رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الجسرة الثقافية.. إلكترونياً

منذ أكثر من عقد تنبّأ المهتمون بعالم الكتابة والنشر، بانحسار المطبوع الورقي لصالح وسائل النشر الإلكتروني، ومنذ ذلك الحين ووسائط النشر الجديدة تحقق نموّاً متسارعاً، لإتاحة ظروف قراءة مريحة لزبائنها من خلال تحسين شروط القراءة، وقاربت عالم الكتاب في آخر مخترعاتها؛ الحاسوب اللوحي المتاح في الأسواق، وما سماه أحد النقاد الشاشة الخامسة. بعد السينما والتلفزيون والكومبيوتر والهاتف والجوّال. من هنا تأتي أهمية النشر الإلكتروني التي باتت الماعون البديل لكثير من كبريات الصحف العالمية بعد أن أعلنت إفلاسها، والرديف لمعظم الصحف والمجلات الورقية ليتيح قراءات أكثر، ولتسهل عملية أرشفة النسخ المتتالية. تأتي خطوة الجسرة الثقافية الجديدة، في موقعها الذي يشرف عليه الكاتب تيسير النجار في إتاحة نصوص يومية للقراء، في حين تطلّ من القوائم المنسدلة للصفحة أبواب المجلة القديمة: أما قبل، إضاءات فكرية، ملف العدد، النصوص الإبداعية..الخ. لعبت الجسرة دوراً واضحاً في التعريف بالمشهد الثقافي في دولة قطر كنادٍ ثقافي اجتماعي أنشئ في العام 1960، وكمجلة ثقافية رصينة أواخر التسعينيات من القرن الماضي، قدّمت كثيراً من التجارب الإبداعية القطريّة للقارئ العربي، وقدّمت في الوقت نفسه التجارب الإبداعية العربية والعالمية إلى القارئ القطري. وكان للنشاط اللافت للأستاذ محمد عصفور ومشرف التحرير الدكتور مراد مبروك الأثر الكبير في دفع النشاط الثقافي في قطر إلى الأمام، في الوقت الذي توقفت فيه واحدة من أشهر المجلات الثقافية عن الصدور، وهي مجلة الدوحة، ناهيك عن جهود كثير من المبدعين القطريين كالكاتب والناقد الدكتور حسن رشيد. لقد احتفت الجسرة بمثقفي الدوحة وبضيوفها، وكان ملتقى الأصدقاء أمسيات الأربعاء، في النادي الذي استضاف قامات العرب المبدعة في مجالات الفنون جميعها، وفي الجسرة تعرفت إلى مثقفي المدينة وأدبائها، وكان هذا التعارف جسراً لعلاقات صداقة متينة. ورغم انتقال المكان أكثر من مرة، وارتباك النشاطات ومنها توقف المجلة فترة من الزمن، إلا أن مكانة الجسرة ظلت في قلوب المثقفين، كمركز إشعاع ثقافي على الرغم ولادة كثير المراكز الثقافية، وكمجلة ثقافية أيضاً. وفي التجربة الجديدة للمجلة في ثوبها الإلكتروني نأمل لها أن تحقق قفزة في عالم النشر الافتراضي، وأن تكون رافداً لا بديلاً للطبعة الورقية التي سجلت حضوراً في عالم المطبوعات الثقافية العربية، وأن تتحول إلى مجلة شهرية لتكون صوت المبدع القطري في الوطن العربي، وصوت المبدع العربي في قطر.

471

| 10 سبتمبر 2013

حزن الأبد

يمكث نصّ الجليلة بنت مرّة في ذاكرة المتون والكتب المدرسية وقتاً، لكن النصوص المندثرة تعتريها بين الحين نوبات حياة عابرة، إذ تستبطن حاضراً مثيلاً، وتعين قراء اللحظة على استبصار القادم، فما كان يجري في ديار بني بكر قبل ألفي سنة مازال يجري في منازل مقدّرة، في أرضٍ ذات زرع ونهر، تتصارع فوقها النظريات، وتتجاور، ولم تقتلع شجرةٌ شجرةً، وها هي الأرض اليوم خزّان بشري يمور بمائة مليون نسمة، يمتلكون جميعاً مظلومياتهم التي تبيح طمس الآخر. تلك هي العراق والشام التي عرفت ومازالت نماذج من الحروب الأهلية فتضيف كلّ منها سبباً جديداً للتمايز. كان ذاك الحيّ من العرب قد استقرّ شمال الجزيرة ببأس فرسانه الذين كانوا حراساً للقوافل العابرة في ظلّ ازدهار تجاري امتدّت آثاره من الصين إلى أوربا في إطار ما يسمّى:" طريق الحرير". وكانوا قد جمعتهم المطامح في الاستقلال عن ملوك اليمن، وبعد أن تمّ لهم الأمر، بدأت آثار التنافس، واقتسام الثروة، حتى تمكّنت منهم الحرب الأهلية مدّة طويلة، والتهمت الكثير من الأرواح والمال بعدما قتل جساس البكري الملك كليباً التغلبي، وكانت الجليلة بنت مرة أخت جساس زوج كليبٍ، فقالت لها نساء الحي لما اجتمعن للمأتم :"اخرجي عن مأتمنا، فأنت أخت واترنا وشقيقة قاتلنا". فخرجت، فقال لها أبوها:" ما وراءك يا جليلة؟ فقالت: ثكل العدد، وحزن الأبد، وفقد خليلٍ، وقتل أخٍ عن قليل،وبين ذلك غرس الأحقاد، وتفتت الأكباد"، ثمّ أنشدت: يا بنة الأقوام إن لمت فلا تعجلي باللوم حتى تسألي فإذا أنت تبينت الذي يوجب اللوم فلومي واعذلي إن تكن أخت امرئٍ ليمت على جزعٍ منها عليه فافعلي فعل جساس على ضني به قاطعٌ ظهري ومدنٍ أجلي لو بعين فقئت عينٌ سوى أختها وانفقأت لم أحفـــــل تحمل العين قذى العين كماتحمل الأم أذى ما تفتلـــي إننّـي قاتلــــــــةٌ مقتولــــــةٌ فلعلّ الله أن يرتـــــــاح لي يا قتيلاً قوّض الدهر بـــــه سقف بيتي جميعاً من عل هدم البيت الذي استحدثته وبدا في هدم بيتي الأول مسني فقد كليبٍ بلظًى من ورائي ولظًى مستقبلي ليس من يبكي ليومين كمن إنما يبكي ليوم ينجلي درك الثائر شافيه وفي دركي ثأري ثكل المثكل وفي الصراع الدائر في سوريّة الذي آل إلى نذر حربٍ طائفية، وانغمس كثير من المنهمكين فيه بتأويل الثورة تأويلاً طائفياً، سبّب شرخاً كبيراً بين مكوّنات الجسم السوري ، فثمة أكثر من جليلة سورية معاصرة تنظر في قتل أخيها على يد زوجها، فقد حدثت زيجات مصاهرة كثيرة بين أبناء الإثنيات الدينية و العرقية، ذهب أبناؤها إلى خياراتٍ مكلفة ومرهقة، وهناك تظل مراكبهم بين ضفتين لاتطمئنان إلى عابرين طالما آنسوا المحبة في كلا الضفتين. إنه حزن الأبد.

2356

| 03 سبتمبر 2013

النبطي

عرف المهتمون الروائي المصري يوسف زيدان في روايته " عزازيل " التي تحكي عن مرحلة منسية في حياة مصر في ظل انتشار الديانة المسيحية، وأثارت جدلاً واسعاً أسهم في شهرة الرواية غير جمالياتها التي توجتها بجائزة البوكر العربية قبل عامين. وغير بعيد عن عوالم عزازيل فقد جاءت رواية زيدان الجديدة: " النبطي" التي استكملت تاريخ مصر بالتوجّه شرقاً، في وعاء زمني ومكاني تتجمع فيه القوميات والأديان: " المصريون – الفرس – الروم – الأنباط ـ العرب ـ اليهود، النصرانية – الوثنية - الإسلام.". وذلك من خلال حكاية فتاة مصرية من أسرة مسيحية فقيرة تقيم في وادي النيل في الشمال الشرقي، تُخطب لرجل من الأنباط وتذهب معه إلى بلاد النبط شرقي سيناء. الشخصية المحورية مارية التي صارت ماوية تقف على مفارق لحظات تاريخية كشاهد على جلاء الفرس عن مصر وعودة الروم إليها، وعلى انتشار الإسلام في المنطقة، وعلى ظاهرة الكُهّان ومدّعي النبوة قبيل الإسلام وأثناءه. ماريّة التي تزوجت سلومة الأحول تأثرت من (النظرة الأولى) بأخيه الأصغر الذي جاء خاطباً، ومن هنا تأتي حكاية النبطي التي رسمها زيدان بشعرية فائقة بعيداً عن الشخصيات النهمة التي تنمّطت عن العصر الجاهلي، مستثمراً نجاح عزازيل في صناعة سوق قراءة جديد قوامه حكايات متخيّلة تسدّ فراغاّ عن تاريخ مهمّش، في مناخ سردي يناسب الحقبة التاريخية لايبتعد عن الفانتازيا التاريخية إذ أن من الصعوبة بمكان القبض على ملامح حقبة أفلتت من يد الكتابة، وظلت أسيرة شفاهية تعرضت للمحو والمبالغة. يحتفي يوسف زيدان بالمكان، وبشعرية فائضة يستغرق في تفاصيل المكان " مرابع الأنباط " وفي وصف البيئة النبطية، والمناخ الاجتماعي المتسامح الذي أفضى إلى وجود كلّ الديانات في أسرة مارية الجديدة: " يهودية الأخ الأكبر – نصرانية زوجها ـ وثنية الأم ـ وتديّن الأخ الأصغر دون أن يدين بدين سماوي على النحو الذي يذكرنا بأحناف الجزيرة "، ويتعاطف مع الأنباط كعرب متمايزين كانت لهم حضارة شمال الجزيرة ما لبثت أن تراجعت، مازجاً إياها باستلاب المصريين أمام الفرس والروم، وكأن زواج مارية من سلوم يشير إلى تعاطف المقهورَين أمام الطارئ، قبل أن يدين الجميع بدين الإسلام. النبطي الذي يقضي جلّ أيامه في الجبال والشعاب خارج مضارب القبيلة لايساعفه الحظّ في نشر نبوءته بانتشار الدين الجديد (الإسلام) وحتى عندما يستعين به المرتدون فإنه يتركهم لأنهم يطلبون منهم اختلاق نصوص يدعي أنها من الوحي، وفي الوقت نفسه يعزف عن مشاركة قبيلته الرحيل إلى مصر، ويظل وحيداً ترسمه عين مارية العائدة إلى أهلها كبطل مهزوم ونبيل. . ومارية التي أحبت النبطي وتمنّت أنه هو زوجها من لحظة الخطوبة، ظلت أسيرة ارتباط غامض به، لم يغامر زيدان بجرف بطله إلى شهوة عابرة، ارتباط روحي باحت به مارية في لحظة الوداع: " كان النبطي مبتغاي من المبتدأ وحلمي الذي يكتمل إلى المنتهى ". ولعلّ قارئ النبطي خارج حدود الاستمتاع بـ "الحدوتة" سيلحظ أن يوسف زيدان يقف على أطلال مرحلة سابقة بكثير من المحبة التي تدعو إلى العجب.

725

| 28 أغسطس 2013

بين غوطتين

"زرع.. كتب.. حصد.. قتل/ الدرس انتهى". قبل قرابة نصف قرن كتب صلاح جاهين في رثاء أبناء قرية بحر البقر، فطائرات العدوّ الآمنة من مطاردة الدفاعات الجوية، صارت تتمرّن بالأطفال. *** "كان في وسعِ صيَّاده أن يُفكِّر بالأمر/ ثانيةً، ويقولَ: سـأتركُهُ ريثما يتهجَّى... فلسطينهُ دون ما خطأ / سوف أتركُهُ الآن رَهْنَ ضميري/ وأقتلُه، في غدٍ، عندما يتمرَّد". كان الدرويش في الانتفاضة الثانية قيد مرحلة شعرية تالية تستغرق رؤية الجلاد والضحية في ثنائيات عميقة كخطاب الهندي الأحمر، ليسقطها على واقع منتفض على الظلم المزمن، وكان محمد الدرّة أيقونة الشهداء الأطفال في ربع القرن الأخير على الأقل، ظلّ يبحث عن النجاة وهو يحتمي بأبيه، ولكنّ القناص وبدم بارد أجاد التسديد وقطف روح الصبيّ، وشهدت حالة الدرة جيشاناً للشعرية العربية، أنتجت ديواناً خاصاً عن مؤسسة جائزة البابطين. *** تتعثر الطفولة بالحرب، ثمة وردة تكتب الحرب، وثمة قانون (دولي) لا أدري إن كان طبّق في مكان: "حسب المبادئ الدولية للقانون الإنساني الدولي المتعارف عليها، تجب حماية السكان المدنيين من المخاطر التي تنشأ بسبب وجود عمليات عسكرية، ويجب على وجه الخصوص ألا يصبحوا هدفاً لأي هجوم. ويُعرف المدنيون بأنهم الأفراد الذين لا يشتركون في أي أعمال مسلحة، ومنذ زمن بعيد يعود إلى سنة 1863 نص قانون ليبر Lieber Code في المادة 18 على الحاجة إلى حماية خاصة لغير المتحاربين، خاصة الأطفال والنساء". *** في المشهد السوري ثمة ألف محمد الدرّة لوّنوا المشهد، ثمة ألف (غافروش) شقيّ غادروا بؤساء فيكتور هيغو، وحطموا إيقاع حياتنا البليد، وفي المشهد ثمة ملائكة يغادرون يومياً إلى السماء، ثمة ملائكة قدّموا عنا امتحان الكيمياء الصعب دون مساعدة صديق أو تغشيش مراقبين، فهم لم يحضروا بعد. ربما سيزورون القاعة بعد الاختبارات. بين الغوطتين لحق الطلاب سليمانـ (هم) العيسى، لأن الأناشيد لم تعد تليق بالطفولة، فالعم منصور ترك دكّان النجارة وصار قنّاصاً، والغيمة ذات الأهداب الشقراء تركت الخريف وسكنت كلّ الفصول، والطيار الذي كان يتحدى المستحيل فوق مهرته يقصف أهله. بين الغوطتين كما في درعا وحمص وحماة ودمشق وحلب ثمة طفولة منذورة لأهداف الطيران الرشيقة، أو سواطير العابرين، أو جرعات الكيماوي الناجعة

358

| 27 أغسطس 2013

سلامتك يا غالية من شامة الدنيا إلى أمّها: مصر

مصر؛ مباح فرعون، ومتاح يوسف، وأهرامات الفراعنة، وأزهر الفاطميين، وعيد المتنبي، ووعيد قطز، و معبر إخوة يوسف، و أبناء كنعان. مصر ابنة السماء، وهبة النيل، عصيّ حرافيش نجيب محفوظ، و مفاتيح هوامير قارون. مصر رئة المتوسط، وكبد الشرق، ملاذ ( الشوام) ، وكفّ أفريقيا. صباح في دفتر الرومان، وغيمة في كفّ كلّ فقير، وجع الغزاة، وسرير الشرق، خالة العرب، ووجدان إفريقيا، و" خير أجناد الأرض". مصر نفرتيتي، و كليوباترا، وشجرة الدرّ، وهدى شعراوي، والأميرة فاطمة بنت إسماعيل. مصر؛ السلالات الغابرة، ، والموجات العابرة، مصر ابن العاص وابن هشام الأنصاري، و عبدالرحمن الجبرتي، و جلال الدين الأسيوطي، ومحمود سامي البارودي ، وأحمد شوقي ، وإبراهيم حافظ، مصر؛ عباس محمود العقاد ، وطه حسين، وإبراهيم عبد القادر المازني، مصر حسن الإمام ، و يوسف شاهين، وأسامة أنور عكاشة. مصر؛ صوت القرآن الكريم صباحاً بصوت المقرئ الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، مصر ؛ لطائف تفسير الشيخ الشعراوي، مصر؛ غضب الشيخ كشك في خطبه المتسلسلة عبر أشرطة التسجيل الصوتية. مصر؛ الدساكر والبنادر، النجوع والواحات، بهتيم الرافعي، ومنفلوط مصطفى لطفي، وكفر الزيات أحمد حسن، وفرشوط عرب لهوّارة، و فيوم الشاطر حسن، وأبو قير ألف ليلة وليلة، مصر؛ إسكندرية كفافي، وطيبة الأسرة الرابعة، وملاعب الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً قبل سياط "ابن الأكرمين" ، و نبابيت الحرافيش ، ومطاوي البلطجية. مصر؛ الزمالك والأهلي، مصر؛ راديو صوت العرب، مصر؛ مطابع بولاق، مصر؛ بيرم و سيد درويش وعبدالوهاب، مصر؛ العبور بعد خريف، و النشور بعد يأس، و الحضور في كلّ بأس، مصر؛ أمل دنقل الواقف بين يدي زرقاء اليمامة، واليمامة بنت كليب، و صلاح جاهين، الباحث عن عندليب " ع المشنقة عشه". مصر؛ خالد عبدالغني و حلمي سالم، ومحمود الأزهري، وحسن توفيق، ووحيد الطويلة، ومحمود أمين (لوركا)، والشربيني عاشور. مصر؛ شعراء الأقاليم، وصعاليك مقهى البستان، واشقياء الحرف في خان الخليلي وريش. مصر ؛ الصعايدة القادمون في عربات الدرجة الثالثة، والفلاحون المحتضنون حزن الدلتا، حزن عجوز في ( المغربية) ينتظر جواباً من ابنه المغترب، و أمل صبية بعريس، وموت مختفٍ في حقول القصب للعريس والولد. مصر؛ مسلسلات الثمانينات ذات الثلاث عشرة حلقة، أفلام الأسود والبيض، أغاني الستّ، أهداف فاروق جعفر و الخطيب، فرقة الفنون الشعبية ورقصة التنورة. مصر؛ أصدقاء الغربة و شركاء الهمّ. مصر: سورية الموجوعة، النازفة، الموعودة بالخراب، المترعة بحبر الثورة و الحرب، النائسة بين خناجر الحرب الأهلية، و بركات "السكود" ورذاذ البراميل، سورية في الدمع والنزعِ ، سورية ملاعب الأمويين ، وعرين بني حمدان، الإقليم الشمالي، ومقصد قول أمير الشعراء " وللحرية الحمراء بابٌ" ، سورية السور والثغور .. تقول لك: " سلامتك يا غالية".

584

| 20 أغسطس 2013

سليمان العيسى

عن اثنتين وتسعين سنةً، رحل شاعر الأطفال العرب سليمان العيسى، وغادر الحياة في دمشق الأسبوع الماضي، في وقت تعاني فيه البلاد تبعات الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة، منذ بداية الثورة 15/3/2011. على أنّ غياب سليمان العيسى أثار موجة حزن دافئة في نفوس الجميع، فالشاعر محسوب على النظام وإن لم يشترك في مكاسبه السياسية، بل آثر أن يبتعد عن البلاد منذ عقدين تقريباً. يحفظ معظم السوريين وكثير من العرب قصائد سليمان العيسى المقرّرة في مناهج المرحلة الابتدائية، والتي تساعد في تكوين مفاهيم الطفل حول البيت والأسرة والجماعة، وبخاصة عند السوريين والأردنيين عند توحيد المناهج في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك في دول عربية أخرى. ولهذا فإنّ غياب العيسى أثار عند الجميع على اختلاف مشاربهم موجة حنين جمعي لقصائد بحدّ ذاتها: " ماما ماما / يا أنغاما، فلسطين داري، عمّي منصور نجّار، مرحباً عاد الخريف...".. وفي المقابل كتب بعض النقاد أن غياب العيسى جسداً مؤشر رمزي لسقوط مرحلة، وامّحائها، وثارت مناوشات خفيفة بين كثير من الأدباء والكتاب، فمنهم من يرى أن الشاعر الراحل مبدع في مجاله، ورغم انتمائه الفكري إلى التيار الذي تنتمي إليه السلطة؛ إلاّ أنه لم ينغمس في لعبة السلطة، ولم يمدح رموز السلطة في بلده، ولم يمدح شخصاً قطّ، بل كان مخلصاً لانتمائه العروبي، وله في نصوصه إشارات إلى رموز الفساد الذين حالوا دون تحقيق النصر على العدو، منذ احتلال تركيا لموطنه إقليم إسكندرون مروراً بنكسة يونيو، وقدم بعض المعلقين معلومات لم يتسنّ التأكد من صحّتها أنه كان يعيش في قبو تحت الأرض، ولا يمتلك حتى سيارة، فكيف لشاعر الحزب مثلاً أن يزهد بكل هذه المغريات لو لم يسجّل رفضاً هادئاً حول ممارسات السلطة، فقد رفض الرجل هدايا من أكثر من حاكم، مفضلاً أن يعيش بهدوء لحلمه الذي أخلص له، وهو الكتابة للأطفال منذ نكسة 67. في المقابل كان كثير من المعلقين يرون أن الشاعر الراحل قد فُرض على السوريين مع الحزب والنظام والمسؤولين، في الوقت الذي أهمل فيه شعراء كثيرون كنزار قباني. لاشكّ أن وجهتي النظر تستمدّان أفكارهما من الواقع السوري الصعب، الذي بات مطالباً فيه بالبحث في بطاقة الأحوال الشخصية لكلّ مبدع، حتى إنّ بعض النقاد أجرى محاكمات لأدباء العهود القديمة، ولعلّ هذا المآل يشكل التهديد الأكبر للهوية السوريّة، فالمتتبع للمشهد الأدبي يرى اصطفافات أدبية جديدة تتبع الهويات الضيقة، ومع تنامي هذه الاصطفافات سننسى أن المطلوب إسقاط النظام، ونعمل أيدينا في إسقاط سورية. *** قبل أربعة عشر عاماً تقريباً؛ كان سليمان العيسى ضيف الدوحة، وأقيمت له أمسية شعرية، تحدث من خلالها عن علاقته بالسياب في معهد المعلمين في بغداد أثناء دراستهما، وقرأ بعض قصائده، وأذكر أني سلمت عليه، وداعبته: كنت مقرّراً عليناً، منذ الصفّ الأول الابتدائي حتى الثانوية، فضحك وقال: " انظر إلى عمق عبارة: "بسمة أمي سرّ وجودي.. فيها فلسفة". وكانت هذه العبارة من نشيد أثير يحفظه السوريون من قصيدة الأم المقررة في الصفّ الأوّل، قبل أن تلغى جميع قصائده من المنهج، وكان الشاعر يومها قد غادر سورية إلى اليمن.

4233

| 13 أغسطس 2013

جداريات سورية

تنتشر هذه الأيام في الإبداع السوري نصوص تتحدث عن الموت، لا لتصوير واقع الكارثة السورية الغائمة، بل لترجمة حالات من الحزن والإحباط ومقدمة لإعلان هزيمة، فالصديق الشاعر بسام علواني قرأ علينا قبل أيام نصّاً جديداً، يحيل إلى رؤية جديدة ومختلفة عن منجزه السابق، يشتبك فيها الصوفي والرومانسي: "يحدُثُ أنْ أموتَ على سبيلِ المنْفى/ فأُدفنُ في مقبرةِ (أبو هامورَ) هنا في الدوحةِ/ بعدَ حمّامٍ بمياهٍ بحريّةٍ مالحةٍ/ وأُنْعَى كأيِّ مكْفولٍ قَضى، أو وافدٍ هلَكْ/ وبعدَ ثلاثٍ منَ الوقتِ/ قدْ تكونُ منْ ساعةٍ أو شهرٍ أو سَنةٍ/ سَيتبخّرُ جسَديَ النهْريُّ بفعلِ جحيمِ الصحارى/ أو يترمّلُ؛ أيْ يُصبحُ رمْلا كربعهمُ الخالي/ ثمَّ لا يُفتَحُ القبرُ؛ حيثُ تتشظّى رماليَ/ أو تتناثرُ مع عاصفةٍ من ال (طّوزِ) / فلا أحدَ يعرفُني/ ليتحسّسَ أزهارَ مَنْ ودّعوا.../ وينتهي القولُ عندَئذٍ؛ لِيبدأ احتمالٌ جديدٌ/ فيحدُثُ أنْ أموتَ/ فأُدفنَ في مقبرةِ (سريحين)/ مُلتقى الأهلِ والأصدقاءِ والعشيرةِ ممّنْ قضَوْا/ بعدَ أنْ يُغسّلَني المُشَيّعونَ بدموعِهم وأوْرادِهم/ وما فاحَ من تلاوةِ قلوبِهم على روحي / هناكَ سيُحمَلُ جسدي على هاماتِهم/ منْ بابِ دارِنا في الحيِّ الذي يعرفُني إلى مثْوايَ الأخيرِ/ عَنيتُ قبْراً بحجمِ جثماني/ وشاهدةً حجريّةً تصمدُ إلى حينْ/ ستكونُ بمثابةِ بطاقةٍ شخصيّةٍ / تُوَثّقُ موتيَ في سجلِّ الراحلينَ/ وتُعرّفُ العابرينَ على الثاوي/..... فبعدَ دهرٍ من عمُرِ الترابِ/ سأَنْبُتُ بفعلِ تعاقبِ الفصولِ / شجرةً بنكهةِ الرمّانِ الذي كنتُ أحبُّ/..... ثمَّ يمرُّ دهرٌ آخرُ أجفُّ فيهِ وأذوي سيفرحُ الخشّابون بجسدي/ فأُصارَ إلى عدّةِ احتمالاتٍ/ كـ أنْ أصيرَ قطعةَ بزلٍ يجمعُها طفلٌ يابانيٌّ أو الرّجلَ الرابعةَ في سريرِ عجوزٍ إنجليزيٍّ/...وقدْ يحدُثُ أنْ يفرحَ الخشّابونَ بجسدي، فأُصارَ إلى آلةٍ حدْباءَ / أقصدُ تابوتاً في فقْهِ الفقْرِ/ ونعْشاً في قاموسِ الغنى/ عندَها سأَحملُ أجسادَكمُ الباردةَ إلى مقبرةٍ لا يهمُّني اسمُها/ فبعدَ دهرٍ ستنبتونَ كأيِّ حُلُمٍ مُسَجّى في ذاكرةِ الوطن. ويكتب الناشط والشاعر السوري المقيم في القاهرة خلف علي الخلف بروح نيتشوية خالصة نصاً يقف على النهايات، وهو يقرأ الموت من زاوية أخرى: " إذا أردت الموت فلن يمنعك أحد. لا تهتم بما سيتركه موتك من أثر. فأنت ستكون ميتاً ولن تعرف شيئاً عم سيحدث بعد موتك. لا تفكر بحزن الآخرين عليك، فهذا مجرد فقاعة صابون في نهر [إن كنت جاداً] ولا بمعيشة الأسرة التي بقيت على قيد الحياة، فلم يمت أحد من الجوع لأن شخصاً في العائلة قد قرر الموت. إن قررت الموت، لا تحسب نفسك بطلا، أو جباناً، أو انهزامياً، أو يائساً، أو مؤمناً، أو كافراً.. فكل ما ستفعله هو تقديم زمن موتك قليلا". وإن كان بسام علواني وخلف الخلف تعديا الأربعين، وصار الموت بالنسبة إليهما غرضاً شعرياً تابعاً لأكثر من عرض؛ فماذا نقول لشاعر شابّ مليء بالحياة مثل الثلاثيني صدام العبد الله الذي كتب مؤخراً: " الموت لا يعرف القراءة والكتابة/ لذا لن يجد الشعراء أي فائدة/ من مكابدة الشعر في مواجهته". جداريات الشعراء السوريين هذه الأيام طافحة بالحزن واليأس، تبحث في الأرض السورية الخراب، عن موجبات لبث روح إليوت في المشهد الأدبي، ورغم تأثري الشديد بجماليات هذه الكتابة، إلا أن للسوريين حقاً على شعرائهم أن يبحثوا عن جهة البروق والأمل.

583

| 06 أغسطس 2013

دراما سوريّة

تابع السوريون باهتمام مسلسلين يتحدثان عن الثورة السورية، الأول وهو "منبر الموتى" ويعدّ الجزء الثالث من "الولادة من الخاصرة" والثاني هو "سنعود بعد قليل". في "منبر الموتى" ثمّة طرح جريء وغير مسبوق، يتعرّض للأسباب الحقيقيّة التي قامت من أجلها الثورة السوريّة، وفي "سنعود بعد قليل" عرض هادئ وحزين لآثار الأحداث الدامية التي عانى منها المجتمع السوري على مدى ثلاثين شهراً ويزيد. يعرض المسلسلان على قنوات غير سوريّة وهذا كافٍ للإشارة أنّ العملين يثيران غضب السلطة، وإن بدرجات متفاوتة، فمنبر الموتى الذي كتبه الصديق الشاعر سامر فهد رضوان يخترق المسكوت عنه في الحياة الثقافية والفنية في البلاد، ويناقش بحيادية الأسباب الحقيقية لثورة الشعب السوري المتمثلة بالقمع والفساد، من خلال تصويره المؤسسة الأمنية التي تحولت إلى مافيات سرطنت الجسم السوري بفساد مستفحل، دون أن يقدّم استثناءات عديمة الجدوى. إذ يعرض المسلسل مظاهر الثراء والسطوة والفساد في حياة ضباط المؤسسات الأمنية في بلد فقير لا يتجاوز راتب الموظف الكبير فيه ألف دولار، بينما تنفرد شريحة من هؤلاء بالسيارات الفارهة والقصور والحشم والخدم دون بيان مصدر رزق واضح غير الوظيفة. وفي الجهة المقابلة كان سكّان البلاد الذي اختزله الكاتب في حيّ المساكن يعانون الفقر والذلّ. وفي " سنعود بعد قليل" الذي كتبه الممثل رافي وهبة عن الفلم الإيطالي "الجميع بخير"، ويصوّر آثار الصراع الدامي على النسيج الاجتماعي دون يتطرّق إلى أسباب الثورة، من خلال أب عجوز يعمل نجاراً فنّياً في النقش على الخشب، يعيش وحيداً في دمشق القديمة بعد وفاة زوجته، وهجرة أولاد الستة إلى بيروت تباعاً، من السياسي الانتهازي الذي نال الجنسية اللبنانية وصار زعيماً لحزب، إلى الفنان التشكيلي التقدمي الذي وقع على بيان دمشق وهرب إلى بيروت، إلى الإعلامي الذي غادر دمشق لأنه لم يجد فرصة عمل هناك، وفرّ بأولاده إلى بيروت بعد ازدياد موجة العنف، إلى التاجر الذي خسر تجارته بعدما غضبت عليه السلطة بعد توقيع أخيه على بيان دمشق فحورب في تجارته وأفلس، وجاء إلى بيروت لينضمّ إلى مافيا تستثمر في الأزمة السورية، إلى البنت التي جاءت تدرس المسرح، وأختها الكبيرة المتزوجة هناك سابقاً من لبناني مغترب في دبيّ. ولكن العجوز المريض الذي يسافر إلى أولاده يصدم بواقع التمزق والتشرد التي يعيشها أولاده كما حال السوريين الآن. وعلى هوامش المسلسل تظهر معاناة السوريين عموماً، كما في وضع النازحة الريفية مريم التي أصبحت بائعة ورد في بيروت، عرضة للذلّ والإهانة، وكما في حال المصوّر السينمائي يوسف صديق الفتاة الشابة، والذي انخرط في الثورة. وكما شاهد المتابعين هذين المسلسلين فإن كثيراً منهم قارن بين العملين، وفاضل بينهما في الرؤية والطرح والسوية الفنية، لكن العملين في رأيي متكاملان، ولا يمكن فصل العملين عن بعضهما، فالأول قدّم لأسباب الثورة السورية والثاني قدّم لنتائجها.

421

| 30 يوليو 2013

على سيرة الحنين

تهمس الأم القبرصية وهي تشاهد ابنها السجين على شاشة التلفزيون:" إنني أشاهده ولكنّي لا ألمسه"، في الفيلم الوثائقي الذي شاهدته منذ أكثر من عشر سنوات عن الحرب التركية القبرصية وعقابيلها، ظلت هذه العبارة تشدّني، وتذبحني، كنص شعري نابت في بريّة المعاناة. ربّما أثّر توقيت عرض الفيلم على شابّ غرّ في مدرسة الغربة، فكلّ ما يحدث أمامك يحيلك على الغائب، كلّ وجه أمامك هو نسخةٌ عن وجهٍ ما هناك، كلّ اسم تسمعه هو اسمٌ لشخص ما هناك، كلّ جدار وكلّ شارع وكلّ قبر هو قبر مالك، كان الحنين قاتلاً وبسيطاً، ومرتبكاً أحياناً، كطفلٍ في يومه الدراسيّ الأوّل، يملأ صراخه الفظّ النصوص والحكايات، وكان بريئاً أيضاً يسيل على أغنية، ومن هبوب نسمة. وأسأل بعد سنين؛ لماذا تغيّر طعم الحزن؟ لماذا ذبل الحنين؟ فها أنا الآن على بعد ثلاث سنوات، لم أتذوق خبز أمّي ولا ضحكات أصدقائي، لم أدغدغ وجعاً في صدر أخي، لم أنتبه إلى الساعة وهي تدقّ.. تدقّ، فقد أنسانا الوجع السوري الحنين الذي رتبناه بهدوء، على رأي صديق وجد في معادلة (10+2) امتثالاً مقنعاً للحنين، إذ يداوم عشرة شهور ويسافر في شهري العطلة، متفرّغاً للمقهى الذي يجد فيه أصدقاءه الذين قاسموه المكان ذاته فبل اغترابه. ولكنّنا الآن جميعاً نشاهد وطننا ولا نلمسه، نشاهد الحرائق والحجارة والجثث، نتعرّف الأماكن، وقد نتعرّف الأشخاص الذين فرّقت بينهم الثورة والحرب، هذا قاسمته طفولته، وذاك كان زميلاً، وذلك جمعتك به أمسية أدبية، منهم من ترك البلاد لاجئاً أو نازحاً، ومنهم من بقي هناك يتلمّس درب النجاة والخلاص، ومنهم من غادر الحياة شهيداً أو متوفّى. وحين تتبعثر الحجارة التي كانت خلفية الفلم الذي كنت بطله، فإلى أين يلجأ الحنين، فقد كان لي قاعة درس في جامعة حلب، ومهجع عسكري في حمص، وكرسيّ مصحح الثانوية العامة في اللاذقية، كان لي كل شوارع دمشق، كان لي بيت مهجور في ريف الرقة، وريف حلب، وكان لي مقعد مدرسي في الحسكة، وآخر قبله في القامشلي، كان لي سرير ضيف في حماة، وآخر في درعا، كيف أبعثر حنيني كلّ هذه البلاد المهدّمة لأصطاد ذكرياتٍ نائمة، ستقولون الذكريات نائمة في الحروب، ولكنها أيضاً فتنة، وعندما تنام الفتنة تأتي. بيني وبين ذكرياتي مائة ألف شهيد، بيني وبينها حرائق لا تطفئها كلّ أمطار العالم، والحنين الذي خبأته لوجه أمي ودالية العنب وجدران بيتنا القديم.. لا يكفي لبناء عش في قصيدة، ولا لتحليق علامات الترقيم فوق السطر الأول من أي رسالة، لم يعدّ ثمة رسائل.

448

| 23 يوليو 2013

ألا تصوم أيها الموت؟

كتب الشاعر السوري صدّام العبد الله على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك العبارة التي استعرتها لمقالة اليوم، وفي العبارة وجع وجمال، فالسوريون لم يتركوا الجمال وحيداً، رغم شدة الحال، فأكرموا وفادته حتى في ساعات الشدّة، ولهذا يجد المتأمّل مقاربات أدبية في المخاض السوري الصعب، ومع مجيء شهر رمضان الكريم تتوق النفوس والأرواح إلى الراحة والسكينة والتواصل مع الخالق. لكن الموت السوري لا يصوم عن الطعام، ثمة ولائم كثيرة تنتظر أذان المغرب، ثمة ضغائن وأحقاد تخلّقت وولدت فتيّة قويّة استقبلته بحفاوة، أوْلَمَ له السوريون أكثر من مائة ألف، وقام على خدمته نصف سكان البلاد، وفتح كل بيت له الباب، وأشرع العالم كل نوافذه يراقبنا بألم وصمت. طرق رمضان أبوابنا، وسبقه الموت الذي صار من أهل البيت، يحيي معنا الضيوف، ويسكب لهم الشاي والقهوة، ويطعمهم خير ما أُطعمت الأرض، وفي رمضان كانت فوازير الدم عصيّة على كلّ جواب، وكانوا يشاهدون المسلسل السوري الطويل في نجوع العروبة على مقاهي الفضائيات، يطلبون "الشيشة" ويشربون اليانسون إلى مطلع الفجر. كان موت مريد البرغوثي مؤدباً مهذباً يأتي في الليل ويبيت باحثاً عن مأوى، ولهذا حين زجره الشاعر: "تعرّف إلى غيرنا أيّها الموتُ.. ابحث، على الفور عمن يجود عليك بمأوى سوانا.. ودع غير أطفالنا يمسكون بذراعك.. عبر ازدحام الطرق.. منذُ دَهرٍ نؤدي لك الواجبات ونرعاك.. نحن انشغلنا بشغلك، فاذهب"، فقال مستدركاً: "ولكن.. إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا؟". وكان هذا السؤال مقدمة لعتاب كامن يفيض أسئلةً: "أغلطتنا أننا كرماء لتأخذ من تنتقي ثم نعطيك من يرتقي بك؟. أما فاض موسمك المر عن حاجتك؟... هل ألفناك؟. هل لا طريق لنبعد عنك سوى الاقتراب الجنوني منك؟. أأنت الطريقُ؟. أم أنك قاطع هذا الطريق؟. أتمشي الجنازة فينا؟ أم أنّا نسير ونبحث من حولنا عنك فيها؟. نرى النعش والسائرين.. ويا موت لسنا نراك.. ففي أي زاوية تختفي حينذاك؟ كان موت مريد قد ولد موتاً آخر لابنه تميم البرغوثي: "والموتُ أَبْلَهُ قَرْيَةٍ يَهْذِي وَيسْرِقُ مَا يَطيب لَهُ مِنَ الثمر المبارَكِ في سِلالِكْ / وَلأَنَّهُ يَا أم أَبْلهُ، فَهْوَ لَيْسَ بِمُنْتَهٍ مِنْ أَلْفِ عَامٍ عَنْ قِتَالِكْ / حَتَّى أَتَاكِ بِحَامِلاتِ الطَّائِرَاتِ وَفَوْقَها جَيْشٌ مِنَ البُلَهَاءِ يَسْرِقُ مِنْ حَلالِكْ / وَيَظُنُّ أَنَّ بِغَزْوَةٍ أَوْ غَزْوَتَيْنِ سَيَنْتَهِي فَرَحُ الثِّمارِ عَلَى تِلالِكْ / يَا مَوْتَنَا، يَشْفِيكَ رَبُّكَ مِنْ ضَلالِكْ!". ولكن موتيهما ليسا كموت السوريين الصبيّ الذي لم يبلغ حتى يكلّف بالصوم، والشاعر السوري صدام العبد الله لم يطرده من البيت، ولم يتهمه بالجنون والبله، بل شجعه على الصيام، أقلّ ذلك لو يصوم إلى العصر أو الظهر، ليتسنى للمشردين والفقراء أن يعدّوا وصاياهم قبل وجبة الفطور الدامية.

1031

| 16 يوليو 2013

برازيل الشعر

في الحلقة الأخيرة من مسابقة أمير الشعراء قرأ المذيع بعض الرسائل القصيرة المباشرة عبر مواقع التواصل، ومنها رسالة من موريتانيا تعاضد الشاعر الموريتاني الذي حقق المركز الثالث في النسخة الخامسة وتصف الرسالة شعراء موريتانيا أنهم: "برازيل الشعر". يحيل التوصيف على مقارنة شائقة بين البرازيل وموريتانيا والشعر، فالبرازيل ومنذ نصف قرن تقريباً وفوزها بكأس العالم للكرة برقم قياسي بلغ خمس مرّات، وصارت كرة القدم هي الأيقونة الأكثر لصوقاً بالدولة الأبرز في أمريكا اللاتينية، البلد ذات التعدد العرقي والإمكانات الهائلة، والمزيج البشري العجيب، الذي كوّن شخصية لاتينية قاربتها رواية أمريكا اللاتينية فيما يسمّى: "الواقعية السحرية"، كما قاربها الشاعر المكسيكي أوكتافيو باز في كتابه: "متاهة الوحدة"، ومقارنته الشخصية اللاتينية التواقة إلى الحياة والمتعة بالشخصية الأنكلوساكسونية المغرقة في الجدّ. يمكن القول إن كرة القدم كطريقة لعب عبَّرت عن الشخصية اللاتينية، ففي الخمسين سنة الأخيرة أمتعت فرق أمريكا اللاتينية مشاهديها بلعب من أجل اللعب، خصوصا البرازيل التي ملأت مشهديات كأس العالم باللعب الممتع الذي وصل إلى حدّ الروعة، وكان أثر أدائهم في المشاهدين كأثر الشعر وهو يفعل فعله في السامعين، فقد كانت البرازيل في معظم مبارياتها ترسم قصائد بصريّة على مساحات خضراء مؤطّرة بمدرجات تعجّ بــ"الغاوين" الذين يؤدون دوراً كرنفالياً كشروح على النص البصري الدينامي، وكانت استعارة الشعر لأدائهم موفقة، فقد بات من يمتع في الكرة ينسب إلى البرازيل، فيقال هؤلاء برازيل أوروبا، وهؤلاء برازيل آسيا.. الخ. في حين يمثل اهتمام الناس لا بالشعر في موريتانيا ظاهرة لافتة، فهم بلد المليون شاعر، نسبة إلى عدد السكان المليون عند إطلاق التسمية، بمعنى أنه ما من موريتاني إلاّ ويقرض الشعر، كما أنه ما من برازيلي إلا ويلعب الكرة، ومن يقرأ الواقع الموريتاني (شنقيط) كبلد صحراوي، يمثّل الزاد الروحي والمعرفي لبلدان الجنوب الغربي الصحراء الكبرى غير العربية، وفي واقع بيئي واقتصادي خصوصا عند وادي صنهاجة (السنغال) يذكرنا بأودية العرب التي تسيل على ضفتيها حياة مليئة بأسباب الرحيل والشعر. وإن كان الشعر العربي قد ضرب كثيراً في متاهات الحداثة فإنه في موريتانيا ظلّ متمسّكاً بلبناته الأولى، ومع تنامي التجارب الجديدة، وصلتنا في المشرق أصوات كثيرة، ربما يعرفها الكثير منا في الدوحة كتجربة سيدي محمد ولد بمبا ومحمد ولد الطالب وأدي ولد آدب. وقد رأينا غيرهم في برنامج أمير الشعراء الذي استقطب كثيراً من التجارب المهمة في الوطن العربي. يستحق الموريتانيون وصف "بلد المليون شاعر" وإن زاد عدد سكانها إلى قرابة أربعة ملايين، ويستحقون "لقب برازيل الشعر" فتلك الاستعارة في الأساس منحها الشعر للبرازيل، ولا ضير أن تسترد على أيدي الموريتانيين.

666

| 13 يوليو 2013

معلّلتي بالوصل

كان الموت دونه، أي والله..قد كان دونه، مرّت أيام وأيام.. والقمر الفضي صار أحمر، ولم أكتب لكِ.. من زمان لم أفعل، تقولين: على بابي يقف الخاطبون، وفي البيت بنو عمي، وفي الحيّ يرمونني بالكلام، تقولين: القمر الأحمر يبكي كل مساء، صار يطلع في النهار أيضاً فيبكي، الغيم أيضاً صار أحمر، الحليب صار أحمر، فقاعات الصابون، القهوة في فناجين السابعة صباحاً، لا تأتِ.. الجنون يرقص في الحيّ، والخاطبون يكسرون الباب. أجل.. كان الموت دونه، وكنت ظمآناً، جفّ حلقي من العطش، شربت..شربت ولم أرتوِ، ثمة صيف في حلقي، صيف طويل وحارّ، كانت الأنهار تذوب في فمي، وأنا أشرب، شربت.. وكانوا يعيثون في البيت، لم تنسجي قميصاً أول النهار ليصدقوا أنني آتٍ آخر الليل، لم تغلّقي الأبواب، ولم تهربي إلى ظلّ ظليل.فكيف للشجرة أن تهرب عن عصافيرها؟ هي ليست شجرة ولكنّ الخاطبين كانوا يغرّدون، هذا يمنّيها بنهرٍ من عسل، وذاك يمنّيها بثياب من حرير وذهب، كانت تمشي على الموسيقى.. نعم، ويغنّون لها، وكانوا ينفضّون عنها، فتعود الضحكات إلى الدُّرْج، والحكايات إلى الدفتر، وتنام. كأيّ مكان أغفى بين داليةٍ وظلّ. بيني وبينها الآن قمر، له مرتعه، ودربه، وحصصه المدرسية، يمرض أحياناً، ويشقى أحياناً، ويجنّ أحياناً أخرى، يدير لي خدّه المضيء إذا انتصف الشهر، وهرب الراتب؛ دراهمي على قدرها، أُخرِج أيامي من دفاتر ألف ليلة وليلة، رنين الدراهم يعلو، وأنا أغني للقمر، دليلي إليها، بعدما امتدت بيننا البيد: يُشاغلني عن دار ليلى احترابُها وكيف على قلبي الضعيفِ اجتنابُها وقلت لصحبي: والدروب تناثرت تأخرت عن ليلى فأين رحابُها ألا ليت حزني هل تفيض مدامعي ببابٍ لليلى.. قد تكسّر بابُها بيني وبينها الآن موت، كان قمراً بخدّ مضيء، موتٌ بجنوده وضحاياه ونصاله، موتٌ عذب، موتٌ عذاب، يقضم رغيفه على مهل، يدوس النجوم التي كانت خاطبين على الباب، حول دارها الآن ألف ألف نجمة، تزيّن البيت لعريس جديد، والموت ينشد بلا مبالاة: " عريس الزين يتهنّى"، وليلى تعدّ لعريسها الجديد قبراً سعته شهقة فضاء ومتر من الأرض. بيني وبينها الآن قمرٌ يذوب، ومتر من الأرض، معلّلتي بالوصل، تخذلني إليك خطاي، كأي رحّالة نثرته البلاد في متاهات الأمل والقلق، كأي غيمةٍ أجّلت رقصة المطر، كأيّ بلاد حرمها أبناؤها من النوم.

419

| 02 يوليو 2013

alsharq
لمن ستكون الغلبة اليوم؟

يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...

1134

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1092

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

798

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
إنجازات على الدرب تستحق الاحتفال باليوم الوطني

إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...

699

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
التاريخ منطلقٌ وليس مهجعًا

«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...

663

| 21 ديسمبر 2025

alsharq
غفلة مؤلمة.. حين يرى الإنسان تقصيره ولا يتحرك قلبه

يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...

660

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب

هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...

651

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
قبور مرعبة وخطيرة!

هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...

594

| 19 ديسمبر 2025

alsharq
قطر رفعت شعار العلم فبلغت به مصاف الدول المتقدمة

‎لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...

546

| 18 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

537

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

507

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

480

| 24 ديسمبر 2025

أخبار محلية