رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

من اليمن إلى مناطق أخرى

كان مفاجئاً للجميع إعلان قيادة التحالف العربي وقف عملية "عاصفة الحزم" وبدء عملية "إعادة الأمل" في اليمن. وزاد الأمر غموضا جملة من الأحداث أنه قبل وقت قصير من موقف قيادة التحالف، خرج نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تصريحات صحفية متوقعاً وقفاً للعمليات العسكرية خلال ساعات وهو ما كان، يضاف له اتصال جرى بين عاهل السعودية الملك سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتن ظهر ذاك اليوم. المحير في الأمر أنه لا شيء قبل ساعة واحدة من وقف العملية العسكرية كان يوحي بقرب انتهائها، كما أن استئناف الغارات الجوية فيما بعد أظهر أحد أمرين: إما أنه لم يكن هناك اتفاق سياسي على وقف إطلاق النار وأن الإعلان عن مرحلة ثانية لقوات التحالف فُهم على غير مقصده أو أن مبادرة بالفعل قد نضجت في أكثر من عاصمة لكن لم يلتزم بها أطراف النزاع إذ لم يمض دقائق على بدء سريان مفعول وقف الغارات الجوية حتى كانت مدفعية الحوثيين وقوات صالح تقصف مقر اللواء 35 في تعز وتسيطر عليه تماما ما اضطرت طائرات التحالف للإغارة من جديد على المدينة ثم تمددت عملياتها باتجاه مناطق أخرى.أسباب توقف عملية عاصفة الحزم يعود – كما قال المتحدث باسم قوات التحالف- لنجاح الطلعات الجوية في القضاء على مصادر التهديد ضد السعودية مثل الصواريخ البالستية، وإضعاف قدرة الحوثيين على شن أي عملية برية داخل الأراضي السعودية بعد أن تمّ قطع خطوط التواصل داخل الأراضي اليمنية قطع طرق الإمداد.ولعل الحديث عن وجود مبادرة عمانية تم الترويج لها في القاهرة واطلعت عليها إيران ووافقت عليها السعودية مع الحديث عن ضمانات روسية لصالح تنفيذ المبادرة في جلسة مجلس الأمن القادمة كانت انعكاساته واضحة بإفراج أنصار الله عن كل من وزير الدفاع المعتقل محمود الصبيحي، وشقيق الرئيس منصور هادي، اللواء ناصر هادي.وإذا كان انتهاء عاصفة الحزم تسعى لمنح جرعة إضافية للمفاوضات السياسية على الجهود العسكرية التي مازالت مستمرة، فإن من أهدافها بلا شك تدويل القصية اليمنية ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته لاسيَّما بعد صدور القرار الدولي الذي يضع منع وصول السلاح بحراً وجواً إلى اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.تنص المبادرة العمانية (المفترضة) على انسحاب الحوثيين وقوات صالح من جميع المدن اليمنية، وتسليم الأسلحة والمعدات التي حصلوا عليها من مخازن الجيش اليمني مع عودة عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء حيث يشرف على إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية في أسرع وقت ممكن، مسبوقا ذلك بتشكيل حكومة جديدة تضم جميع الأحزاب والطوائف اليمنية.السعودية وافقت على المبادرة بشروط منها إبقاء الحصار البحري والجوي على اليمن والحيلولة دون مدّ المساعدة لأنصار الله والجيش التابع لعلي صالح، مع ضمان الحق للتحالف العربي بتوسيع العمليات العسكرية بما فيها البرية في حال لم تلتزم الأطراف اليمنية بما تم الاتفاق عليه على أن تشرف السعودية على الحوار اليمني المرتقب بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ.هل سينجح المسعى العماني أو الضمانة الروسية في إنتاج حلّ سياسي للأزمة اليمنية؟ وهل سيدشن نجاحه تفاهمات أخرى قد تنسحب على ملفات ملتهبة في بلدان أخرى مثل سورية والعراق وليبيا أم سيؤدي فشله إلى مزيد من التدخل العسكري في اليمن؟ يرى البعض- وقد يكون مخطئاً- أن عاصفة الحزم بعد أن تنتهي من الأزمة اليمنية ستغطي رياحها سورية الملتهبة بالتنسيق والتعاون مع تركيا وبدعم أمريكي واضح، يقضي بمدّ المعارضة السورية بأسلحة نوعية تساعدها في إجبار الرئيس السوري على عملية انتقال سياسي للحكم بعد أن يتم تأهيل المعارضة المسلحة وغير المسلحة عبر توحيد صفوفها بدعوة تُقدم لقياداتها لزيارة الرياض قبل مؤتمر جنيف القادم، على أن يعمل في الوقت نفسه على توفير ملاذ آمن للحكومة التي تنبثق عن المعارضة شمال سوريا. وتماشيا مع هذا السيناريو، سيقوم حلفاء السعودية في لبنان بالضغط أكثر على حزب الله إلى جانب ضغوطات غربية لإخراجه من سوريا وتخفيف قبضته على الدولة اللبنانية تمهيدا لمحاصرته داخليا إذا أمكن.

609

| 25 أبريل 2015

أربعون عاما على الحرب اللبنانية

مضى الثالث عشر من أبريل.. لعله يوم عادي في حياة كثير من العرب، باستثناء لبنان.13 أبريل 1975 بداية اندلاع الحرب اللبنانية، أربعون عاما مضت على هذه الحرب التي دامت رسميا خمسة عشر عاماً. لم تنته فعليا.. اللبنانيون يستذكرون هذه الحرب وبداياتها ليس على أنها جزء من ماض طواه النسيان وبات وجها من تاريخنا الذي أحيل إلى الأرشيف في العقل الجمعي.. اللبنانيون يستذكرون هذا التاريخ، وقلوبهم ترتجف، وعلى ألسنتهم أسئلة أكثر إلحاحاً: هل انتهت هذه الحرب فعلاً؟ هل نحن خارج مجال تكرارها مرة أخرى؟ ما الذي تعلمناه منها، بل ما الذي حصدناه؟لقد كانت الحرب اللبنانية علامة فارقة في حروب العرب والإقليم وربما على المستوى الدولي بعد ظهور مصطلح "اللبننة" الذي اعتبر أنموذجا في حينه لأكثر الحروب فتكا للشعوب وأسرعها تفتيتا للدولة ومؤسساتها، ولولا الحروب الدينية التي شنها الصرب على إخوانهم في التاريخ والجغرافيا والعرق في منطقة البلقان وظهور مصطلح "البلقنة" ومن بعده "العرقنة" للدلالة على ما أصاب المجتمع والدولة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتدشين المحاصصة السياسية التي دمرت المجتمع العراقي، لبقيت "اللبننة" رمزاً لكل مخيف في حياة الشعوب.مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان لم يكن أحد يتوقع أن تطول شهورا ثم سنوات، كانت تُعتبر جولات حروب صغيرة بين فئات ونتوءات طائفية وإيديولوجية غريبة عن بيئة المجتمع ونسيجه، لكن انتهاء الحرب أشبه ببقع الزيت التي لا تتوقف عن التمدد كلما سخن الصفيح الذي يحملها. وهكذا من حيّ إلى حيّ، ومن زقاق إلى زقاق، ومن مدينة إلى مدينة غرق لبنان وأهله في دوامة عنف لم يعرف من يقاتل من، ومن أجل ماذا تتقاتل الأحزاب والطوائف بعد أن انحسر المعترضون على هذه الحرب، ودخلوا ثلاجات الصمت الرهيب التي فُرضت عليهم أو أقصتهم خارج الحدود ليتدفقوا عرايا عند تخوم بلاد الغربة، حاملين المرارة والألم والخوف من المجهول الذي لن ينتظر أحداً ليسأل عن حاله، وكيف انتهى به المطاف لاجئاً على أرض لم تطأها قدمه يوما، ولا يربطها بأهلها وتربتها رابط فكر أو دم.طالت الحرب طويلاً حتى طبعت لبنان بها، وأصبحت جزءا منه، وذاب في تلافيفها حتى صارت منه. مات كثيرون فيها، وقتلت هي كثيرين، كانوا يظنونها ستنتهي يوما.. رحلوا ولم ترحل الحرب. ولعل الروائي الفرنسي "بيار لوميتر" جسّد مشاعر هؤلاء وآمالهم في روايته المعنونة "إلى اللقاء في الجنة"، فكتب قائلاً عن الحرب في أوروبا يوما، وكل الحروب متشابهة: "جميع أولئك الذين ظنّوا هذه الحرب ستنتهي قريبا ماتوا في الواقع، منذ زمن طويل. وتحديدا من جراء الحرب".نعم مات خلق كثير كانوا يظنون الحرب لعبة محلية أو دولية ستنتهي سريعا، لكن عجلات الحرب الطاحنة داستهم دون شفقة أو تردد ومضت إلى غايتها، وحتى اليوم وبعد أربعين عاما على اندلاعها لا أحد يعرف ما إذا كنا في مناعة من تكرارها مرة أخرى. انتهت الحرب رسميا، ولم تفتح ملفاتها ولم يحاكم عنها أحد، ولم يتحمل مسؤولية اندلاعها، ولا عمّا ألحقته بالشعب والدولة من خراب، وحين تنتهي حرب بهذه النتائج لا أمل من إعادة بناء دولة، كما لا حامي بتاتا من منع تكرارها مرة أخرى إذ لا يمكن بناء الدولة على إعادة تبجيل صناع الحرب وأمرائها والدوس على الضحية.يعلق أحدهم بمرارة على ما انتهت إليه الحرب اللبنانية من إعادة تأهيل أمرائها واتفاقهم فيما بينهم على اقتسام ما تبقى من السلطة والمؤسسات، والتذرع بكل زعيم أو أمير حرب بطائفته والتترس بها في مواجهة من يلاحقون الفساد وأهله قائلا: عندما تتغير القيم السائدة من قيم حرب إلى قيم الاعتراف بالضحية، حينها يمكن تجاوز الماضي إلى مستقبل أفضل. فذاكرة الأبطال ذاكرة انتقائية وفئوية، بينما ذاكرة الضحايا وطنية جامعة يمكن من خلالها تجاوز قيم الحرب إلى قيم أسمى".

685

| 18 أبريل 2015

دول الخليج والملف النووي الإيراني

توصلت إيران والقوى العالمية إلى ما تمكن تسميته اتفاق إطار للبرنامج النووي الإيراني بعد محادثات ماراثونية مطولة قد تفضي في نهاية يونيو القادم إلى اتفاق نهائي يخرج إيران من عزلتها الدولية مع رفع العقوبات المفروضة عليها. تبقى تفاصيل الاتفاق غير متاحة للنشر لما يحوي الملف من حساسية عالية لكلا الجانبين، خاصة إيران التي تشعر بالقلق إزاء التوقيع على أهداف واضحة لتقليص برنامجها النووي في غياب تسوية نهائية تتضمن رفع العقوبات الاقتصادية، علما بأن المُسرّب منه يتحدث عن قيود على تخصيب لليورانيوم لمدة عشرة أعوام. الرئيس الأمريكي بارك أوباما اعتبره تفاهما تاريخيا توصلت إليه القوى الدولية مع إيران، ستمتنع إيران بموجبه عن حيازة السلاح النووي في حال تم تطبيقه كاملا بعد أن وافقت على نظام شفافية وعلى عمليات تفتيش هي الأكثر عمقا في تاريخ التفاوض حول البرامج النووية على حد وصفه. في حين لم يشاطره رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي هذا الحماس، داعيا إلى إتاحة الفرصة للكونجرس لبحث الاتفاق علما بأن رسالة بعث بها الكونجرس سابقا إلى إيران هدد فيها بأن الرئيس الأمريكي القادم سيشطب بجرة قلم أي توقيع لأوباما على تفاهم نووي لا يلبي طموحات الكونجرس، وهو ما أرعب إيران التي أصرت على ضرورة رفع كامل للعقوبات في حال توصلت مع القوى الدولية إلى اتفاق إطار بشأن برنامجها النووي. على أي حال لا يزال هناك المزيد من العمل قبل أن يكون هناك اتفاق مقبول بين الطرفين وفقاً لما قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند الذي تعهد بمراقبة دائمة لفرنسا مع شركائها الدوليين لضمان إبرام اتفاق يعتد به ويمكن التحقق منه، يمكن أن يضمن للمجتمع الدولي أن إيران لن تكون في وضع يتيح لها الحصول على أسلحة نووية. والسؤال المحوري الآن كيف تنظر الدول العربية وتحديدا دول الخليج لهذا الاختراق الدبلوماسي مع طهران، لاسيَّما وأن الصراع الإيراني السعودي على أشده اليوم. لا ننسى هنا ما قاله الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق لهيئة الإذاعة البريطانية قبل فترة: إن أي نتيجة تصل إليها المفاوضات الدولية مع إيران، فإن السعودية تريد الأمر نفسه، مضيفاً: "إذا ما حصلت إيران على القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى نسبة معينة، فليست السعودية لوحدها التي ستطلب الحصول على ذلك. العالم بأسره سيسلك هذا الاتجاه دون أي رادع".دول الخليج وعلى رأسها السعودية تنظر بقلق وريبة للاتفاق النووي بين إيران والغرب. وتخشى الرياض من صفقة سرية إيرانية أمريكية على حساب مصالحها في الخليج والمنطقة، ثم إن الحديث عن دعم باكستاني عسكري للسعودية، هدفه توظيف القنبلة النووية الباكستانية في الصراع الإيراني السعودي المتفاقم هذه الأيام ويترجم في اليمن بحرب ضروس تسعى من خلالها السعودية لتحويل الحوثيين إلى حزب سياسي غير مسلح وفك تحالفهم كليا مع إيران. كما تسعى لتعزيز حضورها وطرد أي نفوذ إيراني لاسيَّما على حدودها وفي المياه الإقليمية اليمنية، إذ إن الملاحة البحرية في البحر الأحمر وبحر العرب هي حق دولي مهدد اليوم من إيران وفق الرؤية الخليجية وبالتالي مطلوب حمايتها، لاسيَّما وأن كلّ نفط الخليج تقريبا يمر عبر هذه الممرات المائية. ولن تكف السعودية عند حدود الغارات الجوية، بل قد يتطور عملها إلى توغل بري مسنود بقوات عربية في حال فشلت في تحقيق أهدافها عبر الضربات الجوية المساندة للّجان الشعبية المحسوبة على الرئيس اليمني منصور هادي. وقد بادرت السعودية في عهد الملك سلمان لأخذ زمام المبادرة وعدم الركون إلى الحليف الأمريكي في حماية مصالحها. وسياسات الملك سلمان تعيد ترتيب أولويات المملكة خارجيا، حيث تعتبر إيران المهدد الأول لأمنها وأمن الخليج، لذا هو يسعى لتخفيض الخلاف العربي- العربي إلى حده الأدنى، على أن توحد الجهود لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة.ومن المرجح أن يكون نجاح السعودية في اليمن مبررا لتدخل عربي- تركي بالتعاون مع دول غربية قادم في سوريا للقضاء على النظام السوري وقطع النفوذ الإيراني فيه، علما بأن سيناريوهات التدخل في سوريا، إن صحت، فهي مرتبطة بعوامل واستحقاقات عديدة، منها النجاح العسكري في اليمن، فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا في انتخابات يونيو القادم، وأد الخلاف التركي القطري المصري.

697

| 04 أبريل 2015

اليمن والمعادلات القادمة

تتسارع الأحداث بوتيرة عالية في اليمن السعيد.. عاصفة الحزم تفتح فصلاً جديداً في تاريخ اليمن السياسي، كما تفتح فصلاً آخر في العلاقات اليمنية الخليجية المعقدة، والتي مرت بمنعطفات عديدة منذ نشأة اليمن الحديث وحتى اليوم.العمل عسكري الذي تقوده السعودية بمؤازرة عشر دول عربية وغير عربية يطرح أسئلة كبرى، بعيدة عن صخب التأييد والتنديد، تبدأ في التنقيب عميقاً عن الأسباب الجوهرية التي دفعت السعودية للقيام بهذا العمل إلى التساؤل حول ما بعد الطلعات الجوية، وإعلان سماء اليمن منطقة محظورة.. هل نحن على أعتاب تدخل بري، وإن حدث فما هي آفاقه وأين تنتهي حدوده؟ هل إعلان الحرب على الحوثيين خطوة لجرها إلى تفاوض سياسي ترعاه دول مجلس التعاون بقواعد جديدة لا تخرج عن سقف المبادرة الخليجية أم لإقصائها التام عن المشهد السياسي بعد أن تخطت الخطوط الحمر بأميال وربما سنوات ضوئية؟ لا تخفي السعودية أن تحركها يأتي لوضع حدّ للنفوذ الإيراني المتنامي في اليمن، فهل فوجئت طهران بما أقدمت عليه الرياض؟ وهل ستسعى لحماية نفوذها في اليمن، وكيف؟ هل العملية تدشن مرحلة جديدة من الصراع بين السعودية وإيران، نكون قد عبرنا فيه من الحروب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة؟ وهل خطوط المواجهة ستكون واضحة المعالم أم يعتريها التداخل؟ التصريحات الإيرانية المتعددة في الساعات الأولى للعملية الخليجية بدت وكأنها تعكس صدمة يعيشها صانع القرار الذي لم يتوقع أن تقدم دول الخليج على خطوة من هذا النوع نتيجة ترهل الموقف العربي وتشتته وتمزق قدراته بين إرادات متصارعة ومتعاكسة أو أنه أراد تعمد الغموض كي لا يعرف ما يخطط له رداً على الخطوة السعودية، أو على الأقل ينتهج سياسة الحذر كي لا يتم التشويش على خططه في إنجاز الملف النووي الذي سيغير معدلات كثيرة في المنطقة. ثم إن الحديث الأمريكي عن التنسيق مع السعودية وإبداء الدعم اللوجستي والاستخباراتي في الوقت الذي تفصل عن بدء المفاوضات النووية بين إيران والدول الستة أيام بل ساعات ما قبل توقيع اتفاق إطار يعقبه بعد شهرين على الأبعد اتفاق نهائي يفتح بدوره فصلا جديدا في العلاقة الإيرانية مع الغرب وتحديدا مع الولايات المتحدة؟ أسئلة التطورات اليمنية المتسارعة تتمادى في بعدها واتساعها الجغرافي لتطال الأرض السورية على شاكلة السؤال المحوري: هل التدخل في اليمن مقدمة لفصل سيكتب في الأزمة السورية بحيث تشرّع تدخلا عربيا تركيا، تكون فيه أنقرة لاعبا أساسيا بعد أن استقر في روع الرياض وأنقرة أن تهديدا قويا سيكون ماثلاً إذا ما استمر النظام السوري قائماً ونجح في القضاء على المعارضة المسلحة. تأييد مؤتمر الشيخ لوزراء الخارجية العرب بتشكيل قوة عربية مشتركة للتدخل السريع التي كانت مصر قد اقترحتها من قبل أن تشرع في التدخل العسكري بضربات جوية في سرت الليبية هو خطوة أخرى في تشكل محور جديد تتكون أضلاعه من دول سنية صرفة مثل باكستان وتركيا ومصر ودول الخليج وهو موجه بالدرجة الأولى لإيران وحلفائها في المنطقة. تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصحفية يوم الخميس في تأكيده على دعم السعودية في حملتها وأنه مستعد لتقديم الدعم اللوجستي إذا ما تطلب الأمر يعني أن تركيا تخلت عن سياسة المحاذير في التعاطي مع القضايا التي تهمّ إيران في المنطقة. وكأن الصدغ بين تركيا وإيران يتزايد يوميا في مقابل تضييق الشقة وزيادة التقارب مع السعودية ومحورها من ناحية أخرى، وإلاّ ما دلالات قول أردوغان إنه "على إيران والجماعات الإرهابية أن تنسحب" من اليمن عقب تشكيكه بدور طهران في المنطقة وأن الهدف من مشاركتها في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق هو الحلول محلهم، قائلاً: "إن هدف إيران هو زيادة نفوذها في العراق، إيران تحاول طرد داعش من المنطقة فقط لتحل محلها". انطلاقاً من المقاربات السابقة، هل نحن على أعتاب تدشين محور جديد سيقلب الطاولة التي كانت تبنى في مرحلة ما بعد التفاهم النووي بين إيران والغرب؟ في المنطقة بات كل شيء ممكنا!.

836

| 28 مارس 2015

الإرهاب الذي يستهدف التحول السياسي في تونس

الاعتداء الإرهابي على تونس الأربعاء الفائت، كان أسوأ عملية تخريبية تعرضت لها البلاد منذ اندلاع الثورة نهاية العام 2010 .. مقتل عشرين سائحاً أجنبيا في الهجوم الذي وقع على يد تونسيين ينتميان إلى كتيبة عقبة بن نافع.. يوم دام بكل ما للكلمة من معنى .. حزن وقلق وغضب عمّ البلاد، فنوع وشكل الهجوم والمكان الذي حدث فيه شكل صدمة كبيرة للمراقبين فضلا عن المواطن التونسي البسيط الذي كان يأمل أن يكون الإرهاب قد تقهقر بعد الانتخابات الأخيرة، وتوصل الفرقاء السياسيون إلى تسوية أنتجت حكومة تشبه إلى حد ما حكومات الوحدة الوطنية حيث كانت نظرية الشيخ راشد الغنوشي تقول إن البلاد بما تمرّ فيه من مخاضات وتحولات مصيرية صعبة وسط محيط ملتهب وإصرار من فئات مجتمعية ونخبوية فاسدة على إرجاع التاريخ إلى الوراء قسرا، تتطلب دولة قوية لا تتأتى إلا عبر حكومة وطنية تؤمن الحد الأدنى من الاستقرار السياسي.لعل نظرة الشيخ الغنوشي كانت بعيدة المدى بحيث إننا لو افترضنا اليوم أن النهضة لم تشارك بالحكومة الحالية لا رمزيا كما هو واقعها اليوم من حيث عدد الوزراء قياسا على حجمها في البرلمان، وكانت في المعارضة لتوجهت إليها الاتهامات فورا على أنها تريد إجهاض حكومة الحبيب الصيد وتكريس الفشل الأمني لإرباك أي تحول سياسي بعد أن خرجت من الحكومة السابقة مزعنة وسلمتها إلى جهات مستقلة لإدارة الانتخابات البرلمانية والرئاسية.ثم إن ضرب الإرهاب في تونس مجدداً أكد بما لا يدع مجالا للشك أن التطرف والعنف الأمني لم يكن من نتاج حركة النهضة ولا من سياساتها، وأن سجله مزمن وهو يعود لحقبة زين العابدين بن علي ثم للفوضى التي خلفتها الثورات على كافة الصعد، وهي ما زالت منتجة لظاهرة الإرهاب طالما أن الدول التي ضربتها هذه الثورات لم تنتج بعد نظم سياسية متكاملة تلبي مطالب الثورة، وتتمكن من مسك مفاصل الدولة كما كانت النظم السابقة تفعل. ما حدث مثّل خرقاً أمنياً كبيراً وطرح تساؤلات عديدة تبدأ من الحديث عن مدى نجاعة الحكومة الحالية والإجراءات التي تتبعها لحماية البلاد بعد التهديدات التي طالتها من قيادات في التنظيمات المتطرفة، وعن الخلل الذي تقع فيه الحكومة في مواجهة الإرهاب أو القضاء عليه لا سيما أن تونس تتميز عن محيطها العربي بأنها تعيش استقرارا سياسيا ومستوى مقبولا من الديمقراطية. ماذا عن سياسات تونس الخارجية وجميعنا يعلم أن أحد أوجه تغذية الإرهاب في تونس هو الاضطراب الأمني في ليبيا.. فهل تملك الحكومة التونسية مقاربة متكاملة لحل الأزمة الليبية، وأين وصل التنسيق بين تونس والجزائر ومعلوم أن كتيبة عقبة بن نافع تتمركز في جبل الشعانبي على الحدود مع الجزائر؟خطورة العمل الإرهابي بقدر ما هي كبيرة لناحية الخسائر في الأرواح والجسم الاقتصادي هي مقلقة أكثر من أن تنزلق البلاد مرة أخرى للفوضى السياسية بحيث تتخلى الجهات الحاكمة عن المسار الديمقراطي في حال وجهت السهام – وهو أمر متوقع على المدى المنظور- إلى حكومة الصيد وسياسات الرئيس الباجي قايد السبسي، قائلة إنكم أخفقتم في محاربة الإرهاب، وإن السياسات المعتمدة في التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان لن تنفع مع كل هذا التحديات الأمنية التي تتعرض لها البلاد، وإن دفعة جديدة من القبضة الأمنية كفيلة على الاٌقل بتهدئة الشارع الذي يبحث عن الاستقرار والأمن.الأمن المجتمعي ومن ثم الأمن الاقتصادي قد يكونان من أولويات المواطن التونسي اليوم ومقدمين على الاستقرار السياسي أو زيادة جرعة الحريات السياسية.. والنظريات التي تقول إن إقصاء حركة النهضة عن الحكم كان بسبب عجزها عن لجم ارتفاع الأسعار والحد من التطرف الذي بدأ بضرب أسس الدولة ويؤسس لفوضى مجتمعية مدمرة، لها وجاهتها العلمية. وقد تخلى الناخب التونسي فعلاً عن قلقه المشروع من عودة المنظومة الأمنية البائدة مقابل أن يحظى بقليل من الاستقرار الأمني والاقتصادي، وبما أن الإرهاب اليوم ضرب المجالين معا من خلال استهداف الاقتصاد التونسي القائم على السياحة وترويع المجتمع التونسي قاطبة بعد أن نجح باختراق البرلمان والضرب بقوة في عمق العاصمة الثقافية والاقتصادية للبلاد يعني هذا أن حكومة الصيد أمام خطر السقوط، كما كان حال حكومة الترويكا. كما أن نداء تونس الذي يمسك بزمام الأمور هو في دائرة الخطر إذا ما استصحبنا الأزمة السياسية التي تضرب الحزب والتي توشك أن تودي به قبل أن يحقق شيئا على أرض الواقع بما أنه تشكل على عجل ومن تيارات فكرية وسياسية وعمّالية يجمعها التضرر من التغير السايسي بعد الثورة.

609

| 21 مارس 2015

إخوان الأردن وتحديات المرحلة

ليس معروفاً بعد ما إذا كانت الخطوة التي تقدم بها المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن عبد المجيد ذنيبات لجهة طلب الترخيص لجمعية باسم "الإخوان المسلمون في الأردن" تهدف لإنقاذ جماعة الإخوان من مصير الحلّ الذي لاقته الجماعة في مصر أم لتفتيت الجماعة من الداخل بعد أن أقصته الجماعة وأبعدته إلى جانب العشرات ممن يصنفون بتيار "الحمائم "داخل الجماعة. والمثير في ملف الإخوان هو دخول الحكومة على خط الأزمة في الوقت الذي تشتد فيه الحملة على تيار الإسلام السياسي في أغلب الدول العربية. وقد تميزت العلاقة بين الإخوان والنظام الملكي في الأردن حتى وصلت حدود الشراكة، وقد حمت الحركة الإسلامية النظام الأردني من موجة الثورات القومية التي أودت بالملكيات والنظم شبه الليبرالية في العراق ومصر وسوريا وليبيا واليمن والسودان، وأوشكت على أن تطيح بها في المغرب في الخمسينيات والستينيات، وبرر الإسلاميون موقفهم بكون الأردن "دولة مواجهة" ضد إسرائيل. ويقول د. مهند مبيضين في "الدستور الأردنية" إن بحوزته وثائق تؤكد أن الخطاب الإخواني كان يعامل الملك الأردني كخليفة، وقد عرضوا عليه ذلك، ورفضه، وأن وثائق أخرى تظهر دعم الإخوان لوحدة مصر والسودان ولفكرة جامعة الشعوب الإسلامية التي سافر من أجلها الملك عبد الله المؤسس لتركيا، كما دعموا فكرة وحدة سوريا الكبرى التي قادها الملك المؤسس.لقد كان دور الإخوان هامشيا في أهم حالتي احتجاج مرّ بهما الأردن، وهما هبة أبريل 1989 وأزمة الخبز 1996، علماً بأن العلاقة كانت يومها قد ساءت بين النظام والجماعة التي أنشئت في الأردن عام 1945 كفرع لجماعة الإخوان في مصر على يد الأردني عبد اللطيف أبو قورة بعد اتصاله بحسن البنا مؤسس الجماعة في مصر. ومنذ ذلك الحين تلعب الجماعة دورا بارزا في المجالين الاجتماعي والسياسي للأردن. وفي حرب 48 أنشأت الجماعة ثلاثة معسكرات لتدريب المجاهدين ضد الاحتلال الإسرائيلي، ثم أسهمت فيما بعد في إنشاء رابطة العالم الإسلامي والمؤتمر الإسلامي، إلى أن وضعت نظامها الأساسي عام 1953. واختير محمد عبد الرحمن خليفة مراقباً عاماً وهو نفس العام الذي تم انضمام إخوان فلسطين إلى إخوان الأردن، مشكلين جماعة واحدة. وقد وصلت الحركة إلى ذروة عطائها السياسي في انتخابات 1989، حيث حصدت 22 مقعدا من أصل 60 في البرلمان، بالإضافة إلى توليها رئاسة المجلس النيابي لثلاث دورات متتالية. ثم في العام 1991 شاركت الجماعة بخمسة وزراء في حكومة مضر بدران قبل أن تسوء العلاقة مع النظام في العام 1994 على خلفية توقيع الحكومة اتفاق وادي عربة الذي أنهى العداء بين الأردن وإسرائيل. وقد أنشأت الجماعة عام 1992 حزب جبهة العمل الإسلامي ليكون الذراع السياسية لها، وقد فشل الحزب في استقطاب شخصيات سياسية ودينية من خارج عباءة الإخوان. كما أنه لم يتمكن من الخروج من وصاية الجماعة، ولا تعرف الحدود الفاصلة بينهما. ويعتبر النموذج الأردني الأكثر شبها بالنموذج المصري من بين فروع الإخوان في العالم. ولهذا لمّا قررت جماعة الإخوان المسلمين في مصر تأسيس حزب سياسي لها وقع خيارها على النموذج الأردني. ورغم أن حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يرأسه حالياً حمزة منصور يصنف من أكبر الأحزاب المعارضة في الأردن، وهو عضو لجنة التنسيق العليا للمعارضة الأردنية، إلا أنه لم ينجح في أن يصبح حزبا عابرا للحدود الإخوانية، حيث أخفقت الجماعة في فصل الدعوي عن السياسي، بخلاف التجربة التركية والمغربية. ويورد الزميل محمد أبو رمان نتائج استطلاع رأي مركز الدراسات الإستراتيجية الأردني، حيث تراجعت تفضيلات الشارع جبهة العمل الإسلامي من 6.1 إلى 1.5%.ولعل تراجع شعبية الحركة وعصف الخلافات الداخلية بها دفعت الحكومة لتوجيه رسائل شديدة القوة للجماعة برزت في إصدار محكمة أمن الدولة الأردنية قبل فترة حكماً بالحبس عاما ونصف العام على زكي بني أرشيد نائب المراقب العام للجماعة، بعد أن وجهت إليه تهمة "القيام بأعمال من شأنها تعكير صفو علاقات المملكة مع دولة أجنبية" على خلفية انتقاداته لدولة الإمارات العربية بعد اعتبارها جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابيا.يتطلب التحدي الذي تواجهه الحركة الإسلامية في الأردن اليوم اختبار أساليب جديدة غير معهودة تحول دون توسع الحكومة الأردنية في استهدافها مع الحفاظ على تماسكها الداخلي عبر استيعاب دعوات الإصلاح والقبول بما يحول دون مزيد من التشرذم.

626

| 14 مارس 2015

تونس في محاربة الإرهاب

قبل أيام قليلة نشر تنظيم "داعش" تسجيلاً مصوّراً لشاب تونسي يدعى أبو طلحة التونسي، يتلو فيه وصيته قبل قيامه بعملية انتحارية على تجمع لقوات الجنرال حفتر في بنغازي. بدا الشاب في مقطع الفيديو مليئا بالسعادة والثقة، وهو يهدد تونس بالذبح، متوعداً بالمفخخات التي ستضرب البلاد من برج الخضراء إلى بنزرت قبل أن يتوجه بسيارته إلى أحد معاقل قوات حفتر ويفجرها وسط تكبيرات زملائه.تونس مستهدفة مرة أخرى من الإرهاب وهي التي تُوّجت مطلع العام 2011 بأنها أول بلد عربي يدشن ثورات الربيع في وجه النظم الفاسدة، ثم في العام 2014 توّجت بأنها أول من يقدم نموذجا للتعايش بين القوى المدنية ونظيرتها الإسلامية في تطبيق عملي على إمكانية التعايش بدل الاقتتال والتطاحن والإقصاء المرّ التي تشهده نظم عربية لا ترضى وجود الإسلاميين في الحياة السياسية وتضعهم جميعا في سلّة واحدة هي سلّة الإرهاب، وتتبرع بمحاربتهم خارج حدودها. تونس التي قدم الإسلاميون فيها نموذجا للحركة الإسلامية التي تسعى لبناء الوطن وليس التشبث بالسلطة حين غادرت حركة النهضة الحكم، وتركته حقنا للدماء ورغبة في بناء البلاد، ووقفت بقوة في وجه أيّ إقصاء سياسي في مثال حيّ ونموذج متكامل كان على حركات إسلامية عربية ولدت من نفس الرحم الذي ولدت من حركة النهضة أن تنتهجه، ولو فعلت الحركة الإسلامية ذلك في بعض البلدان لجنبت نفسها وشعبها وبلادها والثورات الكثير من الويلات.. هي نفسها تتعرض للإرهاب بل إنها المصدرة الأولى له في العالم العربي وفق ما تقول أغلب الدراسات البحثية. ففي تقريره السنوي الصادر نهاية العام المنصرم 2014، وتحت عنوان "الدولة الإسلامية: الوجه المتغيّر للجهادية الحديثة" يورد معهد "كويليام" البريطاني، المختص في مكافحة الإرهاب والتطرف أن تونس تتصدر قائمة البلدان "المصدرة" للجهاديين"، إلى بؤر التوتر بما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف مقاتل. ويؤكد شيئا من ذلك المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالملف الأمني «رضا صفر» في حوار خص به جريدة «التونسية» في حوار نشر في 29/1/2015 أن 568 جهاديا تونسيا في سوريا من جملة 2800 جهادي عاد إلى تونس، في حين قتل 600 جهادي منهم. وهو أمر يؤكد بما لا مجال للشك فيه أن تونس ضحية الإرهاب في الداخل وشريكة ضحاياه في الخارج، وأن الإرهاب المتمثل بهؤلاء المتنطعين يهدف بوعي أو غير وعي للقضاء على تطلعات الشعوب والأمم ويبقيها أسيرة الجهل والتسلط والاستبداد. وبنظرة سريعة على الفكر المتشدد في تونس نرى أن بداياته تعود لمطلع الثمانينيات على يد مجموعة من الشباب بولاية صفاقس حين قاموا بعدد من العمليات البدائية البسيطة متأثرين بزعيمهم الروحي الشيخ محمد الأزرق الذي فرّ إلى المملكة السعودية قبل أن تسلمه الأخيرة للحكومة التونسية وحُكِم عليه بالإعدام. وقد شهدت تونس منتصف التسعينات بعد الأفكار المتشددة تأثراً بأفكار الشيخ الخطيب الإدريسي الذي عاد للبلاد من المملكة السعودية. تزامنت المرحلة مع انضمام العديد من التيار الجهادي التونسي إلى تنظيم طالبان في أفغانستان خلال التسعينيات واتخذوا لأنفسهم معسكرًا خاصًّا بهم وقاموا بعمليات نوعية لعل أهمها اغتيالهم أحمد شاه مسعود ومشاركتهم في معركة تورا بورا ضد الأمريكان ثم عملية المعبد اليهودي بجربة في 11 أبريل سنة 2002.ومع عودة البعض منهم إلى تونس أسسوا تنظيم "جند أسد بن الفرات" الذي قام بعملية سليمان نهاية 2006. ثم تطور لاحقا إلى "الجماعة التونسية المقاتلة". ويُعتبر مؤتمر مدينة القيروان عام 2011 محطة مهمة في تأسيس هذا التيار الذي اختار لنفسه اسم "جماعة أنصار الشريعة" بقيادة أبو عياض أكبر المطلوبين للحكومة التونسية اليوم. في هذا الملتقى كرمت "أنصار الشريعة" والد يسري الطريقي الذي أعدم في العراق في نوفمبر 2011 بعدما أدين من قبل السلطات العراقية بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء. منذ ذلك الحين والقوات الأمنية التونسية تخوض حربا مفتوحة ضد هذه التنظيمات المتشددة التي تتهم بالوقوف وراء اغتيال القائد اليساري شكري بلعيد في 6فبراير 2013. وكذلك اغتيال النائب القومي الناصري محمد البراهيمي في 25 يوليو 2013 أمام منزله من قبل أبو بكر الحكيم. وكما كانت تونس سبّاقة في كلّ الخطوات التي عزّزت مسار الديمقراطية والتحرر في العالم العربي فإن الرهان معقود عليها مرة أخرى، وفي حال فشلها في استئصال هذه الجماعات فإن المصير سيكون قاتما للجميع.

684

| 07 مارس 2015

الولايات المتحدة وإستراتيجية مواجهة الإرهاب

استضاف البيت الأبيض في واشنطن يومي الأربعاء والخميس الفائتين، مؤتمرا دوليا حول مناهضة التطرف ومكافحة الإرهاب بمشاركة ستين دولة، حثّ فيه الرئيس باراك أوباما القيادات المسلمة حول العالم على نزع الشرعية عن التنظيمات المتطرفة مثل تنظيم داعش، داعيا إلى مواجهة شاملة مع الإرهاب لا تقتصر على الحلول الأمنية فحسب، وإنما تشمل العقائد والبنى التحتية للإرهاب من إعلام وتمويل وتسهيل. المؤتمر يأتي متزامناً مع الكشف عن برامج تدريب أمريكية لجماعات سورية معارضة في دول الجوار السوري دون أن يتضح الهدف من عمليات التدريب هذه. هل هي لمواجهة النظام السوري أم لمواجهة الجماعات المتشددة العابرة للحدود مثل داعش والنصرة؟ الشواهد التاريخية تقول: إن الولايات المتحدة استثمرت الجماعات الجهادية خلال نزاعها مع الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ودعمت بالمال والسلاح، وأعطت الضوء الأخضر لدول فاعلة في الشرق الأوسط للتسهيل والتمويل وتوفير كل ما يلزم من خطاب ديني وسياسي لتشجيع الشباب على الالتحاق بركب الجهاد الأفغاني للوقوف في وجه الإلحاد القادم من القطب الشمالي.. تلك مرحلة تاريخية لم تنته مفاعيلها على الأرجح، إذ أن أغلب المقاتلين العرب عادوا مطلع التسعينيات إلى بلدانهم، وأضحوا يشكلون تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، وهو ما استدعى تحركاً عاجلا مع ظاهرة كان يفترض أن تنتهي بانتهاء توظيفها في جبال أفغانستان إلا أن الأمور لم تسر بحسب ما كان يأمل المخطط الأمريكي في حرب كانت أكبر بكثير من تطلعات العرب وحدود مصالحهم.يذهب البعض اليوم إلى أن الإستراتيجية الأمريكية في العراق عام 2003، وفي سوريا عام 2011، وليبيا عام 2015 لا تخلو من أهداف الاحتواء والتوظيف لهذه الجماعات لمرامٍ لا تختلف عما حصل في أفغانستان عام 1979 . وبما أن الولايات المتحدة منخرطة أصلا في مواجهة الإرهاب وهي تقود بلا شك التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب الذي يضرب داعش في العراق وسوريا، فما هو الهدف من استضافة المؤتمر في البيت الأبيض، والجميع يعلم أن المؤتمر لا ينتظر منه أن يتبنى إستراتيجية موحدة في محاربة الإرهاب ضمن سقف زمني محدد؟ثم ما المانع أن تكرر الولايات المتحدة سياساتها السابقة فتعمد لابتزاز العالم العربي والدول الغنية فيه تحديدا تحت يافطة مواجهة الإرهاب، الأمر الذي من شأنه أن يضع واشنطن في مركز الصدارة بمحاربة التطرف بل في مركز قيادة العالم بشكل أحادي في الوقت الذي يمنع التعددية القطبية ويضع الاقتصاد والسياسات الدولية رهينة المزاج الأمريكي "الشجع والنهم" للهيمنة على موارد المال والطاقة والتكنولوجيا في العالم . عندما تتحدث الاستخبارات الأمريكية عن وجود حوالي عشرين ألف مقاتل في تنظيمي داعش والنصرة قدموا من الدول الغربية خلال ثلاث سنوات إلى سورية والعراق دون أن تخبرنا كيف تسلل هؤلاء إلى المنطقة، وكيف عبروا عددا من البلدان دون أن يجدوا عراقيل حقيقية تمنعهم من الوصول عندها سيكون هناك علامة استفهام كبيرة، تذكرنا بعمليات التوظيف غير المباشر للشباب المتحمس للتضحية بنفسه تحت راية الجهاد دون أن يدرك أن قوى خفية تسيره لمصالح هو بالكاد يفهم توازناتها ومراميها وأهدافها. وما قتال الولايات المتحدة لتنظيم داعش بداحض هذه الشبهة عنها رغم تصريحات المتحدث باسم البنتاجون جون كيربي بأن إستراتيجية الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش تعمل بفعالية، وتصريحات المنسق الأمريكي للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الجنرال المتقاعد جون آلن: "نحن مقتنعون بأن غاراتنا الجوية أدت إلى مقتل أكثر من 600 رجل من تنظيم الدولة الإسلامية". يبدو أن المواطن الأمريكي نفسه غير مقتنع بسياسات إدارة البيت الأبيض تجاه الإرهاب، ومثال على النقد اللاذع للخطط الأمريكية تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست على موقعها الإلكتروني السبت الماضي تؤكد ''أنه منذ هزيمة وطرد اثنتين من أكبر حركات التمرد التي يدعمها الغرب الشهر الماضي من محافظة إدلب السورية، بدأت جبهة النصرة في تعزيز موقفها بصورة مستمرة باعتبارها أعتى قوة عسكرية مفردة في شمال غرب سوريا''.. فعن أي مواجهة وعن أي إستراتيجية شاملة يتحدث البيت الأبيض؟

671

| 21 فبراير 2015

شارلي إيبدو جديد؟

عملية إرهابية وقعت خلال الأيام القليلة الماضية في الولايات المتحدة، ضحاياها ثلاثة طلاب عرب على يد أمريكي، انتهى الإعلام الأمريكي على تصنيفها "خلاف جيران". لم يخرج الرئيس الأمريكي الذي يحمل لواء حماية الحريات في العالم على إدانتها، ولم يخرج أحد من زعماء العالم الغربي أو منظماته ولا من زعماء العالم الثالث والرابع والخامس للحديث عن الجريمة واستنكارها، مع العلم أنها ليست الحادثة الأولى من نوعها في الغرب، خصوصا خلال الشهور القليلة الماضية.. سلسلة حوادث اعتدي فيها على مبتعثين خليجيين وسائحين عرب من السعودية ومن الإمارات ومن اللاجئين السوريين، أخبارهم كانت ترد كأنها أخبار عادية تحصل كل يوم.. لم نسمع بإدانة واضحة ومطالبة حازمة لحكومات هذه الدول بحماية المسلمين والعرب على أراضيها من نزعات التطرف ضدهم، كما هو من حق كل إنسان أيا كان دينه وتوجهه السياسي، أن يتمتع بالحماية والحرية في التعبير والتنقل وكيفية العيش.لم يتعامل الإعلام الغربي بموضوعية ولا بحيادية، وكان انحيازه فاضحا للغاية. بعد وقوع الجريمة مباشرة ظنت بعض وسائل الإعلام المحلية الأمريكية أن الفاعل مسلم وأن القتلى أمريكيون. بدأ الخبر ينتشر وكأننا أمام شارلي إيبدو جديد وما إن تكشفت الأمور بعد ذلك حتى بدأ الإعلام الأمريكي يخفت ومعه الإعلام العالمي، شيئا فشيئا، متحدثاً تارة عن كره الرجل للعرب ومن ثم أنه ملحد ولا ينتمي لمنظمات عنصرية معادية للمهاجرين أو المسلمين وانتهى الأمر على أنه خلاف على أحقية ركن السيارة بين جيران. وهي رواية في الحقيقة لا تصمد لحظة واحدة أمام العقل، فكيف لخلاف على أولوية ركن سيارة بين جارين ينتهي بمقتل ثلاثة أفراد غدرا وأمام الحرم الجامعي الذي يدرس فيه الضحية؟!الرئيس الأمريكي لم ينبس ببنت شفة حتى كتابة هذه السطور ولم يصدر تعليقا حتى على الحادثة وكأنها من طبائع الأمور التي تتكرر في أغلب المجتمعات وتحديدا في المجتمع الأمريكي الذي ينزع بنسب مخفية نحو العنف، وما حوادث القتل المتكرر داخل المدارس إلا مؤشر إضافي على ما نقول، فضلا عن الأفلام الأمريكية التي تصدر تحت فئة (الأكشن) إلا مرآة عاكسة لهذا العنف المنتج والمصدر للعالم على أنه الثقافة الواعدة في مستقبل البشرية.ليس مفهوما بتاتا كيف أن العالم هبّ لنصرة صحيفة شارلي إيبدو التي كانت تسيء لمشاعر المسلمين تماما من خلال تشويه صورة نبيهم، فأدان عملية القتل التي طالت صحفيي الجريدة، وهنا إذ نسجل اعتراضنا على الصحيفة وما قامت به، فإننا لا نبرر مطلقا ولا تحت أي ظرف من الظروف عملية القتل التي طالت الجريدة والعاملين فيها. وهو عمل مدان أيضاً، فالعنف ينبغي أن يرفض من أي جهة أتت إذا أردنا أن نكون منسجمين مع أنفسنا ومبادئنا وصادقين في رؤيتنا للأمور.عملية التضامن التي حصلت مع ضحايا الصحيفة وخروج الناس بالملايين وتحول باريس إلى قبلة الزعماء والقادة والملوك، من عرب وعجم، لتقديم التعازي وإعلان الوقوف صفا واحدا في وجه الإرهاب والعزم على استئصاله، كان يفترض أن يتكرر بعد ثلاثة أسابيع على حادثة تكاد أن تكون مطابقة تماما، بل أكثر ألما من حادثة شارلي إيبدو، فضحايا جامعة نارث كارولينا لم يرتكبوا جرما واحدا على الإطلاق وكانوا نموذجا للمهاجر الصالح والنافع لبلده الأم وللبلد الذي هاجر إليه، وقد قتلوا غدرا وغيلة ولم يتحدث أحد.يخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويعلن استنكاره لما حدث ويتساءل عن موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لماذا هو صامت؟ هل هذا يعني أن دماء المسلمين لا قيمة لها ولا تستدعي الاستنكار؟ ربما يتعجل أردوغان بإغضاب العالم الحر من تصريحاته، ولم يفهم بعد أن السياسات العالمية لا تقوم على حسن النوايا ولا على موازين العدل والمساواة بين الشعوب والأمم وإنما تحكمها ثقافة الهيمنة والسيطرة والتفوق وأشياء أخرى أنا على يقين أن القارئ يعرفها تماما وقادر على تحديدها أكثر مني.

614

| 14 فبراير 2015

تنظيم الدولة والمأزق الأخلاقي

قد نحتاج زمنا طويلا كي يتلاشى من ذاكرتنا مشهد القتل حرقاً للطيار الأردني معاذ الكساسبة، لا شيء يمكن أن يقال مع الصورة التي كانت أقوى من أي تعبير قيل حينها أو قد يقال فيها يوماً. لعل المشهد وضعنا جميعا أمام ضغط السؤال الأخلاقي: كيف لمن تلمس لتنظيم الدولة الإسلامية أعذاراً حول أفعاله المستنكرة والغربية وجهد في البحث عن مبررات فقهية لأفعاله يوما ما، أن يبرر هذا السلوك المشين، وقد تجاوز إرهاب التنظيم كل معقول؟! ما الأهداف التي كان يسعى لها تنظيم داعش من توثيق طريقة قتل الكساسبة؟ هل تفكيك التحالف الدولي؟ هل دفع الأردن إلى ردّ فعل عنيف يفقده توازنه ويظهره بمظهر الضعيف المرتبك الفاقد للرؤية والمكشوف أمام خلايا افتراضية داعمة للتنظيم؟ لا شيء من تلك الإجابات قد يهم مع هذا الانهيار الأخلاقي التام لهذا التنظيم والذي يعكس بشكل ما جزءا من هذه الثقافة القائمة على القتل والتشفي والسحق التام وإهدار كل ذرة كرامة يحملها الخصم المفترض؟! وقد جاءت فتوى شيخ الأزهر التي دعت إلى قتل وصلب وتقطيع أطراف أعضاء تنظيم الدولة صادمة ومشابهة لنفس الفعل المستنكر، وهذا ما يطرح إشكالية كبيرة حول طبيعة هذه الفتاوى والتي منها يستقي هؤلاء أفكارهم وطروحاتهم، وكيف تنتقى وتوظّف بشكل لا يحقق المقاصد العليا التي جاء بها الدين الإسلامي الحنيف. ولا نكاد نخرج من سؤال أخلاقي ملحّ حتى نقع في سؤال أخلاقي آخر، إذ كيف تلقت "البيئة الحاضنة" لداعش طريقة قتل الطيّار الكساسبة؟ وما الأسباب التي تدفع مجتمعات لاحتضان هذه المجموعات؟ لا شك أن البيئات الحاضنة لتنظيم الدولة وجدت صعوبة في تقبل الطريقة التي تمّ فيها قتل "الكساسبة"، وسعت لتقديم المبررات والأعذار وإيجاد المخرجات الفقهية، وأي متابع لمواقع التواصل الاجتماعية يلحظ ذلك بوضوح وهو ما يجعلنا أمام خطر محدق كبير يجرف المجتمعات بأكملها. ويُطلق مصطلح "البيئات الحاضنة " لتنظيم ما على مناطق جغرافية محددة أو شريحة مجتمعية، تلعب دور الداعم المادي أو المعنوي للتنظيم على أفعاله، والبيئة الحاضنة تحتضن عناصر التنظيم وتتستر عليهم في أوقات الانحسار، وترفده بعناصر جديدة أثناء التمدد.والبيئات الحاضنة لا تقتصر على المناطق المضطربة مثل سورية والعراق واليمن بل توجد في بيئات مستقرة نسبيا أمنيا وسياسيا واقتصاديا كما هو الحال وسط بعض الجاليات الإسلامية في الدول الغربية. وإذا كانت البيئات الحاضنة للتشدد والتطرف تختلف عن بعضها تبعا لاختلاف البلد أو الشريحة المجتمعية، أو طبيعة المنطقة الجغرافية أو هوية التنظيم نفسه إلا أنها تشترك ببعض الخصائص مثل: غلبة التدين، تكاثر الضغوط المجتمعية، الاضطرابات السلوكية خاصة عند فئة الشباب، عدم التكيف مع المتغيرات من حوله، الشعور بالتآمر الخارجي، القلق على الهوية والمصير، الخضوع السريع للمؤثرات الخارجية (وسائل إعلام، مواقع إلكترونية..)، وفي أغلب هذه التجمعات البشرية تكون فكرة الدولة والشعور بالانتماء إليها غائبة أو شبه غائبة. تسعى التنظيمات المتشددة في إيجاد بيئات حاضنة إلى استغلال جميع المؤثرات التي قد تتحكم بالمناخ العام للبيئة المستهدفة، عبر سياسة العصا والجزرة. وهي تحاول عقد شراكات مع قوى داخل المجتمعات، تعد بالكثير، وتهدد بالوعيد، وتمدّ بالأموال. المرتكزات التي تقوم عليها البيئات الحاضنة تتمثل في الموروث التاريخي، وعملية الضغط المجتمعي التي تمارسها التحديات الاقتصادية. فضلا عن فشل الدولة في تحقيق نمو سياسي سليم، والقبضة الأمنية التي تدعو كل فرد للشك بنفسه وبمن حوله. وقد خلقت السياسات المتبعة في عالمنا العربي مجتمعات متفسخة أشبه بجزر بشرية متناثرة تفتقد لأدنى مقومات التضامن والتعاضد والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن الدولة. ثم إن حركات الإسلام السياسي تتحمل في جزء كبير المسؤولية عن تسرب أفكار التطرف إلى عقول الشباب وحدثاء السن. ليس من المبالغة القول إننا نعيش فشلا أخلاقيا وتفككا مجتمعيا على كافة الصعد، وإن أفعال تنظيم الدولة ليست إلا إرهاصات لما ستكون عليه مجتمعاتنا عند كل اختلاف بين تياراتها وأحزابها ونظمها إذا لم يعد النظر بكلّ السياسات والمبادئ والمسلمات التي تربى عليها الصغير وفني عليها الكبير!.

717

| 07 فبراير 2015

عن عملية حزب الله الأخيرة

قد تختلف مع حزب الله في كل شيء، قد تراه دولة ضمن الدولة اللبنانية، وجزءاً من الأزمة السورية لا من حلّها، قد تحسم أمرك بالقول إنه ذراع إيرانية للهيمنة على المنطقة العربية، لن أجادل في حقك بحرية ما تعتقد، لكن لا يمنعك حكمك هذا من رؤية فضائل خصمك، كما لا يحجزك كرهك له من أن تكون عادلاً في الحكم عليه، لست هنا في معرض المرافعة عن الحزب، بل أتحدث عن فعل مقاوم ضد احتلال غاشم جاثم على صدور الأمة العربية لعدة عقود، يوم الأربعاء الفائت، تمكن حزب الله من تصيّد عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.معلوم أن عملية الحزب كانت رداً على عملية القنيطرة التي استهدفت عدداً من قيادات الحزب مع ضباط من الحرس الثوري الإيراني في الأراضي السورية قبل عدة أيام، وكان المنطق يفترض أن يكون الردّ من الأراضي السورية، لكنه لم يحصل، بل جاء من داخل الأراضي اللبنانية المحتلة، مفاجئاً إسرائيل وخالطاً جميع الأوراق التي كانت إسرائيل تريد أن تدينه بها. بعض منّا قال: هذا انتقام إيراني من إسرائيل، وكلاهما عدو للعرب، بعض قال: الردّ جاء لدفع الإحراج الذي وقع به حزب الله أمام بيئته وجمهوره بعد سلسلة اعتداءات إسرائيلية على سوريا، وذهب آخرون في السذاجة حدّ القول إن الأمر برمته اتفاق إيراني- إسرائيلي للتمويه على التحالف القائم بينهما ضد الأمة العربية!هنا لا يجد المنصف العاقل سوى الاعتراف للحزب بالفضل حين تتوجه البندقية للعدو الإسرائيلي الذي استباح الحرمات وداس المقدسات في عالمنا العربي. عملية حزب الله وحّدت بندقية المقاومة على الأقل للحظات أو سويعات، لأول مرة منذ العام 2011 نرى هذا التوحد بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحزب الله، حركة حماس كبرى حركات المقاومة الفلسطينية لم تكتف بالوقوف إلى جانب حزب الله ودعمه في مواجهة الاحتلال، بل خرج أنصارها للاحتفال في الشوارع وقام البعض بتوزيع الحلوى وهو أمر انسحب على أغلب المخيمات الفلسطينية في لبنان بعد توتر طال لأربع سنوات العلاقة بين الفلسطينيين والبيئة الحاضنة لحزب الله على خلفية الموقف من سوريا، بل اتُهمت المخيمات الفلسطينية في لبنان بأنها البيئة المنجبة للانتحاريين من جبهة النصرة وداعش التي حاولت أذية حزب الله وبيئته ومناطق تواجده في لبنان وسوريا. لن تُسرّ إسرائيل في رؤية توافق مستجد بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وهي تحاول أن ترمي بجميع الأوراق للتفريق بينهما، فالأولى ليست سوى ذراع إيرانية في المنطقة غير آبهة بالمصالح العربية، وهو الأمر نفسه تلصقه إسرائيل بالمقاومة الفلسطينية، فتارة حماس أداة إيرانية لضرب مقومات الأمة العربية، وتارة هي جزء من "الجماعة الإرهابية" كما يحلو لبعض الإعلاميين تسميتها، ويدعو بعضهم إلى تجريمها وضربها عسكرياً دون أن نرى هذا الحماس يتجه نحو العدو الإسرائيلي. من حق حزب الله وحماس وبقية قوى المقاومة أن تتفاهم وتنسق في القضايا المشتركة التي تهمهم جميعا، كما من حق كلّ منها أن تختلف في القضايا التي لا تجد نفسها في دائرتها، لكن لا هذا ولا ذاك يسمح لنا بأن نهاجم المقاومة بذريعة أنها مقاومة طائفية أو أنها أداة خارجية، فلا شيء يعادل العداء الإسرائيلي للأمة العربية والإسلامية، لا الاختلاف المذهبي، ولا الطموحات الإيرانية، ولا تجوز المساواة، بأي وجه من الوجوه، بين حزب الله وإيران من ناحية وبين إسرائيل من ناحية أخرى. وإذا كانت العملية التي نفذها حزب الله قد تأذن مستقبلا بتوحيد قوى المقاومة وتوحيد البندقية وتصويبها نحو العدو الحقيقي للأمة فأهلا ومرحبا، ولا ينبغي لعاقل حريص على أمته ووطنه أن يشجبه، وإذا كان التقارب بين حماس وحزب الله قد يخفف من الاحتقان المذهبي في المنطقة أو يؤسس لحوار إيراني عربي تركي يهدف لتقريب وجهات النظر في كثير من القضايا ومنها الأزمة السورية، فلابدّ من دعمه أملاً في وقف النزيف اليومي لسوريا، شعبا ومقدرات.

824

| 31 يناير 2015

هل يستفاد من التجربة الإسلامية التركية؟

مع دخول حركات الإسلام السياسي في العالم العربي مأزقا حقيقيا في إبعاد شبهة الإرهاب التي تلاحقها عند كل منعطف، وما تضيفه لها مراكز القوى من رزم التُّهم المحمّلة بالجملة على عجل، كون حركات الإسلام السياسي اليوم بقرة سمينة سقطت أرضا، فشمّر النكرة والمعلوم عن ساعده متبرعاً بذبحها تقربا إلى إلهه الذي يعبد، تزداد أهمية دراسة التجربة التركية التي تعتبر التجربة الوحيدة أو الأكثر نجاحا حتى اليوم. لماذا نجحت الحركة الإسلامية التركية من حيث فشلت أخواتها في العالم العربي؟ إن مقالا سريعا لن يقف على نقاط القوة التي تمتعت بها الحركة الإسلامية في تركيا، لكننا نتلمس بعض خيوط تمايزها لنرى كم تحتاج حركات الإسلام السياسي في العالم العربي للتغيير.الدكتور طارق عبد الجليل، مترجم كتاب العمق الاستراتيجي لرئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، في دراسة أعدها لمجلة الديمقراطية في مؤسسة الأهرام عدد أكتوبر 2012 تناول ظاهرة التطور في الحركة الإسلامية، فوصل إلى خلاصة مفادها أن "التيّار الأردوغاني" أصبح يمثّل مفصلاً جديدًا في الحركة الإسلاميّة التركية به يعبّر عن الموجة الثالثة في تطوّر النسق الفكري للحركة الإسلاميّة التركيّة بعد الموجة الأولى التي يمكن وصفها بـ"تيّار الإحياء الإسلامي"، والموجة الثانية المعروفة بـ"تيّار الإسلام السياسي". كلام عبد الجليل يتقاطع إلى حد ما مع دراسة لراشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة في تونس، فالغنوشي في مقالته "قراءة خاصة في تجربة حزب العدالة والتنمية التركي" يرى أن الحركة الإسلامية التركية التي أسسها نجم الدين أربكان، في صيغها المختلفة، قد غلبت عليها الروح العملية، ولم يعرف لها جهد في مجال الإنتاج الفكري على غرار الحركات الإسلامية العربية، فمؤسس الحركة مهندس محركات يحسن لغة الأرقام والتخطيط، وقد طبع التيار بطابعه، أما غذاء أنصاره الفكري فمستمد في أصله من فكر الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في الباكستان وحركة النهضة التونسية. فأربكان الأب الروحي لحركات الإسلام السياسي في تركيا، لم يكن منشغلا كثيرا بالتنظير الفكري والتأطير الفقهي لحركته، واكتفى ببعض الترجمات السريعة لكتب إسلامية متنوعة لشخصيات مثل حسن البنا وسيد قطب ومحمد باقر الصدر والخميني وعلي شريعتي. لقد انصب الهمّ الأساسي لأربكان على تأسيس نهضة حقيقية في تركيا تستلهم طريقها عبر هوية البلاد الإسلامية تاريخيا، وينقل محمد محمد زاهد غول في كتابه "التجربة النهضوية التركية" أن نجم الدين أربكان كان يقول إنه لا يمكن التقدم من خلال السياحة والزراعة. ومن يقول ذلك فهو غافل عن الحقيقة، إذ إن ما يلزم الأتراك والمسلمين هو ثورة صناعية لتطوير الصناعات الثقيلة. "فإذا لم نصنع نحن محركاتنا، ولم نصنع مصانعنا، فلن نتمكن من مقارعة الغرب". ورغم تواضع أربكان واعتدال طرحه، إلا أن الجيش التركي في البلاد قطع عليه الطريق وحلّ أحزابه الواحد بعد الآخر. مشكلة أربكان أنه لم يغير شيئاً من أدبياته السياسية، وظلت طموحاته صعبة الهضم على معدة الجيش وارث العلمانية والأمين عليها، فضلاً عن أنه لم يفرق كثيرا بين الدعوة والسياسة، فالحزب عبارة عن جماعة دعوية خيرية وحركة سياسية مجتمعية، وكان يقود حزبه بطريقة أبوية كحال أغلب الحركات الإسلامية في العالم العربي.العنصر الشاب في حزب الفضيلة ضاق ذرعاً بهذه الآفات وأراد الخروج من دائرة الصراع المغلق بين أربكان والجيش، وبعد صراع داخلي دام أربع سنوات، انفصلوا مؤسسين حزب "العدالة والتنمية". يقول عن الحزب صديقنا المرحوم حسام تمام في كتابه "مع الحركات الإسلامية في العالم":"تراجع رجب طيب أردوغان عن خط التوجه شرقا (جوهر مشروع أربكان)، بدعوى أنه يسبب الاستقطاب الدولي، فجمّد مشروع الثمانية الإسلاميين الكبار، وأدخل تركيا في أوثق تحالف لها مع الولايات المتحدة بهدف دعمه في مشروعه البديل أي اللحاق بقطار الاتحاد الأوروبي".وخلال عقد من الزمن، نجح أردوغان في خلق ثورة صامتة تغلغلت في جميع مؤسسات الدولة والمجتمع التركي. وتمكن من خلالها أن ينقل تركيا إلى مصاف الدولة المتوسطة القوة بين دول العالم بعد أن أصبحت ثاني أكثر دولة نمواً بعد الصين على المستوى الدولي، حتى أن نائب رئيس مجلس الاستخبارات الأمريكية السابق غراهام فولر أشار في كتابه "تركيا والربيع العربي: القيادة في الشرق الأوسط "، الصادر العام الفائت أن "تركيا، بقيادة أردوغان ابتعدت منذ وقت طويل عن أن تكون حليفاً ينفذ ما تمليه عليه الولايات المتحدة، ورأت في نفسها قوة إقليمية وعالمية. وباتت الدولتان تنظران إلى القضايا العالمية بشكل مختلف، والآن فإن تضييق الهوة بينهما تبدو صعبة للغاية".الواقع العربي المزري، والمأزق التاريخي التي تعيشه حركات البعث الديني اليوم تستوجب قراءة متأنية لنهضة تركيا أملاً في الخروج من دائرة الصدام المتجدد دوما بين الدولة والحركات الإسلامية المعارضة.

1748

| 24 يناير 2015

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4227

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1872

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1770

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1611

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1161

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

630

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

552

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

501

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية