رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا صوت يعلو فوق صوت البندقية . فأزيز الرصاص يخطف البراءة من أفئدة الأطفال في عاصمة لبنان الثانية . مدينة طرابلس التي يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة تنام على معركة وتصبح على أخرى إذ باتت أسيرة السلاح والمسلحين ومصير أبنائها معلق بإصبع مقاتل يلامس زناد البندقية . ما يزيد عن ثلاثة عشر قتيلا ومائة جريح سقطوا خلال ثلاثة أيام، أغلبهم من النساء والأطفال وعابري السبيل ، في معركة الجميع يقاتل فيها على أنها معركة حياة أو موت ، معركة تحرير من عصابات يتبعون للنظام السوري في الشمال قلعة الإسلام والمسلمين بالنسبة لمقاتلي باب التبانة من السنة وهي معركة إثبات وجود وحفظ حقوق ومواجهة عصابات من التكفيريين والسلفيين المتشددين جاءوا من أصقاع الأرض للقضاء على الشيعة والعلويين وإسقاط النظام المقاوم الممانع كما يرى مقاتلو جبل محسن الذين يتبعون للحزب العربي الديمقراطي بقيادة رفعت عيد الذي لا يخفي ولاءه لسوريا والنظام السوري . المقاتل على ضفتي الجبهة يعتقد أنه إذا ما سقط سيكون شهيدا وستحمله الملائكة على أكفها إلى الجنة التي تتزين له استعدادا لاستقباله ، فهو يضحي بشبابه وزهرة عمره من أجل حماية معتقداته وعرضه وأهله .. الحقيقة أنها حرب قذرة ، حرب أهلية في الشكل والمضمون ، فالأخ يحرص على قتل أخيه في الوطن والحي والمدينة ، والأسباب والأعذار لديه كثيرة .. يقول البعض : هي حرب مرتبطة بالأزمة السياسية التي يعيشها لبنان . يرد آخر: بل هي انعكاس للمعارك التي تدور رحاها في مدينة القصير السورية . صدق الاثنان، يقول شخص ثالث : فلبنان في منطقة تعيش مخاضات كثيرة. ولبنان الذي نأت حكومته عن الأزمة السورية اتضح أنها نأت فقط عن الأمن والمواطن في لبنان في حين تورط القريب والبعيد في سوريا ، داعما بالسلاح والرجال تحت راية حماية الأهل والعشيرة والطائفة . ربما تكون الجولة الخامسة والعشرون من جولات حروب الجبل – التبانة ، منذ خروج الجيش السوري من لبنان العام 2005 ، لكنها لم تبلغ أن تصنف حربا أهليا إلا في الجولات الأخيرة ، مع زيادة الاحتقان الطائفي والمذهبي وبلوغه حدا يدفع الجار لقتل جاره لانتمائه السياسي بحجة أنه عدو كافر يتربص بالإسلام وأهله شرا . الجولة الأخيرة هي الأعنف ولا شك ، فعدد القتلى والجرحى وطبيعة الأسلحة المستعملة وتوسع دائرة المواجهات ووصول القذائف الصاروخية إلى جميع أحياء مدينة طرابلس يشير لمدى الخطورة التي وصلت إليه ما كان يطلق عليه "مناوشات زعران مأجورين " من هنا وهناك . لن يتعب من يريد ربط أحداث طرابلس الأخيرة بتطورات الأحداث في القصير ، كما سيجد متسعا ليربطها بتأزم الوضع السياسي الداخلي . فلبنان يعيش اليوم فراغا حكوميا وهو مقبل على فراغ أوسع . هناك استحقاق انتخابي بعد أن أشرف المجلس النيابي الحالي على انتهاء ولايته ولا يوجد قانون انتخاب على أساسه ستجرى الانتخابات القادمة والقوى السياسية كل منها يريد قانونا للانتخاب مفصل على مقاسه أما الحكومة فلم تشكل بعد وما تزال حكومة ميقاتي المستقيلة هي من تدير البلاد .. تشكيل الحكومة مرتبط بشكلها وهدفها وحجمها وعدد الحصص وكيفية توزيعها داخلها من ناحية، ومن ناحية أخرى مرتبطة بالتوافق على القانون الانتخابي . وكأننا في دائرة مقفلة لا يعرف من أين يبدأ أولها ولا أين ينتهي آخرها . الأمر نفسه ينسحب على المؤسسات الأخرى، فولاية رئيس الجمهورية هي أيضا أشرفت على الانتهاء ، وكذلك موقع قيادة الجيش بعد الفراغ الذي دخلته أصلا مؤسسة قوى الأمن الداخلي . وهكذا غالب مؤسسات الدولة مقبلة على فراغ في المناصب والمهام ولا رؤية واضحة حول موضوعها بعد . لبنان إذن على قائمة الانتظار السياسي ، شاء أهله أم أبوا . حريق في طرابلس وتوترات في صيدا ، وتململ داخل المخيمات الفلسطينية الخارجة عن سيطرة الدولة أًساساً ، واستقطاب سياسي حاد بين النخب السياسية والثقافية واحتقان مذهبي وديني داخل شرائح المجتمع اللبناني ، وإذا كانت سوريا تعيش حربا ساخنة حقيقة ، فإن لبنان يعيش حربا باردة على كافة الجبهات ، قد تبلغ شظاياها الآفاق قبل أن تضع الحرب في سوريا أوزارها .
341
| 25 مايو 2013
1948 هو رقم صعب في الذاكرة العربية. لم يكن عاماً عادياً إذ أنه سيؤرخ لحقبة جديدة في التاريخ العربي. هو يوم ميلاد نكبة فلسطين، بل نكبة العرب جميعاً. لم يكن يدور بخلد العرب يومها أن هزيمتهم عام ثمانية وأربعين سيكون لها هذا التداعي الكبير، فالحروب سجال، كما تقول العرب، يوم لك ويوم عليك. لكن أياما تذهب وأخرى تأتي، وحالنا يتردى من سيء إلى أسوء. ضاعت فلسطين من البحر إلى النهر، وضاع معها التاريخ وشوّه. ولولا أن المؤرخ العربي السوري قسطنطين زريق نبهنا إلى أن ما حصل كان نكبة وليس مجرد هزيمة عابرة حين وضع كتابه "معنى النكبة" عام 1948، لما أدركنا حجم المآسي التي تنتظرنا سنة بعد أخرى.. أقل ما يمكن أن يقال في حق هذه النكبة وفي ذكراها الأليمة أنها كانت البداية لسلسلة من الانكسارات والنكبات. فذكراها اليوم لا يحمل تاريخاً أليماً إلى حاضرٍ أفضل، بل يكشف عبء الماضي الذي يتجدد كلَّ صباح مع اللاجئ الفلسطيني. عقود مرت على النكبة ولا تزال.. المآسي تكبُرُ، والآمالُ تضيق، ويصبح الحلْم أنيس الباحث عن دولة تحت الشمس بعد أن سرقها من وجدان أطفالها بنيامين نتنياهو وأسلافه القادمون من وراء النهر أو من وراء البحار في زمن الانهيار الإنساني والقيمي. تشرد الفلسطينيون داخل فلسطين وخارجها، وبات يطلق عليهم "لاجئو الشتات" والأصح أنهم لاجئون في دول الشتات. والنكبة التي تتجدد كلّ يوم في المآسي التي تلاحق الطفل الفلسطيني إلى حلمه الذي لم يولد بعد. اليوم لن نتذكر المآسي التي طبعتها النكبة على جبين اللاجئ الفلسطيني بل نحتاج أن نتلمس ألمه الذي يولد من نكبات أخرى فُجرت في طريقه لم يكن له فيها نصيب. فهل يمكن لصاحب ضمير أن يستذكر النكبة دون أن تفرض نفسها عليه الظروف التي يمرّ بها الشعبان السوري والفلسطيني اليوم؟ اللاجئون الفلسطينيون في سوريا اليوم هو رقم صعب أيضاً في تاريخ النكبة.. حالُهم لا يختلف عن حال آبائهم عام ثمانية وأربعين.. فصلٌ جديدٌ يكتب لهم في كتاب اللجوء فهم يفرون من الشتات إلى الشتات.. إلى لبنان وخلسة إلى دول أخرى بعد أن رفضت دول عربية استقبالهم أو الاعتراف بهم كلاجئين على أراضيها لأسباب لم تعد تخفى على أحد.. أعدادهم لا تقل عن مئة ألف ممن هُجّر ودمّر وتعرض للقتل والابتزاز وغيره. هل يحق لنا أن نسأل هؤلاء في ذكرى نكبتهم عن آلامهم وآمالهم أو كيف يستذكرون نكبتهم الأولى وكيف يحيون ذكراها؟ وهكذا من نكبة إلى أخرى حتى أضحت النكبة الأولى تفصيلاً أمام هول المآسي التي تلاحق الأبناء.. لم تعد فلسطين من النهر إلى البحر لأهلها كما كان يعدنا زعماء العسكر في الستينيات وما تلاها.. وفلسطين الكبرى لم يعد أمراً نحلم بتحقيقه في المستقبل المنظور، كما لم تعد كلمات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ذات معنى في هذه الأيام. أقصى أحلامنا هو بناء دولة فلسطينية تربط جزءا من الضفة الغربية، وليس كلها، بقطاع غزة، آملين أن يكون لها شيء من السيادة. أما الحديث عن عودة اللاجئين، وترسيم الحدود نهائياً، وإنهاء قضية الأماكن المقدسة، بما فيها مدينة القدس التي احتلت عام 67 فكلها أمور لا تشي بأي تقدم مع محتل يقف الغرب بمجمله داعما له في صلفه وتكبره وظلمه المستمر لشعب يناضل ويكافح، خوفاً من أن تغتال ذاكرته بعد أن سُرقت أرضه وزُوّر تاريخه ومُزّقت عائلته وتفرقت بين الأمصار.. لا شيء يقال قد يخفف من وطأة الذكرى أو يعيد شيئاً مما سُرق ويسرق يومياً.. حسبنا أن نقول: لا يضيع حق وراءه مطالب.
699
| 18 مايو 2013
هل كان تحالف القوى الإسلامية في مصر لصالح هذه التيارات، ولصالح مصر الدولة المدنية ما بعد الثورة؟ بالقطع، الجواب سيكون بالإيجاب عند أتباع ومناصري هذه التيارات، ولديهم من الأدلة الشرعية والعقلية ما يدحض حجة أي خصم. لكن المتابع لما يدور في مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى اليوم يجد أن الاستقطاب الطائفي والديني بين أنصار الشريعة وأنصار الدولة المدنية ينذر بتفجير مصر كلّها.. فلا يقبل تيار القوى المدنية أي شيء يقدمه الإسلاميون الموجودون في الحكم اليوم، ولا يستطيع تحمل وجودهم أصلاً، وقد ناشد قيادات في جبهة الإنقاذ الجيش المصري للانقلاب أكثر من مرّة، مفضلين حكم العسكر على حكم الإسلاميين، ولو جاءوا عن طريق صناديق الاقتراع. أخطاء الإسلاميين وتصريحاتهم غير المنضبطة ولا المحسوبة خلال الفترة السابقة أجّجت من الصراع السياسي، وعززت من الفرز بين قطبين أساسيين، قطب الدولة المدنية، وقطب الدولة الإسلامية، ولعل السبب في كل ذلك هو تحالف الإسلاميين فيما بينهم لإيصال إسلامي إلى الحكم، متناسين الخلافات القائمة بينهم. اليوم نشهد نوعا من التفكك داخل تحالف قوى التيار الإسلامي مع انسحاب حزب النور وإطلاق قياداته تصريحات لا تقل قساوة عن تصريحات جبهة الإنقاذ الوطني بحق الإخوان. وقد تجاوز بعضهم في تصريحاته جبهة الإنقاذ وهو ينذر بتوجه أكثر قسوة. يقول منظر الدعوة السلفية وعضو مجلس أمنائها الشيخ أحمد فريد إنه نادم على انتخاب محمد مرسي لرئاسة الجمهورية: "والله لو أعرف ما سيحدث من الإخوان ومرسي، كنت انتخبت الفريق شفيق، ودعوت الناس لانتخابه، لو حتى كان هيدخلنا السجون، لأن إفساد عقائد الناس أشد من أن تسجن الناس وتسلب أموالهم، فالبلاء الأشد هو إفساد العقيدة وليس سفك الدماء ". متهماً مرسي بفتح أبواب مصر أمام التشيع لمجرد أن حاول مرسي إعادة وصل العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين إيران ومصر انسجاماً مع سياسته في فتح جسور التواصل مع جميع دول العالم التي قد تساعد مصر على النهوض اقتصادياً مثل روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا. والغريب في موقف الشيخ فريد أنه لم يغضب من محاولة مرسي فتح قنوات تواصل مع روسيا التي يتهمها الإسلاميون بأنها تقف وراء قتل آلاف المسلمين في الشيشان وداغستان وسوريا، ولا الصين التي تعتبر مسؤولة بشكل كبير عن قتل وقمع ملايين المسلمين من الأقلية المسلمة من الإيغور بقدر قلقه من الانفتاح على إيران. الشيخ فريد يجد أن ما يقلقه هو دخول الفكر الشيعي إلى مصر، وهذا القلق بحدّ ذاته يعكس خوفاً غير مبرر ولا مفهوم، خصوصا إذا كان حامل الفكر يرى أنه صاحب الحق والحجة، وفي بلد السواد الأعظم فيه هو على مذهب أهل السنة والجماعة، وكأنه يتعامل مع مصر على أنها دكان مقفلة لا يدخلها داخل إلا عبر بابها في عصر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات المفتوحة وغيرها، مما جعل الإنسان أقرب من أخيه الإنسان أكثر من ذي قبل، وربما تنتهي الحدود وتتلاشى المسافات وتطوى تماما بين أقاصي الأرض لتصبح البشرية تجمعا واحداً لا يفصل بينها فاصل. على أية حال، ما سبق ليس سوى جدل مذهبي لسنا بصدد نقاشه، ولا علاقة له بسياسات الدولة المصرية بقدر ارتباطه بأولويات حاملي الفكر السلفي عن غيرهم من الأحزاب والتيارات الإسلامية. لكن المفيد من بداية التفكك داخل تيار القوى الإسلامية هو أنه يعيد رسم خارطة التحالفات الحزبية خارج إطار البعد الديني إلى البعد السياسي. ربما من مصلحة الدولة المدنية أن ينتهي التحالف بين التيارات الإسلامية حتى لا يبقى الخلاف السياسي في مصر آخذاً طابعاً دينياً كما هو حاصل حاليا. ولعل ابتعاد حزب النور عن الإخوان يخفف الضغط عن الطرفين، فلا يتحمل حزب النور أعباء أخطاء الإخوان في الحكم، ولا يتحمل الإخوان أعباء مواقف حزب النور المتشددة في كثير من القضايا. كما أن انفصال الإسلاميين يعزز من تغيير التحالفات بين القوى السياسية، بحيث يكون في كلّ خندق تيار إسلامي إلى جانب تيارات مدنية، وهو ما تحتاجه مصر في هذه المرحلة.
400
| 27 أبريل 2013
لم يمض وقت طويل بعد على تكليف النائب البيروتي تمّام سلام تشكيل الحكومة. هو لا يزال ضمن دائرة البحبوحة الزمنية الممنوحة عُرفاً لرؤساء الحكومات في تشكيل حكوماتهم. وإذا كان سلام يردّد أن محركات التأليف لم تدر بعد، فهذا لا يعني بحال من الأحوال أن رسائل الطمأنة التي يبعث بها للقوى السياسية وللشعب اللبناني ستخفف منسوب القلق لديهم، وأن أقلامه الملونة التي يعدّها لرسم لوحته الحكومية لن تنكسر أمام جفاف الورق الذي يريد الحفر فيه. تمّام سلام لا يبوح بأكثر من أنه يريد حكومة مصلحة وطنية، مطلقاً العنان للفرقاء السياسيين والمتابعين أن يؤول كلّ منهم وعلى مراده، ووفق ما يهوى، ما الذي يقصده سلام بحكومة المصلحة الوطنية.. تارة نسمع أنه يفكر بحكومة مصغرة من 12 إلى 16 وزيراً، وطوراً يُسرَّب أنه يفكر بحكومة موسعة من 24 إلى ثلاثين وزيراً، وغالباً ما يُنقل عنه أنه يريد حكومة من غير المرشحين إلى المجلس النيابي في أول استحقاق انتخابي قادم. قوى 14 آذار تحاول أن تظهّر نفسها كالأم التي تختبئ عن ولدها خلف أول جدار، وهو يتعثر في خطواته الأولى. يقول تيار المستقبل، الرحم الذي خرج منه سلام: نريد من رئيس الحكومة المكلف أن يشكل حكومة تكنوقراط هدفها الأساسي إجراء الانتخابات بعد إعداد قانون انتخابي تجري على أساسه. قوى 8 آذار تحاول أن تغوص في نوايا خصومها السياسيين، وهي تدرك تماما أن أوراق الجميع في لبنان مكشوفة للجميع. ولهذا فهي ترسل إشارات استباقية تنبيه لسلام من خطو أي خطوة دون مشورتها مؤكدة على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية. فقوى 8 آذار غير مستعدة للتنازل عن حقها في أي حكومة تُشكل، ناسية أو متناسية أن الحكومة التي استقالت بالأمس، كانت حكومة تحد ومن لون واحد، وبعيدة عن أي شراكة مع من تنازعهم اليوم توزيع الحصص في الحكومة العتيدة.. فحكومة سلام ينبغي أن تكون حكومة سياسية، وإلا كيف يسمح لرئيسها أن يكون محسوباً على تيار سياسي، ولا يسمح لوزرائه أن يكونوا من التيارات السياسية الموجودة في البلد، تتساءل قوى 8 آذار؟ حالياً، تعلم مكونات 8 آذار أن من أسقط حكومة ميقاتي هو الحليف السابق لها وليد جنبلاط في سبيل تصحيح علاقته مع السعودية التي قطعها هو نفسه بإسقاط حكومة سعد الحريري، وأن العودة إلى الحكومة العتيدة ليس طمعاً في كعكة الحلوى وإنما قلقاً وريبة من انفراد قوى 14 آذار بطبخات جاهزة داخليا وخارجياً، ولكل حساباته من حزب الله والجبهات السياسية والعسكرية التي يقاتل على ثغورها وصولاً إلى التيار الوطني الحر الذي يرى أنه الممثل الحقيقي للوجود المسيحي في لبنان، وهو لن يسمح أن يُبخس التيار في المكيال ولا في الميزان، طالما أن جردة الحساب عند الناخب المسيحي باتت قريبة. ربما الحرص على الحكومة العتيدة يفسر هذا الانفتاح والتبدل في العلاقة مع السعودية بهذه السرعة.. فلم تعد السعودية مصدراً ومُصدّراً للإرهاب إلى سوريا ولبنان والعالم العربي في أدبيات التيار الوطني الحر، فالسعودية بلد كبير ومعطاء، وجلالة الملك عبدالله هو صاحب القلب الواسع والعقل الراجح.. السعودية طبعاً أعادت التحية بأفضل منها، فسفيرها في لبنان العسيري قال "السعودية ليست على قطيعة مع أي طرف لبناني، والجنرال ميشال عون مرحّب به من قبلنا، كما أي شخصية لبنانية أخرى، بمعزل عن انتمائها السياسي". وإذا صحت التسريبات من أن لقاءات قادمة سوف تجمع السفير السعودي مع قيادات رفيعة في حزب الله، فهذا مؤشر إضافي على أن تحولاً كبيراً في مجرى العلاقات السعودية مع قوى 8 آذار وعلى رأسها حزب الله. والسؤال المطروح: هل سيغير هذا الانفتاح، غير المعروف حدوده وأبعاده، واقع الحال القائم في لبنان؟ وهل سيعيد رسم خطوط التماس والتوتر بين المحاور المتشابكة في الصراع الدائر في سوريا؟ الله أعلم.
355
| 20 أبريل 2013
تسيطر على الأجواء اللبنانية مناخات إيجابية تتسم بالتفاؤل الحذر بعد تسمية تمام سلام رئيسا للحكومة.. موقف حدّ من ارتفاع منسوب التوتر الأمني الذي تصاعد على مدار السنتين الماضيتين في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. جميع الكتل السياسية اليوم تنشد في العلن حكومة وفاق وطني يكون دورها الأساس إجراء الانتخابات النيابية القادمة. وإن اختلف الفرقاء حول شكل الحكومة وحجم أعضائها وبيانها الوزاري. يوم الإثنين الفائت، تمكن مجلس النواب من تعليق مُهل الترشح للبرلمان إلى التاسع عشر من مايو القادم.. أمر عكس ارتياحاً لدى أغلب الكتل السياسية وليس كلها، حيث إن كتلة النضال الوطني التي يتزعمها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قاطعت جلسة مجلس النواب. وقد تعاطف معها نائب رئيس مجلس النواب فريد المكاري المحسوب على تيار المستقبل، وهو ما أثار الريبة من أن يكون بداية التفاهم بين جنبلاط وسعد الحريري، بعد سقوط ميقاتي والتوافق على تمام سلام رئيساً للحكومة، قد دخل في مرحلة الموت السريري. جنبلاط كان استياؤه واضحاً من الحريري حين قال: غلطة الشاطر بألف ومع هكذا علاقات لا تحتاج إلى عدو خارجي. وسبب التباين في وجهات النظر بين جنبلاط والحريري أن الأخير قبل بتعليق المُهل الانتخابية في حين أن جنبلاط كان يريد تمديد المهل خشية أن يفقد ما يعرف "بقانون الستين" الذي سمح له بالحصول على كتلة نيابية لا تقل عن سبعة نواب كانوا بمثابة بيضة القبان في ترجيح محور على آخر وسط الانقسام السياسي بين قوى 14 و8 آذار منذ العام 2008. أما الحديث عن شكل الحكومة التي يرأسها تمام سلام القادم من بيت الوسط، وحجم الكتل داخلها، وطبيعة البيان الوزاري أمور تثير الخلاف السياسي فضلاً أن قانون الانتخاب يظهر المزيد من الانقسام بين قوى الأكثرية والأقلية. رغم ذلك يأمل سلام ألا يكون الإجماع على تشكيلته المرتقبة بأقل من الإجماع الذي ناله رئيساً للحكومة العتيدة، فهل سينجح رئيس الحكومة في إخراج حكومة ضمن المهل المعتادة في تشكيل الحكومات؟ وما هي شكل الحكومة المرتقبة، ما بيانها الوزاري؟ أين هي من النأي بلبنان عما يحيط به من حرائق؟ إلى الآن تمام سلام يتحسس الخطى لتشكيل حكومته العتيدة.. الاستشارات النيابية غير الملزمة انتهت والرؤية باتت واضحةً لدى الرئيس المكلف.. هي حكومة مصلحة وطنية.. شعار يردّده تمّام سلام في كل مناسبة.. فماذا تريدُ أبرزُ الكتلِ السياسيةِ تأثيراً؟ يقول رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد (حزب الله): "في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها تداولنا معه في الكثير من الأمور المتصلة بالحكومة وطبيعتها ومتبنياتها السياسية، وطالبناه بأن تكون حكومة سياسية جامعة تشرف على الانتخابات تدير شؤون البلاد ويتمثل فيها الفرقاء السياسيون بحسب أوزانهم وحضورهم نسبياً في المجلس النيابي". يقف سلام طويلاً أمام المشهد اللبناني فيتحاشى الدّوس على أيّ لغم سياسي قبل أوانه.. من توزيع الحصص داخل الحكومة إلى البيان الوزاري لها إلى معادلة الجيش والشعب والمقاومة.. ملفات ملغومة لا بدّ من فتحها. ينأى سلام حالياً بنفسه عن الخلاف السياسي ما أمكن، فالحكومة المرتقبة لن يكون فيها ثلث معطل، ولن تكون حكومة مغالبة.. هي حكومة انتخابات بالدرجة الأولى. يقول سلام: "إذا طال التأليف أو تعذر وتم التجديد للمجلس النيابي فأنا سأعتذر وأسلّم الأمانة وأقول إن مهمتي انتهت وليأتوا بحكومة تمديد، لأن وظيفة حكومتي هي الانتخابات النيابية وتحقيق الاستقرار". معركة تأليف الحكومة لم تنجح في حجب معركة إقرار قانون للانتخابات، فأي تقدم في إحداهما سينعكس على الأخرى، سلباً كان أو إيجاباً. نجح مجلس النواب في كسب جولة من المعركة، فعلّق المُهل للترشح للبرلمان إلى أمد قريب.. تسوية سياسية لم تكن مكتملة بعد رفض كتلةِ النائبِ وليد جنبلاط السّير بها.. هي فرصة للتوافق على قانون انتخابي مختلط، يقولُ البعض.. وقد تكون مقدمةً لجولة جديدة من الصراع سينعكسُ حتماً لا محالةً على الحكومة القادمة، تأليفاً وتأثيراً.
361
| 13 أبريل 2013
دون سابق إنذار أو توقع.. خرج رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في الثاني والعشرين من الشهر الماضي معلنا استقالة حكومته. الاستقالة جاءت عقب اجتماع حكومي بحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وقبيل يومين فقط من القمة العربية التي عقد مؤخرا في العاصمة القطرية الدوحة.. اللقاء الأخير للحكومة كان عاصفاً، حيث هدد الرئيس سليمان بعدم ترؤس أي اجتماع حكومي قادم إذا لم يكن على رأس مواضيعه المطروحة بت تشكيل لجنة الإشراف على الانتخابات النيابية القادمة، وهو أمر كانت قوى الأكثرية ترفض البت فيه تحت ذرائع متعددة. ما زاد تعكير الأجواء، ورفع منسوب الاحتقان لدى الرئيس نجيب ميقاتي أنه استمهل الرئيس سليمان بالبقاء ريثما تتم مناقشة التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي أشرف ريفي الرجل المحسوب على تيار المستقبل، حيث كان ميقاتي يرغب بالتمديد للريفي خوفا من الفراغ الأمني من ناحية ولأن الريفي أثبت خلال إدارته لمؤسسة الأمن الداخلي أنه رجل أمن مقتدر، فقد لعبت قوى الأمن الداخلي في عهده دورا كبيرا في كشف كثير من شبكات التجسس الإسرائيلية. رفض حلفاء ميقاتي في حزب الله وحركة أمل والتيار والوطني الحر التمديد لريفي وهو ما دفع ميقاتي ليعلن استقالته مبررا بذلك بقوله:"إفساحا في المجال لتشكيل حكومة إنقاذية تمثل فيها كل القوى السياسية اللبنانية، لتتحمل مسؤولية إنقاذ الوطن بما يكفل إطفاء الحرائق ومواكبة الأحداث الإقليمية بروح عالية من المسؤولية الجماعية". الأكثرية صدمت باستقالة ميقاتي ولم تقتنع بالمبررات التي ساقها والبعض اتهم ميقاتي بتلقي كلمة السر من خارج البلاد في إشارة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد كان رد الأكثرية سريعا فقد خرج رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد قائلا: " أراد ميقاتي عدم الفراغ في مؤسسة أمنية فأدخل البلاد كلها في الفراغ". لكن العارفين ببواطن الأمور يعتقدون أن ميقاتي أقدم على الاستقالة حتى لا يكون على رأس حكومة في وقت قريب ستحصل متغيرات كثيرة على الأرض وسيكون لبنان في قلب الصراع السوري لاسيَّما أن القمة العربية منحت مقعد سوريا للمعارضة وأعطت الضوء الأخضر للدول العربية التي ترغب بتسليح المعارضة السورية. وهو احتمال قائم لأن حكومة ميقاتي التي رفعت شعار "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية لم تفلح من طرفي الانقسام اللبناني ورئيسها نجيب ميقاتي سوف يقامر بمستقبله السياسي إذا ما استمر على رأس حكومة في بلد سيكون أول من يتلقى تداعيات الانفجار السوري القادم إذا ما وصلت المعارك إلى قلب العاصمة السورية دمشق. لبنانيا، صراع بين الأكثرية والمعارضة والملفات الشائكة كثيرة، في العلن الطرفان يصران على رفض التأجيل للانتخابات البرلمانية القادمة بعد عدة شهور، أما في الخفاء فكلام آخر يحكى أو يسمع. فالمعارضة تتهم الأكثرية بالرغبة الملحة في تطير الانتخابات البرلمانية، أملا ببقاء الوضع على ما هو عليه ريثما ينقشع غبار المعركة في سوريا في حين تشير الأكثرية للمعارضة بأنها تعرقل أي انتخابات تجرى وفق قانون لا يضمن لها كسب الأغلبية البرلمانية فيه. وسط هذا الصراع، الرئيس سليمان يدعو إلى الاستشارات النيابية الأيام القادمة لتسمية رئيس جديد للحكومة.. الأجواء السياسية حاليا لا توحي باتفاق الأطراف على تسمية شخصية لرئاسة الحكومة القادمة. فالمعارضة تريد حكومة حيادية للإشراف على الانتخابات قد تكون برئاسة شخصية من قوى 14 آذار، كما يقال، بالنسبة للأكثرية. وحقيقة الأمر أن الخلاف بين القوى السياسية يتخطى التوافق على قانون انتخابي أو شكل الحكومة القادمة ليصل إلى كل ما هو سياسي محليا وإقليميا.. ويبدو أن المشهد السوري بكل جزئياته حاضر وبقوة في الخطاب والممارسة والتحالفات والحسابات السياسية الداخلية عند جميع الفرقاء سواء عند من يصف نفسه بأنه سوريا المقاومة قاصدا النظام السوري أو عند من يرى أنه يدعم الشعب السوري في مواجهة آلة القتل اليومية المستمرة. وإلى حين، تبقى مروحة التسميات لرئاسة الحكومة مستمرة والنفاجات قد تكون كثيرة، وليس أقلها إمكانية تمديد موعد الاستشارات النيابية على أمل التوافق على مرشح أو بضعة مرشحين. وهنا ترتفع أسهم الحديث عن صفقة سياسية شاملة تتناول جميع المجالات التي يختلف حولها قوى الأكثرية والمعارضة في ربع الساعة الأخيرة.
384
| 06 أبريل 2013
لم يكن متوقعا أن تسقط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الفائت دون سابق إنذار حيث صمدت في أحلك الظروف وأصعبها.. كثر المراهنون على سقوطها عقب اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع المعلومات قبل عدة شهور لكنها لم تسقط، كما أن تفجر الأوضاع الأمنية من طرابلس شمالا إلى صيدا جنوبا ومن البقاع شرقا إلى بيروت غربا طوال السنتين الماضيتين لم تهز الحكومة هزاً.. صمدت الحكومة، وكان خصومها يواسون أنفسهم بعد فشلهم بإسقاطها، بأنها حكومة ممنوع عليها أن تسقط إقليميا، في إشارة إلى وجود قرار سوري إيراني بالتنسيق مع حزب الله يمنع انهيارها. الآن استقالت حكومة ميقاتي ودخلت طور تصريف الأعمال، ولم يعد ذي جدوى معرفة ما إذا كان ميقاتي أراد قلب الطاولة على رؤوس الجميع بمن فيهم حلفاؤه في قوى ٨ آذار بذريعة عدم رغبة حلفائه في التمديد لمدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي المحسوب على قوى المعارضة قبيل إحالته للتعاقد أو أن حزب الله أراد لهذه الحكومة أن تسقط لأن وظيفتها انتهت وأن المرحلة الحالية تتطلب دخول البلاد في إطار من المراوحة السياسية حتى تتكشف الأمور في سوريا. بل هناك اتهامات لميقاتي نفسه بأنه استقال لتعويم نفسه من جديد لاسيَّما قبيل الانتخابات النيابية، بعد أن قدم نفسه بطلاً أثبت أنه مستقل، وأن حكومته لم تكن يوماً حكومة حزب الله، ولا حكومة سوريا في لبنان، وأن وسطيته التي يتغنى بها هي حقيقة وإستراتيجية عمل على أرض مزروعة بالأفخاخ السياسية والأمنية أينما توجهت. وهكذا يعيد ميقاتي ما خسره من شعبية سنية وتحديدا في مدينة طرابلس مسقط رأسه، وهو يعلم يقينا أن المنافسة مع تيار المستقبل في الانتخابات القادمة ليست نزهة بالمرة. كلام كثير وسيناريوهات وروايات متعددة تنطلق من حدود التضارب إلى حدود التلاقي، لا يمكن أن تستبعد إحداها ولا تجزم بواحدة بعينها دون غيرها. ويبقى التساؤل: ماذا بعد الاستقالة؟ وهل تعتبر الاستقالة هزيمة لحزب الله وحلفائه ونصرا لقوى ١٤ آذار التي لم يكن لها ناقة ولا جمل في إسقاط الحكومة وهي التي منيت بسقوط حكومة الحريري على يد حزب الله؟ وكيف يمكن لهذه القوى أن تستثمر هذا التحول؟ ميقاتي السياسي الماهر والدبلوماسي اللبق سوّق منذ اللحظة الأولى لاستقالته أنه أقدم مرغما على فعلته لأحداث صدمة إيجابية في البلاد، حيث بلغ الجمود السياسي حداً ينذر بانفجار البلد في أي لحظة.. كان لابدّ من الاستقالة لدفع الأطراف مجتمعة للعودة إلى طاولة الحوار التي رعاها رئيس الجمهورية. قوى ١٤آذار سارعت منذ اللحظة الأولى لاستقالة ميقاتي لتقول إنها مستعدة للعودة إلى طاولة الحوار، وأن اللحظة مواتية جداً لتشكيل حكومة حيادية أو إنقاذية أو وحدة وطنية لتحمي لبنان من تداعيات الحريق السوري على امتداد حدودها معه.. لم يخرج حزب الله بموقف واضح سوى إبداء امتعاضه من خطوة ميقاتي الذي أدخل البلد كله في فراغ على حد وصف رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد. أما الحليف ميشال عون فأوحى لمحيطه أنه تنفس الصعداء برحيل ميقاتي حيث تنعدم الكيمياء بين الرجلين. بات الآن من المؤكد تأجيل الانتخابات النيابية التي كان إجراؤها مقررا في يونيو القادم، وأن الخلاف على قانون انتخابي سيبقى قائما، وهو ما يرجح كفة التمديد للمجلس النيابي الحالي، ويبدو أن جميع الفرقاء السياسيين أو أغلبهم له مصلحة بالتمديد لهذا المجلس طالما أنه لم يوفق لتمرير قانون انتخابي يضمن له حصته الحالية في المجلس القادم.. ربما تأتي الأمور بصفقة شاملة يتم فيها التمديد للقادة الأمنيين مقابل التمديد للمجلس النيابي، بما أن الجميع يرى أن الوضع السوري هو الأساس، وأن المتغيرات في سوريا هي من سترسم قواعد اللعبة الجديدة في لبنان.. بهذا المعنى لبنان دخل في غرفة الانتظار التي قد تطول لشهور وربما لأكثر من سنة على أمل أن تتكشف غيوم المعارك في سوريا.. وإلى ذلك الحين سيبقى لبنان في عين العاصفة ونذر التفجير الأمنية ترتفع معدلاتها بصورة قياسية يوما بعد يوم.
347
| 30 مارس 2013
في إطار تحليله للمشهد المصري، رأى "كون هالينان"، المحلل الاستراتجي بمعهد "فورين بوليسي إن فوكس" الأمريكي للأبحاث، أن خطة أمريكية تهدف لدفع الأمور في مصر نحو انقلاب عسكري على حكم الرئيس المصري محمد مرسي.. أدوات المؤامرة هي صندوق النقد الدولي التي تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية نفوذا واسعا في وضع سياساته، يكاد يفوق ما عليه نفوذ بريطانيا وفرنسا مجتمعتين داخل المنظمة الدولية. فصندوق النقد الدولي يشترط على مصر اتباع سياسة تقشفية وتحرير للأسعار، إذا ما أرادت الحكومة المصرية الحصول على قرض الصندوق البالغ 4 مليارات دولار. وتصرّ الولايات المتحدة على مصر للسير بسياسة صندوق النقد إذا أرادت القاهرة دعم واشنطن لها. ويبدو أن مرسي بين نارين، نار التدهور المتسارع للاقتصاد في ظل الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد، ونار تحرير الأسعار ورفع الدعم، وهو ما سيفاقم من تزايد الاضطرابات في الشارع. نعود للمحلل هالينان، الذي يرى في إصرار الصندوق على سياساته الحالية لمساعدة مصر أمراً مثيراً للحيرة، حيث إن خطة الصندوق الإنقاذية تتعارض مع دراسة أجراها مؤخراً كبير الاقتصاديين بالمنظمة، "أوليفر بلانشارد". تخلص الدراسة إلى أن الإنفاق التحفيزي أكثر فعالية في إنعاش الاقتصاد من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب التي لن تؤدي إلا لتفاقم حالة الركود في المجتمع. وفي حال اعتماد مصر خطة الصندوق فإن عدد المتضررين اقتصادياً سيزداد، وسترتفع نسب البطالة، وسينكمش الاقتصاد، ومع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بعد رفع الدعم عنها، سيكون مرسي صنع ضده ثورة شعبية حقيقية هي أقرب ما ستكون إلى "ثورة الجياع" التي تبشر بإرهاصات ولادتها أقطاب المعارضة حالياً. وإن كنت لا أميل إلى منطق المؤامرة في الغالب، إلا أني سأفترض صحة ما ذهب إليه المحلل الأمريكي " كون هالينان" في أن الولايات المتحدة تهدف أصلاً إلى زج الجيش المصري في الصراع السياسي تمهيداً لانقلاب عسكري ضد حكم الإسلاميين. أقول: لنتخيل وفق هذا السيناريو المُعد ما الذي يمكن أن يحصل في مصر والدول العربية؟ سيحصل الانقلاب العسكري في مصر إذا ما استمرت الأزمة على ما هي عليه.. وهذا سيعني قضاءً تاماً على التجربة الديمقراطية التي سيعلن عن وفاتها ومراسيم دفنها لاحقاً.. ولا أظن أن الأمر سيتوقف عند هذه النقطة، أي إقصاء الإسلاميين عن الحياة السياسية واستقدام نخب حاكمة جديدة هي أقرب إلى التوجهات الليبرالية أو اليسارية، بل سيتم زجّ جماعة الإخوان وأخواتها من أنصار تيار الإسلام السياسي في السجون مرة أخرى، ومع العنف الممارس ضد التيار الإسلامي، ستخرج من رحمه مجموعات غاية في التشدد والتطرف وستلجأ إلى العمل السري والعسكري حرصاً على استعادة حق سُرق منها. وهذا يعني بشكل أو بآخر دخول المجتمع المصري في حرب أهلية لن تستكين إلا بتفتيت مصر إلى عدة دويلات مع بروز النزعات الانفصالية عند الأقليات الدينية والعرقية. الحريق لن يبقى في مصر، بل سيتمدد إلى جميع الدول العربية قاطبة، حيث ستزداد القبضة الأمنية لأجهزة الاستخبارات في ملاحقة الإسلاميين خوفاً من تكرار السيناريو المصري، في الوقت الذي سيرتد الإسلاميون في هذه البلدان عن ممارسة الديمقراطية إلى منطق الغلبة السياسية والاستعانة بالقوة العسكرية لتطبيق برامجهم السياسية والاجتماعية في المجتمع. بمعنى آخر وقوع اقتتال أهلي في كل بلد عربي على غرار ما يحصل في سوريا حالياً.. ومع تعميم النموذج ستغرق المنطقة في موجة دموية من القتل والتهجير والتنكيل والتدخل الدولي الذي سيقترح إعادة رسم جديد لخريطة المنطقة، سيكون "سايكس- بيكو2 ". إسرائيل التي تعاني اليوم قلقاً وجودياً سببه العامل الديموغرافي الفلسطيني داخل إسرائيل وفي مناطق الضفة، ستكون في العالم الجديد الدولة الأكبر حجماً والأكثر تفوقاً بعد التقسيم الذي طال الدول العربية والدمار الذي أنهك مقدراتها. وهكذا ستتخلص إسرائيل من قلقها الوجودي وتجد نفسها ومن يدعمها غربياً مؤهلة لإعادة المنطقة إلى دائرة الانتداب بعد أن لاح أمل هذه الشعوب في التحرر من الديكتاتورية والتبعية. مرة أخرى، وأرجو أن أكون مخطئاً، أقول: إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد إجهاض الديمقراطية في العالم العربي وإعادة رسم المنطقة لتكون إسرائيل فيه صاحبة السيادة وبعيدة عن أي تهديد، فليس من مخطط أمثل وأسهل من إقصاء الإسلاميين عن الحكم قسراً، ودفعهم لحمل السلاح في وجه من يريد حرمانهم من حقهم في الحكم..وإن غداً لناظره قريب.
957
| 23 مارس 2013
تحتفل قوى 14 آذار في لبنان بذكرى ولادتها الثامنة في وقت بالغ الحساسية داخلياً وإقليمياً. ففي لبنان وضع أمني يتردى يوماً بعد يوم، ونار الاضطرابات في سوريا تصل ألسنتها لجميع المناطق المتاخمة للحدود مع سوريا، فضلاً عما يحكى عن تورطات لقوى سياسية لبنانية في سوريا..ليس بعيداً عن هذا وذاك الصراع السياسي القائم حول قانون انتخابي تخوض عبره القوى السياسية اللبنانية الانتخابات النيابية القادمة.. الذكرى مصحوبة هذه المرّة بأحمال ثقيلة كادت تودي قبل أيام بالتحالف القائم بين مكونات 14 آذار الداخلية.. مُفجّرُ الخلاف جدلٌ أثير حول قانون انتخابي يعطي لكلّ طائفة الحقّ في انتخاب نوابها.. مسيحيو 14 آذار وجدوا أنفسهم في اصطفاف طائفي إلى جانب خصمهم المسيحي ميشال عون في حفظ حقوق الطائفة بالمناصفة السياسية، خلافاً لموقف تيار المستقبل الذي يعلي من شأن المواطنة على الحسابات الطائفية. سنوات تمر منذ العام 2005، تاريخ ولادة قوى 14 آذار، تتنقل خلالها هذه القوى بين الحكم والمعارضة.. ويوم هبّت نسائم الانتفاضات على العالم العربي، خرجت قياداتُها، تقول زاهيةً: إن ثورة الأرز هي من ألهمت الشعوبَ العربية ربيعَها.. "لبنانُ أولاً" شعار رفعته هذه القوى لتقول: إن لبنان للّبنانيين ولا يجوز لأحد من الخارج أن يتدخل به، كما لا يجوز لأولاده أن يتدخلوا في أي بلد آخر.. لم يصمُد الشعارُ طويلاً. ربما هو قدَرُ لبنان ضمن محيط معقد ومتشابك، وربما هو الامتداد الإيديولوجي والديموغرافي لكثير من شرائحه بما هو عابر لحدوده. خلافاً لقوى 8 آذار التي لم تشهد تفككاً بين مكوناتها، تعرضت قوى 14 آذار التي تشكلت لضربات متعددة، بدأت باغتيالات عدد من نوابها، وصولاً إلى خروج أحد أقطابها منها، رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط.. تلاها إسقاط حكومة سعد الحريري التي تشكلت بعد انتخابات 2009 بعد أن يستقيل ما يزيد على ثلث وزرائها بضغط من حزب الله وحليفه ميشال عون..عقب ذلك تنجح 8 آذار في تشكيل حكومة جديدة، وتتحول 14 آذار إلى المعارضة.. لم يكن أداؤها في المعارضة بأفضل مما كانت عليه في الحكم، فلم تنجح في إسقاط حكومة نجيب ميقاتي، وهي التي تعهدت بإسقاطها. ثم جاء الخلاف بين أحزابها حول قانون الانتخاب الذي أوصل الجبهة إلى حد التصدع لولا خوف جميع مكوناتها على مستقبلهم فيما لو تفرقوا.. ما هو التحدي الذي يواجه 14 آذار بعد أن تخطت العثرات التي واجهتها عبر مسيرتها؟ أظن التحدي هو في الحصول على أغلبية البرلمان القادم إذا نجحت الضغوط الداخلية والخارجية أن تمنع مشروع التمديد للبرلمان الحالي بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث في سوريا. ولا يخفى على أحد أن لا مستقبل لقوى 14 آذار إذا فشلت في الحصول على الأغلبية البرلمانية القادمة أياً كان قانون الانتخاب الذي سيحكم قواعد اللعبة القادمة. 14 آذار تخطط في حال حازت الأغلبية البرلمانية أن تنفرد بتشكيل حكومة من فريق واحد عملاً بما قامت به قوى 8 آذار بعد أن أجهضت حكومة الحريري نهاية العام 2010 وشكلت حكومة ميقاتي التي لا تزال تكافح من أجل بقائها رغم الصراعات بين مكوناتها السياسية والتي انعكست بشكل واضح في موقف وزير خارجيتها عدنان منصور في اجتماعات الجامعة العربية مؤخرا، حين دعا منصور إلى إعادة مقعد سوريا في الجامعة إلى النظام السوري. ستكون حكومة 14 آذار أول حكومة ترفض أن تعترف في بيانها بسلاح حزب الله كما درجت العادة في الحكومات المتعاقبة على إعطاء سلاح حزب الله الشرعية بتصنيفها سلاحا للمقاومة، وهو ما يترتب عليه إجراءات قانونية كثيرة. لا أعتقد وفق هذا السيناريو أن حزب الله سيسمح لحكومة أيا كان لونها في تجريم سلاحه، في حال فشل أصلاً في التأثير على تشكيلها ولونها. ومن هنا فإن السيناريو الأكثر توقعاً هو إجهاض الانتخابات القادمة وتمديد المجلس الحالي إلى أجل غير مسمى.. وإلى حين حلول حسابات الصندوق الانتخابي يوماً ما، على قوى 14 آذار أن يبقى تماسكها على مستوى التحديات الداخلية والخارجية، وهي تعرفها جيداً.
443
| 16 مارس 2013
مصر تنازع أو تعيش آلام المخاض بعد ثورة 25 يناير، أزمات الأرض اجتمعت بها أو ظهرت للعلن دفعة واحدة.. يصرّ الرئيس محمد مرسي على أن الحلول تبدأ من كتابة دستور، وسنّ قوانين تحكم المؤسسات، والسرعة في تشكيل المجلس التشريعي (البرلمان) الذي ستنبثق منه حكومة تشاركه إدارة البلاد. ربما يحتاج مرسي طريقة أخرى في التفكير، طريقة غير نمطية، طريقة فيها مجازفة لاستيلاد حلول إبداعية لمشاكل عصية. يقول البعض إن التجربة التركية ثرية للحكام الجدد في مصر، وهي قد تساعدهم على كيفية بناء الدولة القوية. لا بأس، فالنموذج التركي صاحب تجربة إسلامية ذات خصوصية قد لا يمكن نسخها تماماً لكنها تبقى الأقرب إلى الوضع المصري إذا ما قورنت بتجارب أخرى في العالم الإسلامي. عند وصول رجب طيب أردوغان إلى الحكم، قيل له: إن العراة يملأون شوارع تركيا وأحياءها، فقال أردوغان: "عندما أتيت كان هذا موجوداً ولم أكن سبباً فيه، همّي كيف أحول تركيا إلى دولة اقتصادية تنافس عالمياً".. كان أردوغان صاحب نظرة بعيدة إذ إن البحبوحة الاقتصادية توفر عوامل قوة لصانع السياسة قد لا توفرها جيوش بأكملها. لقد نجح أردوغان في رفع معدلات الدخل الفردي للمواطن التركي ثلاثة أضعاف، ما بين أعوام 2002 و2012م حيث ارتفع معدل الدخل الفردي من 3000 $ إلى 10000$، وهو ما أهّل حزب العدالة والتنمية أن يكتسب شعبية جارفة أبقت الحزب في البرلمان والحكومة والرئاسة لعدة دورات انتخابية. ومكنته من إقصاء الجيش الخصم اللدود للتيار الإسلامي في تركيا. تجربة العدالة والتنمية كانت نسخة مصححة أو معدلة عن عدة تجارب لم يكتب لها النجاح للحركة الإسلامية منذ منتصف التسعينيات مع رائد الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان الذي يشبه في طروحاته كثيراً القيادات الحالية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.. أُسقط أربكان أكثر من مرّة على يد حماة العلمانية من الجيش.. جاءت بعده فكرة العدالة والتنمية التي رأت أن الحلّ لا يكون بالانقلاب الجذري في الحياة السياسية والاجتماعية بل في النهوض بالاقتصاد. في مصر لم يحدث تحول سياسي طبيعي وإنما ثورة، ورغم أن الانتخابات النزيهة والحرة هي التي أوصلت جماعة الإخوان إلى السلطة إلا أنها ليست كافية لنجاح تجربة هؤلاء. بدوره النظام القديم لم يعتبر نفسه انهزم كليا، وإنما خسر جولة في لعبة الملاكمة، ولا ينبغي للحكم الجديد أن يستأنس بوضعه الحالي فيظن أنه انتصر.. ومن طبائع الأمور أن تكون هناك ثورة مضادة تتشكل من مراكز القوى السابقة أو التي تضررت مصالحها من الحكم الجديد، وقد يحصل هناك حالة تحالف بين قوى جديدة وأخرى قديمة لمواجهة الحكم الجديد الذي بدأ بالتشكل. إن أبرز الأسباب التي ولدت الثورات العربية ليس القمع ولا الديكتاتورية المفرطة، وإنما لقمة العيش والبطالة المتزايدة ويأس الشباب من تحسن الأوضاع في المدى المنظور. ولعلّ المحرك الأساسي لكثير من الثورات العربية التدني الملحوظ للقدرة الشرائية عند المواطن بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008. مصر اليوم لا تحتاج إلى أطر تقليدية في إعادة بناء الدولة كما ترى جماعة الإخوان.. كتابة دستور جديد، إجراء انتخابات برلمانية، سنّ قوانين تنظم العمل السياسي، إدارة الدولة بالتحالفات الحزبية.. هذا نمط تقليدي في الحكم وقد تحتاجه دول تعيش استقرارا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. في مصر لا يوجد شيء من هذا.. مصر تحتاج إلى حلول إبداعية غير قائمة على التسلسل المنطقي.. في ظني أن توفير فرص عمل للآلاف من العاطلين عن العمل سيكون له مردود شعبي وسياسي أكثر بمائة مرة من تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية شفافة.. تأهيل السياحة المصرية بأساليب بسيطة مثل رفع تأشيرة الدخول للسياح العرب والأجانب وفتح مراكز تسوق ضخمة موازية لها سيكون له مردود أكثر من وجود رئيس يتورع عن أكل مال الدولة.. مصر فيها 300 ألف بلطجي اليوم هم عبء على الثورة.. والحلّ مع هؤلاء لا يكون بمراقبتهم ورصد تحركاتهم وتنقلاتهم ولكن باحتوائهم عبر توفير فرص عمل لهم تتناسب مع ثقافاتهم وبيئاتهم، حينها نخفف الضغط عن الداخلية والحكومة ونوجد فردا منتجا يخدم الدولة بعمله وليس فردا عبئا على الدولة ومؤسساتها.. مع هؤلاء البلطجية لن ينفع قانون ولا موعظة حسنة ولا وعد ولا وعيد وإنما عمل دءوب.. وقس على ذلك.. الأولوية في اعتقادي هي للشأن الاقتصادي ولا ضير في تأجيل الانتخابات أو تشكيل حكومة وفاق وطني طالما أنها قد تعيد الأمن والاستقرار وتوفر بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية..
294
| 02 مارس 2013
لا شكّ أن الخلاف الناشب حالياً بين مؤسسة الرئاسة، ومن خلفها حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، وبين حزب النور السلفي على خلفية إقالة مستشار الرئيس عن حزب النور الدكتور خالد علم الدين أضرّت بالمشروع الإسلامي "المشروع- الحلم" كما يحلو لتيارات الإسلام السياسي في مصر تسميته، إضراراً بالغ الأهمية قد لا تدرك آثاره في المستقبل المنظور. ربما يقول البعض: إن انفراط تحالفات سياسية ونشوء أخرى أمر طبيعي في عالم السياسة. هذا حق لو كان الأمر جرى كما تجري العادة في ولادة التحالفات السياسية ومماتها، لكن لو تتبعنا حيثيات الإقالة، فيما رشح منها على الأقل، نجد أنفسنا أمام آلية غير سليمة في التعاطي مع الأمور داخل مؤسسة الرئاسة. بيان شديد الضبابية صدر من مؤسسة الرئاسة أثار أسئلة أكثر مما قدم أجوبة.. قيادات في الإخوان والحرية والعدالة قالت إنها لم تكن علم بما أقدم عليه الرئيس مرسي، ولم تطلع على حيثيات الموضوع. بعضٌ منها، وهو الدكتور محمد البلتاجي، طالب الرئيس إما بالاعتذار أو إظهار ما لديه من تحقيقات بحق علم الدين، والمفارقة أن البلتاجي عقب على قوله السابق بأن لديه علم بحيثيات الإقالة دون مزيد من التوضيح.. مفارقة أخرى، فالدكتور البلتاجي ليس عضواً في مؤسسة الرئاسة، ولا يملك أيّ صفة رسمية تخوله الإطلاع على مقررات الرئاسة، وما يدور بين الرئيس ومستشاريه، فمن أين له الحق بالإطلاع على ما ادعى أن له علم به؟ الرئاسة لم تقدم أي شيء ممّا وعدت به بحق الدكتور علم الدين حتى اللحظة، وهو أمر سُرّ له خصوم التيار الإسلامي كثيراً الذين انقسموا ما بين شامتين بما آلت إليه الأمور بين النور والإخوان، وبين نافخ الكير لزيادة الفرقة، ليس حباً في النور ولا حرصاً على نصرة مظلوم. الأدهى مما سبق كلام الدكتور محمد فؤاد جاد الله المستشار القانوني للرئيس أمام "الهيئة الشرعية" التي دخلت على خطّ الوساطة بين النور والرئاسة، التي أرادت أن تطلع على الملفات والمستندات التي تدين علم الدين حيث كان ردّ جاد الله " الأدلة موجودة ولكن تحتاج إلى وقت للكشف عنها لأنها قضايا تمس الأمن القومي وتحتاج إلى إجراءات قانونية لكشفها على الرأي العام" وفقاً لما نقلت صحيفة المصريون الأربعاء الفائت.. فهل يعقل أن أخطاء علم الدين وفساده وصل إلى مستوى يهدد معه "الأمن القومي المصري"، وإذا كان كذلك لماذا تمّ السكوت عليه إلى اليوم؟، لماذا لم تقدمه الرئاسة للقضاء؟ أو، على الأقل، للحزب الذي ينتمي له علم الدين حتى يتخذ بحقه إجراءات عقابية، لأن خطره على حزبه وعلى المشروع الإسلامي برمته سيكون كبيراً، وهذا أقل الواجب نزولا عند القاعدة الشرعية "الضرر يزال "!. لم تفعل الرئاسة لا هذا ولا ذاك، وهو ما زاد الإحراج إحراجاً، وجعل التحليلات تذهب بعيداً عن أخلاقيات الإسلام السياسي في التعاطي، وهو ما يشكل غمزاً ولمزاً من قناة جماعة الإخوان المسلمين.. إن الجرح الذي أصاب حزب النور قد يجعله يعتقد بصدقية من يهمسون في أذنه أن جماعة الإخوان كانت وراء الانشقاق الذي ضرب الحزب بخروج رئيسه عماد عبدالغفور منه وتأسيسه حزب الوطن لأسباب انتخابية قادمة، أو أن الإخوان ممتعضون من تقارب وجهات النظر بين جبهة الإنقاذ وحزب النور الذي يقود مبادرة صلح بين المعارضة والرئاسة. القلق يزداد من أن تكون الأمور داخل مؤسسة الرئاسة لا تقل فوضى عما يعيشه الشارع المصري، وأن أغلب القرارات تُتخذ بطريقة عشوائية في مؤسسة الرئاسة في الوقت الذي يُكثر فيه المتحدثون باسم الرئاسة عن وجود جهات تتآمر على مرسي والإخوان ومصر لإفشال العملية الانتقالية من الثورة إلى الدولة.. أميل شخصياً إلى الاقتناع بوجهة نظر الإخوان بوجود مؤامرة، لكن هل من مبرر لانعدام الشفافية التي وعدت بها مؤسسة الرئاسة أو التعنت غير المفهوم والرفض التام لبعض المطالب المرفوعة من قبل المعارضة، مثل تشكيل حكومة وفاق وطني تهدئ الشارع وتجري انتخابات برلمانية وتحول دون تزايد دعوات للعصيان المدني في أكثر من محافظة؟
421
| 23 فبراير 2013
لا يختلف اثنان على أن مصر تمر بأسوأ ظروفها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية حالياً، ولا يشكل فرقاً مهماً، سواء اتفقنا أو اختلفنا، على أن التخبط الحالي سببه قوى خارجية تضمر للثورة الشرور، أو فلول الحزب الوطني عبر تحريك قطعان البلطجية للتخريب والترويع أو "أخونة الدولة" وعجز التيار الإسلامي عن قيادة مصر. هنا يتوجب طرح حلول غير تقليدية للخروج من الأزمة، على شاكلة: هل بالإمكان تحقيق تسوية بين الثائرين ومن ثارت عليهم مصر؟ بمعنى آخر، هل تتحلى القوى السياسية الحاكمة والمعارضة بالشجاعة التامة لتعلن وبصريح العبارة أن مصر في هذا الظرف العصيب تتطلب مصالحة شاملة بين أبنائها تبدأ مع النظام السابق وأركانه، ومن ثم مع بقية قوى الثورة من أجل مصر هذا البلد الغالي جداً على قلب كل عربي تماماً كما هو غال على قلوب المصريين أنفسهم؟ فمصر إذا ما توصلت إلى مصالحة وطنية تضم جميع أطيافها السياسية بمن فيهم رموز النظام السابق فإنها لن تكون بدعاً من السلوك، ولن تكون الثورة الأولى التي تجري مثل هذه المراجعة، فالكثير من الثورات في العالم أجرت مصالحة بين العهد القديم والجديد في سبيل لمّ شمل الوطن الواحد، وهذا حدث في البلدان التي طالت فيها الحقب الديكتاتورية في أوروبا وفي جنوب إفريقيا. وإذا ما خطت مصر هذه الخطوة، فإنها ستكون رائدة دول الربيع العربي، وهي تستحق هذا اللقب، حيث وصل الاستقطاب السياسي والاجتماعي والإيديولوجي حداً ينذر بانفجار مصر وتشظيها إلى جزر بالغة الصغر، هذا إذا استبعدنا الانهيار الاقتصادي الشامل إذا ما استمر النزيف الحالي. حسناً فعل القضاء المصري حين أفرج عن بعض رموز النظام السابق بعد أن استنفد احتجازهم الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق، ولعله يكون ذلك بادرة حسن نية ومقدمة للإفراج عمن لم تتلوث يده بالفساد، وهذا حق مكفول لأصحابه قبل أن يكون منة من الحكومة، لكن حديثنا هو عمن أفسد مصر ونهب مالها وخرب مجتمعها، هل يمكن التسامح معه والاستفادة منه في بناء مصر الجديدة؟ ما قاله المرشد العام السابق للإخوان المسلمين خلال احتفال جماهيري لحزب الحرية والعدالة قبل عدة أيام من أن الحكومة تستفيد من أعضاء الحزب الوطني الذين لم يتورطوا في ملفات فساد أو قتل خلال حكم الرئيس مبارك، وأنه يدعو الرئيس مرسي للإفراج عن سلفه إذا كان ذلك يساعد مصر على الخروج من أزمتها الحالية خطوة شجاعة يُحمد عليها، كما أن دعوة الدكتور محمد البرادعي القيادي البارز في جبهة الإنقاذ الوطني للتصالح مع الحزب الوطني يعكس مسؤولية واضحة والتزام تجاه مستقبل مصر. لعلّ هذا التوجه يعكس مزاجاً شعبياً عاماً حيث يكشف استطلاعا للرأي أجراه مركز معلومات مجلس الوزراء ونشره مركز الأهرام للدراسات في 6 فبراير الجاري عن تراجع في نسبة المصريين الرافضين للتصالح مع رموز النظام السابق إلى 52% في مارس 2012، مقابل 57% في أغسطس 2011. وأن 29% من المواطنين وافقوا على الإفراج عن المتهمين من رموز النظام السابق نظير استرداد الأموال المنهوبة مقابل 26% كانوا قد وافقوا على ذلك في أغسطس2011. وإذا ما أضفنا للاستطلاع السابق استطلاعا آخر حول تراجع ثقة الجمهور بالحكومة الحالية وبالرئيس مرسي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، يصبح من الملحّ طرح موضوع المصالحة بشكل جدي، فقد بلغ الخوف من انهيار الوضع الاقتصادي حداً مخيفاً حيث كشف الدكتور حاتم القاضي رئيس مركز معلومات مجلس الوزراء عن ارتفاع نسبة المواطنين الذين يرون أن الأوضاع الاقتصادية للدولة حاليا أسوأ من العام الماضي لتصل إلى 60%، حسب استطلاع للرأي تم إجراؤه خلال فبراير الماضي، وذلك مقابل 43% في استطلاع فبراير من العام 2011. نأمل أن يكون تصريح وزير العدل أحمد مكي لقناة العربية قبل أيام حول إمكانية التصالح مع رجل الأعمال الهارب حسين سالم المتورط في قضية بيع الغاز لإسرائيل طالما أن الجريمة ليست مقترنة بدماء، خطوة محسوبة في اتجاه المصالحة، وليس مجرد مبادرات فردية على شاكلة ما يقوم به رجل الأعمال البارز حسن مالك المحسوب على جماعة الإخوان حين أكّد لصحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في 6 فبراير الحالي أن اثنين، على الأقل، من رجال الأعمال المصريين في لندن سيعلنان عن عودتهما قريبا لتسوية خلافاتهما مع الحكومة. أما بخصوص من تورطت يده بدماء المصريين، فإن صاحب الحق في الصفح عنه هو صاحب الدمّ بالدرجة الأولى، ولعل الوصول إلى تفاهم حول دفع الديّات أو عرض العفو على مبارك عبر استفتاء شعبي قد يساعد في حلّ هذه الأزمة، وربما يخفف من التشنج القائم بين مصر وبعض دول الخليج، ويعيد الثقة للعالم بمصر ما بعد الثورة.
472
| 16 فبراير 2013
مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
1131
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...
1011
| 22 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
684
| 18 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
660
| 19 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
651
| 18 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...
648
| 21 ديسمبر 2025
هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...
588
| 19 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
522
| 18 ديسمبر 2025
-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...
495
| 23 ديسمبر 2025
في اليوم الوطني، كثيرًا ما نتوقف عند ما...
438
| 18 ديسمبر 2025
في مجتمعاتنا العربية، لا يُقاس النجاح غالبًا بما...
405
| 17 ديسمبر 2025
تحتفل قطر هذا العام باليوم الوطني والتي شعارها...
387
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية