رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم أدبي يعاني أحياناً من طغيان الشكل على المضمون، تبرز بين الحين والآخر محاولات جادة لاستلهام التراث وإعادة صياغته بروح معاصرة، من أبرز هذه المحاولات، مجموعة قصصية مستوحاة من كليلة ودمنة، ذلك العمل الذي يعود بجذوره إلى الهند، وبلغ قمته الفنية على يد عبد الله المقفع، تلك المجموعة القصصية هي (كليلة وهدى) للروائية القطرية الدكتورة هدى النعيمي المنشورة في دار جامعة حمد بن خليفة للنشر عام 2025، يعد العنوان باعتباره عتبة دلالية وإيحائية ومفتاحاً تأويلياً هو نص مصغر يحيل إلى معان ومفاهيم عديدة، تعتمد تلك المجموعة على تقنيات سردية مستوحاة من الأصل كالقصة داخل القصة، والرمزية الحيوانية التي تنقل رسائل إنسانية وأخلاقية، غير أن الكاتبة استطاعت أن تحرر هذه البنية من طابعها التعليمي الصارم، مقدمة قصصاً ذات طابع درامي تراجيدي وكوميدي.تحتوي المجموعة على ستة عشر نموذجاً، سميت بأسماء بعض الحيوانات والطيور، قدمت النعيمي من خلالها صورا أدبية ملونة بجمال الطبيعة ممزوجة بأيديولوجيا ثنائية التشاؤم والتفاؤل نتيجة للصراع المعقد بين الإنسان والحيوان والطيور والطبيعة، كما في بعض قصصها، تقدم لنا النعيمي من خلالها ملخصاً للواقع وجوهر الوجود الإنساني حتى يدرك المتلقي المعنى من وراء كل قصة في تلك المجموعة، كما هدفت الكاتبة إلى إيصال معان وأفكار وزرع قيم أخلاقية وحكم ومواعظ قد تساعد في إصلاح ما وصلت إليه النفس البشرية من تعقيدات مع الذات والآخر، وتميزت برشاقة أسلوبها السردي والوصفي لحياة تلك الطيور والحيوانات، ليجد المتلقي ذاته أمام تساؤلات عديدة، هل المقصود من تلك القصة الإنسان بطريقة غير مباشرة أم الحيوان والطائر؟، كما في قصة (الدجاجة لم تعبر الشارع) التي تعد من أكثر القصص تأثيراً ودرامية، طرح الكاتبة لقضية الواقع الصلب والقاسي في علاقة الأبناء بالآباء في مراحلهم العمرية المتأخرة، وهناك الحكاية الغائبة في بعض القصص التي تناولتها النعيمي وإن كانت قد أخذت حيزاً ضيقاً من السرد لكنها تعتبر الحدث المركزي الذي مهد له السارد بالتدرج من المألوف إلى الغريب ومن البسيط إلى المركب، كما في قصة (إلى أين أيها الكلب) حيث تروي قصة كاتب يبحث عن مكان هادئ في الطبيعة بجوار البحر ليكتب أحد مؤلفاته التي تأخر في إرسالها إلى دار النشر وتغوص بنا في أفكار هذا الكاتب. وتنتقل بنا النعيمي إلى نوع من أدب المقاومة في قصتها (قال الهدهد)، التي تحمل معاناة الشعب الفلسطيني ونضاله وصموده أمام تراجيديا الواقع الأليم إنسانياً وسياسياً واقتصادياً، حيث الوصف المؤلم للواقع الذي يحيا به الفلسطينيون اليوم على لسان ذلك الهدهد، جسدت النعيمي صورة مرئية بحديث الهدهد تكاد أن تراها وتشعر بها، كما في المجموعة القصصية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني وأعماله البارزة. تسبح قصص النعيمي في عوالم الفكر والتأويل للقارئ والمتلقي مما تقدمه من مساحة للتأمل والتفكير في تفاصيل الأحداث والشخوص والحيوانات وعوالمهم الرمزي والواقعي، كما في قصتها (البغباء الأحمق) الذي أتى به الزوج إلى طفله الصغير في المنزل الكبير الذي وصفه زوجها من يوم زفافهما أنه بيت أساسه الحرية، وتدور أحداث القصة في جو عائلي تملأه الألفة والمودة مع البغباء ليصبح جزءا هاما من يومهم وحياتهم الأسرية إلى حين جاء خروجه من القفص والطير بعيداً خارج المنزل على أغصان الأشجار، ولكنه يعود مرة أخرى إلى قفصه ومحبسه داخل المنزل ويفرح به الطفل الصغير والأم. يعد المكان مشاركاً في الفعل القصصي لدى النعيمي حيث يشكل قوة مضادة للأحداث وخاصة في قصتها التي هي بعنوان (قال اذبحو بقرة)، تدور أحداثها في قرية بعيدة عن المدينة والمدنية فحينما وقعت البقرة في حفرة، لم يستطيعوا الاتصال بالطبيب البيطري لقلة من تتمتع بيوتهم بهاتف يصلهم بالعالم عبر صوت ينتقل في الأسلاك بل إنهم ادعوا أنهم لا يعرفون رقماً للطبيب ولا يعرفون رقماً للشرطة أو رقماً للمسؤول في تلك القرية، كل ذلك طمعاً في أن يضطر صاحب تلك البقرة التي هي مصدر رزقه الوحيد هو وأسرته إلى أن يذبحها وخاصة أن الجزار قد حضر إلى القرية وسط حشود من الأهالي التي تنتظر تلك الفريسة التي سقطت في الحفرة غير مهتمين بصوت البقرة التي تتألم وتنتظر النجدة، لكن في النهاية يضطر صاحب البقرة إلى الموافقة على ذبحها لعدم استطاعته استدعاء الطبيب من المدينة وعدم قدرته على علاج البقرة بسبب تلك الحفرة اللعينة، وتختتم الكاتبة صورتها الدرامية في المشهد الأخير من القصة بالرجل الهندي الذى كان معارضاً لذبحها ووصفها له أنه بات تلك الليلة ممرغاً نفسه في التراب الدامي الذي ذبحت فوقه البقرة وهو يبكي، ويئن أنيناً يحاكي أنينها الأخير، نجد قوة حضور المكان ودوره الفاعل في تطور الأحداث فى قصتها (ضفدع البحيرة) و(كبد رطبة) و(الرفاعي والثعبان) وغيرها، تنوع أسلوب النعيمي في سردها لتلك القصص بين الحكي /السرد المباشر على لسان الشخصية الرئيسية فى القصة، وبين عرضها لقصص أخرى بطريقة حكي الشخص الثالث الذي يراقب الأحداث ويرويها للمتلقي، نحن أمام كاتبة لديها طاقة إبداعية وخيال أدبي وفني مختلف.
318
| 28 أغسطس 2025
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3519
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2871
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1455
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1041
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية