رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الأزمة الأردنية والحلّ المنشود

هل الأردن بخير هذه الأيام؟! نتمنى أن يكون كذلك هو وكلّ قطر عربي، لكنّ ما يعيشه الأردن لا يشي أن الأمور بخير.. قبل أيام كلّف الملك الأردني الدكتور عبد الله النسور بتأليف الحكومة خلفاً لحكومة فايز الطراونة التي وجدت نفسها بحكم المستقيلة وفقاً للدستور بعد أن حلّ الملك البرلمان القائم. عمر الحكومة التي شكلها النسور لن تزيد على أربعة أشهر كأقصى حد، والمفارقة أن الحكومة الحالية هي خامس الحكومات الأردنية تشكُلاً منذ بدء الربيع العربي، تلك الحكومات التي لم تأت واحدة منها إلا وكان الإصلاحُ الشامل مقصداً لسيرها إلا أنها ذهبت بين الإقالة والاستقالة قبل أن تبصر حكومة النسور النور فوق رماد من سبقها. الملفات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالقة في الأردن لا تزال كما هي منذ بدء الربيع العربي، والتحديات تزداد إلحاحاً مع اضطرار الحكومة رفع أسعار السلع الأساسية والمشتقات النفطية إذا ما خضعت لتوصيات البنك الدولي الذي يستعد لإقراض المملكة عدة مليارات، وسيف الوقت يهوي بأسرع من رجع الصدى إذ إن الشارع الأردني يترقب قلقاً من أن تكون الحكومة الحالية كأخواتها في المهادنة، في حين أن المعارضة وعلى رأسها جبهة العمل الإسلامي تتمنع عن التعاون مع الحكومة الحالية، مطالبة بأن تكفّ دوائر صنع القرار عن المماطلة، وأن تبدأ بعملية إصلاح حقيقي. لا يعقل أن القصر الملكي لا يدرك أن الحلّ ليس بذهاب حكومة وإتيان أخرى طالما أن الحكومات جميعها مرغمة على السير بقانون انتخاب الصوت الواحد الذي لا يوجد مثيل له في أغلب دول العالم، ذاك القانون الذي سُنّ لإقصاء المعارضة وتحجيم حضورها تحت قبة البرلمان في غابر الأيام، يوم كانت الشعوب العربية تتلظى تحت ضربات النظم المستبدة. اليوم الأمور تبدلت، وما بات يرفع في الساحات والميادين كان من المحرمات قبلاً، وعلى دوائر صنع القرار في المملكة إدراك أن الأمور ما زال بالإمكان السيطرة عليها، وليس من الضعف أو سوء التقدير تلبية مطالب الشارع المنتفض حيث لا تزال تلك المطالب تقف عند حدود "الملكية البرلمانية" التي يحق فيها للأغلبية البرلمانية تسمية رئيس الحكومة ووضع برنامجه السياسي. يبدو أن دائرة مستشاري القصر لا تزال مقتنعة أنه بالإمكان التحايل على المطالب المرفوعة، مراهنين على تقطيع الوقت بين تشكيل الحكومات وإجراء الانتخابات البرلمانية الواحدة تلو الأخرى في الوقت الذي تصرّ فيه المعارضة على عدم المشاركة في أي انتخابات قانونها الصوت الواحد. لقد أخفق البرلمان الحالي الذي قاطعته المعارضة، كما أخفقت الحكومات الأربعة التي تم تشكيلها قبل حكومة النسور في معالجة أي من القضايا طالما أنها مقيدة اليد، ولا تجد تعاونا من قبل المعارضة، وباتت الحكومات الأردنية بين فكي كماشة، دائرة صنع القرار المتمثلة بالأجهزة الأمنية أو القصر من ناحية والمعارضة من ناحية أخرى. وسط هذه العلبة تحاول دوائر صنع القرار تخويف الأردنيين من أي تغيير على التركيبة الأردنية في حين تدغدغ قوى المعارضة أحلام الشارع بأنها الأقدر على تحقيق تطلعاته في حكم نفسه بنفسه ضمن دولة ملكية، يكون فيها الملك حكماً بين السلطات الحاكمة وراعياً للدستور وليس خصماً بين المتصارعين على السلطة. المطلوب اليوم وقفة جريئة من الملك الأردني والكفّ عن السمّاع للمستشارين لأن الأزمة طالت، ولا يبدو أن في الأفق مجالا لحلّها إذا لم يتمّ التنازل عن بعض المكتسبات، وبناء دولة جديدة يقدر فيها الشعب الملك، ويقوم الملك برعاية الشعب من خلال السهر على سير عمل السلطات، وإلاّ فإن القلق أكيد من خروج الأمور عن السيطرة إذ إن أحداث سوريا ليست بعيدة، وعدد اللاجئين السوريين في الأردن يزداد يوما بعد يوم، وهو يُذكّر بما كان عليه وضع الشعب الفلسطيني حين لجأ إلى الأردن على أمل العودة، في حين أن مصلحة الغرب كانت في إغراق الدول المحيطة بإسرائيل بقضايا داخلية تشغلها بنفسها، هذا فضلاً عن إمكانية تسلّل الفكر الجهادي من سوريا ليضرب أول ما يضرب في الدول المجاورة.

376

| 19 أكتوبر 2012

الأزمة السورية في الملعب العراقي

رويداً رويداً تلقي الأزمة السورية بظلالها على دول الجوار تركيا، لبنان، الأردن، والعراق، فبعض هذه الدول تلملم ثوبها خشية أن تطالَها ألسنةُ اللّهب المنبعثة، وبعضها ترمي بنفسها في لجّة الصراع على القاعدة القائلة: الهجومُ أفضل وسيلة للدفاع. ولا يستطيع أحد أن يجزم على أيهم ستكون الأزمة وتداعياتها أكثر خطورة، فالحديث القديم أن تركيا مستبعدة من أي تداعيات للأزمة السورية، لأنها دولة قوية ولديها جيش واقتصاد قويان، وفوق ذلك هي دولة تحكمها حكومة مسنجمة مع شعبها وأتت بطريقة ديمقراطية لا غبار عليها.. رغم كل ما قيل عن قدرة تركيا على تجاوز الأزمة السورية وعدم تأثرها فيها حينما بدأت الأحداث في سوريا إلا أننا نجدها اليوم من أكثر دول الجوار تأثراً وتأثيراً في الوضع السوري. قد يقول قائل هذا لأنها – أي تركيا- تملك رؤية واضحة، كما بيدها زمام المبادرة، وترى نفسها قادرة على أن تكون لاعبا قويا في المشهد السوري لما له من تأثير عليها وعلى المنطقة ككل.. قد يكون الأمر صحيحاً، لكن ممّا يسلّم به الجميع أن سياسة "تصفير المشاكل" التي ابتدعها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو فشلت فشلا ذريعاً في الأزمة السورية. أما بالنسبة للدول الأخرى مثل لبنان والأردن، فإن قادة هذين البلدين يحبسان أنفاسهما مع اقتراب النار السورية إلى حدودهما، وهو أمر محقق إذا ما تأملنا هذا العدد الكبير من اللاجئين المتدفقين، وعدم القدرة على ضبط الحدود مع سوريا بشكل تام ودائم لما فيه من تداخل جغرافي وديمغرافي. لعلّ العراق من بين هذه الدول هو الأكثر حساسية قلقاً من تطورات الأحداث، فالبلدُ لم يتعاف بعد من جراحات الاحتلال والانقسام السياسي بين طوائفه ومكوناته السياسية، وشعبه منفرط عقده ما بين مؤيد للنظام السوري في القضاء على ما يسميه بالمؤامرة الخارجية على سويا الأسد، وبين مساند لثورة يقول إن الشعب فيها ينتفض على الديكتاتورية والاستبداد، وسط هذه التناقضات والتقلبات السياسية تجد نفسها حكومة نوري المالكي، وهي صاحبة مبادرة الحلّ السياسي كما يحلو لها أن تصف دورها في الأزمة، متسلحة بالشرعية العربية باعتبار أنها تترأس الدورة الحالية للجامعة العربية، وهي تصر على أن ينطلق الحلّ من وثيقة جنيف التي هندسها سلف الأخضر الإبراهيمي كوفي عنان. أنصار نوري المالكي كما هو حال ائتلاف دولة القانون يبررون الموقف العراقي الرسمي الذي يراه البعض قريبا من طروحات إيران فيما يتعلق بالأزمة السورية، خصوصاً حين يتم الحديث عن تسليح المعارضة السورية ووجود جماعات مسلحة، دون أن يتوقفوا عند الاتهامات الأمريكية للعراق بالسماح لطائرات إيرانية محملة بالسلاح والعتاد وقوات الحرس الثوري في إطار توجهها إلى سوريا، فضلاً عن تزويد العراق للنظام السوري بما يحتاجه من وقود وبأسعار تفضيلية، ثم يكون الحديث بعدها عن موقف عراقي محايد ينطلق من قناعة الحكومة بضرورة عدم التدخل في شؤون دول الجوار. ما لا يقرّ به العراقيون هو قلقهم العميق من ظهور نظام سنيّ متشدد في سوريا في حال سقط النظام الحالي، بحيث يشكل ضغطا قويا على العراق وتركيبته السياسية، وما أفضت إليه الصراعات الأمريكية الإيرانية على الأرض العراقية، ويصبح القلق مؤكداً إذا ما تشاركت الجماعات الجهادية بين العراق وسوريا الخبرة وتمددت عبر الحدود، وهو ما سيبث الروح في التيار السنيّ الرافض للعملية السياسية برمتها أو لأي قواعد جديدة، تمّ إفرازها مع انهيار النظام السابق. ولعلّ الولايات المتحدة، اللاعب القوي في العراق، تغض الطرف عن التقارب الإيراني - العراقي، أملاً في استمرار عمليات التفاوض بينها وبين الإيرانيين حول الملف النووي داخل البيت العراقي بعد أن ساءت العلاقة بين تركيا وإيران، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تدرك أن المالكي يعلم أن لا أحد قادرا على لجم الرغبة الكردية في الانفصال التامّ عن الدولة المركزية إلا الأمريكان، ومن هنا يبدو أن المالكي يجيد اللعبة جيداً، ويحاول أن يلعب وفق قواعدها المرسومة.

974

| 13 أكتوبر 2012

الجدل الأفلاطوني حول الدول والمقاومة

لم يكن الأسبوع الماضي سهلا قضاؤه على حزب الله في لبنان ولربما لم يحمل فألا حسنا للحزب قياسا على ما مر من أيام منذ تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي وبدء الأزمة السورية.. فالحزب كان محط نظر شديد سياسيا وإعلاميا خلال الأسبوع الفائت بشكل لم يسبق له منذ عدة شهور. انفجار مستودع للأسلحة في منطقة النبي شيت في الجنوب يوم الأربعاء الماضي أودى بحياة عدد من محازبيه، الحزب أعلن الخبر في بيان بعد وقت قصير من الحادثة، خلافا لما سبق في الحوادث المتشابهة. وكان الحزب قبل يوم واحد يشيع قيادي في جناحه العسكري، قال تليفزيون المنار التابع للحزب، إنه قضي خلال مهمة جهادية، دون أن يوضح أين ومتى. واللافت هنا أن الحزب، فيما أعلم، لأول مرة يصرح عن سقوط شهداء له في مهمات جهادية ليست مع الاحتلال الإسرائيلي. يوم الحادثة هذه، قدر لي أن استمع في ندوة سياسية إلى محاضرة للوزير محمد فنيش أحد قيادات حزب الله.. الندوة التي عقدت بمركز مؤسسة الحكيم العراقية في العاصمة بيروت دارت حول رؤية حزب الله للأوضاع في لبنان والتحديات الداخلية التي تواجه الحزب في التعاطي مع القضايا المستجدة.. يُعرف عن الوزير فنيش أنه رجل دمث ومهذب، ومن أقل وجوه حزب الله استفزازا لخصومهم السياسيين، وقد شرح بشكل مستفيض حرص الحزب على السلم الأهلي وضمان الأمن والاستقرار في لبنان وكيف أن الحزب نجح في حماية لبنان من تسلل الأحداث الأمنية في سوريا إليه على عكس ما هو معروف عن لبنان بأنه مسرح للصراعات السياسية وساحة لتصفية الحسابات بين الدول العربية وفقا لما عايشه لبنان منذ ثورة ١٩٥٨ مرورا بأحداث السبعينات وصولا إلى اتفاق الطائف. ما لفتني خلال محاضرة فنيش ليس الحديث عن قانون الانتخاب قبل سنة من الاستحقاق النيابي، ولا الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع اللبناني ولا موقف الحزب من الأحداث السورية حيث قال الوزير إن الحزب ما يهمه هو أن تبقى سوريا دولة مقاومة وأنه دعا المعارضة والنظام للجلوس على طاولة الحوار وحماية سوريا من الدمار، ولكن لفتني إجابته على سؤال طُرح عليه من قبل أحد الحاضرين إذ قال السائل: تعرفون أن الشعب اللبناني منقسم بين قوى ١٤ آذار و٨ آذار ، وبطبيعة الحال هناك انقسام حول المقاومة وسلاح الحزب.. هل أنتم مستعدون للذهاب إلى استفتاء شعبي حول المقاومة؟ قبل أن يجيب الوزير، على لغط بين الحضور وبعضهم انبرى للإجابة باستنكار: هل هناك مقاومة في العالم ترضى بالاستفتاء عليها؟ ألم يسبق أن حكمت المقاومات بلادها في أوروبا وإفريقيا وآسيا بعد تحريرها من المحتل؟ وهل يعقل أن يتم الاستفتاء على شرعية المقاومة.. متى أصبحت المقاومة وجهة نظر حتى يستفتى عليها؟ طبعا مداخلات الحضور بين السائل والوزير لم تكن مفاجئة من حيث الطرح إذ أن البيئة الحاضنة لحزب الله تعج بهذه الإجابات حين يتعلق الأمر بالمقاومة وسلاحها. المفاجأة أن الوزير التفت إلى السائل وقال بهدوء: نعم لا مشكلة لدينا، نحن مع أي استفتاء شعبي حول المقاومة إذا كان سيحسم الجدل الدائر حول المقاومة، فنحن على يقين أن خيارات الشعب اللبناني تنحاز للمقاومة لكن هل يرضى الطرف الآخر، أي الخصوم السياسيون، الاستفتاء لسحب موضوع المقاومة من السجال؟ انتهى كلام الوزير. لم أكد أصدق ما سمعته أذناي، هل الحزب مستعد لاستفتاء شعبي حول سلاحه؟ لما لا؟ لعلها مبادرة قد تنهي الجدل السياسي والانقسام الحاد في المجتمع اللبناني تماماً فإذا كان الشعب اللبناني بغالبيته مع بقاء سلاح المقاومة بيد حزب الله فلماذا هذا التحامل على حزب الله، وإذا كان غالبية الشعب اللبناني صوت ضد بقاء هذا السلاح بيد الحزب وأن ينقل إلى الجيش اللبناني، حينها لن يكون لحزب الله أي ذريعة في بقاء سلاحه خارج الدولة.. أعتقد أن من الحكمة والذكاء السياسي تلقف كلمة الوزير فنيش لإخراج الشعب اللبناني من عنق الزجاجة والجدل الأفلاطوني حول الدول والمقاومة وأين يبدأ دور الأولى وينتهي دور الثانية؟!

517

| 05 أكتوبر 2012

من منهل الأقليات!

ثمة صراع طائفي يجتاح الأمة العربية فكرياً وجغرافياً، وقد ازداد الأمر شراسة خلال السنتين الماضيتين بشكل لا مثيل له خصوصاً مع تصاعد الأحداث في سوريا لأسباب معروفة للجميع. ومع تزايد الصراع يتلاشى مفهوم الوطنية والمواطنة، وتعلو الحسابات الفئوية غيرها من الاعتبارات. والأقلية أو الطائفة مكون اجتماعي يشترك أفراده في أكثر من مقوم من مقومات التاريخ واللغة والعرق والدين. ولا يقصد بالأقلية الجماعة الأقل عدداً، وإنما هي المجموعة الأقل تأثيراً، والأكثر تهميشاً، والخاضعة لإرادة الجماعة المسيطرة التي تتحكم في صيرورة المجتمع. ولبنان في نموذجه ليس سوى تجمع لطوائف متعددة لا يمكن لطائفة مهما بلغ حجمها أن تنفرد بإدارة أجهزة الحكم ومؤسسات الدولة بمعزل عن الطوائف الأخرى دون فائض قوة تناله. ولطالما كانت إثارة القلاقل تنطلق من الاختلافات الثقافية أو الاجتماعية أو العرقية أو اللغوية. وقد وجدت القوى الغربية في التنوع الديني الموجود في جبل لبنان وساحله أرضاً خصبة لخلق الصراع الداخلي. وقد نجحت في تحويل التنوع الديني إلى مكونات سياسية تنضح فيه الطائفية والمذهبية. وقد ترك ذلك تشوهاً كبيراً في طبيعة العلاقات التي تربط المجتمعات والطوائف اللبنانية ببعضها بشكل عام، حيث عملت على استغلال التنوعات الدينية والثقافية والاجتماعية بين الكيانات داخل القطر الواحد، وحولتها إلى تناقضات لا تقبل التعايش فيما بينها. وهكذا لعبت العوامل التاريخية وإفرزات الرعاية الخارجية للبنان دوراً أساسياً في ولادة مناخ انعدمت الثقة فيه بين الطوائف بمكوناتها الدينية والسياسية، وتضخمت الأنا الطائفية للعقل الجمعي للطوائف بحيث أصبح ربط مصير الطائفة بمثيلاتها في الدول الأخرى أمراً مُلحاً لتحقيق استمرارها وحماية خصوصيتها. ولأسباب، منها وجود القادة الدينيين والروحيين لهذا الطوائف خارج لبنان، تشكلت قناعات لدى كل طائفة، بحيث تصبح جزءاً لا يتجزأ من تفكيرها وهويتها الثقافية، كأن يقال: إن تحكم أي أقلية دينية أو عرقية أو ثقافية في بلد عربي سيكون الضامن لحقوق بقية الأقليات في المنطقة ومنها لبنان، دون أن يتم الالتفات لحقوق الأغلبية أو لقبح الوسائل التي تحتاجها الأقلية في حكمها مثل انتهاج الديكتاتورية نظاماً، وممارسة الإقصاء للأغلبية من مراكز القوة والنفوذ فضلاً عن التهميش الاجتماعي والاقتصادي. وهذا المنطق في الحقيقة لا يختلف بتاتاً عمّا تطرحه إسرائيل وتروج له في المنطقة وهي التي نشطت خلال الحرب اللبنانية على إقناع المسيحيين الموارنة أن قيام دولة مسيحية خالصة لهم في لبنان هي الضامن لبقائهم. ولا شيء قد يخدم فكرة إسرائيل العنصرية، ويعطي المبرر والشرعية لوجودها مثل وجود دويلات في المنطقة على أساس عرقي أو ديني. وتبدأ الطوائف المتضررة من أي تغير يحصل في المنطقة، بسرد مجموعة من القناعات تبرر فيها مواقفها الداعمة للمتسلط المتحكم، مثل شيطنة الحراك الثوري في البلدان التي تشهد عملا ثورياً، أو تعمد الخلط بين الإسلام السياسي المعتدل للتخويف من الحاكم القادم، أو تضخيم هواجس الأٌقليات بحيث تصبح المطالبة بالحرية والديمقراطية ترفا فكريا في مقابل حماية الهوية الذاتية. إن من شأن "التفكير الطائفي" أو منطلق "الأقلية" و "الأكثرية" تعزيز ثقافة الصراع داخل بنية المجتمع نفسه. وقد نجح هذا المنطق "الثنائية الضدية" في تكريس معادلة فلسفية، تتحكم في سلوكيات أفراد المجتمع الواحد، فأضحى الاختلاف وباء، والتطابق صحة وعافية، في حين أن الاختلاف ثراءً وخصوبة، كما أن التطابق عقماً وجموداً. ودواؤنا في لبنان والعالم العربي ليس بإقصاء الأكثرية للأقلية، أو تآمر الأقلية على الأكثرية، وإنما في التخلص من المنطق العددي في النظرة للإنسان وقيمه الاجتماعية والفكرية، والرهان بدلاً من ذلك على مفهوم العيش الواحد بين مختلف أبناء الوطن والتعالي عن الغرائز الطائفية والمذهبية الضيقة إلى أفق أرحب وأوسع فيه سعادة الجميع.

356

| 28 سبتمبر 2012

الإسلام حضارة واحدة أم حضارات؟

استوقفني حديث الرئيس الفرنسي عن الإسلام خلال افتتاحه قسم "فنون الإسلام " المخصص للآثار الإسلامية في متحف اللوفر في فرنسا الأسبوع الفائت، والذي شارك بتمويله كلّ من المغرب والسعودية والكويت وسلطنة عمان، حيث يشتمل القسم على ثلاثة آلاف قطعة فنية إسلامية. لاشك أن الحدث كان مناسباً ليتحدث الرئيس الفرنسي عن الإسلام، في وقت يعيش العالم الإسلامي حراكاً سياسياً واجتماعيا ًعلى وقع الفيلم المسيء للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. يذهب هولند في تصوراته أن الإسلام ليس فيه حضارة واحدة أو ثقافة واحدة بل حضارات وثقافات مثل الحضارة المملوكية والأندلسية والفارسية والعثمانية. وهذه الحضارات هي أكثر حيوية وتسامحاً من بعض حاملي الفكر الإسلامي الذين يطرحونه على الشعوب والمجتمعات، واصفاً إياهم بالظلامية التي تهدم قيم الإسلام بما تحمله من حقد وعنف، متحدثاً عن "روابط ومراسلات لا تحصى بين أوروبا المسيحية والإسلام". ويخرج هولند بنظرية تقول "إن السلاح الأكثر فعالية لمواجهة ربط الإسلام بالتعصب يكمن في الإسلام نفسه، إن الحضارات ليست كتلا تصطدم ببعضها البعض، بل هي تلتقي وتتحاور فيما بينها كي تتقدم". ما يطرحه الرئيس الفرنسي فيه كثير من النقاط التي تحتاج إلى تمعن وتأمل، وهي إن لم تكن جديدة إذ سبقه كثير من المستشرقين لها إلاّ أنها قد تكون منطلقاً لمراجعة بعض مسلمات حركات الإسلام السياسي التي تنطلق أدبياتها الفكرية والسياسية من أن الإسلام صاحب حضارة واحدة وثقافة واحدة استطاعت أن تذيب الثقافات الخاصة بالمجتمعات التي دخلها الإسلام في بوتقة واحدة تسمى الحضارة الإسلامية التي عاشت في جميع الحقب التاريخية من الأمويين فالعباسيين فالمماليك وصولاً إلى العثمانيين قبل أن تنهار الخلافة الإسلامية مطلع القرن العشرين. ومن المعلوم أن مفهومي "الحضارة" و"الثقافة " غير منضبط علمياً، وهناك تعريفات عديدة لكل من المفهومين، والبعض يخلط بين "المدنية" و"الحضارة"، ولسنا هنا في وارد مناصرة تعريف على آخر، لكن يكفي القول إن عدم التوافق على مفهوم المصطلح يسقط الحجة في الاعتماد أو البناء عليه. وسأكتفي هنا في نقاش بعض موجبات المفهوم عند الإسلاميين أو تيارات الإسلام السياسي، إذ يغلب على ظني أن هؤلاء خلطوا بين الإسلام كمنظومة فكرية وبين تطبيق المسلمين لمفاهيمه في مراحله التاريخية، وكأن الحديث عن حضارات متعددة في الإسلام يستلزم التعدد في الدين ذاته، وهذا الربط ليس دقيقاً حيث يفترض التفريق بين الإسلام بما يشتمل عليه من قرآن وسنة صحيحة ثابتة وبين مفهوم جماعة وتطبيقها له في حقبة تاريخية ما، مثل حقبة الأمويين بما فيها من مدارس فكرية أو حقبة العباسيين أو غيرها، لأن حصر الإسلام ومفاهيمه بحدود مفهوم هذا الجيل أو ذاك يعني الحكم على الإسلام بالجمود أو القصور لأن الإنسان مهما بلغ من نضوج فكري سيبقى لمن جاء بعده القدرة على أن يكون أكثر نضجاً في حال بنى على من سبق من تجارب مضيفاً له تجاربه الخاصة. وبالتالي إن التفريق بين الإسلام وتطبيق جماعة له في حقبة تاريخية ما، يرفع الحرج عن الدين نفسه في حال أساءت هذه الجماعة تطبيقه، كما أنه يجعل النص محرراً من أي قيد سوى القيود التي وضعها الشارع كآليات لفهم النص ومقاربة مراده. وحين يتم الفصل بين الدين كنص سماوي وبين مفهوم حامليه يمكن الحديث حينها عن وجود حضارات في الإسلام وثقافات متعددة تولدت من المزج بين الإسلام بقيمه ومبادئه وبين الموروث الشعبي من عادات وتقاليد شكلت هوية المجتمع عبر تاريخه وميزته عن المجتمعات الأخرى، لكنها ليست متناقضة إذ جميعها تخرج من مشكاة واحدة هي الإسلام بما يحمله من تصورات للكون والحياة والإنسان. الإسلاميون وإن كانوا لا يتبنون طروحات صموئيل هنتجتون في صدام الحضارات إلا أنهم يعيشونها واقعاً في تعاطيهم مع غير المسلمين من أصحاب الديانات والمذاهب الفلسفية وهم يسقطونها على دول وقارات، ويبنون تصوراتهم اعتماداً على النص الديني مثل قوله تعالى "ليميز الخبيث من الطيب " أو قوله تعالى " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ". ولعل من فوائد الحديث عن حضارات متعددة حمل الإسلاميين على عدم تصنيف الغرب وشعوبه ودوله بأنهم أصحاب حضارة واحدة كما أن التمييز بين الحضارة والدين يسمح لأصحاب الديانات غير المسلمة داخل الدول الإسلامية أن تكون جزءا من الحضارة التي يحملونها.

1136

| 22 سبتمبر 2012

فيلم آخر مسيء للمسلمين!

أنا واحد من كثيرين، على ما أعتقد، كانوا لا يعلمون شيئاً لا من قريب ولا بعيد حول الفيلم الذي تظاهر، اعتراضاً عليه، العشرات وربما المئات في مصر ثم في ليبيا، وأدى إلى هذه البلبلة، لا سيما في ليبيا بعد الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي . ولولا هذه الاحتجاجات لما سمعنا عن الفيلم قياساً على غيره من الأفلام التي تنتج سنوياً في العالم. فمن منّا كان يعلم عن الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام والتي قامت الدنيا ولم تقعد لولا أن حفنة من المسلمين أرادوا الردّ عليها واعتبروها استيلادا جديدا للحرب الصليبية؟ . الأمر نفسه حصل مع الفيلم الهولندي الذي أنتجه سياسي مغمور يدعى فيلدرز في 2008 حيث تسلق على ظهر المسلمين للوصول إلى الشهرة . ولعل القس الأمريكي جيري جونز اكتشف السرّ بعده بعام، فسعى للحصول على تمويل كنيسته واكتساب شهرته من خلال حرق المصاحف بعد أن دعا وسائل الإعلام لتغطية الحدث. ويأتي هذا المنتج المغمور ليبني شهرته سالكاً نفس الطريق . المعلومات القليلة التي أوردتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر يوم الأربعاء الفائت بعد حوار أجرته مع منتج الفيلم، تقول إن فيلم "براءة المسلمين" أخرجه وأنتجه سام باسيل وهو إسرائيلي- أمريكي (54 عاما) . ويعتقد منتجه أن الإسلام "دين كراهية" وهو بمثابة سرطان ينبغي استئصاله. وقد جمع المنتج خمسة ملايين دولار من 100 مانح يهودي لتمويل الفيلم الذي يستغرق ساعتين. الخطورة في الموضوع الحالي خلافاً لكلّ الإنتاجات السابقة المسيئة للإسلام هو ما يحكي عن تورط أشخاص مصريين من بعض الأقباط الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة في إنتاج الفيلم وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول حقيقة من يقف وراء الفيلم وما إذا كان الأمر مجرد كره للإسلام كدين أم أن أهدافا سياسية تتلبس لبوس حرية الرأي والتعبير تقوم بذلك. ومعروف أن عدداً من الأقباط الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة قديما، شكلوا بالتعاون والتنسيق مع جهات أمريكية ويهودية لوبيات للضغط على الإدارة الأمريكية للتدخل في شؤون أقباط مصر خلال عهدي أنور السادات وحسني مبارك. ثم جاء عهد الإخوان فكان لا بد من إعادة الزخم لهذا الضغط للتهويل من الإسلام وشيطنة التيارات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين الذين قدموا إلى الحكم مؤخراً.. ويزداد الأمر خطورة حين يتم توجيه تهم لعدد من الأقباط المتورطين بإنتاج الفيلم بالتعاون مع أمريكيين للتخطيط لتقسيم مصر إلى عدة دول على أساس ديني وعرقي. يذكرنا هذا بما كشفت عنه المخابرات المصرية قبل عدة شهور حين قامت بحملة ضد مؤسسات مجتمع مدني مدعومة من الولايات المتحدة واكتشفت أنه يوجد بحوزة بعض منها خرائط لمصر مقسمة على أساس عرقي وديني. ثم إن توقيت نشر مقطع من الفيلم على اليوتيوب في ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر يجدد الغضب الغربي على كل ما يرتبط بالثقافة الإسلامية. فالتوقيت وارتباط حفنة من أقباط مصر به يزيد من عناصر الريبة والشك تجاه الجهات التي تقف وراء هذا المشروع . ويبدو لي أن القلق الإسرائيلي، بالتعاون مع هذه اللوبيات في الغرب، من أي تحول غربي في التعاطي مع العالم العربي بعد الثورات العربية، إضافة لحرص إسرائيل على خلق القلاقل داخل الدول العربية هو السبب وراء افتعال هذا النوع من الأزمات . فالشارع العربي يغلي على وقع الثورات العربية والمتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة، وقد جاء الفيلم المسيء للرسول الأكرم عليه الصلاة السلام ليؤجج من غليان الشارع وتحديدا في البلدان التي شهدت ثورات مثل مصر وليبيا وتونس .. وبما أن من يحرك الشارع اليوم هو التيارات الإسلامية التي ينظر أغلبها إلى الغرب باعتباره عدوا للإسلام والمسلمين، ما يزيد من تأجيج الصراع، ويعيد خلق ثقافة صراع الحضارات التي بشرّ بها مطلع تسعينيات القرن الماضي صمويل هنتجتون.

1384

| 14 سبتمبر 2012

حين يصبح السلاح هو الحل!

يعتبر لبنان من البلدان القليلة في العالم التي تنحدر من أعلى إلى أسفل، خلافا لأغلب الدول النامية التي تتحسن فيها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية جيلاً بعد جيل. وما يزيد المفارقة غرابة أن لبنان كان يتصدر الدول العربية مطلع السبعينيات في مؤشرات النمو السريع حتى أنه كان يقارب بمستويات المعيشة الموجودة في كثير من دول الاتحاد الأوروبي اليوم مثل إيطاليا وإسبانيا وقبرص وغيرها.. فقط ثلاثون عاما ونيف من التحولات التي طرأت، دفعت البلد ليصبح من أكثر بلدان العالم تخلفا وترديا في الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية. ففي مدينة طرابلس التي سقط فيها الأسبوع الماضي 18 قتيل وما يربو على مئة جريح في عنف طائفي، تتحدث الأرقام عن وجود ما نسبته ٢٠ % من الأمية في ثاني أكبر المدن اللبنانية بعد العاصمة بيروت، وما بين ٤٠ إلى ٦٠ % من شعبها بعيش دون خط الفقر في هذه المدينة التي كانت تلقب يوماً بمدينة العلم والعلماء والتي كانت صاحبة الصيت في أزمنة المماليك والسلاجقة. يكاد يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم العربي الذي توجد فيها ميليشات مسلحة وأجنحة عسكرية تضاهي ما لدى الدولة ومؤسساتها الأمنية من نفوذ وقوة.والأغرب منه أن تقوم الدولة في بعض الأحيان بالتفاوض والتنسيق مع هذه العائلات من أجل ضبط وضع أمني أو تسوية قضية لشخصية مخالفة للقانون في أعمالها. جميعنا يتذكر كيف أقدمت عائلة قبل أسبوعين على اختطاف العشرات من السوريين إضافة لشخص تركي، وتبنت ذلك، مؤكدة امتلاكها جناحا عسكريا بحوزته أسلحة متنوعة بما فيها صواريخ مضادة للطائرات، ثم توالت البيانات التي تتحدث عن جماعات مسلحة منتشرة هنا وهناك، تهدد وتتوعد قيادات سياسية لبنانية وسورية معارضة بالملاحقة والتضييق. فقط في لبنان، تسمع نائباً يقول لو كان ميشال سماحة (الوزير المعتقل على خلفية نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان) سنياً أو شيعياً، لما تجرأ أحد على اعتقاله! فقط في لبنان، تتوسط شخصية سياسية كبيرة لدى عشيرة مسلحة تبنت خطف العشرات من السوريين أملاً في تمثيلها بالمفاوضات التي ترغب العائلة بإجرائها من أجل إطلاق سراح ابنها المختطف في سوريا! فقط في لبنان، يبرر رئيس كتلة برلمانية لأحدهم نقل متفجرات من دول مجاورة إلى لبنان، خدمةً لحليف سياسي! فقط في لبنان، تجد من يتجرأ على رئيس الجمهورية، متهماً إياه بالخروج عن الثوابت الوطنية، لأن الأخير أراد استفسارا من الرئيس الأسد حول حقيقة تورط قيادات أمنية سورية في عمليات تخريبية ضخمة تطال السلم الأهلي في لبنان. ما يمكن الحديث عنه في هذا البلد، أن الحس الوطني تلاشى إلى ما دون العدم، وأن لا أحد يعيش بعقلية الدولة، ولا يؤمن بها خارج حدود مصالحه الشخصية والفئوية. يفتقد لبنان إلى المواطن المتجرد من الحسابات المناطقية والطائفية والمذهبية، المستعد للتضحية بالقليل من أجل المجتمع الذي يعيش فيه. لقد بات السلاح هو الضامن الوحيد لحماية أصحاب المنطق الطائفي والفئوي في الاستمرار وجني المكتسبات الخاصة، ولا يمكن لهذا أن يستمر إذا ما تعافت الدولة، ومن هنا نفهم لماذا الأغلب الأعم من المجتمع المسلح لا يريد لهذه الدولة أن تتعافى، وأعذاره لا تتوقف أبدا، وهي لوهنها أحيانا تثير الاشمئزاز أكثر من الضحك حين يقول أحدهم إن دعوات تسليم السلاح للجيش اللبناني هو لتوريط الجيش غير القادر على استيعاب هذا السلاح، والهدف من هذه الدعوات القضاء على المؤسسة الأمنية الوحيدة التي يجتمع حولها اللبنانيون، دون أن يشرح لنا كيف أن السلاح حين يكون بيد غير يد المؤسسة العسكرية قد يحمي الجيش والدولة ويثبت أركانها؟ أصحاب المنطق الطائفي فقط هم من يعجبهم هذا الكلام ويقنعهم، لا لشيء سوى أنه يحاول إقناع المواطن أن انتشار السلاح هو من يحمي السلم الأهلي في البلد، وليست المؤسسات الأمنية.. هنا نختم بتساؤل: عن أي مستقبل لهذا البلد يتحدثون حين يكون انتشار السلاح هو الضامن الوحيد للسلم الأهلي؟.

668

| 01 سبتمبر 2012

الأقليات وداء الصراع

يخطئ من يتصور أن الاقتتال المذهبي في طرابلس شمال لبنان قد ينتهي يوماً، ومن العبث أن نصدق أن الأمر محصور بين حيّين، يسيطر عليهما الجهل والتخلف والتعصب المذهبي، فالحكاية لم تبدأ اليوم، ولم تسطّر بالأمس، هي تضرب في جذور تاريخ عالمنا العربي وما طرابلس منها إلا مرحلة متقدمة على من سواها من مناطق، إذ إن لبنان لم تصل فيه الأمور العالقة منذ نشأته إلى حلّ جذري. فجميع مشاكل لبنان وتأزماته انتهت بتسوية على مصلحة الأطراف جميعا أو على مصلحة طرف دون آخر. والأزمة الحالية ليست أزمة بندقية وانفلات أمني وتقاعس حكومي أو جهاز أمني بل هي أزمة سوسيولوجية بالدرجة الأولى، ولدت مع لبنان حين كان ماء في جنين الدولة العثمانية، كان الأب غريباً عن لبنان والشرق، إنه الغرب المسيحي الذي سعى في تفتيت الدولة العثمانية متقمصاً دور الراعي والحامي للأقليات الدينية في بلاد السلطنة، فكان الدروز في سوريا - الشام من نصيب التاج البريطاني، وكانت الأقليات المسيحية من نصيب إيطاليا وفرنسا وغيرها من دول الكثلكة. يومها دخلوا وعي الديانات المختلفة في السلطنة التي كانت تهمش العرب وغير العرب، مع تفاوت طبعاً في التهميش الذي كان لصالح القومية التركية التي برزت بقوة مطلع القرن التاسع عشر، حينها تولّد في "اللاوعي" لمعتنقي الأديان المختلفة غير المذاهب السنية أنهم "أقليات" يتبرص بها غول "الأكثرية". وعن قصد وغير قصد، قبل زعماء هذه الطوائف والمذاهب ما أُريد لهم أن يكونوا، فلبسوا لباساً، فُصّل لهم على يدّ الجمعيات التبشيرية التي كانت جزءاً لا يتجزأ من منظومة تجسسية في بلاد الشام. أرجو ألا يفهم القارئ أني ممن يناصبون العداء للغرب، فأنا من أنصار الحوار وبناء جسور التواصل مع الآخر، أياً كان. كما أني لست من مناصري "العقل التآمري" الذين يربطون كلّ ما يحدث بمؤامرات خارجية لسرقة ثرواتنا واستعمار بلادنا. ولا يجوز بسبب الهروب من التفكير التآمري أن نطمس حقائق أقرّ بها مفكّرو وباحثو الغرب قبل نظرائهم العرب. وقد أردت أن أعود إلى أصل المشكلة التي تطورت لاحقاً على يدّ الضحايا أنفسهم لتنتج نفسها بنفسها وتجدد جسدها مع كل جيل جديد. فمصطلح "الأقلية" والعيش ضمن منظومته الفكرية في عالمنا العربي، تدفعنا لإعادة نقد هذا المفهوم في أصله، لأنه ليس وليد ثقافة هذه الأرض، وإنما هو مصطلح فُرض خارجياً وقبلناه داخلياً، بل أصبح مفهوما الأقلية والأكثرية المنطلق في توجهاتنا السياسية والاجتماعية فيما بعد.. وها نحن اليوم نضرس حصاد ما زرعنا من حبوب أُعطيت لنا. وقد توسع هذا المفهوم من إطاره العقدي ليتحكم في كلّ ما هو مختلف بيننا، سواء كان خلافا عرقيا أو لغويا أو دينيا أو ديموغرافيا أو لهجياً أو ثقافياً. إن من شأن التفكير من منطلق "أقلية" و"أكثرية" تعزيز ثقافة الصراع داخل بنية المجتمع نفسه خصوصاً إذا كان يُستعمل على اعتبار أننا في حرب نتصارع فيها لتحصيل مكاسب من حقوق المختلِف معنا، الذي يتحول بطبيعة الحال إلى خصم لنا ولو كان شريكاً لنا في ما عدا ذلك. لقد نجح هذا المنطق في تكريس معادلة فلسفية، تتحكم في سلوكيات أفراد المجتمع، فأضحى الاختلاف وباء، والتطابق صحة وعافية، وهو ما يخالف السنن الكونية والدينية. في حين أن الاختلاف ثراءً وخصوبة وإلاّ لما كانت المرأة غير الرجل، كما أن التطابق عقم وجمود، إذ إن زواج المثلين لا يبني مجتمعاً ولا ينجب ولداً، ولنا في قول الله تعالى خير شاهد" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ". إن صحة الجسد من صحة العقل، وإن صحة المجتمع من صحة الانتماء للأرض والهوية، ولا أريد أن أفلسف الأمور أو أعقد البسيط.. فدواؤنا من دائنا.. ودواؤنا ليس بإقصاء الأكثرية للأقلية، أو تآمر الأقلية على الأكثرية، وإنما في التخلص من المنطق العددي في النظرة للإنسان وقيمه الاجتماعية والفكرية، دواؤنا في استعادة الثقة بمكنوناتنا التي وهبتها السماء لنا، حيث لا قيمة لمخلوق على آخر، إلا بما قدم لأهله ومجتمعه من خير، ألم يقل الله جلّ وعلا " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".

646

| 24 أغسطس 2012

وقفة هادئة مع قمّة التضامن الإسلامي

قِمّةُ مكة للتضامن الإسلامي التي استضافتها مكة المكرمة كانت قِمة استثنائية بحضورها وتوقيتها ومكان انعقادها في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمتان العربية والإسلامية، إذ إن المنطقة برمتها تعيش على مفترق طرق، والتحولات التي تعيش مخاضاتها الدول العربية، فيما أطلق عليه الربيع العربي هي مرحلة حساسة تمر بها المنطقة منذ أكثر من قرنين وفقاً لما يقول "كيسنجر تركيا" أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية.. القمّة مهمة للغاية بكل ما فيها، لكن لا أريد أن أكيل المديح لها، فقد زخرت بذلك كثير من الصحف العربية، كما أني لا أريد أن أبخسها حقّها، لأن أي اجتماع أو دعوة للحوار وأيّ لقاء يقرب بين وجهات نظر الزعماء ورؤساء الدول المسلمة هو أمر مطلوب ينبغي دعمه، إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال التنصل من حقيقة المشكلة التي تمرّ بها أمتنا العربية والإسلامية أو القفز فوق التحديات التي نعيشها لنعالج مشاكلنا بكثير من الأحلام والرغبات والدعوات والمناشدات وهو حال، حقيقة، غالبية قممنا العربية والإسلامية.. الوجه اللافت في الحضور كان الرئيسَ الإيراني أحمدي نجاد.. فتلبيتُه للدعوة أثارت التساؤلات أكثر من الإجابات، لأنه كان من السهل أن يعتذر عن الحضور كما كان الحال عند تأزم العلاقات بين البلدين في السابق.. فالخلاف القائم اليوم بين طهران والرياض يطغى على أيِّ تقارب بينهما، إذ إن الملفات المختلف حولها لا تعدّ، ويكاد تندر الملفات المتفق عليها بين البلدين، ولعل الخلاف حول سوريا، الحاضرة الغائبة في القمّة، أوصل البلدين إلى حدّ، وُصف بأنه حربٌ بالوكالة، حربٌ على سوريا، وحربٌ في سوريا بين كل دول العالم بما فيها الدول العربية من ناحية، وبين إيران والنظام السوري وحلفائهما في المنطقة من ناحية أخرى، فإيران ترى أن العالم يتآمر على سوريا لموقفها المقاوم والممانع، وأنه لا ثورة هناك، وإنما جماعات من المرتزقة والجهاديين القادمين من دول الخليج في حين ترى أغلب دول العالم أن انتفاضة وثورة تقمع بكل وسائل القتل والتنكيل، وأنه في الوقت الذي ينبغي أن تقف فيه إيران إلى جانب المظلوم والمعتدى عليه انسجاما مع مبادئها الإسلامية التي ترفعها تعمل نقيض ذلك في الوضع السوري. أجندةُ القمة عديدة.. ملفاتٌ عجزت عن حلّها منذ نشأتها في العام 1969 م. فهل يعقل أن تحلّها في يومين؟ من فلسطين التي سُرقت بأرضها وتاريخها وهجّر شعبها، ولا يزال يعيش لجوءًا بعد لجوء، إلى الصومال التي طحنتها الحروب الأهلية والاقتتال بين حكومات متعاقبة وقوافل المجاهدين القادمين من دول العالم وأُممها، مروراً بأفغانستان الغارقة في صراع الأيديولوجيات، والإرادات الدولية وصولاً إلى مسلمي الروهينجا الذين يذبحون كالنعاج في بورما على مسمع ومرأى من الجارة بنجلاديش التي بخلت عليهم بالحماية واللّجوء، فضلاً عن صمتها المريب والمدان تجاه ما يصاب هؤلاء من ويلات مزمنة، ولولا قدوم وفد تركي رسمي، وبكاء زوجة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمام عدسات الكاميرات أمام هول ما يصيب هؤلاء المساكين لما علم أحد أن مسؤولاً في الدول الإسلامية قد زار هؤلاء و"طبطب" على جراحاتهم. أمّا الدّعوة لتأسيس مركز للحوار بين المذاهب فهو أمر مشكور ومحمود، وتأخر كثيراً، إلاّ أنه من الخطورة اختزال الحلول لما نعانيه من تأزم طائفي ومذهبي في إنشاء مركز للحوار بين المذاهب لا يحضر إليه سوى من هو مؤمن بفكرته ومشروعه، فالخلاف الناشب بين الدول الإسلامية هو سياسي بامتياز، وإن تترّس أهله أو تسلحوا بالدّين والمذهب.. ندعو للقمّة بالتوفيق، ونتمنى أن تأتي القمة القادمة وحال الأمة أفضل.

342

| 18 أغسطس 2012

لبنان والمخاض العسير..

ما يقرب من سبعة عشر شهراً، تاريخ الانتفاضة الشعبية في سوريا، وكلّ لبناني يضع يده على قلبه، مترقبا وحذراً من انتقال العدوى إلى لبنان.. ليس عدوى الانتفاضة على نظام طائفي متجذر في اللاوعي اللبناني، وعمره يفوق عمر لبنان بصيغته الحالية أصلاً، وإنما عدوى الاقتتال والانفلات الأمني القادم من سوريا.. وعوامل التفجير وانتقال العدوى كثيرة، بل إن البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحالية تعتبر مثالية لانتقال هذه العدوى إلى لبنان، لكن الحمد لله أيّا من ذلك لم يحصل على الأقل حتى كتابة هذه السطور. ربما لم يلتفت كثيرون منا لحدث الاقتتال الذي حصل بين عائلتين لبنانيتين من القرى الحدودية مع سوريا قبل عدة أيام، على خلفية محاولة إدخال جريح سوري إلى لبنان.. طبعاً الخلاف الذي تطور إلى اشتباك وعملية خطف بين العائلتين جاء على خلفية ولاء أحدهما للنظام السوري وهي عائلة شيعية تعارض إدخال الجريح إلى لبنان، والأخرى سنية، موالية للجيش السوري الحرّ كان تسعى لنقله للعلاج داخل الأراضي اللبنانية. من هنا تتجلى لنا صورة الاحتقان المذهبي والفرز السياسي القائم على أساس من يوالي النظام السوري ممّن يعاديه، وهذا الفرز لم يعد حكراً على التيارات والأحزاب السياسية، وإنما تغلغل إلى الطوائف نفسها، فأصبح الولاء للنظام السوري من عدمه يرتكز بدرجة كبيرة منه على معتنقه الديني.. هذا ليس على الإطلاق، إلاَ أنه الأغلب دون خلاف في هذا المجتمع. يوم الخميس الفائت، تمّ توقيف وزير الإعلام الأسبق ميشال سماحة، أحد أكثر السياسيين ولاء للنظام السوري في لبنان.. التحقيقات لا تزال جارية معه، إلاّ أن ما تمّ تسريبه لوسائل الإعلام أشار إلى ضبط كميّات كبيرة من العبوات الناسفة مع صواعقها في أماكن تعود ملكيتها له أو تحت إشرافه كان في طور التخطيط لأعمال إرهابية كبيرة في الشمال وعكّار الخزان السني الكبير والحاضن الأكبر للاجئين السوريين والمناهض المطلق للنظام السوري. تفيد التسريبات أيضا أن النظام السوري وأنصاره في لبنان يمارسون ضغوطا على رئيس الجمهورية للإفراج عن الوزير المتهم، وتبرئته من جميع التهم الملصقة به.. وسواء كان ذلك صحيحا أم لا، إلاّ أنه يترك علامات استفهام كبيرة، ليس من حيث توقيت التوقيف، وإنما لما سيكون له من تداعيات على لبنان ككل. "هناك من يريد تفجير الوضع في لبنان.. وهناك من يعمل ليل نهار على هذا المخطط ". كلّ سياسي يصرح بذلك، لكن الجهات المتَّهمة تختلف بحسب الخلفية السياسية التي جاء منها السياسي المحترم. فإذا كان من قوى 8 آذار، فيرى أن إخفاق قوى 14 آذار مع دول الخليج المعادية للمقاومة في إسقاط النظام السوري بعد 17 شهرا من توريد الجماعات المسلحة من تكفيرية وغيرها إلى سوريا، دفعها للجوء إلى الخطة "ب" التي تقضي بضرب محور المقاومة عند طرفه، أي لبنان، الذي يشكل خاصرة رخوة، تمهيداً لإقصاء الجيش وتفتيت الدولة، وصولا لخلق منطقة عازلة في شمال لبنان، لإعادة الكرة إلى الملعب السوري في هجوم جديد. أمّا إذا كان الرجل السياسي من قوى 14 آذار ، فيرى أن النظام السوري وعملاءه في لبنان هم من يريدون تفجير الوضع، وخلق بلبلات لتخفيف الضغط عن النظام السوري، وخلط الأوراق، وإشاحة نظر المجتمع الدولي عن المجازر المرتكبة في سوريا إلى ما سيحصل في لبنان، إذ إن قوى 8 آذار بيدها الحكومة، وبيدها السلاح، وهي قادرة على الربح في أي لعبة أمنية قد تقرر لعبها في البلد. لن أناقش جديّة ومصداقية أيّا من التحليلين السابقين، بل ما يلفتنا في الموقفين أصلاً، أن إجماعا سياسياً لبنانياً، إذا صح التعبير، يُقدّر جازماً أن مخططا يُهيئ للبنان لضرب استقراره وأمنه، وإن تناقضت التحليلات حول هوية وانتماء من يقف خلفه! والسؤال الأبرز هنا: إذا كانت هذه المعلومات متوفرة للجميع والكل حريص على لبنان، فلماذا لا يُجهض المخطط قبل تنفيذه؟ ربما التحقيقات النهائية مع سماحة وغيره قد تجيب على كثير من الأسئلة المطروحة؟!

423

| 11 أغسطس 2012

القاعدة إن عادت إلى العراق!!

في شهر واحد فقط، تحصد عمليات القتل والتفجيرات المتنقلة في العراق 325 شخصا في عدد من المدن والمحافظات.. إنه شهر يوليو الفائت. لم تشهد العراق منذ عامين هذا الكم من القتل وسقوط الضحايا حتى في عز نشاط تنظيم القاعدة في العراق.. أصابع الاتهام التي لم تكن بعيدة عن بصمات القاعدة ما لبث أن أكدها أبو بكر البغدادي أمير ما يسمى دولة العراق الإسلامية منذرا ببدء عملية هدم الأسوار في مواجهة العملية السياسية القائمة في العراق.. لا شك أن عودة الجماعات المسلحة للنشاط في العراق من جديد، يضع الحكومة العراقية بقيادة نوري المالكي في قفص الاتهام لأسباب تبدأ باستفراد المالكي وإحكام قبضته على الأجهزة الأمنية كافة بوزاراتها، حيث عجزت عن لجم الإرهاب قبل وقوعه، مرورا بما كانت تتباهى به الحكومة من نجاحات في القضاء على الإرهاب، قبيل وبعد خروج الاحتلال الأمريكي من العراق، وصولا إلى العملية السياسية المتأزمة أصلا، والتي بدأت تأخذ أبعادا جديدة في الصراع والتنافس السياسي لم تكن قائمة من قبل، مثل خطورة استقلال إقليم كردستان العراق بشكل نهائي عن الحكومة المركزية، بعد أن اتسعت الشقة بين الإقليم وبغداد، طبعا لاعتبارات داخلية ولأسباب خارجية لا تقل أهمية. توقيت عودة أعمال العنف إلى الشارع العراقي، في ظل ما تشهده دول الإقليم من تغييرات جذرية تطال بناها السياسية والفكرية والاجتماعية، تزيد من قلق المتابعين والمراقبين لنشاط تنظيم القاعدة ولفكره الإقصائي. فبعد أن كان أغلب المتابعين يراهنون على اندثار هذا الفكر وتراجع مؤيديه وسط الشباب حين أثبتت الثورات العربية السلمية قدرتها على التغيير، بأقل كلفة وبوقت قصير، عاد فكر القاعدة لينتعش من جديد نتيجة المسارات التي آلت إليها الأحداث في سوريا، حيث روج كثيرون على أنها صراع بين أقلية علوية مدعومة من إيران وحزب الله لأسباب طائفية وبين أكثرية سنية تناضل من أجل دينها وعقيدتها. ثم كان الخطاب العراقي الرسمي الذي اتخذ خطا واضحا في تبني وجهة نظر إيران وحلفائها في المنطقة من الأحداث في سوريا، فأصبحت حكومة المالكي، أرادت ذلك أم لا، متواطئة مع إيران لأسباب طائفية أيضاً، وهذا ما سهل عودة تنظيم القاعدة، وإيجاد حاضنة اجتماعية له داخل المناطق السنية، التي ترى نفسها مهمشة قصدا في عراق ما بعد صدام حسين. ولعل خطورة ما وقعت به الحكومة العراقية أنها مدت تنظيم القاعدة بكل ما يحتاجه من ذرائع، ليعيد إحياء خلاياه وتجديد طروحاته الفكرية في العراق، علما بأن هذه المرة لن يكون مسرح عمليات القاعدة الجغرافيا السياسية للعراق حيث كانت تسعى لتأسيس دولة العراق الإسلامية تمهيدا لإعلان الخلافة الإسلامية، وإنما ستجد في الصراع في سوريا والطرق المعبدة حاليا بين سوريا والعراق ممرا حيويا، وفي الاتجاهين، بين بغداد ودمشق، وهو ما سيسهل للتنظيم التعجيل ببناء دولته التي ستعلن بين سوريا والعراق إذا ما طالت الأزمة السورية ولم تصل إلى حل سياسي. يقول رئيس مجلس إنقاذ الأنبار الشيخ محمد الهايس إن القاعدة في بلاد الرافدين تعيش حاليا عصرها الذهبي نتيجة ما آلت إليه الأوضاع في العراق والمنطقة، وأن مائتي شخص من القاعدة في الأنبار خرجوا للقتال إلى جانب الجيش الحر في سوريا. وسواء صحت التقارير عن وجود كبير أو قليل للقاعدة في العراق، فإن الحقيقة أنها ليست بتلك الصورة التي يحاول الإعلام المحسوب على النظام السوري تصويرها، كما أنها ليست معدومة الوجود بالمرة كما يحاول الآخرون. ولعل الصواب فيما قاله البنتاجون قبل عدة أيام أن القاعدة في سوريا بعضها قدم من العراق لكنها لا تخرج عن إطار مجموعات صغيرة غير مترابطة فيما بينها ولا تأثير لها كبير على مجرى الأحداث في سوريا. طبعا هذا الآن، لكن في المستقبل من يدري كيف ستكون عليه الحال، إذا ما استمرت الحكومة العراقية في سياساتها الخاطئة تجاه الوضع الداخلي من ناحية وتجاه التعاطي مع الأزمة السورية من ناحية أخرى، فضلا عن الأجندات لدى بعض المتضررين والراغبين في تعميم الفوضى في المنطقة، وهي سياسة ستحرق الجميع بنارها. لا ينبغي للحكومة العراقية، إذا كانت تريد إنجاح العملية السياسية في العراق، أن تتعاطى مع ملف القاعدة من زاوية أمنية بحتة، وأن تستمر بإلقاء التهم على جهات خليجية بالوقوف وراء تدفق القاعدة، دون النفاذ إلى البعد الفكري لهذه المجموعات وبث الاطمئنان في نفوس سنة العراق لاسيَّما السياسيين منهم حول دورهم في العراق الجديد. لعل اللوم لا يقع على القاعدة لأنها خارجة عن التاريخ والجغرافيا، وإنما على من يريد أن يبني بلدا بيد واحدة.

431

| 04 أغسطس 2012

حماس والإخوان .. احذروا الوقوع في الفخ الإسرائيلي

لا شك أن استقبال الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي لرئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية، يعتبر نصرا كبيرا لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، منذ نجاحها في انتخابات 2006، إذا ما أخذنا بالاعتبار حجم الضغوط والمضايقات التي كانت تتعرض لها الحركة ظلما وعدوانا، هي وباقي أهل القطاع البالغ عددهم مليون ونصف إنسان على يد زبانية النظام المصري السابق حسني مبارك ورئيس جهاز استخباراته عمر سليمان الذي توفي قبل عدة أيام. فالأخير كان يتلذذ باضطهاد وتنكيل حركة حماس تماماً، كما كان يفعل بحركة الإخوان في مصر. كما لا يخفى أيضاً الدور المصري المتواطئ مع العدوان الإسرائيلي على غزة، نهاية العام 2008وبداية العام 2009 في ضرب الشعب الفلسطيني في القطاع، لا لشيء سوى الرغبة الدفينة للنظام المصري السابق بتنفيس احتقانه على حركات الإسلام السياسي وعلى رأسها حركة الإخوان بأصلها وفرعها الفلسطيني. انهيار ما سبق، يعطي حركة حماس زخما وحماسة لبناء علاقات جديدة، وفتح صفحة بيضاء مع مصر، كلها أمل وتطلعات. ولعل الزيارة التي قام بها هنية إلى القاهرة، وهو يتأبط عشرات المشاريع لبناء شراكة مصرية فلسطينية ترفع الحصار عن القطاع وتبني مؤسسات مشتركة لتحريك الاقتصاد الفلسطيني والمصري على السواء، قد تعود بالنفع على كل من البلدين، لكن الخوف كل الخوف أن تتحول هذه المشاريع، في حال وافقت عليها مصر، إلى سلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية، ورفع المسؤولية عن كاهل الاحتلال الإسرائيلي وإراحته من عبء الاحتلال سياسيا وأخلاقيا أمام المجتمع الدولي. ولعل من حسنات النظام المصري السابق، وما أقل حسناته، أنه لم يسمح ليوم واحد أن تستقل غزة عن الضفة. وهذا لا يعني بالضرورة عدم الاعتراف بأن غزة حررت بسواعد مقاوميها أبدا. إذ إن قلقنا اليوم ينصب على الوقوع في فخ المخطط الإسرائيلي الرامي إلى ضم غزة إلى مصر، وإلحاق الضفة الغربية بالأردن وهو مشروع قديم جديد. نعلم يقينا أن حماس مدركة تماماً، ومتنبه للمشروع الإسرائيلي، آنف الذكر، لكن أحيانا ضغط الحصار، والرغبة في بناء القطاع، قد تدفع القائمين على القطاع، حالهم كحال من يحكم مصر اليوم، الوقوع تدريجيا في مخطط ربط القطاع اقتصاديا واجتماعيا بمصر. وهذا بطبيعة الحال سيعقد المشهد الفلسطيني أكثر من ذي قبل. ولعل الأنسب في المرحلة الحالية هو رفع الحصار من الجانب المصري، واستعمال مصر ما لديها من نفوذ، ليس في سبيل منح القطاع رئة اصطناعية يتنفس منها، بقدر تحريك ملف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي على قاعدة دولة فلسطينية بحدود 67. لأن من شأن ذلك العمل للقضية الفلسطينية بشكل شامل ومعمق وطويل الأمد من ناحية، والقضاء على الانقسام الفلسطيني الحاصل منذ العام 2006، الذي، ولا شك، سيتعمق أكثر، إذا ما مالت مصر لصالح حماس على حساب الشريك الآخر في القضية وهو فتح. المطلوب اليوم من مصر رفع الظلم والجور، وتصحيح المسار التاريخي مع قطاع غزة، لكن ليس على حساب القضية، وليس بناء على العلاقة الأيديولوجية بين الإخوان وحماس. إذ ليس من الإنصاف أن تميل مصر الثورة لصالح فريق فلسطيني دون آخر حتى لا تقع بنفس السياسة التي اعتمدها النظام السابق، لأن الخاسر ستكون القضية بلا شك. من هنا نرجو ألا تكون دعوات حماس لبناء مشروعات مشتركة على الحدود المصرية الفلسطينية من شأنها تعزيز الانقسام وإراحة المحتل من تبعات الاحتلال في المحافل الدولية.

429

| 28 يوليو 2012

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4227

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1872

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1770

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1611

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1422

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1161

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

903

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

630

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

552

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
المقاومة برصاص القلم

ليس بكاتب، إنما مقاوم فلسطيني حر، احترف تصويب...

501

| 03 ديسمبر 2025

أخبار محلية