رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عيادة عز الدين

كان عز الدين موسى، أحد مساعدي تحضير العمليات القدامى، الذين عملوا معي أثناء التدريب، وتعلمتُ منهم كثيرًا من الحيل، يسكن في حي النور البعيد، وكان قد أنشأ في بيته منذ فترة طويلة، عيادةً بمواصفات الحي نفسه، لا غرفة مصبوغة بعناية، لا أثاثًا جيدًا مريحًا، لا كهرباء تبرز الاسم على لوحة مضيئة، ولا حتى طريق نظيف بلا حفر تشقه العربة حتى تصل. وكان قد تعاقب على عيادته تلك عدد كبير من الأطباء الذين عملوا في الساحل، يجلسون عليها سنوات أو أشهرًا، أو أيامًا معدودة، ثم يذهبون. بعضهم إلى تخصص يختاره، وبعضهم إلى هجرة يهاجرها، وقد يترك بعضهم المهنة تمامًا، ويتفرغ لأعمال أخرى مثل التجارة والسمسرة، والعمل السياسي. حدَّثني عز الدين بأمر تلك العيادة بعد أن خلت ذات يوم بحصول شاغلها الأخير، وكان اسمه(الماحي)، على عقد عمل في دولة عربية خليجية، وسافر على الفور، حدَّثني عن ازدحامها الشديد، وزبائنها الذين بلا حصر ويترددون عليها منذ سنوات طويلة، ودخلها الذي لا يتوفر حتى لكبار المتخصصين، أصحاب اللافتات اللامعة المضيئة في وسط المدينة وانسقت خلفه حتى قبل أن أرى الموقع، وأقرر إن كان يصلح عيادة حقيقية أم لا؟ اشتريت مولدًا صغيرًا مستعملًا للكهرباء من هنديٍّ اسمه برد شاندرا، كان من بقايا هنود المدينة الذين قطنوها منذ زمن بعيد، واستعمروا تجارتها خاصة في مجال القماش والحلويات، وتموين السفن، كان يتاجر بالمولدات الكهربائية وآلات التكييف والتدفئة والمراوح، في محل بلا اسم يملكه وسط المدينة، وكان جافًا، وعدائيًا ويقسم بالطلاق ثلاثًا في كل وقت، وعند مناقشة أي مشترٍ، أسوة بالتجار جميعهم، حتى لو كانوا هنودًا بوذيين، وباعني سلعته المستعملة، بمبلغ كبير لم أكن أملكه حقيقة واستدنته من أحد الزملاء القدامى، رغم أنني ذهبت إليه برفقة أحد أقاربه. وجلسنا أنا وعز الدين موسى الذي يعمل أيضًا ممرضًا بالعيادة، إضافة إلى ملكيتها، بعد ذلك أيامًا قاربت الشهر، على كرسيين قديمين من البلاستيك المقشَّر، أمام باب العيادة بلا عمل، نتابع الزحام الذي يتخبط في الظلام أمامنا، ويحدثني عن زبائن بلا عدد سيأتون حتمًا في أحد الأيام، منساقين وراء لافتة النيون التي أضاءت بمولِّد برد شاندرا، لأول مرة منذ أن افتتح العيادة، وكانت اللافتة من قبل، تضاء بالفوانيس، أو تترك بلا إضاءة، وأحدثه عن خيبة الأمل التي أحسها، ولا تفارقني في أي وقت من أوقات يومي، وكان ينهض متوترًا كلَّما لمح ظلًا في الطريق، يقترب منا، أو سمع صراخًا في بيت قريب، أو تعثر أحد المارة بحجر وسقط، ثم يعود إلى جلسته بتوتر أكثر حين يتجاوزنا الظل إلى بعيد أو يسكن الصراخ، وينهض المتعثر من سقطته ويمضي، واضطُر في أحيان كثيرة وتحت وطأة ثقل الضمير أنه ورطني بلا معنى، وأيضًا شح المال عندي وعنده، أن يجوس بقدميه في الحي، يطرق بيوتًا عديدة يعرف أن فيها مرضى مزمنين، ويعرض عليهم خدمات طبيبه الجديد البارع بأجرة تافهة. وكانت ثمة استجابات طفيفة، أو لا استجابات على الإطلاق. وصادف أن جاء في تلك الأيام مندوبون عديدون من مصلحة الضرائب وإدارة الزكاة وشؤون الأيتام والقصَّر، وجمعيات الأعمال الخيرية، سعيًا وراء صيد ثمين، لم يعثروا عليه عندي، وسجَّلوا على أوراقهم ودفاترهم، دخول وخروج عيال عز الدين وأقاربه الزائرين الذين كانوا يستخدمون باب العيادة المفتوح على البيت، في تنقلهم إلى الطريق، وقالوا إنهم حتمًا سيعودون ويسجلون المزيد، ويطالبونني بتسديد ضرائبي الوطنية آخر العام.  

731

| 28 أكتوبر 2013

حارس البوابة

وقف قسم السيد أمام رئيسه، بنفس الوقفة التقليدية غير المبدعة، التي يقفها كل مرؤوس أمام رئيس. الرأس منكس باتجاه الأرض، اليدين خلف الظهر في استكانة، وإحداهما تتحرك من حين لآخر، لتحك رأسا لم يكن من الضروري حكه. شاهد يدي رئيسه ثابتتين، وتكتبان بالقلم بلا أي رعشة، وتنهد في ارتياح: إذن لم يتصلب ولم يفقد الذاكرة، ويتركه لضميره حتى يعذبه. - لم أتلق شكاوى في حقك في الفترة الأخيرة، من المحتمل أن أغير رأيي عنك لو استمر الوضع هكذا. إنها واحدة من جمل رئيس الحراس المفضلة، وغالبا ما تكون افتتاحيته، أو بداية انطلاقه لأي حوار يجريه مع واحد من حراس البوابة الذين تحت إمرته، وكانوا أربعة، يتطورون أحيانا إلى خمسة، أو يتدهورون إلى إثنين فقط. لقد قيلت هذه الجملة في حق قسم السيد وحده أكثر من سبعمائة مرة، وطوال إثني عشر عاما قضاها حارسا لبوابة فندق سواري، وأصبحت في النهاية مجرد جملة بلا ظلال، يمكن تجاهلها تماما، أو إن شاء أحد أن يعتبرها بصقة لم تسقط على ثيابه. - شكرا سيدي  قالها قسم السيد، وكانت هذه أيضا ردة فعل الحراس التي من المفترض أن تلي الجملة المستهلكة، هذه أيضا بلا طعم، ويمكن اعتبارها بلعا للريق، لأن اعتبارها بصقة غير جائز، وهي ترد للمسؤول.  كان قسم السيد بحاجة إلى إجازة، لن يستطيع تغطية غيابه مرة أخرى، ويوجد زميل لم ينم منذ ليلتين. والحارسان الآخران سيعودان قريبا من إجازتهما السنوية، ويوجد واحد يعمل بأجر يومي، يتم استدعاءه في حالة وجود فراغ، أو زحام يستوجب وجود أكثر من حارس. - أريد أن أطلب إجازة يا سيدي. لم تتغير ملامح الرئيس، لم تجف أكثر، حتى بعد أن رفع وجهه كله، وواجهه به: - عدت من إجازتك السنوية منذ شهر، ولا تستحق إجازة في الوقت الحاضر. - أعرف يا سيدي ولكنها ظروف طارئة. - مثل ماذا؟ بالطبع لن يخبره أنها مسألة تعاطف قوي اسمها مهمة إغاثة امرأة ضائعة، ويعرف برغم الجملة الاستهلاكية التي سمعها من رئيسه للتو، أنه حارس تم تصنيفه حارسا بلا جدوى منذ وقت طويل، وبخ عشرات المرات، وتم لومه بسخاء لم يلم به حتى فريق كرة القدم القومي، وهو يخسر مباراة تلو أخرى.

671

| 21 أكتوبر 2013

العرب ونوبل

في كل عام، وقبل أن تعلن نتيجة جائزة نوبل للأدب، نجد التكهنات قد بدأت تنتشر، عن الذي يستحقها من بين سكان قائمتها المعلن عنها، ودائما ما نجد الياباني هاروكي موراكامي، موجودا على قمة التكهنات حتى العام الماضي، حين نالها كاتب صيني لم يكن معروفا بشدة، وبذلك تقلصت فرصة موراكامي بوصفه كاتبا آسيويا يحتاج إلى زمن طويل، قبل أن يلتفت محكمو نوبل إلى قارته مرة أخرى. ورغم أن قوائم نوبل المعلنة تضم كتابا، بعضهم شبه مغمور، وبعضهم لا يملك إلا عددا محدودا من الكتب، وترجم للغات محدودة، إلا أنها تخلو من كتاب كبار، معروفين، ولا أدري ما هي آلية الترشيح لهذه الجائزة؟، وعلى ماذا تعتمد؟ على صعيدنا العربي، فلابد أن تطالع اسم الشاعر السوري أدونيس، وفي هذا العام شاهدت اسم الشاعر الفلسطيني الفذ غسان زغطان، والروائية السودانية التي تكتب بالإنجليزية ليلى آبو العلا، وبالطبع كانت تلك مجرد ترشيحات، نخرج منها في كل عام منهزمين.  أدونيس بما قدمه من عطاء متجدد لسنوات طويلة، وبرغم مواقف متأرجحة في السياسة أغضبت الكثيرين منه، يستحق جائزة كبرى كتلك، وهناك من العرب من يستحق أيضا، وروائي مثل إبراهيم الكوني مثلا، بخصوصية تجربته عن الصحراء، التي لا تقل جدارة عن تجربة واحد مثل التركي أورهان باموق، يستحق أن يرشح وأن يمنح الجائزة. لكن في تقديري، أن الأدب العربي، ومهما لمع فيه كتاب وشعراء بلغات أخرى، يظل أدبا عربيا، شبيها في نظر الغرب بمنتجيه، الغرب يتابع الأدب الهندي والأدب الإفريقي، وأدب أميركا اللاتنية ويمكن أن يمنح تلك الآداب جوائز متعددة، لكنه يتوقف حائرا مترددا أمام كل ما هو عربي، فالبلاد التي تنتج الخوف، في النظرة الغربية غير المحايدة، لا يمكن أن تنتج أدبا جيدا. وباستثناء بعض المستشرقين الذين فهموا العرب وأحبوا نتاجهم الفكري، وتفاعل بعضهم مع الدين الإسلامي، وأحبوا سماحته، وترجم بعضهم معاني القرآن الكريم إلى لغات متعددة، لا نجد من ينصف، ومن يدعم التزاحم العربي الموسمي علي أبواب استوكهولم.  لقد كان العبقري نجيب محفوظ استثناء حين منح نوبل، رجل عمل بدأب وإخلاص للكتابة وحدها، واخترع طقوسه وعالمه الخالد، ولا أعتقد أن الاستثناء، يمكن أن يحدث ببساطة مرة أخرى. الحل في رأيي، هو أن تنشأ جائزة عربية تعادل نوبل في قيمتها المادية والمعنوية، أن نتزاحم موسميا على أبوابنا الشخصية، بعيدا عن نظرة الغريب إلينا وإلى آدابنا، فالأدب العربي بخصوصيته، وسحره وأساطيره المتميزة، عالمي حتى لو لم يحتضنه العالم، وحتى داخل الحوش العربي الواحد، تجد تمايز بين كل بيت وبيت، فالذي يكتب في السعودية، غير الذي يكتب في مصر، والذي يكتب في المشرق العربي، يختلف عن الذي يكتب في مغربه، وهكذا، حين تنشأ تلك الجائزة المعادلة، ينشأ التنافس الحر بين أبناء البيت، مختلفي النكهات، ولا ضرورة أبداً لأن نوضع في أي قائمة أخرى غير قائمتنا الشخصية.

353

| 15 أكتوبر 2013

عن بورتسودان

لم تكن بورتسودان مدينة صغيرة في أي يوم من الأيام، لكنها مدينة حميمة. كانت تؤوي عشرات الأجناس والأعراق، يسكنها أهل شرق السودان من قبائل البجة، والبني عامر، الذين يعملون في تعبئة السفن وتفريغها في الميناء، يسكنها مهاجرون من الشمال احتكروا بعض الأنشطة، خاصة الخدمة العسكرية، وفيها مهاجرون هنود ويونانيون، ومن أقباط مصر، شكلوا مجتمعاً أرستقراطياً إلى حد ما، واحتكروا التجارة بأنواعها، وكان فيهم شخصيات شهيرة مثل: بوبو تاجر القماش القادم من مدينة مومباي الهندية، وكان أحدب ويلقبه الوطنيون بالخواجة (أبو ظهر). كان كل مهاجر في نظر الناس خواجة، حتى لو جاء من الهند. أيضاً مهندرا طبيب الأسنان، وهارون الذي أنشأ عدة صوالين لقص الشعر، وكان ثرياً يتدافع الناس على صوالينه، تاركين الحلاقين الوطنيين. كان يوجد يني، صاحب بار الملائكة، في وسط السوق، وفائق، صاحب خمارة أخرى، حولها إلى صيدلية حين انتهى بيع الخمور في البلاد، قبل أن يترك تاريخه، ويهاجر إلى أستراليا. ولعل سكان المدينة ما زالوا يتذكرون فهمي قرياقوس، أفضل خياط في المدينة. ذلك اليوناني الشهم، الذي اكتسب عادات البلاد كلها، بما فيها حلف الطلاق بسبب وبغير سبب، وامرأته التي كانت ترتدي الثوب الوطني، وتبدو كما وصفتها في كتابي مرايا ساحلية، كأنها لوحة وطنية، رسمت بريشة مستشرق. كنا نعيش وسط ذلك الخليط الغريب، كل له رونقه وطعمه والمدينة واسعة الصدر تحتفي بالجميع، كل معروف في حدود حيه، والشوارع التي يمشي فيها، لكن تذوق المدينة واحد عند الجميع. المستشفى واحد، يتعالج فيه الجميع، وصيدلية بيومي، التي يملكها صيدلاني من أصل مصري، هي المكان الذي ما زال يتوفر فيه الدواء المنعدم في الصيدليات الأخرى، قديمها وحديثها. أتطرق للأحياء المتعددة في المدينة، وقد كانت فيها أحياء معروفة في الماضي، مثل حي الإغريق وحي البحر، وحي العظمة، وحي الترانزيت، قرب المطار، وكانت ولا تزال أحياء راقية، تسكنها سلالات من أسر عرفت بالثراء، أحياء الوسط المخصصة للموظفين، ببنائها الكلاسيكي الصارم، وحي المدينة الذي يعد من الأحياء الكبيرة، ويقع قريبا من الوسط، حيث الإستاد الرياضي، والساحة الشعبية المخصصة لكل الأنشطة والمهرجانات، ثم تأتي أحياء الأطراف ومعظمها أحياء شعبية للغاية، يسكنها الفقراء ومتوسطو الحال، والآن تشعبت المدينة وتمددت، ونمت أحياء أخرى جديدة، بسكان من كل الطبقات، ولتفقد المدينة كثيراً من حميميتها القديمة.

4810

| 07 أكتوبر 2013

من ضغط الكتابة وسكرها

من كتاب "ضغط الكتابة وسكرها" الذي سيصدر قريبا، وهو مقالات في التجربة الكتابية الطويلة، إضافة إلى رؤيتي الخاصة للعمل الثقافي، وبعض ما أسميه خامات الكتابة، وهي مقاطع صغيرة تشكل فيما بعد نواة لأعمال روائية: الرواية والوجوه في أحد المنتديات الثقافية التي تنتشر على فضاء الإنترنت وتملك عالمها الخاص وقراءها ومبدعيها البعيدين تماما عن الكتابة الورقية، تحدث أحدهم عن رواية صدرت حديثا لكاتب عربي وأعجبته، ولما سألته إحدى المتداخلات عن تلك الرواية، وهل تستحق أن تدفع فيها ذلك السعر الذي تعرض به في المكتبات ومواقع تسويق الكتب على الإنترنت؟ رد بأنها تشبه (سعاد ماسي). لم أكن أعرف من هي سعاد ماسي، لكني خمنت بأنها ربما تكون ممثلة حديثة الظهور لم تصل إلى أسماعنا بعد، أو مغنية من أولئك اللائي يظهرن كل يوم بلا صوت ولا طعم، معتمدات على قنوات فضائية بلا لون أو طعم أيضا، ويختفين بعد ذلك من دون أن يتركن أثرا يتم اقتفاؤه، حين نؤرخ للغناء العربي، وعن بصمات الذين ملأوه إبداعا. كان (جوجل) الباحث العظيم حاضرا، ومنذ ظهر جوجل في حياة الناس لم تعد الأمور صعبة، ولا ثمة حاجة للبحث المضني في المكتبات العامة والصحف القديمة والمجلات، للعثور على ما نبحث، ويمكن عن طريقه العثور حتى على حفرة صغيرة في شارع منسي وفي بلد لا يعرفه أحد. وبضغطة الزر المعتادة على ذلك الباحث الرهيب، ظهرت سعاد ماسي التي شبه القارئ بها رواية أعجبته، وكانت مغنية من الجزائر، مليحة تقاطيع الوجه، وتتشرف تلك الرواية بأنها شبهت بها. لا أنكر أن ذلك النهج من التوصيف أعجبني بشدة، وجدته اختصارا شفافا لعدة أوراق ربما يكتبها ناقد أو صحفي متمرس، ليبدي إعجابه بتلك الرواية، وربما لا يقرأها أحد بعد ذلك، ترويجا يربط الشائع بغير الشائع، فالمغنيات ونجمات السينما بالطبع أكثر شهرة من الروايات، ويتذوقهن الناس أكثر مما يتذوقون الرواية، وما دامت رواية تشبه إحداهن فقد تشد عشاق تلك النجمة ليقرأوا الرواية ويبحثوا عن وجه الشبه. بالرجوع إلى ذلك المنتدى الثقافي، وجدت أن الرواية قد تم شراؤها بالفعل، بواسطة تلك القارئة التي سألت عنها، واستكثرت سعرها الغالي، وهي تراها على واجهة إحدى المكتبات، وبواسطة آخرين أيضا أعجبهم الوصف أو شدهم فانساقوا وراءه وقرأوا تلك الرواية، وأسهبوا في الإشادة بها وهم في الواقع يشيدون بنجمتهم المغنية. نحن ككتاب نحتاج إلى تلك الصراعات الجديدة بلا شك، نحتاج إلى من يلصق أعمالنا بنجمة سينمائية أو مغنية فارهة، حتى تشق طريقها إلى القراءة، وفي الأيام المقبلة سأعمق من ثقافتي الغنائية ــ أقصد في الوجوه التي تغني ــ وأربطها بكتب أعجبتني لعلها تجد قارئها بسهولة.

463

| 30 سبتمبر 2013

إيحاء الشخصيات

لطالما كنت مغرما بالشخصية الإنسانية عموما بمختلف صفاتها وأمزجتها، وسعيت كثيرا لقراءة العالم المحيط بي والبعيد أيضا عبر شخصيات صادفتها أو قرأت عنها، وعندي يقين أن الشخصية هي مفتاح العمل السردي وكلما أتقن الكاتب رسم شخصيته، أتقن كتابة حركتها وتفاعلها في النص الذي يكتبه، وبناء على ذلك تجدني أسير أعمال روائية عدة لكتاب مختلفين، فقط لأنني فهمت الشخصيات وأخذت أتابعها بشغف داخل النص الروائي. من هذه الشخصيات المؤثرة في رأيي شخصية يمام، الدليل التركي الذي صادفته بسيرا الإسبانية، أو بسي كما يختصر اسمها، في رواية الوله التركي للكاتب الرائع أنطونيو غالا، ووقعت أسيرة عشقه حتى ضاعت حياتها. لقد رسم عالا يمام بريشة مبدعة، لم يرسمه وسيما منسق الجلد وفتى أحلام، كما يتوقع أن يكون لرجل شرقي تسقط شقراء إسبانية في حبه، وإنما رسمه رمزا مختلفا بتوافه لن تلفت إليها فتاة في العادة ولكن تلتفت سائحة قادمة من بعيد. أعني هنا ما يشد من غير أن يبدو شادا، وما يوقد الهوى في القلب من دون أن يكون نارا لاهبة. ولذلك يبدو الوله التركي بهذه الشخصية وغيرها من الشخصيات الأخرى، رواية ذات طعم لا يمكن أن ينسى. أيضا فراندو داثا في الحب في زمن الكوليرا للعظيم ماركيز، الشخصية التي تجعلك تتساءل طوال الوقت: بأي ريشة رسمت هذه الشخصية، وبأي إزميل نحتت، ولو عرجنا للأدب العربي نجد تلك النماذج موجودة بكثرة، وتزين النصوص كأبهى ما يكون التزيين. من ينسى السيد في ثلاثية محفوظ؟، من ينسى نقولا في فساد الأمكنة لصبري موسى، وكذا شخصيات محمد مستجاب الساخرة المجنونة وغير ذلك من الأعمال العظيمة للكتاب العظماء. أنا أجزم وبوصفي كاتبا أن الشخصية لا ترسم من الخيال إطلاقا، إنما هي شخصية موجودة تعرف إليها الكاتب ذات يوم وركدت في خياله انتظارا للبزوغ في نص سيكتبه.  وغالبا ما تأتي حين يحين وقت كتابتها بزي جديد وإضافات جديدة، وهكذا هي تصنع نفسها داخل النص. سؤال: هل كل الشخصيات التي يصادفها الكاتب موحية؟ بالقطع لا، هناك شخصيات تبدو شديدة البريق، يخيل للكاتب أنها شخصيات مثالية للكتابة وما يحيط بها من بريق يوحي بأن كتابتها سهلة، لكن ربما لا تكتب قط وتأتي شخصيات معتمة، لتمنح الضوء بديلا عنها. ومن تجربتي، فقد ظللت أتابع مسنا آسيويا فيه كل خصائص الكتابة الناجحة، لسنوات طويلة وأدون ما يمنحه من إيحاء في كل مرة أراه فيها، حتى اختفى، ولم يظهر في أي من الروايات التي كتبتها. كذلك جمعت مئات الوثائق والصور والتحقيقات الصحفية عن رجل اشتهر منذ عدة سنوات، وبدا لي موضوعا شيقا لكتاب وحين جلست لأكتبه، لم تخرج كلمة واحدة. إذن الكاتب لا يتبع هواه، في كتابة الشخصية، ولكن يفكر وينتظر ما تمنحه شخصية ما، أراد كتابتها.

431

| 23 سبتمبر 2013

أساليب الكتابة

لا شك أن الكتابة في سعيها الدائم للتميز، لدى معظم من يكتبون القصة أو الرواية خصيصا، قد ظهرت للقارئ المتابع بأساليب شتى، وتلك الأساليب تتبع مدارس راسخة، أو تتمرد عليها بما هو جديد، ويوجد كتاب كثيرون ما زالوا يتمسكون بالبساطة البعيدة تماما عن التعقيد اللغوي والفني، بينما آخرون يفضلون التعقيد، وهكذا يجد القارئ المتورط في قراءة النصوص ما يعجبه أو ما يشعره بالملل، ليترك ما يقرأه باحثا عما يلائمه أكثر. إنها أشبه بسوق يعرض كل السلع، ولا يجبر أحدا على شراء سلعة رغم إرادته. وتجد أن جميع السلع باختلاف خاماتها وماركاتها مطروقة ربما بنفس القدر أو بنسب متفاوتة. وفي مرور سريع على مواقع القراءة أو أنديتها التي تعرض آراء القراء في الكتب تجد ذلك التباين في الآراء موجودا، تجد الأسلوب المعين للكاتب قد وضع في سكة المقارنة، وتوافدت الآراء للإشادة به أو ذمه واعتباره لا يرقى للمستوى، وحتى لو كان ذلك الأسلوب سلسا وجميلا، لا يمنع تلك المقارنة. لقد قرأت مرة رأيا لقارئ عن رواية الحب في زمن الكوليرا للعملاق ماركيز، والتي أعتبرها واحدة من علامات الكتابة الكبرى لما احتوته من زخم شعري، وشخصيات مرسومة بدقة، وأصوات تتداخل وتفترق، وحيوات متمددة لشخصيات تعيش في الذهن ولا تبرحه، وشخصيا قرأتها أكثر من خمس مرات وما زلت أقرأها كلما أحسست برغبة في تذوق طبق روائي نادر. كتب القارئ: رواية رديئة، ولا ترقى للمستوى، لم أتفاعل معها، ولم أحب أسلوبها. هل هذا يعني بالفعل أن الحب في زمن الكوليرا، بهذه المواصفات التي ذكرها القارئ؟، وهل يعني أن ماركيز كان مخطئا حين كتبها؟ أبدا، هذا اختلاف التذوق بلا شك، الذي يتولد باختلاف الأسلوب من كاتب لكاتب، وكما قلت، هناك كتاب ما زالوا يكتبون بكلاسيكية قديمة، بنفس القدر يوجد قراء يعشقون النمط القديم، النمط الخطابي الذي يسمى الأشياء بمسمياتها، ويدير حوارات مطولة بين الشخوص على حساب السرد المبدع، وهذا القارئ قد يعجبه عمل لأرنست همينجواي، أو جوزف كونراد، وربما تفاعل مع عمل ذهني فلسفي من أعمال ميلان كونديرا، لكنه لم يحب السحرية أو الأسطورية، التي سيحبها آخرون غيره، ويرون أعمال ماركيز وغيره من كتاب الواقعية الأسطورية أعمالا عظيمة تستحق أن تقرأ دائما بلا ملل. لقد قلت مرارا، في مقالات أو حوارات، إن الكاتب غير مطالب إطلاقا بإرضاء القارئ، ولا يستطيع إرضاء كل القراء الموجودين في الدنيا، مهما اجتهد ومهما كتب، لذا عليه أن يكتب  نصوصه بما يريحه شخصيا، وأن لا يهتم بالآراء سواء كانت سلبية أو إيجابية، لأن المبدع بوصفه كائنا حساسا، لا يخلو من بعض النرجسية صراحة، قد يحس بالمغص، والإحباط حين يقرأ رأيا مناهضا لإبداعه، ولسوء الحظ، فقد أتاحت تقنية الاتصالت الحديثة للقراء أن يكتبوا ما يشاؤون وأتاحت للمبدعين أن يطلعوا على ما كتب عنهم. ولو عدنا للوراء قليلا لتأكدنا أن الكتاب العظام الذين سبقونا، لم يكونوا يعرفون ما يكتب عنهم، وظلوا يكتبون ما يرونه من دون مراقبة أو إحباط.

5750

| 16 سبتمبر 2013

من اشتهاء

بمناسبة قرب صدور روايتي اشتهاء، التي كانت منشورة من قبل، وأعدت كتابتها، أورد هذا المقطع:كبر الليل بعد عدة ساعات من ذلك، وتمدّد على جسد البلدة. كانت الفوانيس المضاءة في البيوت شحيحة الضوء، والأصوات القادرة على نبش الخوف من أقصى أماكنه قد التمّت كاملةً: ثمة نباح للكلاب، ونقيق للضفادع، وتخاطب عائلي سري في عدد من البيوت، ثمة رائحة خوف، ورائحة موت، ورائحة بن يعدّه ساهرون هنا وهناك. كانت البلدة الآن قريبة من سوء الفهم، يفهمها الغرباء حياةً تحتضر، أو موتاً كاملاً، ويفهمها السكان مرجلاً يغلي من وراء ستار. في مثل تلك الساعة يتّخذ اللصوص مواقعهم في أماكن يختارونها بدقة، و وتتكاثر بكتيريا التخمير التي تخمّر النميمة لتطلقها في مجالس الثرثرة. التمّ عبدالنبي الغريب في حجرته الحكومية التمام مسيئٍ لفهم البلدة، بوصفه غريباً عنها. كان ينسب اليقظة المهمومة لنفسه فقط، التمّ بسراويله الضيقة القديمة، لم ينزعها عن جسده ولم يعلقها على أي حائط، بالرغم من أنه تأكد من قفل الباب جيداً. وكان قد التقى زميليه اللذين يشاركانه المبنى في أول المساء، ولم يشاركهما أي حديث. كانت الحفرة ما زالت في رأسه، بالرغم من اجتهاد الحلاق، تذكّره بذلك الطقس الغريب، وجرحه على اليد ليس خطيراً ولكنه جرح، وضع عليه شيئاً من القطن وسائل الجنشن البنفسجي الذي استعاره من شاطر أيضاً. لقد استراح كثيراً لقصة التاجر الغوغائية، المخترعة، بدت له منطقية ولن يسأل مرةً أخرى. عاد إلى كتاب الطبخ المعقّد مرة أخرى، بعد أن التقطه من تحت سريره، بدأ يقلّب صفحاته، ينقّب عن وجبات يعرفها أو سمع عنها، ربما تسرّبت إلى تلك الصفحات مصادفة، لكنها لم تكن. كتاب أرستقراطي، عنصري، مملّ، لا بدّ سيصيبه بتسمم المعرفة. ما معنى الأرز البسمتي؟ ما معنى شرائح الكيوي، والأفوكاتو بالكريم شانتييه؟ ما معنى الفقرة التي تقول: أضيفي قليلاً من عجينة الفوتي إلى الكريم باتسيار تحصلين على الشوسون؟ كتاب عنصري فعلاً، كاد يخلق في قلبه مظاهرة تهتف بسقوط طهو الأسر الراقية. لو كان طاهياً لردّ على تلك الفقرة بفقرة تقول: «أضيفي قليلاً من عجين القمح إلى مرق الدجاج تحصلين على وجبة مقوية لك ولعائلتك». ألقى الكتاب على الأرض مرةً أخرى، إلقاء قارئٍ متعجرف لن يهمّه لو التهمته القوارض أو شقّقته القطط أو تبرّز كلب على ألوانه الأنيقة. الآن ليست في ذهنه أي ضغينة تجاه البلدة وأهلها. سيدرس الدين والعلوم والجغرافيا بنفس كفاءة المعلمين التي يملكها، ولن يبعث بأيّ رسالة إلى رئاسة التعليم في العاصمة، محتجاً على تأخر ترقيته، وتعيين تلاميذه وكلاء للمدارس، كما اعتاد أن يفعل كلما اكتأب. تذكر امرأته الصابرة في قريته البعيدة، وخدوشها الناعمة على وجهه ومشاعره في مثل هذا الليل، حيّاها بابتسامة. تذكر أبناءه الأشقياء وهم يتكالبون على أبوته وراحته، ويتصارعون على صدره، زجرهم بدمعة.

508

| 09 سبتمبر 2013

سهيل واحد

يوم الجمعة الماضي ٣٠ أغسطس ٢٠١٣، كان يوما مشهودا أيضا في تاريخ دولة قطر، حين أطلق القمر الصناعي سهيل واحد، الذي استغرق بناؤه ثلاث سنوات، ليكون قمرا صناعيا قطريا، يحتل مساره في الفضاء العريض، ويضيف إلى إنجازات هذه الدولة العظيمة، إنجازا جديدا، هذه المرة يخص الإعلام بوصفه واحدا من أهم مقومات الحضارة والاقتصاد أيضا، في زمن تتشعب فيه التكنولوجيا، وتضيف في كل يوم ابتكارا جديدا.  ولا يخفى على أحد، أن الدولة تهتم دائما بكل ما يمكن أن يخدم الإنسان، ويطور من مداركه، ويثقفه، وكذا كانت إنجازات بلا حصر في مجال الثقافة، والتعليم بشتى مراحله، والحوارات المستمرة بين الأجيال، من أجل عالم مستقبلي أفضل. تأتي أهمية سهيل واحد، والذي لا بد ستعقبه أقمار أخرى لقطر مستقبلا، في أنه يوفر استقلالية تامة في مجال البث الفضائي المحلي، كما يوفر خدمات جليلة في مجالات الاتصالات عامة، كما ذكر المسؤولون في الشركة القطرية للأقمار الصناعية، ويشمل ذلك تقنية الإنترنت، وتقنية وضوح الرؤية للبث الفضائي، ولأنه أحدث قمر صناعي على الإطلاق، فلا بد أن ثمة تقنيات حديثة ضد التشويش على البث الذي نعاني منه ونحن نتتبع الأحداث عامة. كما أن استقلالية البث في حد ذاتها، تمنح تمكنا للقنوات المحلية من تفعيل طاقاتها كاملة لخدمة المنطقة عموما. إذن أصبح لدولة قطر الراقية قمر صناعي مستقل، كما أصبح لها من قبل تاريخ قديم وحديث يدعو للفخر دائما، وقد شهدنا نهضتها كوننا من المقيمين على أرضها الطيبة، وشاركنا في النشاط الثقافي، الذي لا يبخل بجلب كل بعيد، وقد تحدثت مرة عن الحي الثقافي كتارا، وقلت إنه أصبح اليوم، معلما بارزا من معالم الدوحة الحديثة، لم يكتف بنشاطه الثقافي طوال العام، من مسرح وسينما وأوبرا، ومعارض فنية، وإنما هو أيضا بقعة سياحية هامة، لا بد من زيارتها والاستمتاع فيها سواء للمقيمين هنا، أو القادمين لأي سبب من شتى بقاع العالم. أبارك لدولة قطر، القمر الحديث الأول سهيل واحد، وأنتظر كما ينتظر الآخرون، بثه الكامل الذي سيكون بعد ثلاثة أشهر من الآن، وبعد انتهاء البث التجريبي وإثبات فاعليته.

328

| 02 سبتمبر 2013

ظل الظل.. من أمنيات الجوع

الرسالة التي شدتني أكثر حين فتحت هاتفي، كانت من ليندا، ابنة المسرحي عبد القوي الظل، أو ظل الظل كما كنت أسميها في سري.  ليندا هذه فتاة غريبة، لم أرها في حياتي قط، رغم وجودي في بيت والدها عشرات المرات، ولسنوات طويلة، وحتى قبل أن تولد، لم أرها في محاضرة، ولا فعالية ثقافية، ولا مسرحية من مسرحيات والدها، ولا في السوق أو أي زقاق معتم أو منير من أزقة الدنيا.  وقد كان الظل يتحدث عنها بافتتان في أحيان كثيرة، حين يأتي ذكرها، أو يقحم ذكرها عرضا في الحديث، وهو من أعطاها رقم هاتفي المحمول، لتعقد معي تلك الصداقة الهاتفية القوية. تحدثني عن أعمال قرأتها لكتاب مختلفين، وكونت رأيا فيها، عن أعمالي كلها، التي قرأتها باستمتاع كما تقول، وعن مشاريع لها، من ضمنها رواية سمتها: عجلتان وجسد، تعكف على كتابتها منذ عامين، وستنشرها ذات يوم. لم تخبرني عن مضمون تلك الرواية، ولا أنا خمنت ذلك المضمون، أو سألتها أبدا، ودعوتها مرات عدة لمحاضرات ألقيها، أو احتفالات أشارك فيها، ولم تلب أي دعوة، أو تورد سببا مقنعا لعدم الظهور. كان صوتها في الهاتف مميزا جدا، صوت فتاة حالمة، أو تتحدث من بقايا حلم تعض عليه، ولا تود إفلاته: ثمة جمل طرية ناعمة، كلمات نصفها بوضوح، ونصفها غامق بعض الشيء، ونصف ضحكة ناعمة، ترن بين الحين والآخر. حقيقة لقد تلاعبت تلك الليندا في خيالي مرات عديدة، وسعيت لرسمها في الواقع، متبعا ملحقاتها، وخرجت بلوحة ذهنية فيها فتاة في العشرين، نحيفة، واسعة العينين، ناعمة الجلد، وذات شعر أسود غزير، ورأسها يتمايل بتناغم عند المشي. تملكني فضول غريب للتحقق من لوحتي، وقلت للظل مرة ونحن نجلس في بيته، وجعلت قولي كأنه يخرج ساذجا بلا تخطيط:  ليندا مثقفة كبيرة أستاذي، تقرأ كل ما أكتبه باستمرار. وتحكي لي رأيها بصراحة حتى في أعمال كتاب آخرين، لماذا لا تشارك في أنشطتنا الثقافية، أو على الأقل تأتي مرة، تجلس معنا، وتشاركنا الحديث؟  رد مباشرة وأرى وجهه يتغير بتغير طفيف، كأنه استاء، أو أحس ببوادر مغص: هذا جميل أيها الكاتب، ليندا بالفعل مثقفة واعية، ومشكلتها الكبرى أنها لا تستطيع مواجهة الآخرين. ثم غرس عينيه الضيقتين في وجهي، أضاف:  يكفي أنها تتحدث هاتفيا معك، أليس كذلك؟، أنت تعرف رأيها في أعمالك، ولا أظنك تنوي الزواج منها، أليس كذلك؟ فكرت أنني ربما أحدثت مشكلة ما بسؤالي عن ليندا، وأصبت بالحرج، وحولت اتجاه الحديث إلى وجهة أخرى، كنت أعرف أن الظل يستسيغها، ومؤكد ستمحو المشكلة أو الحرج، ذلك حين بدأت أتحدث عن مسرحيته: يوم في حديقة لانتيمارو، وكانت فنتازيا مسرحية رائعة عن يوم متخيل برفقة ديناصور، في حديقة اسمها لانتيسارو، خارج حدود الكرة الأرضية.

698

| 26 أغسطس 2013

وجه ومغترب

بمناسبة قرب صدور الطبعة الثانية من كتابي: سيرة الوجع، أنشر اليوم، واحدة من حكاياته: "كان نهارًا صناعيًّا مزدحمًا تخنقه الأدخنة، ورائحة الأصباغ، وأصوات عمال الكهرباء والميكانيكا وعشرات العربات الرابضة بلا روح في انتظار علاج فعّال". كان النهار الحقيقي للحركة والنهار الساتر لعيوب المركبات حين تمرض، وتختفي عن شوارع المرور اليومي. وكان باعة الشاي والقهوة ومياه العطش، ومزاج «البرنجي»، يمرون بإلحاح عشوائي، يجرُّون اللسان الصامت إلى حوار بلا معنى، ويكادون يحقنون بضاعتهم في الدم مباشرة. طقس مباشر ومألوف.. ومُجِدّ أحيانًا، ومضيِّع للوقت في أحيان أخرى. كنت أحتسي قهوة «زنجبيلية» وأتابع عاملًا يداوي سيارتي حين خدش أحدهم سمعي: - ما رأيك في الجمال «البقّاري» يا مغترب؟ التفتُّ.. فوجدته ستينيًّا يبتسم بلا قواطع ولا أنياب.. ويقترب ببصر واهن من بائعة الشاي التي كانت وجهًا قرويًّا ممتلئًا بالأسى والعمر والمصاعب.. رابضًا في تلك البقعة الرجالية دون إغراء أو فتنة. ربما كانت من قبائل البقّارة كما قال.. وربما من قبائل أخرى تلتقي مع البقارة في الفقر والرحيل. حاولت أن أتجاهل الرجل، لكن مناداته لي بالمغترب حيرتني، وحين هممت أن أسأله كان قد اختفى في لُجّة النهار الصناعي. فجأة داهمني معمَّم يحمل وجهًا مجعدًا ويَدَيْن صلدَتَيْن وأوراقًا بها أسماء وأختام وتواريخ قرّبها من وجهي وهو يصرخ: - سامحني يا مغترب.. قال الشاعر: «نزل الفقر كرعين الرجال».. بالطبع لم يقل شاعر ذلك، ولا حتى الولد المستهتر «أ. أ» الذي شتم طالبات الجامعة بقصيدة عنوانها «في ذم حواء» في إحدى أمسياتنا الشعرية في القاهرة منذ خمسة عشر عامًا، وحوَّل المجتمع الطلابي في ذلك الوقت إلى مجتمع خاوٍ يشكو من ركود العواطف، وجفاء المحبين.. أيضًا لم يجرؤ الفقر يومًا على إنزال رجل لأحد من أي وضع اتخذته، لكن فكاهة اللحظة أطربتني، فحاورت الرجل: - لم يقل أحد هذا الشعر من قبل. - بل قال. - أنا لم أسمع به. - لأنك لا تقرأ.. إنه موجود في كتب التاريخ.. والكتب الصفراء. كان المعمَّم متماسكًا وواعيًا ومصرًّا على بيت شعره المعوَّق ورافضًا أي وسيلة لعلاجه.. حاولت تزويده بالبيت الأصلي، فما تَقبَّله، وبدا له إذلال الفقر لأعناق الرجال أشدَّ بشاعة من إنزاله لـ«كرعينهم».. كان متسولًا في لحظة انشغاله بوظيفته.. شَمَّ فيّ اغترابًا وشَمَّ في اغترابي دراهم، وتمسّك ببيت شعر مختل دون ذرة من ارتباك. ضحكت مضاعفًا وسألته عن قضيته.. كانت قصة مرتبكة ومتوقعة عن زوجة مريضة، وعيال مكفوفين، وحريقًا التهم عدة أفدنة في قرية ما. تذكّرت قصة «آدم كذب» التي كتبتها في كتابي «مرايا ساحلية».. وصمتُّ لحظة أحصي خسائر الرجل وتكاليف ترميمها فوجدتها عدة ملايين من الجنيهات.. قلت للرجل: - أعطيك الآن عشرة آلاف من الجنيهات فمن أين تأتي بسبعة ملايين؟ خاطبني بنفس وجهه المتماسك: - مِن غيرك بالطبع.. هل تظنني سأقف عليك وحدك؟ ثم ابتعد حاملًا قصته ليرتبك بها في مكان آخر.

325

| 20 أغسطس 2013

مقطع

العام الثاني على التوالي، وفي نفس التوقيت من شهر أغسطس الحار، الرطب، برغم زخات مطر الخريف من حين لآخر، وبعد أن قدم نيشان حمزة أوراقه للجامعة الوطنية، وبدا أنه سيقبل هذه المرة، ويحقق طموحه في دراسة القانون ليصبح قاضيا، حدث ما زلزل استقراره وزلزل الطموح. كثيرون  من معارفه وجيرانه في الحي المنسي، كانوا يتطفلون على رغبته، لماذا القانون بالذات يا نيشان، فيرد: حتى أحاكم سهلة ماشطة الشعر على تزييت شعر النساء.  يقول ويضحك. كانوا في الحي ينظمون عدة حملات طوعية في وقت واحد، حملة للنظافة العامة، مقترحة من سكان لا يعرفون عن النظافة سوى اسمها، حملة ضد الإزعاع وكان يقودها مسعود الممرض، أكبر مزعجي الحي على الإطلاق، وسلموا نيشان آخر حملة لقيادتها وتوجيه أفرادها، إنها حملة استثنائية، ضد الحسد. من كان يحسد في حي فقير؟ وماذا يحسد؟ والناس يتساوون حتى في الإمساك والإسهال، وبروز فكي التعاسة والجوع. قدها فقط يا نيشان. وقادها ليكتشف وتكتشف معه البيوت الواطئة الطينية وبيوت الصفيح المشتتة بلا تناسق، أن كل الناس حساد وكلهم محسودون. هناك من يحسد آخر على ثوبه المغسول  ويلمع بالنشا، ويحسده الآخر على سروال سليم، ليس فيه مزع ولا رقعة.  من يحسد متسولا لأن  له صوت مقبول يشد المتصدقين، ويحسده المتسول على الشعر الغزير، الذي ما زال يغلف رأسه. من كانت تحسد جارتها لأنها أوقدت نارا للطبخ، في ذلك اليوم، وتحسدها الجارة لأن لها ولد يتزحزح الآن في معاينات التجنيد، ويمكن أن يصبح عسكريا. كان نيشان منغرسا في الحملة، واخترع  وجها جامدا، ومشاعر متصلدة، وسعى مع أفراد حملته، لغربلة النفوس بحدة، وإلغاء شعور الحسد من سكان حيه إلى الأبد.  لن يحسد أحد أحدا هنا مرة أخرى، وإن كان لا بد من وجود شعور كهذا، فليكن عكسيا، أن يصبح السكان جميعهم محسودين، من غرباء لا يعرفهم الحي، ولن يعيشوا فيه.  في العام الماضي داهمته أعراض غريبة، فسرها البسطاء بأنها قبيلة جن تناسلت داخله، وسعى بعض العاملين في مجال التطبيب بالتعاويذ، إلى إخراجها وأخفقوا، وحين أصبح خطرا حقيقة، يصنع دمى من القماش، يحشوها بالمتفجرات، ويلقيها على الناس في طرق العاصمة المحتشدة، أمسكوه، وانتهى مقيدا إلى سرير متآكل في مستشفى الأمراض النفسية. عولج بالحقن المهدئة، وجلسات الكهرباء الصاعقة، وأحب ممرضة اسمها ثريدة، كانت من بيئة شبيهة ببيئته، ومن قبيلة لها جذور أفريقية مثله. الممرضة خصته بعناية أكثر، كلمته عن نفسها وسمحت له بأن يحكي ما يود أن  يحكيه، ولم تسكته في أي وقت. بدا أن نيشان قد تعافى، وسعى إلى وصال دائم بصديقة الذهول والحمى، بعد أن خرج .. كان يزورها في المستشفى، يرابط لها في الطرق التي تسلكها، ويتعلق معها في باصات المواصلات العامة، يحدثها طوال الطريق وتحدثه، وكم من مرة أقرضته مالا غير قابل للرد.

377

| 19 أغسطس 2013

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1524

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
لمن ستكون الغلبة اليوم؟

يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...

1137

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1107

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
إنجازات على الدرب تستحق الاحتفال باليوم الوطني

إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...

702

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
التاريخ منطلقٌ وليس مهجعًا

«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...

684

| 21 ديسمبر 2025

alsharq
غفلة مؤلمة.. حين يرى الإنسان تقصيره ولا يتحرك قلبه

يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...

660

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب

هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...

657

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
قبور مرعبة وخطيرة!

هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...

594

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

588

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

579

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

576

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قطر رفعت شعار العلم فبلغت به مصاف الدول المتقدمة

‎لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...

555

| 18 ديسمبر 2025

أخبار محلية