رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعد انهيار الخلافة العثمانية، تأسست تركيا كدولة حديثة على النمط الغربي تقوم على القومية العلمانية. حاول المؤسسون الحد من دور الإسلام بقطع كل الروابط تقريبًا مع الماضي. بسبب استبدال الأبجدية العربية بالأبجدية لزم إعادة كتابة كل النصوص الدينية لتعليم الجمهور التركي بالدين. تم تقليص دور الإسلام بشكل كبير بالتحول من الخلافة إلى مديرية الشؤون الدينية (Diyanet İşleri) ولكن العلماء والشعب بذلوا جهوداً كبيرة للحفاظ على دينهم. على الرغم من دورها التابع للسلطة، لم تخدم مؤسسة الديانة في إضفاء الشرعية على السياسات العلمانية للنظام الجديد ولكنها حاولت تعليم الإسلام قدر الإمكان. ظهر العديد من المديرين البارزين لمؤسسات الديانة ذوي المعرفة والكاريزما في 100 عام. كان طيار ألتيقولاتش أحد أولئك الذين تركوا إرثًا كبيرًا أثناء خدمتهم في فترة صعبة بعد الانقلاب العسكري عام 1980. بالتعاون مع حكومة تورغوت أوزال المدنية، استفاد من تراخي الدولة فيما يتعلق بالإسلام في مواجهة التهديد المتزايد للشيوعية ومطالب الجمهور القادمين من المناطق الريفية. كان مشروعه الرئيسي هو إنشاء مركز إسام للدراسات الإسلامية (ISAM) بتمويل من مؤسسة الديانة في عام 1983. أصبح مركز إسام مركزًا للدراسات والبحوث الإسلامية جنبًا إلى جنب مع مشاريعه الرئيسية الأخرى: (أ) موسوعة الإسلام، (ب) مكتبة كبيرة ومركز توثيق، (ج) إرسال طلاب الدراسات العليا إلى الخارج، (د) تقديم المؤسسة لخدمات دينية للمسلمين في أوروبا و(هـ) جامعة 29 مايو. حقق كل من هذه المشاريع نجاحًا كبيرًا ومن المحتمل أن يكون لها تأثيرات دائمة في الحياة الفكرية والدينية في تركيا. كان أهم مشروع للمركز هو إنتاج موسوعة الإسلام التي نشرت أول مجلد لها عام 1988 واكتملت بـ 46 مجلدًا في عام 2016. ساهم أكثر من ألفين باحث في كتابة المقالات من جميع أنحاء العالم. تضمنت الموسوعة حوالي عشرين ألف موضوع متعلق بالإسلام والتاريخ والحضارة الإسلامية وكذلك المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم وهي مفتوحة للجميع مجانا عبر الإنترنت منذ عام 2014. يحتوي موقعها الإلكتروني الجديد على واجهة بسيطة مع إمكانيات بحث متقدمة. وكذلك نُشرت الموسوعة المختصرة للإسلام باللغة الإنجليزية في ثمانية مجلدات (2019). تُرجمت إلى اللغة الروسية وستتبعها لغات أخرى. كما أنتج المركز موسوعة إسطنبول في 10 مجلدات تحتوي على 363 مقالاً و4000 مادة بصرية عالية الجودة، مثل الخرائط والمنمنمات والنقوش واللوحات والوثائق الأرشيفية. بالإضافة إلى ذلك، أنتج مركز إسام ما يقرب من 260 كتابًا مرجعيًا. ويعمل المركز حالياً على مشروع الموسوعات الموضوعية بمشاركة 18 لجنة أكاديمية تضم 130 خبيراً. وستغطي الموسوعات الموضوعية مثل الاقتصاد والتمويل الإسلامي، والموسيقى الدينية في العالم الإسلامي، والحج، والأديان العالمية، والفقه، والتاريخ الإسلامي الكلاسيكي للعلوم، وأفريقيا، والحديث، والفكر السياسي الإسلامي، والدول والمجتمعات الإسلامية المعاصرة، والأخلاقيات الحيوية الإسلامية وأدب العالم الإسلامي، والمذاهب الإسلامية، والتصوف. وقد أطلق المركز مؤخراً قاعدة بيانات عن العلماء المسلمين. تأسس مركز أبحاث إسام بالتزامن مع مشروع الموسوعة، ولكنه لا يزال يخدم النشاط العلمي حتى بعد اكتمال الموسوعة. وقد أُنشئت مكتبته الضخمة في عام 1984 لجمع المنشورات اللازمة لإعداد موسوعة ديانت للإسلام. وتستضيف المكتبة 347.000 كتاب، و237.000 إصدار من 4.253 مجلة، و23.670 سجلاً للمحكمة العثمانية، كما تم التبرع بالعديد من المكتبات الخاصة. وتجذب صالات الدراسة المريحة الباحثين وخاصة طلاب الدراسات العليا حيث يفضل بعض الأساتذة البحث في المركز عن مكاتبهم في الجامعة. ويسمح فقط لطلاب الدراسات العليا والأكاديميين والباحثين المستقلين باستخدام المكتبة التي تفتح أبوابها من الساعة 9.00 صباحًا حتى 11.00 مساءً كل يوم. قدم المركز الدعم الأكاديمي والمالي لطلاب الدراسات العليا والبحوث في الخارج. واستفاد من المنح الدراسية 149 طالبًا حيث أكمل 62 درجة دكتوراه حتى الآن. ويدعم المركز بعض برامج التدريب الجامعي والصيفي في الداخل. ينتشر معظم الأكاديميين والباحثين في جامعات البلاد بينما يعمل آخرون في المركز كباحثين. وباعتباره مشروعًا فريدًا من نوعه للنشر الإسلامي ومرافق البحث، فإن مركز إسام هو مشروع حضاري وفكري ضخم يخدم الحفاظ على التراث الإسلامي في تركيا والخارج. أخيراً أود أن أقول إن كل المدن الإسلامية تحتاج إلى مكتبات وإمكانيات بحثية مثل إسام.
1506
| 14 أغسطس 2024
بات من الواضح أنّ العالم يمرّ باضطرابات جدّية، لكن العالم الإسلامي أكثر من يعاني. من المجازر الإسرائيلية في غزة وحتى الهجمات على المسلمين في الغرب، والانهيار المفاجئ للأسواق العالمية واحتمالية الحرب الإقليمية، سمع العالم إعلان إنهاء بنغلادش لحكم حسينة الذي دام ١٥ عاما بعد انتفاضة شعبية كبيرة انتهت بانقلاب يشبه الثورة. سيكون لهذه الحادثة تداعيات للجيوسياسيا الآسيوية والعالمية كذلك. كون بنغلاديش بوابة تصل بين شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا، فهي مهمة للتجارة العالمية واستراتيجية الولايات المتحدة والهند والصين واليابان وأستراليا وروسيا لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهي رابع أكبر دولة مسلمة مع ما يقارب ١٦٠ مليون نسمة، وبما أنّهم دخلوا الإسلام تحت الحكم التركي البابري، فقد كانت لهم علاقات قوية مع الخلافة العثمانية كسائر المسلمين الهنود. وتستضيف الدولة أكثر من مليون مسلم من الروهينغيا الذين فرّوا من الإبادة العرقية والدينية في ميانمار. في العام الماضي مرت باكستان باضطراب سياسي عندما أقصى الجيش وحلفاؤه السياسيون رئيس الوزراء عمران خان، ما أدى لاحتجاجات جادة من مؤيدي عمران خان، إلا أنّ ذلك لم يحل بينه وبين الاعتقال والسجن. وفي بنغلادش، حوّلت شيخة حسينة الدولة إلى حليف للهند وإلى دولة فقيرة مع ٢٥٠٠ دولار في إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد بحسب البنك الدولي . هناك صراع أيديولوجي في بنغلادش يعود لفصل الدولة عن باكستان عام ١٩٧١. شكّلت الخيانة أساس هذا الاضطهاد حيث عارضت الأحزاب الإسلامية كالجماعة الإسلامية الانفصال عن باكستان. قضت حكومة حسينة على غالبية المعارضين وخاصة المعارضة الإسلامية من خلال شنق قادتها. وأرادت الحكومة مكافأة داعميها من خلال تشريع ذلك التمييز بحجة دعم حركات الاستقلال بتخصيص نصف الوظائف الحكومية لمجموعات معينة. وقالت المعارضة إنّ الهندوس وجماعات إثنية ودينية وأيديولوجية مقربة من النظام ستستفيد من تلك السياسة. خلق ذلك ضجة واسعة في دولة فقيرة ذات ١٨ مليون من الشباب العاطلين عن العمل بحسب الأرقام الرسمية. بدأت الاحتجاجات سلمية ضد نظام الحصص التمييزي في الشهر الماضي، لكن حكومة حسينة اختارت قمعها من خلال السماح للشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، وقتل ٣٣٠ مواطناً بحسب الأرقام الرسمية، إلا أنّ الاحتجاجات ازدادت قوة. وبعد هذه الأحداث المأساوية، حاولت الحكومة إلقاء اللوم كله على خصمها، الجماعة الإسلامية، وقامت بحظرها. رفض الطلاب المحتجون وعامة الناس هذه الاتهامات واستمرت بمطالبتها استقالة حسينة حتى بعد سحب القانون التمييزي من قبل المحكمة العليا. إلى جانب الاحتجاجات، بدأ ملايين من المواطنين حركة عصيان مدني ضخمة حيث رفضوا دفع الضرائب وامتنعوا عن الذهاب إلى العمل لشلّ الحياة الاجتماعية والاقتصادية على نطاق غير مسبوق. ازداد الضغط الشعبي المنظم على حكومة حسينة بدعم من المحتجين من مختلف الأعمار، وبعد رؤية حجم الاضطراب الشعبي وتصاعد إراقة الدماء، أعلن جيش بنغلادش أنه سيمتنع عن إطلاق النار على المواطنين، وشكّل ذلك أملاً مضافاً للمحتجين لإطاحة الحكومة. إلا أنّ الشرطة استمرت بقمع الطلاب والمحتجين، وتوالت أخبار مقتل المحتجين من مناطق مختلفة وارتفع عدد الوفيات لأكثر من ٤٥٠ بحسب معلومات رسمية، وتقول مصادر غير رسمية إنّ الرقم يساوي ١٢٠٠. بعد هذا الوضع المتوتر، أعلنت حكومة حسينة رغبتها التفاوض مع الطلاب والجماعة الإسلامية، ورفض الطلاب التفاوض مع الحكومة التي ردت بقطع الانترنت وإعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجول، إلا أنّ المحتجين تجاهلوا ذلك. وفي السابع من أغسطس، أقال الجيش حكومة حسينة وشكل حكومة مؤقتة معبراً عن التزامه بمطالب الشعب، كما وعد بمحاكمة قتلة المتظاهرين. يريد الشعب الديمقراطية إلا أنّ التحول للديمقراطية ليس واضحاً لأنّ بنغلادش، مثل باكستان وغيرها من الدول المسلمة، تميل للوصاية العسكرية، كما تشكل هدفاً للتنافس العالمي. ستتجلى علامات الاتجاه المستقبلي قريباً ونتمنى الأفضل لشعب بنغلادش.
1047
| 07 أغسطس 2024
كان حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس الأسبوع الماضي استعراضًا للقوة لفئة LGBT على نطاق عالمي. من رجل عارٍ يمثل العشاء الأخير ليسوع المسيح إلى أزياء المثليين والمتحولين جنسياً التي انتشرت في أروقة الحفل. لقد شهدنا ترويجاً رسمياً لأسلوب حياة الفوضى الجنسية من قبل الغرب. في افتتاح الألعاب الأولمبية، أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون «هذه هي فرنسا» كترويج لثقافة LGBT. ومع مرور الوقت، تزايد عدد الحروف التي تمثل هذه الجماعة، من LG (تمثل المثليات والمثليين) إلى أن وصل حالياً إلى+LGBTQIA. من الصعب تتبع معنى كل هذه الرموز ولكنك تشعر أن هنالك جماعات ضغط قوية تقف وراءهم. إن الترويج لأسلوب حياة LGBT ليس شيئًا جديدًا، إلا أنه حالياً يتم الترويج له ونشره في العالم من خلال الأفكار الليبرالية العالمية خاصة تحت إدارة بايدن الأمريكي. إنها مدعومة رسميًا من الدول الغربية ومعتمدة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام الأمريكية ومنصات الترفيه مثل نت-فليكس. ومثلما انتقاد إسرائيل يُصنف على أنه معاداة للسامية، فإنهم يصنفون انتقاد نمط حياة المثليين على أنه «رهاب المثلية» أو «التمييز» ضد فئة من البشر. على سبيل المثال، عندما تنشئ حسابًا جديدًا على أي من منصات التواصل الاجتماعي، بدأوا في تقديم خيارات إضافية في خانة الجنس. كما يتم الترويج للمثليين أو غيرها من ظواهر الإباحية الأخلاقية والدفاع عنها من قبل الليبراليين وأنصار العولمة. لدى الدول الغربية مجتمعات محافظة لكنها خسرت بالفعل المعركة ضد هذه الليبرالية الثقافية الجديدة، حيث أصبح خطاب المثليين مهيمنًا جدًا في الفضاء العام الآن. على سبيل المثال؛ الجيش الأمريكي يقبل تطوع الذين يعلنون عن أنفسهم بأنهم مثليين في صفوفه منذ عام 2011، بعد مشوار طويل من السياسة السابقة «لا تسأل.. لا تخبر» التي تم اعتمادها في عام 1993. ومع ذلك، تقاوم بعض الجماعات والأحزاب المحافظة هذا الاتجاه في الغرب لكنها في موقف دفاعي. لقد لعب هذا الموقف دورًا واضحًا في الفوز السابق لدونالد ترامب في الولايات المتحدة، وميلوني في إيطاليا، وأوربان في المجر. يختلف ليبراليو اليوم عن الليبرالية الكلاسيكية التي تتصور الحرية والتحرر في الاقتصاد والسياسة بدلاً من الأخلاق. كذلك يمكننا ادراج الليبرالية العربية والتركية ضمن الفئة الكلاسيكية بدرجة أقل قليلاً. وذلك لأن القيم الأخلاقية الإسلامية لا تزال مهيمنة في مجتمعاتنا في مجال الزواج والأسرة والجنس والانجاب. ومن المثير للاهتمام أن الليبراليين الأتراك أكثر انفتاحًا في تبنيهم للقيم الغربية وأن الليبراليين العرب يدعمون الحرية في الشؤون الاجتماعية والثقافية ولكنهم يقلون في دعمهم في المجالات السياسية والاقتصادية. وذلك لأن تركيا كانت معرضة لسياسات التغريب لفترة طويلة، لكن القيم الأسرية لا تزال قوية في المجتمع التركي. إن جماعة المثليين ليست قوية في تركيا لكنهم يستمتعون بأجواء الحرية العامة ويتحدثون بصوت عال بدعم من رعاتهم الغربيين. في السياق الإسلامي، لا تزال القيم الإسلامية والأسرية قوية ولكننا لسنا معفيين من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت والعولمة. في مقال سابق ناقشت «فقدان الأسرة والمؤسسات التعليمية السيطرة على تعليم أولادنا». بالإضافة إلى الدعم المفتوح لهذه الثقافة، تخصص جماعات الضغط الليبرالية والعالمية أموالاً ضخمة للدعاية للمثليين من خلال الأفلام ومؤثري اليوتيوب وشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي. وبالطبع، تؤثر هذه الدعاية على عقول شبابنا نسبيا حول موضوع الزواج والأسرة والجنس. من ناحية أخرى، يستمر الغرب في دعم الحركة النسوية وكأن النساء والرجال يجب أن يكونوا أعداء بدلا من أن يكونوا شركاء. ومع ذلك، فإن حركة المثليين أكثر خطورة من النسوية. نحتاج إلى ملاحظة أن بعض المحاكم الأوروبية تأخذ أطفال المهاجرين المسلمين بالقوة وتعطيهم للأزواج المثليين. ونتوقع أن يؤدي التقدم الجريء لثقافة المثليين إلى المزيد من المقاومة من الثقافات المسيحية والإسلامية وغيرها من الجماعات الدينية التي تدافع عن اتحاد الأسرة المكونة من الرجل والمرأة. إن التعاون المسلم المسيحي معرقل في سياق الدعم الأعمى في العالم المسيحي لإسرائيل والاستقطاب العالمي القائم على الدين بدلاً من الاستقطاب بين قيم الأسرة وقيم المثليين. في العالم المتحول وعهد الصراعات، يتوقع البعض حرباً علمية بين أمريكا والصين أو بين الشرق والغرب، فإن الحرب العالمية القادمة ستكون على القيم المعنوية إلى جانب القيم المادية.
672
| 31 يوليو 2024
لقد مر ما يقارب قرنين من الزمان منذ أن مجّد الفرنسي ألكسيس دو توكفيل الديمقراطية الأمريكية بالمجتمع المدني النشط والعلاقات الطبيعية بين الدين والسياسة. كما أشار إلى مخاطر الديمقراطية كاحتمالية الاستبداد الناعم والفساد والعبودية والتأثير السلبي لرأس المال على السياسة الأمريكية خلال أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر. ولأن المساعي السياسية مثل الحملات الانتخابية مكلفة في أمريكا، فإن رأس المال الكبير وجماعات الضغط تهيمن على المشهد والعملية الانتخابية. على سبيل المثال، للدعاية في انتخابات عام 2020 جمع دونالد ترامب 325 مليون دولار بينما جمع جو بايدن 215 مليون دولار. كانت السياسة الأمريكية توجه بما يسمى المجمع الصناعي العسكري حيث تمارس قطاعات الأمن والصناعة تأثيرًا غير عادي على الديمقراطية والسياسة. خلال العقود الثلاثة الماضية، لاحظنا صعود الشركات الرقمية الضخمة (جوجل، وآبل، وفيسبوك، ومايكروسوفت، إلخ) التي تقود الاقتصاد العالمي جنبًا إلى جنب مع الاقتصاد والسياسة الأمريكية. في حين أن المجمع الصناعي العسكري لديه ميل قومي، فإن الشركات الرقمية تدافع عن نهج أكثر عالمية ودولية للسياسة الأمريكية في الداخل والخارج. المؤسسة الأمريكية لا ترحب بالمفاجآت حيث شهدنا عدة اغتيالات بحق الرؤساء والتي قد تغير الوضع الراهن في البلاد. ففي السابق، قُتل أربعة رؤساء أمريكيين (لينكولن وجارفيلد وماكينلي) وكان اغتيال الرئيس كينيدي هو الأكثر شهرة. يشتبه الكثيرون في أنه اصطدم بالمصالح القائمة في البلاد. كان العديد من رؤساء الولايات المتحدة أيضًا هدفًا لمحاولات اغتيال، آخرها استهدفت دونالد ترامب الأسبوع الماضي. وارتبط ذلك باحتمالية موقفه ضد الوضع الراهن، وخاصة القطاع الرقمي العالمي. ونظرًا لأن نظام الحزبين مغلق أمام المنافسين من خارج المؤسسة، فإنه ينتج رؤساء متشابهين. كما يجبر النظام الرؤساء على السعي إلى المصالحة الحزبية في التشريعات وفي تعيين الوزراء والسفراء. إن النظام السياسي الأمريكي يخلق حماساً ضئيلاً بين عامة الناس للمشاركة السياسية، لذا فإن نسبة المشاركة في الانتخابات ليست عالية جداً، إذ تبلغ في العموم نحو 50 بالمائة. وفي سياق نسبة المشاركة المنخفضة، فإن جماعات الضغط مثل اللوبي اليهودي قد يكون لها تأثير حاسم على نتائج الانتخابات. فعندما لا يكون النظام الأمريكي راضيا عن مرشح معين، فإنها قد تتدخل بالأموال والحملات الإعلامية والقضايا القانونية. خلال حياتي، شهدت شخصياً التلاعب بالانتخابات الأمريكية لصالح أحد الجانبين في السباق. على سبيل المثال، خسر جورج بوش الأب الانتخابات في عام 1992 على الرغم من أنه جعل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة من خلال إدارة سقوط الاتحاد السوفياتي والفوز في حرب الخليج الأولى ضد غزو صدام للعراق. وربما فضلوا المثل الليبرالية للحزب الديمقراطي في عهد بيل كلينتون أكثر ملاءمة للعالم حيث زعم البعض أن نهاية التاريخ ستكون بانتصار الديمقراطية الليبرالية. إن المال الكثير والمجمع الصناعي العسكري يحاولان تحديد اختيار الرؤساء من كلا جانبي الساحة السياسية. بعد فترتين ناجحتين كنائب للرئيس بيل كلينتون، كان المراقبون يتوقعون تولي آل غور منصبه ولكن تقرعلت العملية بسبب الحملة الإعلامية بشأن قضية ليفينسكي والتدخل القانوني في فرز الأصوات في فلوريدا لصالح بوش الابن على الرغم من فوز آل غور بالأصوات الشعبية. ربما جاء التدخل لأن المؤسسة لم تثق في أجندة آل غور الإصلاحية للسلام العالمي والبيئي وفضلت خطة جورج بوش للولايات المتحدة الأمريكية المتضاربة في الساحة العالمية. بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، قد طبق جورج بوش هذه السياسة في احتلال أفغانستان والعراق. في الانتخابات عام 2004، منحت محاكم ولاية أوهايو النصر لبوش للمرة الثانية. وفاز باراك أوباما كأول مرشح أسمر بالرئاسة في عام 2008 لكنه حافظ على السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة لفترتين. في انتخابات عام 2016، اتُّهم ترامب بالتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي لصالح قضيته بمساعدة روسيا وكامبريدج أناليتيكا. وفي عام 2020، فاز بايدن في ظروف استثنائية لكوفيد- 19، وطعن ترامب في النتيجة باعتبارها احتيالًا وتم الإبلاغ عن العديد من المخالفات. تلوح الخلافات في الأفق بشأن انتخابات 2024 أيضًا، مع وجود قضايا قانونية ضد ترامب ومحاولة اغتياله وانسحاب بايدن المفاجئ من السباق حيث انقسمت الولايات المتحدة بين معسكر القوميين والعولميين والحروب الثقافية. الديمقراطية الأمريكية وانتخاباتها ليست طبيعية لأن الولايات المتحدة ليست دولة طبيعية بتركيبتها العرقية الفريدة، وبقيادتها في التكنولوجيا والقدرة العسكرية، وبسيطرتها على الاقتصاد العالمي.
1656
| 24 يوليو 2024
أسس عسكريون مثل مصطفى كمال أتاتورك وعصمت إينونو تركيا الجديدة. ولعب الجيش دورًا في حماية النظام الجديد وضمان إصلاحات التغريب والعلمانية. ومع ذلك، لم يسمح مصطفى كمال للعسكريين بالانخراط بشكل مباشر في السياسة، وطالبهم بخلع زيهم العسكري قبل دخول السياسة. وبطبيعة الحال، وضع مبادئ النظام الجديد في تركيا خلال العقود الثلاثة الأولى. وكان الجيش أول من استوعب مبادئ العلمانية والقومية تلك ونشرها إلى قطاعات أخرى من المجتمع. مع إدخال الديمقراطية في عام 1950 بوصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة في تركيا، طالبت الغالبية العظمى من الناس بالتطبيع مع المجتمع التركي المحافظ. واعتبر الحزب الجمهوري الكمالي ذلك تراجعاً عن العلمانية وتحالفاً مع الجيش لإسقاط الحكومة المنتخبة في عام 1960. وعلى الرغم من أن الدستور الجديد لعام 1961 ركز على الحريات، إلا أنه وضع آلية وصاية على النظام الديمقراطي من خلال إنشاء المحكمة الدستورية ومجلس الشيوخ ومجلس الأمن القومي وحتى الرئاسة على البرلمان. علاوة على ذلك، شكّل انقلاب عام 1960 والدستور الذي تلاه سابقة وقاعدة قانونية للتدخلات العسكرية المستقبلية التي تكررت كل 10 سنوات تقريبًا. في عام 1970 أجبر الإنذار العسكري الحكومة على الاستقالة، وتدخل الجيش بشكل مباشر وشكل الساحة السياسية في عام 1980. ومع ذلك، انتُخب تورغوت أوزال ضد رغبات كينان إيفرين وحاول فتح المجال للسياسيين المدنيين خلال الثمانينيات، كما عاد إلى التطبيع مع المجتمع المحافظ وعزز المبادئ الديمقراطية. إلا أنه عندما وصل حزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان إلى السلطة، طرده الجيش التركي من الحكومة في عام 1997 وقمع المؤسسات الدينية مثل مدارس الحجاب ومدارس الأمة والخطباء. وكان هناك نقاش حاد حول ما إذا كان الجيش لديه القاعدة القانونية لإملاء قرارات مجلس الأمن القومي الذي يهيمن عليه الجيش. ولأن التدخل جاء تحت ستار قانوني، فقد أطلق عليه الانقلاب الأبيض (أو «الضربة ما بعد الحداثية» باللغة التركية) لأن نفس القاعدة القانونية سهلت صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002. لقد قادت الحكومات الموجهة من الجيش البلاد إلى أزمة اقتصادية ضخمة في عام 2001 والتي فتحت الطريق لصعود حزب العدالة والتنمية. وتحت قيادة أردوغان، دخل حزب العدالة والتنمية في صراع طويل مع الجيش لفتح المجال لنفسه أو للمدنيين المنتخبين. واشتد الصراع في الانتخابات الرئاسية عام 2007 حيث عارض كبار القادة العسكريين العلمانيين رئيسًا من حزب العدالة والتنمية، ولكن الأخير تغلب على ذلك بالاستعانة بصناديق الاقتراع التي سمحت بانتخاب عبد الله جول. ومن خلال السيطرة على منصب الرئاسة والبرلمان والحكومة، بدأ حزب العدالة والتنمية في تقليص دور الجيش ونفوذه من خلال تنفيذ الإصلاحات القانونية وتعيين قيادة عسكرية أكثر تعاونًا. إلى جانب الاتجاه العام لقمع الثورات العربية بالانقلابات العسكرية أو الحروب الأهلية أو الإرهاب، استُهدفت تركيا عدة مرات بالاضطرابات الاجتماعية ومحاولات الانقلاب المحتملة في وقت لاحق. بالتزامن مع الاحتجاجات في ميدان التحرير والانقلاب الذي أعقب ذلك في مصر، شهدت تركيا احتجاجات ميدان تقسيم، لكن أردوغان انتصر في صيف عام 2013، لتدخل جماعة غولن المشهد لاحقاً للإطاحة بأردوغان من خلال الوسائل القانونية (اتهامات بالفساد) في ديسمبر 2013. وقد عول الغولينيون على خسارة أردوغان في الانتخابات المحلية لعام 2014، إلا أنه انتصر مرة أخرى. ثم استخدموا جناحهم العسكري المتغلغل في المؤسسة العسكرية آنذاك للإطاحة به عن طريق الانقلاب في عام 2016.لكن المجتمع التركي كان لهم بالمرصاد وعارض محاولة الانقلاب بطريقة أسطورية لتسود الديمقراطية مجدداً. وختاماً، على عكس نظرائه في الشرق الأوسط، تدخل الجيش التركي بشكل متكرر لكنه لم يختر البقاء في السلطة، بل فضّل عوضاً عن ذلك نظام وصاية يحافظ على امتيازاته وسيطرته على النظام دون أن يحكم الدولة والاقتصاد فعليًا. وسعت الحكومات الديمقراطية لتوسيع مساحتها لصالح الجمهور. وفي هذا الصدد، فإن أكبر إنجاز حققه أردوغان في تركيا هو فرض السلطة المدنية على الجيش التركي الذي هيمن تقليديًا على الأمن والسياسات الخارجية. خلقت محاولة الانقلاب الفاشلة من قبل أعضاء مجموعة غولن معلمًا جديدًا في العلاقات المدنية العسكرية بعد عام 2016 في تركيا. أصبح الانقلاب مستحيلاً بالنسبة لمتمنيه لأن العديد من الإصلاحات سنّت لضمان الحكم المدني، وكان الغولنيون وغيرهم من المتدخلين محتقرين من قبل الجمهور وتم تطهير الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى من العديد من أفراد غولن.
1458
| 17 يوليو 2024
عندما توفي الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية غير متوقع الشهر الماضي، فوجئ العالم أجمع وبدأ يتساءل عما إذا كان هذا سيخلق مجالاً للتغيير في البلاد. لأن إيران دولة مهمة في الشرق الأوسط بتورطها في العديد من الشؤون العربية من سوريا واليمن إلى حرب غزة. كما لعبت إيران دوراً فعالاً في قمع مطالب الشعبين السوري واليمني بالديمقراطية والحرية والتنمية. وإلى جانب العراق، تدخلت إيران في العديد من الدول العربية إما بشكل مباشر أو غير مباشر. في هذه المقال سأناقش أهمية الرئيس الإيراني الجديد للمنطقة وخاصة للعالم العربي. في إيران، اختار مجلس صيانة الدستور ستة مرشحين في الانتخابات الرئاسية. ونظراً لإقصاء المرشحين الجادين سابقاً مثل أحمدي نجاد (الرئيس السابق الشعبوي)، وافق المجلس أيضاً على المرشح المفاجئ مسعود بازشكيان الذي ظهر كمرشح إصلاحي من أصل تركي. هو تصدر في الجولة الأولى من الانتخابات وهزم المرشح المحافظ جليلي بـ 16.3 مليون صوت مقابل 13.5 مليون صوت لجليلي في الجولة الثانية. وكان معدل المشاركة هو الأدنى منذ ثورة 1979 بنسبة تحت 50 في المائة، على عكس انتخابات عام 2009 التي بلغت نسبة المشاركة 85 في المائة. ويُظهر توزيع الناخبين أن بازشكيان كان أقوى على أطراف إيران حيث تعيش معظم الأقليات غير الفارسية مثل الأتراك الأذربيجانيين والأكراد والبلوش والتركمان. وعد بازشكيان بفتح إيران للعالم وتقليص القيود القانونية على النساء والإنترنت. ولغرض هذا المقال، نحن مهتمون أكثر بسياساته الخارجية وتأثيرها على الشرق الأوسط. يهيمن المرشد الأعلى آية الله خامنئي والحرس الثوري على السياسة الخارجية والأمنية في إيران. على سبيل المثال، لم يكن الرئيس السابق أحمدي نجاد حريصًا على قمع الثورة السورية لكن الحرس الثوري وقسم سليماني فعلوا العكس. وكان دور خاتمي في السياسة الخارجية محدوداً للغاية أيضا، وقد تسربت شكاوى وزير الخارجية جواد ظريف بشأن مثل هذه الضغوط إلى الصحافة في وقت سابق. كانت علاقات إيران مع تركيا تتأرجح دائماً بين المنافسة والتعايش أي تعامل بحذر. وإن الأصل التركي لبازشكيان يشكل عاملاً إيجابياً لتحسين الحوار بين تركيا وإيران، ولكن الهوية الطائفية أكثر تأثيرا في السياسات الإيريانية. وقد اختلف البلدان خلال الربيع العربي. دعمت تركيا مطالب الشعوب العربية بالديمقراطية والحرية والتنمية، في حين حاولت إيران منع مثل هذه التطورات في سوريا واليمن والعراق. وقد يهدف سماح النظام الإيراني لسياسي من أصل تركي إلى الحد من موج القومية التركية في الجزء الشمالي الغربي من إيران حيث يشكل الأتراك الأذربيجانيون غالبية السكان. والتوتر إزداد بين إيران وأذربيجان في السنوات الآخيرة أيضاً، خاصة بعد تحرير قرباغ. سوف يعمل بازشكيان تحت نظام وصاية الحرس الثوري، وقد تكون أجندته الإيجابية مقيدة بشكل كبير فيما يتصل بالسياسة الخارجية. إن قدرة الرئيس الشخصية وعلاقاته والسياق الداخلي والخارجي ستؤثر على قدرته على الحد من وصاية الحرس الثوري (مثل ما فعله أوزال وأردوغان في تركيا). إن انخفاض معدل المشاركة يمكن أن يفسر كدليل على انخفاض التوقعات بين الشعب الإيراني. لن يسيطر بازاشكيان على السياسة الخارجية ولكن سيكون له بعض الصوت في سياق السياسة الداخلية المزدحمة والاقتصاد المتعثر جنبًا إلى جنب مع الديناميكيات الخارجية الرئيسية مثل حربي أوكرانيا وغزة. إن تقدم كلتا الحربين ونتيجة الانتخابات الأمريكية سيؤثران على موقف إيران في المنطقة والعكس صحيح. سيكون موقف الرئيس الجديد مهمًا فيما يتعلق بالعالم العربي. على الرغم من أن إيران كانت مسؤولة عن تدمير سوريا واليمن، إلا أنها اكتسبت شعبية لدعمها للمقاومة في حرب غزة مؤخرًا. فشلت إيران في تشجيع حليفها حزب الله على فتح جبهة في شمال إسرائيل، لكن حزب الله والحوثيين يواصلان إزعاج الأنشطة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية. تحت الوساطة الصينية، بدأت المملكة العربية السعودية عملية تطبيع مع إيران. قد تتغير هذه السياسة إذا يفوز دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة العام المقبل، ولكن حتى الآن، تواصل إدارة بايدن التعامل الإيجابي مع إيران كما فعل أوباما. وسوف يتشكل دور الرئيس الإيراني الجديد في سياق الشرق الأوسط من خلال وصول ترامب إلى السلطة، والمنافسة العالمية بين الولايات المتحدة والصين في ضوء التطورات الإقليمية في حربي أوكرانيا وغزة. الدول العربية وتركيا سترحب بإيران كجار مسلم أكثر من جار مخاصم وهذا يعتمد على قرار النظام الإيراني وليس على الرئيس الإيراني الجديد.
678
| 10 يوليو 2024
مشروع التحديث الكمالي ألقى بظلاله على موسيقى الأرابيسك (شبه العربيةArabesk ) في تركيا، حيث رسمت رؤية التحديث الكمالي مساراً لتغريب الجمهورية التركية الجديدة، خاصة في المجالات الثقافية. بعد تغيير الأبجدية العربية واللباس التقليدي، امتد التأثير إلى الموسيقى التركية نفسها حتى اقترحوا وضع كراسي داخل المساجد، لكنهم فشلوا في تنفيذ هذه الفكرة، وكان المشروع مستندًا إلى أفكار المفكر القومي ضياء غوكالب الذي دعا إلى استبعاد جميع العناصر «الأجنبية» من الثقافة التركية وإقامة «ثقافة جديدة نقية». هذا المفهوم رفض أيضًا الموسيقى التركية الفنية باعتبارها «متخلفة»، مدعيًا أنها تجمع بين التأثيرات العربية والفارسية إضافة إلى السمات البيزنطية وبشكل مثير للاهتمام، اعتبروا أن الموسيقى الفنية المعقدة سيئة في حين اعتبروا الموسيقى الشعبية البسيطة جيدة، لم يكن لديهم مشكلة في مزج الموسيقى التركية مع أنماط الموسيقى الغربية، بل كانوا يشجعون هذا الاتجاه وكانوا يتصورون أن الموسيقى الغربية هي ذروة التقدم الموسيقي، كما رفض الكماليون الغناء المنفرد للأغاني الشعبية وكانوا يفضلون الأداء بأسلوب الجوقات الغربية. في عام 1934، حظرت الحكومة الأغاني التركية وبالطبع كانت الإذاعة الوسيلة الرئيسية للترفيه العام والمعلومات وكانت النتيجة مفاجئة، حيث رفض الناس في منازلهم ومقاهيهم الاستماع إلى الموسيقى الغربية على الإذاعة التركية وفضلوا الاستماع إلى الإذاعة المصرية بدلاً من ذلك. يمكن القول إن الموسيقى المصرية كانت تعتبر أيضًا نسخة من الموسيقى العثمانية بمزيج من النغمات التركية والعربية. النواب الجمهوريون مثل أحمد تلات أوناي، الذين آمنوا بإصلاح الموسيقى، انتقدوا الحظر معتبرين أنه «أرغم الناس على الاستماع إلى الموسيقى المصرية بدل الموسيقى التركية». كانت الموسيقى المصرية في أوج ازدهارها مع عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم في منتصف القرن العشرين كما أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أدى إلى انقطاع شراء الأفلام الفرنسية وكانت الأفلام المصرية بديلاً أرخص حققت شعبية كبيرة. أعتقد أن التقارب الثقافي بين البلدين لعب دورًا في هذا الاستقبال الحار للأفلام مصرية مثل شعبية المسلسلات التركية بين العرب اليوم. في عام 1938 حظرت الحكومة التركية مجددًا استخدام الأغاني العربية في السينما واختار صناع الأفلام دبلجة نفس الأفلام المصرية بلغة وأغان تركية. بدأ الموسيقيون الأتراك أيضًا في تأليف أغان أصلية مشابهة لتلك الأفلام المصرية وبيع إنتاجهم في الأسواق وحظي بجمهور كبير. حاول بعض صناع الأفلام الأتراك أيضًا تقليد أفلام مصرية بسيناريوهات وموسيقى مماثلة. ابتداءً من الخمسينات، شهدت المدن التركية تدفق المهاجرين من المناطق الريفية واستقرارهم في الأحياء العشوائية. تناسبت موسيقى الأرابيسك تمامًا مع هؤلاء المهاجرين الجدد الذين كانوا يعانون من الفقر والظلم وكانت الأغاني الشعبية عن الحياة الريفية والنقل، حيث لم يكن لديهم اهتمام بالموسيقى الفنية التي كانت تستمتع بها النخب الإسطنبولية، لذا ظهرت موسيقى الأرابيسك كشكل هجين يجمع بين الأنماط الحضرية والريفية بخلفية قوية في أساليب الموسيقى الغربية والتركية. جمع الملحن والمغني الشهير للموسيقى العربية أورهان جينجباي بين الساز التركي والجيتار الغربي مؤسسا موسيقاه على تواصل التراث الموسيقي التركي بأسلوب حر، إذ تمثل أغنيته الشهيرة «Bir Teselli Ver» (واسيني) صورة عن معاناة الناس وصراعهم. كما تعبر أغاني موسليم جورسيس، فردي تايفور أو إبراهيم تاتليسس عن معاناة مماثلة. وقد تم حظر هؤلاء الفنانين الشهيرين من الظهور على قنوات التلفزيون العامة حتى أواخر التسعينات، حيث كان يُسمح لهم فقط بأداء أغاني موسيقى الفولكلور. بعد الانقلاب العسكري في عام 1980، انتعشت موسيقى الأرابيسك مع موجة هجرة كبيرة أخرى من القرى إلى المدن. انتقل إبراهيم تاتليسس وفردي تايفور شخصيًا من جنوب شرق البلاد الريفي إلى المدن الغربية. لقد لاقت أغانيهم رواجا كبيرا داخليًا وخارجيًا بين الأتراك والعرب وخلال هذه الفترة، حاولت الحكومة التأثير على الموسيقى من خلال تشجيع كتابة كلمات أكثر إيجابية في نسخة مشرقة من موسيقى الأرابيسك أو الأرابيسك الخالي من الألم. انتشرت الموسيقى أيضًا في وسائل النقل العامة مثل (الدولموش)، الملاهي الليلية والحفلات العامة. بعض الأغاني الشهيرة تتضمن عبارات مثل «ليذهب هذا العالم إلى الجحيم»، «لا أستطيع الضحك»، «ألست إنسانًا؟»، «حقائق مؤلمة». مع عملية التحول نحو الديمقراطية وارتفاع الإنترنت، توقفت الحكومة التركية عن معارضة موسيقى الأرابيسك في التسعينات والألفية الجديدة. ومع ذلك، تظهر قصة موسيقى الأرابيسك في تركيا أن الثقافة والمجتمع لا يمكن أن يتم تصميمهما وفقًا لرغبات النخب الحاكمة ونعلم أن الثقافة التركية والعربية لا تنفصلان.
1920
| 03 يوليو 2024
يونس أمره (Yunus Emre) شاعر ومفكر يتمتع بفهم إسلامي متسامح وواثق وميراثه يتجاوز العصور. تصوره يشبه مولانا جلال الدين الرومي، فالرومي يمثل الطراز الكتابي والنخبوي ويونس يمثل الطراز الشعبي والشفوي. نشر كلاهما الإسلام بخطاب متسامح ومرحب خلال القرن الثالث عشر في الأناضول التي هزها الغزو المغولي والصليبي. كتب الرومي قصائده باللغة الفارسية وهو يمثل نسخة أكثر علمية من التصوف، بينما كتب أمره قصائده باللغة التركية البسيطة وظلت متداولة في الثقافة الشفهية في الأناضول والبلقان. يقال إن يونس أمره عاش بين عامي 1238 و1320 في الأناضول. وكان مشهورًا لدرجة أن سبع مدن مختلفة تدعي وجود مرقده فيها. أعلنت اليونسكو عام 1991 «عام يونس أمره الدولي» باعتباره الذكرى السنوية الـ 750 لميلاد يونس أمره. كان يونس أمره يستلهم من تفكير أحمد يسوي الصوفي من آسيا الوسطى. وبما أن قصائده تُردد وتُغنى من قبل الجمهور التركي اليوم، فإنه يمثل شخصية موحدة يحترمها كل من الإسلاميين والعلمانيين والعلويين والسنة في تركيا. شهد عصر يونس أمره فترة فوضوية تشبه الشرق الأوسط اليوم حيث تم تقسيم الأناضول بين الإمارات التركية. إضافة إلى الصراعات البينية، استهدفتها هجمات صليبية متجددة من الغرب وغارات منغولية من الشرق. لم ينتم يونس أمره إلى العلماء الرسميين، ولكن يمكن وصفه بأنه داعية للإسلام. دعا الناس إلى التوحيد والأخلاق الحميدة كما ألهم شعراء عثمانيين عظماء مثل سليمان جلبي شاعر المولد النبوي. على غرار الصراع اليوم بين الفهم العلمي للإسلام والنسخ الشعبية، كانت كتاباته تخضع للتدقيق من قبل السلطة الدينية وأحيانًا كانت تخضع للرقابة من قبلهم. كان الملا قاسم هو القاضي الشهير الذي أقر كتابه الشعري الذي أطلق عليه اسم «ديوان» أثناء حياته. يقول بيته «يا يونس لا تقل كلاماً منعرجا ملتوياً، فيأتيك الملا قاسم يوماً ويضعك في قالب أو يحاسبك». ووفقاً لرواية شعبية، كان الملا قاسم يقرأ ديوانه الشعري بجوار نهر. وعندما يجد قصيدة ضد الشريعة، كان يمزق تلك الصفحة ويلقيها في النهر. وعندما صادف ذلك البيت، أصيب بالذهول ولم يلمس الكتاب مرة أخرى. لذلك، فإن قصائد يونس أمره بين أيدينا اليوم هي التي نجت من الملا قاسم. ركز يونس أمره على حب المخلوق من أجل الخالق وأخوة المسلمين والتسامح مع غير المؤمنين. كان هذا النهج مؤثراً بعد قرن من الزمان في البلقان حيث كان العثمانيون ينشرون الإسلام. كما لعبت تعاليم يونس أمره الصوفية دوراً في إبقاء الدين نشطاً في حياة الأتراك الرحل في الأناضول في وقت لاحق. كان نجيب فاضل سلطان الشعراء الأتراك يدعو إلى عودة يونس أمره: «لا تجعلني أنتظر يا يونس، فقد انتهى موسم الحصاد؛ الأوراق تتساقط، والأعمار تمر؛ والسماوات المليئة بالفراق تعطي طعماً مراً يجعلني أفقد الوعي». خصص سيزاي كاراكوتش مجلداً كاملاً لحياة يونس أمره وأفكاره. لقد صور يونس أمره كمبشر الأمل والإصلاح في الأناضول المدمرة بنهضة إسلامية. لا يؤمن كاراكوتش بوجود شخصية الملا قاسم لأنه يزعم أنه يمثل الجانب العقلي ليونس أمره نفسه ضد جانبه الشعري والعاطفي، كما نفى ادعاء أنه كان من العلويين. تعيد الحكومة التركية إحياء إرث يونس أمره ورسالته إلى عالم اليوم حيث أطلقت هذا الاسم على المراكز الثقافية التركية: معهد يونس أمره. وهو يعادل المجلس الثقافي البريطاني أو معهد سرفانتس الإسباني أو معهد كونفوشيوس الصيني. تعمل مراكز يونس أمره الثقافية التركية بأكثر من 80 فرعًا في أكثر من 60 دولة حول العالم من المنطقة العربية إلى أمريكا اللاتينية ومن آسيا إلى أفريقيا. تركز مراكز يونس أمره على تعليم اللغة التركية والثقافة التركية مثل الخط والسيراميك والملابس والحلي والموسيقى وغيرها من الفنون الحديثة. وتعطي الأولوية للتفاعل الثقافي والفكري مع الثقافات الأخرى. في العالم العربي، تؤكد مراكز يونس أمره أيضًا على السمات الثقافية المشتركة بين الدول العربية وتركيا من التاريخ المشترك والخط والموسيقى إلى الهندسة المعمارية والطعام والأدب. بدأت مراكز يونس أمره الثقافية العمل في قطر في عام 2015 وفي مصر في عام 2010 ولها فرعين في القاهرة والإسكندرية. وفي السنوات الأخيرة افتتحت فروعًا في العديد من الدول العربية مثل البحرين وعمان وتونس والمغرب والجزائر ولبنان. تلعب مراكز يونس أمره اليوم دور الجسر الثقافي بين تركيا ومحيطها القريب مثل العالم العربي والبلقان وحتى البلدان البعيدة مثل فنزويلا وإندونيسيا.
2052
| 26 يونيو 2024
تأسست الدولة العثمانية في غرب آسيا وسيطرت بسرعة على منطقة شاسعة عند تقاطع القارات الثلاث، وهي آسيا وأوروبا وأفريقيا. فتح العثمانيون القسطنطينية وأنهوا الإمبراطورية البيزنطية في عام 1453 وظهرت روسيا القيصرية، مدعية إرث روما الشرقية بعد مائة سنة. وسعت روسيا أراضيها نحو آسيا الوسطى التركية ونحو الأراضي العثمانية في الجنوب وشرق أوروبا. وبعد أن ادركت الدولة العثمانية ضعفها توجهت الى العرب كحل لها. انغمست الدولة العثمانية في جهود التغريب أحيانًا بسبب انبهارها بالغرب وأحيانا اخرى بسبب فرض الغرب عليها. بعد إضعافها من قبل روسيا خلال القرن التاسع عشر، دمر الغرب الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى وتأسست الجمهورية التركية الجديدة في معاهدة لوزان. كان مؤسسو تركيا الجديدة مقتنعين بالفعل بتفوق الغرب، في حين طالبت القوى الغربية أيضًا بتغريب البلاد بالكامل، بما في ذلك إلغاء الخلافة وتغيير الأبجدية وفرض الملابس الغربية إلخ. بعد الحرب العالمية الثانية، كانت تركيا قلقة بشأن مطالب ستالين بالسيطرة على مضيقي إسطنبول وجناق قلعة. لذلك، واصلت تركيا البحث عن مستقبلها في المعسكر الغربي، بل وأرسلت جنودًا إلى الحرب الكورية لإرضاء الغرب والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره التحالف الأمني الرئيسي. لم يتصور المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة نظامًا ديمقراطيًا واقتصادًا متطورًا في تركيا كما فعل مع ألمانيا واليابان. بدلاً من ذلك، فضل الغرب نظامًا مليئًا بالصراعات الاقتصادية والتدخلات العسكرية، كما هو الحال في الشرق الأوسط. من الطبيعي أن يفضل الغرب تركيا الضعيفة التي يمكن السيطرة عليها بواجهة ديمقراطية ضد توسع الكتلة الشيوعية بقيادة روسيا. ومع ذلك، كان هناك دائمًا توتر بين هذا النموذج والتطلعات التنموية للقادة المنتخبين ديمقراطيًا مثل عدنان مندريس وبولنت أجاويد. وعندما طالبوا بمزيد من المساعدات المالية والاستثمارات إلى جانب نقل القدرة الإنتاجية من الغرب، تم رفضهم بشكل مهذب. الغرب تفضل دول الشرق الاوسط كسوق لها، ليس كشريك كما نراه في تعاملهم مع تركيا والدول العربية. تركيا تنافس مع البضائع الغربية في الأسواق العالمية ولكن لا نرى نفس التنافس مع روسيا لأن الإنتاج الصناعي الروسي ليس قويا إلا في بعض القطاعات. حينما حاولت الحكومات الديمقراطية في تركيا نقل الصناعة الثقيلة من الغرب، قوبلت بآذان صماء ولكنها وجدت الاتحاد السوفييتي أكثر استجابة. على سبيل المثال، ساعدت روسيا السوفيتية تركيا في إنشاء بعض مصانع الزجاج والنسيج والمعادن خلال ثلاثينيات القرن العشرين. وخلال الستينيات، قدمت روسيا السوفيتية دعمًا فنيًا وماليًا لمشاريع صناعية ثقيلة مثل مصانع الصلب والبترول في مدن تركية مختلفة. وفي التسعينيات، قدمت تركيا خدمة كبيرة لروسيا بشراء الغاز الطبيعي منها لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وعندما تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002، لاحظ أن العلاقات التجارية لتركيا كانت في الغالب مع أوروبا. وفضلت حكومة حزب العدالة والتنمية الجديدة بقيادة أردوغان تنويع علاقتها الاقتصادية مع مناطق مختلفة من العالم مع انفتاحها على آسيا وأفريقيا وحتى أمريكا اللاتينية. لقد حد هذا التنوع من التأثير السلبي للأزمة الاقتصادية التي انتشرت من الغرب في عام 2008. إن حاجة تركيا إلى رأس المال والمواد الخام والأسواق كانت تستلزم الانفتاح على العالم. فتركيا تشتري الغاز الروسي وتستقبل السياح الروس بكميات كبيرة والتجارة قوية بين البلدين. وبطبيعة الحال فإن روسيا لا تريد تركيا قوية لأنها قلقة بشأن دورها في القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط ولكن البلدين وجدا توازنا بين المنافسة والتعاون. أحدث الربيع العربي توترًا كبيرًا في العلاقات بين تركيا وروسيا في سوريا وليبيا. كما حدثت مشاكل مماثلة في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا حيث قاومت تركيا أيضًا الخطط الغربية في الشرق الأوسط مثل إنشاء دولة كردية. ونتيجة لذلك، أرادت الولايات المتحدة معاقبة تركيا من خلال ممارسة الضغوط الاقتصادية ورفض بيع الأسلحة والطائرات الحربية مثل طائرات F-15 و F-35 وأنظمة الدفاع الجوي (أي الباتريوت) لتركيا. ثم عادت تركيا مرة أخرى إلى روسيا للدفاع الجوي واشترت منظومة إس-400، كما تساعد روسيا في إنشاء محطات الطاقة النووية، وهو ما لن يفعله الغرب أبدًا. وحافظت الدولتان على علاقات متوازنة مع بعضهما البعض، في حين تحاول تركيا موازنة علاقاتها مع الشرق والغرب.
1146
| 19 يونيو 2024
أحمد هاشم بن محمد عارف الآلوسي (Ahmet Haşim)، هو أحد الشعراء المشهورين في أواخر العهد العثماني والجمهورية التركية. ولد في بغداد عام 1887 من عائلة مثقفة وعلمية من جانبي الأم والأب، وجده هو أبو الثناء الآلوسي العالم المفسر الكبير. كان والده موظفًا حكوميًا في الولايات العربية في أواخر الدولة العثمانية. تسبب انتقاله مع والديه في انقطاع مسيرته التعليمية لكنه لم يتوقف عن القراءة والكتابة. بعد وفاة والدته الحبيبة، اضطر أحمد هاشم إلى الانتقال إلى إسطنبول حيث التحق بمدرسة التنموية التجريبية ثم مدرسة غالاطة-سراي السلطانية. تجدر الإشارة هنا إلى أن مدرسة غالاطة-سراي السلطانية أسستها الدولة العثمانية كبديل للمدارس الغربية من أجل توفير تعليم عالي الجودة للأطفال المسلمين وغير المسلمين الذين يعيشون في جميع الأراضي العثمانية بمنهج حديث وبأسلوب محافظ. بعد التخرج أصبح أحمد هاشم مسؤولاً في الشركة المسماة رجي إداره سي (Reji İdaresi) كانت شركة "رجي إداره سي" شركة أجنبية تأسست عام 1884 لجمع الديون العامة للسيطرة على أسواق القهوة والتبغ والملح. وفي الوقت نفسه واصل أحمد تعليمه في القانون ودرّس الأدب واللغة الفرنسية في مدرسة إزمير السلطانية. وخلال الحرب العالمية الأولى كان علمه يتطلب أن يتجول في العديد من الولايات في الأناضول. ثم قام بالتدريس في كلية الملكية التي تهدف إلى تخريج رجال دولة متعلمين جيدًا منذ العصر العثماني إلى اليوم. وقد توفي في سن 46 عامًا تاركًا اسمًا قويًا في دوائر الأدب. عندما جاء أحمد هاشم إلى إسطنبول مع والده في سن التاسعة، لم يكن يتحدث التركية بطلاقة ولكنه تعلمها بسرعة وحتى أنه غاص في الأدب والفنون بسرعة في السنوات التالية في غالاطة-سراي السلطاني. وهناك تعلم من علماء اللغة العربية الأقوياء مثل ذهني أفندي والفارسية من عجم فيضي والأدب من توفيق فكرت والآخرين. كما درس مع جيل من الكتاب والمفكرين المستقبليين في المدرسة أيضًا. نُشرت قصيدته الأولى المسماة خيال حبي في مجلة الأدب المسماة أدبيات مجموعة-سي عام 1901. نُشرت قصائده لاحقًا في كل مجلات الشعر المعروفة تقريبًا. هو لم يرد استخدام الأدب لأغراض سياسية أو لفرض حقيقة معينة على القارئ، بل ركز على الجوانب العاطفية واللفظية للشعر. في نظره، الشعر ليس وسيلة لإيصال الحقيقة أو سلطة قانونية. اللغة الشعرية عنده ليست للتفسير كما في النثر، بل للشعور بها. الشعر يقع بين الموسيقى والكلام، ولكنه أقرب إلى الموسيقى ويمتزج بالغموض. "تقطيع الشعر للعثور على معانيه يشبه قطع البلبل لأجل لحمه. المهم في الشعر ليس معنى الكلمات المستخدمة بل قيمتها في استخدامها داخل القصيدة". بالنسبة له، الفن ليس للفهم الشعبي بل لجمهوره الخاص. بصفته فنانًا، كان أحمد هاشم غير مبالٍ بالمشاكل الاجتماعية، وركزت قصائده على قضايا شخصية ونفسية مثل الحزن والوحدة والموت والحب. لهذا السبب، تعرض لانتقادات بسبب تجاهله للمشاكل الاجتماعية في زمانه. لذلك، لا يرى الحاجة إلى الوضوح والأفكار المحددة في القصائد. بل ينبغي أن تستمد القصيدة معناها من القارئ، حيث يفسرها وفقًا لقدراته وخلفيته الشخصية. يحب أحمد هاشم الانسجام في تعابير ومعاني قصائده. وعلى عكس شعره، فإن نثره أكثر وضوحًا ومباشرةً، حيث تناول فيه بعض القضايا الاجتماعية. هذا الكاتب العربي كان يجيد التركية والعربية والفارسية بطلاقة وساهم بشكل كبير في الشعر التركي، ويجب أن يكون معروفًا في العالم العربي أيضًا. أشهر قصيدة هي "الدرج" وبعض قصائده الأخرى تشمل الرغبة في نهاية اليوم" و"القرنفل" و"الشجرة" و"الغابة" و"المقدمة" و"اللمعان" و"البلبل" و"الحديقة". يعد أول كتاب شعري نُشر عام 1921، "ساعات البحيرة"، أهم أعمال أحمد هاشم. وكما هو الحال في الأدب العربي، كان يستخدم غروب الشمس والليل والظلام والحدائق في قصائده، مما يذكر بأصله العربي. على الرغم أنه قد عارض على ترجمة قصائده، إلا أننا حاولنا ترجمة قسمًا صغيرًا من قصيدته الأكثر شهرة والتي تحمل اسم "السلالم" على هذا النحو: ستصعد هذه السلالم رويدا، رويدا، ستحيط بقدميك كتلة من الأوراق بلون الشمس، وستنظر إلى السماء تبكي لفترة من الوقت... ستتحول المياه إلى اللون الأصفر... يشحب وجهك خطوة بخطوة، راقب السماء الحمراء مع اقتراب المساء...
1941
| 12 يونيو 2024
طبيعة اللغة الأردية تستحق المزيد من الاهتمام باعتبارها حلقة وصل بين اللغتين التركية والعربية. يأتي اسم «الأردية» من الكلمة التركية «أوردو ordu» والتي تعني الجيش أو لغة الجيش. تشكلت هذه اللغة خلال الحكم الإسلامي التركي في الهند من عام 1526 إلى عام 1858، حيث سيطر الحكام الأتراك على مناطق تشمل اليوم باكستان، بنجلاديش، وأفغانستان. وقد أطلقت عليها المصادر الغربية خطأً اسم «إمبراطورية المغول»، ولكن الاسم الصحيح هو «الإمبراطورية البابورية» لأنهم لم يكونوا مغولًا بل تحدثوا بلهجة تركية مختلطة بكلمات فارسية وعربية. يتحدث اليوم حوالي 600 مليون شخص اللغة الأردية كلغة أصلية، ويفهمها حوالي مليار شخص حول العالم. لقد فوجئت عندما أخبرني السفير الهندي في تركيا أن لغتهم الأردية (أو الهندية) تحتوي على كلمات تركية أكثر من اللغة الأردية الباكستانية، مشيرًا إلى أن تأثير السلالة التركية الحاكمة حول دلهي كان أقوى مقارنة بالمناطق المحيطة مثل باكستان وبنجلاديش. من ناحية أخرى، فإن اللغة الأردية والهندية العامية قريبتان جدًا من بعضهما البعض، بينما تتباعد النسخ الأدبية عن بعضها البعض. بالإضافة إلى استخدام أبجديات مختلفة، تحاول الحكومة الهندية أيضًا استبدال الكلمات العربية والتركية في اللغة الهندية، كما فعل الكماليون في تركيا. لقد احترم كل من العثمانيين والبابوريين اللغة العربية. هناك العديد من الكتب العربية التي كتبها علماء عثمانيون، ولم تتم ترجمتها إلى التركية حتى اليوم. على سبيل المثال، تفسير شيخ الإسلام العثماني أبو السعود أفندي هو واحد من العديد من الكتب التي بقيت باللغة العربية فقط، كما توجد آلاف المخطوطات العربية في المكتبات التركية. طور العثمانيون الخط العربي بأنماط الثلث والرقعة والديواني، وحتى إنهم طوروا خطًا متخصصًا جدًا للمحاسبين وخبراء الضرائب. حتى اليوم، لا تزال المدرسة الرئيسية للخط في تركيا، حيث قاوم العلماء والمثقفون ذوو الاهتمامات الحضارية الحظر المفروض على اللغة والحروف العربية والفنون التقليدية. تأسست الجمهورية التركية الجديدة على وعد التغريب وفقًا لمعاهدة لوزان. ولأنهم رأوا في الإسلام حاجزًا أمام التغريب، حاولوا الحد من دور الإسلام وأي شيء يذكرهم به. ولأنهم اعتبروا اللغة العربية مرتبطة بالإسلام، فقد حظروا أيضًا الحروف واللغة العربية. كما حاولوا إزالة الكلمات العربية ذات الدلالات الإسلامية بشكل خاص في إطار مشروع اللغة التركية النقية. وكان الخبير الرئيسي المسؤول عن هذا المشروع هو اللغوي الأرمني هاكوب مارتايان (الذي أطلق عليه أتاتورك لاحقًا اسم (Dilaçar) ديلاجار أو فاتح اللسان). عندما كان مارتايان يصمم الأبجدية اللاتينية للغة التركية الجديدة، قلل من أصوات الثلاثة «الحاء، الخاء، الهاء» إلى صوت واحد «H». كما قلل من الكاف والقاف إلى «K» متجاهلًا معارضة أحد المفكرين الحداثيين البارزين يعقوب قدري لأنه أراد كتابة اسمه بحرف «Q». كانت لجنة اللغة تتخلص من الكلمات العربية وتستبدلها بكلمات مختلقة أو كلمات فرنسية. وعلى الرغم من كل هذه الجهود، ظل الشعب التركي يستخدم الكلمات العربية في حياته اليومية. على سبيل المثال، لم يحب الناس كلمة « Yanıtيانييت» بدلاً من «جواب» أو « Olasılık أولاسيليق» بدلاً من «احتمال». وتحاول كلمة «موضوع» البقاء جنباً إلى جنب مع كلمة « Konuقونو». وكان لإصرارهم على تغيير المفردات العربية لمدة 90 عاماً بعض التأثير على اللغة، حيث فرضوا استخدام كلمات جديدة في الكتب المدرسية والصحف والإذاعة والتلفزيون. ونتيجة لذلك، حل العديد من الكلمات الجديدة في اللغة التركية. وبعد وصول حكومة حزب العدالة والتنمية، أوقفوا مشروع «تصفية اللغة» لكنهم لم يجبروا الناس على استخدام اللغة التركية القديمة أيضاً. وبدلاً من ذلك، شجعوا تعلم اللغة العربية والتركية العثمانية في المدارس على أساس تطوعي. أُجري ما يسمى بالإصلاح اللغوي على أساس القومية التركية، إلا أن من المفارقات العجيبة أنه أبعد تركيا عن الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى، حيث استمر سكان تلك المنطقة في التحدث باللغة التركية القديمة الممزوجة بالكلمات العربية والفارسية. وعلى الرغم من جميع الجهود المبذولة، لا تزال الكلمات العربية تحتل مكانة رئيسية في اللغة التركية، متفوقة على اللغات الأخرى بمجموع 6467 كلمة، تليها اللغة الفرنسية بـ 5253 كلمة، الفارسية بـ 1359 كلمة، والإنجليزية بـ 485 كلمة. والأمر الأكثر غرابة هو أن الجيل الجديد لا يستطيع قراءة كتاب مصطفى كمال المعروف بعنوان «نطق» من النسخة الأصلية، الذي كان يروج لفكرة اللغة التركية النقية.
1251
| 05 يونيو 2024
عاش العرب والأتراك معاً لأكثر من ألف عام، بدءاً من العصر العباسي وحتى نهاية العصر العثماني. ولذلك، كان من الطبيعي أن يؤثر المجتمعان العربي والتركي على بعضهما البعض، بما في ذلك التأثير على لغتيهما. عندما اعتنق الأتراك الإسلام، كان الفرس يقعون بين آسيا الوسطى والجزيرة العربية، فتعلّم الأتراك الإسلام من الفرس وبعض العرب الذين هاجروا إلى الشرق وصولاً إلى وادي فرغانة. وسرعان ما أصبح وادي فرغانة مركزاً للمعرفة بمدنه الكبرى مثل بخارى وترميذ وطشقند وسمرقند. كما اعتمد الفرس الكثير من الكلمات العربية بعد اعتناقهم للإسلام، تبنى الأتراك أيضاً العديد من المفردات العربية إلى جانب مجموعة من الكلمات الفارسية، ثم بعد ذلك حدثت هجرة جماعية للأتراك المسلمين إلى الغرب خلال القرنين التاسع والعاشر، ومنها إلى البلقان. انتقلوا أولاً إلى إيران والمشرق العربي، أي العراق وسوريا وفلسطين ومصر اليوم، حيث كانت الأناضول لا تزال تحت سيطرة البيزنطيين. لهذا السبب نرى عدداً ملموساً من الأتراك/التركمان لا يزالون يعيشون في العراق وسوريا ويتحدثون اللغة التركية. كما تم تعريب العديد من الأتراك/التركمان بسبب السياسات البعثية في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان الوضع مماثلاً في مصر، حيث أدى التركيز الديموغرافي حول نهر النيل إلى اختلاط الأتراك بالأغلبية العربية، مما سهل عملية التعريب. بالإضافة إلى ذلك، أثرت سياسة التعريب التي اتبعها جمال عبد الناصر على الأتراك الذين يعيشون في مصر منذ ألف عام. يدل على هذا الوجود التركي الطويل وفرة الكلمات التركية في اللهجة المصرية مقارنة باللهجات العربية الأخرى. على سبيل المثال، لا تزال كلمات مثل أوضة وكوبري ودوغري وترزي شائعة الاستخدام هناك. وتشهد الأسماء النمطية التركية وأسماء العائلات على الارتباط الثقافي التركي بمصر، مثل إنجي، ونورهان، وطلعت، وثروت، بالإضافة إلى المسلمين الجدد الذين جاءوا مع العثمانيين مثل الأباظة، والأرناؤوط (الألبان)، والبوشناق وغيرهم. في العامية العراقية أيضا توجد كلمات تركية ميته بشكير وخاشوكة. ومن أسباب هذا القرب أن الحكم التركي استمر لفترة أطول في مصر، بدءاً من الإخشيديين عام 930 وانتهى عام 1952. هناك العديد من الأسماء التركية في مصر، مثل أوزبكية، لازوغلي، ودمرداش. علاوة على ذلك، لم تكن قطيعة مصر مع الماضي جذرية مثل ما حدث في تركيا في عهد الكماليين. يتذكر الكثير من المصريين أصولهم التركية بشكل إيجابي، كما وجدت في دراستي حول صورة الاتراك في مصر. لم أشاهد أي مصري ينزعج عندما قلت لهم «أنت تشبه الأتراك» أو «أنت شكلك تركي». وكان الأتراك يحترمون اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، و لا يزال المثل التركي القائل «إن اللغة العربية هي لغة العرب ولغة الرب» منتشراً بين الشعب التركي، وتأثرت لغتهم كثيراً بالمصطلحات العربية الإسلامية. واتخذ السلاجقة اللغة العربية لغة العلوم والشؤون الدينية، والفارسية لغة الإدارة والأدب. واعتمد العثمانيون اللغة التركية في إدارة الدولة بدلاً من اللغة الفارسية، بينما ظلت اللغة العربية لغة العلم والدين. وبطبيعة الحال، كان الإسلام كدين يحتل دورا أكبر في حياة الناس مما هو عليه اليوم. أصبحت اللغة التركية العثمانية قوية جدًا من خلال الجمع بين ثلاث لغات (العربية والفارسية والتركية). استخدم العثمانيون الكلمات التي يحبونها بشكل أكثر استراتيجية وشعرية. على سبيل المثال، في اللغة التركية نستخدم يَر ولدينا كلمة كمان العربية لكننا استعرنا أيضًا زمين من اللغة الفارسية. أحيانًا نقول «زمان ومكان» أو «ير وزمان» أو «زمان وزمين» كتعبير أكثر شعرية. في بعض الأحيان استخدم العثمانيون كلمات من اللغات الثلاث معا مثل أق =بياض (أي الأبيض) = سفيد أو يوز = وجه = چهره يوز = وجه = چهره من ثلاتة لغة وأحيانا بالمعنى المختلف قليلا. يمكن للعربي أن يفهم % 60 بالمائة من اللغة التركية العثمانية بسهولة لأنها كانت مكتوبة أيضاً بأحرف عربية. وبالمثل، تمكن الأكراد والفارسيون من فهم النصوص والكلام التركي. من خلال الجمع بين اللغة التركية في آسيا الوسطى واللغة الهندية المحلية، كما تعد اللغة الأردية أيضاً توأماً للغة التركية العثمانية التي تحمل الكثير من الكلمات العربية والفارسية. الكلمات العربية إضافة إلى اللغة الأردية في المسلسل الهندي انتشرت هناك على يد السلالة التركية بابور شاه التي حكمت الهند لأكثر من ثلاثة قرون. وبفضل هذا المزيج الغني من اللغات، تمكنت اللغة التركية العثمانية من أن تكون وسيلة تواصل فعالة وجسراً ثقافياً بين العديد من الحضارات والشعوب. هذا التأثير اللغوي والثقافي يظهر بوضوح في العديد من الأدبيات والنصوص التاريخية التي تعكس التنوع والثراء اللغوي لهذه الحقبة.
1461
| 29 مايو 2024
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3690
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
2679
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1494
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
915
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
906
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية