رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تعز..النهاية قاب قوسين

كسرت المقاومة الشعبية والجيش الوطني الحصار الخانق الظالم على مدينة تعز الذي فرضته ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح منذ نحو أحد عشر شهرا بعد معارك شرسة في الجبهة الغربية التي تربط المدينة بعدن، وتكبد الحلف الانقلابي خسائر فادحة كان لها تداعيات خطيرة أدت إلى تقهقر معنويات قواتهم على مختلف الجبهات ونسفت هذه التطورات الميدانية مستقبل العلاقات بين المخلوع وجماعة " أنصار الله " الحوثية بعد أن حمّل صالح قيادة الجماعة مسؤولية خروج حاضرة الثقافة اليمنية والتنوع الاجتماعي والسياسي عن سيطرة المشروع الانقلابي وهذا يعني جعل الطريق سالكة إلى صنعاء بحكم أن محافظة إب لا تشكل حاضنة شعبية للحوثيين وكذلك محافظة ذمار التي لن تقاوم كثيرا قوات الشرعية.من تعز سقط نظام حكم الإمامة المتخلف عام ١٩٦٢ ومن تعز سقط نظام الرئيس المخلوع علي صالح عندما انطلقت منها شرارة الثورة الشبابية الشعبية السلمية في ١١ فبراير ٢٠١١، ومن تعز أيضا تعلم اليمنيون كيف يمكن لمدينة السلام والحداثة ولسكانها حملة الأقلام ودعامات البناء والتنمية أن يتحولوا إلى مقاومين أشداء لمختطفي مشروع الدولة الوطنية الحديثة، أما صرخة "لا تقبروني" التي كانت آخر استغاثة لطفل تعزي أزهقت روحه قذائف قصف الحوثيين وحليفهم لمساكن مدنيين فقد حولت حرب صالح وحلفائه على الشعب اليمني إلى انكسار نفسي وازدراء شعبي وستكتب عما قريب شهادة وفاة أحلام الهيمنة والاستبداد.كثيرون استكثروا على تعز الانتصار لكرامتها التي أهدرت على مداخلها خاصة مدخل وادي الدحي الذي كان أكثر قسوة وهمجية فاقت كل ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي في المعابر التي تحاصر سكان قطاع غزة رغم فارق التشبيه. فلم يرق لجهات مناهضة للمقاومة والحكومة الشرعية مشهد هزيمة وهروب كثير من ميليشيا الحوثي وقوات صالح من مواقعها في الجبهة الغربية ولذلك حاولوا غمط تضحيات المقاومين والتقليل من أهمية الحدث فمنهم من قال: إن الحوثي سحب ميليشياته للدفاع عن صنعاء، بينما يذهب آخر إلى القول إن صالح هو من سحب قواته ردا على اتفاق التهدئة الحدودي بين ميليشيا الحوثي والسعودية وترك مقاتليها لقمه سائغة مكنت المقاومة والجيش الوطني من قتل وجرح وأسر عدد كبير منهم، في حين يرى آخر أن اتفاق الحوثيين مع السعودية قضى أيضا بالانسحاب التكتيكي من تعز وهو أسلوب درج عليه الحوثيون لتبرير كل هزائمهم، وهناك رأي تم تداوله على نطاق واسع يقول بأن حزب اﻹصلاح كان من قبل ﻻيريد تحرير تعز وعندما علم باتفاق الحوثيين مع السعودية ذهب يسابق الزمن للسيطرة على تعز وفرض واقع جديد لا تغيره أي اتفاقات أو تسويات.مهما تكن وجاهة الآراء أو خيبتها ومجانبتها للواقع، فستبقى حقيقة أن تعز خطبت ود الجميع ولم يخطب ودها أحد، هتفت باسم الرئيس عبد ربه منصور هادي وصوتت له رئيسا شرعيا لكنه تنكر لها وتركها وحيدة تقاوم ترسانة الحوثيين العسكرية بسلاح خفيف تشتري رصاصه جيوب المعدمين والفقراء ذلك أن الكرامة هي أعز وأغلى ثمنا وفي سبيلها يرخص النفيس، تركتها قوات التحالف العربي تواجه مصيرها المحتوم تحت مبررات أيديولوجية واهية ولم ترق قلوب من بيدهم القرار وهم يسمعون حشرجة أنفاس مكتومة من رئة طفلة مريضة تحتاج إلى أسطوانة أكسجين، كان الألم يوزع بالأطنان على سكان تعز ولم يأبه لوجعهم أحد، لذلك لم يجد المقاومون بدا من الاعتماد على إرادتهم وثقتهم بالله فكان النصر حليفهم، وعندما احتفلوا بثمرة نضالهم لم ينسوا أن يقتسموه مع قوات التحالف التي كانوا يشعرون بإسنادها المعنوي رغم غياب طائراتها في كثير من الأحيان عن أجواء مدينتهم التي تلوثها كل يوم أدخنة الدبابات والمصفحات الحوثية. تسارع وتيرة الأحداث في اليمن تجعل المتابع يقول: انتهى إذًا زواج المتعة بين الحوثيين والرئيس المخلوع وتبدلت أولوياتهما فالأول يريد بأي شكل أن يحصل على جزء ولو يسير من كعكة الحكم تتصدق به دول التحالف العربي وعلى رأسها السعودية، أما الثاني فقد تضاءل أمله بالوجود السياسي ويريد فقط خروجا آمنا له ولأفراد عائلته ليترك كل من قاتلوا باسمه يواجهون حقيقة مرة وهي أنهم قتلوا ودمروا الشعب والوطن دون مقابل، ولم يبق سوى تأنيب الضمير والمستقبل المجهول، أما تعز برغم كل جراحها فستبقى كل الوطن وهي أيضا أيقونة نصره الذي أصبح قاب قوسين.

670

| 18 مارس 2016

المخابرات اليمنية..تصريف الجن

كثرت في الآونة الأخيرة حوادث الاغتيالات لمسؤولين أمنيين وعسكريين وقيادات من المقاومة الشعبية في مدينة عدن وعدد من المدن الأخرى، وذلك بعد أن تمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية - مسنودة بقوات التحالف العربي - من السيطرة على المحافظات الجنوبية وتضييق الخناق على قوات صالح وميليشيا الحوثي في محافظات صنعاء ومأرب والجوف والحديدة وحجة. ورغم الإجراءات والخطط الأمنية التي تتبعها الحكومة الشرعية إلا أن تعقيدات المشهد الأمني والاستخباري جعلت تلك الجهود عاجزة عن كبح جماح العنف المنظم. تشير دلائل حوادث التفجيرات والاغتيالات إلى أن هناك جهازا خطيرا يجمع الجن المسلمين منهم والكفار من كل الأمصار والقواعد ويصرفهم بإحكام لخلق حالة من الحنق الشعبي ضد الرئيس عبدربه منصور هادي الذي وصفه المخلوع بأنه لم يستطع حكم مدينة عدن فكيف سيحكم اليمن.تشير التقديرات إلى أن الرئيس المخلوع لا يزال يسيطر على أكثر من 60 في المائة من الاستخبارات بكل أجهزتها وأن الحكومة الشرعية تبدو مهيضة الجناح وغير قادرة على الطيران لفرض رقابة لصيقة تحمي ما حققته من سيطرة على الأرض.منطق العصابة المستند إلى القبلية والمذهب الذي حكم به علي عبدالله صالح أكثر من ثلاثة عقود جعله مستعدا بشكل كبير لمثل هذه الظروف كما أن المبادرة الخليجية التي منحته وأركان حكمه الحصانة مكنته من البقاء موجها ومخططا لما بعد المرحلة الانتقالية التي قررتها المبادرة، الأمر الذي انتهى إلى تحالفه مع الحوثيين واستغلال إمكانات دولته العميقة أو دولة العصابة مضافا إليها إمكانات الميليشيا الطائفية المدعومة من إيران ليفرض على اليمنيين واقعا مأساويا انتهى بحرب حولت أكثر من 25 مليونا إلى بؤساء ومشردين.السؤال الذي أحاول الإجابة عليه هو: كيف جمع صالح الجن وكيف يتحكم الآن بتصريفهم لإشباع نهمه في التدمير من أجل السيطرة والعودة إلى الحكم؟ بدأت القصة تقريبا في 1998 منذ تولى نجله أحمد مدة عقد من الزمان قيادة قوات الحرس الجمهوري المكونة من ١٧ لواء وخلال هذه المدة وتحت مبرر محاربة الإرهاب تم السير على عقيدة عسكرية طائفية حولت مؤسسات عسكرية وأمنية إلى أدوات تحمي الحاكم ومن يرثه، تحاكي تماما قوات الحرس الثوري في إيران القائم على حماية نظام ولاية الفقيه، فالحرس الجمهوري الذي عرفه الناس أنه للدفاع عن النظام الجمهوري ومؤسساته العليا انحرف عن هذا الهدف إلى مآرب أخرى تجلت من خلال ضخ عدد كبير من سكان مناطق معينة يعتقد أهلها بمبادئ المذهب الزيدي - إذا جاز لنا تسميته بالمذهب - وتعيين كل قادة ألوية الحرس من الزيود لضمان بقاء رمزية الحكم دائما في مناطق شمال الشمال من الزيود بالتحديد، لذلك نرى تماسك هذه القوات رغم الضربات الموجعة التي تلقتها من نيران قوات التحالف.المؤسسة الأخرى التي أسست وفق نظام الباسيج في إيران هي جهاز الأمن القومي الذي أعلن عنه عام 2002 ليقوم بمهام محاربة الإرهاب والتجسس وتوفير المعلومات الاستخبارية لكل ما يتعلق بشؤون أمن الدولة اليمنية لمواجهة أي اختراق، ولهذا الجهاز مراكز احتجاز تعمل خارج القانون وكان يرأسه علي الآنسي من خارج الأسرة الحاكمة، لكن عمار محمد عبدالله صالح ابن أخ الرئيس المخلوع كان يشغل منصب وكيل الجهاز ويعتبر هو المسؤول الفعلي عن كل العمليات، وقد أقاله الرئيس عبده ربه منصور عقب تفجيرات استهدفت جنودا في تدريبات العرض العسكري بميدان السبعين في العاصمة صنعاء، وكشف فيلم استقصائي لقناة الجزيرة علاقة عمار الوثيقة بقادة من تنظيم القاعدة..أنشيء الجهاز وفق استراتيجية عدم توظيف من لا ينتمون لمناطق بعينها لكي لا يتكرر ما حصل في جهاز الأمن السياسي الذي تم إنشاؤه عام ١٩٩٢ وتم استيعاب عدد كبير ممن شاركوا في حرب ١٩٩٤ من مختلف مناطق اليمن مما جعله غير مؤهل لحماية نظام الحكم الوراثي الزيدي أو نظام العصابة الذي عادة ما يكون أقوى من نظام الدولة.يعتبر الكثير من اليمنيين أن جهاز الأمن القومي مسؤول عن العديد من الاعتقالات والاختطافات للمعارضين والاختفاء القسري للمئات خاصة من ناشطي الثورة الشعبية التي اندلعت في فبراير 2011 ولا تزال خلاياه حتى اللحظة تقود الحرب الخفية.نظام الرئيس المخلوع بدأ علاقاته بالتنظيمات الإرهابية منذ عودة من يسمون بالأفغان العرب ويومها كان الصراع على أشده بين الطرفين الموقعين على اتفاقية الوحدة عام 1990 وما تبعها من تحييد للأجهزة الأمنية التي كانت تتبع الشمال والجنوب، مما سمح بالحركة المريحة للتنظيمات الإرهابية التي كانت الأيديولوجية الاشتراكية يومها عدوها اللدود وهنا بدأ صالح في استغلالها لضرب شركائه في السلطة عن طريق موجة من الاغتيالات لرموز الحزب الاشتراكي، وإشراكهم في القتال في حرب 1994 وبعد ذلك أصبحوا تماما تحت سمع وبصر جهاز الأمن السياسي ثم بعد ذلك جهاز الأمن القومي وهنا بدأت الكارثة.حادثة هروب ٢٣ سجينا من قادة القاعدة من سجن الأمن السياسي المحصن في فبراير 2006 تشير إلى ضلوع جهاز الأمن القومي في تدبير الهروب الكبير وذلك لأن ما كشفته وثائق ويكيليكس يؤكد صراع الأجهزة ورغبة الرئيس صالح آنذاك في تحقيق الحماية القصوى لكرسي الحكم. ذلك أن جهاز الأمن السياسي غير الموثوق به لم يعد يعول عليه كما أن صالح كان ربما يريد من هذه الحادثة تحقيق تنسيق أمني أكبر مع الجارة السعودية والأمريكيين بهدف الحصول على دعم مالي كبير وسخاء لوجيستي، حيث طلب صالح نفسه عند مقابلة السفير الأمريكي بعد حادثة الهروب الكبير أجهزة تقنية متطورة وعتادا يمكن لجهاز الأمن القومي من خلالها تحديد مواقع الإرهابيين المحتملين الذين يتخذهم فزاعة لمزيد من الكسب المادي وإقناع الدول الكبرى بأهمية وجوده في السلطة، لكن السفارة الأمريكية علقت يومها حسب ويكيليكس "صالح لم يتقدم إلى الأمام كرجل ذي رؤية من حيث توجهات مؤسساته الأمنية ومخابراته".تحتاج السلطة الشرعية وقوات التحالف العربي إلى جدية أكبر في إنهاء الحرب وكسب المعركة لأن إطالة أمد الحسم سيجعل الكثير من الأوراق تختلط والمواقف تتبدل وهذا ما يراهن عليه تحالف الحوثي وصالح الذي استغل حاليا بشكل ملفت خبراته التراكمية في تصريف الجن والمجانين.

1664

| 09 مارس 2016

قطر وإغاثة اليمن

وقف المؤتمر الدولي بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن الذي نظمته جمعية قطر الخيرية في الدوحة مؤخرا على أرقام مروعة لحجم الكارثة التي يرزح تحتها أكثر من خمسة وعشرين مليون إنسان جراء الحرب العبثية التي أشعل نيرانها الحوثيون والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ضد اليمنيين بعد انقلابهم على كل مؤسسات الدولة وحكومتها الشرعية، حيث أصبح نحو عشرين مليونا بحاجة إلى المساعدة، بينهم نحو ثمانية ملايين يمني بحاجة ماسة إلى إغاثة عاجلة من الغذاء والمياه، وقد خلصت أوراق العمل التي عرضت على 90 منظمة إنسانية ودولية وإقليمية وعدد من الشبكات الدولية ونحو 150 خبيرا متخصصا شاركوا في المؤتمر إلى أن حجم المعاناة يتطلب ميزانية كبيرة قدرت بنحو 159 مليون دولار لتنفيذ تدخل سريع ولن يتأتي ذلك إلا بتضافر حقيقي من المجتمع الدولي الذي يجب عليه تفادي حدوث مأساة أخرى كالتي حدثت في سوريا.لم تكتف جمعية قطر الخيرية بما قدمته لليمنيين منذ عام 1994 من دعم لقطاعات الصحة والتعليم والمياه والتي تجاوزت تكلفة مشاريعها 160 مليون دولار، بل سارعت إلى تنظيم مؤتمر دولي لوضع آلية محددة تقوم على قاعدة بيانات ومعلومات تضمن توحيد الجهود والرؤى بغية تقديم مبادرات نوعية تعجل بإيجاد مخرج للأزمة الإنسانية التي تسببت في تدمير أكثر من 60 في المائة من المرافق الصحية والتعليمية وتشريد أكثر من مليونين ونصف المليون من النساء والأطفال وكبار السن في طول البلاد وعرضها، الأمر الذي يتطلب تحديد أهم المشاكل والصعوبات التي تواجه العمل الإغاثي خاصة إذا ما علمنا أن التجويع والحصار الخانق أصبحا من الأسلحة التي تلجأ إليها ميليشيا الحوثي وقوات صالح لتركيع نحو ثلاثة ملايين من سكان تعز، حيث يقول شاهد عيان من أحد مداخل المدينة المحاصرة: رأيت بأم عيني كيف يشق الحوثيون بالسكاكين أكياس القمح والدقيق لتتناثر على الأرض أمام أعين الجوعى وكيف يستهدفون خزانات المياه في مشهد من القسوة وغياب الإنسانية لم يألفه اليمنيون مطلقا إلى درجة أن المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي تواجه صعوبات كبيرة وفي كثير من الأوقات يستولي الحوثيون على شحنات المساعدات الإنسانية ويحولونها إلى دعم لجبهات القتال، في ظل هذا الواقع سارعت جمعية قطر الخير إلى إعداد دراسة ميدانية للوقوف على حقيقة الوضع وتحديد معوقات العمل الإغاثي خاصة في المناطق التي طحنتها "مسيرة الحوثيين القرآنية " وقد ركزت الدراسة على الآتي : - إنجاز تصور واضح عن الاحتياجات العاجلة لمواجهة الظروف المأساوية خصوصا في المجالات: الصحي والغذائي والتعليمي، بالإضافة إلى المأوى.- إنجاز برامج وأنشطة تلبي الإنعاش الاقتصادي وتأمين سبل العيش للأسر الفقيرة والمتضررة من الحرب.- تفعيل الربط بين العمليات الإغاثية والتنموية التي تقوم بها مختلف المنظمات بغية توحيد الجهود الإغاثية وتوسيع قاعدة المستفيدين بما يحقق عدالة في تقديم وتوزيع الخدمات في جميع المناطق المتضررة.هذه المحددات مهمة جدا لأنها تعطي قراءة جديدة للعمل الإغاثي الذي ينطلق في مرحلتين: الأولى تتمثل في سد الحاجات اليومية للمشردين والمتضررين، والمرحلة الثانية تعمل على تحقيق مبادئ التنمية المستدامة والتمكين الاقتصادي لتحويل المحتاجين والفقراء إلى قوى منتجة تسهم في تعزيز عجلة الإنتاج والتنمية للمجتمعات بعد انقشاع الغمة وعودة الاستقرار. منذ بدء الحرب في اليمن لم تألُ قطر جهدا في تقديم العون والدعم لأشقائها وهي بذلك تعزز قناعة راسخة لدى كل اليمنيين أن هذا البلد الكريم أهله يقف دوما في مختلف الظروف والملمات إلى جانب الإنسان وينحاز إلى قناعات الشعب، فعندما اندلعت حرب 1994 وقفت قطر مع الوحدة، وعندما هتف اليمنيون بالتغيير والمواطنة المتساوية في ظل دولة مدنية حديثة انحازت قطر إلى خياراتهم بل وعملت على تعريف العالم بما يعانيه شعب عربي في جنوب شبه الجزيرة العربية، لن ينسى الطلاب اليمنيون في الخارج أيادي قطر البيضاء التي توزع عليهم منحا مالية سنوية بمبلغ 604 آلاف دولار، ولن ينسى كرمها المرضى الذين يتلقون العناية الصحية في مستشفيات ومراكز صحية أنشأتها قطر في أكثر من مدينة، ولن ينسى المعروف من يسيرون يوميا على طرق إسفلتية بمئات الكيلومترات رصفتها قطر، سلوك قطر الإنساني وفزعتها في إغاثة الملهوف يجعل اليمنيين يطمعون في المزيد، فلقد تعممت الكارثة وأصبح من كان ينتمي إلى الطبقة الوسطى الميسورة الحال يقول رب إني مسني الضر.

373

| 27 فبراير 2016

العالم العربي بين النفوذ الإيراني والإسلام السياسي

مساعي مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة العربية توجت بنتائج عملية ملموسة كان أبرزها تشكيل تحالف إسلامي عسكري بقيادة السعودية انخرطت فيه أكثر من عشرين دولة عربية وإسلامية بهدف محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومذاهبه لحماية السلام وضمان الاستقرار في منطقة مشتعلة، وكان هذا التحالف فارقا بين مرحتلين الأولى اتسمت بتنافر دول المحور السني وعلى رأسها السعودية وتركيا، وشيطنة تنظيمات الاعتدال في تيارالإسلام السياسي التي أسهمت بقدر كبير في ثورات الربيع العربي وما نتج عن ذلك من تهتك في البنية الداخلية لعدد من الدول العربية وضرب الاستقرار المجتمعي والسياسي لدولة محورية مثل مصر ماجعلها تتوارى عن الفعل الإقليمي المؤثر إلى درجة أنها لا ترى ما يجري في سوريا تهديدا للأمن القومي العربي، وكأن الوجود الروسي والإيراني هناك لمجرد السياحة فقط . أما المرحلة الثانية فقد اتسمت بإعادة النظر في السياسات السابقة التي أشعلت معارك عبثية في أزمنة وأمكنة خطأ والأهم إعادة تعريف من هم الأصدقاء ومن هم الخصوم ؟ خاصة بعد بدء العمل باتفاق دول 5+1 مع إيران بشأن ملفها النووي وانكشاف خيوط اللعبة وإدراك أطراف عربية أن إدارة العلاقة مع طهران ومواجهة سياساتها العدائية وطموحاتها الإقليمية لا يمكن أن يستند إلى دعم غربي أو أمريكي واضح. كثير من العرب لم يكن يؤمن بمقولة ابن المقفع " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " ولذلك عندما ضرب الأمريكيون أسوار بغداد وأسقط صدام حسين احتفلت بذلك عواصم عربية على اعتبار أن انتهاء الحرب الإيرانية العراقية حولت صدام من مدافع عن البوابة الشرقية للعالم العربي إلى مصدر خطر، خاصة بعد أن أغراه الأمريكيون أنفسهم باحتلال دولة الكويت لينالوا بعد ذلك شرف تحريرها، وهنا يمكن القول إن إيران الفارسية تخلصت بشكل نهائي من أي مصدات أو كوابح تمنع مدها الثوري ونفوذها وماهي إلا سنوات قليلة من العمل الاستخباري والدعم المالي السخي لقوى وأطراف مذهبية عربية حتى أصبحت أربع عواصم تحت السيطرة الإيرانية وبمباركة كل الآيات والملالي الذين يتفقون على أن الخطر الذي يهدد إيران وإسلامها " المحمدي " لا يأتي من إسرائيل بل من السعودية زعيمة الإسلام "الأمريكي" وهذه مغالطات ما كان لها أن تتكشف لولا ما يجري الآن في سوريا واليمن ، فقد اتضح لكل اليمنيين أن شعار الثورة الإسلامية الإيرانية " الموت لأمريكا والموت لأسرائيل" لم يكن إلا شعارا مضللا إذ لم يقتل أمريكي واحد ولا إسرائيلي واحد في اليمن بل يهتف الحوثيون بهذا الشعار عند إراقة دماء بني جلدتهم أما أمريكا المعنية باللعنات والموت فإنها ترى في الحوثيين ذلك المختلف الذي يعبر عن خيارها الاستراتيجي وهو الإسلام المحمدي أو إسلام إيران عنوان المرحلة، وفي سوريا انكشف الدور الأمريكي المخادع الذي سمح للطائرات الروسية بقصف المستشفيات وقتل المدنيين بينما تتباكي الخارجية الأمريكية على قصف المدافع التركية مواقع مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري . كانت السياسة الإيرانية تضع نصب عينيها تحقيق أهداف أكبر من مجرد أربع عواصم عربية، تجلى طموحها المجنون بعد حادثة الحجاج عندما تعالت أصوات بضرورة إعادة النظر في وضع مكة المكرمة والمدينة المنورة ولا بأس من إزاحة أئمة الإسلام الأمريكي وإحلال آيات الإسلام المحمدي تماما كما حدث في منابر مساجد صنعاء بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 لكن بدى ذلك حلما بعيد المنال عندما حزمت دول مجلس التعاون الخليجي أمرها ونحت الخلافات جانبا وأعادت العافية السياسية للفعل العربي المؤثر وأدركت السعودية خطأ سياساتها السابقة وحاجتها لإعادة اللحمة السنية فتصالحت مع تيارات ناصبتها العداء بعد ثورات الربيع العربي ، حيث فوجئ العالم بعمل عسكري عربي ضد اختطاف السلطة في اليمن وتحالف عسكري إسلامي يعيد صياغة أمن دفاعي مشترك لكل دوله الأعضاء ، ولكي لا يقال بأن مشروعات العرب والمسلمين عادة ما تكون حبرا على ورق، يجري هذه الأيام تنفيذ تمرين عسكري لقوات التحالف العسكري الإسلامي وصفته وسائل إعلام غربية بأنه الأكبر في تاريخ المنطقة العربية حيث أنه ينفذ سيناريوهات محتملة تحاكي الأوضاع الإقليمية والتطورات الراهنة ، وهذا يعني رسالة قوية لروسيا وإيران قد تغير المعادلة أو على الأقل تخلق توازن الرعب .

431

| 18 فبراير 2016

الجزائر .. الدستور محّكم أم محكوم؟

مرر البرلمان الجزائري بالأغلبية الساحقة النسخة النهائية للدستور بأكثر من مئة تعديل ليحل محل دستور عام 1996، حيث صوت بداية هذا الأسبوع 499 نائبا بـ"نعم" بينما عارضه نائبان فقط وامتنع 16 عن التصويت وقاطع نواب المعارضة جلسة التصويت. ومن أهم التعديلات التي تضمنها الدستور الجديد مسألة في غاية الأهمية كانت محورا لتعديلات دستورية عام 2008 مهدت الطريق لينتخب الرئيس بوتفليقة فترة ثالثة، وبما أن المبرر قد انتهى فقد تم العودة إلى تحديد رئاسة الدولة بفترتين رئاسيتين غير قابلتين للتجديد، وإدراج ذلك ضمن المواد التي لا يمكن لأي رئيس مراجعتها مستقبلا. ويتضمن الدستور الجديد أيضا مادة تعتبر اللغة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، ورغم أن ترسيم اللغة الأمازيغية في هذا المستوى المتقدم فإن ذلك لم يشكل هما وطنيا أو أولوية لكن يبدو أن الرئاسة الجزائرية رأت في ذلك حدثا كبيرا يمكن أن يكون بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة. ورغم الارتياح الكبير في أوساط الموالاة وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وكذا زهو الحكومة الجزائرية بما تم إنجازه، واعتبار ذلك وفاء من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتنفيذ حزمة الإصلاحات التي تعهد بها إبان المد الثوري الجارف أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي عام 2011 الذي أجبر كل الأنظمة العربية على اتخاذ إجراءات وقائية تمنع اندلاع النيران تحت كراسي الحكم، فإن المعارضة الجزئرية رأت في التعديلات المعتمدة كشفا لعيوب نظام يسعى لربح الوقت والهروب إلى الأمام في ظل مؤسسات غير شرعية تغيب الشعب الذي هو أساس أي دستور، ويؤكد كثير من الباحثين والسياسيين أن الأزمة السياسية في الجزائر لم تكن يوما في النصوص الدستورية ولكن في الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وعدم احترام وتطبيق الدستور والقوانين ويتهمون السلطة باعتماد نفس مقارباتها المعهودة في القضايا الاستراتيجية، خاصة إقرار الدستور الذي افتقر إلى روح التوافق السياسي الوطني الذي تقتضيه المرحلة الصعبة. في كثير من دول العالم ينظر إلى الدستور على أنه عقد اجتماعي ومقياس حضاري يعمل على انتظام العلاقة بين السلطة السياسة والشعب من جهة وبين أفراد الشعب أنفسهم لجهة العدالة والمساواة والحق في السلطة والثروة، بينما تتحول الدساتير في العالم العربي إلى أداة للسلطة المطلقة والدليل أن كل رئيس أو حاكم عربي يعتلي سدة الحكم تكون أولى مهامه إما تعليق العمل بالدستور كثيرون يرون أن الإصلاحات التي خاضها الرئيس بوتفليقة ومنها قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية وإقالة جنرالات في الجيش والاستخبارات وموظفين ساميين حامت حولهم شبهات الفساد لم ترق إلى طموح الجزائريين، لكن نظرة فاحصة في المحيط العربي المكفهر تجبر أي متابع للأحداث على رفع القبعة للرئيس بوتفليقة لأنه استطاع المحافظة على قدر معتبر من الاستقرار السياسي وفق الأدوات الدستورية التي طوعها لاستمرار مسيرته الممتدة على ثلاث فترات أو عهود رئاسية، أما إشكالية الدستور في الجزائر وفي العالم العربي فستظل قائمة ما لم ينظر إلى الدستور على أنه محّكم لا محكوم بأهواء الحاكم.

358

| 13 فبراير 2016

اليمن: صالح والحوثي .. بين مشروعين

يبدو أن تصاعد وتيرة القتال على أطراف صنعاء وتحقيق الجيش الوطني والمقاومة الشعبية تقدما مهما باتجاه العاصمة، جعل خيوط فشل التحالف بين الحوثيين والرئيس المخلوع تظهر للعلن كاشفة حالة من التخبط وتربص كل طرف بالآخر تجلى ذلك من خلال سيطرة الحوثيين على قوات الحرس الجمهوري التي يتكئ عليها صالح حيث أصبحت قوات النخبة تتلقى الأوامر من قادة مليشيات غير مؤهلة الأمر الذي دفع بعدد من القادة إلى رفض الأوامر بحجة أن الحوثيين يسوقونهم دون خبرة عسكرية إلى المحرقة، وقد كان لهذا الرفض تداعيات خطيرة أبرزها اعتقال الحوثيين لنحو 130 ضابطا وانشقاق عدد من الجنود والضباط والتحاقهم بمعسكرات الجيش الوطني، وانتقلت حمى الخلاف إلى الوزارات والمؤسسات التي يسيطر عليها الحوثيون الذين يستميتون لتنصيب شخصيات موالية لهم وإزاحة عناصر من حزب المؤتمر الشعبي العام تسبح بحمد الرئيس المخلوع بغية إحداث تغيرات جذرية للاستئثار بإمكانات الدولة وتكوين طبقة أرستقراطية يمنحها المال المنهوب قدرة على الحركة والتأثير بعد تبدد غبار المعركة بهزيمة أي من الأطراف المتصارعة أو ربما وفق تسوية سياسية.كثيرون يرون أن الوضع الحرج في جبهة الرئيس المخلوع والحوثيين كفيل بأن يرحل هذه الخلافات إلى وقت لاحق خاصة أن الدائرة تضيق شيئا فشيئا على معاقلهم ومخابئهم، لكن تناقض المصالح الأنانية والمشاريع التي يريد كل منهما تحقيقها على أشلاء بلد منهك ومثخن بالجراح، ربما ينعكس سلبا لأن منطلقات تحالفهما قامت على استخدام كل طرف للآخر كبطاقة مرور تنتهي صلاحيتها بمجرد الوصول إلى الهدف، ولأن الحوثيين يعرفون جيدا تاريخ صالح السيئ في التحالفات التي تنتهي عادة بخروجه منتصرا وحرق بطاقات حلفائه، فإن التيار الرديكالي في جماعة أنصار الله يصر على حرق بطاقات صالح الذي قتل مؤسس الجماعة وإخراجه من المشهد بأي طريقة مهما كانت التضحيات لأن التخلص من صالح لن تكون أهم من إسقاط الدولة وإشعال حرب أهلكت النسل والحرث لتنفيذ مشروع إيران وجماعة "أنصار الله" الكبير بأجزائه الثلاثة: السياسي القائم على ولاية الفقيه والاقتصادي القائم على طرق جديدة في جباية الأموال تحت مسميات مختلفة أبرزها دعم المجهود الحربي، والعسكري القائم على اعتبار حراس "المسيرة القرآنية" فوق أي جيش، وهو مشروع يختلف كليا عن مشروع صالح الذي يرتكز على عنصرين رئيسين يتمثلان في الانتقام السياسي من خصومه وعودته إلى المشهد السياسي أو تهيئة الظروف لنجله أحمد علي عبد الله صالح.يعزز التيار الراديكالي في الحركة الحوثية موقفه من صالح بأنه رجل شرير يريد أن ينقلب على كل المنجزات التي حققتها ما يسمونها بثورة 21 سبتمبر 2014 ومنها اللجنة الثورية التي تمثل أعلى هرم السلطة الحاكمة والإعلان الدستوري الذي وضع مجلس النواب على الرف، ويقولون إن الرئيس المخلوع يهدف من إلحاحه على تشكيل حكومة لسد الفراغ التنفيذي والتشريعي إلغاء الإعلان الدستوري وعودة مجلس النواب، وهذه بالنسبة إليهم رغبات شيطانية لا يمكن بأي حال تحقيقها.. والسؤال الذي يطرحه كثير من المراقبين هل سيؤدي هذا الخلاف إلى صدام مسلح ينهي زواج المتعة ويمهد الطريق لعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء؟ وهل اشتداد الضربات الجوية لطائرات التحالف العربي وزحف الجيش الوطني والمقاومة الشعبية كفيل بوقوف الحليفين صفا واحدا للحفاظ على بقائهما أم أن مآلات سوء الخاتمة قد يكون لها رأي آخر؟ رغم تفاقم الخلافات بعد مؤتمر جنيف 2 فإن صالح أظهر قدرا كبيرا من القدرة على تحمل استفزازات الحوثيين لأنصاره وله شخصيا في وسائل إعلامهم، ولذلك يبدو الصدام المسلح بين الطرفين نوعا من الانتحار الذي سيعجل بهزيمة أحدهما وتسهيل الطريق لإجهاز قوات الشرعية على الطرف المنتصر وحسم المعركة، ولذلك يبدو أنهما سيعملان تحت ضغط التطورات العسكرية على بقاء هذا التحالف الهش إلى حين، وربما تشهد الأيام المقبلة تطورات مفاجئة قد تتجلى من خلال تسوية عسكرية وسياسية تقودها السعودية تضمن توفير خروج علي عبد الله صالح من البلاد أو بتغير الولاءات داخل معسكرات الحرس الجمهوري التي عانت من الإذلال النفسي وتمريغ كبريائها العسكري، أو من خلال تهاوي دفاعات الحليفين بشكل تراجيدي وعودة صنعاء مدينة للسلام والتعايش.

419

| 04 فبراير 2016

اليمن .. جدوى الحل السياسي ..!!

يبذل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته الشرعية جهودًا لتخفيف فاتورة الحرب التي أثقلت كاهل اليمنيين، وحولت الناجين من القتل إلى لاجئين ونازحين مشردين فقراء وملايين المحاصرين في مدينة تعز لا حول لهم ولا قوة، ولذلك تهرع الحكومة كلما سنحت الفرصة فتستجيب لكل الضغوط للموافقة على أي مسعى حميد وغير حميد تقوده منظمة الأمم المتحدة، وآخر هذه المساعي إعلان استعدادها للمشاركة في جولة مفاوضات جديدة ربما تعقد نهاية شهر يناير رغم فشل انعقادها في 14 من الشهر الجاري بعد خطاب يائس ومتناقض ألقاه الرئيس المخلوع علي عبد اهل صالح بداية هذا الأسبوع، أعلن فيه عن القطع الكامل مع الرئيس هادي وحكومته وطالب بأن تكون المفاوضات مع المملكة العربية السعودية، وهذا التوجه ينهي أي أمل بإمكانية انعقاد أية مشاورات جديدة بين الانقلابيين والحكومة الشرعية، ما يعني تراجع الحل السياسي إلى أدنى درجات سلم خيارات حلول الأزمة وتصاعد أولوية الحسم العسكري بعد سيطرة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على ثلثي مساحة البلاد، ومنها مناطق قريبة جدًا من العاصمة صنعاء.كان الفريق المفاوض للحوثيين وحليفهم قد التزم أمام المبعوث الأممي بالشروع في خطوات بناء ثقة تشمل إطلاق سراح المختطفين وفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإغاثية إلى مدينة تعز قبل استئناف المشاورات، لكن الرئيس المخلوع بدأ يشعر بأن الدائرة تضيق أكثر فأكثر وأن قنوات التواصل مع أطراف دولية، وخصوصًا السعودية، أغلقت ولم يعد بإمكان الرياض تقديم طوق النجاة كما كانت تفعل كلما ألمت بالمخلوع صالح مصيبة خلال فترة حكمه، خاصة بعد أن ارتكب حماقة كبيرة ونسف كل تاريخه ووضع كل بيضه في سلة جماعة طائفية دمرت كل ما بناه الشعب اليمني وأعادته سنوات ضوئية إلى عصور الجهل والتخلف، رغم كل التبريرات التي حاول سردها في خطابه الأخير ونفي علاقته بالشيعة قائلًا نحن "زيدية سنة"، الأمر الذي أثار حالة من السخرية والتهكم تجاه أسلوبه الذي يعتمد على الكذب والمغالطات دائمًا، وفي المقابل عبر الحوثيون عن حالة من عدم الرضا عن خطاب المخلوع الذي أساء إلى توجههم الرامي لترسيخ التفسير الشيعي للزيدية، ويبدو أن ذلك كان من أسباب حظر الحوثيين نشر خطابه في كل وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها. أما الأسباب الأخرى فترجع إلى تلقي الحوثيين معلومات بأن صالح يحاول إرسال إشارات بأنه مستعد لإنهاء زواج المتعة معهم مقابل ثمن يدفعه من يريد، لأن صالح أيقن أكثر من أي وقت مضى من أن توتر العلاقات السعودية الإيرانية سيكون له تداعيات خطيرة، ليس على الحوثيين وحلفائهم في اليمن وحسب بل على من يرهن مستقبله بيد إيران في المنطقة.المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد زار صنعاء منتصف هذا الأسبوع والتقى الفريق المفاوض للحوثيين وحلفائهم، وبدلًا من الحديث عن إجراءات الثقة التي التزموا بتطبيقها من أجل الانطلاق في مفاوضات جادة تفضي إلى حل سياسي، حولوا موضوع اللقاء إلى الحديث عن قتامة الوضع الإنساني والاقتصادي للسكان ورتبوا له اجتماعات مع وكلاء الوزارات التي يسيطرون عليها، ليخرج المبعوث الأممي بنتائج بكائية على مظلومية جماعة "أنصار الله" الحوثية التي تقول إنها تواجه حربًا ظالمة تراجعت بسببها مؤشرات النمو الاقتصادي إلى سالب 36% إلى درجة عجزت أمامها ما تسمى باللجنة الثورية الحاكمة عن طباعة الكتاب المدرسي لنحو ستة ملايين طالب وطالبة. ورغم هذه الأوضاع الكارثية يهدد الحوثيون وحلفاؤهم ولد الشيخ أحمد بسد الفراغ التنفيذي في صنعاء بتشكيل حكومة منافسة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، عملًا بمقولة "إذا شعرت بضعف الحجة في موضوع ما ابحث عن موضوع آخر".لا يبدو أن هناك جدية في الذهاب إلى حل سياسي لوقف الحرب في اليمن رغم حرص كل طرف على أن يبقى هذا الخيار في مرتبة الاحتياط، ولذلك على قوات التحالف العربي، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص التي تتعرض لضغوط كبيرة، أن تعيد النظر في التعامل مع الخطط والاستراتيجيات التي تعمل وفقها، وأن تنهي على الفور حصار مدينة تعز بأي ثمن ولو بإنزال جوي للمساعدات، وعلى الجيش الوطني مسنودًا بقوات المقاومة الشعبية أن يُصعِّد وتيرة العمليات العسكرية النوعية التي تنتهي بالسيطرة على صنعاء وإعادة الشرعية إلى قصرها الرئاسي. فإطالة أمد الحرب أصبح عبئًا أخلاقيًا واستنزافًا عسكريًا واقتصاديًا لقوات التحالف العربي قد يكون له تداعيات غير محسوبة العواقب على مستقبل الإقليم ودوله.

350

| 13 يناير 2016

اليمن وجنيف 2 .. ترقيع المرقع ..!!

بذلت منظمة الأمم المتحدة جهودا كبيرة لجمع أربعة وعشرين يمنيا هم أعضاء وفد الحكومة اليمنية الشرعية والمتمردون الحوثيون وشركاؤهم في مكان بسويسرا بهدف إيجاد حل دائم للأزمة بعد نحو تسعة أشهر من الحرب بدت فيها الأمم المتحدة طرفا غير محايد تماما، إذا لم ير اليمنيون المكلومون حركة المبعوث الأممي حينما يُقصَف المدنيون بصواريخ الكاتيوشا والتوشكا وحينما يفرض الحوثيون وقوات الرئيس المخلوع حصارا خانقا على مدينة تعز ، بينما يقرأون أخبار زيارات مكوكية يقوم بها إسماعيل ولد الشيخ أحمد في كل مكان مؤثر أو غير مؤثر عندما تتقدم المقاومة الشعبية والجيش الوطني وتكبد القوى الانقلابية خسائر مادية وبشرية وتسيطر على مدن ومواقع استراتيجية بهدف استعادة الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي يعكس موقفا وسياسات غير بريئة لا تحترم أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني الذي يفرض على المجتمع الدولي التحرك بصرامة لإلزام أطراف الحروب بمبادئ حماية المدنيين ، ناهيك عن أن الطرف المتمرد في اليمن صدرت بحقه قرارات مجلس الأمن الدولي وأبرزها 2216 تحت الفصل السابع وما أدراك ما إجراءاته الصارمة . يتلاعب الحوثيون وشريكهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح كعادتهم بكل المبادرات والجهود الأممية والدولية وحتى مبادرات الحكومة الشرعية لبناء الثقة، فلم تكد تمر دقائق من إعلان التزامهم بوقف إطلاق النار قبل يوم من انطلاق مشاورات سويسرا حتى أرعبوا المدنيين بقصف عنيف على مدينة تعز ، ولم تكد تمر دقائق على إعلان الرئيس هادي وقوات التحالف هدنة في منتصف يوم انطلاق المشاورات حتى سارع الحوثيون إلى خرقها وأمطروا مدينة تعز وما جاورها بقذائف المدافع والصواريخ، بينما لم تبد الأمم المتحدة أي موقف حازم بل سارعت إلى حث الأطراف اليمنية على احترام تعهداتها من أجل التوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار، والسعي إلى تحسين الوضع الإنساني، والعودة إلى انتقال سياسي سلمي ومنظم. الأسئلة الحائرة التي تنتظر من الأشهر القادمة الإجابة عنها تتمثل في : هل ستفلح مشاورات سويسرا في العودة إلى انتقال سياسي سلمي وبأي أدوات ؟ هل بأدوات الدولة العميقة للرئيس المخلوع أم بأدوات الرئيس الشرعي الحالي ذي الخلفية الشافعية وما أدراك ما دلالاتها لدى معسكر شمال الشمال؟ هل سيلتزم الحوثيون وشريكهم بالاتفاقيات الموقعة في ظل دولة مبعثرة وهم الذين داسوا على كل الاتفاقيات أثناء تماسك الدولة ومؤسساتها ووجود شبه جيش وشبه قوات أمن، فكيف سيكون سلوكهم التدميري بعد أن حولوا المؤسسات العسكرية والأمنية إلى مليشيا ؟ كيف سيتعامل التحالف العربي بعد فشل مشاورات جنيف 2 ؟ هل ستظل بعض أطراف هذا التحالف تضع رجلا في أراضي الشرعية والأخرى في أراضي المتمردين رغبة في بقاء تأثير علي صالح والمؤتمر الشعبي العام في الحياة السياسية وسد أي فتحة يتسلل منها الأكسجين والضوء أمام تيار الإسلام السياسي المعتدل ؟ وهل فشل التحالف العربي رغم كل عتاده المتطور وإمكانياته الاستخبارية والمالية الكبيرة جدا في فرض واقع ميداني يدفع الحوثيين وشريكهم إلى رفع الراية البيضاء والدخول في أي حوارات لا تستند على تأثيرهم العسكري على الأرض بل على قاعدة عدم إقصاء أي طرف في الحياة السياسية اليمنية بعد أن تُعرض كل جرائمه بحق الإنسانية على قانون العدالة الانتقالية ؟ الحكومة اليمنية قالت إنها ذهبت إلى مشاورات سويسرا لكف أيدي الحوثيين عن سفك دماء الشعب رغم أصوات المقاومة الشعبية في تعز ومأرب والجوف الرافضة لأي مفاوضات عبثية مع الانقلابيين ووافقها في ذلك كثير من المتابعين لتطورات الشأن اليمني الذين يرون أن سلوك الحوثيين وشريكهم لا يستند لأي مصلحة وطنية بل يسعون لفرض واقع يتسق مع تطلعاتهم الطائفية والمذهبية والاقتصادية ولو تحقق ذلك بعد إبادة جزء كبير من الشعب ، والمشكلة الكبيرة أن هناك توجها من جهات إقليمية لإضعاف موقف السلطة الشرعية وتضخيم خطر الجماعات المتطرفة بغية جعل الحوثيين جزءا من الحل قبل أن يستسلموا لقوات الشرعية ، وإيجاد مخرج مناسب لبقاء كتل الشر التي زرعها الرئيس المخلوع في جسم الدولة المنهارة . ولذلك فإن هذه المفاوضات ستفشل كما فشلت سابقاتها إلا إذا حدثت معجزة تغير موازين المتربصين بمصائر الشعوب ، ورغم أنني من الذين يحرصون دائما على إشاعة الأمل والأمنيات الوردية إلا أن الواقع يقول :إذا فشلت هذه المفاوضات فلن يبقى أمام المقاومة الشعبية والجيش الوطني إلا مواصلة استعادة الدولة بالإمكانيات المتوفرة، أما قوات التحالف العربي فأعتقد أنها لم تذهب للنزهة فإما أن تحقق ما أعلنت عنه وإما أن تعود بخفي حنين لكن ساعتها ستتغير موازين القوى وربما نرى واقعا آخر غير الذي تفرضه هذا القوات برا وبحرا وجوا وربما يصبح بلح الشام وعنب اليمن في الطعم سواء .

353

| 17 ديسمبر 2015

من يصنع الإرهاب في اليمن...؟

تبنى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في اليمن المسؤولية عن اغتيال محافظ عدن، اللواء جعفر محمد سعد، يوم الأحد الماضي ومن قبل حادث الاغتيال بيومين فقط بث التنظيم فيلما تم تصويره بتقنية عالية وتفنن في الإعدام بطرق مختلفة في البر والبحر لنحو 25 شخصا زعم أنهم حوثيون وروافض شاركوا في الحرب على عدن، وسبق كل ذلك التسويق الإعلامي الكبير لداعش في خطابات الرئيس المخلوع وعبد الملك الحوثي وفي كل الوسائل الإعلامية التابعة لهما أو الداعمة لمشروعهما الديكتاتوري الطائفي الذي يعمل بكل ما أوتي من حيلة على استنبات تنظيم الدولة ووصف كل المعارضين لهذا المشروع بالدواعش حتى وإن كانوا ليبراليين وعلمانيين من أجل صناعة الفوضى المجتمعية التي تبرر التجييش الطائفي المضاد، وفي نهاية المطاف استجلاب تدخل دولي تصطف معه مليشيا الحوثي وقوات صالح لمحاربة الإرهاب تماما كما يحدث الآن في سوريا.يحرص صناع داعش في اليمن على أن تتميز عملياته الإرهابية بقدر كبير من التخطيط والدقة لاصطياد أهداف حيوية تؤكد حضوره وسيطرته على الأرض وقدرته على العمل بمستوى يوازي قدرات قوى أخرى، بحيث تصل الرسائل إلى الأطراف الداخلية والخارجية واضحة المعنى عميقة الدلالة بأنه إذا لم تسع الأطراف الدولية إلى ضمان دور سياسي مؤثر للرئيس المخلوع وجماعة الحوثي، فإن البديل موجود ويستطيع فرض أجندته بالقوة في ظل الفراغ الأمني والتخبط السياسي والإداري للسلطات الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بل إن تنظيم الدولة الإسلامية "ولاية اليمن"!! قد يصبح أكثر قوة وخطرا بانضمام جماعات وقواعد "عفاشية" تتمركز في حضرموت وشبوة وأبين إذا ما طال عمر الانقلاب وتأخرت دول التحالف العربي في اتخاذ قرار الحسم وتوقفت الدول المؤثرة في التحالف عن الانشغال بتصنيف المقاومة الشعبية وفقا لتوجهاتها وألوانها، وما يحدث في عدن اليوم من انفلات أمني خير شاهد على عقم سياسة تهميش المقاومة ذات التوجهات الإسلامية المعتدلة وإزاحتها من الميدان الذي يجب أن تكون فيه. هذه المقاومة المعتدلة ينتمي أغلب عناصرها إلى ثوار ساحات التغيير الذين شكلوا في العام 2011 أنموذجا رافضا للعنف حينما امتنعوا عن الرد على دموية القوى العسكرية والأمنية التي تخضع لتوجيهات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح آنذاك. مباحثات جنيف 2 التي من المقرر أن تنطلق منتصف الشهر الجاري بين وفدي السلطة الشرعية ومليشيا الحوثي وصالح تبدو مفتاح لغز العمليات الإرهابية الأخيرة، بدءا من تفجير فندق تتخذه الحكومة اليمنية الشرعية مقرا لها وتفجير مقر القيادة العسكرية الإماراتية في السادس من أكتوبر الماضي وليس انتهاء باغتيال محافظ عدن الذي مثَّلَ ضربة قوية لجهود دول التحالف في جعل عدن ملاذا آمنا للرئاسة اليمنية التي أمضت أشهرا في العاصمة السعودية، ولن يستطيع المخلوع وحلفاؤه الظفر بنصيب الأسد من السلطة في مسلسل مفاوضات جنيف اللاحقة إلا عبر بوابة الدفع بجماعات جهادية إلى الواجهة لتزرع الرعب محليا وإقليميا وتكون بطاقة حمراء يشهرها المخلوع متى أراد تماما كما مارس الابتزاز لدول الخليج والعالم قبل العام 2011 باسم محاربة تنظيم القاعدة الذي كان وما يزال حليفا إستراتيجيا لصالح رغم وجوده خارج السلطة.كيف يمكن إذا تدمير مصنع الإرهاب في اليمن؟ وما هي الأخطار المحدقة بالإقليم في حال استمر التعاطي مع الأزمة القائمة بمنطق "أنا رب إبلي فقط"؟ وكيف يمكن لدول التحالف العربي أن تغير من إستراتيجيتها في التعامل مع الواقع اليمني المعقد؟ هناك سعي حثيث لتقسيم اليمن إلى ثلاث بؤر جهنمية، الأولى يسيطر عليها الحوثيون وحليفهم ويحاولون صبغ كل فئاتها الاجتماعية بلون طائفي واحد ويمنون مريديهم بأن تصبح مكة مستقبلا ضمن هذه البؤرة، أما الثانية فهي المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها جماعات جهادية سنية سلفية وراديكالية مخترقة استخباريا من البؤرة الأولى وحراك انفصالي تعمل إيران على تعظيم تأثيره باضطراد، وبؤرة ثالثة مركزها تعز تتقاذفها الولاءات الطائفية والمناطقية شمالا وجنوبا وتشكل إمدادا بشريا لمشاريع التفكيك وتغذية الصراعات والحروب، وهنا يجب على دول التحالف العربي أن تسرع في ترتيب أولوياتها وأن تضع جدولا زمنيا يحقق ما جاءت من أجله وإلا فإن مقولة: كأنك "يا بو زيد ما غزيت" تصبح واقعا، لكنه سيوزع الألم والحسرة على الجميع دون استثناء.

403

| 09 ديسمبر 2015

نكبة التعليم في اليمن

"هل تدرس نور؟.. كم يُؤرقُني هذا السؤال، ويسيطر على تفكيري، كلما فكرتُ في دراسة نور يفارقني النوم، أتخيل فرحتها في أول يوم دراسي لها في التمهيدي قبل عامين في مدرسة عُلا المجد بصنعاء، وكيف كان الفرح يملأ عينيها، تكاد أن تطير من السعادة، تسردُ لي حكايات المدرسة وتعامل المدرسات وصديقات الفصل باندفاع كبير، تُقبل على واجباتها بشغف.. فهل تدرس نور وغيرها من الطلاب في ظل فوضى تسميها مليشيات الحوثي ثورة؟".. هكذا عبر بمرارة أحد الصحفيين اليمنيين في صفحته على الفيسبوك.. وقد وجدت أنه من المناسب استهلال مقالي بكلماته، لأنها تعبير صادق عن ألم وخوف على مصير ملايين الأطفال والطلاب الذين تقطعت بهم سبل الوصول إلى المؤسسات التعليمية منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة وعدد من المدن واتساع رقعة همجية الفوضى غير الخلاقة التي تدمر الحاضر والمستقبل معا. الصورة والدلالة الظاهرة لكلمة الحرب أنها تعني قتلى وجرحى ونازحين ومشردين وخرابا في كل مرافق الحياة وتلك جروح ربما تندمل مع مرور الزمن، لكن ثمة خسارة حقيقية يصعب تعويضها عندما يحرم جيل كامل من التعليم، فهذه منظمة اليونسيف تدق ناقوس الخطر، حيث تقدر تقاريرها عدد الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب بنحو مليون وثمانمائة ألف طفل يمني، إضافة إلى أكثر من مليون وستمائة طفل في سن التعليم كانوا أساسا خارج المدرسة قبل الحرب وهذه الأرقام ستضاعف، بدون شك، نسبة الأمية التي كانت تقديراتها قبل الحرب تقول إنها تبلغ 70 بالمائة في الأرياف، بينما تصل في المدن إلى 38%. وقبل أن تضع الحرب أوزارها تبدو الصورة قاتمة على كل المستويات، لكن قطاع التعليم يبدو المتضرر الأكبر بالنظر إلى ممارسات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع الذين يحولون المنشآت التعليمية والمدارس إلى مخازن للأسلحة ومقرات وثكنات عسكرية، الأمر الذي يجعلها هدفا لقصف طائرات التحالف، وتشير إحصاءات غير نهائية إلى تدمير أكثر من أربعمائة مدرسة بشكل كامل، بينما استخدمت نحو ثلاثمائة وخمسين مدرسة لإيواء أكثر من مليون وخمسمائة ألف نازح، حيث قام بعضهم بإحراق المقاعد والطاولات لطهي الطعام.هذا الواقع الكارثي الذي تسببت فيه الحرب يضاف إلى واقع كان سيئا قبل الحرب إذا كان يعاني قطاع التعليم الذي يدرس فيه نحو خمسة ملايين طالب من اختلالات، منها نقص المعلمين والمدارس وغياب التأهيل، حيث يوجد 63% من المعلمين ممن ليست لديهم مؤهلات جامعية، بينما توجد نحو 660 مدرسة من العشش والصفيح وتحت الأشجار ويدرس بها نحو300.000 طالب. ويبدو أن الرئيس المخلوع كان يدرك جيدا أنه لا يمكن أن يستمر وينشر خزعبلاته بين أفراد الشعب إلا إذا عمل على تدمير ممنهج للتعليم الذي يعد أساس التنمية لأي بلد يطمح للسير في طريق التقدم، وقد استغلت مليشيات الحوثي هذا الواقع وجندت في صفوفها عددا كبيرا من الأطفال، ولأن الخسائر البشرية كانت كبيرة في صفوفها فقد عمدت مؤخرا إلى إجراء اختبارات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي وأصدر مجلسها الثوري الذي يتربع في القصر الرئاسي قرارات بمنح معدلات مرتفعة جدا للذين يلتحقون بميدان المعركة للقتال ضد من يصفونهم بالدواعش. وفي المقابل وجد الكثير من الطلاب أنفسهم مضطرين للالتحاق بتجمعات قبائلهم لمواجهة الحوثيين دفاعا عن العرض والشرف واستعادة الشرعية.تقف اليمن اليوم على شفا جرف هار بسبب النكبة والخسارة الكبيرة التي حلت بقطاع التعليم، وحتى إذا ما توقفت الحرب بهزيمة أحد الأطراف أو بالتوصل إلى تسوية سياسية، فإن التداعيات الكارثية لا تمكن محاصرتها بسهولة لأسباب، منها: اتساع رقعة الدمار، فإن الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم بعد عودة الاستقرار ستتقلص بسبب مزاحمة قطاعات أخرى وتراجع الإيرادات النفطية للدولة، الأمر الذي يطيل أمد تعافي قطاع التعليم. وقد سببت الحرب أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى تراجع أولوية الإنفاق على التعليم في موازنة الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود نتيجة مزاحمة الإنفاق على السلع الضرورية.وإذا كان التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2013-2014 قد صنف اليمن بأنها خارج مسار تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية الألفية الخاص بتعميم التعليم الأساسي للجميع بحلول العام 2015 فإن ذلك يعني أن اليمن ستغرق في ظلم الجهل ما لم تتدخل دول الإقليم والمجتمع الدولي بدعم سخي لجهود التنمية، وإلا فإن النصر في معركة استعادة الشرعية سيبدو غير ذي جدوى، لأن الملايين من اليمنيين سيتحولون بسبب الفقر والجهل إلى مدد كبير لقوى التخلف والإرهاب.

614

| 30 سبتمبر 2015

الجزائر.. طي صفحة الشبح

صانع الرؤساء أُسقط من عَلٍ أو أطيح به أو أقيل أو أحيل على التقاعد، أيًّا تكن الأفعال والأوصاف والتسميات، فلن يغير ذلك من حقيقة أن الفريق محمد مدين الذي يهمس كل الجزائريين عند ذكر اسم شهرته "توفيق" أصبح من ذكريات الماضي وصفحة ملونة في تاريخ الجزائر الحديث بعد 25 عاما من تربعه على رأس دائرة الاستعلام والأمن، هذه الدائرة المثيرة للجدل رغم كونها إحدى دوائر وزارة الدفاع، إلا أنها أصبحت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي ممسكة بكل السلطات ومهيمنة على الدولة. بل بالغ البعض في اتهامها بمنح عدد من الجنرالات صكوك احتكار استيراد سلع أساسية كالسكر والقمح.عين الجنرال "توفيق" على رأس جهاز الاستخبارات في 1990 وهو العام الذي شهد إرهاصات العشرية البيضاء والحمراء والسوداء في آن معا، إذ دخلت البلاد عهد التعددية السياسية والإعلامية وإجراء أول انتخابات تشريعية حرة ونزيهة أفضت إلى فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لكن ذلك لم يوافق هوى قوى عسكرية وسياسية في الداخل أيدها تصاعد المخاوف الأمريكية والأوروبية من تصدر تيارات الإسلام السياسي للمشهد، فتم وقف المسار الانتخابي عام 1992، وهنا بدأت قصة مأساوية مرعبة كنت أحد شهودها عاشت فيها الجزائر أخطر أزمة أمنية منذ الاستقلال أدت لمقتل أكثر من مائتي ألف جزائري واختلط فيها الحابل بالنابل إلى درجة أن لا أحد يستطيع الإجابة عن سؤال: من قتل من؟ الأمر الذي جعل الجنرال "توفيق" يقود أكبر معركة استخبارية لاختراق الجماعات المسلحة التي كانت تزرع الرعب في كل مكان، وفي المقابل شهدت فترته إطلاق مفاوضات مع الجيش الإسلامي للإنقاذ بقيادة مدني مزراق أدت لاستسلام مسلحيه في العام 2000 والإعلان في أغسطس الماضي عن تشكيل حزب إسلامي جديد باسم الجبهة الجزائرية للمصالحة والإنقاذ وما أحدثه هذا الإعلان من ردود فعل رافضة من قبل قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة التي ينتمي إليها مزراق نفسه، بل وصف بعضهم الحزب الجديد بأنه من مواليد الجنرال اللغز الذي نجح في تفريخ وتفخيخ الأحزاب الإسلامية والوطنية والعلمانية وحتى البرلمان ومجلس الأمة اللذين تم التحكم في مدخلاتهما لتصبح المخرجات غير ذات أثر، كل ذلك عزز ما يسمى بنظام الثنائية القطبية في السلطة الحاكمة. هذا الواقع وضع حول الرجل هالة كبيرة، إلى درجة أن لا أحد من السياسيين يجرؤ على ذكر اسمه وإنما يكتفي الشجاع منهم بالإشارة وهو يلتفت يمينا وشمالا إلى مدخن السيجار، هذه الهيبة تحولت مع مرور السنين العجاف إلى خوف كسره الرئيس بوتفليقة حسب ما أورده كتاب "الجزائر باريس.. علاقة حميمية" لمؤلفيه كريستوف دوبوا وماري كريستين عندما ذكرا أن بوتفليقة من أكثر السياسيين والرؤساء جهرا بتطلعاته، حيث قال في 1999: "لا أريد أن أكون ثلاثة أرباع رئيس".ولما اعتلى سدة الحكم جاهر في أحد خطاباته بالهجوم على الجنرالات، لأن قصته معهم لم تكن "حميمية"، لكن صراع الظل ازداد حدة منذ قرر بوتفليقة تعديل الدستور سنة 2008 لكي يترشح لولاية ثالثة، واستمر إلى غاية الولاية الرابعة عندما بدأ منذ سنتين حركة تغييرات في جهاز المخابرات والجيش توَّجَها بطي صفحة الرجل الشبح، لكن خليفته عثمان طرطاق آت من المدرسة نفسها ويشكل معه ثنائيا شهدا سنوات الجمر والرصاص ويوصف آنذاك بالسفاح.ويقال إن اللواء محمد بوزيت المعروف باسم "يوسف" ويحمل شهادة الدكتوراه كان أبرز المرشحين لخلافة "توفيق"، لكنه استبدل في اللحظات الأخيرة. الدور البارز لجهاز المخابرات في كل مفاصل الدولة الجزائرية يرجع إلى سنوات الاستقلال وهذا يعني أن هذا الجهاز أكثر تعقيدا وقوة من أن يضعف بمجرد رحيل بعض قياداته وسيظل دعامة بقاء النظام الجزائري رغم الحملات المباشرة التي تقوم بها مؤسسة الرئاسة ومحيطها، لكن تصريحات الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي ينتمي إليه بوتفليقة ربما تكون آتت أكلها عندما قال عمار سعداني: "إذا كانت دائرة الاستعلام والأمن، أي المخابرات، هي من تصنع كل شيء حاليا، فلن تستطيع أن تفعل كل شيء في المستقبل في إطار الدولة المدنية"، وهذا يعني أن توجه الرئيس بوتفليقة أصبح حقيقيا لتركيز دور المخابرات العسكرية في حماية الأمن القومي للجزائر من الهجمات الإرهابية وتحصين حدودها، وربما لإفساح المجال لتهيئة الظروف وتسوية الملعب أمام قادم جديد إلى قصر المرادية قد يكون من عائلة بوتفليقة أو من المؤمنين بخطه السياسي، وبغض عن نوايا مؤسسة الرئاسة من هذا التغيير، إلا أن التاريخ سيسجل للرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنه غَيَّرَ المعادلة من جهاز مخابرات له دولة، إلى دولة لها جهاز مخابرات.

1276

| 17 سبتمبر 2015

أنت معلم

في حلقة نقاش بأحد النوادي الثقافية في الدوحة تحدث إليَّ صديق وهو من الكتاب السياسيين قائلا، والحيرة والاستغراب يسكنانه: أزعم أنني كاتب جهبذ وصحفي لامع، لكن مقالي الذي أكتبه دائماً في صحيفة مشهورة وأتناول فيه بأسلوب رصين كل قضايا الأمة وأمراضها وحاضرها ومستقبلها لا يتصفحه على الإنترنت سوى عدد محدود ينحصر بين المائة والألف، بينما بلغت مشاهدة أغنية عربية مغربية على موقع اليوتيوب نحو ١٣٠ مليون مشاهد أو مستمع عربي، بما يعني أن نصف سكان العالم العربي إلا قليلا، لهم مزاج مختلف واهتمامات مغايرة وأولويات ليست من بينها بالتأكيد الأحداث الجسام التي تكاد أن تدمر كثيرا من البلدان العربية والإسلامية. وأردف متسائلاً: برأيك ما الذي جعل هذا العدد الهائل ينصرف إلى هذه الثقافة إذا سلمنا جدلا بأن هذا النوع من الغناء ينتمي إلى الفن والثقافة؟ قلت له: يا صديقي، استغرابك في محله ولكن مقارنتك بدت لي غير موفقة، لكن الإجابة عن سؤالك تبدو بيت القصيد لما يعيشه العالم العربي من ترد وتخلف على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى في بنية الخطاب الديني الذي نجح المتطرف منه في صنع مجموعات تتبنى فكر الحرب من أجل السماء بينما تهدم كل يوم الأرض والحياة معا والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال خير شاهد. عندما يجد سكان العالم العربي الذين يمثل الشباب منهم نحو ٧٠ في المائة خطاباً لا يعالج مشاكلهم ولا يوصل صوتهم إلى الحكام، عندما يذهبون إلى المدرسة أو الجامعة في معظم الدول العربية فلا يجدون المنهج الحديث ولا المعلم أو الأستاذ النموذج، عندما يتخرجون بعد جهد وعناء وصبر ومغالبة على دفع تكاليف التعليم رغم ضيق ذات اليد ثم لا يجدون بعد ذلك فرصة العمل المناسبة لتكون نسبة البطالة العالم العربي هي الأعلى في العالم، عندما يذهب الشباب إلى الحاضنة الدينية وهي المساجد التي كانت في السابق تخرج صناع الحياة فلا يجدون إلا خطابا يغرق في القضايا الخلافية بينما يتجاهل معاناة الناس وحاجاتهم إلى الفكر الخلاق المبدع الذي يكرس ثقافة الفعل الإيجابي المؤثر في الحياة. يرى الكثير من علماء الاجتماع السياسي أن خيبة التوقعات بالتغيير والإخفاق في إرساء الديمقراطية وحقوق المواطنة في العالم العربي يجعل الكثير من الناس وخاصة الشباب يبحثون عن وسائل للترفيه والتسلية تنسيهم الظروف الصعبة وضيق العيش وتكسر الآمال والطموحات. وفي الوقت الذي بدا فيه صديقي مقتنعا ببعض ما سردته لتبديد استغرابه، فإنه أضاف: إننا نعيش في زمن انهيار القيم وفساد الذائقة وصراع الأجيال، قلت له: كل ما ذكرت شيء طبيعي، لأن هذا الجيل وجد في زمن تدفق المعلومة والصورة وأنماط الحياة التي يحتار في أيها يجد نفسه، وما تراه أنت فساداً في الذائقة يراه هو عدم قدرة منك على التعامل مع الأنماط الجديدة في الحياة، وخلاصة القول إنه ما لم تتبن الدول العربية إستراتيجية الاستثمار في الإنسان والشباب على وجه الخصوص وجعلهم رأس المال، فإننا سنظل ننفخ في قربة مقطوعة عندما نصف هذا الجيل بالتمرد والفاشل، بينما تحاصره الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والنتيجة فإن نصف سكان العالم العربي سيبحثون عمن يشيع فيهم الإيجابية وحب الحياة ويقول لهم أنت معلم.

431

| 03 سبتمبر 2015

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

5058

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3690

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2799

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
من يُعلن حالة الطوارئ المجتمعية؟

في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...

2691

| 24 أكتوبر 2025

alsharq
غياب الروح القتالية

تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...

2361

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1494

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1071

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

978

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
مستقبل الاتصال ينطلق من قطر

فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...

915

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...

906

| 23 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

846

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

825

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية