رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الذكاء الاصطناعي يمثل ظاهرة حديثة دخلت حياتنا بسرعة وتؤثر بشكل سريع على الجميع. لقد شهد تراكم المعرفة والتكنولوجيا التي أبدعها الإنسان تزايدًا كبيرًا في القرون الأخيرة. وفي الوقت نفسه، مع تطور التكنولوجيا الرقمية، فإن المعلومات واستخدامها على وشك الخروج عن نطاق السيطرة. اذ يُسجل كل فعل نقوم به، بدءًا من زيارة مواقع الويب وصولاً إلى المحادثات والموسيقى التي نستمع إليها عبر أجهزة الكمبيوتر والهواتف التي نستخدمها، بالإضافة إلى ما نكتبه ونشاركه على وسائل التواصل الاجتماعي. وبناءً على ذلك، فإن كل معاملة ومشاركة يقوم بها ملايين الأشخاص في البيئة الرقمية تنتج كميات كبيرة من البيانات. الذكاء الاصطناعي هو تقنية حديثة وفعّالة يمكنها دمج البيانات المُنتجة سابقًا وحاليًا. والشركات والدول التي تستطيع استخدام هذه التقنية وتوجيهها قد تحصل على أفضلية هائلة. وغيرها من الشركات تحتوي على حجم ضخم من بيانات المستخدمين. Google وApple وMeta وX على سبيل المثال على الرغم من إعلانهم عن أهمية الخصوصية، إلا أن استخدامهم لهذا الحجم الكبير من البيانات في صالح شركاتهم قد لا يكون أمرًا مفاجئًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتسرب هذه الكمية الضخمة من البيانات نتيجة للاختراقات وتصبح بأيدي أطراف أخرى. يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي للتلاعب بالسياسة، وتمت مناقشة التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. كما نشهد تقدمًا هائلاً في مجالي الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات خلال السنوات الثماني الماضية، يُلاحظ أيضا زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في ميدان العلوم الاجتماعية. ونظرًا لأن العلوم الاجتماعية تركز على فهم السلوك البشري والتنبؤ به، يمكن للخوارزميات المطورة بالذكاء الاصطناعي أداء هذه المهمة بفعالية أكبر. على سبيل المثال، تقوم الخوارزميات المستخدمة في منصات الفيديو بإنشاء قوائم مفضلة عبر فهم من شاهد مقطع فيديو ومدة مشاهدته والأشخاص الذين أعجبوا به، والمقاطع الأخرى التي تم الاستفادة منها. لذلك، نظرًا لإمكانية إعادة تنظيم وتصنيف هذه القوائم من قِبل الشركات أو الأطراف الثالثة، فإنها عرضة للتلاعب الاجتماعي والسياسي. تُعَدُّ تطبيقات الذكاء الاصطناعي ذات فائدة كبيرة في مجال العلوم الاجتماعية، حيث يركز هذا المجال على فهم السلوك البشري والمجتمع والثقافة. ورغم أن الأساليب التقليدية للبحث لا تزال فعّالة، يمكن تطوير أساليب جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل شامل للبيانات، وهو ما قد يساهم في تقليل التحيزات الأيديولوجية. ومع ذلك، يجب أن ندرك أن المطورين لتلك التطبيقات والخوارزميات قد يظهرون تحيزات، حتى في حال كان لديهم نية تحقيق الموضوعية. لا يمكن ضمان الحياد التام، ويجب مراعاة هذا الجانب أثناء تصميم وتنفيذ هذه التقنيات. وبالإضافة إلى ذلك، قد يتم توجيه هذه البرمجيات وفقًا لمتطلبات واهتمامات معينة، مما يجعلها عرضة للتأثيرات السلبية والتوجيهات التي قد تؤثر على النتائج المستخلصة منها. لذلك، يتطلب استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق إشرافًا دائمًا والتأكد من تنفيذه بشكل أخلاقي وموضوعي. عند بدء أي بحث في العلوم الاجتماعية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مساعدًا في اكتشاف أسئلة البحث، ولكن ينبغي عدم التوقع منه أن يكون مبدعًا للغاية، حيث يقوم بذلك بشكل ميكانيكي باستخدام الموارد المتاحة. بالنسبة لمراجعة الأدبيات العلمية، قد يوفر الذكاء الاصطناعي راحة كبيرة للباحث من خلال تلخيص الدراسات المتاحة بسرعة وبفعالية كبيرة. وعلى الرغم من أنه قد لا يكون من السهل طرح السؤال الصحيح دون مساهمة العامل البشري، إلا أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تحديد الأسئلة التي لم تطرح بعد أو لم يتم الإجابة عليها. أثناء تطوير الفرضيات، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهّل جمع ومقارنة جميع الفرضيات الموجودة بسهولة وتقديمها بدعم بشري طبعًا. يُعتبر الذكاء الاصطناعي أكثر فعالية في جمع البيانات، حيث يمكن استخراج معلومات دقيقة من مجموعة بيانات كبيرة جدًا. في الواقع، يُمكن تحقيق وضوح أكبر وتقليل التحيز في اختيار مجتمع البحث العلمي وعينته باستخدام الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، يُمكن للاستطلاعات الوصول إلى جماهير أكبر بكفاءة أكبر دون الحاجة إلى إنفاق الكثير من الوقت والموارد. وبفضل التكلفة المنخفضة للوصول إلى البيانات أو المحاورين، يُمكن تقليل الأخطاء التي قد تنشأ عن اختيار العينة، حيث يتيح الجمع من الكون البحثي بأكمله دون الحاجة إلى اتخاذ عينات. تكمن الفائدة الكبيرة للذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وتوقع المستقبل. في حالة كانت البيانات الكبيرة، يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشاف أنماط لا يمكن رؤيتها بوضوح بالطرق التقليدية. على سبيل المثال، يمكن تحديد هوية الناخبين المترددين في الانتخابات وتنفيذ حملات إعلانية خاصة بهم. يعزز الذكاء الاصطناعي عملية ترسيخ الديمقراطية من خلال إمكانية البحث في مجالات واسعة بتكلفة منخفضة للغاية. ومع ذلك، يجب أن يتم استخدام هذه التكنولوجيا بعناية لتجنب أي تأثير سلبي قد يؤثر على سير العملية الديمقراطية. على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي قد لا يحل محل الباحثين البشريين في مجال العلوم الاجتماعية، إلا أنه قد يتسبب في فقدان العديد من وظائف جمع البيانات. مرة أخرى، لا يستطيع الذكاء الاصطناعي (في الوقت الحالي) إجراء مقابلات شخصية مع الأفراد، الذين يحملون أهمية فريدة، وتحليل هذه المقابلات. ومع ذلك، سيكون له أثر إيجابي في إعداد التقارير وتقديم نتائج الأبحاث بطريقة فعّالة. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مفيدًا للغاية في فهم وتصوير الظواهر الاجتماعية من خلال تحليل وتصوير البيانات الكبيرة. ومع ذلك، قد تنشأ قضايا أخلاقية حول خصوصية البيانات والتحيز في كتابة الخوارزميات. ومن الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على حياتنا في المدى المتوسط والطويل.
2868
| 28 فبراير 2024
سيزائي قاراقوج يُعتبر شخصية رئيسية تمثل الجيل الثاني من التفكير الإسلامي في تركيا. وعلى عكس نجيب فاضل، الذي نشأ في اسطنبول وتلقى تعليمه في الغرب، وُلد قاراقوج في شرق تركيا وحصل على تعليمه داخل البلاد. هذا سمح له بتفسير ما حوله من منظور داخلي، حيث دافع بقوة عن الحفاظ وإحياء التراث العثماني والإسلامي. سعى سيزائي قاراقوج لإحياء الحضارة الإسلامية على غرار الفلاسفة الصوفيين التقليديين مثل الغزالي، الرومي، ويونس إمره، وأيضا سعى إلى توسيع وتعزيز الرؤية التي وضعها نجيب فاضل. استقصى قاراقوج أسئلة عميقة طرحها أسلافه، بهدف إعادة الحياة إلى الأمة الإسلامية. وساهمت أعماله في الحوار المستمر حول إحياء القيم الإسلامية، مستندة إلى فهمه العميق للسياق الثقافي والتاريخي لتركيا. ولد سيزائي قاراقوج في عام 1933 في ديار بكر، لعائلة من الطبقة المتوسطة. رغم أوضاع عائلته المحدودة، استمر في مسيرته الأكاديمية بعزيمة. حصل على تعليمه الثانوي من خلال منحة حكومية وتابع دراسته في كلية العلوم السياسية في جامعة أنقرة. خدم سيزائي قاراقوج كموظف ضرائب في وزارة المالية في الفترة بين عامي 1956 و1965، حيث تنقل بين العديد من المدن التركية كجزء من واجباته الوظيفية. ومع ذلك، قرر أن يتخلى عن هذا المنصب الحكومي ليكرس نفسه بشكل كامل للكتابة وتحقيق الاستقلال الفكري. في هذا السياق، سار على خطى سلفه نجيب فاضل، متبنيًا مسار النشاط الفكري والأدبي. في عصر الكساد الكبير، شهدت طفولة سيزائي قاراقوج تحديات عميقة واجهت الشعب التركي، حيث ارتسمت بوضوح الصعوبات الاقتصادية وتنفيذ سياسات التغريب والعلمنة الراديكالية خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات. بصفته مراقبًا حادًا لمحيطه، وثّق قاراقوج بعناية فائقة تطورات عصره. قام بتدوين ذكرياته بعناية فائقة، مستعرضًا تفاصيل المرحلة الأولى من حياته، لكنه، للأسف، تركها غير مكتملة. تناولت مقالاته مجموعة متنوعة من القضايا ذات الأهمية السياسية والاجتماعية عبر فترات مختلفة، حيث قام بتوثيق مرحلة انتقال تركيا من حكم حزب واحد إلى دولة ديمقراطية. ضمت تحاليله تطورات سياسية داخلية وشؤون دولية. يُلاحظ أنه وصف غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 بأنه «اندلاع صامت للحرب العالمية الثالثة“. سيزائي قاراقوج معروف بشعره ذي الأسلوب الحر، حيث كتب عشرة مجلدات من القصائد التي تتناول الفضائل والحب والمدن. نُشرت قصيدته الأولى في مجلة «حصار» في عام 1951. وقد تنوعت مشاركاته في العديد من المجلات المختلفة، وتولى تحرير مجلة «شعر سناتي (فن الشعر)» في عام 1955 وأصبح واحدًا من أبرز الشعراء في جيله بفضل تخيّلاته الفريدة والمحتوى الصوفي والإسلامي الذي يتضمنه شعره. انتشرت قصيدته بعنوان «مونا روزا» (الوردة الوحيدة) على نطاق واسع وبشكل كبير، ورغم ذلك، لم يدّعِي الشاعر الفخر الذاتي والاعتزاز بهذه القصيدة. ومن بين أعماله المؤثرة، أصبحت قصيدته حول فلسطين بعنوان «يا يهودي» مشهورة، إذ كتبها كرد على حرق يهودي متعصب للمسجد الأقصى في عام 1969، مُكرّرًا فيها التعبير 24 مرة. «أخيرًا، حرقتَ مسجد الأقصى، يا يهودي، تمامًا كما حرقتَ روح الإنسانية لقرون...“. مشابهًا لنجيب فاضل، كتب قاراقوج في مجموعة متنوعة من الأدب، بما في ذلك كتابان للقصص، وثلاثة كتب مقالية، ومسرحيتان، ووثائقي واحد، وثلاثة كتب بحثية. والأهم من ذلك كان سعيه في إحياء الحضارة الإسلامية (أو النهضة) من خلال الإصلاح، حيث كتب 13 كتابًا فكريًا: «إحياء الروح»، «لقاح اليوم الأخير»، «الزمن والإلهام 1-4»، «إحياء الإنسانية»، «عقيدة جيل النهضة»، «الجنة المفقودة»، «إحياء الإسلام»، «تغيير الموسم»، «آمال النهضة»، «الإسلام»، «الهيكل الاقتصادي للمجتمع الإسلامي»، «أفكار 1-2». أسهم قاراقوج بشكل كبير في توجيه المجتمع التركي وفقًا للحضارة الإسلامية. بالنسبة له، يجب أن تبدأ النهضة من الداخل من خلال الإصلاح وبناء مجتمع أخلاقي وسياسي. كانت نظريته وأعماله مجسدة حول فكرة النهضة في إطار المجلة الفكرية «الدعوة». بدأت تُنشر بشكل دوري (غالبًا شهريًا وأحيانًا أسبوعيًا ومرتين في الأسبوع) مع بعض الانقطاعات بسبب الصعوبات الاقتصادية. كانت رؤيته مركزة على النهضة الحضارية وحول إرث الدولة العثمانية. شملت المجلة العديد من القضايا من الأخلاق الإسلامية إلى القضايا الاجتماعية والسياسية والعالم الإسلامي. كما شملت أيضًا أشكالًا متنوعة من الفنون مثل السينما وترجمات لأفكار فكرية غربية وإسلامية. أصبحت المجلة منبرًا حيويًا لظهور كتّاب إسلاميين بارزين مثل راسم أزدنورين، وجاهد ظريف اوغلو، ونوري باكديل، وأردم بايازيت، وإسميت أوزيل في تركيا الحديثة. كمحطة هامة في التفكير الإسلامي في تركيا، بل قام سيزائي كاراكوج بتأسيس حزب سياسي حتى في أوائل التسعينيات تحت اسم «الدعوة». ومع ذلك، على الرغم من أهميتها الفكرية، لم يتحول رأس المال الفكري إلى قوة سياسية وانحل بشكل تلقائي. مع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم، حصل سيزائي قاراقوج على العديد من الجوائز القيمة تقديرًا لإسهاماته الفنية والفكرية. ومن الجدير بالذكر أنه، وفقًا لنمط حياته المتواضع، اختار عدم استلام هذه الجوائز شخصيًا. يحظى قاراقوج باحترام كبير نظرًا لرفضه الثابت للسعي إلى مناصب رسمية أو طلب الدعم من الدولة. حيث تتجلى تلك المواقف في تأثيره العميق على الساحتين الأدبية والسياسية في تركيا.
1566
| 21 فبراير 2024
يعتبر نجيب فاضل، الشاعر والمفكر البارز، ذا أهمية كبيرة لفهم تجربة حزب العدالة والتنمية الحالية، والأساس الفكري والاجتماعي الممتد من الفترة العثمانية إلى الجمهورية والذي ساهم في جلبهم إلى السلطة. نجيب فاضل، الذي لا يعتبر معروفًا كثيرًا في العالم العربي، يُعد شخصية فكرية مهمة في تركيا خلال القرن العشرين. ولد نجيب فاضل عام 1904 في عائلة عثمانية من عائلات النخبة التقليدية، وتعود أصول عائلة قيصاكورك إلى أبناء ذو القادر الذين استقروا في مرعش بعد السلاجقة. تلقى الطفل نجيب فاضل تعليمه الأول على يد جده، ثم حصل على تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس الأجنبية التي كانت رائجة في تلك الأيام. خلال سنوات دراسته للفلسفة في جامعة السوربون الفرنسية، ترك نفسه ينغمس في عوالم الترفيه والجموح وعاد إلى تركيا تحت تأثير الثقافة الغربية. وعندما عاد نجيب فاضل إلى تركيا، انخرط في حياته المهنية كموظف حكومي في عدة بنوك. خلال هذه الفترة، استكشف الأوساط الأدبية من خلال اهتمامه بالشعر والمسرح. قدّم نجيب فاضل قصيدة شهيرة له في سن مبكرة جدًا بعنوان «الأرصفة» في عام 1923، وبسرعة دخل عالم الأدب في إسطنبول. نجيب فاضل، الذي يولي أيضًا أهمية لمجالات الفن الأخرى، كتب أيضًا أعمالًا نثرية ومسرحية، منها مسرحيته «توهوم» أو «البذرة» التي نشرت في عام 1935 وأخرجها المخرج الشهير محسن أرطغرول. كما تم عرض مسرحيته الشهيرة الأخرى، «خلق رجل»، في العديد من المسارح. نجيب فاضل، الذي أصبح لاحقًا معروفًا كمعلم، شغل منصب مدرس في المدارس الفرنسية والأمريكية في إسطنبول، حيث قدم دروسًا في مجال الفلسفة في أكاديمية إسطنبول للفنون الجميلة. في سن الخامسة والثلاثين، التقى بشيخ الطريقة النقشبندية عبد الحكيم الأرواسي وأظهر اهتمامًا متزايدًا بالصوفية والتدين. خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، شهدت تركيا ضغوطًا ناتجة عن حكم الحزب الواحد على المعارضة والطوائف الدينية. اضطر نجيب إلى ترك الخدمة المدنية عندما اتجه نحو الطريق الصوفي وبدأ في تجربة روحانية أكثر مثالية ومعارضة للنظام الحاكم. وعلى عكس الصحفيين في تلك الفترة الذين زعموا أن الحرب العالمية الثانية لن تندلع، كان نجيب فاضل ينتمي إلى معسكر معاكس، حيث كان يعتبر أن الحرب كانت وشيكة. أصدر مجلة «بويوك دوغو»، أي الشرق الكبير، وهي أعظم إرث له بعد الحرب، في عام 1943. استمر اصدار «الشرق الكبير» بطابعها السياسي والفكري والأدبي، بأبعاد مختلفة، أغلبها أسبوعية (وأحيانًا يومية أو شهرية)، حتى عام 1978، وأصبحت رمزًا لنضال تركيا من أجل هوية مستقلة وإسلامية. يفهم من الرسائل التي كتبها نجيب فاضل إلى رئيس الوزراء مندريس في الخمسينيات أنه تعرض لضغوط كبيرة في الفترة السابقة وطلب الدعم في مواجهة الصعوبات المالية والسياسية التي قد يواجهها في الفترة الجديدة. هو كان يرى ضرورة الانتصار الفكري على مشروع الغرب الممثل بالمالية مثل اليوم. تم سجن نجيب فاضل بسبب بعض كتاباته، حيث استمر في الإنتاج الأدبي والفكري في ظل المشهد السياسي التركي المتقلب بين الديمقراطية والانقلابات. واحدة من القضايا التي أدت إلى سجنه كانت دفاعه عن أن السلطان عبد الحميد لم يكن سلطانًا سيئًا. خلد تجربته في السجن من خلال قصيدته «رسالة من الزنزانة إلى محمد» كُتِبت هذه القصيدة إلى محمد، الذي كان يُعْتَبَر ابنه الحقيقي ويرمز إلى شباب تركيا. في هذه القصيدة، وصف النظام القمعي بأنه وجه «عابس»، ولكنه لم يتخل عن أمله ومثالياته حتى وهو في السجن، قائلاً: «لا تظنوا أن هذه العجلة ستبقى على المطبات بشكل دائم“ أسس نجيب فاضل جمعية الشرق الكبير عام 1950، على غرار حزب سياسي وقام بإلقاء مؤتمرات في الأناضول. كانت فترة حكم الحزب الديمقراطي في تركيا خلال الخمسينيات فترة حيوية وإنتاجية في المجال الفكري والأدبي. شهدت هذه الفترة نشاطًا ملحوظًا في كتابة الشعر، والمسرح، والنصوص، والقصص، والروايات، والمذكرات، والأعمال الدينية والصوفية، والدراسات السياسية والتاريخية. وكما كان متوقعًا، قدمت عملية الحرية الديمقراطية في فترة مندريس فترةً مثمرةً من حيث الإنتاج الفكري والأدبي لنجيب فاضل. نجيب فاضل، بلا شك، يُعد أحد أقوى الشعراء في تاريخ تركيا الحديثة، وفي الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لميلاده، منحته مؤسسة الأدب التركي لقب «سلطان الشعراء»، أي أعظم شاعر تركي على قيد الحياة. على الرغم من أن شعره يحمل طابعًا عثمانيًا، إلا أنه يعتبر من بين أقوى الشعراء الذين يفضلون الوزن المقطعي الأكثر مرونة بدلاً من وزن العروض الذي كان سائدًا في العصر العثماني. قام بتجميع قصائده في ديوانه ”الشقاء“. في قصائده، يتناول نجيب فاضل بشكل متكرر موضوع المشاعر مثل الخوف، إلا أنه في الوقت نفسه يعبر عن تقديره للحرية الروحية ويوجه انتقادات حادة للتمسك بالمادية والانهيار الأخلاقي. نجيب فاضل كان دائماً في حوار مستمر مع الطبيعة والمكان من حوله، مثل الكائنات الحية: الأرصفة، البحر، الأشجار، المنازل، الطرق، الجدران... ومع ذلك، لم يرَ الإنسان كباقي الكائنات، بل كان يعرِّف الإنسان بأنه «ذو وعي فائق» و»ممثل للوديعة الإلهية»، وهو ما يضعه في مكان خاص، يقول: «توقفوا أيها الحشود»، مُذكِّرًا إياه بمسؤولياته. وبشكل خاص، يظهر موضوع مسؤولية المفكر المضطربة بوضوح في قصائده. في قصيدتي «المحاسبة» و»دستان» أي الملحمة، يستخدم لغة السخرية للتعبير عن استيائه من محاولات التلاعب باللغة التركية، حيث يقول: «هناك أمر للعندليب: تعلم اللغة من الوقواق“. نجيب فاضل كتب العديد من القصص بجانب قصائده ومسرحياته المعروفة. جمع في كتابه «قصصي» 52 قصة من إبداعه، ورغم أن رواياته مثل «الكذبة في المرآة» و»ورقة الرأس» لم تحظ بنفس الاهتمام كباقي قصائده ومسرحياته، إلا أنها أظهرت تنوعًا في إبداعه. في كتابه «نسج الأيديولوجية»، كشف فاضل عن وجهة نظره حول القضايا الثقافية، الاجتماعية والسياسية. حتى أنه كان يقوم أحيانًا بنقل المعلومات الدينية من خلال التنكر في شخصيات علماء الدين، محاولًا ملء الفراغ الذي خلفه حظر التعليم الديني في تركيا. بعض أمثلة أعماله في هذا السياق هي «الإيمان والعمل» (1964)، «حضرة علي» (1964)، «الدائرة النبوية» (1968)، «النور النازل إلى الصحراء» (1969)، «أطلس الإيمان والإسلام» (1981)، و»الفكر الغربي والصوفية الإسلامية» (1982).
1938
| 14 فبراير 2024
المشروع الذي أعلنته إدارة ترامب عام 2020، والذي زعم إيجاد حل لما يسمى بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كان مشروعًا لإعادة تصميم الشرق الأوسط حول إسرائيل. اجتمع ممثلون عرب وإسرائيليون في مؤتمر "السلام من أجل الازدهار" الذي عقد في البحرين عام 2019 وحاولوا تقديم المبررات الاقتصادية لهذا الاتفاق. وقد أثارت الاتفاقية، التي أُعلن عنها لاحقاً أمام الرأي العام العالمي باسم "صفقة القرن"، ضجة كبيرة. وبينما كانت هناك انتقادات ضد ترامب داخل الولايات المتحدة وخارجها، واصل ترامب سياسته دون الاهتمام بأي أحد. وتم تسريع صفقة القرن لاحقًا في المملكة العربية السعودية، حيث أصبح محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد بصفته ولي العهد وتعاونه مع إدارة ترامب. واستمرت اتفاقيات أبراهام في 2020، مع تطبيع الإمارات والبحرين والمغرب مع إسرائيل (2021). وفي الشق الاقتصادي من الاتفاقية، وعدت باستثمارات ومساعدات بقيمة 50 مليار دولار في غضون 10 سنوات. بمعنى أنه كانت تعرض رشاوى اقتصادية للفلسطينيين والدول المعنية التي قبلت الاتفاق. وعلى الجانب السياسي، أعطى السيطرة الكاملة لإسرائيل ووعد الفلسطينيين بدولة كانت موجودة على الورق فقط: بمعنى العودة من الدولتين إلى صفر دولة. في إطار صفقة القرن، أعطت إدارة دونالد ترامب إسرائيل ورئيس وزرائها المتطرف بنيامين نتنياهو كل ما يريدانه: اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بمرتفعات الجولان وغور الأردن كأراض إسرائيلية، وإضفاء الشرعية على الأنشطة الاستيطانية واسعة النطاق، والوعد بنزع سلاح الدولة الفلسطينية وإغلاق طريق العودة للاجئين الفلسطينيين. وحتى الإدارة الأردنية، صاحبة السلطة المعنوية على الأماكن المقدسة الفلسطينية، والسلطة الفلسطينية القائمة اسمياً (محمود عباس)، اعترضتا على هذا المشروع. وقد تم إضفاء الشرعية على المشروع على أساس مسألتين رئيسيتين لإقناع الحكومات العربية والرأي العام العربي: الخوف من إيران والخوف من الإسلام السياسي. توصلت إدارة أوباما إلى اتفاق مع إيران في سوريا واليمن وأبرمت الاتفاق النووي. وعلى الرغم من غضب الدول العربية وتركيا وإسرائيل بشدة من هذا الوضع، إلا أنهم لم يستطيعوا فعل الكثير. وعندما جاء ترامب، كانت دول الخليج وإسرائيل سعيدة للغاية على غرار تركيا. استخدم ترامب رد الفعل هذا لحشد الدعم من الجانبين العربي والإسرائيلي لصفقة القرن، لكنه بشكل عام لم يفعل إلا ما أرادته إسرائيل. ولإظهار معارضته المناهضة لإيران، اغتال ترامب قاسم سليماني، ممثل القوة الصلبة لإيران في الشرق الأوسط (2020). لكنها، وعلى الرغم من الدعم الذي تلقته من الدول العربية والرأي العام العربي، لم تتمكن من إقناع إيران بالتخلي عن سياساتها القاسية والحازمة. وفي الواقع، اختبر وكلاء إيران في المنطقة رد فعل ترامب من خلال مهاجمة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ولم يرد ترامب بجدية على هذه الهجمات. وقد شككت هذه التطورات في صدق ترامب فيما يتعلق بالأمن العربي وقللت من جاذبية صفقة القرن. إن الضغوط على دول المنطقة التي قد تعترض على السياسات الأمريكية التي تركز على إسرائيل مستمرة منذ عهد أوباما. ويمكن فهم محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016 والحصار على قطر عام 2017 ضمن هذا الإطار. إن مقاومة هذين البلدين للتدخلات والضغوط الخارجية جعلت من الصعب تحقيق تقدم في اتفاقيات القرن. وكما اتبعت المملكة العربية السعودية سياسة أقل ظهوراً بعد مقتل جمال خاشقجي، فإن فشل ترامب في إعادة انتخابه أدى إلى إعادة توجيه هذه العملية. وفي عهد بايدن، لم تعد الولايات المتحدة إلى صفقة القرن إلا بعد أن أصبح نتنياهو رئيساً لوزراء إسرائيل مرة أخرى. كما أن مشروع إسرائيل لتدمير غزة، متذرعة بهجمات 7 أكتوبر، يهدف أيضًا إلى كسر المقاومة الإسلامية في فلسطين، ويتوافق مع أهداف صفقة القرن. إن صفقة القرن، كمشروع للبحث عن حل يتمحور حول إسرائيل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تتخلى عن حل الدولتين ولا تمنح الفلسطينيين الحق في الحياة. كما تهدف شراكة بايدن ونتنياهو إلى مصالحة الدول العربية مع كافة الدول العربية من خلال إنهاء المقاومة في فلسطين. ولإضفاء المزيد من التقبل على هذا الأمر، تم طرح فكرة الممر التجاري الهندي العربي الإسرائيلي. لقد دمر مشروع صفقة القرن، الذي يستمر سرا في الخلفية، إمكانية التوصل إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويحاولون تنفيذ هذا المشروع في غزة باستخدام العنف، لكن مصير المشروع مرهون بمقاومة غزة.
2472
| 06 فبراير 2024
يعد البحر الأحمر ممرًا بحريًا دوليًا مهمًا يمر عبره 10 بالمائة من التجارة العالمية. ويربط في أحد طرفيه البحرين الشرقي والغربي عبر البحر الأبيض المتوسط بقناة السويس، بينما في الطرف الآخر يتصل بالمحيط الهندي عن طريق باب المندب وينفتح على الشرق. رغم أهميته في الماضي، إلا أنه بعد افتتاح قناة السويس، زادت أهميته بشكل أكبر، حيث أصبحت تلك القناة أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة بريطانيا والغرب في السيطرة على البحر الأحمر وتدمير الإمبراطورية العثمانية، كما أشار إليه مصطفى باشا كامل في كتابه تحت عنوان «المسألة الشرقية». لذلك، في الوقت الحالي، تشكل سيطرة أي طرف على هذه المنطقة قضية جيوسياسية مهمة. بالرغم من استمرار النفوذ الغربي في المنطقة بشكل عام، إلا أن روسيا ايضا لديها اهتمامٌ طويل الأمد بالمنطقة، وكذلك يتزايد اهتمام الصين والهند. وبالمقارنة مع منطقة الخليج، البحر الأحمر والمناطق المحيطة به أقل انتشارًا للصحراء وأكثر كثافة سكانية. وتتمتع دول المنطقة بموارد طبيعية كثيرة، وحتى إذا لم تكن لديها موارد، يمكن لتجارة وخدمات اللوجستيات أن تشكل مصدرًا رئيسيًا لتحقيق العيش. حيث يحتل السودان ومصر موقعًا متميزًا بفضل مياه النيل والأراضي الخصبة، مما يمنحهما إمكانيات زراعية هائلة. اذ يعتبر ضمان سلامة الغذاء قضية رئيسية لكل دولة، خاصةً مع تصاعد قضايا الاحتباس الحراري وتفشي وباء كورونا. وبالإضافة إلى قطاعي النفط والغاز، تكمن إمكانيات كبيرة للطاقة المتجددة في المنطقة، وذلك بفضل التوفر الكبير لأشعة الشمس. كما تتيح المنطقة أيضًا لكل دولة فرصًا كبيرة في مجالي الشحن وصيد الأسماك. واليوم يبدو أن البحر الأحمر ومحيطه قد تعرض لدمار كبير عبر الإرهاب والانقلابات والصراعات والحروب الأهلية: الصومال واليمن وإثيوبيا والسودان وفلسطين وربما ليبيا ايضا..فالحرب الأهلية والتدخل الأجنبي في الصومال، المعروف باحتوائه على اليورانيوم والمعادن الثمينة والنفط والغاز الطبيعي بالإضافة إلى الموارد البحرية، مستمر منذ التسعينيات. وعلى الرغم من تحقيق استقرار نسبي بفضل الدعم الدولي الذي قدمته تركيا، إلا أن خطر الإرهاب والانقسام وبالتالي الحرب الأهلية لا يزال مستمرًا. كما أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمارس تأثيرًا كبيرًا على الطرف الشمالي من البحر الأحمر في تلك المنطقة. وجود اليمن على الجانب الآخر من باب المندب يمنحه إمكانيات تجارية وصناعية كبيرة. بالإضافة إلى النفط والغاز، يحتوي على مناجم للموارد الصناعية مثل الذهب والحديد والنحاس والحجر الجيري والجبس، ويتمتع أيضًا بإمكانيات قوية في مجال صيد الأسماك. بينما كان اليمن فقيرًا في الماضي بسبب سوء إدارة علي عبد الله صالح، إلا أنه اليوم يعاني من انقلاب الحوثي والحرب الأهلية. يُلاحظ أيضًا أن الحوثيين يؤثرون على حركة المرور في البحر الأحمر، خاصة فيما يتعلق بحرب غزة. من عجيب المفارقات هنا أن الإعلام الغربي كان يدعم الحوثيين أثناء استمرار الصراع بين الحكومة الشرعية اليمنية والحوثيين في مدينة الحديدة في عام 2021، واليوم تعبر نفس الحكومات الغربية عن قلقها من تصرفات الحوثيين في البحر الأحمر. إثيوبيا، التي تعد دولةً قريبة جغرافياً من منطقة، على الرغم من عدم إطلالها مباشرة على البحر الأحمر، فإنها لا تزال تتأثر بالأحداث في المنطقة وتؤثر فيها. ويشهد الصومال توتراً أثناء محاولته فصل ولاية أرض الصومال عن الصومال. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلاقات مع مصر، وإلى حد ما، مع السودان، متوترة بسبب سد النهضة. أيضا حرب تيغراي في عام 2022 وما قد تفضي إليه من خطر الحرب الأهلية والتوترات مع الجيران، التي يمكن أن تندلع هناك في أي وقت، لا يزال قائما، وإلى الشمال، هناك أيضاً علاقة مترابطة بين الحرب الأهلية السودانية والأزمة الفلسطينية الإسرائيلية. لقد تم التطرق إلى المعنى الجيوسياسي وانعكاسات كلتا الحربين في مقالاتنا السابقة. نتيجة لذلك، يمكن القول إن الحروب والأزمات المندلعة حول البحر الأحمر لم تنشأ بشكل فعلي من قبل شعوب المنطقة بمبادرة خاصة. باستثناء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تظهر هذه الصراعات عدم اعتمادها على انقسامات عميقة عرقية ودينية. حتى في حالتي السودان والصومال، حيث قد تحمل الأزمتان طابعًا عرقيًا، إلا أن هذا التأثير غير قوي، ولا يتسم بالاختلافات الدينية. وعلى الرغم من وجود اختلافات طائفية في اليمن، فإن الشيعة الزيديين والسنة لا يكفر بعضهم بعضًا حيث عاشوا معًا لآلاف السنين. في جميع هذه الأزمات، بما في ذلك حرب غزة، يشهد النزاع تدخلًا من قبل القوى الكبرى والقوى الإقليمية، مما يُضيف إلى تعقيدات الوضع. وبما أن البحر الأحمر يهم العالم أجمع، فإن دولًا مهمة لها تواجد عسكري في المنطقة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا واليابان وتركيا والصين والهند. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية ومصر، كدولتين إقليميتين، تشعران بالقلق إزاء هذه التطورات، إلا أنه لا يُنظر إليهما على أنهما تلعبان دورًا كبيرًا في حل الأزمات. وفي أزمة اليمن، تركت القوى العظمى الحكومة السعودية دون دعم فعّال. ورغم محاولات السعودية في التوسط في أزمة السودان، إلا أنها لم تسفر عن أي نتائج. إذا لم يتم حل هذه الأزمات، قد يتأثر مشروع نيوم الضخم أيضًا. وباعتبارها دولة تجارية وصناعية، تركيا تراقب عن كثب التطورات في المنطقة. ينبغي على تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في التوسط وإيجاد حلول سياسية من أجل الاستقرار الإقليمي، وخاصةً فيما يتعلق بالمجتمعات الإسلامية التي تجد نفسها في صراع. حيث تستفيد هذه الدول من الاستقرار والتنمية، وليس من الفوضى. الفوضى تُعَدُّ عاملاً ضارًا لا يقتصر تأثيره على الدول المتأثرة بها فقط، بل يمتد أيضًا للدول المجاورة.
2319
| 31 يناير 2024
وصل دونالد ترامب إلى السلطة في انتخابات عام 2016 في الولايات المتحدة الأمريكية بخطابه المحافظ والقومي. وفي عام 2020، خسر الانتخابات الرئاسية ولكن حاليًا يستعد من جديد للانتخابات الرئاسية عام 2024، حيث من المؤكد أن ترامب سيصبح مرشحا رسميا بعد انسحاب منافسه البارز داخل الحزب، رون ديسانتيس، من السباق الانتخابي وإعلان دعمه له. في خطابه قبل الانتخابات السابقة، اعتمد ترامب خطابًا معاديًا لإيران، يعارض سياسة إدارة أوباما التي أثارت استياء الدول العربية عبر التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. وبعد فوزه في الانتخابات، قرر الانسحاب من الاتفاق النووي الذي كان ينص على تطبيع العلاقات مع إيران، وبدأ في فرض عقوبات جديدة عليها. في حال عودة دونالد ترامب، يُتوقع أن يتخذ موقفًا أكثر حزمًا تجاه إيران، ولكن هناك شكوكا بأن ذلك قد يؤدي إلى توقف فعّال لنشاطات إيران. لأن مشروع ترامب للتطبيع العربي الإسرائيلي إلى حد كبير يعتمد على الخوف من التهديد الإيراني، مما يشير إلى إمكانية استخدام هذا التهديد كوسيلة لتحقيق التطبيع بشكل كامل. بالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الولايات المتحدة تشعر بقلق كبير إزاء سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط. في الشرق الأوسط، نجد استمرارية في السياسات بين إدارات أوباما وترامب وبايدن، على الرغم من وجود بعض الاختلافات. حافظ ترامب على السياسات الموروثة من إدارة أوباما، خاصة فيما يتعلق بالربيع العربي، حيث لم يؤيد العمليات الديمقراطية. وفي المقابل، على الرغم من التظاهر بدعمه للديمقراطية، إلا أن أوباما ظل صامتًا تجاه الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية في دول الربيع العربي، ووافق على بقاء بشار الأسد في سوريا. حيث صمت أوباما تجاه محاولة الانقلاب العسكري في تركيا يشبه دعم ترامب لعزلة قطر. وعلى الرغم من مواجهة إدارة بايدن لصعوبات مع دول الخليج في البداية بسبب مقتل خاشقجي والانسحاب الأمريكي من أفغانستان، نجحت في إقامة علاقات وثيقة لاحقًا. يظهر الممر التجاري الهندي العربي الإسرائيلي الذي أعلنته إدارة بايدن مؤخرًا تشابهًا مع توجهات ترامب. من بين التأثيرات الرئيسية التي تركتها إدارة ترامب في الشرق الأوسط توجهها نحو تصميم المنطقة حول إسرائيل. ولتحقيق هذا الهدف، انحرفت الولايات المتحدة عن الحل التقليدي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا النهج أتاح لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تحقيق مطالبه، مثل اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل، إلى ضم هضبة الجولان، ودعم الاستيطان. وعند النظر إلى الدعم غير المشروط الذي قدمته إدارة بايدن لإسرائيل خلال حرب غزة، من المتوقع أن يستمر ترامب في تقديم دعم أكبر وتعزيز هذه السياسة. صفقة القرن واتفاقيات إبراهيم المرتبطة بها، تشكل مشروعًا بارزًا فيما يتعلق بإسرائيل، ويتم تنفيذه بواسطة ترامب وصهره كوشنر. يستمر تأثير هذا المشروع بطرق غير مباشرة خلال فترة حكم بايدن. على الرغم من أن انتخاب بايدن قد أدى إلى تأجيل هذه العملية مؤقتًا. يستمر التعاون السري في هذا السياق مع الدول العربية الأخرى، حيث قامت الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في وقت لاحق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتظل هذه الجهود جزءًا أساسيًا من التحولات في المنطقة، بما في ذلك التحولات في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل. ومن المتوقع أن يتسارع مشروع ترامب للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، المعروف باسم صفقة القرن، يعني أن الدولة الفلسطينية ستكون موجودة على الورق ولن تكون قادرة. وكان من المخطط ترحيل الفلسطينيين في غزة إلى سيناء، ومن في الضفة الغربية إلى الأردن. رفض الفلسطينيون والحكومتان الأردنية والمصرية هذا الحل. ويمكن أيضًا اعتبار حرب غزة مرتبطة بمشروع صفقة القرن: نتنياهو وإدارة بايدن من ورائه يهدفان إلى إخلاء غزة. وطبعا يرفض الفلسطينيون الاستسلام، لكن ترامب سيواصل هذه السياسة وإلا أن ستكون نتيجة حرب غزة أكثر حسماً في موقف ترامب إلى ما بعد الانتخابات. ومع وجود بعض الاختلافات البسيطة، يُتوقع أن تستمر سياسة ترامب في الشرق الأوسط خلال ولايته الثانية. على الارجح سيتبع ترامب سياسة التوتر المدروسة مع إيران ووكلائها في المنطقة، ولكن الصراعات لا تصل إلى مرحلة كسر العظام. فإن الأوضاع في العراق ولبنان تظل دون تغيير كبير. قد يكون الاستثناء في هذا السياق هو فلسطين، وبشكل أقل اليمن. في هاتين الجبهتين، يمكن لإيران أن تتجنب الصراع بالقول «ليس لدي أي علاقة مع اليمن وفلسطين». في الولاية الثانية، يمتلك رؤساء الولايات المتحدة مزيدًا من الحرية. ومن الممكن أن نشهد المزيد من المفاجآت من قبل سياسي غير تقليدي مثل ترامب. ومع ذلك، نظرًا لمشاركته في حوار مع النخبة الاقتصادية والسياسية الأمريكية في الآونة الأخيرة، قد يتجه نحو التصرف وفقًا للسياسات التقليدية.
1785
| 24 يناير 2024
شهد السودان أزمة حرب قاسية خلال عام 2023 التي تعتبر من أصعب الامتحانات التي يمر به الشعب السوداني منذ أن نال استقلاله من الاستعمار البريطاني في عام 1956. الحرب في السودان تشبه الحرب على غزة في حجم الدمار. اشعلت الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي قوة عسكرية مستقلة وموازية مع انتشار القتال في جميع أنحاء البلاد سريعا وقتل أكثر من 12 ألف سوداني في الحرب منذ أبريل، بحسب الأمم المتحدة. ونزح 5.4 مليون سوداني قسراً، بما في ذلك 4.1 مليون داخلياً وأكثر من مليون إلى البلدان المجاورة مثل مصر وتشاد. وليست حرب السودان وغزة منفردة كأن هناك مشروع دمار شامل في منطقتنا من سوريا إلى العراق، ومن ليبيا إلى اليمن. وبالرغم من أن أسباب الحرب الظاهرية كانت سياسية بالمقام الأول، لكن مع تطاول أمدها ظهرت جوانب خفية عن المتابعين للشأن السوداني، حيث أبانت هذه الحرب عمق الخلافات المناطقية والقبائلية والاجتماعية وتباين القناعات السياسية بين المكونات السودانية. الدمار أيضا مرتبط بالأزمات القديمة والجديدة حول البحر الأحمر من الصومال إلى اليمن ومن السودان إلى فلسطين. وأظهرت البيانات الصادرة عن المؤسسات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية مستوى التجاوزات التي ارتكبت والمعاناة التي يواجهها المواطن السوداني، الذي كان ضحية تجاذب أطراف سياسية وصراع قوى مسلحة وأطماع قيادات عسكرية لم تكترث بالتداعيات التي قد تترتب على إشعال هذه الحرب. وثقت البيانات الرسمية المجازر التي ارتكبتها عناصر قوات الدعم السريع في المدن التي سيطرت عليها في دارفور والخرطوم والجزيرة. ولكن تجاوب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لم يكن بالمستوى المطلوب وليس بقدر آمال وتطلعات الشعب السوداني الذي ترك وحده يواجه القتل والتشريد والاغتصاب بصورة منظمة. إن المجتمع الدولي والإقليمي تحرك في بداية الامر بصورة خجولة لإيقاف الحرب في السودان، إذ أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية منبر جدة لجمع ممثلي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لإيجاد مسارات لتخفيف معاناة المواطن السوداني. ولكن لم تحقق الجهود السعودية الامريكية أي مخرج توافقي للأزمة وذلك لعدم توفر الإرادة والأدوات الكافية لإلزام الأطراف المتقاتلة بالإيفاء بالوعود التي قطعتها ووقعت عليها. ترجع أسباب فشل المبادرات الى تعددها وتباين أجندتها وعدم ترتيب أولوياتها. حيث تبنت جمهورية مصر العربية رؤية لجمع رأي مشترك لدول جوار السودان وخصوصا أنها تحمل نفس التخوفات والمهددات، ولكن بعكس التوقعات والتصورات خفت صوت هذه المبادرة. وربما يرجع ذلك الى التعارض الحاصل داخل الدولة المصرية بسبب عدم استشراف النتائج المرجوة من تبني هكذا مبادرة. وبلاشك كان لحالة عدم الاجماع القائمة داخل البيت الافريقي السبب الرئيسي في تراجع دور الاتحاد الافريقي ومنظمة الايغاد الإقليمية في التعامل الفعال مع الازمة السودانية. فضلاً عن تدخل دول إقليمية في تأطير الجهود الافريقية لصالح تشكيل مخرجات الحلول لمصالحها الخاصة، وهذه بالنتيجة لعبت دوراً أساسياً في فشل تطبيق شعار الحلول الافريقية للمشاكل الافريقية. كما تسبب موقف الحكومة السودانية الرافض لمقاربات مبادرة منظمة ايغاد في إجهاض جهود إيقاف الحرب. ايضاً من الأمور المثيرة للاستغراب أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية لم تتفاعل مع احتياجات المواطن السوداني التي تولدت بسبب اندلاع الحرب. إذ لم تقم أي جهة بإغاثة السودانيين بالرغم من التقارير الأممية التي أثبتت أن السودان شهد أكبر أزمة نزوح خلال عام 2023. إن حالة التحشيد والتجييش والتسليح المضاد بين الأطراف المتقاتلة وإقحام المكونات المحلية في الحرب الدائرة تجعل أمر استشراف مستقبل مجريات الازمة السودانية بالغ التعقيد. ولكن الثابت أن الدولة السودانية ستتعرض الى انتكاسة كبيرة قد تؤدي الى تقسيمها الى أقاليم متناحرة ومتقاتلة على أسس جهوية وقبلية ومناطقية. وبالتأكيد إن تعامي المجتمع الدولي والإقليمي عن الازمة السودانية وتقاعسه عن إيقاف حمام الدم في السودان سيترتب عليه مخاطر أمنية على مستوى منطقة القرن الافريقي وإقليم البحر الأحمر وخصوصاً ان المنطقة على شفا حرب إقليمية شاملة بسبب التراشق الصاروخي بين أنصار الله والاساطيل الأمريكية على مياه البحر الاحمر. وبالرغم من أن الأزمة الإنسانية في غزة شغلت الرأي العام العالمي والإقليمي خلال عام 2023 ومازالت جارية، الا انه منذ منتصف أبريل من العام نفسه شهد السودان مجازر وانتهاكات لا تقل خطورة ومأساة على يد مليشيات عابرة للحدود، تقتل الإنسان السوداني على أساس الهوية والقبيلة واللون السياسي، والمجتمع الدولي الإقليمي لا يأبه بأداء مهامه الطبيعية تجاه الشعب السوداني الأعزل. آن للعالم أن يدرك حجم المعاناة وتقديم يد العون بكل أنواعه للشعوب والبلدان التي تقع ضحايا الحروب والفتن السياسية قبل أن تصل إلى ديارهم.
1569
| 17 يناير 2024
تحظى الانتخابات التركية باهتمام عالمي جدي بسبب الوضع المميز الذي تحظى به تركيا في الشؤون الإقليمية والعالمية. لقد كانت الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي مثالاً جيدًا على هذا الاهتمام عندما فاز أردوغان وحلفاؤه بالرئاسة والبرلمان، وكانت النتيجة رمزياً وعملياً تعني الموافقة على النموذج التركي للديمقراطية والتنمية الذي ظهر خلال العقدين الماضيين. الآن وبعد الإعلان الرسمي لحزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري (المعارض الرئيسي) عن مرشحيهما، ستُجري تركيا هذا العام انتخابات محلية وهي بمثابة اختبار آخر لمستقبل البلاد ولكن بدرجة أقل. وبعد الإعلان عن الترشيح الرسمي لحزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، بدأ السباق عملياً. ومن سيفوز في الانتخابات البلدية في إسطنبول سيكون له أهمية خاصة باعتبارها مدينة حضرية يبلغ عدد سكانها حوالي 16 مليون نسمة وكعاصمة اقتصادية وثقافية، تتمتع إسطنبول بثقل كبير في الاقتصاد والسياسة التركية. وعلى عكس طبيعة أنقرة البيروقراطية وتوجه إزمير العلماني، تمثل إسطنبول متوسط المجتمع التركي بسكانها من جميع أنحاء البلاد. وبهذا المعنى، فإن إسطنبول هي الممثل الحقيقي لتركيا. تصوت مقاطعة إزمير تقليديًا لصالح حزب الشعب الجمهوري وكذلك لأنقرة باعتبارها العاصمة التي تمثل الجمهورية الحديثة. لقد فاز مرشحو حزب الشعب الجمهوري في أنقرة وإسطنبول في الانتخابات المحلية لعام 2019 من خلال جمع ائتلاف واسع من الأجنحة اليسارية واليمينية. وكان شعارهم «الفوز في اسطنبول من أجل الفوز في تركيا». لكن المعارضة لم تتمكن من إنهاء العملية بخسارة قريبة من الفوز في انتخابات العام الماضي. مرة أخرى، تعتبر انتخابات إسطنبول مهمة هذا العام، ولكنها ليست بنفس القدر من الأهمية التي كانت تتمتع بها الانتخابات السابقة. سيكون سباقاً متقارباً، مما يجعل هذا السباق صعباً وشرساً. تختلف ديناميكيات الانتخابات العامة والمحلية في تركيا، لأنها قد تساعد أو تضر كلا الجانبين. بنى إمام أوغلو علاقات وطنية ودولية جادة وقوة في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية. ثانياً: تؤثر الصعوبات الاقتصادية الأخيرة على إسطنبول والمدن الكبرى الأخرى على نطاق أوسع. بعد تغيير القيادة في المعارضة، فقد قام حزب الشعب الجمهوري بتحسين مكانة إمام أوغلو كلاعب سياسي وطني، وعليه سيكون لديه دافع كبير للفوز بإسطنبول مرة أخرى وتوجيه حكم البلاد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. المرشح الجديد الذي أعلنه حزب العدالة والتنمية هو السيد مراد كوروم، وزير البيئة والعمران والتغير المناخي السابق. وكان قد تم انتخابه نائباً عن إسطنبول ورئيساً للجنة البيئة في البرلمان التركي. وكان ينسق بنشاط الجهود الحكومية لعلاج آثار الزلزال في المنطقة الجنوبية. سيكون لديه ميزة الشباب والإنجازات المبكرة. ولأن شخصية المرشح لها أهمية أكبر في الانتخابات المحلية، فقد يرغب في تركيز سياساته على جوانب البلدية. ومن المرجح أن يؤدي جعل إسطنبول بمثابة استفتاء ضد حكم حزب العدالة والتنمية إلى توحيد المعارضة وهذا ما سيساعد إمام أوغلو. سيواجه إمام أوغلو أيضًا ثلاث عقبات رئيسية أمامه. أولاً: أن المعارضة ليست لديها نفس الوحدة التي تضررت بسبب السجالات والفشل في الانتخابات العامة. ثانياً: ضعفت أيضاً دوافع المعارضة للفوز في هذه الانتخابات. ثالثاً: لم يكن تغيير القيادة في حزب الشعب الجمهوري يحبذ النهج الإيجابي لدى الجمهور. ولم يعلن ثاني أكبر حزب الجيد معارض عن مرشحيه بعد. وإذا دخلوا بمرشح منفصل، فسيكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة لفرص إمام أوغلو في الفوز. وسيحتاج إمام أوغلو أيضًا إلى دعم الحزب الديمقراطي المتحالف مع حزب العمال الكردستاني، لكن إذا دعموه علنًا، فإن ذلك سيزعج القاعدة الانتخابية القومية لحزب الجيد. العيب الأخير لإمام أوغلو هو أداؤه الضعيف في الأنشطة البلدية من النقل إلى الخدمات الاجتماعية. لذلك لن يستمتع إمام أوغلو بكونه جديدًا ومعارضًا حيث سيتم فحص سجله على الطاولة. ومن المحتمل أن يحاول نقل الانتخابات إلى المستوى الوطني من خلال محاولة تصويرها على أنها استفتاء ضد أردوغان. سيكون الاقتصاد في صف إمام أوغلو لكن الاستقرار الاقتصادي النسبي في الأشهر الأخيرة قد يحد من التأثير السلبي للاقتصاد. في النهاية، ستكون انتخابات إسطنبول شديدة التنافس بين الجانبين. وستكون النتيجة كبيرة إذا خسر مرشح حزب العدالة والتنمية خسارة فادحة أو إذا استعاد مكاسبه في اسطنبول. على أية حال، ستكون هذه الانتخابات الصعبة بمثابة استفتاء لإمام أوغلو وحلفائه الدوليين أكثر من أردوغان هذه المرة.
777
| 10 يناير 2024
لم يكن عام 2023 مشرقًا أبدا بالنسبة للعالم الذي واجه التأثيرات المستمرة للحرب الروسية الأوكرانية، وانتهى بالعدوان الإسرائيلي على غزة. فقد شعر العالم كله بالأثر في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة منذ عام 2022، ثم بعد ذلك حطمت الحرب على غزة الإيمان بالسلام العالمي والعدالة وسيادة القانون. كان عام 2023 أيضًا عامًا حاسمًا بالنسبة لتركيا مع التأثير السلبي للحرب الأوكرانية والانتخابات الرئاسية وزلزال كبير، وانتهى العام بالاضطرابات الإقليمية الناجمة عن حرب غزة. في السادس من فبراير تعرضت مدينة كهرمان مرعش التركية والمناطق المحيطة بها لزلزالين قويين (بقوة 7.7 و7.6 درجة على مقياس ريختر)، مما أدى إلى تدمير 11 محافظة بالإضافة إلى مدن الشمال السوري. وقد أطلق عليها «كارثة القرن» حيث فقد 50 ألفًا و 783 شخصًا أرواحهم في المنطقة وعانى منها ما يقرب من 15 مليون شخص. على اثر الزلزال، أعلنت تركيا حالة تأهب من المستوى الرابع، بما في ذلك المساعدات الدولية، وأرسلت ما يقرب من 70 دولة فرق بحث وإنقاذ إلى المنطقة ونقلت المساعدات إلى ضحايا الزلزال. وتسبب الزلزال في تضامن كبير داخل البلاد وخارجها حيث اعلنت كافة مؤسسات الدولة والمنظمات التطوعية حالة الاستنفار. أرسلت الدول العربية والإسلامية كميات ضخمة من المساعدات المالية والعينية. شاركت الحكومات والشعوب في كافة أنحاء العالم في حملات الإغاثة لمساعدة الضحايا في تركيا وسوريا. كما كانت المساعدات القطرية من أكرم المساعدات حيث تم تقديم المساعدات ومساكن الإيواء، كما قدمت المساعدة في نقل المساعدات القادمة من مختلف أنحاء العالم عبر طائرات الشحن. وأثار الوضع الكارثي بعض المخاوف بشأن جدوى إجراء انتخابات عامة في تركيا. وعلى عكس التوقعات، قررت إدارة أردوغان والمجلس الأعلى للانتخابات إجراء الانتخابات في موعدها (14 مايو). وكانت المعارضة المتمثلة في الطاولة السداسية متفائلة للغاية بهزيمة أردوغان في مواجهة الوضع الاقتصادي القاسي الذي تعيشه البلاد بسبب الحرب الأوكرانية والزلزال. ومن ناحية أخرى، فقد حدثت تطورات مثيرة للاهتمام مثل خروج ميرال أكشنار من الطاولة السداسية ومن ثم عودتها لاحقًا. كما انسحب مرشح المعارضة محرم إينجه من السباق بسبب فيديو جنسي مزعوم وإلقاء اللوم على المعارضة بدلا من الحكومة. واختتم السباق في الجولة الثانية (28 أيار/مايو) بفوز ائتلاف الشعب بزعامة أردوغان. وكانت النتيجة بمثابة اختبار لمنظور القرن الجديد بين التوجه الغربي التقليدي لحزب الشعب الجمهوري المعارض والرؤية متعددة الأبعاد لأردوغان وائتلافه. وشهدت العملية الانتخابية والفشل النهائي للمعارضة بعض الخلافات في جدول الطاولة السداسية الذي تم تحطيمه لاحقًا عندما ألقت رئيس حزب الخير ميرال أكشينار باللوم على زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو لتصرفه بأنانية في فرض نفسه كمرشح. وبالمثل، خسر كمال كليجدار أوغلو المنصب القيادي في مؤتمر حزبه لصالح أوزغور أوزيل الذي يدعمه رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو (5 نوفمبر 2023). ومن المرجح أن تدخل المعارضة الانتخابات البلدية القادمة بشكل منفصل، وهو ما سيعزز حظوظ مرشحي أردوغان في الفوز بإسطنبول وأنقرة ومدن أخرى. شهدت أيضا تركيا بعض التطورات المحورية في مجالات التكنولوجيا والطاقة في عام 2023. فقد أعلن الرئيس أردوغان عن الوصول للغاز الطبيعي بما يقدر بـ 710 مليارات متر مكعب في البحر الأسود، ووعد بتوصيل 25 مترًا مكعبًا للمواطنين مجانًا. وعند اكتماله، فإنه سيلبي ربع احتياجات تركيا من الطاقة. يهدف استثمار حزب العدالة والتنمية في كل من الطاقة المتجددة والنووية إلى تقليل الاعتماد على الطاقة الأجنبية. كما تم اصدار السيارة الوطنية المسماة TOGG للمساعدة في التوظيف والعجز التجاري حيث تستورد تركيا كمية كبيرة من السيارات بينما تنتج أيضًا بعض العلامات التجارية العالمية داخليا. وبطبيعة الحال، فإن نجاح «بيرقدار» والتكنولوجيا العسكرية الأخرى جذب الانتباه في العام الماضي. وربما ساعدت هذه الإنجازات أردوغان في الانتخابات النيابية والرئاسية. كما ستكون الانتخابات المحلية هذا العام حدثا مهما في العالم الجديد، ولكنها ليست بنفس أهمية انتخابات العام الماضي. ستظل السياسات المحلية والدولية لتركيا مثيرة للاهتمام للمراقبين الدوليين.
1236
| 03 يناير 2024
الشرق الأوسط هو المنطقة التي تلتقي فيها ثلاث قارات وسبعة بحار، ليست منطقة أجنبية عن الأتراك. وحقيقة الأمر أن الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام بشكل جماعي في العصر العباسي، سرعان ما استقروا في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ومصر. وخاضت الجيوش التركية تحت حكم العباسيين حروبا مهمة أولا ضد الصليبيين ثم ضد المغول. وتجدر الإشارة إلى أن المماليك كذلك مثل السلاجقة، كانوا مؤثرين أيضًا في العالم العربي. وحدت الإمبراطورية العثمانية المنطقة وقامت بحمايتها ضد الاستعمار الغربي، ومكنت الأتراك والعرب والأكراد من العيش معًا لمدة 400 عام، مع احترام الأديان الأخرى. ووقفت هذه الدول معًا ضد الاحتلال الغربي في الحرب العالمية الأولى. وعندما خسرت الحرب، سيطر الغربيون على طرق التجارة وموارد النفط المكتشفة حديثًا في الشرق الأوسط، بدءا بقناة السويس. ورد البرلمان العثماني، الذي اجتمع في إسطنبول المحتلة بعد الحرب، على كل من إعلان بلفور واتفاقية سايكس بيكو بإعلان الميثاق الوطني وإعلانه أنه ضد الاستعمار في المنطقة. بين عامي 1919 و1922، استمرت نضالات الاستقلال والتضامن ضد المستعمرات الغربية في مصر وسوريا والعراق وفلسطين والهند، كما هو الحال في الأناضول. لكن فيما بعد، رضيت النخب التي حكمت إبان فترة حرب الاستقلال بمعاهدة لوزان. وفي الفترة الجديدة، حول الحكام اتجاه تركيا نحو الغرب وقللوا من اهتمامها بالعالم العربي. منذ أن تم إضعاف المستعمرين بعد الحرب العالمية الثانية، كان الاستقلال والوحدة ممكنين في الشرق الأوسط، لكن في بيئة الحرب الباردة، لم تتمكن تركيا من الخروج من الإطار الذي رسمه الغرب لأنها اعتمدت على الولايات المتحدة، أظهرت عملية قبرص والحظر النفطي لتركيا مرة أخرى أهمية تكوين صداقات وحلفاء في الشرق الأوسط. بشكل عام، اتجهت الحكومات الديمقراطية في تركيا إلى العالم العربي لشراء الطاقة الرخيصة وجذب المستثمرين وإيجاد أسواق للصادرات، من أجل زيادة التنمية والتوظيف.وقد أولى تورغوت أوزال، الذي وصل إلى السلطة كإدارة مدنية في الثمانينيات، اهتماماً خاصاً بالشرق الأوسط. على سبيل المثال، مهدت المناقصات التي تلقتها الشركات التركية في ليبيا في ذلك الوقت الطريق لتطوير قطاع البناء التركي القوي. وفي نفس الفترة، تطورت التجارة الخارجية مع العراق بشكل كبير. وعلى الرغم من أن تركيا أتيحت لها الفرصة للتميز بعد نهاية الحرب الباردة في التسعينيات، إلا أنها أضاعت هذه الفرصة بالتحول إلى الداخل بسبب مشكلة الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي. وفي الفترة نفسها، أدى الحصار المفروض على إدارة صدام بعد حرب الخليج إلى إضعاف الاقتصادين العراقي والتركي. كان الحدث الأكثر أهمية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عالميًا وإقليميًا، هو هجمات 11 سبتمبر واحتلال العراق وأفغانستان. كانت هذه الاحتلالات بمثابة عملية أدت إلى عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتركيا. خلال هذه الفترة، أولى حزب العدالة والتنمية، الذي وصل إلى السلطة في تركيا، اهتمامًا خاصًا أيضًا بتطوير العلاقات مع الشرق الأوسط. وبدأت تنفتح على المنطقة اقتصادياً وسياسياً، وشهدت علاقاتها تحسناً جدياً مع سوريا والأردن والعراق ومنطقة الخليج وليبيا ومصر. وخلال الفترة نفسها، سادت حالة من عدم الاستقرار الخطير في العراق وكان لها تأثير سلبي على تركيا. ومع ثورات الربيع العربي التي اندلعت عام 2011، دخل الشرق الأوسط فترة جديدة من الاضطرابات. وفي الواقع، فإن العملية التي بدأت بمطالب الشعب بالديمقراطية، عادت فيما بعد إلى النظام القديم بتدخل القوى العالمية والإقليمية. وكان للعملية الفوضوية، بما في ذلك الانقلابات والحروب الأهلية والصراعات الطائفية، تأثير سلبي على تركيا، لكنها لم تكن كافية لوقفها. ولا تزال عملية الفوضى هذه مستمرة في اليمن والسودان وفلسطين. لكن تركيا لم تقف مكتوفة الأيدي أمام قوتها، وقامت بتدخلات لتقليل أضرار حصار قطر وسوريا وليبيا. وبما أن التدخلات الإيرانية المناهضة للديمقراطية في اليمن والعراق وسوريا أضعفت أيضًا دول المنطقة، فإن هذا الوضع عزز وضع إسرائيل بشكل غير مباشر. وفي السنوات الأخيرة، اتجهت بعض الدول العربية إلى حل توتراتها مع إيران من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لقد كشفت أزمة غزة الجديدة عن أن إسرائيل لا يمكن أن تكون جارة طبيعية، وأن الشعبين التركي والعربي لن يقبلا بدولة الاحتلال هذه. ومن ناحية أخرى، أظهرت حرب غزة أن المشكلة الأساسية للعالم العربي والإسلامي هي التجزئة. وهنا يكتسب الدور القيادي والموحد لدول مثل تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية ومصر أهمية. ونتيجة لذلك، فإن الجمهورية التركية، باعتبارها دولة صناعية وسياحية وتجارية، في عامها المائة، ترى أن التطبيع مع منطقتها يتيح استقرارها وتنميتها جنبًا إلى جنب مع استقرار المنطقة وتنميتها. ورغم أن العنصرية وبعض الأصوات الهامشية تواصل عاداتها الغربية القديمة، إلا أنها في الواقع أقلية. وفي قرنه الثاني، كان الشعب التركي وإدارته مقتنعين بأن العالم العربي يمثل ميزة (عامل قوة) في هذه السياسة المتعددة الأوجه، وليس نقطة ضعف. لقد أظهرت حرب غزة بوضوح أن الجانبين التركي والعربي بحاجة إلى التعاون. فإلى جانب روابطها الثقافية والتاريخية، ومصالحها المشتركة، وسكانها العرب البالغ عددهم 5 ملايين نسمة (قدامى وجدد)، فإن علاقات تركيا مع المنطقة متطورة وينبغي أن يزداد هذا التطور في كافة المجالات.
1110
| 27 ديسمبر 2023
التغيير الثقافي هو تغيير في نمط حياة مجموعة بشرية أو مجتمع. كما أوضحنا في المقال السابق، يمكن أن يحدث التغيير الثقافي بسبب الظروف المادية أو غير المادية (المعنوية). وتشمل الظروف المعنوية المعتقدات الدينية أو حتى الأيديولوجيات أو المذاهب العلمانية. مثلا؛ أدى ظهور الإسلام إلى موجة ضخمة من التغيرات الثقافية في جميع أنحاء العالم. كما أثر ظهور الشيوعية في دول كثيرة وعلى وجهات نظر الناس حول العالم. إن تفضيل أيديولوجية أو هوية واحدة مثل القومية أو الطائفية يمكن أن يكون له تأثير خطير على كيفية رؤية الناس للعالم والجماعات الأخرى. للحكومات الحالية تأثير كبير على تعريف هوية المواطنين وأيديولوجيتهم من خلال المناهج المدرسية ووسائل الإعلام الحكومية حيث إنها تضع تعريفا "للمواطن الصالح". وقد مر العالم الإسلامي بأنواع مختلفة من التعليم التي فرضها الاستعمار الغربي في آسيا وأفريقيا خلال القرنين الماضيين، مما أثر على ثقافته بشكل طفيف أحيانًا وبشكل قوي أحيانًا أخرى. وحتى بعد الاستقلال استمر النمط الغربي للتعليم في التأثير على المجتمعات الإسلامية مما خلق ردود فعل عكسية واضحة. إن التقبل الرسمي وغير الرسمي للثقافة الغربية أو رفضها لازال يثير جدلاً في المجتمعات العربية والإسلامية. تتغير الثقافات من خلال الانتشار الثقافي حيث يمكن أن ينتشر دين أو أيديولوجية أو فكرة من منطقة إلى أخرى. وتشمل السمات الثقافية الملموسة مثل الأكل واللباس إلى السمات الرمزية (المعنوية) مثل المعتقدات والقيم. على سبيل المثال؛ القيم الأخلاقية هي الأهداف العامة للتغيير في عصر الاتصالات والتكنولوجيا. وبطبيعة الحال فإن الهيمنة الغربية على التكنولوجيا والمنتجات الثقافية (مثل الأفلام والموسيقى وغيرها) في السوق العالمي تمنحهم ميزة بعكس الثقافات الأخرى. على الجانب الآخر فإن الثقافات الأخرى ليست منعدمة تمامًا حيث أنها تجد أيضًا مساحة عبر الإنترنت للمقاومة أو لإثبات نفسها ضد هيمنة الثقافات الغربية. للهجرة دور في تغير الثقافات من خلال الاتصال الثقافي حيث تجتمع الثقافات المختلفة، خاصة عندما تهاجر أعداد كبيرة من الناس. على سبيل المثال؛ عندما ذهب العمال الأتراك إلى ألمانيا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين تعرض كلا الجانبين لصدمة ثقافية. وعلى حد تعبير الكاتب السويسري ماكس فريش في عام 1965 "لقد طلبنا العمالة ولكن جاءنا الناس" ما يعني أنهم جاءوا مع عائلاتهم وثقافاتهم. يمكن أن يؤدي الاتصال الثقافي بين ثقافتين مختلفتين إلى التعايش الثقافي أو الاندماج أو حتى إلى الصراع. يتحدثون في الغرب عن الاستيعاب أو التكيف أو التكامل أو الإدماج كطرق مختلفة للتغيير الثقافي. ونلاحظ أمثلة على جميع أشكال التغير الثقافي في الغرب وفي منطقة الخليج وفي تركيا التي امتلأت بالمهاجرين لفترة طويلة. تعيد كل من دول الخليج وتركيا تعريف نفسها، بعد وصول أعداد كبيرة من المهاجرين وتضيف إلى ثقافتها ثقافات مختلفة وطرق مختلفة في الأكل والتفكير وغيرها. التغيرات الاجتماعية لا تحدث بسهولة لأنها تلقى مقاومة أو رد فعل من قطاعات معينة في المجتمع. ولأن الثقافة تركز على النظام الاجتماعي والاستقرار، فإن أي تغييرات ثقافية ستؤدي بالضرورة إلى تغيير التصورات والعادات والتقاليد. ويربط البعض المقاومة بتحدي الأفكار الجديدة لطرق التفكير التقليدية، ولكنها تتعلق أيضًا بالمصالح الحالية لبعض قطاعات المجتمع. تعد الحركات الاجتماعية أيضًا عاملاً رئيسيًا في التغيير الثقافي، بمعنى أن بعض الفئات الاجتماعية ترغب في تغيير أساليب الحياة والقيم والمعتقدات و/أو السياسات في المجتمع (التغيير الجذري). تتصارع الحركات الاجتماعية حول ما هو جيد وما هو سيئ كما هي طبيعة المشاكل والحلول دائما. فبينما تحاول إحدى المجموعات إقناع الآخرين بالمشكلة، ربما يختلفون حول طبيعة المشاكل والحلول. فمثلا؛ في تركيا حاولت النخب العلمانية المدعومة من الجيش تعريف ارتداء الحجاب على أنه مشكلة، بينما اعتبر المجتمع هذا الرأي بمثابة مشكلة. ولذا فإن النضال من أجل التغيير يمكن أن يتأثر بنخب السلطة، ووصولهم إلى وسائل الإعلام وتصرفات المجموعات المعارضة للتغيير الاجتماعي والثقافي.
4650
| 20 ديسمبر 2023
هنالك شيء واحد دائم في الحياة الا وهو التغيير، إننا نرى تغييرات في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، سواء كانت هذه التغييرات جيدة أو سيئة وتعتمد على كل قضية ومستوى التغيير الذي يؤثر على مجموعة من الناس، يعرف التغيير الاجتماعي على أنه تغيير في الثقافة، والمؤسسات، والعلاقات الاجتماعية، يمكن أن تنشأ التغيرات الاجتماعية من داخل المجتمع من خلال عوامل مثل التحولات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، ويمكن أن يأتي أيضا من الخارج من خلال نقل التكنولوجيا أو العلاقات الاقتصادية أو الهجرة أو حتى الغزو ومن خلال الانتشار الثقافي، في هذا المقال سوف نركز على الجوانب الثقافية للتغيير الاجتماعي. الثقافة هي كل ما يتم تعلمه ومشاركته اجتماعيًا من قبل الناس أو كل شيء مفيد للناس، إنها تؤثر على الطريقة التي نرى بها الحياة والعالم والطريقة التي نطمح بها إلى عالم أفضل، بمعنى آخر، تحدد الثقافة فهمنا للعالم من حولنا والعالم المثالي الذي نتمنى أن يكون عليه، وتشمل العادات والتقاليد واللغة والدين والعلاقات الاجتماعية والفنون والآداب وصولاً إلى السياسة والاقتصاد، تغطي الثقافة جميع جوانب الحياة الاجتماعية تقريبًا ويؤثر التغيير الثقافي على جزء كبير من المجتمع. تظهر التغيرات الاجتماعية والثقافية من خلال عوامل مختلفة مثل العوامل الطبيعية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية ولكن التكنولوجيا هي السبب الرئيسي للتغير الاجتماعي اليوم. في الماضي، تسبب ظهور الماكينات والتصنيع في إحداث تغيير اجتماعي (أو ثورة) هائل في الغرب الذي سيطر بدوره على العالم بقوته المادية، لقد غيرت الثورة الصناعية الغرب والسياسة العالمية لصالح العالم الغربي الذي لا يزال يؤثر على العديد من المجتمعات حول العالم من خلال نشر الثقافة الرأسمالية وطريقة التفكير المادية والنفعية. إلى جانب الهيمنة المالية اليوم، تستمر الهيمنة الغربية على الإنترنت والتقنيات الرقمية (خاصة منصات التواصل الاجتماعي) في تقديم ميزة للثقافة الغربية على الثقافات الأخرى، وفي غضون ذلك، توفر الحرية النسبية لمنصات التواصل الاجتماعي بعض المساحة للثقافات الأخرى للعمل، لقد تغلبت وسائل التواصل الاجتماعي على احتكار وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف أو القنوات التلفزيونية، لكنها لا تزال تحت تأثير المنظور الرأسمالي الغربي ولوبياته المتكاملة، وقد ظهرت هذه الضغوطات بوضوح في الحرب على غزة مؤخراً على شكل جماعات ضغط وحكومات. إن الثقافة كأسلوب حياة تتأثر بالتغيرات البيئية مثل الجفاف والزلازل والتصحر، بدأ ظهور ظاهرة الاحتباس الحراري في التأثير على أجزاء مختلفة من العالم بشكل مختلف حيث أصبحت بعض المناطق أكثر سخونة بينما أصبحت مناطق أخرى أكثر أمطارًا، وبالمثل، فإن ظهور صناعات معينة يمكن أن يسبب تغييرات في اقتصاد وثقافة المجتمع، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التنقيب عن المناجم أو النفط أيضًا إلى تغيير نمط الحياة كما هو الحال في دول الخليج، يمكن أن تخرج مجتمعًا من الفقر، بل وتجذب الكثير من المواطنين الأجانب، وتؤثر التفاعلات معهم بدورها على الأكل والجوانب الأخرى للثقافة المضيفة. يمكن أن ينشأ التغيير الثقافي أيضًا نتيجة للتغيرات الديموغرافية من خلال تغير معدلات المواليد ومعدلات الوفيات والهجرة إلى الداخل أو الخارج، أي تغيير من التركيبة المتجانسة للمجتمع إلى التركيبة غير المتجانسة يمكن أن يسبب تغييرًا ثقافيًا في كل من المجتمع المضيف والمهاجرين، وتتمثل مفاجأة وحيرة الألمان من المهاجرين الأتراك في البلاد في عبارة ماكس فريش الشهيرة «لقد طلبنا عمالاً، لكن الناس جاءوا من تركيا»، مما يعني ضمناً أن وصول الأجانب إلى البلد المضيف أكثر تعقيداً من مجرد استقبال أناس. تأتي التغيرات الاجتماعية والثقافية أيضًا من التدخلات السياسية والمساعي الاجتماعية والتعليم والمجتمع المدني. لا يتم تنفيذ التغييرات الاجتماعية والثقافية بسهولة لأنها تخلق مقاومة أو ردود فعل من جانب شريحة معينة من المجتمع، عندما يجتمع عدد معين من الناس لتحقيق هدف معين، يمكنهم تنفيذ تغييرات اجتماعية وثقافية ولكنها معقدة وديناميكية للغاية، هذا النوع من التغيير الاجتماعي والثقافي المتعمد بحاجة الى مقال منفصل.
1779
| 13 ديسمبر 2023
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3690
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
2679
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1494
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
915
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
906
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية