رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

نفحات نورانية

إن الله سبحانه وتعالى اختار من الزمن ساعات جعلها مواسم خيرات وأيام عبادات وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة نفحات نورانية وعطايا ربانية، فالرشيد السعيد من تعرض لها ونهل من خيرها، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (افعلوا الخير في دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) رواه الطبراني، فقد جعل لنا الأيام بين الناس دول فنعم أجر العاملين الذين تذكروا ايام دهرهم فعلموا أن الليل والنهار يحملان العبد إلى أجله، فما ترى من كل عاقل إلا التزود بطاعة الله تعالى طمعا في رحمته وخشية من عذابه يتزود ليوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأيام مراحل ينزلها الناس خطوة خطوة حتى ينتهى بهم إلى آخر سفرهم، والسعيد من اغتنم خيرها والبعيد من حرم استغلالها وفرط في حق نفسه وربه بتضييعها ولم يقدم لنفسه زادا، أما المسلم الحق فإنه تواق شواق أي كثير الشوق والحنين يحن قلبه للطاعة فينشرح صدره بالقرب من خالقه وتطمئن نفسه بالشوق لجنة عرضها السموات والأرض فيزداد إيمانا مع إيمانه ويجدد العهد مع ربه فيعتصم بحبل الله المتين ويسير على صراطه المستقيم ويتبع نهج النبي الأمين فيكثر من الذكر والاستغفار ويبتعد عن الذنوب والمعاصي والآثام.فإننا في هذه الأيام المباركة وقد يهل علينا هلال شهر ذي الحجة يذكرنا بالأيام العظيمة والفوائد الجسيمة التي يمنحها الله عز وجل لعباده المؤمنين، من هذه المواسم النيرات والنفحات المباركات، إنها العشر الأول من ذي الحجة، فقد اختارها الله على ما سواها ورفع شأنها واجتباها وجعل ثواب العمل فيها غير ثوابه فيما دونها علاوة على ما خصها الله به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل هذه الأيام مواسما للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمر عليه مرورا عابرا، فعشر ذي الحجة أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا وحثنا على العمل الصالح فيها، فإن الخالق سبحانه وتعالى أقسم بها وهذا وحده يكفيها شرفا وفضلا لأن العظيم لا يقسم إلا بعظيم والفجر وليال عشر وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها ويكثر من الأعمال الصالحة وأن يحسن استقبالها واغتنامها، فإن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، فالحكيم من علم أن أجل الأعمال وأفضلها هو إحساس المرء بالعبودية لله تعالى وهذا يعني الافتقار المطلق إليه والاعتماد عليه في كل الأمور.والافتقار إلى الله تعالى أن يجرد العبد قلبه من كل الفتن والأهواء، ويقبل على العبادات متذللا مستسلما لربه متعلقا قلبه بمحبة الله تعالى وطاعته، فحياة المؤمن كلها صراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، فإن هو استجاب للشيطان والهوى تردى إلى المهالك والخسران، وإن هو استجاب لداعي الحق والهوى ارتقى إلى أعلى الدرجات وكتب عند الله تعالى من السعداء الفائزين، فعلى المسلم الذي امتلأ قلبه بنور الإيمان أن يغتنم عشر ذي الحجة بكثير من القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه لأن الله يضاعف فيها الأجور، لذا يجب على كل مسلم الحرص على الاستفادة من أيامه ليعيش النفحات الربانية ألا وإن لكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم تصيبه نفحه فلا يشقى بعدها أبدا، قال صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله هذه الأيام يعني الأيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله،قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري، فاستفادة المسلم من هذه العشر يتحقق لمن هم رزقوا بالذهاب إلى الحج لما في الخروج لتأدية هذه الفريضة من الاستغراق الكامل في الطاعة والإخلاص منذ الخروج إلى العودة، ويذكرنا ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شبه الحج بالجهاد في سبيل الله تعالى، ولكن المسلم المرتبط بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي له الاجتهاد في هذه الأيام بالتقرب إلى الله عز وجل بالطاعة لعله يظفر بما ظفر به حجاج بيت الله الحرام من مغفرة للذنوب وعتق للرقاب من النار، فلقد قيض الله للمؤمن قوارب للنجاة من المهالك إن هو استجاب إليها حملته إلى شاطئ الأمان وكانت سببا في نجاته من الضياع والهلاك فمعرفة الله تعالى وطاعته أول طريق السالكين وبداية الخطى على الحق والطريق المستقيم وللفوز بخيري الدنيا والآخرة.

1601

| 25 سبتمبر 2014

الرحلة المباركة

إن الحق تبارك وتعالى فرض علينا العبادات ليطهرنا بها ويزكينا فيكون ذلك سبب لسعادة البشر في الدارين، لذا أراد من عباده أن يوجهوا أنظارهم إلى ما هو أهم وأبقى وأنفع وأجدى إلى الادخار الحقيقي الذي يجعل من الدنيا مزرعة للآخرة من خلال مقاييس الربح والخسارة، فإذا كان المقصود الأعظم هو تحقيق التقوى فإن الوصول إلى هذه الغاية السامية له طرق عديدة، وإننا نريد هنا تذكير حجاج بيت الله الحرام بألوان من العبادات التي يمكن أن يمارسوها أثناء تأديتهم لمناسك الحج، فالأمة الإسلامية في هذه الأيام المباركة تقف على أعتاب فريضة الحج العظمى ففي هذه الأوقات الفاضلة الشريفة المحرمة يقف المسلم يطرق أبواب الرحمات ويغتنم الأيام في التوبة وغفران الذنوب مما يوجب على كل مسلم وفق لهذه الرحلة المباركة أن يعد عدته ويستجمع قواه ويشد العزائم في رحاب البيت والروضة يتقرب بشتى أنواع الطاعة طواف وزيارة استغفار وتوبة، ومن زاد التقوى ولا شك الامتناع عما حرمه الله من الرفث والفسوق والجدال في الحج لأن الكف عن المحارم صدقة للعبد على نفسه، وتخليص للحج عن شوائبه ثم إنه يحقق معنى التقوى والذي يشمل الاتقاء عن المحارم بكل الوسائل، فإن إقدام المرء على أي أمر من الأمور لا بد له من التهيأ والاستعداد بأن تتحقق النية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فما الذي حركك لتنفق الأموال ولتقطع المسافات ولتتحمل المشاق إنك إن فعلت ذلك كله من غير أن يكون في سويداء قلبك التعلق بالله وابتغاء مرضاته وطمعا في رحمته، فاعلم أنك ما صنعت شيئاً غير أنك أرهقت نفسك وأذهبت مالك ثم فقدت أجرك بل ربما رجعت مأزور غير مأجور.فالمسلم الحق الصادق مع نفسه والمخلص لربه ليشعر أن عبادته تبقى ناقصة إذا هو لم يبذل جهده لتحقيق الهدف الكبير الذي خلق الله الجن والإنس من اجله، ألا وهو إعلاء كلمة الله في الأرض الذي به وحده تتحقق عبادة البشر لله وبه وحده يتحقق معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله في واقع الحياة ولتصحيح اتجاهات القلب وضمان تجرده من الأهواء الصغيرة والحرص على ابتغاء الأجر من الله تعالى وأن يقبل الله تعالى عمله ويجازيه به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالمسلم يعتقد اعتقادا جازما أنه ما وجد في هذه الحياة إلا لعبادة ربه يقول الله تعالى:(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) البقرة:197،لذا يجب على كل مسلم أن يعلم أن العبادة في الإسلام حقيقة لا مظهرية ولذلك ينبغي أن يكثر في موسم الطاعات وفي موسم تكفير السيئات من الاستغلال والاغتنام الكامل للأوقات وهذا يحصل به الشمول في العبادة فعندما تكون في تلك الأماكن المقدسة وفي هذه الأيام المعظمة والفريضة القائمة ينبغي لك أن تجعل كل لحظة من اللحظات عبادة وطاعةَ لله عز وجل وأن ينشغل اللسان بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن وأن ينشغل القلب بمزيد من الخشية لله عز وجل واستحضار هول المحشر وجمع الناس يوم يقوم الناس لرب العالمين، فينبغي أن لا تضيع وقتا إلا وفيه طاعة لله عز وجل إن من رضى عنه ربه ووفق لأن يتقدم بخطى التقى والتوبة ليذهب إلى بيت الله الحرام يطوف ويسعى ويقف بعرفات تذرف عينيه دمع الرجوع إلى الله والشوق إلى روضة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيذهب ليشتري ملابس الإحرام ويستعد لهذه الرحلة المباركة ففي هذه الأيام المباركة وحجاج بيت الله الحرام على أعتاب فريضة الحج العظمى يستقبلون موسم التوبة وغفران الذنوب، فإن العبد المسلم الذي يحس بلذة العبودية لله لا يذوق طعم لحياة إلا بالعبادة الحقيقية لله تعالى، فلا معنى لوجوده بدونها ولا اطمئنان إلى رضوان الله إلا بالعمل المتواصل الدؤوب القائم على الإخلاص لله تعالى بنية صادقة وبعزيمة قوية يبتغى رضا الله تعالى ويخشى عذابه، فليخلص المؤمن لربه وليبتغي بعبادته وجه الله تعالى، فأعظم صور الإخلاص لله تعالى هو الإخلاص في الإيمان بوحدانيته وأنه لا إله إلا هو قناعة ويقينا إخلاصا يسبق كل عبادة وتشعر في نفسك بصدق وانفعال أنك تصلي لله تسجد له وحده سجود الموقن بتفرده، تدعوه دعاء المؤمن الذي يغمره شعور وفكر قويان بأنه يدعو الله السميع القريب المجيب، فإن صلاح النية وإخلاص القلب لرب السموات والأرض يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت فيجعلانه عبادة متقبلة وإن خبث الطوية وفساد النية يهبط بالطاعات المحضة فيقلبها معاصي شائنة فلا ينال المرء منها بعد التعب في أدائها إلا الفشل والخسارة بل إن الملذات التي تشتهيها النفس إذا صاحبتها النية الصالحة والهدف النبيل تحولت إلى قربات وطاعات.

976

| 18 سبتمبر 2014

بوابة الضياع

إن الخالق سبحانه وتعالى منّ على البشرية بكثير من النعم التي لاتعد ولا تحصى، إن الإنسان كان ظلوما جهولا، لذا ينبغي على المرء أن يعلم ما ينفعه فيستفيد منه وما يضره فيبعد عنه حتى لا يكون سببا في ضياعه وهلاكه، فمما لا شك فيه أن شبكات الإنترنت باتت من أهم إنجازات الثورة الرقمية المعاصرة لما وفرته من سهولة الاتصال بين أقطاب المعمورة، لذا كان له من الآثار الإيجابية على كافة النشاطات المعلوماتية والاقتصادية والاجتماعية، لذلك أصبح أسلوبا سهلا وميسرا للتعامل اليومي ونمطا للتبادل المعرفي والاجتماعي خلال هذه الأيام، إلا أن كل هذه الانجازات لا تخفي الوجه الكالح الآخر للإنترنت فيما يعرف بالجريمة الالكترونية، فأصول التربية السليمة وقواعدها الصحيحة تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها.فإن الانفتاح السريع الذي دشنته الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال استطاعت هذه التقنية أن تطرح نفسها بقوة، بديلا موضوعيا وغنيا عن المجلات والأشرطة، وصار بإمكانه توفير مساحات أوسع للباحثين عن المعرفة، فالمواقع الإباحية على الشبكة تسيل كالمطر المنهمر كما أن أرباحها تتضاعف ملايين المرات، لذلك حرص الهدي النبوي على الوصية بالشباب فعلى الجميع أن يستوصوا بالشباب خيرا، لكي يكونوا خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق، فيحرصون على تلبية نداء الحق والخير وحماية المجتمع من عوامل الفساد والضعف والابتذال والتخلف، ويعملون على تطوير مجتمعهم والدعوة إلى البناء والإصلاح والصدق مع النفس لكي يعيش الفرد حياته على جانب من الالتزام والمسؤولية، بحيث يكون صادقا مع نفسه ومع غيره ومع عمله ومجتمعه لا يخاف إلا الله، عندئذ يستطيع كل فرد أن يؤدي دوره المنوط به فيصلح المجتمع ويصلح حال الناس، فوسائل التقنية الحديثة بمفهومها العام تعد من أهم الوسائل الأكثر تأثيرا في الفرد والمجتمع، مما يجعل لها الأهمية البالغة فيما يبثه وينشره على أسماع الجميع، ويعد الإنترنت المقروء سلعة ثمينة في متجر الوسائل الإعلامية وشكلا متطورا من أشكال الإعلام حيث يشكل قوالب للفكر والرأي والأخبار، فقد ظهرت هذه القوالب مع النهضة الثقافية والعلمية لتصبح احد أهم خطوط الصياغة الفكرية ولا ينكر أحد أن لوسائل الاتصال دورا كبيرا في عالم اليوم تتفاوت شدته حسب المجتمعات ومدى انتشار الإعلام فيها.فقد شكلت مقاهي الإنترنت منذ ظهورها وانتشارها أهمية كبرى لاستقطاب العديد من المراهقين والباحثين عن وقت متحرر من كل أشكال الضبط والرقابة الاجتماعية خاصة وزبائن الشات قد كثروا في هذا الزمن يقضون الساعات الطوال وراء شاشة الحاسوب بحثا عن صدفة ليتحول البحث إلى إدمان غير محدد الأبعاد وغير واضح المعالم، فوسائل التقنية الحديثة وهذه الاختراعات العجيبة التي ولع بها الجميع لتعد من وسائل النهضة والرقي التي غلبت على حديث الناس الذين يبحرون في مواقعها ويتجولون في جنباتها بالساعات، يقول الله تعالى:(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) إبراهيم:34 لذا يعتبر الانترنت لدى البعض ضرورة ومطلبا وحقا لكل شخص كالماء والهواء ويعتبره البعض مجرد مضيعة للوقت وإهدار للعديد من العادات المهمة، ولقد أمرنا هدي ديننا الحنيف بالاستفادة من كل جديد والتعرف على السبل الجديدة العديدة لتحقيق النفع والبعد عن الضرر،فلقد فتن الشباب اليوم بالإنترنت وولعوا به ولعا شديدا فأصبح جل حديثهم عنه وعن ارتياد مواقعه والإبحار فيها، والجلوس في صحبته الساعات الطوال دون كلل أو ملل وهذا يدعونا للتأمل في محاسنه ومفاسده حتى نكون على بصيرة من أمرنا، فإذا امتزجت التقنية بجحود أو اقترنت بضلال ومعصية وبعد عن الهدف وامتلأ صاحبها بالعجب والتيه فتؤدي به إلى الضلال وتورده المهالك وتكون سببا في خلوده في النار والعياذ بالله، فمع الأعداء بضاعة يقدمونها ويصدرونها إلى الضعاف وهي كل ما يسلب الأخلاق ويدمر القيم ويذل الأمة ويخدر شبابها ويميع أبناءها،فهم يقلدون غيرهم في كثير من أمور الحياة والاستهتار والانحلال وفي التخلي عن الروابط الاجتماعية والجرأة على المحرمات الشرعية، إن غزوهم شامل في العقيدة والاقتصاد والتعليم، لذا فعلينا أمة الإسلام جميعا أن نكسر هذه الأغلال ونحطم هذه القيود، إن ديننا الإسلامي ثري بتعليماته وآدابه وقيمه مما يحقق لنا الرفعة والكمال يقول تعالى (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الأنعام:153، فلتكن أخلاق الشباب القرآن ومنهجه الإسلام وشريعته وأحكامه الفرقان، وليكن شباب المسلمين مميزا في كل شؤون حياته تظهر عليه علامات الإسلام وأمارات التقوى تزين وجوههم.

929

| 11 سبتمبر 2014

جرس الحصة الأولى

إن الخالق سبحانه وتعالى قد اقتضت حكمته في وجود الإنسان أن يكون وجوده على الفطرة السليمة النقية فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ومن المسلم به في طبائع الأشياء أن يكون هناك عنصر يمثل المركز الرئيسي فيها بحيث لو غاب عن الوجود فقدت باقي العناصر قيمتها، فالقلب هو مركزحياة الإنسان فلو توقف توقفت معه الحياة، والعقل هو مركز التفكير فلو عجزعنه اختل سلوك الإنسان، ففي هذه الأيام الطيبة تزينت المدارس وأبدت استعدادها لاستقبال أبنائنا الطلاب تحضنهم وتلقي على أسماعهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم فينشأ جيل يبني ويعمر فتتقدم بهم الأمة، فمع الأيام الأولى من بداية الأسبوع المقبل وطلابنا يملأون حقائبهم بأدوات الدراسة وأعدوا زيهم المدرسي والأسر استعدت للذهاب بأولادهم لبيوت العلم والمعرفة،وها نحن قد عدنا من إجازاتنا الصيفية ونحن بين من هو محمل بالحسنات وآخر أضاع وقته، ومنا من أثقلت كاهله الهموم ومن هو فرح بهذه العودة وها نحن نستقبل عامانا الدراسي الجديد، ومع جرس الحصة الأولى من بداية العام الدراسي الجديد فلنا هنا وقفات أردت أن نقفها جميعا لعل فيها ذكرى للذاكرين ترتفع معها دقات قلب الآباء من كثرة الطلبات للأبناء وتوفير احتياجاتهم المدرسية.. ومن ناحية أخرى فرط سعادة الآباء بأبنائهم الذين سيتوجهون إلى قاعات الدراسة، فأداء الأبناء للواجبات الدراسية يسعد الآباء لأن المرء يعلم أن الدرجات التي يرتفع بها العبد عند الله ليست كدرجات الدنيا وترقياتها، إنما يرفع الله المؤمنين بما علموا من أمور في دينهم وما استقاموا على أصوله والتزموا شرائعه ولا يمكن للمرء أن يلتزم إلا بشيء قد جاءه العلم به، لذا حث الإسلام الناس على العلم و التعلم وجعل الذين يعلمون أعلى درجة من الذين لا يعلمون، فكان الحث من نبينا صلى الله عليه وسلم على طلب العلم فقال "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طرقا إلى الجنة" وأمرنا أيضا بالجد في طلب العلم والحرص على التعلم فقال "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد" فالإسلام رفع مكانة المتعلم فقال الله تعالى ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)الزمر:9 فإن دور المدرسة واضح وجلي في تثقيف الناشئة وتربيتهم بما تقدمه لهم من خبرات منظمة ومتنوعة وأنشطة مختلفة، ومعلومات تغطى مختلف مجالات المعارف الإنسانية كل ذلك في إطار فلسفة تربوية واضحة المعالم تستقي ذلك من الإطار العام لحياة المجتمع وأهدافه وحاجات التلميذ ومطالبه ومتطلبات العصر.فالمدرسة مكان الدراسة وبيت العلم فهي مؤسسة تربوية وتعليمية أنشأها المجتمع خاصة لتربية وتعليم صغاره وكالة عن الكبار المشغولين في مشاغل الحياة ونيابة عن المجتمع في نقل تراثه الثقافي إلى الصغار وللمدرسة وظائفها الهامة في المجتمع فإنك تجد فيها المتخصصين في مجالات العلم والمعرفة ليقوموا بتلك الوظائف ومن ثم فهي تبلور اتجاهات المجتمع وتعكس اطر حياته، فلقد كان المنهج النبوي يعتمد على إعداد جيل يفكر ويفهم ويبدع ولا يقف عند حد حفظه المسائل والمعارف ثم ينساها ، بل كانت تربيته لأصحابه لونا آخر يختلف عن ذلك ففي ميدان العلم علمهم على الجد والاجتهاد فهو الذي يعلم معاذا ماذا يفعل عندما أرسله إلى أهل اليمن وقال له بما تحكم قال بكتاب الله قال فإن لم تجد فبسنة النبي صلى الله عليه فإن لم تجد قال أجتهد رأيي ولا آلو فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، وغير ذلك من المسائل التي تحتاج إلى قادة مفكرين مبدعين وليسوا عبيدا مقلدين، فأين نحن من هذا اللون من التربية النبوية، لذا وجب على كل مسلم أن يلتفت إلى اختصاصه فيهبه كل طاقاته ويمنحه جل اهتماماته ويقبل عليه إقبال المسلم المعتقد أن عمله في دائرة اختصاصه فريضة سواء أكان اختصاصه في علم من علوم الشريعة والدين أم في علم من علوم الدنيا كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة وغيرها، ومن هنا وجب عليه أن يتقن العلم الذي اختص فيه كل الاتقان، فلا يدخر وسعا في الإحاطة بكل ما كتب عنه في شتى اللغات إن استطاع ، ويبقى دوما ينور عقله بالجديد من مستحدثات ذلك العلم بالمطالعة والاطلاع المستمر في شتى ألوان العلم ومعارفه ليحقق نجاحا علميا عاليا يكسبه في أعين الناس مهابة إجلالا وتقديرا فيكون عنصرا فعالا في وطنه فينفع نفسه وينتفع به الناس من حوله فيرفعه ذلك إلى أعلى مراتب المجد والشرف، فالمرء متقدم بعلمه مثمر بمعرفته متخلف بجهله، فالمجتمع يحتاج إلى عناصر أساسية تقوم عليها حياته ويستقيم بها أمره.

593

| 04 سبتمبر 2014

الحكمة في معالجة الخطأ

إن القيادة الحكيمة الراشدة هي التي تستطيع أن تبني ولا تهدم وتعمر ولا تخرب وتجمع فلا تفرق، فتقيم الأمر على أساس متين من الدين وعلى أسس عصرية حديثة ترسي دعائم الأمن والعدل والاستقرار في ربوع المجتمع الشاسعة وتضع اللبنات الأولى لتنمية المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعمرانيا، فإن الخطأ سلوك بشري لا بد أن نقع فيه حكماء كنا أم جهلاء فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون؛ فليس من المعقول أن يكون الخطأ صغيرا فنكبره ونضخمه ولا بد من معالجة الخطأ بحكمة وروية وأيا كان الأمر فإننا نحتاج بين وقت وآخر إلى مراجعة أساليبنا في معالجة الأخطاء، لذا ينبغي أن نهتم ببناء الفرد وتنمية المجتمع بما يكفل حياة كريمة لشعب قادر على المنافسة العالمية بين شعوب العالم، ويتعايش بسلام مع الشعوب الأخرى ويستطيع أن يدعم القضايا العربية والإسلامية، والتي ترتكز على الدين الإسلامي منهجا وعملا وتدعو للسلام وتنبذ الظلم والعدوان وتدعو للتوحيد والبناء وترفض التفكك والهدم وتشجع على العلم والرقي والنهضة وبناء الإنسان الواعي الذي يستطيع أن يخدم بلده ووطنه وينبذ الجهل والفقر، فالثروة الحقيقية لكل مجتمع هم أبناؤه فأغلى ما يمتلك الوطن هو المواطن الصالح، المخلص الذي يؤمن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وتكون كل تصرفاته وممارساته في ضوء من كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. فشخصية المسلم ترتكز على الإيمان بالقضاء والقدر والبر والتقوى وعلى مسؤولية الاختيار والصدق والتسامح والتعاون والقناعة، وكثير من هذه الخصال تشجع على إنماء الشخصية واكتمالها بقصد السعادة النفسية الشاملة التي تحقق للمسلم حياة آمنة مطمئنة ونجاة من الشدائد يوم القيامة، فإن أصول الشخصية في البيئة الإسلامية لا تزال تقوم على القيم الحضارية المنبثقة من تعاليم الإسلام لأن هذه القيم تبقى من العناصر الرئيسية الواقية من الأخطاء والمخففة لوطأتها عند حدوثها، فالمسلم إذا مسه طائف من الشيطان تذكر واستغفر ومن يغفر الذنوب إلا الله، فإن الخالق سبحانه وتعالى يعفو عن المخطئ ولربما أنه يكون قد فعل ذلك بغير قصد فيرفع الله عن العبد المخطئ الحرج والإثم، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه) رواه ابن ماجه، فلقد كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها وتحاسب على جميع أفعالها، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعة لهم أو سببا في التجاوز عنهم، في حين أن هذه الأغلال قد رفعت عن هذه الأمة استجابةً لدعائهم ورحمةً من الله بهم، كما جاء ذلك في قول الله تعالى:(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة: 286، فالتربية بمعناها الواسع تشمل صفة من صفات التربية الدينية لاسيما في بلادنا العربية والإسلامية وهي منبثقة من الأبوين أو من المدرسة، وذلك لأن تربية الشخص تتضمن تقويمه في حدود إطار أخلاقي للسلوك وإن القيم الروحية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الإسلام كثيرا ما تهدي الفرد إلى الاستقامة والسلوك السوي فمن يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان وفي كل الأحوال يبقى سلوك الإنسان مرتبطا بمكارم أخلاقه المستمدة من تعاليم ديننا الحنيف والتي تنظم سلوك الإنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو أخطأ أو انحرف.فعندما نرى الخطأ ونتعامل مع من ارتكب الخطأ لا بد أن ندرك أن كل ابن آدم خطاء، فيلزم علينا النظرة إليه بعين النصيحة التي تقوم على أسس دينية سليمة فمعالجة الأخطاء لا بد أن تكون بحكمة وروية حتى لا يكون لها مردود سلبي فالمخطئ ليس مجرما وإنما هو بشر يحتاج إلى تصويب الخطأ وعدم تكراره وهذا يتطلب منا أساليب وقواعد خاصة منها ألا نزيد في إلقاء اللوم على المخطئ وتعنيفه لأن هذا لا يأتي بخير غالبا وقد وضح لنا الهدي النبوي فيما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه أنه خدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات ما لامه على شيء قط، فاللوم مثل السهم القاتل ما أن ينطلق حتى ترده الريح على صاحبه فيؤذيه وتذكر يا من أردت أن تقوم الخطأ وتصلحه أن اللوم يحطم كبرياء النفس ويكفيك أنه ليس في الدنيا أحد يحب اللوم؛ فالمخطئ أحيانا لا يشعر أنه مخطئ فكيف نوجه له لوما مباشرا وعتابا قاسيا وهو يرى أنه مصيب، وتجنب الجدال في معالجة الأخطاء فهي أكثر وأعمق أثرا وأشد خطرا من الخطأ نفسه وتذكر أنك بالجدال قد تخسر لأن المخطئ قد يربط الخطأ بكرامته فيدافع عن الخطأ بواقع الكرامة فيجد في الجدال متسعا ويصعب عليه الرجوع عن الخطأ فلا نغلق عليه الأبواب ولنجعلها مفتوحة ليسهل عليه العودة للحق والصواب.

1453

| 28 أغسطس 2014

البيوت الراشدة

خلق الله الإنسان من طين ثم جعله سلالة من ماء مهين فخلق آدم من تراب وخلق الناس من آدم فكلكم لآدم وآدم من تراب، ثم خلق من آدم حواء ثم بث منهما رجالا كثيرا ونساء، ثم اسكنه الأرض يعمر ويبني تشاركه زوجه الحلوة والمرة وجعل الله القوامة للرجل بما أعطاه الله من قدرة على القيادة والريادة وبما يستطيع به أن ينفق على المرأة، فعندما خلق الله الدنيا وأراد لها التعمير اسكن الله فيها البشر واستخلفهم في الأرض وجعل لهم مقومات الحياة، فإن قوامة الرجل على المرأة لا تتحقق كما أرادها الإسلام إلا إذا كان الزوج رجلا نافعا في قيادته لبيته وأسرته، والزوج المسلم لا يكون رجلا بغلظته وفظاظته وقسوته وبطشه وسلاطة لسانه، فهذه رجولة الجاهلية، والرجولة في الإسلام شيء آخرغير هذا كله، الرجولة في الإسلام شخصية قوية جذابة محببة وخلق عال نبيل، وتسامح وإغضاء وعفو عن الهفوات الصغيرة ، ووقوف جاد وحازم عند فرائض الله وأحكامه وآداب الدين وقيمه وتطبيق أحكامه على أفراد الأسرة جميعا وقيادة بارعة لبقة نحو الخير وبذل وسخاء في غير سرف ولا تبذير، وأن يكون الرجل على نباهة ووعي وشعور عميق بالمسؤولية في الدنيا والآخرة وإدراك للحالة المثلى التي ينبغي أن يكون عليها البيت المسلم الراشد. إن الرجل الصالح الذي يعتز برجولته ويفخر بها هو من يملك قلب زوجته بالأخلاق العالية والمعاملة الحسنة فتكون الزوجة مطيعة لا تعصى له أمرا، ومن هنا كانت القوامة للرجل المسلم على المرأة ، بما زينه الدين من صفات وما زوده من مقومات وبما ألزمه من ضوابط و تشريعات يقول الله تعالى:(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)النساء:34، فلقد منح الإسلام للزوج حق القوامة على المرأة ليكون رجلا بحق، يعرف كيف يقود سفينة الحياة في أسرته نحو شاطئ السلامة والهدى والرشاد، فليست قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد، ولكنها قوامة التبعات والالتزامات والمسؤوليات، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة،وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية،تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة، فالرجال قائمون على أمر النساء بسبب الإنفاق والتوجيه وهما واجبان على الزوج لزوجته، كما يقوم الولي على شؤون العائلة والتفضيل للرجل لكمال العقل وحسن التدبير ورزانة الرأي ومزيد من القوة،لذلك خص الرجال بالرسالات والإمامة والولاية والجهاد ونحو ذلك، ونظير ذلك فإن المهر يجب على الرجل مراعاة للحكمة الإلهية في تكوين الجسم وقدرته على الكسب ومهارته في معرفة دروب العيش، والنفقة والمهر جزءان من هذا الكسب، وهما حق خالص للمرأة لا يشاركها فيهما أحد من أوليائها، وأي عاقل في الدنيا يقول بأن الرجل هو قائم الأسرة وولي أمرها عليه تعتمد بعد اعتمادها على الله جل وعلا، وإذا كانت المرأة تعمل فليس معنى هذا إلغاء القوامة، لأنها في حاجة إلى رجل يحميها ويدبر شؤونها، ولا يجب عليها إنفاق لأنه على الرجل، فإن أعطت شيئا من مالها فيعتبر مشاركة ايجابية منها لأنها غنية بغنى زوجها، فالرجل مسؤول عن زوجته مسؤولية كاملة وهذا ما بينه لنا الهدي النبوي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته) متفق عليه. إنها المسؤولية التي تمسك بناصية كل فرد في المجتمع الإسلامي،فما تجد أحدا فيه إلا مسؤولا عن جانب من جوانبه ، ذلك أن الحياة في نظر الإسلام جد وعمل وبناء، يتطلب من كل فرد في المجتمع أن يكون مسؤولا، وليست هزلا وفراغا و لهوا، كما أن الإسلام أوصى بالنساء وأعلى مكانتها، أمرها أن تعرف دورها في الحياة ، وأن تقف عند الحدود التي رسمتها لها الشريعة ،لتستطيع أن تؤدي رسالتها وتقوم بدورها على النحو الأفضل، لأنها شريكة للرجل في تربية الأجيال وتنضير الحياة بالمتعة و السعادة و الجمال، إذ طلب الإسلام من الرجل أن يحسن صحبة المرأة ويستوصي بها خيرا وأمرها كذلك أن تطيع الرجل في حدود الحلال والإنصاف والعدل، وذهب في التشديد على هذه الطاعة لذا جعل رضا الزوج عنها سببا في دخولها الجنة، فلقد وضع الإسلام للمرأة آدابا تتقبل أمر ربها وهدي نبيها بنفس راضية وقلب مطمئن واقتناع راسخ عميق على أنه دين الله الحق الذي فيها سعادة البشرية جمعاء.

888

| 21 أغسطس 2014

الإحسان للجار من الإيمان

إن ديننا الحنيف هو الدين الحق الذي اعتنى كثيرا بوصية أبنائه بالقيم والمبادئ العامة التي تخلق مجتمعا متماسكا مترابطا متعاونا على البر والتقوى، فالإنسان الصالح هو الذي ينظر إلى الناس بعين التقدير والاحترام فيحب الناس ويحبه الناس فيعيش قرير العين هادئ النفس مرتاح البال، فتجده إيجابيا ينفع الناس وينفع نفسه يسعى نحو تحقيق النجاح في حياته الدنيا لذا فإنه يتحلى بعظيم الخلق، فمن الأمور التي تعين على كسب وجمع القلوب حول المتحدث أو الناصح أو المربي أو الكاتب هي إخلاص النية وحسن الصلة بالله تعالى فإنها أولى الوسائل التي تساعد المتحدث على جمع وكسب قلوب الناس هي إخلاص نيته لله وتنقيتها من كل شوائب وحسن الصلة بالله عز وجل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله تعالى يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض ) رواه مسلم، فحب الله للعبد يتبعه حب الناس لذا فعليه أن يجيد فن التعامل مع الناس. فليكن المرء كالنخلة يرميها الناس بالحجارة وترميهم بالثمار فهؤلاء الذين امتلأت قلوبهم بالإيمان الصحيح بالله تعالى والذي يثمر العمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق وأحوال الدنيا وأهوال الآخرة فلهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج ويبعد عنهم أسباب القلق والهم والحزن، فهدي الدين الحنيف أوصى بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيورثه؛ فللجار على الجار في القيم الإسلامية وفي الآداب الشرعية حقوق تشبه حقوق الأرحام وهو الشيء الذي يلفت النظر، فمن هذه الحقوق المواصلة بالزيارة والتهادي تعبيرا عن المودة والزيارة حين المرض والمواساة حين المصيبة والمعونة حين الحاجة وكف الأذى لذا تتبوأ الأخلاق الإسلامية مكانة عالية ومنزلة رفيعة عظيمة فإن حسن الخلق هو الدين كله وهو جماع لكمال الإيمان لذلك جعل رسولنا صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته هو ترسيخ مبادئ الأخلاق في نفوس الأمة فوضع المنهج للأمة في مكارم الأخلاق وحرص صلى الله عليه وسلم على توكيد هذه المبادئ العادلة حتى تعلمها أمته جيدا فلا تهون لديها قيمة الخلق وترتفع قيمة الامتثال في أنفسهم، فعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وأشرف المنازل وأنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم ) رواه مسلم، ولكن بعض المنتسبين إلى الدين قد يستسهلون أداء العبادات المطلوبة ويرتكبون أعمالا يأباها الخلق الكريم والإيمان الحق، وإن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم توعد هؤلاء الخالطين وحذر أمته منهم وفي هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال له: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال: لا خير فيها هي في النار ثم قال يا رسول الله إن فلانة تصلي المكتوبة وتتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي جيرانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي في الجنة .فالواعي لأحكام دينه أحسن الناس معاملة لجيرانه وأكثرهم برا بهم وخوفا عليهم وذلك لأنه يعي هدي الإسلام وتوصياته الغنية بالجار والمكانة الرفيعة التي أحله إياها في سلم العلاقات البشرية، فقد أمر الله تعالى في محكم كتابه بالإحسان إلى الجار والجار ذو القربى هو الذي تجمعك به مع الجوار آصرة النسب والدين والجار الجنب هو الذي لا تجمعك به صلة من نسب والصاحب بالجنب هو الرفيق في أمر حسن فكل من جاورك في السكن له عليك حق الجوار ولو لم يكن بينك وبينه وشيجة من نسب أو رابطة من دين وفي هذا تكريم للجار أي تكريم في شريعة الإسلام السمحة الغراء للإنسانية ومن هنا تأتي أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تترى موصية بالجار على وجه العموم غير ناظرة إلى قرابته أو دينه مؤكدة أهمية علاقة الجوار في الإسلام فتبلغ الوصية بالجار حدا من الأهمية والخطورة يجعل الإحسان إليه والتنزه عن أذاه علامة من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت".

2797

| 14 أغسطس 2014

العجلة من الشيطان

يجب على المرء الاهتمام بنفسه ودعوتها للخير وزجرها عن الشر فإن روح المبادرة قائدة ودليل إلى النجاح، فإيجابية المسلم تعود عليه بالنفع وتتعدى إلى المجتمع فيصلح الله به المجتمع. فبالإنسان الصالح فيقوى المجتمع ويتعاون أفراده فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فإن من أبرز سمات الإيجابية في الشخصية الإسلامية كما يريدها ديننا الحنيف هو دعوتها لكي يتحمل صاحبها المسؤولية، فإن العجلة من الشيطان لذا دائما ترى المسلم يتريث في كثير من الأمور لأننا نستمد تعاليمنا وقيمنا ومبادئنا من مبادئ شريعتنا السمحة ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فالإسلام دين الحضارة والرقي والتقدم يأمرنا بالخير وينهانا عن كل شر، فيأمرنا بما ينفعنا في ديننا ودنيانا، فاعتنى الهدي الإسلامي ببناء الشخصية المتوازنة، لذلك اهتم بالحث على طلب العلم وحب التعلم فكانت أول آيات القرآن الكريم نزولا على رسوله صلى الله عليه وسلم هي قول الله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق:1، لذلك يجب على المرء ان يتأنى في أموره حتى يسلم من الزلل والوقوع في الخطأ. فعندما يقع في الخطأ يتحسر ويندم عندئذ لا ينفع الندم. فلابد وأن نعلم أن الانسان خلق من عجل لذا فهو يستعجل في أموره وفي حكمه على الأشياء وفي تقييمه للأفكار والأشخاص، ولا يتأنى حتى يتبين الصواب ويتثبت من الأمر وتلك العجلة طبع في كثير من الناس، يعني في طبعه العجلة في كثير من الأمور، ولكن من رحمة الله به أنه لا يعجل له الشر الذي يريده بل يمهله ويريه الآيات ويعطيه الفرصة بعد الفرصة.فلقد كرم الله سبحانه الإنسان بالعقل والحواس لأنهما الطريقان إلى المعرفة واستجلاء الحق والحقيقة، واكتشاف عظمة الله في دقائق الكون وإبداع الحياة، وكرمه أيضا بالاستخلاف في الأرض أي أنه يسير على وفق ما أراده الله تعالى والذي يريده الله منه أن يكون سيد هذه الأرض، ومالكا لزمامها، فمن أسوأ ما يقع فيه الناس العجلة أي التسرع في الحكم على الأمور من غير وقوف على حقيقتها وظروفها ولا مراجعة لما وراءها، بل يحمل حب الشهرة والظهور أن البعض من الناس يعلقون على ما لا علم له به، والتحدث فيما لا شأن لهم به وانتقاد ما لا وقوف له على حقيقته وأبعاده، فإذا ما اتضحت الأمور وبانت الحقائق وجدته كمن امتلأ فمه ماء لا يكاد ينطق، والأعجب أن يتكرر هذا من الشخص مرات عديدة ولا يفكر في مراجعة هذا المنهج الفاسد في النظر إلى الأمور وتقييم الوقائع والأشخاص، فيسلم من الزلل والخطأ ففي التأني السلامة، فالعاقل اللبيب الذي ينأى بنفسه عن أسلوب العجلة في الحكم على الأمور فإن للصبر والتؤدة ثمارهما الطيبة إذا كان بالجدية والبحث عن حلول ناجحة للمشاكل، ويكون المرء قيمة لا يستهان بها، فهو يقوم بدور البناء في سبيل إعداد العقول للتفكير الهادئ للوصول إلى الحق، فمن كان طلبه الحق وغرضه الحق وصل إليه بأقرب الطرق وألطفها، فالخالق سبحانه وتعالى قد كرم بني آدم ومن تكريمه للإنسان تسخير الكون له وجعل له الطبيعة كلها تحت تصرفه وهذا مما بينه القرآن الكريم أوضح بيان يقول تعالى: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الجاثية: 13، وما دام أن هذا الكون مسخر للإنسان ومذلل له فعليه أن يستخدمه لخدمة الإنسانية ومصلحة الحضارة وارتقاء الحياة، فلا يتسرع ولا يتعجل والعجول كثير الوقوع في الخطأ، قليل التقدير لعواقب الأمور، فإياك والعجلة فإنها تسمى أم الندامة لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويعزم قبل أن يفكر، والمتأمل في آيات القرآن الكريم يعلم علم اليقين أن من تأنى نال ما تمنى، فالمتدبر في آيات القرآن الكريم في سورة الكهف قد يرى في قصة سيدنا موسى عليه السلام والخضر عندما قال له: هل اتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. فقال له: إنك لن تستطيع معي صبرا. فلما رأى منه ما فعل من خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار لم يصبر، وإنما اعترض في كل مرة حتى قال له الخضر: هذا فراق بيني وبينك. فانظر كيف كان استعجال سيدنا موسى عليه السلام حتى قال له هذا فراق بيني وبينك، ففوت عليه وعلينا معرفة المزيد مما يفعله الخضر حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(وددنا أن موسى صبر حتى يقص علينا من أمرهما) رواه البخاري، لهذا فقد دعانا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التأني وذم العجلة، بقوله ان التأني من الله والعجلة من الشيطان.

1874

| 08 أغسطس 2014

العبادة تربية للنفوس

إن الحق سبحانه وتعالى فرض علينا الفرائض ليطهر بني البشر فيلقوا الله تعالى وهو راض عنهم وسميت هذه الفرائض أركان الإسلام يقول صلى الله عليه وسلم:(بني الإسلام على خمس شهادتي ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاعإليه سبيلا) رواه البخاري.وتمتاز الشريعة الإسلامية بيسرها وسماحتها وحيث أن هذا الدين هو الدين الخاتم وشريعته هي المهيمنة على كل الشرائع وهذه الأمة هي الأمة الوسط تجلت وسطية هذا الدين في فرائض الدين إن كان الصيام مقررا وفريضة قديمة على المؤمنين في كل دين كما قال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) سورة البقرة 183 .والمسلمون بذلك ليسوا بدعا بين الأمم إلا أن الإسلام هو الدين الوسط الذي يلبي حاجات الإنسان ويرعى احتياجاته فكان الصيام أياما معدودات شهرا واحدا في السنة كلها فليس مفروضا العمر كله أو تكليف بصيام الدهر بل إنه يراعي ويلبي حاجات الإنسان.فإن المسلم الذي يلبي نداء الله عز وجل مستشعرا عظمة الخالق سبحانه وتعالى. يعلم حق العلم أنه ما خلق في هذه الحياة إلا للعبادة لذا فهو يشعر بلذة المناجاة عندما يتضرع إلى ربه وهو يؤدي هذه العبادة. فهو يعلم علما يقينيا لاشك فيه أن الشريعة كلها مصالح إما تدرأ مفسدة أو تجلب مصلحة فإن سمعت قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلاَ خيراً يحثك عليه ويأمرك به، أو شرا يزجرك عنه وينهاك عن فعله.فعظمة الإسلام تتجلى في هديه القويم وآدابه السامية والتي تتمثل في أنه دين عملي وواقعي وحركي. لذلك فإنه ينطلق بالمسلم من حيث هو يأخذ بيده ويرتقي به ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته، وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية،وذلك من خلال العبادات التي افترضها اللهسبحانه وتعالى عليه. وأنه دين لا يغفل أي موقف يحياه المسلم إلا ويجعله منطلقا للارتقاء به، وأنه دين يجعل من عباداته عاملا أساسيا في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها بالعبادات وإصلاحها، وأنه دين يجعل الأخلاق مقترنة في تلازم وتجانس بديع لتكون هذه الأخلاق وهذه القيم أثرا من آثار العبادة المقبولة: فالصلاة صلة بين العبد وربه تترك من الآثار الإيجابية في نفس المسلم ما يميزه عن غيره فهي تنهاه عن الفحشاء والمنكر وتعوِده على الانضباط والإتقان، والزكاة التي يتقرب بها العبد إلى ربه ببذل النفيس من ماله بنفس راضية وبقلب مطمئن بالإيمان فهي مدرسة للبذل والعطاء وطهرة للنفوس وتكافل اجتماعي بناء، والصيام الذي يدرب المسلم على الصبر بأنواعه ويوحد مشاعر المجتمع في حالة يعز نظيرها مما يجعل المؤمن يتقرب إلى ربه بعظيم القربات من تلاوة للآيات وإنفاق للصدقات وإحساس بالفقراء.وعبادة الحج فتتجسد فيها قمة العمل التربوي لتصبح ميدان تربية متكاملا يكون له أكبر الآثار الإيجابية ومنها، والصيام يختلف عن بقية العبادات في أنه تهذيب قويم للنفس وإصلاح وتغيير للسلوك، بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى وذلك لأن لو شاتمه أحد أو سبه فليقل إني صائم وإن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الصيام مدرسة تربوية متكاملة اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال، فتجد استعداد النفس المسلمة الراضية المتمثلة للتوجيهات الربانية وهي مظاهر تدل على مدى حرص المسلم وإقباله طواعية على هذه العبادة مما ييسر تحقيق الآثار الإيجابية والتربوية في النفس. فالدروس والعبر من العبادات كثيرة لا يمكن حصرها ولا تقف عند شكل ما بل تمتد لتشمل حياة المسلم كلها، وحياة المجتمع من حوله، فتكون التربية من خلال فريضة الصيام تربية ذات أثر إيجابي في الفرد والمجتمع.فما أروعها من فرصة للمسلم كي يغير من نفسه ويرتقي بها، للوصول إلى الهدف المنشودفي إصلاح النفس وتربيتها وتزكيتها. لأن المسلم من خلال .تلك العبادة يكون قد عايش عناصر العملية التربوية كاملة من استعداد نفسي وبيئة صالحة ويكون أيضا قد تفاعل معها وتأثر بها، وبالتالي كان ولا بد أن يظهر الأثر بعد إتمام شهر رمضان في شخصية المسلم فيعينه الله في إحداث هذا التغيير الشامل في النفس (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)محمد: 17 .فإن إصلاح العباد لا يأتي من طريق التشدد في الأحكام ولكن يأتي عن طريق إصلاح تربيتهم وقلوبهم وإحياء شعور التقوى في أرواحهم.وإذا صح التشديد في أحكام المعاملات عند فساد الناس كعلاج رادع وسد للذرائع.فإن الأمر في الشرائع التعبدية يختلف إذ هي حساب بين العبد وربه لا تتعلق به مصالح العباد يفرضها الحق على الناس ليطهرهم بها تطهيرا.

2247

| 01 أغسطس 2014

المسلم كالنخلة

إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الدنيا عبثا، بل خلقها لحكمة وعمرها بالبشر، إني جاعل في الأرض خليفة، فالإنسان مستخلف في الأرض، والمرء الصالح القوي هو الذي لا يقف من الأحداث موقفا سلبيا، فهو مسؤول عن نفسه وعن زوجته وأبنائه وعن مجتمعه ووطنه، لذلك فهو يقف دائما موقفا إيجابيا، ولا شك أن اكتساب القوة والتحلي بها من علامات الايجابية، والإسلام يدعو المسلمين أن يكونوا أقوياء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لَو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم، والتطلع إلى ما عند الله من نعيم والخشية مما لديه من أنكال وجحيم، يجعل المسلم يسعى نحو الخير ويبتعد عن الشر، لأنه يعلم أن الله يراقبه فيطمع في رحمته وما عند الله من نعيم، ومن هنا كان لزاما على المسلم أن يعتني بروحه فيقبل على صقلها بالعبادة والمراقبة لله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار، بحيث يبقى يقظا متقيا أحابيل الشيطان الماكرة ووسوسته المردية، فإذا مسه طائف من الشيطان في لحظة من لحظات الضعف البشري، هزته الذكرى فارتد بصيرا متيقظا تائبا مستغفرا، فإن ديننا الحنيف يرشدنا إلى الخير ويأمرنا به ويبعدنا عن الشر وينهانا عنه، فالمسلم كالنخلة يرميها الناس بالحجارة وترميهم بالثمار، فإيجابية المسلم تعود عليه بالنفع وتتعدى إلى المجتمع، فيصلح الله به المجتمع، فبالإنسان الصالح يقوى المجتمع ويتعاون أفراده، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فإن من أبرز سمات الإيجابية في الشخصية الإسلامية كما يريدها ديننا الحنيف هي دعوتها لكي يتحمل صاحبها المسؤولية.فالمسلم الحق يجب عليه أن يكون عنصرا فعالا في الحياة والمجتمع ومؤثرا نحو الخير إيجابيا لا سلبيا، فالكثير منا يحتاج إلى من يدفعه إلى الطاعة، وإذا لم يجد من يدفعه قعد واستراح، ومنهم من لا يندفع مهما دفعه الدافعون ومهما حثه الغير، ويفر أصلا من تحمل مسؤولية نفسه، فلا يعمل الخير، الواجب عليه فضلا عن أن ينقله للآخرين أو يحث الآخرين عليه أو يدفعهم إليه، فلنحرص على أن نكون أقوياء نؤثر في الغير لا ضعفاء نحتاج إلى الغير، فكن كالقطار يحمل الناس ولا تكن محمولاً، وبدلا من أن تحتاج إلى من يدفعك، كن مستقيما نشيطا تدفع غيرك وتصلح غيرك، ولا تتكل على غيرك، فإذا لم نتعاون على البر والتقوى لن نجد أثرا وتأثيرا في المجتمع لا تقل يئسنا ولا تتشاءم ولا تقل نفسي نفسي، فإنه يجب عليك أن تبذل جهدك في تغييرهم وإصلاحهم وتقويمهم ضمن ضوابط الحكمة والاتزان، فإنك لا تدري أين يكون الخير وأين يكون التأثير وممن يكون ومتى يكون نغيِر السيئ إلى الحسن والحسن إلى الأحسنِ، إذا كان كل واحد سيقول ما الفائدة، فلن نستطيع أن نفعل شيئا، وعندئذ يزداد الشر ويقل الخير، لكن إذا كان كل واحد يتجه إلى نفسه أولا محاسبا لها مزكيا مطهرا مصلحا، ثم يلتفت إلى من حولَه فيدعو إلى الخير والإصلاح، ثم يلتقي مع إخوانه الشباب والرجال الذين صلحت قلوبهم واستقامت سلوكياتهم، فيضع يديه بأيديهم فيتم البناء لبنة فلبنة، ومن هنا نجد التوجيه النبوي إلى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان.لذا يجب على المرء الاهتمام بنفسه ودعوته للخير وزجرها عن الشر، فإن روح المبادرة قائدة ودليل إلى النجاح والتفوق، والحياة مليئة بفرص الخير ومجالات التقدم كثيرة، ولكن يقل من يتقدم لنيل المبادرة وقصب السبق، ونحن متفاوتون في طريقة استقبالنا لمثل هذه الفرص، فالبشر تواقون إلى النجاح والإنجاز في حياتهم الشخصية والعملية، ولكن النجاح الدائم حلم صعب المنال، فالإنسان الصالح الذي يغتنم أيامه ولياليه في طاعة الله تعالى، فيبقى له العمل الصالح الذي يصعد إلى الله فيكون حجة له يوم القيامة يدافع عنه ويكون وسيلة لنيل أعلى الدرجات عند الله تعالى، ولا يعني مرور الأيام الطيبة أن المسلم يقف عند هذا الحد كلا وألف كلا، وإنما أفضل الأعمال أدومها وإن قل، فليست العبرة بالكم وإنما العبرة بالكيف وبمدى قربك لله تعالى وامتثالك لأوامره والإذعان له بالطاعة في كل وقت وحين، والسعي نحو الأفضل ليكون الإنسان الصالح ومنه يكون المجتمع الصالح، فإننا ننجح عندما نضع أهدافا واضحة ومحددة ونسلك درب الاجتهاد والجد والمثابرة، للوصول إلى هذه الأهداف فيكون الإنسان الصالح مثمرا كالاشجار الطيبة تؤتي ثمارها بإذن ربها.

1138

| 31 يوليو 2014

نشر الشائعات

إن الإنسان في رمضان يعلم قيمة الوقت وفوائده فهو يستثمر أيام رمضان ولياليه في الذكر وتلاوة القرآن والبر ووجوه الخير ولا يقتصر اهتمامه بالوقت على رمضان فقط إنما يستثمر في زمان ومكان في ما ينفع ويفيد، فلا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك ثروات مهمة وطاقات لايستهان بها، تهدر وتذهب سدى في مجتمعنا، فقد تعتمد وسائل الاتصال في جميع أنحاء العالم على عامل الإثارة الخبرية وتصوير الأحداث وأحيانا كثيرة المبالغة فيها لجذب الناس وكلما كان الخبر أكثر تشويقا كلما زاد عدد من يتابعون هذه الأخبار، ولتحقيق هذا الغرض تحاول وسائل الإعلام تسليط الضوء على كل حدث وخصوصا المشاكل الاجتماعية السياسية والاقتصادية ثم تضيف من عندها الكثير من عوامل الإثارة لإيصال وجهة النظر التي ترغب بها إلى العامة وبسبب هذا التركيز على الجوانب السلبية في الحياة مما يزيد من الشائعات أو تفعيلها لتصبح حقيقة ثابتة.فإن الأبحاث التي أجراها علماء النفس أثبتت بما لا يقبل الشك بأن لوسائل الاتصال علاقة مباشرة في إثارة الشائعات وتناقلها وتضخميها ،مما يوجب علينا بيان أضرار الشائعة وأسبابها وكيفية التعامل معها حرصا على سلامة المجتمع ونشر المصداقية، فالشائعات آفة ضارة تلحق الأذى بالفرد والمجتمع ويختلقها ضعاف النفوس ويتناقلها الناس في ظل غياب الإعلام الواعي و المعرفة بالحقائق، من دون تفكير في عواقبها ومن الناحية النظرية كان من المتوقع أن تتراجع الشائعات مع هذا الانتشار الرهيب لوسائل الإعلام حيث لم يبق هناك شيئا مخفيا، ولكن الواقع أن الشائعات تتزايد باستمرار بل وتستفيد من وسائل الاتصال العادية والإلكترونية للمزيد من الانتشار وذلك لما جبلت عليه نفوس البشر من رغبة أكيدة في تناقل الأخبار والظهور بمظهر العليم بالأحداث وبواطن الأمور.إن التدين الواعي والالتزام الصحيح كفيلان بصيانة الأمة من ضلالة الشائعة كما يوفر لها أمنها وسلامها، وفي غيبة الدين الحق تنتشر آثام الشائعة بلا رادع ولا زاجر، وإذا غابت الحصانة الواقية والدرع المانعة المتمثلة في المنهج الإسلامي الحكيم الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته و امتثلوا له أكرم وأعظم امتثال، كان هذا الأمر له مسوغات في الإسلام على طريقه محاذير تراعى إذ لابد أن يكون هذا الأمر في إطار تحقيق مصلحة حقيقية لمجتمع المسلمين، ومن غير إضرار بمسلم ودون انتهاك لحرمة أو تعدي على قيمة فاضلة، على هذا الأساس يمكن توظيف الشائعة في توفير الأمن للأمة في مواجهة أعدائها، فهناك الكثير من الاقتراحات لمكافحة الشائعات المغرضة أو الضارة و الحد من انتشارها تشمل معاقبة مروجي الشائعات و نشر الحقائق وعدم الاستماع أو الاستجابة للشائعات، ومن المهم أن يكون المجتمع متمتعا بنوع من حرية التعبية وإمكانية الرجوع إلى مصدر الخبر، ويجب أن تكون هناك تشريعات معينة رادعة، ويجب مكافحة الشائعات مهما كانت صغيرة بعرض الحقائق حولها، فقد تتحول الشائعة إلى حقيقة إذا لم يكن هناك رادع أو إذا لم نعط الفرصة لتفنيد هذه الادعاءات فالانطباع الذي يتولد عند الفرد في غياب الرد هو أن الشائعة حقيقة، وللحد من ترويج الشائعات لابد من إيجاد عقوبات بحق كل مروج للشائعة، كما يجب على كل فرد في المجتمع الامتناع عن بث الشائعات، ينبغي علينا جميعا أن نحسن الظن ببعض أفرادا وجماعات فلا ننساق وراء الشائعات المغرضة التي لا هدف لها إلا هدم الوطن ونعود كما كنا في السابق أخوة في الوطن متحابين مترابطين لا تفرقنا شائعة، فمن المعلوم أن الإسلام قد اتخذ موقفا حاسما حازما قويا من الشائعات ومروجيها لما يترتب عنها من آثار سلبية تزلزل كيان المجتمع وتؤثر علي تماسكه وتلاحم أبنائه وسلامة لحمته كما توعد الله تعالي أولئك الذين يلوكون في الأعراض ويسرهم إشاعة الفاحشة في المجتمع بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة أما المسلم الحق هو الذي يحفظ جوارحه طمعا في رحمة ربه.

829

| 27 يوليو 2014

الغيبة والنميمة

إن التنشئة الاجتماعية هي عملية تمرير للقيم الدينية والخلقية والثقافية من جيل إلى جيل وبذلك تكون عملية حضارية تحمل في طياتها قيم علاقات التعاملالاجتماعي بين الأفراد، كالصدق والتعاون والتكافل. فهي تتضمن عملية ضبط اجتماعي للفرد، فعن طريقها تتعلم الأجيال الجديدة والحقوق والواجبات داخل المجتمع، فتحقق عن طريق اختيار العناصر الصالحة والتي تؤدي إلى رقي الفرد والمجتمع.ويدخل في ذلك ما يلقنه الآباء والمدرسة والمجتمع للأفراد من لغة ودين وتقاليد وقيم ومعلومات ومهارات، فالمسلم في رمضان يصوم وتصوم جوارحه عن فعل كل محرم يخاف الله، يرجو رحمته ويخشى عذابه.فلقد خلق الله تعالى الإنسان لغاية وأسمى هذه الغايات العبادة، فقد منَّ علينا سبحانه وتعالى بنعم عظمية .« وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها » وجليلة ومن هذه النعم الجوارح التي ينبغي على كل إنسان توظيف هذه الجوارح وتسخيرها في طاعة الله تعالى والقرب منه، حتى تكون هذه الجوارح لنا نعمة وليستنقمة ومن هذه الجوارح اللسان، فهو نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل، له في الخير مجال واسع وله في الشر ذيل طويل، فمن أطلق لسانه وسلك به سبل الشيطان فإن مصيره الهلاك بلا شك، ولا ينجو الإنسان من شر اللسان إلا من قيده بأمور الشرع، فلا يتكلم إلا بما ينفعه في الدنيا والآخرة واللسان أعصى الأعضاء على الإنسان وهو أعظم وسيلة يستخدمها الشيطان ضد بني آدم، ومن هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: (كفَّ عليك هذا، يعني اللسان، فقال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) رواه أحمد. لذلك يجب على كل مسلم امتلأت نفسه رضا وطمأنينة بروح الإيمان الندية وخالطت نفسه تعاليم الإسلام وهدايته السمحة، أن يعلم أن اللسان له تبعات خطيرة ربما تكون سببا لحتف الإنسان في المهالك خاصة وهو صائم حتى لا يضيع صيامه فهو يحفظ لسانه من كل سوء ومن اللعن والسب والشتم وما يكون سببا للقطيعة بين المسلمين، كالغيبة والتحدث عن الناس والسعي بين الناس بالباطل لمثل ها يورده المهالك، فالمسلم يعلم لذلك، فهو عنها بعيد جدا، وإنه ليزداد عنها بعدا كلما تبدت له الأسوة الحسنة مجسدة في هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم تصدر عنه كلمة واحدة تخدش سمع السامع، أو تجرح شعوره أو تمس كرامته ويبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذروة في اجتثاث عوامل الشر والحقد والعدوان من النفوس حتى يصور للمسلمين المصير الأسود الخاسر لمن أطلق لسانه في أعراض الناس، فإذا بتلك الشتائم الجوفاء والقذف الأرعن والاعتداءات البشعة الرخيصة التي بدرت منه ذات يوم، تأتي على كل ما جناه في حياته من حسنات، وترده مفلسا خالي الأعمال من كل عاصم يعصمه من النار يوم الحساب الرهيب.ومن حكمة الله تعالى أن جعل جميع أعضاء الجسم تطالب اللسان بالاستقامة، فما من صباح يصبح فيه الإنسان إلا وأعضاؤه تذكر اللسان وتقول له: اتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا.واللسان فيه آفتان عظيمتان إن تخلص من إحداهما لم يتخلص من الأخرى، آفة الكلام وآفة السكوت، فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص لله مراء والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص لله.ولقد صدق من قال: عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان، وإياك أن يضرب لسانك عنقك، فضربة اللسان أسوأ من طعنة الرمح وكلام المرء بيان فضله، وترجمان عقله، وإن بلاء الإنسان من اللسان، أما أهل الاعتدال وهم أهل الصراط المستقيم الذين ساروا على هدي الإسلام وتعاليمه، فقد كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعه في الدنيا والآخرة.

1603

| 26 يوليو 2014

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1944

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1137

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1065

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

840

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

819

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

789

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
التاريخ منطلقٌ وليس مهجعًا

«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...

720

| 21 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

663

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

633

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

549

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

525

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
التحول الرقمي عامل رئيسي للتنمية والازدهار

في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...

501

| 23 ديسمبر 2025

أخبار محلية