رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

علاقة المسلمين مع غير المسلمين

تدل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، والسيرة العطرة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ولخلفائه الراشدين على أن الاسلام يريد التعاون مع الجميع على أساس كل ما فيه الخير والبر والإحسان والأمن والأمان، والسلم والسلام للجميع، بل أمر الله تعالى بهذا التعاون مع أي شخص (فرداً أو دولة أو جماعة) يسعى لهذا التعاون، وحرّم التعاون على الإثم والعدوان والظلم والعنف وهضم الحقوق حتى ولو مع المسلمين فقال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).وتدل النصوص الشرعية على أن الاسلام يريد توسيع دائرة العلاقات الحسنة والحوار بدءاً من دائرة الأمة الاسلامية الواحدة القوية العادلة القائمة على المنهج الوسطي الى دائرة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفي هذه الدائرة بين القرآن الكريم أن النصارى هم أقرب الى المسلمين، ثم وسع الدائرة لتشمل جميع الانسانية من خلال التركيز على المشتركات الانسانية، حيث بيّنها بوضوح فقرر بأن الجميع من آدم وحواء، وبالتالي فالأصل واحد، وأنهم من تراب، وأنهم جميعاً فيهم "نفخة من روح الله" حيث قال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) وبالتالي لا يجوز أن يعتدي الانسان المسلم على إنسان آخر فيه هذه الروح المباركة المضافة الى الله تعالى، إلا إذا أذن فيه صاحب الروح وهو الله تعالى، كما أن الجميع مشتركون في الكرامة الانسانية التي لا يجوز أن تنتهك فقال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).فدين هكذا يتعامل مع الآخر، وهكذا يحرص على الحوار فكيف يشهر السيف في وجه الآخر، بل يحرص أشد الحرص لهدايته، وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع مشركي القريش، والطائف حيث آذووه كثيراً وقتلوا من أصحابه، ورموه بالحجارة وحرضوا على إيذائه، ورغم ذلك كان الرسول يدعو لهم فيقول: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).وبناءً على ذلك فقد وضع الاسلام مجموعة من المبادئ والأسس الفكرية والعقدية لقبول الآخر والتعايش معه بسلام على أساس العدل والمساواة في الحقوق المدنية، منها.1 — اعتراف الاسلام بكرامة الانسان (أي إنسان كان) وحماية حقوقه وحرياته.2 — الأصل في الاسلام السلام، لا الحروب.3 — الاعتراف باختلاف الأديان والطبائع، وأن هذه سنة الله تعالى في خلقه.4 — الحوار هو الأصل لا الصراع.5 — وجوب الدفع والدفاع والتدافع بالتي هي أحسن.وأما علاقة الأقلية الاسلامية بدولتها غير المسلمة فيجب أن تكون علاقة عدل وخير وقدوة حسنة كما فعل ذلك سيدنا يوسف عليه السلام، حيث سجن في مصر ظلماً وعدواناً، ومع ذلك وهو في السجن أرشدهم الى خطة لإنقاذ شعب مصر، وحينما أخرج طلب أن يكون وزيراً لتنفيذ هذه الخطة، فقدم هذه الخدمات الجليلة لدولة غير مسلمة، ولشعب غير مسلم. وعليهم احترام قوانين البلد الذي يعيش فيه المسلم ما دامت لا تتعارض مع نص قطعي، واذا كان القانون مخالفاً فلا يقوم بتطبيقه، ولكن لا يجوز له أن يثير الفتن والمشاكل، فلقد عاش صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلاد الحبشة فلم يخرقوا لها نظاماً، ولم يخالفوا لها قانوناً ولم ينتهكوا سيادتها ولا أخلوا بأمنها، وذلك كلّه مع حفاظهم على دينهم واستمساكهم بتوحيدهم لربهم، والتزامهم شرائع الاسلام في إطار علاقة رشيدة من حسن الجوار.

10639

| 14 يونيو 2017

مفهوم التكفير

لقد أرسل الله تعالى رسوله إلى الناس كافة بالهداية والرحمة والشفاء، وجعل أمته خير أمة أخرجت لمنفعة الناس ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وهدايتهم وخدمتها، وتحقيق العدل بينهم والدفع، والدفاع بالتي هي أحسن.إن تكفير أحد من أهل القبلة ليس من منهج أهل السنة والجماعة والسلف الصالح من العلماء والفقهاء الربانيين، بل هو منهج الخوارج الذين قالوا بتكفير أهل الكبائر، رداً على المرجئة الذين قالوا بعدم ضرر المعاصي (كبيرة أو صغيرة) مع الايمان، فكلاهما منهج خطأ مخالف لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة، وإنما الصواب هو المنهج الوسط الذي اتخذه أهل السنة والجماعة معتمدين على الجمع بين جميع النصوص المعتمدة، وهو أن المؤمن المرتكب للكبيرة — ما عدا الشرك — ليس بكافر، ولكنه عاص يستحق العذاب، وأمره الى الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ).ولذلك اتفق السلف والمحققون من الخلف بأن وظيفة الدعاة ورسالتهم هي: نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال — إن وُجِد — فيجب أن يكون بالتي هي أحسن، فقال تعالى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) وأن يكون الدفع والدفاع والتدافع والتعامل بالتي هي أحسن (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وان يكون التعامل باللين والرفق والطيب والأخلاق العالية والسامية، وليس بالتكفير والتفسيق، فليس من شأن الدعاة إصدار الأحكام، وإنما إصدار الأحكام هو من شأن القضاة بعد الأدلة المعتبرة وإفساح المجال للبينات والدفاع للوصول إلى الحكم الصادر، فنحن دعاة لا قضاة، حيث إن لكل نوع ميزانه الخاص، وضوابطه وآدابه وأدواته ومراحله.والآيات في عدم مسؤوليتنا عن الآخرين بعد القيام بواجب الدعوة أكثر من أن تحصى في هذا المجال منها قوله تعالى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) وقوله تعالى (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) وقوله تعالى (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) وقوله تعالى (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).ومن جانب آخر، فإن الأمة مجمعة على حرمة الحكم بالتكفير على أهل القبلة، وأنه لا يجوز الحكم بتكفير جماعة مسلمة بعينها، أو فرد مسلم بعينه إلا بعد البينات الواضحات النيّرات التي لا لبس فيها ولا غموض تدل على الكفر البواح، (عندكم فيه من الله برهان)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ، وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة).ولذلك اتفقت المجامع الفقهية، ومئات كبار العلماء والعلماء المحققون على عدم جواز إطلاق الكفر على أحد من أهل القبلة إلا بالأحكام الواضحات البينات وأنه لا يجوز التساهل في هذه المسألة ابداً، ولو وسع المجال لذكرنا قرارات وفتاوى هؤلاء، ولكن سنكتفي بذكر قرارات لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يضم عدداً كبيراً من علماء الأمة.

5375

| 13 يونيو 2017

حرمة قتل النفس

وردت في خطورة القتل وعظم جُرمه حتى يصل إلى القريب من الكفر جملة من الأحاديث نذكر منها بعضها: 1- عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) وقال ابن عمر: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله). 2- وعن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم). 3- وعن ابي سعيد وأبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار). 4- وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً). رابعاً: أن هذا الإثم الكبير أيضا ثابت لمن قتل معاهداً، وهو الذي بينه وبين المسلمين عهد وميثاق (ومن المعلوم أن فتح السفارات، ودخول الانسان بتأشيرة هو معاهدة وعقد وعهد) حيث يقول الرسول الكريم: (من قتل معاهداً لم يَرَح رائحة الجنة، وأن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً) ، (ومعنى: لم يَرَح...) أي لم يجد ريحها، ولم يشمها أي لا يدخل الجنة. خامساً: وقد وردت أحاديث كثيرة بتحريم الإيذاء لأي ذي روح انساناً أو حيواناً إلا بالحق الذي ذكره القرآن الكريم والسنة بوضوح، وبتحريم الفساد والإفساد، وإهلاك الحرث والنسل، وتدمير البيئة حيث وصف الله تعالى المفسدين المبعدين عن رحمة الله بذلك فقال تعالى (وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) فقد خلقنا الله تعالى للتعمير وليس للتدمير والتفجير. سادساً: أن النصوص في حرمة قتل الانسان نفسه، وفي عظم جرمه، وخطورة عافيته أكثر من أن تحصى في هذه الوثيقة ناهيك عن أن يؤدى الانتحار الى نحر الأبرياء فتلك جريمة فوق جريمة، فعن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا فِيها أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فيها أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَديدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتوجَّأُ بِها في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا). وعن أبي قلابة رضي الله عنه أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره بأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ، كاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كما قَالَ، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَن رَمَى مُؤمِناً بِكُفرٍ فَهوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وقد صدرت قرارات من المجامع الفقهية وفتاوى من الهيئات والمؤتمرات الفقهية، تنص على أنه لا علاقة البتة بين مفهوم الجهاد الاسلامي، والإرهاب.

19518

| 11 يونيو 2017

حرمة الدماء

إن عمليات القتل والاغتيالات والتفجيرات التي تحدث في بعض البلاد محظورة شرعا، وغير مقبولة عقلا، ولا تتفق مع أحكام الإسلام ومبادئه، بالإضافة إلى أنها تشوه صورة الإسلام، وتعطي مبررات للأعداء للهجوم على الإسلام ووصفه بالإرهاب والقسوة، وبالتالي عدم انتشاره، وحينئذ تصبح هذه الأعمال مع حرمتها حاجزاً أمام انتشار الإسلام، وفتنة لغير المسلمين.إن إطلاق اسم الجهاد على هذه التفجيرات التي توجه نحو المدنيين مسلمين أو غير مسلمين ظلم كبير وتشويه خطير لهذا المصطلح الإسلامي الجميل الذي يراد به استفراغ الجهد لنشر الدعوة، وإصلاح الناس، في حين أن هذه العمليات تدخل فعلا ضمن العنف المحظور والإرهاب المحرم، والاعتداء الجائر، والظلم البين بحق من يقتل من الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، فقال -تعالى- في بيان حرمة الاعتداء على النفس الإنسانية مطلقا بدون حق "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، ويقول -تعالى- "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" . ويقول الرسول الكريم في حديث صحيح متفق عليه "فإن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" . ومن المعلوم في الشريعة الإسلامية بداهة أن حقوق الناس مصونة محفوظة لا يجوز الاعتداء عليها، وأن الحسنات حتى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله لن تكون كفارة وإزالة لحقوق الناس، فقد ورد في الحديث الصحيح أن أبا قتادة قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرأيت إن قُتلتُ في سبيل الله أتكفر عني خطاياي، فقال رسول الله "نعم وأنت صابر محتسب غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك"، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً"، ولخطورة الدماء فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء". وروى مسلم في صحيحه بسنده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قَتَل، ولا المقتول فيما قُتِل"، حيث يدل على استهانة الناس بالقتل مع أنه من الكبائر الموبقات .

557

| 10 يونيو 2017

الإصلاح وإعمار الكون

إن الحكم الشرعي حتى ولو كان قطعياً مجمعاً عليه يحتاج إلى فقه التنزيل وهذا خاص بأهل الذكر من الفقهاء الربانيين فقال تعالى (... وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، فهذا عمر رضي الله عنه لم ينزل حكم السرقة في قطع الأيدي على الذين سرقوا في عام المجاعة، لوجود الشبهة، يقول الإمام الشافعي بعد ذكر شروط المفتي الذي يختلف عن العالم: (فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فله أن يتكلم في العلم، ولا يفتي) . ومع كل ما قيل سابقاً فإن الجهاد بمعنى القتال في سبيل الله لحماية الدين والوطن ودرء الأخطار لا يستطيع أحد أن ينكره بل لا يمكن أن تكون هناك دولة محترمة دون وجود قوة تحميها وتحمي مصالحها، بل إن القوة المتكافئة هي المانعة من وقوع الحروب، لأن العدو يحسب ألف حساب إذا علم بقوة المقابل واستعداده، ومن هنا رأينا أن حربين عالميتين خطيرتين قد وقعتا في بداية القرن العشرين إلى وسطه أهلكتا الحرث والنسل، ولكن عندما ظهرت القوة النووية للدولتين الكبيرتين (أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق) لم تقع حرب ثالثة ولذلك يدعو الإسلام قبل ألف وأربعمائة سنة المسلمين إلى أن تكون لديهم قوة الردع ليست للقتال، وإنما لمنع الاعتداء. إن الغاية من خلق الإنسان والهدف من تزويده بميزان العقل والعلم والقدرة ونحوها وأن الهدف من إرسال الرسل، وإنزال الكتب وبخاصة القرآن الكريم هو لتحقيق أمرين هما:أ- إصلاح الإنسان من خلال تزويده بالعقيدة والأخلاق، والقيم حتى يكون متعاوناً مع الآخر نافعاً غير ضار، ليقوم بعملية الإصلاح للآخر من خلال الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وتوصيل الهداية بالرحمة والرأفة إلى الجميع، فهذه هي وظائف الرسل والأنبياء والمصلحين، بل إن خيرية هذه الأمة تعود إلى أنها أخرجت لمنفعة الناس، ولتوصيل الهداية والخير إلى الآخرين من خلال نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فقال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وهذه هي الوظيفة العليا، والغاية القصوى من خلق الإنسان وأنه سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والبصر والفؤاد والعقل.ب- الغاية الثانية، أو الرسالة المنوط بها هي تعمير الكون على أساس الصلاح والعدل والمساواة وتمكين جميع الخلق من الانتفاع منه.إن مقاصد الشريعة بالإجماع هي حماية الضروريات الخمس (أو الست) وكذلك الحاجيات، والتحسينات، وتنميتها، فهذه الشريعة مبناها على تحقيق المصالح يقول الإمام ابن القيم: ( فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش، والمعاد، وهي عدل كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل).

1178

| 09 يونيو 2017

وسطية الإسلام

نهى الله تعالى عن الغلو فقال تعالى: (يَـــا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) كما كان صلى الله عليه وسلم يطلب ذلك من الأمة: (سدّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدُّلجة، والقصد والقصد تبلغوا) . ويقول العلامة القرضاوي : (الإسلام منهج وسط في كل شيء: في التصور والاعتقاد، والتعبد والنسك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع) . إن القيم والأخلاق والسلوكيات في الإسلام قائمة على الاعتدال والتوسط مثل العدل، الاستقامة والاخلاص، والاحسان والصدق، والنزاهة، والحكمة وغيرها من القيم والأخلاق الإسلامية، وقد وصف الله تعالى عباد الرحمن في الانفاق بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا) . ويترتب على غياب التوسط: الغلو والتشدد والافراط والتفريط في الحقوق والواجبات، والظلم والطغيان والعدوان، والعنف والبطش، والفتنة، كما تترتب عليه جميع الرذائل والانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية. والفلاسفة كذلك، يعرّفون الفضيلة بأنها وسط بين رذيلتين، فالفضائل وسطية في عالم القيم. إن النصوص الشرعية التي تتحدث عن الوسطية والوسط سواء كانت من القرآن الكريم، أو السنة النبوية الصحيحة لا يُفهم منها إلاّ الاعتدال وكون الشيء بين الافراط والتفريط، وبين الغلو والتطرف والتساهل، فقد جرت سنة الله تعالى أن يكون لكل شيء طرفاه ووسطه، والقوة دائماً في الوسط المادي، وكذلك الوسط المعنوي، فالأخلاق والصفات والقيم لها هذه الأطراف الثلاثة. فالوسط هو الشيء الواقع في الوسط مادياً ومعنوياً، والوسطية هي الالتزام به، وأن تحقيقه يحتاج إلى الميزان لتتوازن به الأشياء لتظهرعلى حقيقتها من حيث الإفراط والتفريط، ومن حيث القوة والضعف، وذلك لأن الميزان له كفتان فتوضع في كل كفة ما يناسبها للوصول إلى تحقيق التوازن الذي هو العدل. ولذلك كان من مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم التزكية للنفوس والقلوب حتى تكون بعيدة عن الأهواء، وتعليم الكتاب الذي هو الدستور والأصل والمرجع، وتعليم الحكمة لوضع كل شيء في محلّه، بل إن الله تعالى أعطى للحكمة منزلة كبيرة ذكرت في الكتاب إحدى عشرة مرة كما بيّن بأنه تعالى هو الذي أنزلها مع الكتاب على رسوله العظيم فقال تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) فهذه الحكمة هي الحماية من الوقوع في براثن الإفراط أو التفريط لأنها تحقق التوازن المطلوب. والخلاصة أن الله تعالى أنزل الكتاب والميزان، والحكمة، فهي بمجموعها المعايير والمقاييس لتحقيق التوازن والعدل الذي هو النتيجة والثمرة الأساسية التي تترتب عليها القوة والحضارة والتقدم.

300

| 04 يونيو 2017

الوسطية

ورد في القرآن الكريم لفظ (الوسط) في أربع آيات، حيث ورد بلفظ "وسطا" في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، كما ورد بلفظ "أوسط" في قوله تعالى: (كَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ)، أي الوسط بين الغالي والرخيص. وفي قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ) أي: أمثلهم وأعدلهم، وأعقلهم. وورد بلفظ "الوسطى" في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ)، وهي صلاة العصر؛ لأنها بين صلاة الظهر، والمغرب، أو صلاة الفجر، أو نحو ذلك، وبلفظ "وسَطن" في قوله تعالى: (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا).وبالنظر إلى الآيات الأربع، فإن ما يتعلق منها بموضوعنا قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، قال الطبري: (وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم "وسط" لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهيب، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذي بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به، وكلهم أهل توسط واعتدال، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها). وجاء في ظلال القرآن في تفسير هذه الآية: (إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعًا، فتقيم بينهم العدل والقسط وتضع لهم الموازين والقيم وتبدي فيهم رأيها؛ فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها، وتقول: هذا حق منها وهذا باطل. لا التي تتلقَّى من الناس تصوراتها وقيمها وموازينها. وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم، وبينما هي تشهد على الناس هكذا، فإن الرسول هو الذي يشهد عليها فيقرر لها موازينها وقيمها ويحكم على أعمالها وتقاليدها ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيه الكلمة الأخيرة، وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها.. لتعرفها، ولتشعر بضخامتها. ولتقدر دورها حق قدره، وتستعد له استعدادًا لائقًا. والذي يظهر لنا أن الوسطية هي: الاعتدال في الفكر والتصورات والعقيدة والشعائر والعمل والسلوك، والاستقامة على الطريق، والعدل في التعامل مع الناس، والتوازن في الحققو الواجبات، وبذلك كله تستحق الأمة الإسلامية أن تكون خير أمة أخرجت لأكل الناس أي لأجل بيان الحق لهم، وهدايتهم، ومنع الظلم عنهم، والشهادة لهم، أو عليهم بالعدل والإنصاف في الدنيا والآخرة، ولذلك جاءت هذه الجملة بعد (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) فهذه الشهادة تقتضي أن يكون أصحابها عدولاً معتدلين مستقيمين بعيدين عن الغلو والتطرف والتقصير، والظلم والبغي والعدوان، والفتنة واتباع الهوى.

380

| 02 يونيو 2017

فوائد فقه الثوابت والمتغيرات

من فوائد فقه الثوابت والمتغيرات: 1- معرفة ما يمكن الاجتهاد فيه وهو النصوص الظنية، أو المنطقة التي لا يوجد فيها نص صحيح خاص ، وهي منطقة العفو.2- الاعتراف بكل خلاف ما دام نابعاً عن اجتهاد في المتغيرات من أهله وفي محله، وحينئذ يصح مشروعاً ويجب احترامه حتى ولو كان مرجوحاً عند الطرف الآخر.3- الاختلاف في المتغيرات اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد، بل هو رحمة وسعة.4- عدم الإنكار في المسائل الخلافية الاجتهادية، وقد صدر قرار من المجمع الفقهي الإسلامي عام 1987 نص على ما يأتي: أولاً: اختلاف المذاهب:إن اختلاف المذاهب الفكرية، القائم في البلاد الإسلامية نوعان: أ ـ اختلاف في المذاهب الاعتقادية.ب ـ اختلاف في المذاهب الفقهية. فأما الأول، وهو الاختلاف الاعتقادي، فهو في الواقع مصيبة، جرّت إلى كوارث في البلاد الإسلامية، وشقت صفوف المسلمين، وفرقت كلمتهم، وهي ما يؤسف له، ويجب أن لا يكون، وأن تجتمع الأمة على مذهب أهل السنة والجماعة، الذي يمثل الفكر الإسلامي، النقي السليم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلافة الراشدة التي أعلن الرسول أنها امتداد لسنته بقوله: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ) . وأما الثاني، وهو اختلاف المذاهب الفقهية، في بعض المسائل، فله أسباب علمية، اقتضته، ولله سبحانه في ذلك حكمة بالغة، ومنها الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة، وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها. فهذا النوع الثاني من اختلاف المذاهب، وهو الاختلاف الفقهي، ليس نقيصة، ولا تناقضاً في ديننا. فالواقع أن هذا الاختلاف، لا يمكن أن لا يكون، لأن النصوص محدودة، والوقائع غير محدودة، كما قال جماعة من العلماء فلا بد من اللجوء إلى القياس، والنظر إلى علل الأحكام، وغرض الشارع، والمقاصد العامة للشريعة، وتحكيمها في الوقائع، والنوازل المستجدة، وفي هذا تختلف فهوم العلماء وترجيحاتهم بين الاحتمالات، فتختلف أحكامهم في الموضوع الواحد، وكل منهم يقصد الحق، ويبحث عنه، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، ومن هنا تنشأ السعة ويزول الحرج. ولكن المضللين من الأجانب، يستغلون ضعف الثقافة الإسلامية لدى بعض الشباب المسلم، ولا سيما الذين يدرسون لديهم في الخارج، فيصورون لهم اختلاف المذاهب الفقهية هذا كما لو كان اختلافاً اعتقادياً، ليوحوا إليهم ظلماً وزوراً بأنه يدل على تناقض الشريعة، دون أن ينتبهوا إلى الفرق بين النوعين وشتان ما بينهما. 5- ومن الفوائد المرجوة لمعرفة فقه الثوابت والمتغيرات القبول بجميع أهل القبلة، دون تكفير، ولا تفسيق، وإنما النصح، وتوزيع الأدوار لخدمة الإسلام والمسلمين بين الجماعات والأحزاب السياسية.6- ومن فوائده القبول بغير المسلمين باعتبارات شريعتنا التي حافظت على حقوقهم، وأن بيننا وبينهم مشتركات إنسانية، وبعض الثوابت العقدية الموجودة في الأديان السماوية الباقية إلى اليوم.

2009

| 01 يونيو 2017

التعايش وفقه الثوابت والمتغيرات

إن مما لا شك فيه أن الإسلام هو الوارث الحقيقي لجميع الشرائع السماوية.وجعل الله تعالى الإسلام خاتم الرسالات، ورسوله خاتم النبيين والمرسلين، وجعله خالداً إلى يوم القيامة، وهذا يقتضي أن تكون نصوصه مركزة في نصوصها القطعية على الأسس والأركان التي يبنى عليها هذا الدين، وتوضيح العقيدة الصحيحة، والقيم والأخلاق الراقية، وأسس المعاملات والتعامل مع الناس جميعاً، تاركة التفاصيل في معظم الأشياء للأدلة الظنية، أو للاجتهادات الإنسانية في ظل المبادئ العامة والقواعد الكلية. وبذلك جمعت الشريعة بين الثوابت التي لا تقبل التغيير (أي بمثابة الهيكل العظمي للإنسان)، والمتغيرات التي تشبه أحوال الإنسان العادية القابلة للتغير، وبذلك انسجمت الشريعة التي أرسلها للإنسان مع الإنسان الذي نزلت عليه: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير). فالإنسان ثابت في حقيقته وجوهره وأصل عقله وروحه ونفسه ومكوناته وضرورياته وحاجاته العامة إلى المأكل والملبس والمشرب (وإن كانت النوعيات مختلفة، لكن الأصل العام لم يتغير منذ خلق الإنسان إلى يومنا هذا)، ولكن الإنسان متغير في معارفه، وفي إمكانياته للتسخير وعلومه، وفي أنواع ملابسه ومشاربه ومآكله ومساكنه، فقد وصل إلى القمر، ومع ذلك يظل بحاجة إلى الهداية الربانية والعقيدة التي تملأ فراغ روحه ونفسه، وإلى قيم وأخلاق ربانية تمنعه من الازدواجية والعنصرية والظلم والاعساف، وتدعوه إلى العدل والمساواة والإنصاف، وتردعه عن إذلال الإنسان وازدرائه وأكل حقوقه وأمواله. وبهذه الصفة العظيمة الجامعة بين الاستفادة من النقل والعقل، وبين الثوابت والمتغيرات، يجتمع في الإنسان خير الدنيا والآخرة، ويتحقق له التآلف والمحبة والتقارب الحقيقي، لأننا حينئذٍ نتعاون ونتحد فيما أجمعنا عليه من الثوابت، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه، لأنه من المتغيرات الاجتهادية التي تقبل أكثر من رأي. ثم إن الثوابت والمتغيرات وصف للأحكام والفتاوى، وليست وصفاً للنصوص الشرعية فهي باقية، ولكن الاجتهاد في نصوصها الظنية هو الذي يمكن أن يتغير.ويدخل في هذه الثوابت النصوص القواطع، والكليات العامة والمبادئ العامة، مبادئ العدل والإحسان والرحمة ، وكرامة الإنسان، ومبدأ الحرية، وتحريم القتل بدون حق، وأكل أموال الناس بالباطل، والاعتداء على الأعراض ونحْوها، حتى إن القوانين البشرية تتفق فيها مع الشريعة الغراء حتى أسماها القدماء: القانون السماوي أو القانون الطبيعي، أو القانون الخالد. وهي في حقيقتها بقايا الشرائع السماوية والفطر السليمة التي استقرت في نفوس الشعوب، وقد عبر الإمام الشاطبي: عن وصف هذه الثوابت بقوله: (إنها كلية أبدية، وضعت عليها الدنيا، وبها قامت مصالحها في الخلق حسبما بين ذلك الاستقراء، وعلى وفاق ذلك جاءت الشريعة أيضاً ، فذلك الحكم الكلي باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها).

2715

| 31 مايو 2017

العبادة مفهوم شامل في الإسلام

العبادة يقصد بها من الجانب اللغوي الخضوع لمن يؤمن به، وفي الإسلام هو الخضوع لله تعالى: لأوامره ونواهيه، وهما يشملان العقيدة والشعائر التعبدية، والمعاملات، وتعمير الكون، والعلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبينه وبين الحيوان والبيئة. وهذا المعنى يشمل التعبد والالتزام في مجال القلب والنفس، والروح والعقل، وفي نطاق اللسان والسمع والبصر والجوارح، وبعبارة أخرى يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، كما يشمل التعمير والتنمية والتزكية. ولا شك أن هذه الالتزامات بعضها أولى من بعض، أو أقوى، ولها مراتب ودرجات تدور في دائرة الأوامر بين الفريضة، والواجب والسنة والاستحباب، وفي دائرة النواهي بين التحريم، وكراهة التحريم، والكراهية، وتبقى دائرة المباحات واسعة كبيرة، حتى يبقى أمام الإنسان سعة ويسر ومرونة دون حرج، وعسر وضيق. وبجانب هذا المعنى العام للعبادة، فقد أطلقت على معناها الخاص بالتوحيد وعدم الإشراك، والشعائر التعبدية من الذكر والسلاة والصيام والحج ونحوها. إذا تدبرنا آيات القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة يظهر لنا بوضوح أن هذا الدين القيم الخاتم الذي أكمله الله تعالى يتكون من ثلاثة مكونات أساسية لا يجوز الانتقاص بواحد منها على حساب الآخر، وهي: (1) الجانب العقدي المرتبط بالتدين القلبي، وهو الذي سماه الرسول المبين صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المعلم بالإيمان بالله ملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى. (2) الجانب العملي الأساس، وهو بمثابة الينبوع الذي تنفجر منه كل الخيرات، وهو الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسلام وبيّن أركانه الخمسة من الشهادة بتويحد الله تعالى، وأن محمداً رسول الله، الصلاة والزكاة، والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وتلك الأركان الخمسة ربطها الله تعالى بالصلاح والإصلاح وجعلها وسيلة لسلامة القلب وتزكية النفس وصلاح العمل، والامتناع عن كل معصية، وإيذاء للآخرين. وحتى العبادات الشعائرية ربطت بالقيم والأخلاق والسلوكيات الراقية النافعة.(3) الإحسان الذي فسّره النبي صلى الله عليه وسلم بمرجعيته، فقال في حديث جبريل المشهور الذي سأله عن الاسلام ، والايمان، ثم قال: (فأخبرني عن الاحسان؟) قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قال جبريل: (صدقت). ولكن الإحسان المبني على هذا الأساس - أي أساس التقوى - شامل لمعانيه اللغوية، وهي: الإتقان، وعمل الخير، وفعل ما هو الأحسن - أي الجودة والابداع- في جميع مجالات الحياة، والرحمة التي هي أساس جميع القيم والأخلاق.

9280

| 30 مايو 2017

إلى علماء الأمة

هذا الدين الرحيم برسالته، والخير بعظمة آياته، والنافع بتطبيقاته، والقدوة بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حتى مع أعدائه، والرائع بعصوره الزاهية والرائدة يراد له تشويه صورته المشرقة، وسيرته العطرة من خلال محاولات الأعداء، والجهلاء لوصمه بالعنف والقسوة والشدة، وتساعدهم على ذلك في التبرير تصرفات قلة من المسلمين في استعمال العنف، والتفجيرات ضد المدنيين الأبرياء تحت لافتة "الجهاد" هذه الكلمة الجميلة التي اشتقت من الجهد الذي اشتق منه الاجتهاد، حيث يقصد منه بذل كل الجهود (بالمال والنفس، والاعلام، والكلمة والقدوة) لتوصيل الخير والدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة الى الناس اجمعين، وما القتال إلا دفاع عن حقوق المستضعفين، ورد على المعتدين وطرد للمحتلين، ومنع عن ظلم العالمين ودفاع عن حرية الاديان وأماكن عبادتها في اول آية نزلت في القتال فقال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).فالآية واضحة في أن الجهاد شرع لدرء الظلم، ولتحقيق حرية العبادة، وأماكن العبادة التي تشمل أماكن العبادة لليهود والنصارى وللمسلمين وغيرهم. ومع الأسف الشديد وجد في عصرنا بعض من يدعي العلم أنه يفتي بجواز تفجيرات ضد المدنيين المسالمين، وحتى بتكفير بعض المسلمين لأجل مخالفتهم لرأيهم. فهؤلاء المفتون الذين ينطلقون من التكفير الى التفجير، ومن بعض الأدلة الجزئية الى نسف مقاصد الشريعة، ومن ذرائع غير مسلمة الى القضاء على الأهداف العظيمة والغايات النبيلة للاسلام، ومن بعض الآراء المتشددة الى التعصب البغيض، يخرجون من دائرة العلماء حتى لو كان لديهم العلم كما قال الامام الشافعي وغيره.وأمام هذا الواقع الأليم الذي استغله أعداء الاسلام أو الجهلاء ولاسيما اليمين المتطرف لتشويه صورة الاسلام والمسلمين حتى أطلقوا شعار الخوف من الاسلام (اسلاموفوبيا) ومحاولة طرد الأقلية الاسلامية في بعض الدول... كان لزاماً على علماء الأمة أن يكون لهم موقف واضح ورأي ثاقب ورؤية نيّرة وبصيرة نافذة، بهدف جمع الكلمة، ولم الشمل من خلال التركيز على المبادئ العامة والقواعد الكلية، والأحكام الأساسية لتكون جامعة شاملة تحقق مرجعاً شرعياً للعمل الاسلامي المعاصر لخير هذه المنطقة، ولجمع المسلمين فيها على كلمة سواء وعلى المنهج الوسط المعتدل الذي رسمه لنا القرآن (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

563

| 29 مايو 2017

أقبل رمضان

يقول -تعالى- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)".إن الأمة الإسلامية مدعوة لصيام شهر رمضان المكرم بتهيئة نفوسها وتزكيتها وتطهير قلوبها وألسنتها، والتوبة الخالصة لله رب العالمين، وذلك من خلال الالتزام بشروطها الثلاثة، الإقلاع عن الذنب والندم على فعل المعصية أو التقصير، والعزم على عدم العودة إلى الذنب أبداً.وإذا كانت التوبة في حق العباد عليه أن يستبرئ من صاحبها، ويطلب المسامحة منه، وهذا سهل في الحقوق المالية، أما في الحقوق المعنوية، فالأمر صعب، ومن الحقوق المعنوية الغيبة والنميمة والكذب.والحذر الحذر من الوقوع في أعراض الناس، وعلى من وقع في ذلك المبادرة إلى الاستبراء من صاحبها، والمسارعة إلى طلب العفو، حتى لا يأتي يوم القيامة مفلساً من الأعمال بسبب ما ارتكب من الآثام. إننا يجب أن ننظم الوقت بالصيام، إما أن نصوم صوم نبي الله داود عليه السلام، نصوم يوماً ونفطر يوماً، أو نصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، مع الأيام البيض، علينا أن نصون ألسنتنا، وننظف قلوبنا، ونكف عن القبائح؛ حتى ندرك شهر رمضان وقلوبنا تفيض نوراً، وجوارحنا تشع حبوراً.إن أيام رمضان فرصة للتوقف أمام أسماء الله العلا وصفاته المقدسة وهي في آيات كثيرة، ولو أردنا إحصاءها لبلغت المئات من الآيات، وكذلك جاء ذكر تلك الأسماء والصفات في كثير من الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. إن أسماء الله لم تذكر لمجرد أن تذكرها الألسن وتنطق بها الشفاه، ولا لمجرد التسبيح بها أو حفظها فقط، وإنما أكد القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، على أن الهدف من إحصاء هذه الأسماء والصفات هو الوصول بها إلى مبتغاها، وتحقيق غايتها، وهو العمل بها ووعيها وفهمها وتطبيقها تطبيقاً عملياً في حياتنا اليومية، وفي تصرفاتنا وسلوكنا. إن الله -تعالى- أثبت لذاته العلية مجموعة من الأسماء الحسنى، ولم يفردها ذكراً في قوله تعالى: "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، وقال تعالى: "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"، وقال تعالى: "اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" .

715

| 27 مايو 2017

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4302

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2073

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1788

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1455

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

1395

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1173

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

930

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

669

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

663

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

645

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

627

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

567

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية