رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ابنتي: صفاء الحب، نقاء السريرة، بهجة الحياة، مهجة الروح، فيض السعادة، عشق القلوب أنس الحديث، متعة الحوار، تأتي إلى الدنيا فتقبل معها الفرحة والسرور. فعندما ولدت فاطمة - رضي الله عنها - قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ريحانة أشمها ورزقها على الله) استبشارا وفرحا بمولدها، وقالوا: إنه من اليمن والبركة أن تولد الأنثى قبل الذكر؛ فالله تعالى بدأ بالإناث. فقال تعالى "يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ" تكبر البنت فتكبر معها أحلام الوالدين، ويحرصان كل الحرص على حسن تربيتها، وجميل تنشئتها، حتى تكون سعادة لهما في الدنيا، وسترا لهما من النار يوم القيامة. وحين تواجه الأب الآلام، ويشعر بقسوة الحياة، يجد ابنته روضة غناء، ونسمة شفاء، تضمد جراحه، وتجلو همومه، وتمده بالحنان والرقة والملاطفة التي يفقدها عند من يحيطون به، فهي مصدر الحب، فها هو النبي الأب يلقي أحد الكفار على رأسه الأذى وهو يصلي فلا يجرؤ أحد على نصرته، حتى تأتي قرة عينه فاطمة فترفع عنه الأذى، وتربت على كتف أبيها وهي تبكي رقة لحاله، ولذا لا عجب والنبي يقول ( فاطمة أم أبيها ) شفقة وحنانا ورعاية. تتزوج البنت فيسعد قلب الأب، لكنها سعادة ممزوجة بانقباض الصدر لبعدها، فالبيت لم يعد كما كان، لا روح، لا طعم، وعندما تعود إلى البيت يمتلئ قلبه سعادة، فكان النبي الكريم إذا زارته فاطمة بعد زواجها يقوم لها مستقبلا، ويقول مُرَحبا: أهلا بابنتي، ويقبلها بين عينيها، ثم يجلسها بيديه بجواره، أي روعة استقبال هذه. وعندما تحدث مشكلة أسرية يسعى إلى حلها حتى لا يمس قلبها الحزن والضيق، فقد رؤي النبي ذات مساء يسعى إلى بيت فاطمة وقد ظهر على وجهه القلق، ما هي إلا مدة وجيزة حتى خرج وقد ظهر الفرح والبشر في وجهه الشريف فسئل عن فرحه هذا فقال: ( وما يمنعني أن أفرح وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي). إنها موضع سر أبيها، ومحل مشورته، فقد أقبلت فاطمة على النبي وهو في مرض الموت تمشي كأنّ مشيتها مشي النبي الكريم، فقال النبي: مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمنيه أو عن شماله ثم أسرّ إليها حديثا فبكت، ثم أسر إليها حديثا فضحكت. فالبنات نسمات عليلة يخففن وهج الحياة في صغرهن وهن الحانيات في الكبر، المستجيبات لكل همسة، المطيعات لكل إشارة. ابنتي أنت قلبي وفرحتي، أنت في الدارين سر سعادتي.
4026
| 27 نوفمبر 2019
ما أجمل أن تنصت لأبنائك وهم يعبرون بصدق عن حقيقة مشاعرهم، فهم يعطونك المفتاح الملائم للانسياب إلى عميق نفوسهم، ويحددون لك البوصلة المناسبة للوصول إلى الوجهة الصحيحة عند التعامل معهم، فهذا حوار دار بين شابين يعيشان المرحلة ذاتها، يعبر كل منهما عن إحساسه ومشاعره، ينقلان تأثرهما بالمربين، وإلى أي مدى وصلت حياتهما، فأحببت أن أنقل لكما الحوار كما هو، نعيشه، نغوص في معانيه، نتأمل أفكاره، وأرى – في وجهة نظري – أن المهم أن نقرأ ما وراء السطور!. أنا خالد، عمري (15) عاما، عندما كنت طفلا علمني والدي أن أضع حذائي في مكانه، وربتني والدتي على أن أرتب غرفتي، وكذلك معلمي دفعني إلى أن أساعد زملائي، أما شيخي فقد أكّد عليّ أن أحافظ على صلاتي جماعة، وأحرص على تكبيرة الإحرام، فنشأت وكبرت معتمدا على نفسي، متحملا لمسؤولياتي. أما أنا فاسمي ياسر، وعمري أيضا ( 15) عاما، سافر أبي وأمي فجأة وتركاني وحيدا، لا أعرف كيف أعدّ طعامي، فتمرّ أيام كثيرة أنام فيها وأنا جائع، لم أتدرب على أداء واجباتي بمفردي، فأمي تجلس معي تذاكر لي كلمة كلمة، وتحلّ بعض الواجبات بدلا مني فتأخرت في دراستي، وأبي ما عودني أن أذهب إلى المسجد وحدي، فيمر الأذان تلو الأذان وأنا متكاسل عن صلاتي، حقيقة أصبحت حياتي بلا طعم، بلا معنى، بلا قيمة. لم ينته الحوار بعد، هيا نكمل مع خالد وهو يتحدث إلى صديقه: أخي ياسر ما زال الأمل قائما، درّب نفسك على الذهاب إلى المسجد (فالصلاة مسؤولية)، عوّد نفسك على المذاكرة وحدك (فالنجاح مسؤولية)، رتب غرفتك وأدواتك (فالنظام مسؤولية)، شارك في الأنشطة المدرسية والمجتمعية (فحب الوطن مسؤولية)، لا تلق باللوم على الآخرين، فحياتك ملكك، أنت تصنعها، فأنت مسؤول عن نفسك. قد تكون بعض الرسائل ملهمة، والبعض الآخر منها مؤلمة، لكن من الضروري أن نحسن قراءتها، ونعيد حساباتنا، ونطور أداءنا، وخاصة إذا كانت تلك الرسائل تتعلق بأحب الناس إلى قلوبنا (أولادنا).
572
| 09 نوفمبر 2019
يشعر الكثيرون بالمعاناة في تكوين العلاقات الاجتماعية أو الاستمرارية فيها ويبحثون عن أنواع السلوك الذي يضمن لهم النجاح في ذلك، والحل في مبدأ (التغافل). (التغافل) أن تغض الطرف عن هفوات الآخرين، ألا تحصي سيئاتهم، أن تترفع عن صغائرهم، ألا تركز على اصطياد سلبياتهم. (التغافل): أن تترك الخطأ الذي ارتكبه الآخر الآن، ثم تعود إليه لتناقشه فيه وتصوبه له لأنك تحبه. (التغافل): حب واحترام، لا تجاهل ولا إهمال ولا ازدراء. ويحكي القرآن عن قمة الرقي في التغافل، فيقول الله تعالى: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ). فيوسف البريء يتغافل عن اتهامه بالسرقة لأنه يريد حب إخوته وكسب قلوبهم، مع قدرته على الرد، فالتغافل قوة لا ضعف. وكفار قريش يشتمون النبي الكريم وينادونه مذمما، فما كان منه إلا أنه قال: (أَلَا تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؛ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ) فأصحاب النفوس الراقية والهمم العالية يتغافلون لأن لهم أهدافا عظمى يريدون تحقيقها. أحسن التغافل لأن تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل، أتقن التغافل لأنك إذا فعلت تجاوزت نصف مشاكل الحياة، كن متغافلا لأن ذلك من شيم الكرام، والناس لن يتوقفوا عن الزلات والأخطاء ومن بحث عن أخطائهم تعب وأتعب، فيقول ابن الجوزي: (ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتم المرء بكل زلة وخطيئة تعب وأتعب، والعاقل الذكي من لا يدقّق في كل صغيرة وكبيرة، مع أهله، وأحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته، وتصفو عشرته). تغافل من أجل صحتك النفسية والبدنية، فيقول مالكوم إكس: إذا لم تتقن التغافل ستخسر الكثير أولهم عافيتك. وينبغي أن تختار الوقت الملائم للتغافل، يقول ماكدونالد: التغافل وقت الغضب ذكاء، والتغافل وقت المصاعب إصرار، والتغافل وقت النصيحة البناءة غرور، فانتبه متى تتغافل!. فأمامك طريقان: إما أن تنفعل وتغضب وتتوتر، وترهق أعصابك وتفكيرك، وإما أن تتغافل وتهدأ وتبتسم. ويتحقق التغافل المثمر عندما تؤمن بأهمية دورك في حياة الآخرين، عندما تغلب المصلحة العامة على حظوظ نفسك، عندما تبحث دائما عن الإنجاز والنجاح. فالتغافل فن وارتقاء، حب ونصح وانتماء.
21549
| 19 أكتوبر 2019
نعم، فهمتك الآن أبي الحبيب، فهمت مشاعرك حين حملتُ – أنا - كائنًا ملائكيا صغيرًا بين يدي، فغمرني شعورٌ دافئٌ ومُخيفُ في اللحظة ذاتها، وتبادر إلى مخيلتي: ما الذي بإمكاني فعله لهذا المخلوق البريء ؟ هل أستطيع العبور به إلى بر الأمان أم سأكون العقبة العظمى أمام مسيرته؟ هل سأربيه التربية المنشودة ليكون صالحا مصلحا أم سأنشغل عنه وأتركه يعيش عبثا ؟ وحينها فقط فهمتُ مسؤوليتك ! نعم فهمتك، حين سافَر ولدي لزيارة أقاربه، فكم آلَمني فِرَاقه، وأحرَق قلبي غيابه، وأوجعني بُعده! فكنتُ على أحرِّ من الجمْرِ لموعد مجيئه واللِّقاء به، ورغم أنه لم يبق هناك سوى عِدَّة أيام، لكنها مرت علي شهورًا وربما أعوامًا، لقد كنتُ رفيق الوَحدة بدونه، وحينها فقط فهمتُ لهفتك ! نعم فهمتك، حين كنت أسمع بكاء طفلي فأُهرول إليه رغم شِدَّة انشغالي، ولا أتحمل رؤية دموعه، فأحمله وأهدهده حتى يسكن فؤادي وتطمئن روحي، وحينها فقط فهمتُ حنانك ! نعم فهمتك، حين كان يطلُب مني ابني الخروج معه للتنزه فأُلبِّي طلبه مهما كنت أشعر بالتعب والإرهاق، وأكاد أضَع اللُّقمة في فمي، ثم يسوقني حبُّه إلى وضعها في فمه، رغم أنه قد أكَل مثلها، واستغنى عنها، وحينها فقط فهمتُ إيثارك ! نعم فهمتك، حين أَشُمُّ رائحة ولدي أشعر أني قد رُدت إليَ روحي، أما عن صياحه فذلك أجمل صوت تسلل إلى نفسي حتى في اللحظات التي أحتاج فيها إلى الراحة والهدوء، وحينها فقط فهمتُ صبرك ! نعم فهمتك، حين يَمرض أو يتعَب ولدي فلا يستطيع أحد أن يتخيل شِدَّة خوفي عليه وحزني من أجله، حينها يتشتَّت فِكري ويزداد همِّي، ويَعظُم حزني؛ لمجرد رؤيته على تلك الحال، ولو استطعتُ أن أهَبَ له الصحة من جسدي لفعَلت، وأن أرسم السعادة في مُحيَّاه لَمَا قصَّرت، وحينها فقط فهمتُ رقتك ! نعم فهمتك، حين حصل فلذة كبدي على الثانوية العامة، فلم تسعني الدنيا فرحا، ولم يشملني الكون طربا، تذكرت كل لحظة مرت علي معه، بدأ الحلم يظهر واضحا أمام عيني، وحينها فقط فهمتُ سعادتك ! نعم فهمتك، حين تزوج ابني، فلم أصدق نفسي وأنا أضع يدي في يد صهره وكيلا له، أقول في نفسي: طفلي أصبح زوجا، وحينها فقط فهمتُ فرحتك ! نعم فهمتك، حين وهب الله لابني طفلا جميلا، فأصبحت جٍدا، وحملت حفيدي بين يدي، وعندها تذكرت يوم حملت ابني حين وُلد، فلم أتمالك دموعي، وحينها فقط فهمتُ مشاعرك ! أبي الحبيب: نعم فهمتك الآن، سامحني فقد أخطأت كثيرا في حقك، لكني أحبك، قد أكون فهمت دوافع كل تصرف قمت به متأخرا، وقتها كنت مندفعا غاضبا، لكنني حين أصبحت أبا أدركت كم أعطيت وبذلت وضحيت، فرحمة الله على كل أب.
718
| 06 مارس 2019
(كل ساعة نقضيها في التخطيط توفر لنا أربع ساعات عند التنفيذ، فالتخطيط ليس تضييعاً للوقت)، عبارة تحتاج إلى تفعيل كبير في حياتنا، وتدريب لأنفسنا وأبنائنا على مهارات التخطيط الفعال، فالكثيرون لا يعطون للتخطيط القدر المناسب من الاهتمام، فأصبحت العشوائية سائدة بينهم، بل والأخطر أنهم يتعايشون معها فصارت هي الأساس والأصل في تعاملاتهم، رغم أن كل الشواهد حولنا تؤكد ضرورة أن نجعل التخطيط أسلوب حياة. والتخطيط في اللغة: مصدرٌ للفعل (خطَّطَ)، نقول: خطَّط لمستقبله؛ أي أعدَّ خُطَّة لأعماله، ومشاريعه في المستقبل، وفي علم الإدارة: هو وضع أهدافك في برنامج عملي قابل للتنفيذ، ورسم صورة واضحة للمستقبل وتحديد الخطوات الفاعلة للوصول إلى هذه الصورة، وكيف تتعامل مع الزمن وتختار الأولويات. والحقيقة المرة أن التخطيط لا ينفذه إلا القليل، والذي نفعله دائما أن عندنا مجموعة من النوايا والأفكار التي نرى أهميتها، وقد نصل إلى تحقيقها، وقد تصرفنا مشاغل الحياة التافهة عن إدراكها، فنعيش على هامش الحياة بأهداف وطموحات لا تجد طريقها إلى التحقيق. وكي ندرك أهمية التخطيط في توفير الوقت والجهد والوصول إلى الهدف المنشود – نعيش مع تلك القصة الرمزية، فقد كان هناك عاملان في إحدى شركات البناء، أرسلتهما الشركة من أجل إصلاح سطح إحدى البنايات، وعندما وصل العاملان إلى المصعد إذا بلافتة مكتوب عليها (المصعد معطل) تصدمهما، فتوقفا دقيقة يفكران ماذا سيفعلان، لكنهما حسما أمرهما سريعا بالصعود على الدرج بالرغم من أن العمارة بها أربعون طابقا، سيصعدان وهما يحملان المعدات لهذا الارتفاع الشاهق، لكنها الحماسة... وبعد جهد مضن، وعرق غزير، وجلسات استراحة كبيرة، وصلا أخيرا إلى غايتهما، هنا التفت أحدهما إلى الآخر وقال: لدي خبران أود الإفصاح لك عنهما، أحدهما سار والآخر غير سار، فقال صديقه: فلنبدأ بالسار، فقال له صاحبه: أبشر، لقد وصلنا إلى سطح البناية أخيرا، فقال له صاحبه بعد أن تنهد بارتياح: رائع لقد نجحنا، وما الخبر السيئ ؟ فقال له صاحبه في غيظ: هذه ليست البناية المقصودة!! فهناك من يمضي في هذه الحياة كهذين العاملين، يجد ويتعب ويعرق، ثم في الأخير يصل إلى لا شيء لأنه لم يخطط جيدا قبل أن يخطو، ولم يضع لنفسه برنامجا دقيقا يجيب فيه عن السؤال المهم: ماذا أريد بالتحديد؟ وكيف أفعل ما أريد؟ وليس التخطيط بالعلم الحديث، فالقرآن الكريم أشار إليه في أكثر من موضع، ومنها ذلك اللون الذي يعتبر من أروع أمثلة التخطيط الاقتصادي في القرآن الكريم، والمتمثل في خطَّة يوسف عليه السلام في مواجهة المجاعة القادمة على مصر، يقول الله تعالى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبَاً فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)، وكذلك في حياة نبينا الكريم الكثير من المواقف التي تدل على حسن التخطيط، ومن أوضحها الهجرة إلى المدينة. التخطيط منهاج حياة يرتقي بنا للعلا، فليتنا نفعل!
3133
| 23 يناير 2019
تتعدد جوانب العظمة في شخصية النبي ( صلى الله عليه وسلم )، وكيف لا ؟! وقد أرسله الله – عز وجل – قدوة للبشرية كلها في مناحي الحياة كافة. ولعل من أبرز جوانب عظمة شخصية النبي الكريم – كونه المربي الأمثل، والذي قدم لنا فنون التربية بصورة رائعة، جمعت بين النظرية والتطبيق في أسلوب رشيق، وخطوات عملية واقعية. وقد انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح يتعلق بالتربية يسمى ( التربية الإيجابية )، وقد لاقى هذا المصطلح رواجًا واسعًا واهتماما كبيرًا من الآباء والأمهات لتعلمه. وعندما نتأمل المعايير التي تم وضعها من قبل مبتكري هذا اللون من التربية، نجد أن الرسول معلم البشرية -صلى الله عليه وسلم- قد أرسى هذه القواعد منذ أكثر من 1400 عام، ولم يقف عند حدود إرساء القواعد، بل باشر بنفسه رسم معالم التربية الشاملة. فمن المعايير الخمسة في التربية الإيجابية: ( الاحترام المتبادل والتشجيع بحزم ولطف في الوقت نفسه )، والمدقق في تربية الأبناء يلحظ أنه من السهل على بعض الآباء أن يكونوا متساهلين مع أبنائهم، ولكنهم قد يواجهون صعوبة في أن يتصرفوا بصرامة وحزم معهم، وهذا الأسلوب في الغالب يؤدي إلى التساهل مع الأبناء، وعلى الجانب الآخر يجد آباء آخرون سهولة في التصرف بحزم وصرامة، وينسون العطف على أبنائهم، وهذا الأسلوب يؤدي إلى التطرف في الشدة والقسوة، وكلا الأسلوبين يضر بالأبناء، إذ لا تساعد الشدة المفرطة ولا التساهل هؤلاء الأبناء على تنمية المهارات الحياتية لديهم واللازمة ليكونوا مبتهجين ومشاركين وقادرين على مواجهة الحياة، إن الأسلوب الأمثل في تنمية أبناء قادرين على الحياة ينبغي أن يكون خليطًا من الشدة واللين، والشدة تعني الاستعانة بالمبادئ والأسس التربوية الملائمة والتي تقوم على الثقة، أما اللين فنقصد به المحافظة على الاحترام المتبادل بين الآباء والأبناء، وذلك أثناء تطبيق تلك المبادئ التربوية من قبل الآباء. وفي سيرة النبي الكريم أمثلة كثيرة على ذلك المعيار، فقد ( أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة ) رواه مسلم. فنجد هنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يحث على عدم إهمال أي تصرف شاذ بحجة أنه صادر عن طفل غير مدرك لتبعات سلوكه، أو أن المخالفة يسيرة ما دام مرتكبها صغيرًا لا يعقل، كما نرى هنا أن الحنان الأبوي لا يتعارض مع حمل الطفل على التمسك بالحدود والمبادئ المقررة، فالتنشئة السليمة تستلزم قدرًا من الحزم الذي يصون أفعال الصغير عن العبث، غير أن هناك فرقًا واضحًا بين تنشئة الطفل على الطاعة وبين تعويده الاحتكام إلى منهاج شخصي للأخلاق يستمد منه قراراته ومواقفه، ويستضيء به في تفاعله مع محيطه الاجتماعي، فإذا تأملنا كيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينتزع التمرة من فم حفيده فحسب، بل أحاله على الدستور الأخلاقي الذي يحكم (آل محمد)، ومن المؤكد هنا أن الطفل سيُظهر استجابة واعية لما يتطلبه شرف الانتساب من عدم إخلال بالتوجيهات الأخلاقية.
5857
| 12 ديسمبر 2018
في دراسة حديثة أعدتها مؤسسة تربوية بريطانية عن أفضل السبل لأداء جيد في الامتحانات، أكدت الدراسة أن الأولوية لا تكون للمذاكرة قدر ما تكون للنوم الجيد والطعام الصحي، فقد يذاكر الطالب جيدا لكنه يخفق في الإجابة عن أسئلة الامتحان، لأن ذاكرته تخونه بسبب ضعف التركيز الناتج عن قلة النوم، وكي يحصل الأبناء على النوم العميق والراحة الذهنية يجب أن يقللوا من استخدامهم لأجهزة التكنولوجيا الحديثة قبل النوم بساعة على الأقل، وكذلك الحرص على التغذية الصحية والبعد عن المأكولات السريعة. ( التهيئة النفسية ): يحتاج الأبناء إلى تهيئة نفسية إيجابية قبل الاختبارات، فيحتاجون إلى كلمات تشجيع، يحتاجون إلى فسحة قصيرة للخروج من أجواء الضغط العصبي، يحتاجون إلى ابتسامة من الوالدين، يحتاجون إلى الشعور بالرضا الذاتي - وهذا كله لا يمنع حسن توجيههم إذا شعر الوالدان بالتقصير منهم - وقبل ذلك كله غرس لمعنى الرضا بالقضاء والقدر، واليقين التام بأن قدر الله كله خير، وأن نربطهم بطاعة الله فالتوفيق بيده سبحانه، ولن ينالوا ذلك إلا بالقرب منه عز وجل. إن الثانوية العامة مرحلة مهمة في حياة أبنائنا، ولكنها ستمر وتبقى علاقتنا بأبنائنا، وتلك العلاقة هي الأهم، فهل سنحافظ عليها ؟!
369
| 10 ديسمبر 2018
(لا أريد النوم الآن يا أمي) تلك العبارة التي تتردد كثيرا على لسان أطفالنا، وخاصة أيام الدراسة، ويقابلها ذلك الرد من الأم: (حان وقت النوم، ولن أكرر ذلك ثانية)، وتبدأ بعدها سلسلة من الاحتجاجات من قبل الأطفال، وما يتبع ذلك من صراخ الأم وانفعالها، بل قد يتطور الأمر إلى التعنيف والضرب، ولكن: هل ذلك هو العلاج المناسب لتلك المشكلة؟ بالطبع ( لا ). نحاول أن نقدم من خلال تلك السطور حلا لتلك المشكلة، وأولها الهدوء والذكاء، فيجب أن تكون الأم هادئة وذكية مع طفلها في حالة رفضه الذهاب إلى النوم، وذلك بالحديث معه بهدوء دون تشنُّج، مع تقدير حاجة الطفل من النوم، فلا ترسله إلى سريره للنوم في وقت مبكر جداً. ثم تحديد موعد ثابت للنوم، وإعلام الطفل بذلك، وتوضيح أسباب ذهابه للسرير مبكرا حتى يقتنع، ولا يجب أن نستخدم العنف بإكراه الطفل على النوم، فلا بدّ أحياناً من اللجوء لشيء من المرونة في تحديد ساعة نومه، ولاشكّ أنَّ الإصرار على نوم الطفل في ساعة معيّنة دون مراعاة لظروفه وحالته النفسية، ودون مساعدته على تكوين عادة النوم في تلك الساعة بانتظام، قد يكون سبباً في إحداث أضرار بالغة تلحق بشخصيته مستقبلاً. ومن الأقوال التي يجب تجنبها: ( تستطيع أن تسهر الليلة لأنّك كنت مطيعاً )؛ فإنَّ ذلك يُشعره بأنَّ الذهاب إلى النوم في الوقت المخصَّص لون من العقاب. ومن الجميل أن ننبه الطفل باقتراب موعد النوم قبلها بوقت كاف، كي يستعد نفسياً وعملياً للنوم، ويجدر الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بتهيئة المكان، فنجعل من غرفته غرفة مشجّعة على النوم، بأن تكون مرتَّبة وجميلة تحوي ألعابه المفضّلة، وبعد سنّ الرابعة يمكن نقله في النوم إلى سرير أكبر، وذلك الإجراء سيشعره بأنَّه صار أكبر سناً، وكذلك الحرص على أن نجعل من وقت الذهاب إلى النوم وقتاً ممتعاً وسعيداً، فمن المهم نفسيا للطفل مشاركته في الأمور التي يقوم بها في السرير ونجعله يطلب بعض الاختيارات المقبولة، مثل القصة التي يودّ سماعها قبل النوم أو الآيات القرآنية أو الدعاء، أو ملابس النوم التي يحب ارتداءها. وينبغي أن نقدر أحاسيس الطفل ومشاعره، فنترك بعض الضوء أو الباب مفتوحاً إن أراد ذلك، ولا نرغمه على النوم عن طريق تخويفه بالعفاريت أو بالغول أو ما شابه ذلك ممَّا يزيد مخاوف الطفل وقلقه النفسي. وتجدر الإشارة إلى أنه تكثُر طلبات الأطفال عند موعد النوم فيمكننا جمع كلّ طلباته، مثل وضع كأس من الماء على الطاولة، وتوجيهه إلى الذهاب إلى دورة المياه، واحتضانه وتقبيله. وإذا حاول الطفل مغادرة السرير من جديد فنحاول أن نعيده بشيء من اللُطف والحزم، وإذا شعرنا بأنّه خائف فنهدّئ من روعه ونتفهَّم مخاوفَه، ونحرص على أن يذهب إلى النوم وهو سعيد، لا أن ينام باكياً حانقاً، بل ونحاول أن نوفّر للطفل جوًّاً مُشبَّعاً بالحبّ والحنان فينام نوماً هانئاً.
2905
| 14 نوفمبر 2018
للطفل عالمه الخاص، وإيقاعه الذي يحرك به هذا العالم الخاص، وفي كثير من الأحيان نقوم نحن – المربين – آباء وأمهات، معلمين ومعلمات – نقوم بمحاولة تغيير ذلك الإيقاع، ومحاولة تطويعه ليتلاءم مع إيقاعنا نحن في الحياة، وفق تفكيرنا وقدراتنا، وعندها تحدث الأزمات والمشكلات بيننا وبين أبنائنا، وتترك الأثر البالغ في نفوسهم. نطلقها كلمات لنفرض إيقاع حياتنا عليهم، والعبرة ليست في الكلمات، بل فيما وراء الكلمات، وما تبقيه من أثر يجعلنا نعيد التفكير أمام كل كلمة نقولها لأبنائنا. غالبا ما تتردد تلك الكلمات على لسان المربين (عجّل، أسرع، هيّا)، فنجد عبارات مثل: (عجل وأنه طعامك)، (أسرع ستفوتك الحافلة)، (هيّا بسرعة، يجب أن تعود إلى البيت)، ومع سرعة إيقاع الحياة التي نعيشها الآن، أصبحنا نسرع في عمل كل شيء، وعندها لا نهتم بالتفاصيل، وغالبا ننفذ الأمور بشكل سيئ، وعلى حساب أي شخص، فالوالدان المتعجلان هما والدان متوتران مضغوطان، قطَعا خطّ الوصول قبل أن ينطلقا في السباق الذي لا يشترك فيه سواهما، يجب الإسراع دوما معهما، ولكن عندما نسرع ونركض، ننسى دائما أشياء مهمة. الوالدان بتلك الصورة هما ساعتان بشريتان، ولكنهما دائما متأخران، وعادة متعجلان خوفا من عدم الوصول في الوقت المحدد. ولذا نوجه نداء رقيقا للآباء والأمهات، إنكم لكثرة ما تكونون متعجلين تفسدون إيقاع أولادكم، وهو إيقاع لا يتطابق بالضرورة مع طريقتكم في فهم الوقت، هذا يعني أنكم يجب أن تتكيفوا مع إيقاعهم هم، لا أن تجبروهم على اللحاق بكم، إذا اعتبرتم أنه من الأفضل لولدكم أن يكون مبادرا وفاعلا في حياته، توقفوا عن توتيره، ودعوه يقوم بمختلف شؤون حياته بإيقاعه هو، وعندها سينجز بأفضل ما يمكن. ونتوقف هنا أمام ذلك الموقف التربوي، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كانت الأَمَةُ من إماء المدينة لَتأخُذُ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت) رواه البخاري. فانظر إلى هدوء النبي الكريم، وحسن استماعه، وصبره على طلبها، إنه المربي الذي يدرك قدرات من يربيهم، فيتعامل معهم بحكمة حتى يرتقي بهم للأفضل، وما أجمل تعليق الإمام ابن حجر على ذلك، حيث يقول: (والمقصود من الأخذ باليد: لازِمه، وهو الرِّفْقُ والانقياد، وقد اشتمل على أنواعٍ من المبالغة في التواضع: لذِكْرِه المرأةَ دون الرجل، والأَمَةَ دون الحُرَّة، وحيث عمَّم بلفظ (الإماء) أيَّ أَمَةٍ كانَتْ، وبقوله (حيث شاءت) أي: من الأمكنة، والتعبيرُ بالأخذ باليدِ إشارةٌ إلى غايةِ التَّصرُّفِ، حتى لو كانت حاجَتُها خارجَ المدينة، والتمسَتْ منه مساعدتَها في تلك الحاجة، لساعد على ذلك، وهذا دالٌّ على مزيد تواضُعِه، وبراءته من جميعِ أنواعِ الكِبْر صلى الله عليه وسلم). حقا إنّ ( أسرع )، و( تعجل ) فعلان ينتميان إلى مفردات عدم الإنجاز إذا لم يوافقا إيقاع أبنائنا في الحياة.
2739
| 03 نوفمبر 2018
ابني في المرحلة الثانوية، وقد لاحظت أنه يعيش حالة من الشرود وعدم التركيز، فاقتربت منه وسألته: ولدي الحبيب، هل هناك شيء يقلقك؟ فقال: أبي، عندي ملاحظات على سلوكيات بعض أصدقائي، وقد نصحت لهم أكثر من مرة ولكن استجابتهم ضعيفة، لكن المشكلة الكبرى بالنسبة لي أنني أخاف في لحظة من اللحظات أن أضعف وأجرّ إلى ما يقومون به، فكلما تحدثت معهم قالوا لي: ألا ترى أن معظم الصف يفعلون ذلك إلا أنت؟ انظر حولك وسترى ذلك واضحا، أنت شخص غير طبيعي، إنك شاب لا تعيش الحياة كما ينبغي.ابتسمت وقلت لابني: أتَفَهّم ما تشعر به، وأستشعر هذه الضغوط التي تعانيها، لكن الحل في قصة نهر الجنون، فقال لي: وما تلك القصة يا أبي؟ فقلت له: يحكي أن طاعون الجنون نزل في نهر يسري في مدينة، فصار الناس كلما شرب منهم أحد من النهر أصابه الجنون، وكان المجانين يجتمعون ويتحدثون بلغة لا يفهمها العقلاء، واجه الملك الطاعون وحارب الجنون، وفي صباح يوم استيقظ الملك وإذا الملكة قد جُنت، وصارت الملكة تشتكي من جنون الملك! وعندها قال الملك:يا وزير، الملكة جُنت، أين كان الحرس؟ ردّ الوزير: قد جُن الحرس يا مولاي، فقال الملك: إذن اطلب الطبيب فورا.الوزير: قد جُن الطبيب يا مولاي. الملك: ما هذا المصاب ؟! من بقي في هذه المدينة لم يجن؟ رد الوزير: للأسف يا مولاي لم يبقَ في هذه المدينة لم يُجَنّ سوى أنت وأنا، فقال الملك: يا الله، أأحكم مدينة من المجانين! فرد الوزير: عذرا يا مولاي، فإن المجانين يدعون أنهم هم العقلاء، ولا يوجد في هذه المدينة مجنون سوى أنت وأنا!، فرد الملك منفعلا: ما هذا الهراء؟ هم من شرب من النهر وبالتالي هم من أصابهم الجنون! الوزير: الحقيقة يا مولاي إنهم يقولون إنهم شربوا من النهر لكي يتجنبوا الجنون، لذا فإننا مجنونان لأننا لم نشرب، ما نحن يا مولاي إلا حبتا رمل الآن، هم الأغلبية، هم من يملكون الحق والعدل والفضيلة! هم الآن من يضعون الحد الفاصل بين العقل والجنون! هنا قال الملك: يا وزير أغدق علي بكأس من نهر الجنون، فإن الجنون أن تظل عاقلا في دنيا المجانين. انتهت القصة يا ولدي، وبالتأكيد يكون الخيار صعبا عندما تنفرد بقناعة صواب تختلف عن كل قناعات الآخرين، عندما يكون سقف طموحك مرتفعا جدا عن الواقع المحيط، سيأتيك أحدهم قائلا: معقولة فلان وفلان كلهم على خطأ وأنت وحدك الصواب! ويسخر منك الآخر: لماذا ترهق نفسك في المذاكرة، أتريد أن تكون عالما؟ فهذان وغيرهما يعرضون عليك أن تشرب من النهر، فهل ستسلم أمرك لهم؟ هل ستخضع للواقع وتؤمن بفكرهم؟ هل سيتوقف طموحك وتضعف أحلامك؟ إجابة تلك الأسئلة هي قرارك أنت، ولكني على ثقة أنك ستكمل طريق الخير، معتمدا على إيمانك القوي بالله، وإرادتك الفتية، وصحبة الصالحين، وقيم الحق التي نشأت عليها.
4728
| 17 أكتوبر 2018
تشير الدراسات العالمية إلى أن الأيتام لديهم فرصة أكبر من غيرهم أن يكونوا قادة في المستقبل، لأنهم يحصلون على العطف من أمهاتهم، ولديهم فرصة إجبارية لممارسة القيادة، والفكرة هنا تكمن في كيفية تربية أبنائنا على تلك الروح الفتية نحو القيادة ونحن مازلنا على قيد الحياة! إنه (الانسحاب)، فالحل أن ننسحب من حياتهم شيئا فشيئا، ونجعلهم يساعدوننا في قيادة البيت. يحكي أحد الآباء: (علمت فجأة أنني مصاب بمرض خطير، وقد أغادر الحياة في أية لحظة، وكأب عدت إلى غرفة أولادي وبكيت: كيف سأترك هؤلاء الصغار؟ ماذا سيفعلون من بعدي؟ ثم استعذت بالله تعالى، وتذكرت أنني أكَال ولست برزاق، وبعد طول تفكير قررت أن أربيهم على أنهم (أيتام)، بمعنى أن أنسحب من حياتهم تدريجيا، ووضعت لذلك هدفا وهو أن يعتمدوا عليَّ أنا بنسبة 20 % فقط، بينما يعتمدون على أنفسهم بنسبة 80 %، وبدأت تنفيذ الخطة، بدأت أشجعهم على أن يفعلوا كل شيء يمكنهم أن يستغنوا عني فيه، مع متابعتي لهم ووقوفي بجوارهم، كنت فيما مضى أحمل الأكياس ونحن عائدون من السوق، واليوم يحملونها هم، قديما كنت أذهب لشراء الأدوية، واليوم يذهبون هم، وبالتدريج أصبحوا هم من يتصلون بالصيانة، ويقفون مع العمال، ويتابعون بعضهم في المدرسة، فالكبير يزور الصغير ويدفع له المصروفات، وغيرها من الأعباء والمسؤوليات التي تحملوها عني، وحققوا فيها نجاحا لم أكن أتوقعه، وسبحان الله! ذهبت للطبيب في الموعد المحدد بعد مرور عام كامل، وابتسم قائلا: لقد حدثت معجزة، فالأشعة تثبت زوال الخطر، فقلت في نفسي: ربي ما أحكمك! لقد مررت بتلك الفترة العصيبة حتى أصنع من أبنائي رجالا يعتمدون على أنفسهم، وقد نجحت بفضل الله، لقد أنجزت في هذا العام ما لم يكن لي أن أنجزه طوال العمر. برغم مرارة التجربة وقسوتها، إلا أنها تدق ناقوس الخطر لدى الكثير من الآباء، فنحن الآباء نعتقد أن توفير الحياة الرغدة لأبنائنا وتدليلهم، وعدم الضغط عليهم لتحمل المسؤولية، وعدم تحميلهم الأعباء، كل ذلك من علامات التربية الصحيحة، وذلك بدعوى أنهم سيكبرون وسيكونون آباء وأمهات، فلا داعي أن نرهقهم وهم صغار، ولكن ذلك سيؤثر فيهم سلبا لا إيجابا، فنحن بذلك سنخرج للمجتمع أفرادا اتكاليين، لا يتحملون المسؤولية، ولا يقدرون قيمة العمل والحياة الكريمة. ما أجمل أن يجلس الأبوان، ويكتبان كل الأشياء التي يقومان بها نيابة عن أبنائهما، ويمكن للأبناء القيام بها حسب أعمارهم، وكلما بدأنا مبكرين كانت النتائج أفضل، فلندع أبناءنا يدفعون ثمن المشتريات، ويختمون جوازات السفر، ويتعاملون مع عمال الصيانة، ويطبخون بعض الوجبات السهلة، ويساعدون بعضهم البعض في المذاكرة. هيا ندع أبناءنا يعيشون الحياة الحقيقية التي سيرونها فيما بعد، حتى لا تكون المفاجأة قاسية عليهم، وعندها ستكون أول عبارة ينطقون بها ممزوجة بالحسرة: لماذا لم تحملونا المسؤولية؟
4314
| 22 سبتمبر 2018
يروى في الأثر أن أبا جعفر المنصور مرَّ على بعض أمراء بني أمية في سجنهم، فسألهم: ما أصعب أمر لاقيتموه في سجنكم؟ فقالوا: ما افتقدناه من تربية أبنائنا. يا لها من إجابة موفقة، فهم يدركون أن أبناءهم هم المشروع الرئيس في حياتهم، هم الكنز الحقيقي، هم النعمة الكبرى، ولذلك لا عجب حينما نقرأ في سير الخلفاء والأمراء ونجد ذلك الحرص العظيم، والاهتمام الكبير بحسن تربية الأبناء، بل وكانوا يخصصون لهم مؤدبين يختارونهم بعناية فائقة، ويعقدون لهم الاختبارات، ويتابعون المستهدفات التربوية معهم، ويوجهونهم ويقدمون لهم النصح، ولا تشغلهم أمور الخلافة، ولا شؤون الحكم عن حسن متابعتهم لأبنائهم. ومن تلك الوصايا الرائعة ما يرويه لنا خلف الأحمر حيث يقول: (بعث إليَّ الرشيدُ في تأديب ولده محمد الأمين، فقال: يا أحمرُ، إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصير يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة؛ فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين، أَقْرِئْهُ القرآن، وعرِّفه الأخبار، وروِّه الأشعار، وعلمه السنن، وبصِّرْه بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، ولا تَمُرَّن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميتَ ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفَه، وقوِّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإنْ أباهما فعليك بالشدة والغلظة). وبإمعان النظر في هذه الوصية، نجد كلمات توزن بالذهب تمثل معينا تربويا خالصا، ومجموعة نظريات ومبادئ تربوية متنوعة متكاملة، تناولت العديد من المبادئ التربوية الشاملة للمعلم والمتعلم والمنهاج وأساليب التدريس ومخرجات التعليم والقيم الأخلاقية الإسلامية الرفيعة، ومن المضامين التربوية المستخلصة من هذه الوصية: أولا: الاهتمام بالمعلم ورفع شأنه وإعلاء قدره واحترامه من قبل الجميع، فمن الثابت أن هناك علاقة طردية بين مكانة المعلم ورقي المجتمعات، فكلما ارتقت مكانة المعلم في المجتمع علا شأن ذلك المجتمع وازداد تحضرا وتقدما. ثانيا: حملت هذه الرسالة الحث على تعليم القرآن، والسنة النبوية، ومعرفة التاريخ، والشعر والآداب، وتهذيب السلوك العام، وإدراك أهمية الوقت. ثالثا: الاعتدال والوسطية في التعامل مع الطالب من قبل معلمه، بين ترهيب وترغيب، وبين لين وشدة دون إفراط أو تفريط. وختاما، إذا كانت هذه الوصية تشير إلى ضرورة الاهتمام بتربية أبنائنا، فإنها تؤكد في الوقت ذاته على قضية مهمة، ألا وهي إصلاح التعليم باعتباره طوق النجاة لأمتنا، ومفتاح السعادة لأبنائنا، ورسم الخطوات لمستقبلنا، فأين المهتمون؟
5241
| 22 أغسطس 2018
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4323
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2130
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1797
| 04 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
1782
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1455
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1173
| 04 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
975
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
714
| 10 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
672
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
651
| 04 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
627
| 08 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
570
| 07 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية