رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كانت لا ترى أنها يمكن أن تحفظ أكثر من الجزء الأخير من المصحف؛ ربما لصغر سنها، وربما لطول سور الأجزاء الأخرى من كتاب الله بالنسبة لها! لكنها تجاوزت هذه العقدة بعد أن حفظت الذاريات، السورة الأولى في الجزء السابع والعشرين من كتاب الله، وفتح الله عليها فحفظت ما تلاها من سور، وكانت تستقبلني لدى عودتي من عملي بزهوّ وفخر على الباب وتخبرني أين وصلت في حفظها. إنها سما أصغر أولادي، الحبيبة الغالية، المؤنسة، رقيقة المشاعر، صاحبة الإيثار والمبادرة في خدمة أهل الدار. كنت فضلا عن الاستماع لحفظها أصلّي الوتر في حجرتها، وتمسك بالمصحف هي وشقيقتها الأكبر فتتابعان تلاواتي لسور الذاريات والطور والنجم، فتنامان ويكون آخر ما تسمعانه هو ما تحاولان حفظه، وهي طريقة مجربة تساعد على حفظ القرآن وتمكينه. تلك الطريقة كان لها فائدة أخرى أذهلتني؛ فقد حدثتني سما في اليوم التالي بأنها لاحظت تشابها وتناغما بين هذه السور المتجاورة، طلبت منها أن تطلعني على ذلك ففتحت المصحف وأشارت إلى الآيات: "إن المتقين في جنات وعيون* آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين" (الذاريات: 15- 16). "إن المتقين في جنات ونعيم* فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم" (الطور: 17- 18). وقفنا أنا وابنتاي على آيات أخرى فيها روابط واضحة بين سور الجزء السابع والعشرين، وشعرتا بفرح غامر وهما تستخرجان معي تلك الروابط؛ ومن ذلك إشارة سورتي الذاريات والطور ومباشرة قبل الحديث عن جزاء المؤمنين إلى ندم الكافرين على تكذيبهم بالرسالة والبعث والآخرة، واتهام الرسول- صلى الله عليه وسلم - بالسحر والكذب، ورسم صورتهم الغافلة والعابثة والمكذبة في الدنيا، ثم رسم صورة لهم يوم الحساب– حيث لا ينفع الندم- وتوبيخ الله لهم وسؤالهم: هل النار التي ستعذبون بها الآن هي أيضا سحر وكذب! "قُتل الخراصون* الذين هم في غمرة ساهون* يسألون أيان يوم الدين* يوم هم على النار يُفتنون* ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون" (الذاريات: 10- 14). "فويل يومئذ للمكذبين* الذين هم في خوض يلعبون* يوم يُدعّون إلى نار جهنم دعّا* هذه النار التي كنتم بها تكذبون* أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون* اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواءٌ عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون" (الطور: 11- 16). لم تنتهِ تجربتنا بعد... ولكنني بت مقتنعا أكثر بأنه ينبغي علينا ألا نستخف بعقول صغارنا فنقرر بالنيابة عنهم أنه لا داعي لتدبر القرآن في سنهم ويكفي أن يجتهدوا في الحفظ فقط، إننا بهذا لا نصادر تفكيرهم فحسب، بل نستهين بآية تكررت في سورة القمر: "ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر" ونضرب عرض الحائط بأوامر ربنا القائل: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها". لا نريد أن نكتفي بتخريج حُفّاظ لكتاب الله، بل نريد منهم أيضا أن يفهموا مقاصده ويتخذونه منهاج حياة. لا نريد أن نزيد عدد نسخ القرآن في مكتباتنا، بل نريد أن نكون وأطفالنا مصاحف تمشي على الأرض.
650
| 01 يونيو 2019
كانت استعدادات زوجتي غير عادية لاستقبال ضيوف قَدِموا من مدينة خليل الرحمن، متوقفين عندنا في عمّان، وقد يمّموا وجوههم شطر المسجد الحرام؛ فوفد العمرة مميز بضيفة فوق العادة، هي خالتي أم حسن، الفلسطينية الستينية التي عاشت الاحتلال الصهيوني خصوصاً في مدّه الثاني بعد هزيمة 1967، أم حسن التي لم تكتفِ بالرباط في أرض خليل الله-عليه السلام-، فذلك وجه واحد من وجوه الجهاد لم تقنع به، بل دفعت برأس مالها في أتون مواجهة برابرة العصر. وإذا كان أمثالي قد قنعوا بمواجهة مترفة للعدو وهم قابعون في مكاتب مكيّفة وغاية ما يقومون به الكتابة بين الفينة والأخرى عن جرائم الصهاينة، فإن العم أبو حسن (الخطيب والداعية المفوه والممنوع من مغادرة فلسطين) والخالة أم حسن اختارا منذ زواجهما طريقًا معالمه واضحة ومليء بالعقبات والأشواك، استساغت فيه أم حسن تجرّع مرارات كثيرة لعل أقلها الاعتقال المتكرر لزوجها، وأبنائهما الخمسة، ثم مطاردة "باسل" أقواهم شكيمة، واعتقالها شخصيًا بعد قيامه بعمليات جهادية نوعية قذفت الرعب في قلب الاحتلال الجبان. أثناء مطاردة الصهاينة له، كان ابتهالها ممزوجا بالدموع الحرّي وهي تسأل الله أن يجعل لابنها فرجًا ومخرجًا، هي تعلم أن فجر باسل مخضّب بالأحمر، وبعد أيام من دعائها اتخذه الله شهيدًا في مواجهة مع قوات الاحتلال نقلتها شبكات الأخبار حيّة على الهواء، لكن "أم حسن" لم تكن تعرف أن تجلّد "حاتم" توأم الشهيد كان يقينًا راسخًا بأنه سيلحق بعد ستة أشهر برفيق الرحم والصبا والسجن ودرب الشهادة التي دفع مهرها من دمائه الزكية فسطّرا معا ملحمة تتوارى أمامها أوراقي، وتنكسر حيالها أقلامي، وتتلعثم بين يديها كلماتي، تمامًا كما تلعثمت عندما شرّفت هذه السيدة الأولى مائدة غدائنا، وكنت أبشّرها بما ينتظرهم من أجر غير ممنون من رب كريم، فأجابتني: "الحمد لله الذي اختارنا لهذا، ولولا فضله علينا لكنا نرتع مع الهمل". "إيهاب" فصل جديد تسطّره هذه العائلة القابضة على الجمر، فهو منتصب الهامة مرفوع الرأس يتنقل بين سجون السلطة الفلسطينية وسجون الاحتلال الصهيوني، يرفض التعاون والخضوع لسجّانيه برغم شوقه لزوجة وطفلين ينتظرانه بفارغ الصبر. وأما ثبات خالتي أم حسن وإصرارها على سلوك الطريق الشائك إلى آخره فيظهر في إطلاقها اسمي الشهيدين باسل وحاتم على حفيديها لأنها موقنة بأن جيلهما سيكتب النهاية السعيدة لجهاد أهل فلسطين.
764
| 06 أغسطس 2018
عندما كنت فتىً يافعًا في أواخر السبعينيات لم يكن بوسع جيلنا أن يزور بلدان العالم بضغطة زر في حاسوب، ولم نعرف شيخًا ومستشارًا وباحثًا اسمه "جوجل"؛ فالبحث عن المعلومة كان مضنيًا، وكسب العلم والمعرفة كان يتطلب الصبر والشغف. في تلك الحقبة أرواحنا كانت ظامئة للارتواء من ماء الحقيقة الذي طلبناه في اليسارية والقومية فلم نجد إلا سرابًا خادعًا، وتقاذفتنا التيارات لشطآن مالحة يعلوها زَبَدٌ لا ترجى منه فائدة، لكن غيث الله أدركنا في أوائل الثمانينيات؛ حين عرفنا أن معين الحق الصافي الذي يروي الظامئين موجود في كتاب ربنا وسنة نبينا- صلى الله عليه وسلم-، لقد كنا حقًا كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول. تلك الصحوة الإسلامية والأوبة المباركة لله التي ذاقها جيلنا لم تكن تدينًا فرديًا ولا طقوسًا باردة، بل كانت روحًا تسري في شباب اكتشفوا أن الدين منهج حياة للفرد والمجتمع وسفينة نجاة للأمة بأسرها، تعززت هذه الروح لدى جيلنا بولادة مجلة قطرية؛ أصدرتها رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية لدولة قطر في غرّة محرم 1401هـ الموافق نوفمبر 1980م، إنها مجلة "الأمة" التي أدرك من قرأ افتتاحية عددها الأول أنها ليست مجلة دينية بالمعنى التقليدي، وأنها ليست منبرًا رسميًا أو بوقًا إعلاميا لوزارة أوقاف، لقد كانت بحق استثنائية في عنوانها ومحتواها واهتماماتها؛ مما جعلها عابرة لقطر إلى مشرق أمة الإسلام ومغربها. لقد تجاوزت الحدود المرسومة بين بلداننا، تلك الحدود التي ضاقت بها أرواحنا الوثابة، ووجدنا في مجلة "الأمة" دائرة الاهتمام تتسع كما نحبها لتشمل الأمة من طنجة إلى جاكرتا، بل تتعداها لتطلعنا على أحوال إخوانٍ لنا في المهجر، وأقليات مسلمة تعاني في روسيا والصين والهند. نجحت "الأمة" لأنها لم تكن منبرًا دعائيًا لقطر، ولأن من قام عليها كان يريدها أن تكون خارطة طريق لشباب الصحوة الإسلامية، ولأن من كتب فيها من العلماء والدعاة كانوا أطباء حاذقين في كشف الأمراض وتوصيف العلاج، وإني أظن بأن القبول الذي تلقته المجلة له علاقة بإخلاص القائمين عليها وعلى رأسهم، الشيخ عبد الرحمن آل محمود وكيل رئاسة المحاكم القطرية في حينها، والشيخين يوسف المظفر وعمر عبيد حسنة. لقد ساهمت مجلة "الأمة" وكُتبها الحولية التي كانت تعالج قضايا الفكر الإسلامي وتعمل على ترشيد شباب الصحوة بلا شك في تشكيل فكرنا المعاصر، وجمعت الأمة الإسلامية برباط العقيدة، تلك المجلة الاستثنائية هي واحدة من أهم الأسباب التي جعلت قطر في خاطري، وجعلت لها مكانة لا يمحوها تعاقب الأحداث. الآن، وبرغم أن الشيخ "جوجل" في جيوبنا، وأجهزتنا اللوحية تطير بنا مثل بساط الريح حيث نشاء، إلا أننا نفتقد مجلتنا "الأمة" التي نتمنى على قطر إعادة اعتمادها سفيرًا متجولا يعود لقطر بالذكر الطيب والقبول الحسن.
738
| 27 يونيو 2018
سيظّلُ يأتي رمضان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن هل ستكون موجودًا عندما يأتي في العام القادم؟ سؤال أطلقه أحد الدعاة وهو يُذكّر الناس باستغلال الأنفاس الأخيرة لشهر رمضان مقتبسًا من كلام ابن الجوزي قوله: "إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق، فلا تكن الخيل أفطن منك!"، ولأن الأعمال بخواتيمها، والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات فأحسن وداع رمضان إذا فرّطت في استقباله. نودّع شهر رمضان بحزن رغم ظمأ هواجره، وبرغم نهاراته القائظة الطويلة، ونودع لياليه باكين على حلاوة صلاة التراويح والقيام رغم نَصَب الأقدام وتعب الأجسام وقلة المنام. إنها حلاوة يكتبها الله للعبد مع كل طاعة مهما انطوت على مشقّات، وثمرة يقطفها من جاهد نفسه التي تدعوه للدّعة والراحة وأقبل على مولاه؛ وكيف لا يقطف ثمرة الطاعة وقد وعد الله تعالى بذلك في حديث قدسي يرويه النبي- صلى الله عليه وسلم- عن ربه يقول فيه: "قال الله عزّ وجل: إذا تقرّب العبد مني شبرًا تقرّبت منه ذراعًا، وإذا تقرّب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة، وإن هرول سعيت إليه، وأنا أسرع بالمغفرة" (متفق عليه). في كل رمضاناتي السابقة كنت ميّالا أن أصلي التراويح في البيت بهدف إتمام وردي القرآني الذي تشغلني عنه أعمال النهار، ومن أجل الصلاة بزوجتي وتعليم أبنائي وحثهم على قيام رمضان، وطلبا لتنزّل البركة في البيت، لكنني لاحظت بعد انتصاف رمضان هذا العام أنهم يتفلّتون من صلاة القيام رغم ترغيبي بها. مع بداية العشر الأواخر خطرت لي فكرة بأن اصطحب العائلة لصلاة القيام في المسجد، ولما عرضت الأمر على أكثرهم تفلتًا وافق فكانت فاتحة خير، ورأيت منه مبادرة لتلاوة القرآن أثناء استراحة الإمام في صلاة التهجد، وكأن ولدي يريد استدراك تفريطه في ختمته، وفاجأتني صغيرتي ذات الثمانية أعوام والتي لم تفطر يوما برغم النهار الطويل وشدة الحرّ بإصرارها على إتمام صلاة التهجد رغم طول القيام، وقريب من ذلك ما قالته أختها ذات التسعة أعوام بأنها تشعر بسعادة لا تستطيع وصف سببها، وأردفت بأنها سعادة أجمل من استمتاعها بجهازها اللوحي. تفكرت في جنة الطاعة التي يعيشها الصغار قبل الكبار في رمضان، فلم أجد لذلك تفسيرًا إلا أن الحياة الطيبة لا تتحقق إلا في طاعة الله، وأن الصيام كركن من أركان الإسلام تجوع فيه الأجساد نعم، لكن تتغذى فيه الأرواح، وتظمأ فيه العروق لكن النفوس ترتوي برِيّ الإيمان وتستظل فيه بظلال القرآن. تذكرت فائدة لابن القيّم– رحمه الله- في فهم قوله تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم* وإن الفجّار لفي جحيم" يخلص في فائدته بأن النعيم والجحيم ليس مقصورًا على الآخرة، ففي الدنيا يعيش المؤمن في جنة معرفة الله وطاعته؛ فيحصل له سرور النفس ولذة القلب ونعيم الروح، إنها الجنة التي قال عنها، ابن تيمية- رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة". اللهم نسألك أن ترزقنا جنة الدنيا وجنة الآخرة، وأن تعيد شهر رمضان على أمة الإسلام وقد جمعتها على حبك وطاعتك، وملأت ربوع بلاد المسلمين بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام. وكل عام وأنتم إلى الله أقرب
2897
| 11 يونيو 2018
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4335
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2184
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
1977
| 10 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1797
| 04 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1455
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1173
| 04 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
978
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
732
| 10 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
672
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
651
| 04 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
627
| 08 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...
573
| 11 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية