رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
نوري باكديل (Nuri Pakdil) هو واحد من أهم المفكرين الإسلاميين في تركيا. عاش حياة طويلة من الفكر والإبداع، وتبقى قصائده عن القدس في ذاكرة الجميع. وُلد نوري باكديل في مدينة مرعش التي أنجبت العديد من المفكرين والأدباء البارزين، وذلك في عام 1934. بدأ «باكديل» كتابة المقالات والقصائد منذ سنوات دراسته الثانوية، وكان له علاقات قوية مع اثنين من المفكرين والأدباء المهمين وهما نجيب فاضل وسيزائي قراكوچ. قدم دعمه لمجلتيهما «بيوك دوغو» (الشرق الكبير) و«ديرليش» (القيامة) من خلال كتاباته، وبالإضافة إلى ذلك، قام بنشر مجلة أدبية أخرى بعنوان «صبر أوسو» (قاعدة الصبر) مع أصدقائه بين عامي 1984 و1989. تناول موضوع الصبر بشكل ساخر وأدبي ليعبر عن المعاناة التي يمر بها الشعب التركي. نشأ نوري باكديل خلال فترة حكم الكمالي القاسي، حيث أنتج أعماله في مناخ استبدادي ولم يخش القمع. عارض الخطاب القومي السطحي الذي رمزت له الكمالية بشعار «ما أسعدني أن أقول إنني تركي»، واقترح بدلاً من ذلك شعار «ما أسعدني أن أقول إنني مسلم» بمعني آخر أراد أن يبرز الهوية والأخوة الإسلامية بدلاً من النزعة القومية التركية. استخدم لقب «القائد الأعظم» للنبي، وهو اللقب الذي أطلقه الكماليون على مصطفى كمال أتاتورك. ركز نوري باكديل على قضايا التغريب والاغتراب. وبالنسبة له فإن التغريب هو اغتراب كبير وهو سبب للأزمات الاجتماعية والسياسية التي نعيشها. عرّف باكديل نفسه بأنه ثوري. عندما بدأ أحد خطاباته الأخيرة بالقول: «أحييكم بوعي معاد للإمبريالية وللرأسمالية، والإشتراكية، وللنازية، ومناهض للفرعونية...»، مما يعني أنه قام بتعريف هويته أيضًا. وكغيره من المثقفين، كان يشعر بالمسؤولية تجاه المجتمع والشعوب الإسلامية والإنسانية: وكان يقول: «كيف أستحق الحياة إذا لم أكن مسؤولاً عن كل ما أعرفه؟» وقال في أحد مقالاته «أنا أدافع عن الإنسانية ضد الإنسان. كان باكديل يرى الأدب كعمل نضالي. قام بتحليل عصره من خلال الأدب، وعبر عن إيمانه ونضاله أيضا من خلال الأدب. تناول نوري باكديل في كتبه قضايا سياسية دون أن يصبح سياسيا، مثل الاضطهاد، والاستغلال، وتآكل الهوية، الانحلال الأخلاقي. نشر له حوالي أربعين عملاً في جميع الأنواع الأدبية تقريبًا: 1 مذكرات سفر، و19 مقالاً أدبيا، 7 مسرحيات، 4 ترجمات و5 قصائد (كتابان عربيان) (غولديسته 1-2)، و3 رسائل، وكتاب محاضرات واحد. ويذكر أن هذه الكتب تشمل سلسلة مقالات «بيعة». وقد انتقد في هذا العمل الأدب التركي في العصر الجمهوري لانفصاله عن التاريخ والمجتمع والشرق الأوسط. وفي كتابه «مذكرات غربية»، أجرى مقارنة مفصلة بين الشرق والغرب أثناء سفره في الغرب وانتقد الإعجاب بالغرب. ومن بين دواوينه الشعرية الخمسة، كان ديوان «في وجه الصمت» الذي حظي بشعبية كبيرة ويعكس مشاعره وأفكاره. وقد خصص كتابين للشعر العربي ونشرهما تحت اسم «جولديسته». وقد ضم في هذا الكتاب قصائد 92 شاعراً من 14 بلداً عربياً (السعودية والجزائر والمغرب وفلسطين وفلسطين وغينيا والعراق ولبنان ومصر ونيجيريا والسنغال والسودان وسوريا وتونس والأردن) وقدمهم للجمهور التركي مع سير ذاتية قصيرة. وقد كان يحلم بشرق أوسط خال من الحدود وشرق أوسط موحد، وأولى أهمية كبيرة لبناء جسر من الأفكار والمشاعر مع العالم العربي. إسطنبول والقدس هما المدينتان اللتان ترمزان إلى أفكاره. فبالنسبة له كانت إسطنبول مركز الحضارة الإسلامية وحصنها والمدينة التي بشّر النبي (صلى الله عليه وسلم) بفتحها، أما القدس فكانت المحطة الأخيرة على الأرض لصعود النبي محمد في الإسراء والمعراج. لقد حزن بشدة على احتلال فلسطين والقدس ودعا إلى بذل الجهود لتحريرهما. وقال: «لا يمكن دخول الإنسانية دون حب القدس.» كان يقول في إحدى قصائده: عِشْ جَبَلَ الطور لِتَعْرِفَ أَيْنَ القُدْسُ. أحمل القدس مثل ساعة في يدي إن لم تضبط الوقت وفق القدس، يضيع الوقت هباء .... تتجمد، وتعمى عينك تعال، كن أُما، لأن الأم تبني قدسا من طفل عندما يصبح المرء أبا، يحيي القدس في قلبه سر يا أخي، ليأتي لقَدمَيكَ قوة القدس ... قَسَمُ الأم ونَفَسُ الطفل يكونان معًا مع مد البحر الأب يعرف أن الآلة التي تحرث الأرض تتحدث عن القدس بحزن. نوري باكديل ليس من المفكرين الذين يعتدون بأنفسهم. فقد كتب رسائل إلى أصدقائه وطلابه وإلى الناس من حوله، محاولاً توجيههم وتحفيزهم وتشجيعهم على فعل الخير. نُشرت بعض هذه الرسائل فيما بعد على شكل كتاب. ومع مسلسل «الرجال السبعة الجميلون» الذي تم تصويره حديثًا، عادت أعماله وأفكاره إلى الواجهة مرة أخرى. وكُتبت العديد من المقالات والكتب والأطروحات عن نوري باكديل. ولا يزال نوري باكديل، الذي توفي قبل عامين، مصدر إلهام وإرشاد للشباب في تركيا حتى يومنا هذا.
1080
| 22 مايو 2024
من المعروف أن منطقة الشرق الأوسط التي تتقاطع فيها ثلاث قارات، كانت مركزا محوريا لإمبراطوريات كبيرة مثل الحثيين والإسكندر الأكبر وروما. ومن الواضح أن الإسكندر الأكبر جمع القوة من منطقة الشرق الأوسط للوصول إلى الهند. بعد ظهور الإسلام، دخلت المنطقة بسرعة تحت سيطرة المسلمين. ولكن لأهمية المنطقة أصبحت هدفاً للصليبيين ثم المغول. واستمرت أطماع الأوروبيين، ورغم محاولتهم الوصول إليها بحرًا وبرًا، إلا أن الدولة العثمانية في الشمال ودولة المماليك في الجنوب نجحتا في صدهم ومنع وصولهم إلى المنطقة. بينما كانت الدولة العثمانية تتألق في شرق أوروبا، فإن وجود المسلمين في غرب أوروبا كان معرضًا للخطر في الأندلس. بين فتح القسطنطينية الذي ضمن نهاية الإمبراطورية البيزنطية عام 1453 وفقدان الأندلس للمسلمين عام 1492، كانت هناك فترة قصيرة للغاية لا تتجاوز 40 عامًا. بعد سقوط الأندلس حاولت دول غرب أوروبا، خاصة البرتغال، العودة إلى المنطقة من جديد سواء عبر البحر المتوسط أو المحيط الهندي، وقد احتلوا البحر الأحمر والخليج العربي مما أثر على استقرار ورفاهية شعوب المنطقة. وردًا على ذلك اتحد المسلمون في المنطقة تحت مظلة الدولة العثمانية لوقف هذه التهديدات الكبيرة. حتى الدولة المملوكية، التي لم تسمح للمغول بتجاوز نهري دجلة والفرات كانت عاجزة عن مواجهة التهديدات الجديدة في المنطقة. ومما يعكس وحدة المسلمين، صد الدولة العثمانية هؤلاء الصليبيين في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط والبلقان وشبه الجزيرة العربية. وفي هذا السياق يجدر بنا ذكر حدثين مهمين في التاريخ: في عام 1578 قامت الدولة العثمانية بمنع القوى البرتغالية العظمى من غزو المغرب، وبعد حوالي 200 عام تم طرد نابليون من مصر في عام 1802. ومن المؤسف جدا أن هذين الانتصارين الكبيرين لا يتم تدريسهما في المدارس التركية ولا حتى في الدول العربية. وكذلك، عندما عاد نابليون إلى فرنسا، كاد يسيطر على جميع أنحاء أوروبا تقريبًا. ومع بدء تراجع الدولة العثمانية بدأ الأوروبيون مجددًا في التخطيط للسيطرة على تلك الأراضي، وأحد أسماء هذه الخطة هو «المسألة الشرقية». المسألة الشرقية، هي مشروع للقوى الغربية للقضاء على الدولة العثمانية، التي تُعتبر عائقًا أمام سيطرتها على الشرق الأوسط. بدأت «مسألة الشرق» مع احتلال فرنسا للجزائر في عام 1830، واستمرت مع احتلال إنجلترا لمصر. احتلال مصر كان ضربة قوية لقوة الدولة العثمانية، حيث تم فقدان مفترق الطرق الجيوسياسي وبدأت تظهر ثمار قناة السويس الجديدة التي تم افتتاحها. لقد قام الإنجليز بالتحرك لإنهاء هذا المشروع الذي كان من الممكن أن يعزز الشعوب والدولة العثمانية. ولولا غزو مصر، لكانت الهيمنة البريطانية على شبه القارة الهندية قد انتهت على الأرجح. قامت الدولة العثمانية ببناء طرق تجارية بديلة بسرعة من خلال خط سكة حديد الحجاز وخط سكة حديد برلين-بغداد، ولكن تم تعطيل هذه الجهود بسبب الحرب العالمية الأولى. تضمنت خطط الغرب للشرق الأوسط السيطرة على طرق التجارة الاستراتيجية وكذلك النفط. لأن الغرب بأكمله تقريبًا شارك في الحرب ودعم انهيار الإمبراطورية العثمانية. وقد استمر تنفيد المسألة الشرقية، باتفاقية سايكس-بيكو، ووعد بلفور، وبإقامة دولة صهيونية كقوة غربية في نفس المنطقة. تعمل هذه الدولة وأنشطتها بشكل عام على خدمة مصالح القوى التي جاءت إلى المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى، مما يجعلها متحالفة في دعم إسرائيل. في فترة الحرب الباردة، شهدت منطقة الشرق الأوسط إنشاء هيكلة متشظية تتماشى مع فكرة «المسألة الشرقية»، بشكل يتفق مع اتفاقية سايكس-بيكو. ومن اللافت للنظر أن روسيا السوفياتية، التي كانت تتنافس مع الغرب، لم تعارض تأسيس إسرائيل كما خطط الغرب. وخلال تلك الفترة، لم يقدم الاتحاد السوفياتي دعمًا فعليًا للشعوب العربية التي كانت تسعى إلى استقلالها عن الغرب. لأن الاتحاد السوفياتي نفسه كان محدودًا في التحرك بسبب السيطرة التي كان يمارسها في مناطق مثل أذربيجان وأوزبكستان، حيث كان يحتل الشعوب المسلمة، وبالتالي لم يكن لديه القدرة الكافية للتدخل بشكل فعال. وحتى اليوم، تظل مصالح روسيا مؤثرة في المنطقة، من سوريا إلى اليمن ثم إلى شمال أفريقيا. ورغم أن روسيا تدخل في صراعات مثل الصراع في أوكرانيا ضد أوروبا والولايات المتحدة، إلا أنها لم تواجه صراعًا مع الغرب في قضايا مثل سوريا وليبيا وفلسطين. في الوقت الذي تسعى فيه الشعوب العربية الى المزيد من الحرية والازدهار والوحدة، فإنها تعاني من دمار خطير. هناك يد ماهرة تقوم بتدمير خطير في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان دون ان يراها أحد. إنها نفس اليد التي تدمر فلسطين وقد بدأت تنكشف وتظهر للعيان. ولفهم التطورات الحاصلة في منطقة تقاطع القارات الثلاث يجب أن ننظر اليها من المنظور التاريخي. إذا أردنا قراءة كتاب «المسألة الشرقية» مرة أخرى لكاتبها البطل القومي المصري مصطفى كامل الذي كتبها قبل حوالي 100 عام، سندرك أنه لم يطرأ أي تغيير وأن المسألة الشرقية ما زالت مستمرة.
1164
| 15 مايو 2024
قبل أن ينتقل الأتراك إلى الأناضول والبلقان، وصلوا إلى مناطق مثل العراق وسوريا ومصر، حيث أسسوا دولًا عديدة. وتاريخيًّا، شهدت مصر ظهور الدولة الإخشيدية في عام 935م، ودولة المماليك في عام 1250، واللتان أسستهما سلالات حاكمة تركية. لم يكن انتقال الأتراك إلى الأناضول عبر إيران شرقًا، بل عبر العراق وسوريا جنوبًا، نظرًا لصعوبات الهجرة البرية بسبب الطبيعة الجبلية شرقًا ووجود بحر قزوين كحاجز واسع. شارك الجنود العرب في فتح إسطنبول، وبينما كانت الإمبراطورية العثمانية تتقدم في أوروبا الشرقية، ظهرت تهديدات استعمارية جديدة من الغرب بعد سقوط الأندلس الإسلامية في أوروبا الغربية، خاصة حول البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية. لمواجهة هذه التهديدات، نجحت الدولة العثمانية، بتوليها الخلافة وسيطرتها على المناطق العربية، في حماية المنطقة من الاستعمار الغربي لمدة لا تقل عن ثلاثة قرون. دافع الأتراك والعرب معًا عن المنطقة، تمامًا كما فعلوا في مواجهة الصليبيين والمغول والمستعمرين الأوروبيين الجدد. تصدى الأتراك والعرب معًا للبرتغال في معركة وادي المحازين (1578)، ولم يسمحوا لها بالاستيلاء على المغرب. وإذا تذكرنا أن نابليون الذي طرد من مصر بعد احتلالها عام 1798، ونرى حجم وأهمية هذا الحدث في أن كادت القوى الغربية أن تفشل في منع نفس نابليون من السيطرة على أوروبا بأكملها. وقد قاتل الأتراك والعرب جنبًا إلى جنب ضد المستعمرين في ليبيا والجزائر وسوريا والعراق لمنع دخولهم في البلاد الإسلامية ولطردهم من هناك. قبل الحرب العالمية الأولى، كان التعاون من أجل تحقيق الاستقلال بين مصطفى كامل والحكومة الخديوية في مصر، وبين السلطان عبد الحميد كبيرا جدا. وفي هذا السياق يعد كتاب مصطفى كامل «المسألة الشرقية» مرجعًا جيدًا عن تعقيدات تلك الفترة. وخلافاً للخطاب القائل بأن العرب خانوا العثمانيين، فلا توجد منطقة في المشرق العربي ولا في المغرب العربي تمردت وانفصلت عن العثمانيين بل جميعها احتلت بالغصب والقوة من قبل الدول الغربية. فنسبة الشخصيات العربية المتمردة مثل الشريف حسين كانت قليلة جدا بالمقارنة مع عامة المجتمعات العربية، ودور المتمردين لم يكن حاسماً في الحروب. خلال حرب الاستقلال التركية، تم إرسال المساعدات إلى الأناضول من تونس ومصر. ولقد اطلعت بنفسي على نص برقية لمصطفى كمال أتاتورك في «جريدة اللواء» التي يشكر فيها الشعب المصري على دعمه خلال هذه الحرب. بعد تفكك الدولة العثمانية، شاركت تقريبًا جميع الشعوب في حركات الاستقلال ضد الاستعمار الذي ظهر خلال الفترة من 1919 إلى 1922. ونرى المقاومة المشتركة للأتراك والعرب والأكراد في الأناضول والعراق وسوريا ومصر وشمال أفريقيا. ويمكن ملاحظة تعاون الأتراك والعرب في نضالهم من أجل الاستقلال في حياة العديد من الأشخاص المهمين. حيث جاء الشيخ أحمد السنوسي من ليبيا بزيارة إلى الأناضول وأقنع القبائل العربية في الجنوب بالمقاومة ودعم مصطفى كمال في إنقاذ الأناضول. وأول انتصار لجيش مصطفى كمال ضد المحتلين كان في هذه المنطقة. نرى دور القادة من أصول تركية مثل شكري القوتلي وهاشم الأتاسي في الثورة السورية والسياسة قبل الانقلاب البعثية. ويتبين أن الوجود التركي في مصر بدأ قبل المماليك واستمر مع العثمانيين، وهذا موضوع مقال منفصل يستحق البحث. وعلى الرغم من محاولة محمد علي باشا للانفصال في مصر، إلا أن العلاقات ظلت قوية بعد التصالح. وقد اقترب العثمانيون من ألمانيا لتحرير مصر من الاحتلال البريطاني الفعلي. ورأى مفكرون مثل جمال الدين الأفغاني ومصطفى كامل أن الاستقلال غير ممكن إلا تحت مظلة الخلافة العثمانية. عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، تمت الإطاحة بعباس حلمي الموالي للدولة العثمانية الذي كان متواجدا في إسطنبول في ذلك الوقت. وأثناء حرب الاستقلال في 1920، زار سعد زغلول أيضًا إسطنبول وأنقرة وطلب التعاون من أجل الاستقلال، حيث كانت فكرة «المصير المشترك» موجودة في الأناضول في ذلك الوقت، بمعنى أن الحكم العثماني والتركي في مصر استمر حتى عام 1952، لكن تأثيره الاجتماعي والثقافي استمر لفترة أطول في الخمسينيات نرى أن بين قادة الثورة الجزائرية والحكومة المؤقتة بعدها، كانت هناك شخصيات من أصول تركية مثل لخضر بن طوبال، والأمين خان، ومصطفى إسطنبولي. أتوقع دور الأتراك الآخرين في قيادة المقاومة ضد الاستعمار في البلدان العربية الأخرى واكتشاف ذلك وأجيب المؤرخين الأتراك والعرب.
1362
| 08 مايو 2024
يعود وجود الأتراك الذين اعتنقوا الإسلام بأعداد كبيرة في العصر العباسي في الوطن العربي إلى أكثر من ألف عام. وخاصة أولئك الاتراك الذين كلفوا بمهام عسكرية، فقد أصبحوا يمارسون تأثيرًا ملموسًا في مجال الأمن ضمن الدولة العباسية. وقد أُسست مدينة سامراء في العراق خصيصا لاستيعاب الجنود الأتراك القادمين من آسيا الوسطى. ونتيجةً للصراعات الداخلية للدولة العباسية وتأثير الحملات الصليبية بعدها، ظهر العديد من الدول في المنطقة، ومع استمرار السلطة الدينية للخليفة العباسي، ظهرت من بين هذه الدول الدولة السلجوقية التي كانت تحت حكم سلالة تركية، والتي نجحت في السيطرة على مساحات واسعة من آسيا وكلتا ضفتي الخليج العربي. شارك الأتراك في سوريا، مثل إديب الشيشكلي، والتركمان في العراق، في النضال من أجل الاستقلال، ولعبوا دورًا بارزًا. وفي حركة استقلال الجزائر أيضًا، كان للأشخاص من أصل تركي دور هام في تشكيل الحكومة المؤقتة بعد الاستقلال، حيث كانت هناك أسماء تركية مثل بن طوبال (ومعناه الأعرج بالتركي)، والأمين خان، ومصطفى إسطنبولي. وقد تكون أصول بعض القادة ذوي الأسماء العربية تركية أيضا، لكن هذا يبقى موضوعًا يجب أن يحدده علماء التاريخ. ومن اللافت للنظر أيضًا ما قدمته الدراسات التاريخية حول ظاهرة كوروغلو، والتي تعتبر مثيرة للاهتمام. تم نشر عدد كبير من جنود الينيجري في شمال أفريقيا لمواجهة التهديد المتنامي من الغرب. ونتيجة لزواج الجنود الأتراك المسلمين القادمين من آسيا الصغرى مع النساء المحليات في تلك المناطق، نشأت طائفة مختلطة تُعرف باسم «كول أوغلو» أو «كوروغلو». كانت الطائفة التركية المعروفة بكوروغلو، والتي كانت شائعة في الجزائر وتونس وليبيا، تلعب دورًا هامًا في تلك الفترة. قبل ألف ومئتي عام، بدأت عملية تبني الإسلام من قبل الأتراك وهجرتهم إلى الغرب. خلال هذه الفترة، عاش العرب والأتراك وحتى الأكراد معًا وتخلطوا اجتماعيًا وثقافيًا. نتيجة لهذا التداخل، زاد عدد الكلمات التي انتقلت بين اللغتين بشكل كبير. فهناك آلاف الكلمات التي انتقلت من العربية إلى التركية، وبالعكس هناك مئات الكلمات التركية التي دخلت إلى اللغة العربية. على الرغم من محاولات الحكومة في عهد الجمهورية لإزالة الكلمات العربية من اللغة التركية، إلا أن عدد الكلمات العربية اليوم يفوق عشرة آلاف كلمة. تُستخدم في اللغة التركية وعلى نطاق واسع بعض الكلمات والأسماء العربية التي تنتهي على بحرف»t»، مثل: حكمت، معرفت، سلامت وغيرها. ومن المعروف أن الأسماء التي تنتهي بحرف التاء المفتوحة، وخاصة في مصر، هي من أصل تركي: حشمت، ثروت، عصمت، ميرفت. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأسماء التركية بالكامل مثل إنجي، نازلي، وشيرين شائعة بين العرب بشكل كبير. ويوجد هناك أيضًا كلمات في اللغة العربية من أصل تركي مثل جاويش، دغري، كوبري، ترزي، بشكير. يمكن رؤية وجود الأتراك بوضوح في العالم العربي حتى في يومنا هذا من خلال انتشار أسماء العائلات التركية بشكل واسع، حيث يُعتبر وجود الأسماء مثل: «شلبي، شهدار، تشايجي، شوربجي، عربجي» شائعًا، بجانب أسماء أخرى مثل: ازميرلي، شيشكلي... في اللغة التركية الحديثة نجد أسماء عربية مثل «مصرلي، جزائرلي، شاملي»، والتي تدل على أنهم قدموا إلى الأناضول من المناطق العربية. كان الناس المتحدون في بوتقة الدين الإسلامي يتزوجون من بعضهم البعض، وحقيقة أن هؤلاء الناس كانوا بدؤوا يتحركون ويعيشون على حياة الانتجاع كما أن العيش في ظل دولة مشتركة لفترة طويلة (400 عام فقط تحت ظل الحكم العثماني) قد زاد من هذا التماسك. ونتيجة لهذا الاختلاط والانصهار هناك قبائل تركية أصبحت عربية، وقبائل عربية أصبحت تركية أو كردية، وذلك حسب الكثافة السكانية. وعلى سبيل المثال نجد عائلة بيات (البياتيون)، قبيلة تركية عريقة، لها فروع تركية وكردية وعربية. في العهد الحديث، بفضل ممارسة ضغوط قومية وبدعم من الأنظمة البعثية، قام جمال عبدالناصر الذي تولى الحكم في مصر عام 1952 بإجبار الأتراك في مصر والعراق وسوريا على التعريب. وفي الفترة نفسها، وبسبب سلوك تركيا السلبي أو اللامبالي تجاه القضايا العربية، لم يكن انتماء الأتراك المقيمين في الدول العربية قويا كما هو اليوم، وشعر معظمهم بأنهم مضطرون إلى إخفاء هويتهم التركية. إن إهمال تركيا لمغتربيها في الخارج له دور في هذه الظاهرة. خلال هذه الفترة نسيت العديد من العائلات التركية هويتها التركية واللغة التركية. في سوريا والعراق، واجه التركمان مشكلات مماثلة، حيث أطلقت أنظمة البعث عليهم اسم «التركمان» بهدف تمييزهم عن أصلهم التركي. يشكلون جزءًا من الهوية التركية الواسعة، ولكن كانوا في السابق يُعرفون باسم «الأتراك». هم يفضلون استخدام اسم «الأتراك». لما تعرضوا لقمع شديد في شمال العراق وشمال سوريا، نجحوا جزئيًا في الحفاظ على وحدتهم وهويتهم في المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان. ومع ذلك، فإن الأتراك الذين عاشوا بأعداد قليلة ومعزولين في أماكن مثل بغداد وحلب ودمشق، أصبحوا مستعربين ومدمجين في المجتمع المحلي. ونظرًا لتلاحمهم حول الدين الإسلامي واللغة العربية، فإن وجودهم لم يكن موضوع خلاف بين الأتراك والعرب. بل يُعتبرون عنصرًا مميزًا لتراثنا المشترك، ويسهمون في تعزيز التعاون المستقبلي بين تركيا والعالم العربي.
2748
| 01 مايو 2024
يعود تاريخ مدارس الأئمة والخطباء (الإمام والخطيب)، التي نراها اليوم كتجربة مثيرة للاهتمام تجمع بين التقليد والحداثة في العالم الإسلامي إلى العصر العثماني، لكنه لم يشهد مصيرا مماثلا لمعظم المدارس التعليمية الأخرى. وذلك جراء زيادة الضغط على الدين نتيجة لرؤية مؤسسي الجمهورية التركية للإسلام على أنه عائق أمام الحداثة والتطور. بواسطة قانون «توحيد التعليم» الصادر في 3 مارس 1924، أرادت الحكومة التركية توحيد النظام التعليمي وتحديد الهيكلية التعليمية بشكل موحد، مما أدى إلى تحويل مدارس دار الخلافة إلى مدارس الإمام والخطيب. وكنتيجة لذلك، شهد التعليم الديني تراجعًا ملحوظًا في الفترة اللاحقة. ولأجل تدريب الأئمة والدعاة المحدثين، قامت الحكومة العلمانية بإدراج مواد أخرى إلى جانب الدروس الإسلامية مثل اللغة الفرنسية، والتاريخ، والجغرافيا، والرياضيات، والبيولوجيا، والفيزيولوجيا، والموسيقى، وعلم النفس، وعلم الاجتماع. وعلى الرغم من قلة الدعم الحكومي، إلا أن هذه المدارس استمرت في لفت الانتباه بشكل كبير. ومع ذلك، لم يتم تعيين الخريجين بصفة رسمية كأئمة أو وعاظ، وتم إغلاق هذه المدارس في عام 1930 بذرائع مختلفة. خلال الفترة من عام 1930 إلى 1945، عانى الشعب التركي بشكل كبير من الصعوبات الاقتصادية، ومن نقص الخدمات الدينية من الناحية الأخرى. بعد عام 1945 وفي مرحلة انتقال البلاد إلى الديمقراطية، كانت نقطة جدلية بين الحزب الديمقراطي الجديد وحزب الشعب الجمهوري القائم هي نقص الأئمة والحاجة إلى مدارس الأئمة والخطباء. ففي عام 1948، قامت حكومة حزب الشعب الجمهوري بفتح دورات تدريب الأئمة في 10 مدن. وضمت برامج الدورات دروسًا دينية أساسية، بالإضافة إلى اللغة التركية، والتاريخ، والجغرافيا، والثقافة، ولم يتم تضمين دروس في الفقه بسبب المخاوف من الشريعة، ولم تكن هناك دروس في الرياضيات والعلوم التقنية. فتح الدورات بدلاً من إنشاء مدارس يظهر أن هذا القرار كان بدافع سياسي ولم يكن جادًا في تلبية الحاجة الحقيقية للأئمة. في عام 1950، قررت حكومة الحزب الديمقراطي الفائز في الانتخابات فتح مدارس لتأهيل الأئمة والوعاظ في سبع محافظات في العام التالي. وفي عام 1955، بدأ تدريس المرحلة الثانوية في هذه المدارس، حيث كان نصف المنهج مكونا من دروس دينية والنصف الآخر من دروس ثقافية وتقنية. ومع زيادة الطلب الاجتماعي في الستينيات، زاد عدد هذه المدارس إلى أكثر من 70 مدرسة. وعندما أثار الطلب المتزايد انزعاج النخب العلمانية، تمت إزالة دروس الدين من المنهاج الأساسي وصعّبت عملية الانتقال إلى المرحلة الثانوية في مدارس الأئمة والخطباء، كما تم تعقيد دخول خريجي مدارس الأئمة والخطباء إلى الجامعة. ولكن العديد من الخرجين مثل رجب طيب أردوغان تمكنوا من الالتحاق بالجامعة بشهادة الدراسة الثانوية العادية من خلال حضور دورات إضافية لتحقيق ذلك. قبل مدارس الأئمة والخطباء، كان الشعب التركي المحافظ يقاطع التعليم الرسمي خوفا من الإلحاد. هذه المدارس جامع بين التعلم والتدين. عندما انضم حزب الرفاه الإسلامي، بزعامة نجم الدين أربكان، إلى حكومة ائتلافية في عام 1974، فُتحت أبواب مدارس الإمام والخطيب. وتمت إعادة إدخال دروس القرآن واللغة العربية في المرحلة الإعدادية، وتأسيس العديد من المدارس الجديدة. وبفضل دعم حكومات ديميرال، زاد عدد هذه المدارس إلى 374 مدرسة حتى عام 1980، عندما وقع انقلاب عسكري، شهد عدد الطلاب زيادة بنسبة 9 أضعاف بين عامي 1973 و1978. على الرغم من تأكيد النخب العلمانية على أهمية المرأة، إلا أنها عارضت بشدة فكرة دراسة الفتيات في مدارس الإمام والخطيب، حيث كان من المعتقد أنهن لا يمكنهن أن يصبحن أئمة. ومع ذلك، تخرجت الفتيات في هذه المدارس وعملن بعد ذلك كمدرسات وواعظات في دورات تعليم القرآن. على الرغم من محاولة الإدارة العسكرية لانقلاب 1980 منع افتتاح مدارس الأئمة والخطباء الثانوية، إلا أن حكومة تورغوت أوزال تغلبت على هذه العقبة من خلال فتح فروع جانبية. ومع زيادة الهجرة إلى المدينة والطلب على التعليم في الثمانينيات في تركيا، زاد عدد المدارس وتحسنت جودة هذه المدارس. وبفضل اجتياز العديد من الأطفال لامتحان القبول، تمكن الأطفال الأكثر ذكاءً من الالتحاق بتلك المدارس. وعندما بدأ الشباب الدارسون للمعرفة الدينية والدنيوية يحتلون المرتبة الأولى في امتحانات القبول بالجامعات في التسعينيات، ازدادت جاذبية المدارس. ومع القلق من انتشار التدين والوعي الإسلامي في تركيا، قام الانقلاب العسكري عام 1997 بإغلاق القسم المتوسط من مدارس الأئمة والخطباء وجعل من الصعب عليهم الانتقال إلى الجامعات. حين تولى حزب العدالة والتنمية الحكم في عام 2002، تم رفع هذه العقبات، وتسهيل دخول خريجي مدارس الإمام والخطيب إلى الجامعات، وأُتيح للطالبات ارتداء الحجاب بحرية. ورأى الشعب التركي في مدارس الأئمة والخطباء مكانًا يمكن لأبنائهم أن يحصلوا فيه على تعليم ديني ودنيوي متكامل. وعلى الرغم من أن منهاج المدارس أكثر صعوبة مقارنة بالمدارس العادية، إلا أن خريجيها حققوا نجاحًا أكبر في الالتحاق بجامعات قوية خاصة في التخصصات الاجتماعية والتقنية. تم بناء معظم مدارس الإمام والخطيب بتبرعات من الشعب، وبعد ذلك قامت الحكومة بتعيين المعلمين فيها. وتستحق هذه المدارس اهتمامًا أكبر كنموذج فريد يجمع بين العلوم الحديثة والعلوم الإسلامية لإبراز الهوية الإسلامية بشكل متكامل.
2472
| 24 أبريل 2024
تعتبر التغذية من أهم احتياجات الإنسان الأساسية، إذ إن الإنسان لا يستطيع البقاء على قيد الحياة سوى لعدد قليل من الأيام من دون غذاء، فقد كان إنسان العصور الأولى يعيش على الصيد وجمع الثمار في تغذيته على ما يجده متوافراً في الطبيعة، لكن هذا الوضع تغير مع اكتشاف المحراث، فقد شهدت هذه الحقبة تحولا جذريا، فعندما بدأ الناس في زراعة طعامهم انتقلوا إلى فترة أكثر استقرارا في التغذية وساهموا بذلك في تشكيل البيئة المحيطة بهم. بعد آلاف السنين من استمرار المجتمع الزراعي، حدث تغيير اجتماعي كبير ثان مع الثورة الصناعية، فمع عصر التصنيع زاد التحضر وتغير الاقتصاد والمجتمع والثقافة وكل ما ينتمي إلى هذه المجالات. وعلى الرغم من انخفاض عدد السكان الذين يعملون في الزراعة، زادت الإنتاجية بفضل التحول إلى الآلات واستخدام الأسمدة الكيميائية، مما سمح بتغذية السكان المتزايدين. في العصر الحالي، زادت الزراعة الصناعية من حجم إنتاج الغذاء، ولكن مع الأسف لم تسفر هذه الزيادة عن تحسين صحة البشر، تغيير جينات البذور لزيادة الإنتاج وتحسين مقاومتها، بالإضافة إلى استخدام كميات كبيرة من المبيدات الكيميائية لحمايتها من الأمراض والآفات، يؤدي إلى تشويه طبيعة النباتات وتقليل التنوع البيولوجي، ويؤثر تناول البشر للحيوانات التي تتغذى على الأطعمة الاصطناعية أيضًا سلبًا على صحتهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تلوث المياه والتربة مصدراً لتراكم المعادن الثقيلة الضارة في الجسم، مما يشكل خطراً كبيراً على الصحة. يؤدي استخدام مبيدات الزراعة الكيميائية إلى قتل الكائنات الحية الضارة والمفيدة في التربة، وترك بقايا المبيدات في التربة والماء والفواكه، مما يؤدي إلى استنزاف التربة وتفقيرها. وبعد الحصاد، تتم إضافة العديد من المواد الكيميائية كمواد حافظة ومواد محلية للنكهة إلى الأطعمة أثناء معالجة الأغذية في المصانع، مما يتسبب في دخول العديد من المواد التي لا تحتوي على خصائص غذائية هامة إلى أجسامنا. هذه المواد الضارة تتراكم في أجزاء حساسة من أجسامنا مثل الدماغ والأعضاء التناسلية، مما يمكن أن يؤثر حتى على استمرارية الأجيال. بسبب المواد المسرطنة أو المدمنة الموجودة في الأطعمة المصنعة. بدءًا من السمنة ووصولًا إلى مشاكل الجلد والقلب، يبدأ الأشخاص في مواجهة هذه المشاكل حتى في سن مبكرة ومن ناحية أخرى، وفي عصرنا الحالي ظهرت ثقافة غدائية عضوية جديدة على الساحة العالمية، مرتبطة بمفاهيم الجمال والحياة الصحية. أصبح مفهوم الحياة الصحية منتشرا بشكل واسع في البرامج التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن نلاحظ وجود ارتباك واختلاف في آراء خبراء التغذية حول بعض المواد الغذائية على سبيل المثال، استهلاك اللحوم والخبز والسكر. يشير مصطلح الطعام العضوي إلى الأطعمة التي تُنمَّو في بيئة طبيعية دون استخدام الأسمدة الصناعية والمبيدات الكيميائية، ودون تعديل جيناتها، ولم يتم إعطاؤها الهرمونات والمضادات الحيوية لتسريع نموها، ولم يتم استخدام المواد الحافظة والمواد المعلِّقة الصناعية، تتم زراعة هذه الأطعمة في بيئة طبيعية باستخدام السماد العضوي، ويتم منع الحشرات الضارة باستخدام الطرق البيولوجية أو الميكانيكية بدلاً من استخدام المبيدات الكيميائية. مبيدات الحشرات المستخدمة على الخضروات والفواكه قد تسبب ضررًا للدماغ والجهاز العصبي والعيون والبشرة، ويمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالسرطان والعقم. العديد من البلدان فرضت قيوداً على استخدام مبيدات الحشرات، ولكن المراقبة في هذا المجال تبقى صعبة للغاية، حيث يمكن أن تكون القيود غير فعّالة أو أن يتم تجاوزها بسهولة. تظهر لنا الأبحاث أن الأطعمة غير العضوية تضعف جهاز المناعة، بينما تحتوي الأطعمة العضوية على مزيد من الفيتامينات والمعادن. على سبيل المثال، تم اكتشاف أن الحليب العضوي يحتوي على مزيد من مضادات الأكسدة وفيتامين E وبيتا كاروتين. يقوم الأشخاص الذين يتبنون ثقافة الحياة الصحية بمراقبة محتوى السعرات الحرارية والسكر في كل المنتجات التي يشترونها. يتخلى البعض من الناس عن تناول اللحوم بناءً على اعتقادهم بأنها ضارة، لكنهم يتناولون منتجات حيوانية مثل الحليب والبيض. لكن في المقابل ذلك تبتعد المجموعة المعروفة باسم «النباتيون» عن الاستهلاك التام لأي منتجات حيوانية. في الآونة الأخيرة، شهد العالم ارتفاعًا ملحوظًا في الوعي بأهمية الأطعمة العضوية والحياة الصحية. حيث تجاوز حجم قطاع الأغذية العضوية على المستوى العالمي 250 مليار دولار ويستمر في الزيادة كل عام، مما يُعادل حوالي عشرة في المائة من قيمة سوق الأغذية البالغة 2.4 تريليون دولار. يُلاحظ أن الناس مستعدون لدفع مزيد من المال مقابل الأطعمة العضوية، نظراً لأن المنتجات العضوية أكثر تكلفة وربحية، فإن الطلب على الإنتاج العضوي يزداد بين الفلاحين ونرى المزيد من المنتجات المحملة بعلامة العضوية في الأسواق. ومع ذلك، لا تزال معايير هذه العلامات غير موحدة تمامًا، حيث توجد علامات عضوية بنسب مئوية مختلفة مثل 100 % و95 % و70 %. تحتاج المنتوجات لكي تكون عضوية إلى الإعداد المسبق للتربة لمدة لا تقل عن 3 سنوات، حيث يجب أن تكون جميع المداخل طبيعية ولا يجب أن يحدث تلوث كيميائي من الحدائق المجاورة. نظراً لانخفاض عدد الفلاحين في الوقت الحالي، فإن إنتاج الزراعة ينخفض أيضاً، وجشع الشركات الكبيرة للأغذية والمتاجر يزيد من أسعار الأغذية. تفاقمت هذه المشكلة خلال جائحة كوفيد - 19 وحرب أوكرانيا، نظراً لتأثير التغير المناخي، والفيضانات، وعدم انتظام الأمطار على إنتاج الزراعة، فإن ارتفاع أسعار الأغذية يضع عبئا إضافيا على ميزانيات الأفراد، مما يجعل الأطعمة العضوية تصبح رفاهية، نظراً لأن الصحة هي أهم شيء، فإن ثقافة الأطعمة العضوية ستستمر في الحفاظ على أهميتها، ففي نهاية المطاف «نحن نتاج ما نأكله».
819
| 17 أبريل 2024
ولد جميل مريج في عام 1914، لعائلة من أصل بلقاني استقرت في لواء إسكندريون بعد أن خسرت الدولة العثمانية منطقة البلقان في عام 1912. أطلق اسم العائلة (مريج) على اسم نهر ماريتسا، كتذكير لأصل العائلة العثمانية. بعد الحرب العالمية الأولى، احتلت فرنسا محافظة أنطاكيا وعانى جميل من الاستعمار الفرنسي وبؤس الكساد الاقتصادي في فترة ما بين الحربين. إلى جانب لغته الأم التركية كان يتحدث الفرنسية بطلاقة بالإضافة الى العربية والإنجليزية أيضًا. قام بتدريس اللغة الفرنسية وآدابها في مدن مختلفة وعمل بعد ذلك محاضراً في جامعة إسطنبول. منذ شبابه، بحث مريج عن هويته كمثقف مسؤول، وحدد فترات حياته بأنه «مسلم متشدد» بين عامي 1917 و1925، و»قومي شوفيني» بين عامي 1925 و1936، و»اشتراكي» بين عامي 1936 و1938، و»متردد» بين عامي 1938 و1960، و»مؤيد للهند» بين عامي 1960 و1964 و»عثماني» بعد عام 1964. وكطفل ذي روابط اجتماعية ضعيفة، انغمس في قراءة الكتب على نطاق واسع. تأذت عيناه بسبب الإفراط في القراءة وفقدها بشكل شبه كامل في سن الأربعين. لكن حياته الفكرية لم تنته حيث كان يقرأ ويكتب بمساعدة أبنائه وأصدقائه وطلابه. بالنسبة له، كانت الكتب بمثابة جنة آمنة، يقول: «عشت في الكتب وأحببت الأشخاص الموجودين في الكتب أكثر من الأشخاص الموجودين في الشوارع. لقد كانت الكتب حديقتي الخاصة، وكانت معالم رحلة حياتي». بدأ مريج بكتابة المقالات والأشعار عندما كان عمره 21 عامًا فقط، حيث قام بترجمة العديد من الكتب من الفرنسية إلى التركية. وقد كتب بغزارة في مجلات الأدب والفكر منذ ذلك الحين، وقام بترجمة العديد من الكلاسيكيات الفرنسية مثل هرناني وفيكتور هوغو. بدأ بكتابة اليوميات عام 1963 ونشر كتبًا مؤثرة مثل «هذا البلد» و»سان سيمون: عالم اجتماع أول واشتراكي أول». حصل على العديد من الجوائز، وتم التأكيد على إرثه خلال عهد حزب العدالة والتنمية حيث أطلق اسمه على العديد من الاماكن العامة. بصفته مثقفًا عاش في الفترتين العثمانية والجمهورية، شهد مريج تأرجح العقول بين المثقفين الأتراك بين الشرق والغرب. ولم يدخل في جدالات السياسة اليومية، بل حاول التركيز على القضايا الدائمة مثل الاستعمار والاستقلال والتنمية والحضارة والهوية. كما قال إن الصدع الأيديولوجي الغربي بين اليمين واليسار لا يناسب المجتمعات الإسلامية. كما أنها تسببت في عبء إضافي وهشاشة للمثقفين الأتراك الذين كانوا يشعرون بالضعف ضد الغرب. وبدلاً من ذلك، اقترح مريج إحياء الشرق أو آسيا باسم الحضارة الهندية ضد الغرب. كان جميل مريج مفكراً مسؤولاً اعترض على تآكل الهوية التركية المسلمة واللغة في ظل التوجه الغربي لمؤسسي الجمهورية الجديدة. لقد حاول رأب الصدع بين الماضي والحاضر في المجال الفكري. وأوصى الشباب التركي بتعلم اللغات الشرقية والغربية لمعرفة الغرب بعقل مستقل. ورأى أنه يجب على المثقفين الأتراك البناء على ماضٍ متين والاستفادة من الحضارات الأخرى لمواجهة التحديات الغربية. وقال إن الحضارة لا يمكن تحويرها إلى حضارة أخرى، منتقدا تقليد الثقافة الغربية في المجتمع التركي المسلم. أراد جميل مريج تحدي الغرب بالحكمة الشرقية وأفنى جهدا كبيرًا ووقتا كثيرا في الأدب والفلسفة الهندية بين الاعوام 1960 و1964. نشر كتابًا بعنوان «الأدب الهندي: على عتبة العالم» نُشر عام 1964. كما يستكشف كتابه «النور يأتي من الشرق» حكمة الشرق والغرب بطريقة انتقائية. يتناول كتابه» من المدينة إلى الحضارة» قضية التغريب وعزل المثقفين الأتراك عن ثقافتهم باعتبار ذلك تمهيدا بزوالها. وكذلك مؤلفه «أربعون مخزن» يشرح المفاهيم الأساسية للنهضة الحضارية ولكنه إنجاز جزئي لمسعى فكري أوسع. تم التحقيق في الحياة الفكرية لجميل مريج على نطاق واسع من قبل العديد من الباحثين بما في ذلك ابنته البروفيسور أوميت مريج في تركيا. ألفت الدكتورة أوميت كتابًا بعنوان «والدي جميل مريج - مثقف تركي في القرن العشرين» ملخصًا لحياة المفكر ومساعيه الفكرية (في مشروع الترجمة إلى اللغة العربية أيضًا). ولأن حياته الفكرية كانت تتأرجح بين اليمين واليسار، فإن كل دائرة فكرية تشيد بإرثه من خلال التأكيد على الأفكار ذات الصلة. يواصل جميل مريج إلهام الكثيرين في تركيا وربما في الخارج أيضا.
1920
| 10 أبريل 2024
أجرت تركيا دورتين انتخابيتين حاسمتين في أقل من عام، مما أثبت نضج ديمقراطيتها. وكانت انتخابات العام الماضي حاسمة للغاية حيث فاز أردوغان وائتلافه بالرئاسة والأغلبية البرلمانية ضد ائتلاف 6 أحزاب معارضة. وبعد ذلك السباق المتقارب، اتجهت الأنظار نحو الانتخابات المحلية هذا العام، والتي كانت أقل أهمية ولكنها لا تزال ذات أهمية بالنسبة للسياسة التركية. وفي هذا الوقت تمكن حزب الشعب الجمهوري من الفوز بأغلبية الأصوات من خلال قيادة الانتخابات لأول مرة منذ عام 1989. وتحتوي الأبعاد الاجتماعية لهذه الانتخابات معاني خاصة بالنسبة للمراقبين في الداخل والخارج. إذ أن الاقتصاد والأيديولوجية هما المحددان الرئيسيان للتصويت في تركيا وأماكن أخرى، كما يفترض المنظرون الاجتماعيون أمثال كارل ماركس وماكس فيبر. أثبتت الانتخابات التركية أن كليهما مهم لفهم اتجاهات التصويت. وتظهر الخريطة العامة لنتائج الانتخابات أن حزب الشعب الجمهوري قوي في المناطق الساحلية العلمانية نسبيا، بينما لا يزال حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية قويين في المناطق الداخلية المحافظة. خسر حزب العدالة والتنمية أرضية كبيرة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة وأضنة. إن الاقتصاد التركي يعاني منذ عام 2017 بسبب تأثير الدولرة والتلاعب الخارجي والاستجابات الاقتصادية الضعيفة للحكومة. ومنذ ذلك الحين، ارتفعت قيمة الدولار والتضخم عدة مرات في تركيا، مما أضر بقطاعات الدخل الثابت. وينطبق هذا بشكل خاص على القواعد الانتخابية لحزب العدالة والتنمية التي تتكون بشكل عام من الطبقات المتوسطة والدنيا. وتفاقمت هشاشة الاقتصاد خلال أزمة كوفيد والحرب الروسية الأوكرانية والزلزالين الكبيرين اللذين ضربا جنوب تركيا وشمال سوريا. وقد أثر الزلزال على حوالي 15 مليون شخص من خلال تدمير منازلهم وأعمالهم التجارية. وبالإضافة إلى العبء الاقتصادي الذي خلفه الزلزال، بدأ أردوغان سياسة التقاعد المبكر للفوز في الانتخابات العامة وقد نجحت الاستراتيجية. لكن ذلك أضاف عبئاً إضافياً على الموازنة العامة حيث حدّ من يد الحكومة في الانتخابات الأخيرة. وكانت حكومة أردوغان قد أدخلت تحسينات على رواتب القطاعات الأخرى مثل موظفي الدولة، لكن المتقاعدين ظلوا يتقاضون رواتب منخفضة للغاية ولهذا أرادوا معاقبته. كان متوسطو العمر وكبار السن يصوتون لحزب العدالة والتنمية بمعدلات أعلى من المتوسط، ولكننا نلاحظ اختفاء هذه الميزة في هذه الانتخابات. بمعنى آخر، إن المتقاعدين المبكرين أكسبوا أردوغان الانتخابات العامة عام 2023، لكن كانت التكلفة خسارة الانتخابات المحلية بعد عام واحد. بالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الشتاء وكذلك في شهر رمضان إلى زيادة العبء المالي على الطبقات الدنيا. اشتكت الحكومة من الأسعار العالية، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى استراتيجية قوية لخفض الأسعار. وكان عامل الشباب هو الصداع الرئيسي لحكم حزب العدالة والتنمية الذي جعل هذا الجيل الشاب معتادًا على التوقعات العالية. وهذا الجيل هو أيضاً جيل إنترنت وهو أقل التزاماً بالتوجهات الأيديولوجية والطبقية التقليدية. تظهر الدراسات أنهم أقل تسييسًا ولكنهم لا يزالون أكثر عرضة للتلاعب الإعلامي لأنهم يقضون وقتًا أطول على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ومقارنة بالأجيال القديمة، فإنهم أقل تقديراً لإنجازات حزب العدالة والتنمية السابقة مقارنة بالصعوبات الحالية. كما يعد تأثير الدين أو الأيديولوجية عاملاً مهمًا في سلوكيات التصويت في الانتخابات التركية. ولا تزال المناطق المحافظة تقليدياً تصوت لصالح حزب العدالة والتنمية ولكن بدرجة أقل كما هو الحال في ساكاريا وقونية وطرابزون. أصبح الدين مشكلة أقل مع أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش من خلفية سنية على عكس الخلفية الدينية والعرقية لكمال كيليتشدار أوغلو في الانتخابات السابقة. يمكننا القول إن أحمد داود أوغلو وحزب السعادة خففا من حدة الرفض بين المحافظين لحزب الشعب الجمهوري، بينما قدم حزب الجيد نفس الخدمة مع القاعدة القومية (خاصة في أنقرة واسطنبول). ويمكننا أن نستنتج أن لامبالاة بعض الطوائف الدينية ازدادت تجاه السياسة بسبب عدم قدرة الحكومة على مساعدة غزة، ودفع بعضهم إلى الامتناع عن التصويت، بينما صوت البعض الآخر لحزب الرفاه الجديد. وانخفض معدل التصويت منذ عام 2023 من 87 بالمائة إلى 78 بالمائة. وبدا أن ائتلاف المعارضة في الانتخابات السابقة مستمر في هذه الانتخابات رغم انسحاب الأحزاب من التحالف. ونلاحظ أن حزب العمل الشعبي المؤيد لحزب العمال الكردستاني أقام تحالفًا مع حزب الشعب الجمهوري، حيث حصل على جزء كبير من الأصوات الكردية لصالح الأخير. ومن الواضح أن طاولة الستة كمشروع هندسة سياسية كبير نجحت في الانتخابات المحلية. تقليديا، كان حزب العدالة والتنمية عبارة عن تكتل رئيسي قادر على جمع شرائح مختلفة للغاية من المجتمع. عليه يبدو الان أنه ليس لحكومة حزب العدالة والتنمية التكنوقراطية اليوم علاقات مماثلة مع عامة الناس. في الختام، لا يزال أمام حزب العدالة والتنمية أربع سنوات لإصلاح الاقتصاد واستعادة ثقة الجمهور، لكن هذه الانتخابات جعلت الأمر عاجلا وصعبا نسبيا.
1479
| 03 أبريل 2024
بصفته مفكرًا وشاعرًا كبيرًا، أنشأ محمد عاكف أرصوي مجلة أسبوعية دولية كبرى تسمى «الصراط المستقيم» مع صديقه أشرف أديب في 1908 وكان المحتوى يتماشى مع السياسات الإسلامية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني. كان شعار المجلة «صحيفة أسبوعية تتناول الدين والفلسفة والأدب والقانون والعلوم». وفيما بعد، تمت إضافة عبارة «تتناول السياسة وبخاصة الشؤون السياسية والاجتماعية والمدنية في العالم الإسلامي» ضمت هذه الجماعة القوية من الكتاب والمفكرين أيضًا الفيلسوف والسياسي المصري عبدالرحمن عزام، الملقب بـ «شيخ العرب». أجبرت حكومة الاتحاد والتقدم على تغيير اسم المجلة من «الصراط المستقيم» إلى «سبيل الرشاد». وتمكنت المجلة من الوصول إلى جمهور واسع، حيث انتشرت الاشتراكات في جميع أنحاء العالم الإسلامي من الهند إلى العالم العربي، نظرًا للفهم الواسع للغة العثمانية بين العلماء والمفكرين المسلمين في ذلك الوقت. وكمنبر للحوار الفكري، نجحت المجلة في توجيه أجندة العالم الإسلامي. وكان العلماء والشخصيات البارزة الزائرة إلى اسطنبول يترددون على مقر المجلة. وخلال تلك الفترة، كان العديد من الحجاج من البلقان والقوقاز وحتى آسيا الوسطى يزورون اسطنبول قبل الذهاب لأداء الحج أو العمرة، إما عبر البحر أو عبر سكة حديد الحجاز. خلال حرب الاستقلال ضد اليونان والمستعمرين الآخرين في الأناضول، تم طبع بعض العدد من مجلة «سبيل الرشاد» في مدن قسطموني وأنقرة. ومع ذلك، تم إغلاق المجلة بقوة يد الحكومة الكمالية القمعية في عام 1925. بالإضافة إلى مجموعته المشهورة من القصائد المعنونة «صفحات»، قام بترجمة عدة كتب، بما في ذلك كتاب سعيد حلمي باشا المعنون «الأسلمة» من الفرنسية إلى التركية العثمانية. يُعتبر هذا التعاون دليلاً على الصداقة الوثيقة بين هاتين الشخصيتين البارزتين. على الرغم من إخلاصه، قرر محمد عاكف وقف مشروع ترجمة القرآن إلى التركية، خوفًا من أن يُستخدم كبديل للقرآن الأصلي حسب سياسة التتريك. ظهر محمد عاكف كشخصية بارزة في الدوائر الفكرية العثمانية بفضل شعره العميق وبلاغته. كان يؤمن بوحدة المسلمين ويعارض القومية العرقية والعنصرية، سواء كانت تركية أو عربية أو ألبانية. لم يكن عاكف يحب التشاؤم أيضا، بل كان دائمًا ملهمًا للنشاط، وفي بعض قصائده كان يعبر عن غضبه تجاه التشاؤم السائد والثقافة الغربية في المجتمعات الإسلامية. في أحد أشعاره قال: «الحضارة الغربية كائن غريب، فقد كذبت وأوهمت ضمير العصر الحديث. إننا بحاجة إلى الوحدة كداعم ودافع» كان يعتقد بشغف أن الإسلام دين يوحد مختلف الأعراق والشعوب، وحذر من أن القومية ستدمر جذوره، وأن من ينسى ذلك سيعاني إلى الأبد. كانت أفكاره مشابهة إلى حد كبير لأفكار مصطفى كامل المصري، حيث كان يدافع عن الوحدة تحت الخلافة العثمانية. كانت نداءاته واضحة وملهمة: «استيقظوا! بدون وحدة، سنفقد كل شيء، بما في ذلك العروبة والقومية التركية. إننا، نحن المسلمين، أصبحنا متجاهلين لحقيقة أن القومية ليس لها مكان في الإسلام» فهو يعترف بالفروق العرقية والجغرافية ولكنه يرفض المبالغة في هذه الجوانب، يحث المسلمين على التمسك بالهوية الإسلامية وتحقيق الوحدة. قضى محمد عاكف الكثير من جهده في صياغة مفهوم الجيل المثالي الذي أطلق عليه اسم «جيل عاصم». يمثل هذا الجيل الشباب المسلم بشكل عام، واستلهم محمد عاكف هذه الفكرة من الشهيد عاصم بن ثابت الذي شارك في غزوة أحد. يحدد عاكف صفات هذا الجيل العاصم بشكل واضح، حيث يركز أولاً على الصحة البدنية، ثم على الشخصية القوية والنجاح والإنتاجية والمسؤولية. كان عاكف نفسه رجلاً رياضياً، ويشجع الشباب على الحفاظ على صحة جسدهم، مع التأكيد على البنية القوية، والصدر المرتفع، والعضلات المشدودة، والعظام القوية، والكتفين والأذرع العريضة، والطول المناسب مع رأس متناسب ومرفقين ويدين قويتين. روحانيًا، يتمتع جيل العاصم بإيمان قوي ومعرفة جيدة، وأفكار ديناميكية مختلطة بالحكمة، ومشاعر عميقة، والتزام بالعدل، ولا يخشى الموت لأنه يتمتع بروح العطاء، وهو ماهر ورحيم ولطيف. يقوي إيمانه الشباب ضد جميع أنواع الصعوبات والمشكلات، إذ يتغذى على الأخلاق والمعرفة المفيدة. «للتقدم، يجب على الأمة أن تجمع بين المعرفة والأخلاق معًا» هو من مدرسة الفكر التي ترغب في دمج الإنجازات العلمية المعاصرة مع الأخلاق الإسلامية، بدلاً من العودة إلى الماضي الذهبي. عاكف كان يتخيل شبابًا متفائلًا ونشطًا وطنيًّا: «لو أظهروا لنا شعاعًا واحدًا، لمزقنا الظلام. لم يستطع الشباب الازدهار خلال القرون القليلة الماضية بسبب فقد إيمانهم بالمستقبل» يحث الشباب على العمل والنشاط والإنتاجية بدلاً من الجدل الدائم: «اعمل ألف مرة من أجل قضيتك، حتى لو فزت مرة واحدة فقط في حياتك». وينصحهم بالاعتدال ويحذرهم من التطرف. وبالتالي، تظل رؤية عاكف الطموحة والبناءة للشباب المسلم مصدر إلهام للعديد من الناس في تركيا.
1302
| 27 مارس 2024
بعد سقوط السلطان عبد الحميد عن السلطة عام 1908، حكمت جمعية الاتحاد والترقي البلاد فعليًا حتى نهايتها. وكان السلطان عبد الحميد يهتم بتوازن القوى على المستويين الإقليمي والدولي. لكن حزب الاتحاد والترقي أضعف هذه السياسة بإهماله البعد الإسلامي، وأغضب الغرب في نفس الوقت بميله نحو ألمانيا. فقدت الإمبراطورية العثمانية معظم أراضيها في حروب البلقان خلال الفترة 1912- 1913 حيث كانت الإمبراطورية الروسية الراعي الرئيس لحروب البلقان بسياساتها السلافية. وكانت أوروبا الغربية، وخاصة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، التي كانت تسيطر على جزء كبير من العالم الإسلامي، حريصة على تدمير الاتحاد العثماني إلى الأبد بعد حروب البلقان التي أضعفته بشكل خطير. ولتقسم الأراضي العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وروسيا اجتمع ممثلو تلك الدول عدة مرات قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى. وآخر اتفاقية تم توقيعها بين بريطانيا وفرنسا فيما يعرف باتفاقية سايكس بيكو. وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى في يوليو 1914، هاجموا الأراضي العثمانية أيضًا. دخلت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1914 على أمل استعادة أراضيها المفقودة في البلقان والقوقاز والشرق الأوسط. ومع انتشار الحرب إلى عدة جبهات، استهدفت قوات الحلفاء إسطنبول، قلب الدولة العثمانية أو الخلافة، عن طريق البحر عبر مضيق الدردنيل. كانت هذه إحدى المراحل الرئيسة للحرب العالمية الأولى التي أودت بحياة حوالي 20 مليون شخص وعدد أكبر من الجرحى. وبهذا الهجوم، أراد الغرب أيضًا إرسال مساعدات إلى روسيا التي كانت تحت الضغط الألماني. ولذلك أمر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشرشل بالهجوم في فبراير 1915 (كان حينها يشغل منصب أمير البحرية البريطانية). فشل التوغل الأول للقوات البحرية البريطانية والفرنسية لاختراق خط الدفاع الساحلي للقوات العثمانية في مارس وأبريل 1915 بسبب تماسك وشجاعة التحصينات العثمانية على ضفتي المضيق. ثم أنزلوا جنودهم في خمسة مواقع مختلفة في شبه جزيرة جاليبولي. حدث آنذاك قتال شرس بين الطرفين، وأبدى الجنود العثمانيون بطولة فائقة ومقاومة باسلة لصد الغزاة، وكان المقاتلون العثمانيون في تلك المعركة التاريخية ينتمون إلى كافة الأمم، أتراك وعرب وأكراد ومهاجري الخلافة الإسلامية من البلقان والقوقاز. على سبيل المثال، قاتل 30 ألف سوري في الجيش العثماني واستشهد منهم 600 في تلك المعركة. ومن ناحية أخرى، جلب المعتدون مقاتلين من الغرب والشرق، منهم الكنديون والهندوس والأستراليون والأفارقة. كما جلبت قوات الحلفاء رعايا مسلمين تحت شعار مساعدة الخلافة العثمانية. وعندما أدرك المقاتلون المسلمون من الهند وإفريقيا الحقيقة، رفضوا إطلاق النار على المقاتلين العثمانيين أو انشقوا إلى جانبهم. كانت معركة الدردنيل مكلفة للغاية لكلا الجانبين، حيث قُتل نصف مليون شخص بالتساوي تقريبًا من كل جانب. وكانت أول حرب كبرى شهدت استخدامًا واسع النطاق للبنادق الآلية والطائرات. في النهاية، اضطرت القوى الغربية إلى الانسحاب من جاليبولي بخسائر كبيرة. وبالتزامن مع معارك جاليبولي، كانت القوات البريطانية تحاول آنذاك السيطرة على الخليج العربي عن طريق غزو العراق. أوقفهم الجيش العثماني المدعوم بمقاتلي العشائر العربية في معركة الكوت والعمارة، حيث أخذوا 15 ألف جندي من الجنود البريطانيين أسرى حرب. بعد نكسة الدردنيل، حولت القوى الغربية تركيزها إلى الأراضي العربية. بمعنى آخر، بعد فشلهم في القبض على الرأس، ركزوا على تدمير أجزاء مختلفة من الإمبراطورية العثمانية واحدًا تلو الآخر. يمكن اعتبار معركة الدردنيل أيضًا بمثابة انتصار على آخر الحملات الصليبية التي استهدفت بلاد المسلمين. الشاعر الراحل محمد عاكف أرصوي، مؤلف النشيد الوطني التركي الحالي، وصف الحرب العالمية الأولى بأنها «الحملة الصليبية الأخيرة». على الرغم من أن الحرب انتهت بهزيمة قوى المحور بعد عامين من معركة جاليبولي، إلا أن انتصار الدردنيل كان له تأثير مهم على مسارات الحرب العالمية الأولى. ولم تتمكن قوى الحلفاء من تحقيق هدفها المتمثل في غزو إسطنبول. ولو سقطت إسطنبول، لربما انتهت الحرب بالسيطرة السريعة على الأراضي العثمانية المتبقية في الشرق الأوسط. أدى انتصار الدردنيل إلى تحسين حافز الدولة العثمانية وحلفائها للقتال لمدة عامين آخرين. والأهم من ذلك أن القوى المتحالفة فشلت في مساعدة روسيا وإنقاذها من الانهيار الذي أدى بدوره إلى الثورة البلشفية في روسيا. وانسحبت روسيا لاحقا من التحالف مع الغرب. وبعد الهزيمة النكراء للبحرية البريطانية في تلك المعركة، حدث تغير في طبيعة نظام الحكم في إنجلترا، ولو جزئياً. لقد ألهم انتصار جاليبولي «المنسي» المقاومة في الأناضول التي أدت إلى ظهور تركيا الجديدة، وقد ظلت قصص البطولات في تلك المعركة تلهم الشعب التركي، وألهمت المقاومة ضد الاستعمار في وقت لاحق.
1398
| 20 مارس 2024
يُعرف محمد عاكف بشاعر النشيد الوطني التركي، ولكن حياته شهدت تطورات كبيرة في نهاية الإمبراطورية العثمانية وبداية الجمهورية الجديدة. وُلد في إسطنبول عام 1873 من أب من أصل ألباني وأم تركية. كان والده من معلمي المدرسة في جامع الفاتح وعلمه اللغة العربية في سن مبكرة. في المدرسة الثانوية، أتقن اللغة الفارسية والفرنسية أيضًا. وكانت عائلته مقربة من الدوائر الفكرية في إسطنبول. توفي والد عاكف في عام 1888 عندما كان عمره 15 عامًا فقط. في السنة التالية، دمر حريق واسع منزلهم في منطقة الفاتح، مما أدى إلى دفعهم إلى الفقر. بسبب حاجته إلى كسب لقمة عيشه اضطُر عاكف إلى تغيير مسار تعليمه من خلال اختياره لمجال البيطرة، في نفس الوقت كان يمارس بشغف رياضات مثل المصارعة والجري والسباحة وبدأ يشعر بالاهتمام بالشعر والفنون. بدأت قصائده في الظهور في المجلات الفنية الرئيسية لتلك الفترة، مثل «ثروت فنون». وفيما بعد، أصبح مدرسًا للأدب في نفس المدرسة. محمد عاكف نشأ في فترة صعبة من الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا في عام 1878، حيث هاجر ملايين اللاجئين من البلقان والقوقاز إلى إسطنبول وأناضول والمناطق العربية. شهد بنفسه الكثير من المعاناة، مما دفعه إلى التأمل في حلول وضع الأمة العثمانية. كما شاهد هزيمة كبيرة للدولة العثمانية في البلقان خلال سنوات 1912-1913، مما أدى إلى تفاقم مشكلة الهجرة والمعاناة في إسطنبول. ربما كانت هذه الفترة خاصةً مؤلمة بالنسبة له، لأن والده كان قادمًا من البلقان. خلال فترة عمله كطبيب بيطري، استغل محمد عاكف الفرصة للتجوال في مناطق مختلفة، بما في ذلك البلقان والأناضول، بالإضافة إلى شبه الجزيرة العربية. وقد أتاحت له هذه التجارب الشخصية فهمًا مباشرًا للوضع الصعب الذي كانت تمر به الدولة العثمانية. في هذه الفترة، قام بتدريس اللغة العربية في فرع شاه زاده باشي التابع للاتحاد والترقي. كما انضم إلى جمعية (رابطة الدفاع الوطني)، التي كانت تهدف إلى دعم الجيش العثماني والشعب الذين وقعوا تحت الاحتلال، بدءًا من ليبيا وصولاً إلى البلقان. وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، قام عاكف برحلة إلى مصر والحجاز استمرت لمدة شهرين. خلال الحرب العالمية الأولى، عمل محمد عاكف على كسب دعم العالم الإسلامي لصالح الإمبراطورية العثمانية. ذهب حتى إلى ألمانيا برفقة الشيخ صالح التونسي لإقناع السجناء المسلمين من روسيا وبريطانيا وفرنسا. وخلال الحرب، تم إرساله مرة أخرى إلى الحجاز للتواصل مع علماء العرب شيوخ القبائل العربية. هناك، علم بانتصار معركة جناق قلعة وكتب قصيدة ملحمية شهيرة أطلق عليها "لشهداء جناق قلعة". انضم محمد عاكف شخصياً إلى النضال من أجل الاستقلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى. وكان هذا النضال ضد محتلي الأناضول، مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان. انتخب كعضو في برلمان أنقرة خلال الفترة من 1920 إلى 1922. وفي عام 2021، تم اختيار قصيدته «نشيد الأمة» (أو نشيد الاستقلال) من بين 700 قصيدة. وعلى الرغم من ذلك، رفض استلام المكافأة التي قدمت له، حيث أكد أنه لا يمكن كتابة النشيد الوطني مقابل المال، وقام بتبرع هذا المال للهلال الأحمر التركي.. بعد مقتل صديقه وزميله في البرلمان والسياسي المعارض علي شكري بك في أنقرة، شعر محمد عاكف بالضغوط التي يتعرض لها السياسيون الإسلاميون. قرر الابتعاد عن الساحة السياسية وبدأ يقضي فترات الشتاء في مصر كضيف للخديوي عباس حليم باشا في عام 1922. استقر في مصر بشكل دائم عام 1926 بعد وفاة والدته وبسبب خيبة أمله نتجت عن إلغاء الخلافة وسياسات التغريب الأخرى في تركيا. ويرجح أيضًا أنه نفي إلى مصر على يد مصطفى كمال أتاتورك. أمضى عاكف نحو عشر سنوات في مصر، حيث قام بتدريس اللغة التركية في جامعة الأزهر. عاد إلى اسطنبول لتلقي العلاج من تليف الكبد، لكنه لم يتمكن من التعافي وتوفي في نفس العام في مبنى مصر في بيوغلو ودُفن في مقبرة أديرنه-قابي. إلى جانب كتابته للنشيد الوطني، قام محمد عاكف بإنشاء مجموعة شهيرة من القصائد تحمل عنوان «صفحات»، وقام أيضًا بتأسيس مجلة دولية بارزة تحمل اسم «صراط المستقيم»، التي تحولت فيما بعد إلى «سبيل الرشاد». كما قام بترجمة القرآن إلى اللغة التركية. شهدت كتابات محمد عاكف في الحياة الفكرية تأثيرًا كبيرًا في تركيا اليوم، وسنستكشف تفاصيل آرائه الاجتماعية والفكرية في المقال القادم.
2370
| 13 مارس 2024
التعلم هو عملية مضنية تستمر من المهد إلى اللحد. مع دخول الحاسوب في حياتنا، زاد إنتاج المعرفة ونشرها وأصبح الوصول الى المعلومات أسهل. عندما ظهرت محركات البحث مثل جوجل، أصبحت محركات البحث القديمة التي تعمل بطريقة التصنيف فاقدة للفعالية، وتغير نمط استخدامنا للإنترنت. والآن، مع تقنية الذكاء الاصطناعي التي تستطيع معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات، تتغير حياتنا مرة أخرى. وفي هذا السياق، يتسبب هذا التأثير في تحول كبير في مجال التعليم. في مجال تعليم الأطفال، يتلاشى دور الوالدين نتيجةً لتعرض الأطفال الآن لمقاطع الفيديو الترفيهية والتعليمية عبر الإنترنت منذ سن مبكرة جدًا. ورغم أن الوالدين قادران على تحديد الفيديوهات التي يمكن لأطفالهما مشاهدتها، يجهل العديد منهم هذه التحكمات أو يتجاهلونها. ونتيجة لذلك، تحدد أو توجه هذه المنصات ما يمكن للأطفال مشاهدته، وذلك عبر خوارزمياتها التي تعتمد على تحليل سلوك المستخدمين وتقديم محتوى مخصص وفقًا لتفضيلاتهم واهتماماتهم الشخصية. بالرغم أن العديد من منصات التواصل الاجتماعي تفرض شرطًا للعضوية بحد أدنى للسن المسموح به وهو 13 عامًا، إلا أنه من المعروف أنها تتبع سياسات تجاهل هذه الشروط لتعويد الشبان الصغار إلى منصاتها. ينقص تأثير الأسرة والمدرسة على الشبان الذين يتعرضون لوسائل التواصل الاجتماعي في سن مبكرة جدًا. وعلى الرغم من رغبة الأسر في مراقبة المحتوى الذي يتعرض له الشبان، يصبح من الصعب عليهم فعل ذلك. من ناحية أخرى، يمكن أن تكون لتقنيات الحوسبة والذكاء الاصطناعي بعض المساهمات الإيجابية في مجال التعليم. على سبيل المثال، يمكن جعل عملية التعلم أكثر ديناميكية وجذابة باستخدام الذكاء الاصطناعي. يمكن تخصيص التعلم بشكل فردي وفقًا لقدرة الطالب وسرعته في الفهم. يمكن تنظيم العلاقة بين المعلم والطالب بشكل فعال من خلال توفير ردود فعل يومية ونظام تقييم ديناميكي. سيكون من الممكن التدخل بشكل أسرع في حالة وجود مشكلة. سنشهد أقل حالات ترك المدرسة بسبب سلوك بعض المعلمين، التي كنا نشهدها كثيرًا في الماضي. مع استخدام التعليم عبر الإنترنت وتقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال التعليمي، يتوقع بعض الخبراء تغيير مفهوم المدرسة التقليدية وأن تنتهي مشكلة الوصول إلى المعلومات ولكن قد تظهر مشكلة في استيعاب تلك المعلومات من طرف الطالب. يشير ذلك إلى أن راحة الوصول الدائم إلى المعرفة قد تقلل من الشعور بالرضا الروحي الذي ينبع من تعلم أمور صعبة. بالفعل، يُتوقع تراجع حافزات القراءة بين الشبان مع توسع استخدام التكنولوجيا. ومع استخدام الذكاء الاصطناعي، سيتمكن أولياء الأمور من متابعة الطلاب عن كثب. وكما كشفت الأبحاث التربوية، عندما يراقب الآباء التقدم المدرسي لأطفالهم، يصبح الشباب أكثر انضباطًا ونجاحًا. أيضا يمكن بسهولة إعداد نظام لتقييم الطلاب، ويمكن جعل عملية التعلم أكثر متعة من خلال الألعاب والوسائط المرئية. باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن تحويل التعليم إلى عملية أكثر حيوية وفعالية. يمكن أن تأخذ العديد من مجالات التدريب، مثل محاكاة الطيران، شكلًا أكثر بصرية وتفاعلية. ومع التعليم المحوسب والذكاء الاصطناعي، ستزايد أهمية الوصول إلى المعلومات والتعلم الذاتي والبحث بشكل أكبر من عملية نقل المعرفة التقليدية. بل ويُمكن تدريس الدورات الأساسية في المدارس الثانوية أو الجامعات بواسطة عدد أقل من المعلمين والأساتذة. في حين يتفاعل المعلم التقليدي مع 20-30 طالبًا في الفصل، يمكنه الآن التفاعل مع مئات أو حتى آلاف الطلاب في نفس الوقت عبر الإنترنت. وهذا يعني أن العديد من المدارس قد تواجه تحديات مالية والإفلاس، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف لعدد كبير من المعلمين. تماشي المناهج المدرسية مع تطورات الذكاء الاصطناعي يعد أمرًا ضروريًا. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يصبح بالإمكان كتابة مقالات حول أي موضوع تقريبًا، بالإضافة إلى إعداد العروض التقديمية بسهولة. ومع ذلك، يتطلب هذا التحول إعادة تدريب المعلمين للتأقلم مع هذه الفترة الجديدة. لو نتذكر التحديات التي واجهها بعض المعلمين في التعليم عبر الإنترنت خلال جائحة كورونا، يتضح أن هذا التغيير قد يمثل تحديًا إضافيًا يجب على النظام التعليمي التكيف معه. الفعل، سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على المكانة المركزية للمدرسة في ميدان التعليم، مما يستدعي تغييرًا في العلاقات بين المدرسة والمجتمع. من ناحية أخرى، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم التعلم طوال الحياة. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الفروق في وصول أدوات التعلم الرقمي إلى زيادة عدم المساواة الاجتماعية بدلًا من تقليل الفجوة بين فئات المجتمع. وبما أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الجديدة، فإن المخاوف المتعلقة بتدمير التفكير النقدي وتزايد الإدمان على التكنولوجيا، جنبًا إلى جنب مع المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأخلاق، تظل قضايا تحت النقاش. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على العمليات التعليمية إلى جانب تأثيره على مجالات الحياة الأخرى.
1899
| 06 مارس 2024
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3690
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
2679
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1494
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
915
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
906
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية