رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
انكشف المستور وبانت حقيقة المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، بل إنه دس في التراب أنف أكبر منظمة عالمية يعول عليها بناء السلام وحفظ الأمن، حينما قرأ تقريره الأخير المليء بالكذب والانحياز أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي في جلسة عقدت أصلا بعد نفاد المهلة التي منحت لتطبيق القرار 2216 الذي تتضمن بنوده تطبيع الأوضاع وتسليم السلاح للدولة والعودة عن الانقلاب وتمكين الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي من مزاولة مهامه الدستورية على التراب الوطني. كان اليمنيون ينتظرون كجزء من إعادة الأمل أن يدعو بن عمر صراحة إلى تحرك دولي لمعاقبة الحوثيين وحليفهم المخلوع الذين لم يطبقوا القرار، لكنه قال وبدون أي اعتبار لشعب يئن من المعاناة والألم إن عاصفة الحزم أفسدت عليه اتفاقا كان التوقيع عليه وشيكا لحل الأزمة، ونسي بن عمر أو تناسى أنه قال في آخر زيارة لصنعاء وهي تحت سيطرة المليشيات: إن اليمن يقترب من حرب أهلية، لم يدن المبعوث الأممي الانقلاب على رئيس شرعي، بل إنه استخدم دبلوماسياته "الفذة"! لزيارة الرئيس الشرعي في مقر إقامته الجبرية.وهذه نقطة سوداء مخزية سيسجلها تاريخ منظمة الأمم المتحدة عندما شرعنت انقلاب جماعة مسلحة على رئيس انتخبه 6 ملايين من البشر. وبينما تطبخ المؤامرات كالعادة في أروقة المنظمة الدولية التي لا يعترف بها الحوثيون أصلا رغم مهادنتها المفضوحة لهم وتحدث مبعوثها عن مسؤولية كل الأطراف في انهيار البلاد ولا أدري ما هو المقصود بالأطراف، هل أطراف القتلى والجرحى التي تملأ الشوارع أم الأطراف التي يُخفي وراءها فشله الذريع ومراوغاته وحديثه الدائم عن أن الوضع يسير نحو الانفراج، بينما كانت مدن اليمن تسقط الواحدة تلو الأخرى، دون أن يتفضل بن عمر في كل إفاداته بإطلاع المجتمع الدولي على حقيقة ما يجري. وفي حين ينشغل المجتمع الدولي بالحديث عن مخرج سياسي للأزمة، يبحث الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح عن خرم في سماء البلاد أو بحرها للفرار بجلده بعد أن تلقى تهديدا مباشرا بالتصفية الجسدية من قيادة حلفائه في حال سعيه لإبرام تسوية مع دول التحالف وإعطاء أوامره بانسحاب قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الموالية له من القتال ضد الشعب اليمني في محافظات عدة أبرزها عدن وتعز ومأرب ولحج وأبين وشبوة وتحولها إلى مدن منكوبة، وكانت جهود المخلوع باءت بالفشل بسبب الحظر الجوي حين حاول قبل أيام الهروب بطائرة عسكرية روسية أهدتها له موسكو ضمن صفقة سلاح جرت بين البلدين إبان فترة رئاسته.وهنا تمر الدقائق والساعات وكأنها أشهر على نفسية صالح وأقاربه ومن يرفع علم زعامته الوهمية مع تزايد حدة الخلافات بين أمراء الحرب في صنعاء.بعد انقشاع غبار عاصفة الحزم وتحقيق معظم أهدافها العسكرية الإستراتيجية، وبدء غيوم عملية "#إعادة _الأمل"، يتساءل اليمنيون المؤيدون والمعارضون لما يحدث وأول أسئلتهم الملحة: هل إضعاف قوة الحوثيين وحليفهم يعني نهاية المعركة؟ لماذا يعاقب كل الشعب بالحصار والجوع والخوف؟ ومتى سيستجاب لاستغاثات المقاومة الشعبية لتحصل على السلاح النوعي الذي يغير إيقاع الحرب؟ كيف سيتم التغلب على الوضع الإنساني الكارثي الذي يتفاقم يوما بعد يوم؟ هل من أفق للحل السياسي؟ لماذا لم ير السكان حتى الآن قصور المخلوع ومنازل أقاربه ودهاليز الحوثي تقصف كما تقصف منازل المدنيين من قبل الميليشيات لكي يتساوى الجميع في الشعور بالألم وربما يجعلهم ذلك يعدلون عن سياسة الأرض المحروقة؟.تواصل مقاتلات دول التحالف العربي قصف مناطق تمركز الحوثيين وقوات المخلوع وتجفيف منابع التموين والإمداد، لكن يبدو أن غرفة العمليات المركزية تعاني من ضعف استخباري على الأرض اليمنية، ذلك أن كثيرا من الأهداف الإستراتيجية المسؤولة عن ترويع الشعب اليمني وسفك دماء المدنيين لا تزال نشطة وتتحرك بسهولة بين نقطة وأخرى، يقابل ذلك قصور يستثير ردود فعل سلبية قد تدفع كثيرا من اليمنيين إلى الصف المعادي لدول التحالف العربي ولشرعية الرئيس هادي، وهنا يمكن التطرق إلى جوانب القصور وهي: * استمرار الحظر الجوي على الطيران المدني القادم إلى اليمن مما حول آلاف اليمنيين إلى عالقين في بلدان كثيرة فعلى سبيل المثال يوجد في مصر نحو 5000 يمني انقطعت بهم السبل ومثلهم في الأردن والهند وماليزيا.* عدم التفكير جديا في إنشاء مناطق إمداد آمنة في حضرموت وغيرها لتسهيل حياة السكان وتخفيف معاناتهم جراء انعدام المشتقات النفطية والغذاء والدواء. * عدم تقديم تسهيلات حقيقية لعلاج الجرحى والمصابين خارج البلاد بعد أن غصت المستشفيات والمراكز الصحية بأعداد مهولة، في ظل شح المياه الصالحة للشرب وانقطاع التيار الكهربائي بشكل كلي. على المملكة العربية السعودية التي تقود دول التحالف العربي أن تدرك أن عليها مسؤولية أخلاقية وإنسانية كبيرة تجاه تخفيف معاناة الملايين من الشعب اليمني وأن تسعى إلى ممارسة ضغوطها لفرض حل سياسي لا يكون للرئيس المخلوع وعبد الملك الحوثي أي دور فيه وذلك قبل أن يتبدد الأمل وتتموضع تفاصيل الأزمة السورية في اليمن.
666
| 29 أبريل 2015
بشر وزير الخارجية رياض ياسين المؤيدين والمعارضين لعاصفة الحزم بأن بعد الشدة وآلام الحرب النفسية والاجتماعية والاقتصادية رخاء واستقرارا، قائلا أثناء وجوده في دولة الكويت: "عندما تعود الشرعية سيكون هناك مشروع لإعادة الإعمار والتنمية والبناء، وهو عبارة عن مشروع مارشال عربي أسميه مشروع سلمان التطويري لليمن". وبينما تنهي عمليات عاصفة الحزم مرحلتها الأولى المتمثلة بالضربات الجوية أكد المتحدث باسم العاصفة أن مرحلة جديدة بدأت ليتقلص خلالها نطاق الغارات ويتم التركيز على استهداف ميليشيا الحوثي على الأرض وحماية المدنيين ودعم عمليات الإغاثة. وهنا يطرح اليمنيون كثيرا من الأسئلة أهمها: لماذا لم يستهدف القصف قصور الرئيس المخلوع ومخابئه؟ لماذا لم تزود المخابرات الأمريكية غرفة عمليات العاصفة بمواقع وتحركات عبد الملك الحوثي؟ كيف سيكون هناك حل سياسي ورأس الأفعى لا يزال يلدغ اليمنيين؟ كيف سيتم البدء بعملية سياسية والثعلب الماكر لا يزال حرا طليقا يمارس هواياته الانتقامية؟ هل سيبدأ اليمنيون بعد عاصفة الحزم حوارا جديدا تتخلله مؤامرات ومكايدات وتدخلات، أم أنهم تحاوروا بما فيه الكفاية ولم يبق سوى تطبيق نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل؟لا شك أن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح فقد توازنه بعد الضربات الجوية التي لم يكن يتوقعها مطلقا لأنه كان يتكئ على دهائه ومناوراته وتلاعبه وكذبه على الداخل والخارج، لذلك أصبح يتصرف بهستيرية متنقلا من مكان إلى آخر خوفا على حياته، إلى درجة أنه حسب مصادر مقربة يلجأ يوميا إلى تفتيش كل حراسه ويجرد بعضهم من سلاحه الشخصي لكي لا يتعرض للتصفية من أقرب الناس إليه، لأنه يدرك أن عامة الشعب وحتى المقربين منه ضاقوا ذرعا بسلوكه السياسي ويرون أن الخلاص من هذا الوضع الكارثي يتمثل في عدم بقائه في المشهد السياسي اليمني تحت أي ذريعة. من جهة أخرى يرى يمنيون أن عبد الملك الحوثي لا يقل وجوده خطورة على استقرار البلاد من خطورة صالح، لأنه يتقمص صفات المرشد المخلص ويحيط نفسه بهالات من القداسة والاصطفاء فهو أكبر من أن يكون زعيما لجماعة سياسية، بل إن أي تسوية سياسية يجب أن يكون هو مرشدها ولو أرسل بركاته من دهاليز كهوف مران بمحافظة صعدة.الأزمة اليمنية أصبحت شأنا إقليميا ودوليا بامتياز لذلك نرى مبادرات من أطراف عدة، حيث قدمت إيران مبادرة من أربع نقاط لبدء تسوية سياسية، وعندما قوبلت مبادرتها بالرفض المطلق من وزير الخارجية اليمني ودول التحالف وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تحاول طهران بذل مساعٍ غير مباشرة عبر سلطنة عمان لإنقاذ الحوثيين والرئيس المخلوع بعد تقلص سيطرتهم العسكرية على الأرض وتعقب حركة مليشياتهم من الجو، وفي المقابل اتساع رقعة المقاومة الشعبية مسنودة بالقوات المؤيدة لشرعية الرئيس هادي وانتصاراتها المتتالية في عدن وتعز ومأرب، لذلك تجري الخارجية العمانية اتصالات مع أطراف يمنية وعربية من أجل احتضان العاصمة مسقط حوارا يتركز حول نقاط محددة أهمها بقاء عبد ربه منصور هادي في منصب رئاسة الجمهورية لحين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وانسحاب الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع من المناطق التي سيطروا عليها وتسليم كل الأسلحة للمؤسسة العسكرية.وهي نقاط قديمة ذكرت في اتفاقيات سابقة أبرزها اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقع في أوج انتصارات الحوثيين وسيطرتهم على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 وظل حبرا على ورق. بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاق عاصفة الحزم وتدمير معظم أهدافها الإستراتيجية المتمثلة في إضعاف قدرات ميليشيا الحوثي والقوات الموالية لصالح برز خلاف داخل القيادة اليمنية الموجودة في العاصمة السعودية الرياض، حيث يرى فريق الرئيس هادي أنه يجب توسيع رقعة العقوبات الدولية لتشمل معاونين للرئيس المخلوع وعلى رأسهم أبو بكر القربي وزير الخارجية السابق ورئيس جهاز الأمن السياسي حمود الصوفي بينما يرى فريق نائب الرئيس خالد بحاح أنه يجب استقطاب وتشجيع أعوان المخلوع على القفز من المركب المتكسر وترك صالح وأقاربه ومن يرتبطون معه برابطة الدم يواجهون مصير الغرق. وفي المقابل رشحت معلومات تقول إن هناك تباينا في وجهات النظر بين بعض دول مجلس التعاون قبل انعقاد القمة الأمريكية الخليجية المقررة في كامب ديفيد منتصف مايو المقبل، حيث ترى دول ضرورة معاقبة الرئيس المخلوع وحتى استهدافه من قبل طائرات العاصفة، في حين ترى أخرى ضرورة ممارسة ضغوط سياسية من أجل التوصل إلى حل سياسي وإجبار الحوثيين والرئيس المخلوع وحزبه على تقديم تنازلات وإن كانت قاسية. لكنني أعتقد أن أغلب اليمنيين الذين أيدوا عاصفة الحزم ورفعوا في مظاهراتهم المنددة بممارسات الحوثي وصالح أعلام الدول المشاركة في التحالف، وقبلوا على مضض ما حل ببلدهم من خراب ودمار، لن يقبلوا بأن يكون المخلوع جزءا من أي تسوية سياسية ليمارس العبث من جديد، بل إن مكانه الطبيعي وراء قضبان محكمة الجنايات الدولية، لا يوجد شعب دلل رئيسا مثل اليمنيين، فعندما كان يحكم وينهب ثرواتهم يصفقون، وعندما ضاقوا ذرعا بفساده وجرائمه خلعوه، لكنهم قبلوا بمنحه الحصانة وأن يعيش بينهم، بل ويمارس العمل السياسي، أما اليوم فقد نفد صبر الداخل والخارج ولابد من تحقيق مقولة: آخر الدواء الكي.
763
| 22 أبريل 2015
ربما يكون اليمن الحلقة الأخيرة في سلسلة الخراب الإيرانية بعد لبنان والعراق وسوريا، عندما نجحت طهران في إغواء قيادات الحركة الحوثية وتحويلهم إلى معول هدم بدأ باختراق التركيبة الهشة للأغلبية المختلفة عنهم مذهبياً والانقلاب على العملية السياسية الانتقالية وانتهى بنكش عش دبابير دول مجاورة وتهديد مصالحها الحيوية، الأمر الذي جعل سماء البلاد ومياهها الإقليمية تحت سيطرة طائرات #عاصفة_ الحزم وتحويل بنية البلاد التحتية إلى ركام، هذا الوضع الكارثي لن يرضي مطلقا كل اليمنيين، لكنه ربما لا يعني شيئا لعبد الملك الحوثي وحليفه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح اللذين لم يألفا سوى أجواء الحروب والصراعات والإيمان بمقولة: إذا لم يتحقق ما نريد فإن البديل أن يصبح "الدم للركب". حلفاء إيران في اليمن أصبحوا اليوم محصورين في زاوية ضيقة جدا، خاصة بعد فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على عبد الملك الحوثي ونجل الرئيس المخلوع وزيادة الضغط العسكري والشعبي عليهم إلى درجة فقدان السيطرة على الفعل المدروس والمؤثر في سير المعركة ضد المقاومة الشعبية على الأرض وضد طيران التحالف وستكون لسلوكهم العبثي النزق آثار سلبية طويلة المدى على البلاد وعلى قدراتها الدفاعية، وسيسجل التاريخ أنهم من تسببوا في انهيار الجيش وحولوه من جيش وطني يحرس السيادة إلى مليشيا تدافع عن مصالح أشخاص، والنتيجة تدمير كل مقدرات البلاد وجيشها الذي بني من قوت الفقراء طيلة أكثر من خمسة عقود، سيجلس حتما حزب الرئيس المخلوع إن بقي صامدا ولم يتفكك وجماعة " أنصار الله " الحوثية على طاولة الحوار من جديد مع جميع القوى السياسية للتوقيع على عقد اجتماعي جديد لن تحرسه سوى إرادة كتابة تاريخ يخلو من جيوش الأحزاب ومليشيات الطوائف، بل إن اليمنيين يتندرون بعد أن رأوا قصف واحتراق المعسكرات والمواقع التي يفوق عددها المدارس والجامعات، أن بلادهم لن يبقى لها سوى مدفع رمضان وفيه خير كثير.السؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن، ما الذي سيقوله الشعب الإيراني لحكامه عندما يسقط بشار الأسد في سوريا وتنتهي سيطرة الحوثيين في اليمن؟ هل سيتعزز دور النفوذ الإيراني أم سيتراجع؟ هل ستعود إيران إلى حجمها الحقيقي بعد التوقيع على الاتفاق النووي في 30 يونيو المقبل؟.يحدد سلوك إيران السياسي دوافع ثابتة، منها أساطير تاريخية قامت عليها الإمبراطورية الفارسية، أما المذهب الشيعي والتبشير به فيمثل أداة ناعمة لتحقيق طموحات عودة الإمبراطورية من جديد، يؤكد ذلك وثيقة تُعرف باسم "الإستراتيجية الإيرانية العشرينية" (2005-2025) والتي تعتبر أهم وثيقة بعد الدستور الإيراني، إذ إنها تضع التصورات لهيمنة إيرانية في المنطقة العربية وتنص الوثيقة على أن "طهران ستتحول إلى قوة دولية ولاعباً فاعلاً ومؤثراً في العالم الإسلامي استناداً إلى تعاليم الإمام الخميني وأفكاره"، لكن غرق إيران في المستنقع السوري والعراقي والرهان على حصان خاسر في اليمن ربما سيكون له نتائج عكسية سلبية تتمثل في دفع ثمن باهظ تماما كما دفع الاتحاد السوفيتي البائد ذلك الثمن في أفغانستان، ما أدى لتفككه بعد ذلك، ورغم أن إيران لن تشهد ذلك المصير ربما إلا أن سقوط بشار الأسد وتراجع تأثير الحوثيين في اليمن قد يعجل بثورة شعبية تطيح بحكم المحافظين الذين أنفقوا المليارات في سوريا واليمن بينما يطحن الفقر شرائح واسعة من الشعب الإيراني، بل إن مؤشر البؤس يرسم صورة مغايرة لما تتبجح به إيران، حيث يشير محللون اقتصاديون إلى أن مؤشر البؤس ربما سيبقى فوق (20%) خلال الأعوام القليلة المقبلة بعد التوقيع النهائي على الاتفاق النووي وأن كل المؤشرات تقول إن الإيرانيين سيظلون في وضع بائس لبعض الوقت.كثير من المؤمنين بالشعارات العنترية التي تتبناها إيران كانوا يتوقعون أن تكون طهران أكثر راديكالية في الدفاع عن حلفائها في اليمن عندما هاجمتهم طائرات عاصفة الحزم تماما كما تحركت عند سيطرت الحوثيين على العاصمة صنعاء، حيث انطلقت سفنها وطائراتها محملة بالأسلحة والمتفجرات لتعزيز هيبة الحكام الجدد في خاصرة المملكة العربية السعودية، لكن عندما جد الجد لم نر إلا تصريحات دبلوماسية بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة، وعندما لم يسمع لها أحد حاولت الاستعانة بروسيا التي تحولت إلى عدو عند عامة العرب والمسلمين، لعرقلة القرار الخليجي في مجلس الأمن، ولمزيد من الضغط حركت طهران بعض بوارجها الحربية إلى البحر العربي في استعراض وصفه عسكريون بعديم الجدوى، ذلك أن سياساتها تعتمد على شراء لاعبين خارج أرضها لتحقيق أهداف توسعية وفق سياسة: حربنا في أرض الآخرين ومن دمائهم.
825
| 15 أبريل 2015
" اصمدوا ودعوا قوات التحالف تقصف النازية.. سنكون بخير وستكون ألمانيا بخير " هذه عبارة من خطاب وجهه الأديب الألماني توماس مان الفائز بجائزة نوبل للآداب حين كانت بلده تحت نيران قوات التحالف عام 1939.. وعندما قتل 100 ألف من أبناء وطنه جراء قصف خطأ لمدينة هامبورغ لم يتوقف عملاق الرواية الألمانية عن مساندة القوات الأجنبية بل خاطب شعبه قائلا: عما قريب سينتهي أمر النازية وستعود ألمانيا ". لم يخب ظن توماس مان فلقد انتهت النازية السرطانية وجاء مشروع وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال عام 1947 ليعيد بناء ما دمرته الحرب العالمية الثانية وإعادة تأهيل الاقتصاد المنهار، وكانت النتيجة القضاء على الفقر والبطالة وتحول ألمانيا إلى بلد صناعي بينما جنى الأمريكيون الفوائد الضخمة والأرباح الطائلة التي عزّزت مواقعهم في النظام الاقتصادي الدولي.تأييد الكثير من اليمنيين لعاصفة الحزم التي تقودها السعودية متحالفة مع تسع دول عربية وإقليمية جاء بعد فشل كل المساعي الحميدة التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة، وانسداد أفق حل الأزمة السياسية سلميا وتدمير الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع لكل قواعد الإجماع الوطني والمبادرة الخليجية التي صنعت ريشا جديدا لأجنحة علي عبدالله صالح المتكسرة، بل وصل الحد إلى اجتياح صنعاء والمدن اليمنية ووضع الرئيس الشرعي وحكومته تحت الإقامة الجبرية، والتنكيل بشركاء العمل السياسي، وأدت الممارسات المجنونة إلى نسف دور القرآن وبيوت الله بحجة أنها من أوكار " الدواعش وتنظيم القاعدة "، ومما زاد في حنق الكثير في الداخل والخارج تدفق الأسلحة الإيرانية في وضح النهار لإقامة دولة يعتلي رأسها أحمد علي عبد الله صالح ويبسط سيطرته على كل مؤسساتها عبد الملك الحوثي بينما يحكمها عمليا قيادات الباسيج والحرس الثوري الإيراني حسب اتفاق لجعل اليمن قفازا حديديا في المنطقة.المؤيدون لعاصفة الحزم من اليمنيين يضعون لأنفسهم مبررات من قبيل أن جيشا يقوده سفير ويتلقى الأوامر من رئيس حزب ويشرف على كل ذلك رجل دين، لم يعد جيشا وطنيا بل تحول إلى مليشيا تقاتل من أجل الفرد لا من أجل الوطن، وأن السلاح الذي تدمره قوات عاصفة الحزم ليس سلاح كل اليمنيين بل سلاح فئة باغية تسعى لتركيعهم ومصادرة إرادتهم الحرة، ففي العام 2006 عندما أجريت الانتخابات الرئاسية وفاز فيها عمليا المرشح فيصل بن شملان، رفض الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح فوز منافسه، وقال لمن ذهب إليه من السياسيين إما أن تعلنوا فوزي بالأغلبية أو أحرق البلد وأحولها إلى عراق وصومال أخرى.. يومها خاف السياسيون على بلدهم خصوصا من حزب التجمع اليمني للإصلاح وقبلوا على مضض منحه فترة رئاسية جديدة.. لكن صالح الذي ليس له من اسمه نصيب تحول إلى ديك رومي لا يرى إلا نفسه كهبة من الرحمن لشعب يتجرع المعاناة، يبنما ينام هو على نحو 60 مليار دولار حسب لجنة تابعة للأمم المتحدة.أما المعارضون والذين يتوزعون بين موالين للرئيس المخلوع وأتباع لجماعة الحوثي وبين مواطنين عاديين فيرون أن البلاد تتعرض لعدوان خارجي غير مسبوق يجعلها تغرق في المعاناة والتمزق السياسي والاجتماعي عندما ينقشع غبار المعركة، ويرون أن عاصفة الحزم ليس لها مبرر، لأن الثورة التي قام بها الحوثيون وساندهم وسهل طريقهم علي صالح لم تكن إلا من أجل القضاء على الفساد وسوء الإدارة منذ تسلم الرئيس عبده منصور هادي مقاليد الحكم.بغض النظر عن مبررات المؤيدين والمعارضين لعاصفة الحزم التي ربما قد تستمر لأشهر حتى تحقق عددا من أهدافها وبينها تحييد القوة العسكرية التي تمنح الحوثيين وحلفاءهم أحقية السيطرة والتحكم في السلطة والثروة وتهميش كل القوى التي ترى في العمل السياسي السلمي طريقا، وكذلك إزالة الخطر الذي يشكله الحوثيون وداعموهم على الأمن القومي الخليجي، فإن على دول الخليج أن تفكر جيدا من الآن في مشروع كبير جدا يشبه مشروع مارشال لإعادة الإعمار وتأهيل الاقتصاد وجعل اليمن بكل موارده البشرية الضخمة عنصرا فاعلا في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وذلك بعد اتفاق كل الفرقاء على تطبيق نتائج الحوار الوطني على الأرض ومنها اعتماد نظام الأقاليم الستة.. لا شك أن المأساة كبيرة وستتفاقم أكثر فأكثر خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار تقارير نشرت قبل عاصفة الحزم تشير إلى أن نحو 16 مليون يمني يعيشون تحت خط الفقر ويعانون من نقص كبير في الغذاء، فكيف سيكون الحال والمآل بعد العاصفة إذا ترك اليمنيون لقدرهم...
744
| 01 أبريل 2015
قدمت إستراتيجية "الحوار العبثي" التي تبناها المبعوث الأممي جمال بن عمر هدايا كثيرة لجماعة "أنصار الله" الحوثية، مكنتهم من تنفيذ مخططاتهم للسيطرة على مفاصل الدولة وبسط نفوذهم في أكثر من 18 محافظة من أصل 22، وعندما أيقن عبد الملك الحوثي أن الهدف تحقق سخر من الحوار والمتحاورين، وأعلن التعبئة العامة و"الجهاد المقدس ضد قوى التكفير والتآمر"، التي كان من نتائجها سقوط تعز وبعدها عدن. ورغم خطاب زعيم الحوثيين الساخر لم ييأس بن عمر بل أعلن أن اليمنيين سيتحاورون في الدوحة وسيوقعون على أي اتفاق في الرياض.لكن هل لا يزال الحوثيون يؤمنون فعلا بالحوار خاصة بعد أن أصبحت عدن تحت سيطرتهم، ولم يعد للشرعية الدستورية والرئيس الشرعي أثر يذكر؟ هل عقدت الولايات المتحدة الأمريكية صفقة من نوع ما مع الحوثيين لتنفيذ مخططهم، ولذلك انسحبت قواتها من قاعدة العند الجوية قبل سيطرة الحوثيين عليها؟ هل دول مجلس التعاون مستعدة لاتخاذ "الإجراءات اللازمة" لحماية أمنها الإقليمي؟ ما هي خيارات المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون لحماية الشرعية التي جاءت بها المبادرة الخليجية؟ هل دول الخليج مستعدة فعلا لتدخل عسكري عبر قوات درع الجزيرة؟ كيف ستكون نتائج الحوار لو تم أصلا جمع الفرقاء بعد فرض سياسة الأمر الواقع في كل المحافظات؟ يبدو أن واشنطن تلعب الآن بأوراق جديدة في المنطقة بعد أن سلمت العراق للإيرانيين، لكن اللعبة هذه المرة لن تكون داخل حدود اليمن فقط، بل المستهدف شبه الجزيرة العربية، حيث لا يمكن لأحد التنبؤ بما ستقدم عليه إيران بغطاء أمريكي لأن أغلب المعطيات تشير إلى تغير إستراتيجيات الإدارة الأمريكية للتعامل مع أصدقائها القدامى وربما تدعم استمرار مصالحها بحلفاء جدد أكثر فاعلية ونفوذا وقدرة على التأثير في مجريات الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط ككل.ويبدو كذلك أن دول الخليج أدركت ولو متأخرة حجم الخطر الذي تمثله التطورات في المشهد اليمني على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وأدركت كذلك كم كان بعضها مخطئاً عند صياغة مبادرة سمحت بالإبقاء على رأس الأفعى، ينفث سمومه مستندا على حصانة تمنع ملاحقته قضائيا، وتأخرت كذلك عندما وُضِع الرئيس الشرعي وطاقم حكومته تحت الإقامة الجبرية، وتأخرت كذلك عندما رأت السفن والطائرات الإيرانية تفرغ حمولاتها العسكرية في الموانئ والمطارات لدعم طرف ضد شعب بأكمله، لكن وكما يقال إن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي مطلقا، لذلك تم التلويح باللجوء إلى خيار القوة لكبح جماح الحوثي والرئيس المخلوع المتهمين بعدم الالتزام بالمبادرة الخليجية ومقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وحتى اتفاق السلم والشراكة في 21 سبتمبر 2014.تسارعت الأحداث بشكل (درامي) مقلق بعد بيان مجلس الدولي المخيب للآمال، والذي لم يتضمن أي إجراءات عملية ضد معرقلي الانتقال السياسي السلمي، لذلك لم يجد القائم بأعمال وزير الخارجية اليمني رياض ياسين سوى الدعوة إلى مساعدة عسكرية من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفرض حظر الطيران على المطارات التي يسيطر عليها الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي قدم تسهيلات إضافية لسيطرة الحوثيين على مدينة تعز وما تبعها من تنفيذ عمليات عسكرية لاجتياح العاصمة الاقتصادية عدن، وطرد الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي الذي أصبح رأسه مطلوبا لقاء جائزة مالية أعلنت عنها جماعة أنصار الله الحوثية، ويبدو من آخر خطاب لعبد الملك الحوثي يوم الأحد الماضي، أنه القائد العام فعليا للقوات المسلحة حينما أمر برفد المعسكرات بمزيد من المقاتلين وأنه مصمم على الخيار العسكري لبسط السيطرة على كامل اليمن وتنفيذ مشروع يرى فيه الرئيس هادي أنه مشروع إيراني يهدف لنشر المذهب الاثني عشري رغم رفض اليمنيين زيودا وشوافع. بعد الانتصارات العسكرية للحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع لا أعتقد أن الحوار سيكون ذا جدوى، فالحوثيون يقولون إنه لا يعنيهم لأن طموحهم أكبر وهم الآن من يحدد الخيارات ويرسم خارطة البلاد. المجتمع الدولي مُرغ وجهه في التراب وذهبت قراراته أدراج الرياح كالعادة، الحوثيون والإيرانيون قرأوا التاريخ جيدا وتبنوا إستراتيجيات تستند إلى نظرية الاحتواء المزدوج وينطلقون من مشروع أهدافه التوسع والسيطرة وتفكيك منطق الأغلبية المذهبية، وفي المقابل لا توجد الآن دولة في المنطقة تحمل مشروعا حقيقيا يمكنه الوقوف في وجه التمدد الإيراني بل يكاد يكون هناك شبه إجماع من أهم الدول المؤثرة على ضرب الحركات السنية المؤثرة في الساحة الإسلامية. لن يكتفي الحوثيون بما أنجزوه وربما يعتمدون الآن إستراتيجية أخرى للتخلص من حليفهم الذي قتل نحو عشرين شخصا من عائلة عبد الملك الحوثي ودمرت أوامره العسكرية في الحروب الست منازل آلاف العائلات في مديرية مران ومحافظة صعدة، هذا ثائر أسود لن ينسوه للرئيس المخلوع، ربما يتجلى فك ذلك التحالف بشكل واضح ودموي في الشوط الأخير بعد السيطرة على حضرموت وانتهاء المعركة في مأرب والسيطرة الكاملة على منابع النفط والطاقة بمباركة الأمريكيين الذين يرون أن الشيعة والحوثيين أسلحة المرحلة لضرب تنظيم القاعدة وملاحقته في جحوره، وربما يختفي التنظيم تماما ومعه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي يظهر حسب الطلب!! في حال التوصل إلى تسوية مؤقتة مع الرئيس المخلوع تجعل من نجله رئيسا لليمن، لأن الحوثيين في هذه الفترة لا يريدون تحمل المسؤولية لوحدهم بل سينصرفون إلى بناء الحرس الثوري لغرس التجربة الإيرانية بحذافيرها في البلاد.. ووفقا لهذه المآلات ربما ستتجه دول الخليج إلى تبني إستراتيجية التعامل مع واقع جديد تضمن فيه بناء علاقات حسن جوار وتعايش مع الحكام الجدد لليمن وطي صفحة الرئيس عبد ربه منصور هادي ومعه حركات الإسلام السياسي.
649
| 26 مارس 2015
لأول مرة منذ وصوله إلى عدن عقد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اجتماعا مع تسعة وزراء من الحكومة المستقيلة، بينهم وزير الدفاع، وذلك بالتزامن مع رفع الحوثيين الإقامة الجبرية عن رئيسها خالد بحاح استجابة كما يبدو لنداء وجهه المبعوث الأممي جمال بن عمر الذي يتعرض لانتقادات حادة بسبب ما يوصف بتواطئه مع الأطراف الحقيقية المعرقلة، آخرها تصريحات من مصدر مقرب من الرئيس هادي تقول بأن الحوار الذي يجري في صنعاء غير شرعي ونتائجه لن تكون مقبولة.العاصمة السعودية هي الوجهة الجديدة لكثير من الفرقاء اليمنيين بعد أن أعلن هادي صنعاء "عاصمة محتلة" وغير آمنة وقدم إثر ذلك طلبا إلى العاهل السعودي بضرورة نقل الحوار إلى مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمر الذي رحب به الملك سلمان ووافق عليه كل وزراء خارجية دول المجلس. لكن المشكلة الرئيسية تكمن في رفض طرف الأزمة الرئيسي في أن يحول قبلته شطر الرياض بعد أن ولى وجهه شطر طهران، ويسانده في ذلك طرف ثانٍ تحالف معه في هتك ستار صنعاء لا يزال يبحث في سماء غائمة عن نجم يدله على من يكفله.قبل الخوض في الفرص التي يوفرها الحوار في الخارج لحل أزمة الداخل، تبرز أسئلة من نوع: هل سينجح حوار الرياض في حل أزمة اليمن؟ هل ستوافق إيران على ذهاب الحوثيين للرياض من أجل استقرار البلاد؟ كيف سيكون شكل الحوار بدون مشاركة أطراف مهمة؟ ما هي خيارات دول مجلس التعاون للحفاظ على أمن ووحدة حديقتها الخلفية؟ هل سيكتفي الحوثي وحليفه بمناطق العمق الجغرافي الزيدي في حال استمر في عزل نفسه إقليميا ودوليا؟ وهل ستلم له قوى داخل هذا العمق الجغرافي بالاستئثار بالحكم؟ ما هي خيارات الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح إذا ما خرج حوار الرياض بنتائج لا تروقهم؟.بعد الدعوة إلى نقل حوار الفرقاء اليمنيين إلى الرياض تبدت أمور كثيرة وانكشفت سوءات شخصيات وجهات، أولى هذه الشخصيات جمال بن عمر الذي قال بأنه يبذل جهودا جبارة لتقريب وجهات النظر للتوصل إلى حل للأزمة، لكن مساعيه الحميدة كانت في بعض الأحيان تبدو لكثيرين غير حميدة، حيث يميل دائما إلى من يفرض الأمر الواقع، بينما يصف القبائل الرافضة للحوثيين بأنها تقاتل إلى جانب تنظيم القاعدة، وفي آخر تصريحاته قال إن حوار الرياض ليس بديلا عن الحوار الذي يشرف عليه في صنعاء، مع علمه بأن أجواء التحاور ليست طبيعية وندية، وهذا ما أكده حزب التجمع اليمني للإصلاح عندما عين شخصيات مختطفة وتحت الإقامة الجبرية لتمثيله في حوار الطرشان.ورغم تمسك الحوثيين بالحوار في صنعاء إلا أنهم يحاولون لفت الأنظار إليهم باعتبارهم قوة وليسوا كما صنفتهم السعودية "جماعة إرهابية" وذلك من خلال رسائل ميدانية وسياسية، الأولى: المناورة العسكرية بآلاف الجنود والأسلحة الثقيلة على الحدود السعودية، والثانية برزت في آخر خطاب لمرشد الثورة عبد الملك الحوثي عندما قال: إن اتصالات غير مباشرة جرت مع السعودية وإن أي علاقات معها يجب أن تكون ندية وألا تتدخل في الشؤون الداخلية لبلاده. وهي إشارات فهم منها أنه يريد من السعودية معاملته كقوة تمسك بخيوط كثيرة على الأرض وليس كجماعة إرهابية أو حتى سياسية في حال رُفع الحوثيون من قائمة الإرهاب. الحوثي الذي تكاد تخنقه العزلة الإقليمية والدولية يدرك أنه لا يستطيع الاستمرار في حكم اليمن بمعزل عن الجارة الكبرى والمحيط الخليجي، لذلك فهو يبذل جهودا عن طريق سلطنة عمان لأن يكون طرفا يحسب له حساب في نتائج أي حوار. أما حليف الحوثيين الرئيسي حزب المؤتمر الشعبي ورئيسه علي صالح فيبدو أن خياراته تتقلص شيئا فشيئا، خاصة بعد أن فقد ثقة دول خليجية قدمت له الدعم والمساندة، حاكما ومخلوعا، عندما حصنته من الملاحقة القضائية وأسبغت عليه نعم الأموال عبر نجله السفير، إذ يشعر الآن وكأن البحر أمامه والعدو من خلفه ولم يبق له إلا المجازفة اعتمادا على العسكر الموالين له، لذلك يفكر الآن في اجتياح الجنوب والإطاحة بالرئيس الشرعي وما تبقى من مؤسسات الدولة، بل قال إنه سيجعل هادي ومعاونيه ينفذون آخر هروب في حياتهم من منفذ وحيد على البحر العربي، وهذا ما جعل هادي يصدر قرارا بعودة العسكريين المتقاعدين قصرا وتجنيد آلاف الشباب الجنوبيين في الجيش واللجان الشعبية.القوى السياسية الإسلامية والعلمانية والقومية والحركات الشبابية والشخصيات القبلية المناهضة للحوثيين استجمعت قواها وشكلت تكتلا جديدا سمته "التكتل الوطني للإنقاذ"، وربما يكون لهذا التكتل تأثير إيجابي في مجريات الأحداث، إذ ترأسته شخصيتان من العمق الجغرافي الزيدي، إحداهما من مدينة ذمار وهو عبد العزيز جباري، والثانية من قبيلة بكيل إحدى أكبر قبائل اليمن وهو غسان أبو لحوم، وهذا يعني أن حوار الرياض سيكون ممثلا بأطراف ذات تأثير شعبي وقبلي وسياسي كما يعني أن شمال الشمال لن يكون حكرا على الحوثيين وعلي عبد الله صالح الذين ستتضارب مصالحهما بحكم ضيق البقعة التي لن تسع لطموح نقيضين.من يرعى أي حوار يجب أن تكون له أدوات ضغط وردع لتطبيق الاتفاقات على أرض الواقع، كذلك يجب أن تكون له مصالح مباشرة من أجواء التوافق والاستقرار وهذا ربما ما يتوفر في حوار الرياض المقبل، بعد ترسخ القناعة بفشل المبعوث الأممي وإخفاق الأمم المتحدة وحتى مجلس الأمن الدولي في تنفيذ عقوبات فرضت على معرقلي العملية السياسية وأخرى يقال باستحياء إنها ستفرض تحت الفصل السابع.
663
| 19 مارس 2015
وصول وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي إلى عدن بداية هذا الأسبوع بعد تخلصه من قبضة الحوثيين في صنعاء يمثل بارقة أمل في إمكانية لملمة شتات ما تبقى من أولوية الجيش الذي تبعثر بشكل خطير بدءا من سيطرة الحوثيين على محافظة عمران وانتهاء بسقوط صنعاء بتاريخ 21 سبتمبر 2014، وما تلا ذلك من أحداث كان أبرزها فرار الرئيس عبدربه منصور هادي من مقر إقامته الجبرية إلى العاصمة الاقتصادية، ليبدأ وبتأييد خليجي ودولي في محاولات استعادة الشرعية التي فرط فيها، وفرض مزيدا من العزلة على جماعة "أنصار الله" الحوثية وحليفها الرئيس المخلوع. منذ بدأت تشكيلات من الجيش بالترنح أمام ضربات الحوثيين كان الكثير من اليمنيين والعرب يتساءلون: كيف يمكن لجيش نظامي صرفت عليه مليارات الدولارات من قوت الفقراء، أن تهزمه جماعة صغيرة محصورة في بقعة نائية وتمزق أشلاءه بعد أن أنهكتها ست حروب من عام 2004 إلى 2010؟كيف انهار الجيش بتلك الصورة المخزية وهو الذي صنفه موقع (جلوبال فاير باور) عام 2013 بالمرتبة الخامسة عربيا؟ ما هو دور الرئيس هادي ووزير الدفاع السابق محمد ناصر أحمد في عملية التفكيك؟ هل يمكن أن نرى جيشا قويا في المستقبل؟ أم سيتضاعف دور المليشيات في رسم مشهد كارثي؟ كيف سيبدو وضع الجيش في حال اتخذ الحوثيون قرارا بإكمال مسيرتهم "القرآنية" باتجاه محافظات الجنوب والوسط والشرق؟ وفي حال اقتناع الحوثيين بأهمية السلم وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني والتخلي عن إجراءاتهم الأحادية.. كيف سيمكن تشكيل جيش وطني لحماية السيادة وليس الحاكم؟كان يمكن لإعلان الوحدة اليمنية في عام 1990 أن يكون حدثا فارقا في تاريخ الجيش لو تم دمجه على أسس احترافية وطنية لكن شيئا من ذلك لم يتم بل كان الأسلوب الشعاراتي والفوضوي هو السائد للتغني بمنجز فرضته عوامل خارجية أكثر منها قناعات لما يمكن وصفهم بزعماء وطنيين ولذلك ما إن تأثرت مصالحهم لجأوا إلى حرب 1994 التي لم تندمل جراحها حتى الآن. وبعد هذه الحرب كانت هناك فرصتان ذهبيتان لبناء جيش وفق معايير الكفاءة العلمية والعملية والتخصصية.الفرصة الأولى أهدرها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي لو استغلها لحقق منجزا عظيما ربما يكفر عن كل حماقاته وفساده، لكنه ولأهداف شخصية ترك الجيش عرضة للتمزق ولغمه بالفساد والمناطقية والولاءات والمصالح الشخصية ليصبح الوطن مختزلا في شخص الحاكم. لذلك كانت الحروب الست ضد جماعة الحوثي نوعا من اللهو والعبث ذهب ضحيتها آلاف القتلى اليمنيين من الطرفين ولم يكن لها من هدف سوى التخلص من الرجل الثاني في نظام صالح الجنرال علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى المدرعة، ليصبح الطريق خاليا من أي منغصات لتولي نجل صالح الحكم، ولذلك كان الحرس الجمهوري بقيادة أحمد علي عبدالله صالح يمد الحوثين بأحدث الأسلحة والذخيرة خلال تلك الحروب وهي مفارقة كان اليمنيون لا يصدقونها لولا ما كشفته الأحداث بعد ذلك. وفي عهد الرئيس المخلوع شهد الجيش أسوأ مراحل الفساد وبلغت الأسماء الوهمية من الجنود والضباط عددا مخيفا حيث تقول كشوفات الرواتب إن قوام الجيش نحو نصف مليون مع أن العاملين في الميدان نحو 100 ألف فقط، الأمر الذي جعل كثرة الرتب العليا محل تندر حيث يتداول النشطاء عبر الفيس بوك أن اليمن بلد المليون عقيد!الفرصة الثانية أضاعها الرئيس هادي عندما علقت عليه آمال كبيرة بإعادة هيكلة الجيش وفق رؤية حديثة، ورغم أن قطار الهيكلة انطلق بمساعدة خبراء عسكريين من دول عربية وأجنبية وتم إعادة توزيع المناطق العسكرية وإلغاء ما كان يسمى بقوات الحرس الجمهوري الحديثة تسليحا وتدريبا وإعادة توزيع ألويتها في محافظات عدة، وإزاحة الجنرال علي محسن الأحمر من قيادة الفرقة الأولى المدرعة وتعيينه مستشارا للرئيس لشؤون الدفاع، لكن الثورة المضادة التي يقودها الرئيس المخلوع بدعم أطراف عربية أطاحت بكل هذه الجهود وفرضت على الرئيس هادي أولويات ربما رأى أنها تصب في مصلحته ومصلحة المنتقمين الذين أسقطتهم ثورة 11 فبراير 2011، وهنا بدأ مسلسل تهاوي المعنويات العسكرية وشيوع الروح السلبية بفعل ما وصفها رئيس جهاز الأمن القومي علي الأحمدي بالخيانات والاختراق بدءا من معركة الاستيلاء على معسكر 310 في عمران...، يومها ذهب القائد الأعلى للقوات المسلحة ليقف إلى جانب القائد العسكري للحوثيين ليقول إن عمران آمنة وإن الوضع على ما يرام، وفي هذه اللحظة بدأ الانهيار الفعلي وما هي إلا أسابيع حتى سيطر الحوثيون على صنعاء وهرب قائد الفرقة الأولى إلى السعودية بعد أن تحول مقر فرقته إلى مرعى للماشية، ولم يكتف هادي بما تم بل عين اللواء محمود الصبيحي وزيرا جديدا للدفاع وهو المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الحوثيين وما إن استلم منصبه حتى دعاه الرئيس هادي إلى "الشراكة مع جماعة الحوثي في تطبيع الأوضاع من أجل استقرار وأمن ووحدة اليمن". كان هادي يعتقد أنه سيقضي على حزب الإصلاح وعلي محسن الأحمر وربما يستعين بالحوثيين لضرب صالح الذي أقصاه من حزب المؤتمر الشعبي، لكن هادي تناسى أن عقلية شمال الشمال لن ترضى بحاكم جنوبي ذي خلفية شافعية الأمر الذي انتهى به إلى البحث عن مهربين يخرجونه من حفرة حفرها بيده. كثيرون لا يزالون يعلقون آمالا على وجود رئيس شرعي في عدن ووزير دفاع يوصف بأنه رجل نظيف اليد للحفاظ على ما تبقى من وحدات الجيش التابعة لوزارة الدفاع وهي وحدات تتكون في أغلبها من بقايا الجيش الجنوبي وتضم أيضا جنودا من المنتمين إلى مناطق غير زيدية، وتتوزع في مناطق بعيدة عن المدن الرئيسية لكنها تعاني من ضعف التسليح والتدريب الأمر الذي أغرى تنظيم القاعدة بتكثيف وجوده في مناطقها وهو الآن "يرفع راية التوحيد ويجاهد ضدها"!! اليمن اليوم يقف أمام طريقين: إما المصالحة والحوار والشراكة الحقيقية في السلطة والثروة وبناء جيش وطني يحفظ للبلد وحدته واستقراره وإما حكم المليشيات والطوائف وعندها لن يهنأ أهل الشمال ولا أهل الجنوب.
888
| 11 مارس 2015
من عدن، أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بصريح العبارة ودون مواربة أن الحوثيين والرئيس المخلوع وإيران أسقطوا المبادرة الخليجية وأن صنعاء عاصمة محتلة، لكن طهران لم تكن لتنتظر هذا التصريح المتأخر فقد أعلن أكثر من مسؤول فيها أن رابع عاصمة عربية سقطت تماما تحت نفوذها وربما إمرتها وهاهو الجسر الجوي الإيراني دشن رحلاته بوصول أول طائرة إلى مطار صنعاء الدولي الذي سيستقبل 14 طائرة أسبوعيا أما مطار صعدة الدولي فالجسر الجوي مفتوح ودون حساب لطائرات كبيرة أو صغيرة. لكن هل إيران قادرة على تمويل الدولة اليمنية التي أصبحت تابعة لها؟ هل الإيديولوجيا والشعارات والعداوات الوهمية لقوى الاستكبار قادرة على إطعام 30 مليون إنسان؟ ما هي خيارات الحوثيين لمواجهة الانهيار الاقتصادي؟ قبل الإجابة على الأسئلة المطروحة لابد من تفسير واقعي لسلوك إيران السياسي تجاه اليمن وهل هو لمجرد تنازع نفوذ جغرافي سياسي مع دول الخليج والسعودية خصوصا أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لليمن خصوصية دينية وتاريخية عند إيران ترتكز على ما تسمى (الثورة السفيانية) التي أكد عليها رجل الدين الشيعي علي الكوراني العاملي في كتابه (عصر الظهور)، يتحدث المؤلف عن ثورة تكون في اليمن وهي «أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق»، أما وقتها فإنه «مقارب لخروج السفياني في شهر رجب، أي قبل ظهور المهدي ببضعة شهور»، وأن عاصمتها صنعاء، أما قائدها فاسمه حسب الروايات (اليماني) وفي رواية اسمه (حسن) أو (حسين)، وهو من ذرية زيد بن علي.واليمن بالنسبة لإيران كانت ولاية تابعة للإمبراطورية الفارسية قبل أن ينتزعها الإسلام، وهذا للأسف ما يحدد بشكل واضح مسار السياسة الإيرانية في هذا البلد المنكوب.كان اليمنيون ينتظرون أن تعلن طهران مع قدوم أول طائراتها عن ضخ مالي للخزينة اليمنية المنهكة بمليارات الدولارات تتوزع بين مكافآت لمن قاموا بالثورة "الإسلامية" المضادة وأسقطوا صنعاء وبين دعم للسلع الأساسية والمشتقات النفطية التي كانت مبرر الحوثيين للثورة، لكن لا يبدو لي أن إيران قادرة على تحمل عبئ مالي جديد لأنها تواجه أزمة خانقة جراء تراجع أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية الدولية وهذا الواقع عبر عنه وزير الاقتصاد والمالية الإيراني علي طيب نيا عندما قال: إن هبوط أسعار النفط والعقوبات الدولية، أوجد ظروفا حرجة لاقتصادنا ونحن نخوض نتيجة لذلك حربا أسوأ من حربنا مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، هذا الوضع بالإضافة إلى التطورات في سوريا أدخل الاقتصاد في دائرة الركود التضخمي وانهيار حاد في أسعار العملة مما سبب معاناة وبؤسا للمواطن الإيراني الذي يدفع ثمن أجندات بلاده الخارجية. الحوثيون يواجهون اليوم مأزقا سياسيا واقتصاديا حقيقيا لأن تداعيات إجراءاتهم الأحادية وكنسهم للنخب السياسية وكفرهم بكل نتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل والاتفاقيات المبرمة انعكس سلبا على الاقتصاد اليمني الذي دخل منعطفاً جديداً جراء إيقاف التحويلات المالية الفردية إلى اليمن من أوروبا وأمريكا بالتزامن مع انسحاب السفارات والبعثات والشركات الكبرى من البلاد جراء تسارع وتيرة الأحداث وأجواء الحذر والترقب في انتظار تنفيذ الحوثيين ما يهددون به من تصعيد في الفترة المقبلة يبدأ بالزحف إلى عدن وإلقاء القبض على الرئيس هادي الذي أصدرت لجانهم الثورية أمرا بإلقاء القبض عليه بتهم بينها الخيانة العظمى.اليمن اليوم يمر بظروف كارثية لم يشهدها في أحلك منعطفات الأزمات السياسية والحروب إذ حظر البنك المركزي الأمريكي أي حوالات فردية إلى اليمن وتعليق الحوالات المالية المتعلقة بالشركات، وربما تعجل تطورات الأزمة بوقف كل التحويلات الخارجية نهائيا خاصة من دول الخليج وهذا يعني وقف تحويلات نحو 6 ملايين مغترب يعيلون نحو 10 ملايين إنسان داخل اليمن ويرفدون خزينة الدولة بنحو 7 مليارات دولار سنويا، وإذا ما أضفنا لهذا العدد الذي سيتضرر من وقف التحويلات ما ذكره برنامج الغذاء العالمي من أن نحو 10.6 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي بينهم 5 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد فإن البلاد ستعاني من كارثة اقتصادية مميتة ولن يستطيع الحوثيون حتى تنفيذ برنامجهم الاقتصادي الذي بشر به عبد الملك الحوثي في خطابه الأخير عندما قال: إن أحجار الزينة تمثل ثروة تغنيه عن المانحين. والحقيقة تقول: عندما يجوع الإنسان تنهار قواه فلا يستطيع حمل حجر عدا عن استخراجه ونحته.إيران والحوثيون والرئيس المخلوع كُلفوا بمهمة تصفية أي وجود للإسلام السياسي السني وتقويض بنيته المادية والفكرية الأمر الذي جعل الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة يغضون الطرف عن السيطرة على صنعاء وعندما تجاوز الحوثيون وحلفاؤهم حدود المسموح وسقطت الدولة أغلقت السفارة الأمريكية أبوابها وتبعتها دول أخرى وما لبث سفيرها وسفراء آخرون أن عادوا لمدينة عدن لترميم ما أفسدوه. وفي ظل الانهيار المتسارع للدولة وتوزعها بين أربعة رؤساء لكل منهم تلفزيون خاص به، أحدهم في عدن يستند إلى الشرعية الدستورية والدولية والآخر في صنعاء يستند إلى الإعلان الدستوري الحوثي وثالث يرفض صفة المخلوع ويقول إنه لا يزال صاحب القوة العسكرية وورقة (الجوكر) ورابع يهتف من بيروت بأنه الرئيس الشرعي للجنوب، يقف اليمنيون حائرين بين نار تنظيم القاعدة ورمضاء الحوثيين، والمستجير بهذين لن يأمن من خوف ولن يشبع من جوع، وفي المقابل لا يمكن لإيران أن تبني جامعة أو مدرسة أو مستشفى في اليمن وكل ما أمكنها القيام به حتى الآن هو بناء ضريح كبير في مسقط رأس الحوثيين لزعيمهم السابق حسين بدر الدين الحوثي والسفن التي تعبر مضيق باب المندب ولا تلتقطها الرادارات الأمريكية تحمل سلاحا فتاكا لقتل أعداء الثورة "الإسلامية".
860
| 04 مارس 2015
عدل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عن استقالته بعد أن تمكن "بعملية" لا تزال غامضة من مغادرة مقر إقامته الجبرية في صنعاء ليمارس مهامه من عدن التي اعتبرها الدستور عاصمة شتوية واقتصادية، أصدر هادي فور وصوله بيانا اعتبر كل الإجراءات التي تمت منذ 21 سبتمبر الماضي باطلة، واستقبل بعد ذلك محافظي المحافظات الرافضة للانقلاب الحوثي والأحزاب السياسية التي تتمسك بالشريعة الدستورية والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني التي تعد الطريق الأسلم لتعافي البلاد من عبثية الصراع على السلطة، وفي المقابل شهدت عواصم الكثير من المدن مدا شعبيا مؤيدا للشرعية، إذ خرجت مظاهرات حاشدة، كانت أهمها في صنعاء، حيث تفرض جماعة " أنصار الله " الحوثية سلطتها على القصر وفي الشارع وعلى منازل أعضاء الحكومة والمناهضين لوجود المليشيات، لكن وجود الرئيس هادي في عدن ستكون له تداعيات ودلالات عدة أهمها : -- تحرك المجتمع الدولي ومجلس الأمن تحت الفصل السابع لضمان تقدم العملية السياسية السلمية.- أصبح الحوثيون والرئيس المخلوع في زاوية ضيقة معزولة، خاصة بعد ورود أنباء تفيد بأن دولا عدة تدرس نقل سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية إلى عدن.- تزايد الدعم الشعبي والقبلي للرئيس المنتخب، خاصة بعد أن شعر الجميع بحجم الخطر الذي يهدد البلاد في ظل عدم وجود رئيس شرعي، الأمر الذي جعل هــادي صمام أمان رغم أخطائه السياسية الكارثية السابقة التي مكنت الحوثيين من دخول صنعاء والسيطرة على القصر الرئاسي وكل مؤسسات الدولة.- قد يلجأ الرئيس هادي إلى تشكيل حكومة طوارئ مصغرة لإدارة الأقاليم الرافضة للانقلاب وهي ذات ثقل بشري ونفطي وبالتالي ستكون البلاد أمام حكومتين، حكومة حوثية في صنعاء غير معترف بها وحكومة شرعية في عدن تعمل وفق المتاح من الموارد والإمكانات.- المضي في الحوارات السياسية في تعز أو عدن في أجواء آمنة وربما يصبح الحوثيون طرفا في الحوار لكن بدون فوهات مدافع تهدد المتحاورين، الأمر الذي سينعكس على الاتفاقات وضمانات التنفيذ على الأرض.- هناك مزاج شعبي ودعوات تطالب بأن تكون عدن عاصمة اليمن الجديد، خاصة بعد وصف منظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية لصنعاء "بالعاصمة المحتلة" وربما يطول هذا الوضع.وفي هذا الصدد كنت قد نشرت مقالا في شهر أبريل عام 2009 في صحيفة "الشرق" بعنوان: عدن.. عاصمة اليمن الجديد. تعليقا على خبر تناقلته آنذاك وسائل إعلام يمنية بإمكانية نقل العاصمة إلى عدن، وأرى إعادة نشر أهم ما ورد فيه. حقيقة الفكرة ليست جديدة، فلقد راودت مناضلي الحركة الوطنية الذين غرسوا بذور الثورة الفعلية في عدن وأثمرت في صنعاء عام 1962 وكانت عدن بالنسبة لهم وأغلبهم من سكان محافظات شمالية مدينة معززة بقيم الحداثة والتنوع الثقافي واحترام سيادة القانون بينما كانت صنعاء مدينة يسكنها الأئمة بفكرهم المتخلف ومن حولها يتربص زعماء قبائل يوالون من يدفع أكثر إلا من رحم الله ويرون في الانصياع للقانون انتقاصا من كرامتهم، إلا أن جعل فكرة عدن عاصمة اليمن الكبير واقعا حالت دونها عوامل سياسية واستعمارية قاهرة. أما اليوم وقد توحد اليمن فإن تبعات هذه المسؤولية تقتضي التفكير بجدية بشأن نقل العاصمة اليمنية إلى عدن وذلك للاعتبارات التالية: - تمثل صنعاء عاصمة قريبة من مخاطر عدم الاستقرار ولذلك تنفق الدولة أموالا طائلة لإيجاد حزام أمني قوي يحمي رموز السلطة ولم تلق الدعوات المطالبة بإخراج المعسكرات من العاصمة أي استجابة، بل تم استحداث أجهزة أمنية جديدة إلى درجة أن الزائر الأجنبي للعاصمة صنعاء يشعر وكأنه زار شعبا من العسكر... وهذا يجعلني أجزم أن نقل كرسي الحاكم إلى عدن يجعله في منأى عن تهديد الثعابين التي ربما تصبح أليفة عندما تسافر مئات الكيلو مترات وتبتعد عن فضاءات الفوضى ومخيال الحياة الثأرية. - تعاني العاصمة صنعاء من مشاكل كبيرة في البنية التحتية وانفجار سكاني يقابله تضاؤل فرص التوسع واستيعاب ملايين آخرين من البشر، حيث أصبحت العاصمة محاصرة بين جبلين أسودين، الأمر الذي زاد من حدة الصراع على الأراضي وبسببها يسقط القتلى والجرحى بشكل مستمر وهذا يجعل عدن المكان الأنسب للتوسع العمراني والتطور الصناعي والسياحي، حيث بإمكانها أن تستوعب نصف سكان اليمن بسبب موقعها الممتد من سواحل محافظة أبين وحتى لحج والضالع، كما أن طبيعة ملكية الأراضي ستمكن الدولة من تنفيذ أي مخططات تنموية عصرية دون أي صعوبات تذكر.- لأن صنعاء مهددة بالجفاف فلن يكون باستطاعة الدولة بإمكانياتها المحدودة اللجوء إلى تقنية تحلية مياه البحر لتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب، حيث إنها تبعد مئات الكيلو مترات عن البحر وترتفع عن سطحه بنحو ألفين وخمسمائة متر ولذلك فقد يأتي يوم تصبح فيه صنعاء مدينة أشباح.- تتمتع عدن بمستقبل اقتصادي وسمعة دولية تجعلها في حال الاهتمام بها منافسا لعدد من مدن المال والأعمال والتجارة. - اليمنيون منذ التاريخ القديم ليست لديهم عاصمة مقدسة، بل إن أغلب مدنهم كانت عواصم لدول وهي لا تقل من حيث الأهمية التاريخية والحضارية عن صنعاء. كل تلك الاعتبارات تبرر لصانع القرار السياسي بأن تكون عاصمة اليمن الجديد عدن.أرى أن الرئيس هادي من قصره الجديد في العاصمة عدن لا تزال في يده أوراق كثيرة لتفكيك الانقلاب الحوثي ومنها مصارحة الشعب الثائر بكل ما جرى، وأن يستفيد من الدعم الإقليمي والدولي وأن ينسف سلوكه السياسي السابق الذي وضع البلاد على شفا جرف هار، لكن هل يصدق هذه المرة في قيادة مواجهة فعلية لاستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها وبناء الدولة المدنية.
897
| 25 فبراير 2015
“ما خف وزنه وغلا ثمنه” عبارة ربما عمل بها الدبلوماسيون العاملون في صنعاء يستوي في ذلك بعثات الدول العظمى والصغرى ومن كانت لها مصالح كبيرة وتلك الموجودة لمجرد تعزيز العلاقات، ليفتح هذا الهروب غير المسبوق في تاريخ أزمات اليمن وحروبها أسئلة محيرة: لماذا هذا الرحيل الجماعي وإغلاق أو تعليق عمل السفارات والقنصليات؟ هل اتخذت هذه السفارات قراراتها بناء على معلومات مؤكدة تقول إن البلاد تقترب من حرب أهلية طائفية أو مناطقية وشيكة؟ كيف سيتعامل الحوثيون مع هذه العزلة الدولية؟ ما الذي سيتخذه مجلس الأمن الدولي في حال لم ينفذ الحوثيون قراره الأخير بعد انقضاء مهلة الخمسة عشر يوما؟ إلى متى يستمر المبعوث الأممي جمال بن عمر في تضليل المجتمع الدولي وإيهامه بأن التسوية تسير على ربع قدم ونصف ساق في وقت يزيد فيه تلاشي الدولة وتقسيم معسكرات الجيش بين داعش والغبراء؟غنم الحوثيون 25 سيارة مصفحة كانت أوصلت السفير الأميركي ماثيو تويلر وأفراد بعثته إلى مطار صنعاء بعد أن نقلتهم طائرة عمانية بينما تم إحراق الآلاف الوثائق وإتلاف المئات من قطع السلاح حتى لا تقع تحت سيطرة الحوثيين. هذا الهروب اللافت لم تقم به أي سفارة أمريكية في أي بلد، بل عادة ما تكون سفاراتها ملاذا لرعايا وحتى رؤساء، ومنها تدار مفاوضات حل أزمات الصراع السياسي، المفارقة الغريبة في سلوك واشنطن أنها لم تصف ما جرى في اليمن بأنه انقلاب بل تقول إن الحرب على تنظيم القاعدة لم يتأثر بما جرى وأن قنوات تنسيق وتواصل لا تزال مفتوحة مع جماعة “ أنصار الله “ وفي المقابل تغلق سفارتها وتتبعها سفارات الدول الراعية للمبادرة الخليجية وبعثة الاتحاد الأوروبي ليترك اليمن وحيدا يواجه مصيره.إغلاق السفارات علقت عليه الخارجية الإيرانية بأنه إجراء متسرع وذو مغزى بينما أكد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني أن ما جرى ثورة حقيقية وأن الثوار الحوثيين هم الوحيدون الذين سيهزمون تنظيم الدولة الإسلامية هناك ليكون نصر الله أول من تنبأ بوجود تنظيم الدولة في اليمن. أما جماعة “أنصار الله” فكان تعليقها على قرار مجلس الأمن الأخير بأنها لا تعترف به ولا يعنيها كما أنه لا تعنيها التهديدات الخارجية أيا كان شكلها ولونها لأنها جاءت كما تقول لإخراج البلاد من الارتهان للتبعية الخارجية مهما كان الثمن، وهذا يعني أن الحوثيين لا يتراجعون عن أفعالهم مهما كانت عواقبها.مجلس الأمن أرغى وأزبد بعد سيطرة الحوثيين على القصر الرئاسي واعتقال الرئيس عبدربه منصور هادي ووضعه ورئيس حكومته تحت الإقامة الجبرية، وبعد كل المداولات تم تجاوز الصياغة الخليجية التي تقدمت بها قطر وتنص على تبني إجراءات البند السابع الذي يتضمن استخدام القوة وعقوبات اقتصادية، ووافق الأعضاء بالإجماع على مشروع قرار صاغته الأردن وبريطانيا يطالب الحوثيين بإنهاء الإجراءات الأحادية والإفراج عن جميع الأفراد تحت الإقامة الجبرية والعودة إلى المفاوضات للوصول إلى حل سياسي توافقي، بما يعني العودة إلى البند السادس وإجراءاته المطاطة ومنح الحوثيين غطاء سياسيا وشرعية من خلال حوار “ الأطراف “ وحسن النوايا وذلك ربما يمكنهم من مفاوضات النفس الطويل وشراء الوقت. هناك من يأمل أن يتخذ مجلس الأمن إجراءات صارمة بعد انتهاء مهلة الخمسة عشر يوما لكني لا أرى على المدى القصير أو المتوسط أي خطوات عقابية صارمة إذا ربما يلجأ المجلس إلى فرض عقوبات اقتصادية وحظر السفر تشمل قيادات الصف الأول لجماعة الحوثي وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي لكن ذلك لن يكون له أثر يذكر خاصة أن العقوبات التي فرضها القرار 2140 على عبدالخالق الحوثي وأبو علي الحاكم والرئيس المخلوع لم تكن رادعة بل فاقمت الأزمة وآلت الأوضاع إلى الأسوأ.وإذا كان هناك من يعتقد أن مجلس الأمن سيلجأ إلى التدخل العسكري ليعيد الشرعية ويحفظ البلد من التفكك أو على الأقل لحفظ ماء وجهه، فإني أقول إن التدخل العسكري الأممي أو الإقليمي مستبعد إلى حد كبير وذلك للأسباب التالية: - سيؤدي التدخل العسكري إلى تعقيد مشهد لا ينقصه التعقيد.- ما يحدث ليس صراعا بين عدوين بل هو بين قوى سياسية والحل لا يكون إلا سياسيا وهو الأقل كلفة.لكن ماهي السيناريوهات المحتملة في حال فشلت المساعي الدبلوماسية والسياسية لحل الأزمة وإقناع الحوثيين بضرورة التخلي عن مكاسبهم التي تحققت بقوة السلاح.. يمكن القول إن اليمن تنتظر سيناريوهات أربعة: - أن يتخلى الحوثيون عن إجراءاتهم الأحادية بسبب الضغوط الشعبية والمدى الجماهيري العارم المناهض لسلوكهم السياسي يرافقه ضغط دولي حقيقي.- أن تلجأ دول إقليمية بغطاء دولي للتنسيق مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ليستخدم قوات الحرس الجمهوري وحلفاءه في التصدي للحوثيين مقابل مكاسب سياسية واقتصادية.- أن تلجأ دول إقليمية للتنسيق مع حزب التجمع اليمني للإصلاح أكثر الأحزاب تنظيما وتمتعا بعلاقات قوية مع أهم القبائل ودعمه بالمال والسلاح بغية التصدي للحوثيين ومشروعهم.- أن تتحول اليمن إلى دولة فاشلة منهارة وجماعات متناحرة متصارعة حيث تسيطر القاعدة وحواضنها الاجتماعية في المحافظات الجنوبية والشرقية بينما يخوض الحوثيون حروبا مدمرة مع عدد من القبائل في الوسط وحتى في صنعاء وتهامة ليتكرر مشهد الحرب الأهلية في عام 1967 حيث كانت مصر تدعم الجمهوريين بينما السعودية تدعم الملكيين ولكن هذه المرة ستدعم السعودية رجال القبائل وجماعات أخرى بينما تدعم إيران الحوثيين، وقد بدأ الدعم الإيراني المؤثر بوصول باخرة أوكرانية إلى ميناء الحديدة محملة بأسلحة نوعية.لا يزال الكثير من اليمنيين ومحبي اليمن يأملون في أن تسمع جماعة أنصار الله لصوت الحكمة وأن تعود إلى شرعية الشراكة والتوافق بدل الاستئثار بالسلطة لأن الاستمرار في النهج الحالي معناه تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وربما تُحوّر مقولة: لابد من صنعاء وإن طال السفر.. إلى: لا بد من الهروب من صنعاء!
973
| 18 فبراير 2015
يصادف اليوم الأربعاء 11 فبراير الذكرى الرابعة للثورة الشبابية الشعبية السلمية التي أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح الذي وصفت السنوات الأخيرة من حكمه بأنها الأكثر فسادا واحتكارا للسلطة والثورة، الأمر الذي حول اليمن حسب تصنيفات دولية إلى دولة فاشلة، ونتيجة لذلك الوضع الكارثي والتردي في كل مناحي الحياة خرج اليمنيون من كل الفئات العمرية بهتافات سلمية تدفعهم أحلام الدولة المدنية التي تحقق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص للجميع دون اعتبار لمذهب أو قبيلة، تركوا أسلحتهم في بيوتهم رغم صلف قوات الأمن والجيش آنذاك، لكن سلمية احتجاجاتهم كانت أقوى من الرصاص حيث أقنع ذلك المد الثوري السلمي قادة عسكريين كبارا أعلنوا انضمامهم للثورة بينما رضخ رأس النظام ووقع على المبادرة الخليجية التي وضعت آليات محددة لمرحلة انتقالية وجيئ بنائب الرئيس عبده ربه منصور هادي ليكون رئيسا انتقاليا جديدا للبلاد. كثيرون كانوا يأملون أن تحل الذكرى الرابعة لثورة 11 فبراير وقد رست البلاد على بر آمن خاصة وأن مخرجات الحوار الوطني الشامل رسمت شكلا توافقيا جديدا للدولة ودستورا وصف بأنه سيكون الأكثر حداثة ومدنية في التاريخ اليمني المعاصر، لكن يبدو أن الآمال الوردية تبخرت، إذ بدت الصورة سوداوية بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر، فالدولة تبعثرت والمدنية تلاشت، والجيش تفكك، تسارعت وتيرة الأحداث إلى أن دخل المسلحون الحوثيون قصر الرئاسة والرئيس الانتقالي أعلن الاستقالة وأصبح تحت الإقامة الجبرية ، فشلت حوارات القوى السياسية للبحث عن حل سياسي برعاية جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، هنا وجه عبد الملك الحوثي مرشد الثورة الإسلامية أنصاره بضرورة سد الفراغ السياسي وإعلان إجراءات أحادية الجانب ترتب وضع السلطة، كان يوم السادس من فبراير يوما مختلفا إذ تداخلت فيه مظاهر فرح المسيطرين والمتحكمين وغضب ورفض أغلبية اليمنيين الذين رأوا في إعلان الحوثيين "الدستوري" انقلابا على الشعب والدولة وكفرا بأبجديات السلم والشراكة التي طالما رددها زعيم الحوثيين في خطاباته من معقله في صعدة.إعلان الحوثيين "الدستوري" ألغى كل الاتفاقيات الموقعة بينها المبادرة الخليجية التي قيل إنها كانت فخا كبيرا لثورة 11 فبراير إذ أنها أبقت على رأس النظام السابق بل ومنحته الحصانة التي تؤكد شواهد كثيرة أنه استغلها في التخريب وتسهيل السيطرة على أهم معسكرات الجيش وبناء التحالفات التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع، أهم ما تضمنه هذا الإعلان الذي وقع عليه رئيس لجنة الحوثيين الثورية أنه جعل المجلس الوطني الانتقالي المكون من551 عضوا والمجلس الرئاسي المكون من خمسة أعضاء تحت إشراف محمد علي الحوثي رئيس لجنة الحوثيين الثورية الذي بدوره يخضع لتوصيات وتوجيهات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، هذا يعني أن اليمن تحولت إلى نظام ولاية الفقيه. لكن وبعد أن تمكن الحوثيون من رسم المشهد الذي يريدون تبرز أسئلة كثيرة أهمها: هل يستطيعون فرض سلطتهم على كل المحافظات ومنع البلد من التفكك إلى أكثر من كيان؟ هل تصمد تحالفاتهم مع أطراف وقوى داخلية؟ كيف سيتعاملون مع الوضع الاقتصادي المتدهور بعد توقف الدعم الخليجي؟ إلى أي مدى يمكن لإيران وحلفائها توفير دعم اقتصادي يمكن " الثورة الإسلامية" في اليمن من بلوغ أهدافها؟ هل سيتمكن المبعوث الأممي من التوصل إلى حل سياسي توافقي يلغي إعلان الحوثيين "الدستوري" ويعيد الاعتبار للاتفاقيات السابقة وقرارات مجلس الأمن الدولي؟قراءة موجزة في التطورات وردود الفعل التي أعقبت احتفالات الحوثيين داخل القصر الرئاسي تبين أن حكم اليمن بتلك الطريقة قد يكون صعب المنال إذ قوبلت إجراءاتهم الأحادية برفض أغلبية السكان والسلطات المحلية في المحافظات الشرقية والجنوبية والوسطى والقوى السياسية حتى تلك التي كانت تصنف أنها حليفة لجماعة الحوثي كحزب المؤتمر الشعبي العام ورئيسه علي عبدالله صالح، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدهور الذي ينذر بانتفاضة شعبية عارمة في حال عدم قدرة خزينة الدولة على صرف مرتبات الموظفين خاصة إذا ما وضعنا في الحسبان توقف تدفق الدعم السعودي منذ ديسمبر الماضي والذي كان يقدر بنحو 450 مليون دولار إضافة إلى مساعدات نفطية بالإضافة إلى وجود آبار النفط والغاز وموانئ التصدير خارج حدود السيطرة الحوثية وهو ما قد يدفع إلى التفكير باستخدام سلاح الجو لإخضاع مناطق استراتيجية بينها مأرب، لكن ذلك قد يبدو صعبا في ظل ما يتردد عن استعدادات كبيرة للمواجهة ودعم لوجستي سعودي لقبائل تلك المناطق، وفي المقابل فإن إيران التي كانت تدعم جماعة صغيرة لتعزيز وجودها العسكري والسياسي لا تبدو قادرة على تقديم دعم اقتصادي لدولة يبلغ سكانها نحو 30 مليون إنسان خاصة بعد أن أنهك الاقتصاد الإيراني الحرب في سوريا وانخفاض أسعار النفط. وفي ظل هذه الظروف المحلية والدولية لا يوجد أمام جماعة الحوثي إلا خيار التشبث ببركات جمال بن عمر ليبحث عن حل يخرجها من ورطتها وبدل أن تأكل الكعكة كلها تكتفي بأكثر من النصف على الأقل مقابل العودة إلى مربع الشراكة. أما شباب ثورة 11 فبراير ورغم قرار وزارة الداخلية حظر التظاهر إلا بترخيص فيبدو من خلال حراكهم الثوري اللافت أنهم أكثر إصرارا على تحقيق أهداف الدولة المدنية التي لا تصادر فيها مجموعة مسلحة حلم شعب بأكمله، وعلى كل اليمنيين أن يدكوا أن تكلفة التوافق والتعايش أقل بكثير من تكلفة الحرب والعاقل من اتعظ بغيره.
733
| 11 فبراير 2015
اليوم الأربعاء 04/02/2015 هو اليوم الأخير من مهلة الحوثيين للقوى السياسية لتتوافق على حل يضع حدا للفراغ السياسي والدستوري الذي تشهده اليمن منذ أربعة عشر يوما جراء استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الحكومة، البيان الختامي "للمؤتمر الوطني الموسع" الذي دعا إليه الحوثيون ذكر أن تفويضا قد مُنح للجان الثورية وقيادة "الثورة" باتخاذ الإجراءات الفورية الكفيلة بترتيب أوضاع سلطات الدولة والمرحلة الانتقالية، ورغم أن البيان لم يوضح طبيعة الفعل الثوري الجديد بعد ضياع فرصة المهلة إلا أن معلومات تقول إنه سيتم تطبيق كل عناصر البيان رقم واحد الذي هددت به جماعة عبد الملك الحوثي الرئيس هادي قبل أزمة الاستقالة إن لم يستجب لكل مطالب السقف العالي جدا جدا. يترقب اليمنيون ما ستسفر عنه الساعات الأخيرة من هذا اليوم، هل سيفلح المبعوث الأممي جمال بن عمر في فرض حله الحاسم الذي يسعى إليه بدعم أمريكي - بريطاني لمنح الحوثيين دورا سياسيا فاعلا في إدارة دفة القرار السياسي والعسكري والأمني؟ هل سيتمكن بن عمر من إقناع أحزاب اللقاء المشترك التي انسحبت من الحوارات ليكونوا جزءا من هذا الحل ويمنحوا الحوثيين غطاء سياسيا يجعل كل ما قاموا به فعلا ثوريا يستحق الإشادة والتقدير؟ هل سيبقى الرئيس المخلوع وحزبه المؤتمر الشعبي العام متمسكا بالظاهرة البرلمانية والطلاسم الدستورية أما سيرضخ لمطالب الحليف خوفا من تفكيك تحالف شمال الشمال؟ كيف سيكون السلوك السياسي والدبلوماسي لدول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي إذا ما أعلن الحوثيون إجراء أحادي الجانب لحل أزمة شغور منصب الرئاسة؟ بعد أن أصبحت استقالة الرئيس هادي قرارا نهائيا لا رجعة فيه ومصادرة أختام حكمه وما لم يحدث أي تدخل جراحي يعيد بعض الروح للعملية السياسية الانتقالية فإن المشهد اليمني يتوزع بين تصورات قابلة للتطبيق بفعل القوة العسكرية ورؤى قد تتطور إلى التصادم تستغل بعض ما تبقى لديها من قوة عسكرية، وأمنيات لقوى فقدت السيطرة وتتلاشى بين الحين والآخر ثقة قواعدها الجماهيرية جراء التمسك باستراتيجية الأحزاب ومصالحها السياسوية والتفريط في مصالح الشعب.في ظل هذا الواقع يسعى الحوثيون إلى فرض تصوراتهم المتمثلة في تشكيل مجلس رئاسي يتكون من شخصيات يبدو من أسمائها ولهجاتها أنها تمثل كل جهات اليمن الأربع وعلى رأسها الرئيس السابق علي ناصر محمد، لإقناع من يسمون بجماهير (الكنبة)! ويدعم هذا التوجه جمال بن عمر الذي تتهمه بعض الأوساط وحركات الرفض الشبابية بأنه لم يعد وسيطا نزيها بل يريد تنفيذ أجندة دولية في اليمن تمكنه من تقلد منصب رفيع في الأمم المتحدة، لكن هذا الحل لا تؤيده على الأقل في الوقت الراهن دول مجلس التعاون ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هددت بفرض حصار اقتصادي وإعلامي. علي عبدالله صالح أو كما يحب أن يسمي نفسه بالزعيم لا يروق له تشكيل مجلس رئاسي يصبح هو مُمثلا غير فاعل فيه، ولذلك فإنه يريد العودة للحكم عبر مجلس النواب الذي يحظى فيه بالأغلبية المريحة ويسيطر على هيئة رئاسة المجلس شخصية لا تتنفس إلا بإذن من زعيمها وفي حال جرى تطبيق الخيارات الدستورية التي يتشبث بها الرئيس المخلوع فإن رئيس البرلمان يصبح هو الرئيس الشرعي للبلاد حتى يتم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وهذا التصور يرفضه الحوثيون حلفاؤه الجدد جملة وتفصيلا وفي حال تمسك كل طرف بموقفه فقد يتطور الخلاف والتباين إن كان حقيقيا إلى مواجهات عسكرية عنيفة قد ترفع كفة وتخسف بأخرى خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان الألوية والوحدات العسكرية التي لا تزال تدين بالولاء لعلي عبدالله صالح وأولاده وأبناء أخيه في محافظات عدة.الطرف الأضعف في هذه الأزمة هو التجمع اليمني للإصلاح ذو التوجه الإسلامي السني الذي تلقى ضربات قاتلة لجناحيه القبلي والعسكري ولم يتبق له سوى القدرة على الحشد الجماهيري وهذه القدرة تضعف يوما عن يوم بسبب بعض مواقف الحزب وكذلك العنف الثوري الذي يمارسه المسلحون الحوثيون ضد المظاهرات المنددة بوجود المليشيات في العاصمة والمدن اليمنية، بل إن المسلحين الحوثيين يغلقون كل ساحة أو ميدان أو شارع يتوقع أن يتجمع فيه متظاهرون مناهضون لسيطرتهم العسكرية على البلاد وإلغاء نتائج المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني، ولذلك فإن حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي والناصريين لم يعد لهم من فعل سياسي سوى التمني والتوسل بأن يعدل الرئيس هادي عن استقالته وتعود الحكومة لممارسة مهامها واستكمال ما تبقى من آليات تطبيق المبادرة الخليجية لأن البديل سيكون العمل بأقل الخيارات سوءا وهو العودة إلى المربع صفر.القوى الدولية التي تؤيد بن عمر لفرض حل تكتيكي ربما يهدد مستقبل البلاد ووحدتها يهمها فقط استغلال التناقض المذهبي بين الحوثيين والقاعدة لإلحاق الهزيمة بالإرهاب "السني" وتطبيق نموذج العراق رغم إخفاقاته ونتائجه الكارثية، ولا يعني لهذه القوى شيئا استئثار جماعة الحوثي بالسلطة أم تقاسمتها مع مكونات أخرى طالما بقيت المصالح الإستراتيجية وتوثقت عرى الروابط الاستخبارية، أما كثير من اليمنيين فلم تعد تشغلهم العناوين السياسية ولا حتى المذهبية - التي يحاول البعض جعلها بضاعة للبيع والشراء - بقدر ما يحلمون بحاكم توافقي قوي يحفظ بلادهم من التفكك لسان حالهم يقول مللنا من الأزمات والحروب والصراعات نريد وطنا يتسع للجميع، وعندما يصبح ذلك الحلم بعيد المنال فإن البعض أصبح يفضل خيار الوطن الصغير المتمثل بالإقليم رغبة في تحقيق أبسط ضروريات الحياة وهي نعمة الأمن.
684
| 04 فبراير 2015
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3690
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2799
| 21 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم،...
2691
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
2361
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1494
| 21 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1071
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
978
| 21 أكتوبر 2025
فيما يبحث قطاع التكنولوجيا العالمي عن أسواق جديدة...
915
| 21 أكتوبر 2025
القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى،...
906
| 23 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
846
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
825
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية