامية وعلى الإرهاب حيث حاول العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية ربط ما يجري في فلسطين بما حدث في 11 سبتمبر. وهنا نلاحظ أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي استفادت من أحداث 11 سبتمبر لتطبيق إرهابها المستمر على الشعب الفلسطيني متذرعة بمحاربة الإرهاب. واستطاع بذلك السفاح شارون أن ينفذ كل خططه الجهنمية للقضاء على كل بوادر التفاهم والحوار كأساس لإقامة دولة فلسطينية. شارون وآلته الإعلامية الدعائية والمنتشرة في أكبر وأهم العواصم العالمية استغل الإعلام الغربي لتمرير كراهية العرب والمسلمين وتشويه الإسلام. * فسر الإعلام الغربي الأصولية الإسلامية بانتشار الفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية متناسيا تماما أن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هو نظام جائر غير عادل يبتز ويستغل الشعوب المغلوب على أمرها وأن السياسة الخارجية الأمريكية ودور الشرطي الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في العالم هو أساس كراهية الكثير من شعوب العالم للولايات المتحدة الأمريكية. * تجاهلت معظم وسائل الإعلام الغربية كراهية الآخرين للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن الأمريكيين أنفسهم فوجئوا بنتائج الاستطلاعات التي قاموا بها في مختلف أرجاء العالم. والسبب بطبيعة الحال يرجع إلى السلوك التعسفي والجائر الذي تقوم به الولايات المتحدة في تعاملها مع دول العالم وخاصة سياستها الخارجية في الشرق الأوسط ودعمها اللامحدود لدولة إسرائيل. * تجاهلت معظم وسائل الإعلام الغربية سيطرة اللوبي الصهيوني على الكونجرس الأمريكي وبذلك السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، كما تجاهلت الخضوع والخنوع الأمريكي التام للكيان الصهيوني الذي يمارس يوميا إرهاب الدولة. فأمريكا تكيل بمكيالين في تعاملها مع ظاهرة الإرهاب ومع مبدأ تحرير الأرض وتقرير المصير. * اعتمدت وسائل الإعلام الغربية في معظم تحاليلها ودراساتها وبرامجها على خبراء ومختصين ومراكز بحوث ودراسات تتميز بعدائها لكل ما هو عربي ومسلم وبولائها للكيان الصهيوني والاطروحات الغربية المتطرفة التي لا تؤمن بحوار الحضارات والتفاهم والتواصل بين الشعوب. ولذلك لم نر شخصيات مثل "رجاء جارودي" أو "نعوم تش ومسكي" أو "إدوارد سعيد" على شاشات أو صفحات المؤسسات الإعلامية الغربية الفاعلة، والسبب البسيط لذلك هو لأن أطروحات وآراء ووجهات نظر هؤلاء ستكشف "الفبركة" والتلاعب Manipulation والتزييف والتضليل التي تقوم بها الآلة الإعلامية الغربية في عرض الأحداث وفق قراءتها هي وليس وفق الواقع. * لم تحاول وسائل الإعلام الغربية أن تقدم صورة عن العلاقات الدولية وعن النظام الدولي المفلس والمليء بالتناقضات وكذلك لم تحاول أن تكشف عن السياسة الخارجية الأمريكية من مشروع مارشال إلى يومنا هذا. كما لم تحاول أن تبرز التناقضات التي أفرزتها السياسة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبذلك انهيار الثنائية القطبية وانفراد أمريكا بالزعامة الدولية. الآلة الإعلامية الغربية جاءت سطحية في تعاملها مع وقائع 11 سبتمبر وحتى ما كتبه بعض الصحفيين الأوروبيين وعلى رأسهم الصحفي الفرنسي تييري ميسان صاحب كتاب "الخديعة الكبرى" لم يؤخذ بالجدية اللازمة والكافية وإنما تم النظر إلى هذه الأطروحات بالسخرية والتهكم والازدراء. فتييري ميسان يرى "أن التفجيرات نظمت من داخل قيادة الجيش الأمريكي". وروجي جارودي يرى أن "أحداث سبتمبر مؤامرة تواطأت فيها المخابرات وأجهزة الدولة". * لم تحاول الآلة الإعلامية الغربية أن تتساءل عن عملية استغلال أحداث 11 سبتمبر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة صياغة العالم، وأن الحرب ضد الإرهاب ما هي إلى حرب ضد القانون الدولي وحقوق الإنسان التي أصبحت تعاني الكثير حتى في داخل حدود أمريكا. فها هي ماري روبنسون مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان تقول "إن الولايات المتحدة الأمريكية تتذرع منذ 11 سبتمبر بمكافحة الإرهاب للتعرض لحقوق الإنسان وبالتالي فنحن نشعر بالقلق على تآكل الحقوق المدنية في الدول التي تحارب الإرهاب"، وخير دليل على ذلك هو قانون الإرهاب المطبق داخل الولايات المتحدة الأمريكية والذي نسف نسفا خطيرا كل ما له صلة بحقوق الإنسان والحريات الفردية. ما يحدث في "جوانتانامو" والمعاملة الوحشية للسجناء هناك هو وجه آخر لانتهاك حقوق الإنسان. تعتبر عملية إخفاء الحقيقة الدرجة العليا من الجريمة ومن الإرهاب وأن تزوير الواقع وتشويهه والتلاعب بعقول الجماهير لإرضاء حفنة صغيرة جدا من تجار الأسلحة والحروب يفوق في خطورته أكبر الأعمال الإجرامية والإرهابية، فالضمير المهني الإعلامي مطالب باستعمال المهنية والحرفية والأخلاق والالتزام بهدف التفاهم والتواصل والحب والوئام بين الأجناس والأعراق والشعوب وحتى يصبح الإعلام مصدرا لنشر القيم الإنسانية والمحبة والتفاهم والرفاهية والرخاء في جميع أنحاء العالم، وليس لإشعال نار الفتنة والحروب والجرائم والحقد والكراهية والعنصرية.
1194
| 21 سبتمبر 2018
تغنى وما زال الكثير من المختصين والباحثين والمنظرين في شؤون الصحافة والإعلام بأن الصحافة هي السلطة الرابعة التي تراقب السلطات الثلاث في المجتمع: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية. ومنهم من رأى أن الصحافة هي بارومتر الديمقراطية وهي الأساس في إنصاف الفقراء والمساكين والضعفاء، وهي الوسيلة الاستراتيجية للكشف عن الحقيقة واستقصاء الواقع حتى سماها الأمريكيون ب "كلب الحراسة"، لكن واقع القرن الحادي والعشرين وواقع الحرب على الإرهاب يقولان إن الصحافة تحوّلت من السلطة الرابعة إلى وسيلة لتزييف الواقع وتضليل الوعي وفبركة الأحداث والقضايا وفق ما تمليه عليها قوى المال والأعمال والسياسة. فوسائل الإعلام اليوم، في عصر الفضائيات والانترنت والمجتمع الرقمي، أصبحت تكيّف الأحداث والوقائع وفق القوى التي تتحكم في النظام، سواء كان ذلك النظام محليا أو عالميا. لقد كشفت الحرب على العراق الأخطاء والهفوات والانحرافات الخطيرة التي وقعت فيها وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم حيث إنها انجرت وراء أطروحات تجار الأسلحة والحروب بدون أن تتجرأ وتحاول أن تكشف عن الأساطير والأكاذيب وغيرها من آليات التضليل والتزييف التي تستعملها كبريات وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. تركت أحداث 11 سبتمبر تداعياتها وانعكاساتها وبصماتها على جميع مجالات الحياة ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور ثلاث سنوات على ضرب رمز القوة الأمريكية في نيويورك وواشنطن، و ضرب أكبر قوة في العالم في عقر دارها، وبعد عشرات الآلاف من المقالات والتقارير والدراسات والبرامج الحوارية والسياسية في المؤسسات الإعلامية المختلفة وعبر جميع أنحاء العالم، نتساءل عن الثمن الغالي الذي دفعته الصحافة والمضايقات والتجاوزات التي تعرضت لها من جهة، ومن جهة أخرى الانحرافات التي ارتكبت في حق الكلمة الصادقة والأداء الإعلامي الموضوعي والنزيه والمسؤول، والهادف من أجل تزويد الرأي العام بالحقائق والمعلومات والمعطيات. يبدو أن الخاسر الأول من أحداث 11 سبتمبر هي الممارسة الإعلامية وحرية الصحافة خاصة في الدول التي اشتهرت بتقاليد حرية الفكر والرأي والتعبير، تلك الدول التي بنت الديمقراطية على أكتاف الصحافة الحرة، القوية والفعالة. لكن ما حدث في التعامل مع وقائع 11 سبتمبر إعلاميا كشف أن وسائل الإعلام خانت رسالتها ولم تفلح في إنصاف جمهورها وإنصاف الرأي العام سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي لمعرفة حقيقة الحدث وخلفياته وأبعاده، وأهدافه؟ هل استطاعت وسائل الإعلام أن تزيح الالتباس والغموض والتضليل والتشويه والصور النمطية وتقدم الواقع كما هو؟ أم إنها تسارعت وتفننت في فبركة هذا الواقع، واقع 11 سبتمبر وفق أهوائها وأهدافها ومصالحها ضاربة عرض الحائط بأدبيات الموضوعية والالتزام والمسؤولية والنزاهة وتقديم الحقائق كما هي لا غير. الصحافي تيسير علوني سجن في اسبانيا بدون محاكمة نزيهة وبدون أدلة تذكر، وغيره كثيرون في أرجاء العالم والمبرر هو محاربة الإرهاب والأمن القومي وإلى غير ذلك من أدبيات أباطرة الرقابة والتسلط والتفنن في التعتيم والتكميم. هكذا إذن لم تصبح هناك فروق بين الدول السلطوية والدول التي تدعي الديمقراطية وحرية الفكر والرأي والتعبير وحقوق الإنسان. فأمريكا صاحبة "التعديل الأول" والبلد الذي يقدس حرية الصحافة، ضربت عرض الحائط ما بنته خلال ما يقارب ثلاثة قرون وأصبحت توّجه الأوامر لرؤساء التحرير وتتدخل في افتتاحيات المؤسسات الإعلامية مثلها مثل أي دولة سلطوية أو دكتاتورية في العالم. وهذا ما فعلته "كوندليزا رايس" باسم الأمن القومي والدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية. أسالت حادثة 11 سبتمبر الكثير من الأحبار وأفرزت اهتماما إعلاميا لا مثيل له في مختلف أنحاء العالم، فتهافتت المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وأشكالها ومشاربها المالية والأيديولوجية والسياسية لتقديم الأخبار والتعاليق والبرامج التحليلية والدراسات حول الأزمة وأبعادها وخلفياتها وتداعياتها. والسؤال المثير للجدل والنقاش والدراسة من قبل الأكاديميين والسياسيين والمهتمين هو كيف تعامل الإعلام مع حادثة 11 سبتمبر؟ هل طرح كل الأسئلة التي خطرت وتخطر ببال الفضوليين من القراء والمستمعين والمشاهدين؟ هل اهتمت وسائل الإعلام بمعرفة لماذا ضربت أمريكا دون غيرها؟ ومن ضرب أمريكا؟ وما هي الخلفيات والأبعاد؟ هل تساءلت وسائل الإعلام عن كيف كان بن لادن بطلا في الثمانينات وحليفا استراتيجيا لأمريكا في محاربة الاتحاد السوفييتي والشيوعية وكيف أصبح الآن العدو اللدود لأمريكا؟ كيف كان بطلا وأصبح إرهابيا؟ ومن الذي صنع بن لادن؟ ماذا حدث؟ ما هي علاقة ما حدث بما يجري في العالم من استغلال وظلم وبطش وعدم تكافؤ في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية؟ ماذا عن الإرهاب التي تمارسه العديد من الدول؟ وما هو الإرهاب في المقام الأول؟ هل تساءلت وسائل الإعلام الأمريكية عن عشرات الآلاف من الشباب العرب المسلمين الذين جنّدتهم وكالة المخابرات الأمريكية للجهاد في أفغانستان ضد العدو الشيوعي؟.
1418
| 15 سبتمبر 2018
ما يشهده العالم هذه الأيام من نزاعات وخلافات وأزمات وحروب يعكس الوضع اللا أخلاقي الذي يسيطر على العلاقات بين الدول والمجتمعات. الأخطر في هذا الموضوع هو تواطؤ عدة مؤسسات في الدولة على الشر والتضليل والتشويه والتعتيم وفبركة الرأي العام محليا ودوليا حتى يصبح يؤمن بالأكاذيب وبالوضع الذي يعيش فيه. وتأتي المنظومة الإعلامية على رأس المؤسسات التي تسعى إلى "شرعنة" الوضع البائس الذي يعيشه العالم. فالحرب الاقتصادية الأخيرة التي شنتها أمريكا على تركيا تعتبر عينة من البلطجة والغطرسة التي تفرضها الدول العظمى في قانون الغاب حيث يأكل السمك الكبير السمك الصغير ويبقى الإعلام كمنظومة تابعة للأقوى ومنظومة تؤمن بالأقوى تقدم صورة فوتوغرافية لواقع خال من الأخلاق والقيم الإنسانية لا تجرؤ وسائل الإعلام على شرح وتفسير آلياته، بل تتفنن في وضعه في "أطر" وبراويز للمحافظة على الوضع الراهن والمدح والتسبيح "للنجاحات" و"الإنجازات". ما هو دور الإعلام يا ترى؟ هل هو تجنب الحروب والأزمات والمكائد أم نشر ثقافة الوئام والمحبة والتضامن والأمن والأمان؟؟؟ فساد الإعلام يعني فساد المجتمع، فالإعلام هو منبر الحقيقة ومنبر الآراء والأفكار والوسيلة التي تطرح قضايا ومشاكل الأمة بكل شفافية وجرأة من أجل استقصاء الواقع وتصحيح الأخطاء والتجاوزات لمصلحة المجتمع بأسره. ففساد الإعلام يعني شلل أو فساد قطاع استراتيجي في المجتمع، قطاع هو ركيزة الديمقراطية والحكم الراشد. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، لماذا فساد النظام الإعلامي في الوطن العربي؟ وما هي أسباب عدم فعاليته ومصداقيته؟ لماذا ثقافة التنظير للسلطة وثقافة التملق وثقافة التبرير و"كل شيء على أحسن ما يرام" بدلا من الاستقصاء والنقد والكشف عن الحقائق والمساهمة في إرساء ثقافة الرأي والرأي الآخر والسوق الحرة للأفكار. هناك من يرى كذلك أنه إذا فسد المجتمع فسد الإعلام. فالعلاقة بين الإعلام والمجتمع علاقة جدلية وعلاقة تأثير وتأثر. فالإعلام القوي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي وإلى الفصل بين السلطات وإلى قضاء مستقل وديمقراطية. من جهة أخرى يجب على المنظومة الإعلامية في المجتمع أن تناضل من أجل كسب المزيد من الحرية والاستقلالية والحرفية والمهنية وبذلك المصداقية واحترام الجميع. فالحرية تؤخذ ولا تعطى والإعلام هو نضال يومي مستمر من أجل الكشف عن الحقيقة وإرساء الديمقراطية، فلا ديمقراطية بدون إعلام حر ومستقل وفعال. الإشكال المطروح هو أن الجميع يلوم وينتقد الإعلام العربي وكأن القطاعات الأخرى في المجتمع العربي بألف خير وعلى أحسن ما يرام. الحقيقة هي العكس تماما حيث إن معظم القطاعات في المجتمع العربي تعاني من مشاكل وتناقضات عدة. فالإعلام ما هو إلا نظام فرعي من النظام وبذلك فهو جزء لا يتجزأ من هذا النظام. فالدول العربية بحاجة إلى إصلاح النظام وإلى تحرير الفرد في المجتمع وإلى توفير مستلزمات وشروط السوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني والمؤسسات المستقلة الديمقراطية التي تؤمن بالحرية وبالشفافية وبالنقد والنقد الذاتي. أسباب عقم الإعلام العربي متعددة ومختلفة فمنها ما يتعلق بالمحيط الذي يعمل فيه، ومنها ما يتعلق بالحرفية والمهنية ومنها ما يتعلق بالمصداقية ومنها كذلك ما يتعلق بالعلاقة مع السلطة والعلاقة مع الممول والإعلان ومنها ما يتعلق بالعوامل الخارجية كالتبعية والقيم الدخيلة. فهناك من يطالب هذه الأيام بإلغاء وزارات الإعلام وأن نهاية الإعلام الحكومي أصبحت أمرا يفرض نفسه في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي والرقمي وعصر الانترنت. لكن هل إلغاء وزارات الإعلام سيحل مشاكل الإعلام العربي؟ ويجعل منه إعلاما فعالا وقويا، إعلاما مستقلا قادرا على النقد والاستقصاء وكشف العيوب وإشراك الجماهير في صناعة القرارات وتحديد مصيرها؟ الإعلام العربي مسئول على تشكيل الرأي العام وتنشيط السوق الحرة للأفكار وتزويد المجتمع المدني بالأخبار والمعلومات والتقارير والتحليلات وغير ذلك. لكن دعنا نتوقف عن هذه الأسئلة حتى نفهم جيدا لماذا يوجد الإعلام العربي في الحالة التي هو عليها اليوم؟ هل المؤسسة الإعلامية هي أداة سلطة أم أداة المجتمع بأسره وبمختلف الشرائح الاجتماعية التي تشكله؟ هل عملية التواصل بين السلطة والجماهير عملية عمودية أم أفقية؟ هل الممّول هو المحدد الرئيسي لمخرجات وسائل الإعلام؟ هل أدت أو ستؤدي العولمة إلى دمقرطة الإعلام في الوطن العربي؟ هل ستؤدي الثورة التكنولوجية والمعلوماتية إلى التأثير في علاقة السلطة بوسائل الإعلام وفي طرق العمل الإعلامي وآلياته ومنهاجيته في الوطن العربي؟ هل تتوفر مستلزمات الصحافة الحرة في الوطن العربي؟ وهل هذه الصحافة قادرة على أن تصبح واحدة من السلطات الفاعلة في المجتمع؟ الملاحظ والمطّلع على مخرجات الإعلام العربي يدرك المشاكل والتناقضات الكبيرة والمتعددة التي يعاني منها هذا الإعلام، فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ المهنة وشرفها وأخلاقها، وغالبا ما تُستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. في هذه الظروف تنعدم الإستراتيجية وتكون السياسة الإعلامية غير واضحة المعالم، هلامية تركز على التعبئة السياسية والتنظير للسلطة والمدح والتسبيح وكذلك الترفيه والتسطيح وإفراغ القضايا من محتواها الحقيقي. السلطة في العالم العربي ما زالت تنظر للصحافة كأداة لتثبيت شرعيتها ووسيلة لتعبئة الجماهير وتجنيدها. وحتى دور الصحفي في المجتمع يُنظر إليه على أنه مكمل لدور السلطة وأجهزتها المختلفة فهو مطالب بالتغطية والمدح والتسبيح لكنه إذا استقصى وبحث وانتقد فيصبح من المغضوب عليهم. فمعظم قوانين النشر والمطبوعات في العالم العربي جاءت مجحفة ومقصرة في حق المؤسسة الإعلامية وفي حق الصحفي الأمر الذي أفرز ثقافة الرقابة والرقابة الذاتية ومن ثمة قتل ثقافة صحافة الاستقصاء والبحث عن الحقيقة وقتل روح المسؤولية والالتزام والنزاهة والموضوعية عند الصحفي. التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحريره وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات. التحدي يتمثل في الاستثمار الأمثل في القدرات والطاقات والإمكانيات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تشكل الرأي العام والسوق الحرة للأفكار والمجتمع المدني الذي يؤسس للديمقراطية وللالتزام والشفافية والحوار الصريح والبناء من أجل مصلحة الجميع. كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إعلام فاعل يؤمن بالمسئولية والديمقراطية.
1255
| 17 أغسطس 2018
عنوان المقال هو تصريح مسعود أوزيل لاعب منتخب ألمانيا لكرة القدم ذي الأصول التركية. تصريح اللاعب الألماني يعكس وضعا غير طبيعي يسود معظم الدول الأوروبية التي تعيش فيها أقليات كثيرة وأجناس مختلفة. هذا الوضع يقر في العلن بالتعددية واحترام الأقليات والمهاجرين والأجناس والديانات المختلفة أما في الباطن فنلاحظ العنصرية والتمييز والفصل وغير ذلك من تصرفات بعيدة كل البعد عن الادعاءات والتصريحات الجوفاء. يقول أوزيل “في نظر جريندل رئيس الاتحاد ومسانديه، أنا ألماني حين نفوز لكن حين نخسر، أنا مهاجر، رغم دفع الضرائب في ألمانيا، رغم تبرعي للمدارس وتحقيق كأس العالم 2014 ما زلتُ غير مقبول في المجتمع وأُعامل بطريقة مختلفة”. ألمانيا ودول أوروبية أخرى تدعي المساواة والعدالة والتعامل مع الجميع بنفس القوانين والمعايير والمساواة، وإدماج الأقليات والمهاجرين بدون فصل ولا تمييز، غير أن الواقع يعكس غير ذلك تماما. مسعود أوزيل الألماني ذو الأصول التركية أعلن اعتزاله اللعب دوليا بعد أن وُجهت له عدة انتقادات من الصحافة والرأي العام الألماني ومن رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم ورئيس فريق بايرن ميونيخ. الانتقادات جاءت بعد الأداء المخيب للمنتخب الألماني في كأس العالم وقبل ذلك عندما قابل أوزيل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فأين هو المشكل إذا زار أوزيل الرئيس التركي؟ وإذا كانت ألمانيا وقادتها وشعبها تؤمن بحرية الرأي والمعتقد والدين والفكر لماذا لا يأخذ أوزيل صورة مع أردوغان؟ أما بالنسبة للأداء فوق الملعب فحسب الألمان أوزيل كان رائعا في 2014 عندما فازت ألمانيا بكأس العالم شيء جميل وأوزيل ألماني مائة بالمائة ورائع ومن أحسن اللاعبين في العالم. في 2018 أصبح أوزيل ذا أصول تركية وأنه لا يستحق مكانه في المنتخب الألماني. وهنا تتجلى العنصرية المتوغلة في الأنا الألماني، يجب على الدول الغربية الاعتراف بهذه التناقضات المتجذرة في المخيال الجماعي لشعوبها. فالتغني بالإدماج وبحرية المعتقد والدين وغير ذلك شعارات فارغة كشفتها التصرفات المختلفة إزاء المواقف العدائية للحجاب والأذان وغير ذلك. وقال اوزيل في بيان نشره في حسابه الرسمي في تويتر: «بالنسبة لي التقاط صورة مع الرئيس أردوغان لا يمت للسياسة أو الانتخابات بصلة بل لها علاقة باحترام أعلى منصب في بلد عائلتي، وظيفتي هي لاعب كرة قدم ولست سياسيا. اجتماعنا لم يكن دعما لأي سياسات". وأضاف: «المعاملة التي تلقيتها من الاتحاد الألماني وآخرين جعلتني لا أرغب في ارتداء قميص المانيا، أشعر أنني غير مرغوب في واعتقد أن كل ما حققته منذ مشاركتي الأولى مع المنتخب في 2009 تم نسيانه، الأشخاص أصحاب الخلفية العنصرية لا يجب السماح لهم بالعمل في أكبر اتحاد كرة قدم في العالم يوجد به لاعبون من أصول مزدوجة، نهجهم لا يمثل وببساطة انعكاسا للاعبين المفترض أنهم يمثلونهم». وتابع: «بحزن بالغ وبعد فترة تفكير طويلة بسبب الأحداث الأخيرة لن ألعب مع ألمانيا على المستوى الدولي مرة أخرى بسبب شعوري بإهانة عنصرية وعدم احترام»، واستطرد: «اعتدت ارتداء قميص ألمانيا بفخر وحماس لكن لا أشعر بذلك الآن». وخاض اوزيل 92 مباراة دولية مع ألمانيا وسجل 23 هدفا. ويأتي بيان اوزيل وسط حراك سياسي كبير حول تدفق المهاجرين إلى ألمانيا وصعود اليمين المتطرف على حساب الأحزاب التقليدية، وأضاف اوزيل: «هل لأنها تركيا؟ هل لأنني مسلم؟ اعتقد أن هنا تكمن المشكلة الأساسية». وأبدت الجماهير ومجموعة من السياسيين الألمان غضبهم من الصورة مع اردوغان وتعرضت لانتقادات من سياسيين والاتحاد الألماني للعبة الذي أعلن أن الرئيس التركي لا يحترم القيم الألمانية بما يكفي، وكان راينهارد جريندل رئيس الاتحاد الألماني ألقى باللوم على اوزيل في أداء ألمانيا السيئ في كأس العالم، وتابع اوزيل: «في أعين جريندل ومسانديه فأنا ألماني عندما نفوز ومهاجر عندما نخسر». فأنت مواطن مثل غيرك يعتبرك النظام واحدا من الشعب إذا كنت ناجحا متألقا واندمجت في المجتمع، أما إذا كنت من أؤلئك المهاجرين الذين لم يساعدهم الحظ في تعليم وتأهيل في مستوى متطلبات المجتمع، فحتى وأنك تحمل جواز سفر البلد والجنسية فالتعامل معك سيكون على أساس بلدك الأصلي وليس موطنك الحالي، فتصبح فلانا ذا الأصول الجزائرية أو التركية أو المغربية...الخ. فالمهاجرون الذين يقطنون في الضواحي والأحياء العشوائية يشار إليهم ببلدان آبائهم وأجدادهم وأصولهم وليس كفرنسيين أو ألمان أو بلجيكيين أو هولنديين رغم أنهم ولدوا وعاشوا وترعرعوا في البلد الذي يحملون جواز سفره. يقر سياسيون وبعض وسائل الاعلام المنتقدة لخطوة أوزيل بأن ألمانيا تعاني من مشكلة العنصرية وأن القضية ليست عرضية على الإطلاق أو استثناء، لأن اللاعب الألماني التركي الأصل يشكل مثالا للاندماج، وتأتي مغادرته المنتخب الألماني في وقت يشهد صعودا غير مسبوق لليمين المتطرف منذ1945 عن طريق "حزب البديل من أجل ألمانيا". وما حدث لأوزيل في ألمانيا واجهه بن زيمة اللاعب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية مع المدرب ديديي ديشامب والمنتخب الفرنسي. ترى وزيرة العدل الألمانية كاتارينا بارلي أن القضية تشكل "ناقوس خطر عندما يشعر لاعب ألماني كبير مثل أوزيل أنه لم يعد ينتمي إلى بلاده بسبب العنصرية، كما نددت صحيفة "تاغ شبيغل" الصادرة في برلين بـ “الأجواء الشعبوية في البلاد"واعتبرت أن "رحيل مسعود أوزيل هو قطيعة رياضية وسياسية واجتماعية. إن الأمر يتخطى، مستقبل المنتخب الألماني". كما قال رئيس مجلس الجالية التركية في ألمانيا غوكاي صوفو أوغلو إن "تعددية" المنتخب الألماني باتت مهددة بعد أن كانت مثالاً يحتذى به". أوزيل يعتز بكونه مسلما ومن أصول تركية وهذا لا يروق لفئات عديدة في المجتمع الألماني، وهو يتعرض منذ سنتين لحملة يشنها "حزب البديل من أجل ألمانيا". وقد صرحت المسؤولة في الحزب أليس فيدل أن أوزيل يشكل "أبرز مثال على فشل اندماج القادمين من العالم التركي الإسلامي". قضية مسعود أوزيل تعري واقعا مليئا بالنفاق والتناقضات حيث إن شعارات أوروبا شيء وواقعها اليومي شيء آخر.
2883
| 27 يوليو 2018
في قمته الحادية والثلاثين وجد الاتحاد الإفريقي على جدول أعماله تحديات كبيرة ومشاكل لها جذور في تاريخ القارة السمراء. محاربة الإرهاب، والتطرف والفساد والحكومة والحكم الرشيد والرشادة الاقتصادية والإصلاحات المؤسساتية للمنظمة وغيرها من الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تخرج العمل الإفريقي المشترك من الاجتماعات واللقاءات والشعارات إلى برنامج عمل واقعي وعملي يستجيب لمتطلبات العصر ومقتضيات العولمة. المشكل الرئيسي الذي يعاني منه الاتحاد الإفريقي هو عدم قدرته على التأقلم مع المعطيات الدولية ومع التطورات والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم. فإذا كانت منظمة الوحدة الإفريقية ناجحة وحققت انطلاقة قوية في الستينات وسجلت مواقف شجاعة، فإنها بعد عقدها الأول أصبحت عقيمة وفشلت في تسجيل مواقف مشرفة بعد مرحلة الاستقلال. وهكذا فشلت المنظمة في حل العديد من النزاعات التي قامت وما زالت قائمة بين دول مجاورة وبين قبائل متناحرة داخل نفس البلد. وما هو قائم بشأن الحدود مثلا بين الكثير من الدول الإفريقية ما هو إلا مثال على سلسلة الفشل المتكررة للمنظمة. من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الاتحاد كذلك المشكل المالي و الناجم بالدرجة الأولى عن عدم دفع العديد من الدول الإفريقية اشتراكها للاتحاد و هذا المشكل يعرقل بطبيعة الحال نشاط و عمل الاتحاد في المستقبل . هذا يجرنا لا محال للكلام عن الصعوبات المختلفة التي تواجهها أي منظمة قارية بحجم الاتحاد الإفريقي الذي يضم عددا كبيرا من الدول يتخبط معظمها في مشاكل الشرعية السياسية والأمن الاقتصادي ومشاكل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة والرأي. وهنا نتساءل من هو الذي يموّل الاتحاد الإفريقي وأجهزته المختلفة؟ تعاني معظم الدول الإفريقية من انعدام الشرعية السياسية كما تعاني كذلك من انعدام مجتمع مدني و ممارسة سياسية شعبية واسعة، و النتيجة في نهاية المطاف هي انعدام الثقة بين القمة و القاعدة أي بين الحاكم والمحكوم و غياب القرار السياسي الرشيد و الناجح و هذا ينعكس بالسلب على الأداء العام في المجتمع. فالقارة السمراء تشتهر على المستوى العالمي بانقلاباتها العسكرية و بذلك بعدم استقرار أنظمة الحكم فيها، كما تشتهر كذلك بالرشوة و بضعف التسيير و الإدارة . فانعدام الثقة بين الحاكم و المحكوم و انعدام هيبة الدولة و انعدام المجتمع المدني و كذلك الثقافة المؤسساتية كل هذه الأمور تؤدي إلى انعدام الرشادة و انعدام الأداء المسؤول و الفعال و المستمر و المتطور. فالقارة السمراء تعتبر من أغنى القارات في العالم و من أفقرها في نفس الوقت، و هذا بطبيعة الحال لم يأت هكذا من العدم و إنما هناك أسباب و عوامل انتشرت و تجذرت وأصبحت ثقافة سائدة. إفريقيا عانت الكثير من الأنظمة العسكرية الدكتاتورية التي حولت خيرات البلد إلى حسابات شخصية في البنوك السويسرية و الأوروبية و التي قدمت المصالح الشخصية لأفراد يحسبون على أصابع اليد الواحدة على مصالح أمة بأكملها، و هكذا فاقت ثرواتهم كل التوقعات و فاقت حتى الديون الخارجية المستحقة على بلدانهم. و هكذا فإن الزواج الفاشل بين العسكر و السياسة أدى إلى خسائر فادحة على مستوى الديمقراطية و المشاركة السياسية، كما أدى كذلك إلى خسائر فادحة على المستوى الاقتصادي. كيف إذا نتكلم عن الاتحاد الإفريقي والقارة لا تتوفر على أنظمة تقوم على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرية الفكر والرأي والتعبير وحرية الصحافة. كيف لنا أن نتكلم عن اتحاد إفريقي وبعض الدول الإفريقية لم تستطع أن توحد الأقليات العرقية والفصائل الموجودة داخل حدودها. لا يمكن لأي دولة أن تفكر في الرشادة الاقتصادية والأداء الاقتصادي الجيد في غياب الشرعية السياسية والمجتمع المدني والمشاركة السياسية؛ القارة السمراء بعد موجة الاستقلال وبعد أربعة عقود لم تستطع أن توفر لنفسها مستلزمات الانطلاقة الاقتصادية السليمة ووجدت نفسها تدور في حلقة مفرغةوتعيش في دوامة التبعية الاقتصادية والتفكك الاجتماعي والانجراف الثقافي وإلى غير ذلك من المشاكل التي لا تنتهي والتي تولّد يوما بعد يوم مشاكل أخرى. إن التحدي الكبير الذي يواجه الاتحاد الإفريقي اليوم هو العامل الاقتصادي، وما يهم رجل الشارع الإفريقي بالدرجة الأولى هو توفير لقمة العيش اليومية. فالوحدة الحقيقية تقوم على أسس ثقافية، اجتماعية، سياسية واقتصادية ولا تعتمد على الشعارات الجوفاء والتوصيات والقرارات التي لا تخرج في غالب الأحيان من قاعات الاجتماعات. القارة الإفريقية اليوم تعاني من مشاكل لا تحصى ولا تعد، هذه المشاكل جميعها لا يستطيع أي اتحاد أو تكتل أو منظمة في العالم العمل على حلها بمجرد المؤتمرات واللقاءات الدورية ولا بمجرد التوصيات والقرارات، ما تحتاجه إفريقيا واتحادها الجديد هو ترتيب الدار من الداخل أي على مستوى كل دولة إفريقية وتفعيل الاتحاد بانطلاقة جديدة تعتمد على الواقعية و الفاعلية و التأقلم مع معطيات النظام الدولي الجديد و تحديات القرن الحادي و العشرين. فكرة الاتحاد الإفريقي فكرة جيدة كان من ورائها الراحل العقيد القذافي في الاجتماع الاستثنائي للمنظمة في مدينة سيرت سنة 1999 و هذا يعني أن التحدي كبير و المسؤولية أكبر، فهل حان الوقت لمراجعة الذات و التعلم من الأخطاء و تصحيحها و إيجاد موقع للقارة السمراء في خريطة العالم المعولم ؟ الأمر يتعلق بتحرير الفرد الإفريقي و تكريس الديمقراطية في أرض الواقع والاستغلال الأمثل للخيرات والثروات و الإمكانيات التي تتمتع بها القارة السمراء. فمجرد استنساخ الاتحاد الأوروبي بمؤسساته و هيئاته و هياكله في كيان اسمه الاتحاد الإفريقي لا يؤهل القارة السمراء للتخلص من همومها و مشاكلها. هل تتحرر أفريقيا و هل ستستيقظ في ظل الاتحاد الإفريقي بأجهزته الجديدة و ببرلمانه ؟ هذا ما يتمناه أكثر من مليار و280 مليون نسمة يحلمون بحياة كريمة و شريفة و بديمقراطية و عدالة في توزيع الثروات و احترام حقوق الإنسان لا غير. في الختام نخلص إلى القول أن التحديات التي يواجهها الاتحاد الإفريقي كثيرة ومعقدة... من الفساد إلى الهجرة غير الشرعية، والإرهاب المنتشر في الساحل الأفريقي، إضافة إلى الخلافات الثنائية بين بلدانها، لتصبح هذه المنطقة من أكثر بؤر التوتر والفقر والفساد في العالم، وتتحوّل أزماتها إلى معضلات مستمرة منذ عقود من الزمن لم تفلح الجهود المبذولة في حلها.
860
| 14 يوليو 2018
في قمته الحادي والثلاثين، وجد الاتحاد الإفريقي على جدول أعماله تحديات كبيرة و مشاكل لها جذور في تاريخ القارة السمراء. محاربة الإرهاب، والتطرف والفساد والحوكمة والحكم الرشيد والرشادة الاقتصادية والإصلاحات المؤسساتية للمنظمة وغيرها من الإجراءات والتدابير التي من شأنها أن تخرج العمل الإفريقي المشترك من الاجتماعات واللقاءات والشعارات إلى برنامج عمل واقعي وعملي يستجيب لمتطلبات العصر ومقتضيات العولمة. الأمراض والأوبئة، الفقر، الأمية والحروب، الرشوة والأنظمة الدكتاتورية التي تتوالى وتتنافس على السلطة من أجل المصالح الخاصة والتحالف مع القوى الخارجية، تلك هي الخصائص التي تتميز بها القارة السمراء في بداية الألفية الثالثة. في الخمسينيات وعندما بدأت رياح الاستقلال تهب بلطف وحنان على القارة السمراء، كان الجميع يستبشر خيرا بمستقبل زاهر وناجح للأفارقة، خاصة أن القارة تتمتع بخيرات وثروات هائلة، وأن خروج الاستعمار منها سيفسح المجال لمشاريع التنمية والتطور والازدهار. أربعة عقود مرت على استقلال معظم دول القارة ومازالت الأمور على حالها، بل ساءت وتعفنت، حيث الحروب والصراعات والنزاعات الداخلية ، الأمراض والأوبئة والجوع والفقر والأمية والقائمة طويلة. إذا قرأنا بعض الإحصائيات الخاصة بإفريقيا، نجد أن ما يزيد عن 20 دولة إفريقية تخوض حروبا ضد بعضها البعض سواء كانت أهلية أو نزاعات داخلية أو بين أكثر من دولة وهنا نلاحظ تورط دول أخرى مجاورة أو صديقة أو عدوة في دعم تلك الدولة أو الوقوف ضدها. هذه الحروب أدت في العقد الأخير إلى مقتل 4 ملايين شخص وأن 35 مليون نسمة اضطروا إلى الهجرة والنزوح واللجوء إلى دول ومناطق أخرى. أما بالنسبة للأمراض فالإيدز لوحده يقضي على مليون إفريقي سنويا، وهناك حاليا 34 مليون من أبناء القارة مصابون بالفيروس، وأن 80% من المصابين في العالم بالإيدز هم أفارقة. فالقارة السمراء تزداد أوضاعها سوءا سنة بعد سنة بسبب القيادات الدكتاتورية والعسكرية التي تحكمها وتتواطأ مع الرأس المال الأجنبي في ابتزاز الثروات الوطنية بأبخس الأثمان، وبسبب الحدود التي خلفها الاستعمار من ورائه، وهي بمثابة قنابل موقوتة. من جهة أخرى، نلاحظ التجارة أو التبادل غير المتكافئ والاستغلال الأعمى للدول الصناعية للقارة السمراء من خلال نخبة موالية وعميلة للغرب، إضافة إلى الرشوة وسوء التسيير والإدارة المتخلفة ومختلف الأمراض والأوبئة وعلى رأسها داء الإيدز. السؤال الذي يطرح نفسه في إشكالية الاتحاد وقدرته على مواجهة التحديات هو هل ساهمت وشاركت الشعوب الإفريقية في فكرة الاتحاد، وهل تم مراجعتها واستفتاء رأيها في الموضوع؟ وهل يملك الاتحاد الوسائل والمؤسسات والإمكانيات اللازمة لتحقيق الأهداف المسطرة؟ هل القارة السمراء جاهزة لاتحاد إفريقي يكرس العمل الإفريقي المشترك، يقوم على المؤسسات والآليات التي تضمن له النتائج المرجوة، والتي تضمن له النجاح في مهامه وأهدافه ومشاريعه. هل الاتحادات السابقة في القارة على المستوى الجهوي حققت أهدافها؟ هل الاتحاد المغاربي أو الاتحادات في الشرق والغرب من القارة الإفريقية حققت الأهداف التي جاءت من أجلها؟ هل الأنظمة السياسية في القارة قائمة على أساس من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان؟ هل المجتمع المدني قائم وموجود ويلعب دوره في صناعة القرار؟ ماذا عن المجتمع المدني والأحزاب السياسية هل هي موجودة وإن وجدت هل من دور لها؟ ماذا عن الاقتصاد وأجهزته وآلياته؟ ماذا عن التبادلات الاقتصادية والتجارية بين دول القارة؟ تساؤلات عديدة تطرح نفسها للتأكد من توفر مستلزمات الاتحاد الإفريقي. الأمر إذا لا يتعلق بتوصيات و بيانات بقدر ما يتعلق بموضوعية وواقعية، خاصة أن بعض الدول الإفريقية بدأت تفقد حتى المقومات الأساسية للدولة. وما الحروب والنزاعات العديدة بين دول القارة، والمديونية التي تعدت الـ 350 مليار دولار كذلك الأوبئة والأمراض الفتاكة مثل الملاريا والإيدز منتشرة بدرجة مخيفة، ناهيك عن التدخلات الأجنبية في شؤون القارة والمصالح المتعارضة و المتضاربة من قبل تجار الحروب وتجار الماس والمواد الأولية الأخرى تزيد القارة حروبا و نزاعات وتدهور على مستوى مختلف الأصعدة. سؤال آخر جوهري يطرح نفسه هو هل الدول الإفريقية الـ 53 متفقة ومستعدة للاتحاد الإفريقي وجاهزة لتفعيل آلياته أم هناك اختلافات و تعارض في الرؤى والإستراتيجيات والمصالح، وهل أن بعض الدول متحفظة على موضوع الاتحاد الإفريقي؟ والغريب في الأمر هنا أن بعض الدول الإفريقية لا تتوفر على برلمان بما تحمله الكلمة من معنى والمصطلح من ديمقراطية وتنظيم وتمثيل إلى غير ذلك، ونراها اليوم تتكلم عن برلمان إفريقي. المشكل الكبير الذي يعاني منه الاتحاد الإفريقي مثله مثل جامعة الدول العربية وعدد كبير من المنظمات القارية والإقليمية، هو البعد الاقتصادي الاستراتيجي الذي يمثل حجر الزاوية لأي عمل تنظيمي مؤسساتي وقاري. فإذا كانت الانطلاقة الأولى للمنظمة سياسية وكانت تعنى بالحركات التحررية وبالتكتل السياسي، وإذا كان هذا الطرح سليما في الستينيات والسبعينيات فإن الأمر ليس كذلك على الإطلاق في الوقت الحاضر. الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال بنى مجده وقوته على أسس اقتصادية، هذه الأسس توّجت في النهاية بتوحيد العملة واستعمال “اليورو"، وبطبيعة الحال مرّ الاتحاد الأوروبي بمراحل وأطوار عديدة حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم. وما ينتظر الاتحاد الإفريقي اليوم هو المحور الاقتصادي الذي هو الأساس في تدعيم الوحدة وتقوية التكتلات ومجابهة تحالفات أخرى توجد على مستوى القارات. وما تحتاجه إفريقيا اليوم هو حل مشاكلها الاقتصادية بالدرجة الأولى، ولو راجعنا الأرقام والإحصائيات لوجدنا أن حجم التبادل التجاري بين الدول الإفريقية يكاد لا يذكر ولا يعني شيئا، وهذا يعتبر في حد ذاته فشلا ذريعا لمشروع وحدة إفريقية يقوم فقط على الشعارات والتوصيات الرنانة التي لا تجد صداها إلا في الصحف وقاعات المؤتمرات والندوات. والقارة الإفريقية تتمتع بثروات وبخيرات وبإمكانيات هائلة للتكامل الاقتصادي فيما بينها، لكن هذه الإمكانيات والخيرات غير مستغلة كما ينبغي، ونلاحظ أن التبعية الاقتصادية والتبادل التجاري مع الدول الأوروبية، وخاصة المستعمِرة (بكسر الميم) منها هي السائدة في اقتصاديات الدول الإفريقية. فانعدام التكامل الاقتصادي وانعدام سوق إفريقية مشتركة يؤديان لا محالة إلى اتحاد فارغ يقوم على الشعارات والمؤتمرات الرنّانة والبراقة، والتي لا تنجح عادة إلا في إصدار توصيات لا تخرج في غالب الأحيان من قاعات المؤتمرات. التكتلات الناجحة اليوم على المستوى الدولي أو الجهوي أو القاري هي تلك التكتلات التي وضعت الشعارات السياسية الرنّانة بجهة وراحت ترّكز على البعد الاقتصادي، والتكتلات الفاشلة كجامعة الدول العربية وغيرها كثيرون ما زالت عاجزة على إقامة تعاون اقتصادي متين يدعم العلاقات والروابط الاقتصادية بين الدول الأعضاء قبل العلاقات السياسية. فعلى سبيل المثال نجد التبادل الاقتصادي بين دول الاتحاد المغاربي لا يتجاوز الـ 3 بالمائة في حين نجده يصل إلى 65 بالمائة مع الدول الأوروبية.
2754
| 07 يوليو 2018
إن عملية انتاج الأخبار تخضع في غالب الأحيان إلى ما يسمى بتحديد الأجندة حيث تنتقي وسائل الإعلام عددا معينا من الأحداث والأخبار وتقصي المئات بناءً على ما تراه أخبارا تنسجم مع أولوياتها وأهدافها ومصالحها الاقتصادية. من جهة أخرى تخضع عملية صناعة الأخبار كذلك إلى ما يسمى بعملية التأطير التي ما هي في حقيقة الأمر إلا عملية بناء الواقع الاجتماعي. عملية التأطير إذن هي عملية وضع أطر معينة لإعطاء دلالة معينة وإطار محدد وسياق يرى الصحافي والمؤسسة الإعلامية أنه ضروري لبناء الواقع الاجتماعي وليس لتصوير هذا الواقع. فالتأطير الإعلامي هو عملية مستمرة ومتواصلة لصناعة الواقع اليومي للجمهور وإمداده بالمعلومات الضرورية التي يحتاجها في حياته اليومية. من جهة أخرى تسمح عملية التأطير للصحافيين اكتشاف وتحديد المادة الإعلامية وتعليبها بسرعة فائقة لتقديمها للجمهور. تقوم نظرية تحديد الأجندة أساسا على عملية "التأطير" framing حيث إن التركيز على قضايا وإهمال قضايا أخرى يعني وضع هذه الأحداث وهذه القضايا في سياق معين وخلفية محددة وفق أطر يراها صانع الرسالة الإعلامية – الصحافي- والمؤسسة الإعلامية والبيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ملائمة لفهم الحدث والقضية. فالتأطير هو "انتقاء وتسليط الضوء على جوانب معينة من الأحداث والقضايا وإبراز الترابط بينها بهدف خلق وتطوير تفسير وتقييم وتقديم حل للقضايا المطروحة". فالأخبار ليست بريئة وليست سلعة مجردة وإنما هي منتج فكري ومعنوي تُقدم للجمهور من الزاوية التي يراها الصحافي صحيحة وملائمة وتفي بالغرض، وعلى حد قول الصحافي الأمريكي دون شابمان "الأخبار هي ما أقرر أنا أنها أخبار". فبالنسبة لغوفمان عملية التأطير هي عملية بناء محدد للتوقعات التي تراها المؤسسة الإعلامية ضرورية ليدرك الجمهور الحدث. فهي عملية مقصودة وجزء من عملية صناعة الخبر يقوم بها القائم بالاتصال من أجل تقديم الحدث وفق إدراكات وأحاسيس الناس وفهمهم لما يحيط بها محليا ودوليا. تمر عملية التأطير بعدة مراحل لتقديم المنتج الإعلامي النهائي للجمهور. فالخطوة الأولى تتمثل في حكم الصحافي وتقييمه للحدث حيث إنه يصدر أحكاما واعية أو غير واعية، إرادية أو غير إرادية انطلاقا من البناءات الإدراكية والمعرفية وإطاره المرجعي ومعتقداته وقناعاته التي تراكمت لديه من خلال عقود من الزمن من الممارسة الإعلامية ومن خلال تفاعله مع البيئة التي يعيش فيها. أما المرحلة الثانية فتتمثل في وضع الحدث وفق الأطر المهنية والقيم الخبرية والخط الافتتاحي للمؤسسة الإعلامية ونظمها الظاهرة والخفية. أما المرحلة الثالثة فهي قراءة في الأطر الخاصة بالجمهور حيث يأخذها القائم بالاتصال بعين الاعتبار في تأطير الحدث. أما المرحلة الأخيرة فهي حصيلة تشابك وتداخل السياسات والممارسات المهنية وخلفية القائم بالاتصال ونوعية الحدث وخلفياته الثقافية والسياسية والأيديولوجية وموقعه في اهتمامات الجمهور فتكون عملية التأطير من القائم بالاتصال والنص والمتلقي والثقافة. تبدأ عملية التأطير بثقافة المجتمع ونظرته للإرهاب وهنا نلاحظ بصمة الإطار الذي تحدده الحكومة من خلال مواقفها وبياناتها وتصريحات كبار السياسيين والمسؤولين. من جهة أخرى قد تكون هناك جماعات مختلفة في المجتمع المدني قد تؤثر في صناعة الأطر التي تتبناها وتعتمدها وسائل الإعلام. إطار الأخبار إذن يتشكل من خلال ثقافة المجتمع والإطار الذي تشكله الحكومة حول الحدث الإرهابي والمنظمات الفاعلة في المجتمع ولو أن تأثيرها يكون محدودا في غالب الأحيان. الإطار الذي تتبناه وسائل الإعلام في تغطية الحدث الإرهابي يشكل الرأي العام بالإضافة إلى التجربة الشخصية للفرد وتواصله مع الآخرين ومؤشرات العالم الحقيقي. فعملية التأطير لحدث إرهابي في أي مجتمع تتم عبر ثلاثة عوامل رئيسية تتمثل في الرهانات والقضايا التي تحيط بالحدث الإرهابي نفسه، والطريقة التي تُقدم وتُفسر وتُحلل بها هذه الأحداث من قبل المصادر الرسمية في الحكومة (بيانات صحفية، خطب، مؤتمرات صحفية من قبل قادة سياسيين، ناطقين رسميين باسم الجيش، الأمن، المخابرات، وكذلك خبراء ومحللين. وأخيرا من خلال البيانات والتصريحات والمقابلات الصحفية مع المختصين الذين يقدمون التحاليل والتفسيرات لدوافع الإرهابيين ومطالبهم". فالتغطية الإعلامية للتطرف والإرهاب ليست بريئة، بل هي مركب من الآليات المهنية والأيديولوجية والاجتماعية والثقافية يجب فهمها جيدا لفهم كيف تشكل وتحدد وسائل الإعلام فهمنا للواقع. فمن خلال استعراض تغطية حادثة شارلي إبدو وشابل هيل وكذلك الحرب على غزة وحادثة 11 سبتمبر 2001 و11 سبتمبر 1973 في شيلي وكذلك ظاهرة الإسلاموفوبيا وتناولها من قبل الإعلام الغربي تم شرح الأطر المختلفة التي يستعملها الإعلام أثناء تغطيته للتطرف والإرهاب. ففي حادثة شارلي إبدو ركزت وسائل الإعلام على عملية اقتراف الجريمة من قبل الإرهابيين لكنها أهملت جوانب عدة من الحادثة ولم تضعها في سياقها الصحيح ولم تحاول الإجابة على عدة أسئلة مهمة. علقت الصحافية الأمريكية سالي كوهين، وهي كاتبة رأي بموقع "ديلي بوست" ومعلقة سياسية في شبكة "CNN" على حادثة شارلي إبدو، في سلسلة تغريدات، "لقد غطت وسائل الإعلام الأمريكية خبر قيام مسلمين بقتل آخرين في فرنسا بشكل متواصل لعدة أيام، لكن لا تغطية مماثلة لمقتل مسلمين هنا في أمريكا". وتابعت كوهين، "مهاجم إسلامي يساوي إرهابي، مهاجم أسود يساوي بلطجي، مهاجم أبيض يساوي مجرد خلاف على مكان ركن السيارة"، متسائلة بغضب عن سبب غياب التغطية الواسعة في أمريكا لما يجري قائلة، "لو أن مسلماً قتل 3 طلاب من أصحاب البشرة البيضاء لكانت القضية اليوم تهيمن على التغطية الإعلامية". أما بالنسبة للحرب على غزة وانطلاقا من نظرية التأطير فلقد أصبح الجانب الفلسطيني هو المعتدي بينما الجانب الإسرائيلي هو الطرف الحريص على الأمن وهو الضحية والمعتدى عليه كما نسبت وسائل إعلام غربية مشاهد من الدمار الذي لحق بالمواطنين العزل في غزة جراء القصف الإسرائيلي لبيوتهم وتقديمه للمشاهد على أنه لضحايا إسرائيليين طالتهم صواريخ المقاومة الفلسطينية. أما بالنسبة ل 11 سبتمبر الشيلي والأمريكي فالتأطير الإعلامي جعل من 9/11 والذي راح ضحيته 4000 شخص على لسان العام والخاص في العالم بأسره أما 11 سبتمبر 1973 والذي راح ضحيته 40 ألف شخص فلقد صنفته وسائل الإعلام في خزائن النسيان. أما بالنسبة لظاهرة الإسلاموفوبيا فأصبحت كلمة العرب والمسلمين مرادفة للإرهاب والجهل والتعصب وإقصاء الآخر وأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها تنسج وتبني صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات وادراكات تجعل من العربي ومن المسلم معادي للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. فالعالم يشاهد تناميا كبيرا لهذه الظاهرة في ظل تشويه وتزييف وتضليل منهجي ومنظم.
5184
| 16 يونيو 2018
كلما ظهرت أعمال إرهابية وجماعات إرهابية جديدة زادت نسبة الاعتداءات على المسلمين في بلاد الغرب وزادت درجة الحقد والكراهية وارتفع حجم التضليل والتشويه والتزييف. فمنذ ظهور "داعش" وانتشار الأعمال الإرهابية في مختلف أرجاء المعمورة، تحركت الآلة الإعلامية الغربية والجماعات العنصرية المتطرفة للنيل من الإسلام والمسلمين والرعايا العرب في مختلف الدول الغربية. ما يؤدي عادة إلى زيادة وارتفاع حملات التفتيش والاعتقالات والمضايقات ضد العرب والمسلمين الزائرين والمقيمين في العديد من الدول الغربية من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة بسبب و بدون سبب. فمنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 أصبحت العمليات الإرهابية والجرائم مقترنة بالعرب والمسلمين وانتشرت بذلك ثقافة الخوف من الإسلام. هذا الدين الذي تم تصويره وتقديمه للرأي العام من قبل الصناعات الإعلامية والثقافية العالمية على أنه دين القتل والعنف والإقصاء وعلى أنه دين غير متسامح ولا يؤمن بالآخر. كما استهدفت حملات إعلامية ودعائية مغرضة ومضللة عديدة الدين الإسلامي من خلال التخويف من الإسلام والمسلمين والتحريض ضدهم مطالبة أجهزة الأمن من تكثيف حملات الاعتقالات والتدخل في تفاصيل الحياة الشخصية للمسلمين المقيمين في الدول الغربية ومراقبة تنقلاتهم و نشاطهم وحتى تصرفاتهم اليومية. وهكذا انتشرت صناعة الخوف وتفننت فيها بعض الدول والجهات التي تستهدف كل ما هو عربي ومسلم. لقد اهتزت صورة الإسلام والعرب في السنوات الأخيرة في الرأي العام الدولي بصورة خطرة جدا ساهمت في العديد من المرات في اتخاذ مواقف معادية وسلبية ضد الشعوب العربية والإسلامية. وكنتيجة لهذه الحملات المنهجية والتشويه والتضليل المنظم أصبح الرأي العام في الدول الغربية معاد ومتخوف من الإسلام والمسلمين والعرب وأصبح ووفق الصور النمطية التي قدمت له يؤمن بصراع الحضارات وصدامها. والأخطر من هذا فإن قادة الرأي وصناع القرار والساسة وحتى نسبة كبيرة من المثقفين انضموا إلى قافلة التهجم على الإسلام واستهدافه وتشويهه. وأصبح العديد ينّظر ويفسر في شؤون الإسلام والمسلمين والحضارة الإسلامية عن جهل و بثقافة الحقد والكراهية والانتقام. في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أحداث 11سبتمبر 2001 عانت وتعاني الجالية المسلمة المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، معاناة شديدة من الممارسات والمضايقات العديدة التي تقوم بها أجهزة أمنية عديدة ومختلفة. فهناك درجة كبيرة من الإهانة والتعدي على الحريات الفردية وعلى حقوق الإنسان والنتيجة الحتمية لكل هذا هو انتشار الحقد والعنصرية والكراهية ضد الإسلام والمسلمين. والمشكل هنا يُطرح على مستويين، المستوى الأول هو الصورة المشوهة والمضللة للإسلام، والتي تفننت في صناعتها جهات عديدة من خلال وسائل الإعلام والصناعات الثقافية المختلفة. أما المستوى الثاني فهو الضعف الكبير والغياب شبه التام للمخرجات الإعلامية والصناعات الثقافية العربية والإسلامية التي تقدم الإسلام للآخر وتسوّق صورة الحضارة الإسلامية والمسلمين على حقيقتها. من جهة أخرى فشلت وسائل الإعلام العربية والنخبة المثقفة في احتواء الصور النمطية والآراء المشوهة والمضللة للإسلام والمسلمين وتفنيدها بالأدلة والحجج والبراهين والمنطق وبلغة الآخر ومنطقه وإطاره المرجعي. الإشكال المطروح هو هل استطاع المسلمون تقديم الإسلام إلى الآخر بشكل علمي منهجي مدروس وفعال؟ ماذا قدم الإعلام العربي و الإسلامي وأين هي الصناعات الإعلامية والثقافية العربية من رسالة تقديم الدين الحنيف والحضارة الإسلامية للآخر. ماذا عن الإنجازات و الإنتاج العلمي والفكري والحضاري. كشفت أحداث 11 سبتمبر 2001 عن الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الغربية على عقول الناس والبشر والرأي العام، حيث أصبحت كلمة العرب والمسلمين مرادفة للإرهاب والجهل والتعصب وإقصاء الآخر، وأصبحت وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها تنسج وتبني صورا نمطية وأنظمة فكرية ومعتقدات تجعل من العربي ومن المسلم معاديا للإنسانية وللبشرية وللأخلاق وللقيم السامية. والغريب في الأمر أن الآلة الإعلامية الغربية لم تطرح أسئلة جوهرية في تعاملها مع أحداث نيويورك وواشنطن، أسئلة هامة ومحورية لو طرحت ستساعد من دون شك في اكتمال الصورة الحقيقية لخلفيات الأحداث وتداعياتها. لماذا ضرب الإرهاب أمريكا دون سواها؟ لماذا لم تتحرك الآلة الأمريكية الغربية عندما كانت دول مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا تؤوي إرهابيين من مختلف الدول والجنسيات تحت ستار اللجوء السياسي وحقوق الإنسان وحرية التعبير وغير ذلك؟ لماذا لم تتفاعل الآلة الإعلامية الغربية مع إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني يوميا على الشعب الفلسطيني؟ وهل تستطيع أمريكا اجتثاث الإرهاب والقضاء عليه بالعنف والقتل وفرض وجهة نظرها على باقي شعوب العالم كما يحلو لها. هل الحل الأمثل لمعالجة الإرهاب هو العنف والقوة؟ هل تطرقت الآلة الإعلامية الغربية للأسباب الحقيقية للإرهاب؟ هل تساءلت الآلة الإعلامية الغربية عن من هو الذي صنع بن لادن والأفغان العرب و"المجاهدين" والجماعات الإسلامية المسلحة و"الأمراء" وغيرهم؟ وهل هؤلاء يمثلون الإسلام والمسلمين؟ هل ناقشت وسائل الإعلام التناقضات الموجودة على مستوى العلاقات الدولية السياسية منها والاقتصادية؟ كيف تجرؤ هذه الآلة الإعلامية العالمية على تفريغ قضايا وأحداث ومشاكل من محتواها الحقيقي ومن جوهرها وتركز على الشكل والقشور فقط؟ إلى متى تبقى وسائل الإعلام العالمية تتلاعب بعقول الناس وبمصيرهم؟ إلى متى تبقى هذه الوسائل تفبرك الواقع وتبث الرعب والخوف في نفوس البشر في مختلف أنحاء المعمورة؟ قال والتر ليبمان قبل أكثر من 90 سنة "أن وسائل الإعلام تحدد لنا ما نراه من حولنا والواقع ليس كما هو، بل كما تراه هي وتحدده".
1984
| 14 أبريل 2018
أدى انتشار التكنولوجيات الرقمية في العالم العربي إلى مساحات سياسية كبيرة للنقاش والحوار والاختلاف والنشاط السياسي والنضال والاندماج. إلى أي مدى استطاعت البيئة الإعلامية والاتصالية الجديدة وتستطيع مستقبلاً إفراز سياسة بديلة عن تلك التي سادت لعقود من الزمن وستستطيع أن تحدث التغيير الاجتماعي؟ ما هو الجديد في الإعلام الجديد وبخاصة الشبكات الاجتماعية وكيف استخدم الناشطون والشباب والمتظاهرون والمحتجون والمهمشون والطبالون وغيرهم الإعلام الجديد للنقاش والحوار والتوعية والتعبئة والتجنيد والمظاهرات والاحتجاجات لتغيير الأوضاع والاستجابة لمطالبهم؟. كيف تعاملت السلطة مع الإعلام الجديد وهل نجحت في تكميمه؟ من أهم المواصفات التي تميز شبكات التواصل الاجتماعي هي أن المحتوى يصنعه الزوار والمتصفحون، فالتطورات الجديدة التي شهدتها شبكة الانترنت أدت إلى نقلة كبيرة في عالم التواصل عبر الانترنت. وعلى عكس الإعلام التقليدي، فإن الإعلام الجديد أدخل مفاهيم وآليات جديدة في عالم الاتصال، حيث إن نموذج هارولد لاسوال — المرسل والمستقبل والوسيلة والرسالة ورجع الصدى — أصبح لا يفي بالغرض لفهم العملية الاتصالية، وحتى نظريات حارس البوابة وتحديد الأجندة وغيرها أصبحت غير صالحة لشرح البيئة الجديدة للتواصل الاجتماعي. ففي هذه البيئة أصبح المستقبل هو المرسل وهو صانع الرسالة الإعلامية وأصبح هو حارس البوابة ينتقي ما يحلو له ويتصفح ما يلبي رغباته ويتغاضى عما لا يعجبه. فحرية النشر والرأي مضمونة في الشبكات الاجتماعية وهذا ما يوفر جو النقاش والحوار والاختلاف وما يفرز في نهاية المطاف السوق الحرة للأفكار. وهنا نلاحظ التواصل الفعال بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حيث تجمعهم اهتمامات مشتركة ومشاكل مشتركة وقضايا تشغل بالهم. أضف إلى ذلك أن المستخدم يختار ويتحكم في المحتوى المعروض، لأن مستخدمي الموقع يختارون بعضهم بعضا ويعرفون بعضهم ويتعارفون أكثر بعد الاستخدام والتواصل الفعال بينهم. هذا ما يؤدي إلى تفاعلية وإلى مشاركة فعالة تثري النقاش والحوار وتقدم أفكارا خلاقة وممتازة. لا يوجد هناك مجالا للشك أن الشبكات الاجتماعية لعبت دورا محوريا في الثورات التي هزت الوطن العربي منذ نهاية ديسمبر 2010. فالإعلام الجديد وفر وسائل وإمكانيات معتبرة للناشطين السياسيين لاختراق الوسائل والطرق المختلفة التي كانت تستعملها السلطة للتعتيم والتكميم وإسكات من يحاول الخروج عن طاعتها وإرادتها. ساعد الإعلام الجديد على إدخال التفاعلية والسرعة بين المشاركين في الفضاء العام الإلكتروني، الأمر الذي كان غير ممكن في زمن البرقيات والفاكس والهاتف. فالوسائل الجديدة سمحت بتدويل القضية وبإيصال صوت الفقراء والمهمشين والشباب العاطل عن العمل إلى أرجاء العالم المختلفة. شباب الثورات العربية استطاعوا أن يتواصلوا مع بعضهم البعض ليس داخل حدود بلدهم فقط، بل في الدول العربية والعالم بأسره واستطاعوا أن يكسبوا تعاطف وتضامن مواطنيهم المغتربين في دول العالم. فالإعلام الجديد قام بتعبئة الجماهير ووفر الفرصة للمتظاهرين والمحتجين بنشر موجات من النصوص والفيديوهات والصور مباشرة من ساحات وميادين الثورة إلى الملايين وبطريقة غير مباشرة إلى شبكات الأخبار العالمية مثل "سي إن إن، وبي بي سي، والجزيرة والعربية" ونظرا لهذه الميزات والتي تتمثل أساسا في القدرة على إرسال رسائل إلى جماهير عالمية عريضة يمكن اعتبار الشبكات الاجتماعية مصدرا رئيسيا مهما للعمل المشترك والتغيير الاجتماعي. إن الدور الذي لعبته الشبكات الاجتماعية في الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا في السنوات الماضية يشير إلى بروز نمط جديد من التواصل والتفاعل بين مكونات الشعب لتحقيق مطالبه المشتركة. فالإعلام الجديد أفرز فضاءً عاما اجتمعت فيه القوى الشعبية للإطاحة بالأنظمة الفاسدة والطاغية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيستمر هذا الفضاء لتحقيق أهداف الثورة في المستقبل من خلال مرحلة انتقالية تهدف إلى بناء الركائز والدعائم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجديدة؟ وهذا هو التحدي الأكبر لأن الإطاحة بالأنظمة الفاسدة ما هي إلا مرحلة أولى لا تعني شيئا إن لم تكملها مرحلة ثانية توفر فرص العمل والديمقراطية والشفافية والحرية والعدالة الاجتماعية. هل ستتوقف مهام الشبكات الاجتماعية عند التعبئة فقط، أم أن هناك فرصا جديدة يجب استثمارها واكتشافها لتوظيف هذه الشبكات في تحقيق التنمية المستدامة والحكم الراشد. أم أن هذه المهمة هي من اختصاص أهل السياسة والاقتصاد والمجتمع المدني والمنظومة الإعلامية؟ تحديات كبيرة تنتظر من يريد التغيير وتوفير العيش الكريم لأفراد المجتمع وخاصة الشباب العاطل عن العمل والمتعطش للتمتع بحقه في حياة كريمة وشريفة. من جهة أخرى نلاحظ من أطلق على شبكات التواصل الاجتماعي "شبكات الانفصال الاجتماعي" أو "شبكات الاغتراب الاجتماعي" وهذا نظرا لقضاء مثل هذه الشبكات على الكثير من مقومات الاتصال الإنساني ومن الموضوعية والأخلاق والنزاهة والالتزام. فإذا كانت هذه التكنولوجيات الحديثة تتميز بإيجابيات وبأشياء جديدة وكثيرة أضافتها للفضاء الاتصالي الإنساني، فإنها من جهة أخرى تم استغلالها في أشياء أساءت أكثر مما أفادت الانسان. وإذا قيمنا التجربة على المستوى العربي نجد أن أنظمة الحكم ما زالت تسيطر بطريقة أو بأخرى على قنوات الاتصال الرسمي وعلى السيطرة على مفاتيح الرأي العام وكذلك مضايقة نشطاء محطات التواصل الاجتماعي سواء عن طريق المحاكمات التعسفية أو السجن أو في بعض الأحيان التصفيات الجسدية. من سلبيات شبكات التواصل الاجتماعي كذلك التضليل والتلاعب والتحريف والتشويه. على الصعيد الشخصي والإنساني نلاحظ العزلة والانجراف نحو عالم افتراضي بعيدا عن الواقع. هذه الشبكات أصبحت منصات لنشر أفكار هدامة وثقافات الإباحية والمجون وانتهاك خصوصية الفرد. لا ننسى استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من قبل "داعش" وغيرها من الجماعات الإرهابية التي أتقنت جيدا استخدامها لجمع الأموال والتجنيد ونشر أيديولوجياتها بكل مهنية وحرفية.
1441
| 07 أبريل 2018
المتأمل في المشهد الإعلامي العربي هذه الأيام يلاحظ الانزلاقات والانحرافات الأخلاقية والمهنية التي تسيطر على أداء أقل ما يمكن القول عنه أنه إساءة لمهنة شريفة ورسالة سامية، من المفروض أن تفند الأكاذيب والتلاعب والتضليل والتعتيم والتشويه. بمنطق الإعلام الشريف والملتزم والمسؤول والمساهم في التنمية المستدامة وفي التربية والتعليم والمسؤولية الاجتماعية يحتاج العالم العربي وأكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل نظامه الإعلامي وإلى رسم استراتيجية وخطة إعلامية عربية واضحة الرؤى والمعالم. الإعلام العربي اليوم بحاجة إلى آليات واستراتيجية وطرق تسيير وإدارة تخرجه من إعلام الصالونات والبلاط إلى الشارع والواقع والرأي العام يستطيع من خلالها تحديد مكانة مرموقة له، سواء محليا أو عالميا. وقبل الكلام عن استراتيجية على مستوى الوطن العربي بحيثياته وخصائصه ونقاط التشابه والاختلاف بين الـ 22 دولة عربية و380 مليون نسمة، دعنا نتطرق أولا إلى واقع الإعلام العربي على مستوى كل دولة عربية، والهدف من هذه المقاربة المنهجية هو أنه يتعذر الكلام عن إعلام عربي قوي وفعال، إذا كان هذا الإعلام على مستوى كل دولة ضعيفا يفتقد إلى مستلزمات القوة والفعل ويفتقد للمصداقية وللجرأة في طرح القضايا الحساسة والمصيرية التي تهم الشارع. فمع الأسف الشديد نلاحظ أن غالبية الدول العربية لم تفلح في استعمال الجهاز الإعلامي كما ينبغي ولم تستغله في تجسيد مشاريعها التنموية في أرض الواقع، وإذا نجحت الدول العربية في استغلال الجهاز الإعلامي لتمرير خطاب السلطة وفي فرض الإعلام العمودي، فإنها فشلت فشلا ذريعا في إرساء قواعد الإعلام الديمقراطي المسؤول، الإعلام الأفقي الذي ينتقد ويحلّل ويبني ويشرك الجماهير في عملية التنمية المستدامة والمشاركة السياسية، وبذلك المشاركة في صناعة القرار وفي تقرير مصيره بنفسه. فإعلام لا يستطيع أن يكون فاعلا ومسؤولا وحرا إذا كان خاضعا مستسلما ينتظر الأوامر ويخاف من تخطي الخطوط الحمراء والمحرمات. نستنتج إذا أنه حان الأوان لتحديد الأولويات والاستراتيجيات فيما يتعلق بالجهاز الإعلامي والآلة الإعلامية على مستوى كل قطر عربي قبل الانطلاق في تحديد استراتيجية إعلامية عربية لمواجهة تحديات الألفية الثالثة. تثار من حين لآخر قضايا وإشكاليات حول الإعلام العربي وموقعه في المعادلة السياسية ودوره في صناعة الرأي العام وصناعة القرار وعلاقته بالسلطة؟ وهل يستطيع أن يكون سلطة رابعة؟ تعامل الإعلام العربي مع القضايا اليومية المحلية والدولية، وخاصة الأزمات والصراعات والمشكلات التي يعاني منها المواطن تشير إلى أزمة أداء وأزمة مصداقية وفجوة بين النظام الإعلامي والشارع. ففي آخر المطاف النظام الإعلامي ما هو إلا نظام فرعي من النظام الكلي السائد في البلاد، وإذا كان هذا النظام مغلقا ورافضا ومقصيا ومنفرا لإعلام الاستقصاء والرقابة والكشف عن التجاوزات والتلاعب، فهذا يعني أن الكلام عن نظام إعلامي فاعل في المجتمع يبقى بدون جدوى. فالإشكالية هنا هامة ومعقدة في نفس الوقت لا يمكننا تحليل وتفكيك خيوطها بمعزل عن الإطار العام الذي يعمل فيه النظام الإعلامي العربي، هذا الإعلام الذي في حقيقة الأمر ما هو إلا جزء من نظام كلي يتميز بخصائص ومعطيات قد تقصي هذا النظام الإعلامي من أن يكون سلطة رابعة. والملاحظة الأولى هنا تتمثل أن في معظم الدول العربية لا يوجد هناك فصل بين السلطات، فكيف نتكلم عن السلطة الرابعة، ولا توجد إلا سلطة واحدة فقط في النظام. من جهة أخرى نلاحظ أن العلاقة بين السلطة والإعلام في الوطن العربي تسيطر عليها الأبوية والخنوع والانبطاح والاستسلام والشعبوبة والغموض، بحيث تبقى الآلة الإعلامية في نهاية المطاف تحت تصرف السلطة وفي خدمتها هي وحدها فقط. فلا سلطة رابعة في غياب الديمقراطية وسلطة القانون واستقلالية القضاء. وفي ظل هذه الأجواء الغامضة والمشحونة بالالتباس يبقى كذلك الكلام عن مخاطبة الآخر وتسويق صورة إيجابية وحقيقية عن أنفسنا من عالم المستحيلات. فالذي يفشل في مخاطبة نفسه ومحيطه سيفشل في مخاطبة الآخر لا محالة. من جهة أخرى، نلاحظ أن إشكالية علاقة السلطة بوسائل الإعلام في الوطن العربي ما زالت بحاجة إلى دراسة متأنية وإعادة نظر صريحة وجريئة حتى تصبح المؤسسة الإعلامية في الوطن العربي مؤسسة فاعلة، تغيّر وتكشف وتحقق وتستقصي. وإذا كانت المؤسسة الإعلامية خاضعة وتابعة ومنفذة فتصبح عملية مواجهة العولمة وتحديات الألفية الثالثة مجرد شعارات خاوية والكلام عن السلطة الرابعة مجرد كلام بدون معنى. الصحفي في الوطن العربي ما زال يعاني من قوانين وعقوبات ومحرمات وخطط حمراء لا تحصى ولا تعد، كما أنه يعاني من نصوص وقوانين تشريعية تستعمل ضده بكل سهولة وبساطة، وفي ظل مثل هذه الفضاءات التشريعية والقانونية المفخخة و المطاطية والمجحفة في حق الصحافي، يتجنب صانع الرسالة الإعلامية في الوطن العربي الموضوعات الهامة و القضايا الحساسة ويتحول من الفاعل المرسل المغيّر إلى السلبي الذي يقرأ ويفبرك الواقع والتاريخ وفق معطيات معينة ترضي السلطة وتسبِّح وتمدح لها. هذا الصحافي لا يجرؤ على قراءة التاريخ واستقصائه وتحليله ونقده وفق متطلبات الشارع ومعطياته الموضوعية في أرض الواقع. الملاحظ والمحلل لمخرجات الإعلام العربي اليوم يستنتج التناقضات والثغرات الكبيرة والمتعددة التي تميّز هذا الإعلام. فالمؤسسة الإعلامية العربية ما زالت في الكثير من الدول العربية لم ترق إلى المؤسسة الإعلامية بالمعنى الكامل للكلمة، سواء من حيث الإدارة أو التسيير أو التنظيم أو الهيكلة أو الوسائل أو الكادر البشري أو الاحترافية أو الإطار القانوني والتشريعي أو الميثاق الأخلاقي. ففي الكثير من الحالات نلاحظ المساومات والتجاوزات والمتاجرة بالمهنة على حساب مبادئ والقوانين والأخلاقيات، وغالبا ما تستعمل المؤسسة الإعلامية لأغراض ومصالح ضيقة جدا تكون في صالح فئة معينة أو حزب معين أو تيار معين على حساب الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. وآخر موضة ابتكرتها بعض الفضائيات العربية هي التجريح والتشهير في بعض الدول العربية دون سواها باسم حرية الصحافة وحرية الرأي وحرية التعبير، وهذه الفضائيات نسيت أن تبدأ من الأرض التي تبث منها إذا كانت تبحث بجد عن الكشف عن الحقيقة وتنوير الرأي العام. ففي الكثير من الدول العربية نلاحظ غياب النقابات المهنية الصحافية وجمعيات الصحافيين للدفاع عن المهنة وعن القائمين بالاتصال وعن حق الجمهور في معرفة ماذا يدور من حوله وفي العالم.
1078
| 03 مارس 2018
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3561
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2871
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2736
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2640
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
1524
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1461
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1041
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية