رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

اشتر الآن وتألم لاحقًا

أصبحت تطبيقات «اشتر الآن وادفع لاحقًا»، التي تسهل إجراء عمليات شراء كبيرة، بدون فوائد إذا قام المشتري بسداد الأقساط في الوقت المحدد، تُعرف باسم «اشتر الآن، وتألم لاحقًا»، نظرًا لسهولة استخدامها وعدم وجود قيود على الشخص الذي يستفيد من الخدمات المتعددة لهذه التطبيقات وهو ما يؤدي إلى وقوعه ضحية للديون. فهل هذا القلق مبالغ فيه، وهل تساعد خدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق» في تعزيز الشمول المالي؟ النتائج مختلطة بشكل مدهش. وليست الفكرة الكامنة وراء هذه التطبيقات الحديثة بجديدة. فمنذ عقود عديدة، كان من الممكن الحصول على قرض بدون فوائد لشراء كميات كبيرة من السلع، في تجارة التجزئة للأثاث على سبيل المثال. وما تقدمه التكنولوجيا الرقمية هو السهولة والسرعة في إتمام المعاملات. وتشعر الجهات التنظيمية بالقلق من أن الطبيعة الخالية من الاحتكاك لهذه المعاملات، والحرية في الاقتراض من مقدمي خدمات متعددين، من شأنها أن تعرض المواطنين غير المقتدرين ماليًا لمخاطر التعرض لديون خطيرة. وفي خدمة «الشراء الآني والدفع اللاحق»، عادةً ما يدفع المشتري 25% من قيمة الشراء على الفور، مع استحقاق ثلاث دفعات متبقية تبلغ نسبة كل منها 25% على فترات شهرية بدون فوائد إذا قام المشتري بالسداد في الموعد المحدد، ولكن مع فرض رسوم إذا لم يقم بذلك. ويكسب مقدم الخدمة المال من عمولات التجار بالإضافة إلى رسوم التأخر في السداد. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي السوق الأكثر نضجًا لخدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق». فقد نمت سوق هذه الخدمات بمقدار عشرة أضعاف بين عامي 2019 و2021، وتسارعت وتيرة نموها بسبب جائحة كوفيد-19، لتصل إلى 24.2 مليار دولار من 2 مليار دولار فقط. ولا يوجد مقدم لهذه الخدمة في قطر، لكن شركة تابي «Tabby» تُعدُ من الشركات التي تقدم هذه الخدمة وتركز على منطقة الخليج، حيث وصلت إلى مستوى «الشركات الواعدة» بقيمة سوقية تزيد على مليار دولار. ومن بين الشركات الأخرى شركة تامارا «Tamara» وشركة بوست باي «Postpay». فهل ينبغي للجهات التنظيمية أن تشعر بالقلق إزاء تأثير خدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق»؟ تكشف البيانات المتعلقة بالاستخدام والتخلف عن السداد عن صورة معقدة. ففي عام 2022، أشار تقرير صادر عن مكتب الحماية المالية للمستهلك إلى أن الغالبية العظمى من المقترضين لا يتخلفون عن السداد، ولكنه أشار أيضًا إلى أن معدل التخلف عن السداد كان في ازدياد من نسبة 7.8٪ من المقترضين الذين دفعوا رسوم تأخير مرة واحدة على الأقل، إلى نسبة 10.5٪ في الفترة من 2020 إلى 2021. وفي حين كانت شركات التكنولوجيا المالية تهيمن هذا القطاع، فإن شركات أكثر رسوخا، بما في ذلك آبل «Apple» وأمريكان إكسبريس «American Express»، بدأت تتجه إلى هذه السوق. ومع ذلك، توصلت دراسة إلى أن مستخدمي خدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق» كانوا أكثر ميلاً إلى استخدام منتجات ائتمانية أخرى مثل بطاقات الائتمان والقروض الشخصية، وظهرت عليهم أعراض الضائقة المالية. وتوصلت دراسة اخرى إلى أن معدل التخلف عن سداد الائتمان الإجمالي في الولايات المتحدة لمستخدمي هذه الخدمات بلغ 18%، وهو أكثر من ضعف معدل مستخدمي خدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق» الذي بلغت نسبته 7%. ويمكن أن يكون لمستويات الديون التي لا يمكن تحملها تأثيرات تمتد مدى الحياة، بما في ذلك تأثيرات على التصنيف الائتماني. ولذلك، على الرغم من أن الغالبية العظمى من مستخدمي خدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق» لا ينتهي بهم الحال إلى تكبد ديون معقدة، فإن الأقلية الصغيرة التي قد تتعرض لذلك قد تتراكم لديها مستويات كبيرة من الديون الموزعة عبر منصات متعددة، بما في ذلك مقدمي الائتمان التقليديين. ويستخدم الشباب خدمات «الشراء الآني والدفع اللاحق» بكثافة، وتكون أكثر المشتريات شيوعًا هي الأثاث والإلكترونيات والملابس. ويمكن أن تكون هذه الخدمات إيجابية للشمول المالي حيث لا يحتاج المرء إلى امتلاك حساب مصرفي أو الحصول على بطاقة ائتمان. وينجذب تجار التجزئة إلى هذه الخدمة لهذا السبب، ولأن سهولة الاستخدام يمكن أن تعزز المبيعات. ويتعين على الجهات التنظيمية التأكد من أن تجار التجزئة لا ينقلون تكلفة عمولاتهم إلى للعملاء، حيث يمكن أن يؤثر ذلك على معدل التضخم، وأن الجهات التنظيمية بحاجة إلى النظر للصورة الإجمالية، وليس فقط إلى مقدمي الخدمات المنفردين.

441

| 17 نوفمبر 2024

مستقبل العملات المشفرة

في غضون ثلاثة أيام خلال شهر أكتوبر الماضي، استثمرت شركة بلاك روك، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، مليار دولار في عملة البيتكوين، من خلال صندوقها الاستثماري المتداول في البورصة. وقد تحولت العملة المشفرة البارزة من كونها عملة تُستخدم على هامش النشاط الاقتصادي إلى عملة رئيسية في غضون بضع سنوات فقط. ووصف روبي ميتشنيك، رئيس قسم العملات المشفرة في شركة بلاك روك، عملة البيتكوين بأنها أصل «يحد من المخاطر». وقد أصبحت صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين الآن فئة راسخة من فئات الأصول، تحظى باحترام مثلها في ذلك مثل الأسهم أو السندات الحكومية. وجمع صندوق iShares Bitcoin Trust التابع لشركة بلاك روك حوالي 1.9 مليار دولار، بينما اجتذب صندوق Fidelity Wise Origin Bitcoin Fund للبيتكوين حوالي 1.6 مليار دولار. كما جمعت صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين الفورية حوالي 22 مليار دولار. ولعل أكبر دفعة لبروز العملات المشفرة جاءت هذا الشهر مع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية وسيطرة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ. وكان ترامب قد دافع عن البيتكوين، واقترح إنشاء بنك احتياطي فيدرالي للبيتكوين، وشجع على تعزيز استخدامه في الولايات المتحدة. وربما يكون الأهم من ذلك كله هو أنه كان قد وعد بإقالة جاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصة. وقد رفع جينسلر دعاوى قضائية ضد مشاريع التشفير لانتهاكها المزعوم لقوانين الأوراق المالية، في إطار سياسة يزعم المتحمسون للعملات المشفرة أنها تعوق الابتكار. ويرى جينسلر وغيره من المتشككين في العملات المشفرة أنهم يحمون المستثمرين الأفراد، ولا يعرقلون التقدم وأن انهيار شركتي FTX و Terra Luna للعملات المشفرة في عام 2022 دق أجراس الإنذار بهذا الخصوص. وقد تحدث المزيد من الفضائح بعد إلغاء القيود التنظيمية وفتور الحماس للعملات المشفرة، ولكن في الوقت الحالي يمضي التوجه في اتجاه واحد. وخلال قمة صندوق النقد الدولي التي عُقدت في العاصمة الأمريكية واشنطن، في نفس الوقت تقريبًا الذي استثمرت فيه شركة بلاك روك مليار دولار، كانت بعض الجلسات التي حظيت بأكبر عدد من الحضور هي تلك التي تناولت مواضيع العملات المشفرة والعملات الرقمية. وكان الكثير من النقاش يدور حول التنظيم، كما قد يتوقع المرء بين جمهور ضم العديد من محافظي البنوك المركزية والإداريين. ومع ذلك، لا يعني التنظيم بالضرورة فرض قيود على النشاط، بل ضمان وجود تدابير حماية وشفافية أكبر. ولا يزال من المبكر تقييم تأثير التغيير في قيادة هيئة الأوراق المالية والبورصة (SEC). وجاء المزيد من التأكيد على أن الأصول المشفرة جزء رئيسي في الاستثمار المؤسسي مع خبر أن صندوق جامعة إيموري، الذي يتخذ من مدينة أطلانطا بولاية جورجيا مقرًا له، أكد ملكيته لأسهم بقيمة 15 مليون دولار في صندوق Grayscale Bitcoin Mini Trust. وعلى نحو مماثل، استثمرت بعض صناديق التقاعد في صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين. فقد خصص صندوق معاشات بلدية جيرسي سيتي في ولاية نيوجيرسي 2 % من أصولها في صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين. وتُعدُ عملية الترميز Tokenization تطورًا آخر من المرجح أن ينمو باعتباره اتجاهًا سائدًا. وتمثل هذه العملية إثبات ملكية أحد الأصول الحقيقية، مثل العقارات، في شكل رمز أو رموز على تكنولوجيا سلاسل الكتل Blockchain. ويُمكن أن تسهل هذه العملية الملكية المتعددة للأصل، وتداول الأصول الرمزية. وفي يوليو، أعلنت منصة «مانترا» لسلاسل الكتل التي تركز على الشرق الأوسط أنها ستقوم بترميز أصول عقارية بقيمة 500 مليون دولار لمجموعة (MAG) التي تتخذ من دبي مقرًا لها. وسيكسب المستثمرون عائدًا من خلال العملات المستقرة Stablecoins ورمز (OM) الخاص بمنصة مانترا. وقد تجاوز سعر البيتكوين 76 ألف دولار، بعد أن كان يبلغ حوالي 42 ألف دولار في بداية عام 2024. وارتفع سعر الذهب بالتزامن مع ارتفاع قيمة البيتكوين، ليتجاوز 2,700 دولار للأوقية. وغالبًا ما يُنظر إلى الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وهناك عامل أساسي إضافي وراء ارتفاع أسعار الأصول يتمثل في تراجع الثقة في الدولار الأمريكي. ورغم أن الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية الأساسية، إلا أن قيمته تتأثر بالدين العام الأمريكي المرتفع للغاية، الذي لا تظهر أي علامات تذكر على إمكانية انخفاضه، خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب.

525

| 10 نوفمبر 2024

تأثير السياسة على الاقتصاد العالمي

مع توجه الناخبين الأمريكيين إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل، سيكون لقراراتهم عواقب وخيمة على الصعيدين المحلي والعالمي. وقد تبدو هذه مبالغة، ولكنني لا أعتقد ذلك بعد عودتي للتو من العاصمة الأمريكية واشنطن في أعقاب مشاركتي في قمة صندوق النقد الدولي لأن الانتخابات التي ستُعقد هذا الأسبوع تحظى بأهمية بالغة. وتثير إمكانية فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب احتمالات اندلاع حروب تجارية قد تؤدي إلى تدهور العلاقات بين القوى الكبرى بشكل إضافي، إلى جانب تأثيرها السلبي على التجارة. وكان ترامب قد دعا إلى فرض تعريفات جمركية هائلة على الواردات الصينية تتراوح نسبتها ما بين 20% إلى 60%. ويشكو المحافظون في الولايات المتحدة من أن بنود اتفاقيات التبادل التجاري غير متبادلة وغير عادلة، وهو ما أدى إلى حدوث عجز تجاري أمريكي، وخاصة مع الصين. وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن الرسوم الجمركية التجارية المرتفعة التي اقترحها ترامب من شأنها أن تؤدي إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.8% في عام 2025، و1.3% في عام 2026. وصرَّح بيير أوليفييه جورينشاس، كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، لصحيفة الفاينانشال تايمز بأن هذه التوقعات لم تكن أسوأ سيناريو محتمل، «لأننا نفترض أن هذا النمو سيتوقف بعد جولة واحدة». وهناك دعم قوي لفرض الرسوم الجمركية لدى جناح اليمين في السياسة الأميركية. ويدعو بيان مشروع 2025 الذي صاغه المحافظون الأمريكيون، رغم عدم تأييد ترامب له على وجه التحديد، إلى إنهاء الدعم الذي تقدمه حكومة الولايات المتحدة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما مؤسستان جرى تأسيسهما بموجب اتفاقية بريتون وودز في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وشجعتا التجارة العالمية الحرة، فضلاً عن منح القروض وغير ذلك من أشكال الدعم المقدمة للدول منخفضة الدخل. ومن خارج الولايات المتحدة، قد تكون جاذبية شخصية مثل ترامب، الذي يعارض التجارة الحرة في دولة رأسمالية عظمى، أمرًا محيرًا. وبعد عودتي للتو من الولايات المتحدة، تعرفت على لمحة عن جاذبية ترامب المتزايدة هناك، الذي يُنظَر إليه باعتباره شخصًا سيقاتل من أجل ناخبيه على المسرح العالمي، وسيضع أمريكا في المقام الأول، بحسب تعبيرهم. ويتوقع أنصاره أن يزدهر الاقتصاد الأمريكي بفضل نهجه التدخلي. وتلقى حملاته الدعائية المتواصلة لتقليص مساهمات الولايات المتحدة في ميزانية حلف شمال الأطلسي نسبيًا مقارنة بالأعضاء الآخرين، ومعالجة العجز التجاري مع الصين، استحسانًا لدى العديد من الناخبين. وهناك سمة أخرى تتمثل في أن الأجندة الليبرالية التي يدعمها الحزب الديمقراطي لا تحظى بشعبية لدى العديد من المواطنين الأمريكيين، وليس فقط بين الإنجيليين البيض، حيث تلقى حملات «الاستيقاظ» المتعلقة بحقوق المثليين والمتحولين جنسيًا وسياسات الإجهاض معارضة من عدد كبير من الأشخاص في المجتمعات الإسلامية والكاثوليكية، وكثير منهم من المهاجرين من الجيل الثاني أو الثالث. ويمكن للمرء أيضًا أن يرصد مواقف معادية للهجرة بين أسر المهاجرين من الجيل الثاني، الذين يخشون أن يأخذ المهاجرين غير المسجلين وظائفهم ويتمكنوا من التصويت. وهناك مستوى كبير من الريبة بشأن تغير المناخ في الولايات المتحدة، والدعم المقدَّم لصناعة النفط والغاز. ومن بين الشكاوى التي قدمها كتاب مشروع 2025 أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يستثمران أكثر مما ينبغي في التدابير الرامية إلى مكافحة تغير المناخ، مع تضاؤل الإقبال على البعد البيئي والاجتماعي والحوكمة في مجتمع الاستثمار. وستكون ولاية ترامب الثانية في حال انتخابه مؤثرة بالنسبة لاقتصادات الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تؤدي سياساته إلى انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي المسال حيث يخطط لزيادة إنتاج الولايات المتحدة بشكل كبير مع التخلي عن الالتزامات المتعلقة بخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. وعلى الصعيد الجيوسياسي، يُعرف ترامب بتأييده لإسرائيل، ولكن ذلك لا يجب أن يثير بالضرورة قلق القادة في العالم العربي، لأنه قد يؤدي إلى زيادة نفوذه على القيادة الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالتفاوض للتوصل إلى اتفاق سلام. وفي حال خسارة ترامب للانتخابات، لن تكون هذه نهاية سياساته الشعبوية، حيث تبدو السياسات المتعلقة بالتخلي عن مبادئ التجارة الحرة وفرض سياسات الحماية التجارية، إلى جانب دعم السياسات الصارمة لمكافحة الهجرة، وكأنها تحول استراتيجي دائم في مواقف المحافظين، ليس فقط في الولايات المتحدة بل أيضًا في الدول الأوروبية.

363

| 03 نوفمبر 2024

قمة صندوق النقد الدولي

غالبًا ما يكون من المؤشرات الجيدة للتوقعات الاقتصادية عدم ظهور أخبار تتعلق بالاقتصاد في صدر الصفحات الأولى من الصحف. ورغم هيمنة الصراعات والتوترات الجيوسياسية على الأجندة، فقد انتعش النشاط الاقتصادي في بعض من أكبر أسواق العالم التي تجنبت حالات الركود. وقد مثَّلت بيانات نمو الوظائف في الولايات المتحدة خلال شهر سبتمبر الماضي مفاجأة. فقد قفزت أعداد الوظائف غير الزراعية بمقدار 254 ألف وظيفة، وهو ما يقرب من ضعف العدد الذي توقعه أغلب الخبراء الاقتصاديين. وكان الوقت مبكرًا للغاية بعد خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في منتصف شهر سبتمبر بحيث لا يمكن أن يكون هذا هو السبب المحتمل أو الوحيد وراء هذا الارتفاع. كما تغيرت البيانات في اتجاه الصعود بشكل طفيف خلال شهري يوليو وأغسطس، حيث أظهرت توفير 72 ألف وظيفة أكثر مما أشارت إليه الأرقام السابقة. وانخفض معدل البطالة الرسمي إلى 4.1% من 4.2%. وارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل يبلغ عشر سنوات، وهو ما يشير إلى إمكانية بقاء أسعار الفائدة عند المستوى الحالي من 4.75% إلى 5.0%، بدلاً من خفضها، وهو ما كان متوقعًا قبل الإعلان عن بيانات نمو الوظائف. وربما يكون رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول قد أعلن عن أرقام متفائلة، عبر الإشارة إلى سلسلة من التخفيضات، حيث قد لا تدعم البيانات هذه التحركات. وفي الصين، تحركت الحكومة بشكل حاسم لضخ مجموعة من المحفزات الاقتصادية، بعد فترة من النمو البطيء والانكماش. ففي الرابع والعشرين من شهر سبتمبر، أي بعد أسبوع من خفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة، خفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة الرسمي. كما خفف متطلبات الاحتياطي النقدي للبنوك وخفض تكلفة الرهن العقاري. وخلال الشهر الحالي، يلتقي المشاركون لحضور اجتماع القمة السنوي لصندوق النقد الدولي في واشنطن. ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من الاهتمام بالتركيز على السياسات أكثر من البيانات الاقتصادية. ومن المحتمل أن يكون خفض أسعار الفائدة التالي خلال شهر نوفمبر، لكن احتمالات الخفض تراجعت بعد بيانات نمو الوظائف في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، يشهد هذا الشهر إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهناك انقسامات حادة بين المرشحين، كامالا هاريس ودونالد ترامب، على الرغم من أن العديد من الاختلافات الأكثر أهمية تتعلق بالقضايا الاجتماعية والثقافية. وهناك اختلاف أقل بشأن السياسات الاقتصادية رغم أن بعض هذه الاختلافات جوهرية، حيث لا يدافع أي منهما عن سياسات التجارة الحرة. وكان السيد ترامب قد تحدث عن التعريفات الجمركية العامة المفروضة على الواردات ، بينما تفضل السيدة هاريس تقديم إعانات للصناعات الاستراتيجية وخفض مستوى التعريفات الجمركية. وسوف يتجلى التأثير الاقتصادي للانتخابات الأمريكية أيضًا من حيث تحول الولاءات والسياسات الجغرافية. فقد أكد السيد ترامب علنًا أنه سيتمكن من الإشراف على وضع اتفاق لإنهاء حرب أوكرانيا. ومن المفترض أن يعني ذلك الاتفاق على حدود جديدة على ما يشكل تقريبًا الخط الأمامي الحالي للصراع. ومن المحتمل أن يثير هذا الأمر استياء الجانبين، وسوف تبرز قضية مهمة تتعلق بمراقبة أي اتفاق السلام وإدارته. ولكن إذا صمدت الهدنة، فسوف تكون هناك فرصة لتعافي الاقتصاد الأوكراني والروسي. وقد باتت فرص تحقيق السلام في الشرق الأوسط أقل. ومن المرجح أن تساعد الحرب الشاملة بين إسرائيل وإيران في زيادة شعبية حملة ترامب. وقد يشير فوز ترامب إلى تحقيق الأحزاب اليمينية الشعبوية المناهضة للهجرة في أوروبا للمزيد من الانتصارات. وتشكل السياسة الاقتصادية تحديًا لأوروبا، حيث يتقدم السكان في السن ويبدو النمو ضعيفًا. وهناك اعتبار آخر في الانتخابات الأمريكية، بالنظر إلى مدى الانقسام الحاد في الولاءات السياسية، يتعلق بمدى تقارب نتائج الانتخابات، وما إذا كانت نتائج الانتخابات ستكون غير محسومة، مع احتمال وجود خلفية من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية بعد النتائج. وفيما يتعلق بالاقتصادات الناشئة، من المرجح أن تشهد قمة صندوق النقد الدولي إجراء مناقشات حول عمليات الإنقاذ وتخفيف أعباء الديون. فقد كان عدد عمليات الإنقاذ اللازمة بعد ارتفاع أسعار الفائدة في عامي 2022 و2023 أقل مما كان متوقعًا ــ ولم تتأثر سوى باكستان وبنجلاديش وغانا. ومن المتوقع أن يخف الضغط الآن بعد انخفاض أسعار الفائدة، على الرغم من تراجع احتمالات تنفيذ المزيد من التخفيضات.

291

| 28 أكتوبر 2024

إسقاط قروض الشركات

من بين النتائج المشجعة التي توصل إليها تقرير صدر حديثًا عن المرصد العالمي لريادة الأعمال، بالتعاون مع بنك قطر للتنمية، حول الشركات الناشئة وغيرها من الشركات الصغيرة في قطر ارتفاع مستوى ريادة الأعمال بين السكان، الذي استمر في التصاعد بعد بطولة كأس العالم لكرة القدم. كما ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يديرون شركات تجارية قائمة، من 3.9 ٪ إلى 4.4 ٪ خلال الفترة من عام 2022 إلى عام 2023. وإجمالاً، يُنظر إلى إنشاء المشروع التجاري الخاص بشكل إيجابي باعتباره خيارًا مهنيًا طموحًا. وفي هذا المقياس، تحتل قطر المرتبة الثانية مقارنة بمجموعة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتتأسس العديد من الشركات باستخدام قروض يحصل عليها رواد الأعمال من الأصدقاء وأفراد العائلة والبنوك. وكما هي الحال مع جميع الشركات الناشئة، لا تنجح نسبة كبيرة منها. ومن الوارد أن يكون التقرير قد قلل من مستوى الإخفاق، ليس بسبب أي خطأ من المشاركين في إعداده، ولكن لأن بعض الأنشطة تكون غير مسجلة وبسبب محدودية البيانات. وفي قطر، أسس نسبة عالية من رواد الأعمال شركاتهم الخاصة مع استمرارهم في العمل بدوام كامل في وظيفة آمنة ومجزية نسبيًا في القطاع العام. وتكون قروضهم التجارية بضمان شخصي، وليس بضمان الشركة نفسها فقط. وفي حال تعثر الشركة، يضطر الشخص إلى سداد الدين من راتبه لسنوات عديدة. ولكن في قطر، لا يوجد قانون شامل للتعامل مع قضايا الإفلاس كما قد تجد في الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، ومن شأن هذا الإصلاح أن يقدم بعض المساعدة، إلى جانب التدابير المعقولة لمنع الاقتراض المرتفع من مؤسسي الشركات الناشئة عديمي الخبرة الذين يتمتعون بفرصة ضئيلة لتحقيق النجاح. وسيكون للإعلان الصادر مؤخرًا عن المكرمة الأميرية بإسقاط القروض المقدمة لشركات القطاع الخاص بموجب برنامج الضمانات الوطني للاستجابة لتداعيات كوفيد- 19 تأثير ملموس، حيث يمثل هذا البرنامج خطوة مفهومة يتم خلالها منح الشركات المتضررة بعض الموارد وتضع حدًا للتدابير الاستثنائية التي تسببت الجائحة في تبنيها. ومع ذلك، قد تنظر الشركات التي سددت القروض مسبقًا أو التي حصلت على قروض تجارية إلى هذه الخطوة على أنها غير عادلة. ولهذا أعلن بنك قطر للتنمية كذلك عن مبادرة لتقديم قروض قصيرة الأجل بدون فوائد للشركات التي قامت بتسوية قروضها بموجب خطة التنمية الوطنية. ولتشجيع تنمية القطاع الخاص، بدلاً من استثمار مبالغ القروض المتحصلة من رواتب الموظفين من وظائفهم اليومية، أو القروض الميسرة التي قد تُشطب في نهاية المطاف، قد يكون من الأفضل لبنك قطر للتنمية أو صندوق مرتبط به أن يستثمر بشكل أكثر اكتمالاً في المساعي الريادية، بأن يستثمر الصندوق في أسهم الشركات التي تتمتع بالقدرة على التوسع، وتقديم الدعم في مجال الحوكمة والتدريب لمؤسسي الأعمال، وتعيين الصندوق لعضو مجلس إدارة يتمتع بالخبرة. ومن المرجح أن تحظى الشركة بفرصة أفضل للنجاح، أو يمكن جعل القروض الجديدة مشروطة بخضوع المالكين للتدريب في مجال الحوكمة والتمويل. وستعود القروض المعفية من الفوائد بالنفع على بعض الشركات، ولكن من غير الصحي أن نسهل عن غير قصد اعتماد الشركات على التمويل الرخيص، بدلاً من السعي إلى التوسع من خلال النمو المبني على أسس المنافسة والكفاءة ونموذج الأعمال المربح. وهناك خيار آخر للشركات التي تعاني ماليًا، ولكنها تتمتع بالقدرة على التوسع، وهو الإعفاء الجزئي من الديون، بدلاً من شطب القرض بالكامل. ويشكل تشجيع روح المبادرة والتنويع الاقتصادي جزءًا لا يتجزأ من الإستراتيجية الاقتصادية لدولة قطر، ويخلص هذا التقرير إلى نتائج مشجعة. وهناك مجال كبير لتنفيذ المزيد من الإصلاحات. ولن يكون الاقتصاد متنوعًا بشكل كبير إذا كان يتألف في المقام الأول من عدد صغير من شركات النفط والغاز الضخمة التي تحقق أرباحًا من التصدير إلى جانب آلاف الشركات الصغيرة العاملة في قطاع الخدمات. ولابد من رعاية الشركات التي تتمتع بالقدرة على التوسع والنمو على المستوى الدولي، مثل الشركات العاملة في مجالات التكنولوجيا وخدمات المعلومات والتصنيع. ويجب أيضًا تقديم حوافز للوافدين لتشجيعهم على تأسيس شركاتهم والبقاء في قطر. ولكن بشكل عام، يشير التقرير إلى ملاحظات إيجابية بشأن الطموحات الاقتصادية لدولة قطر، وتؤكد مبادرات الحكومة على التزامها بالاستمرار في تنمية القطاع الخاص.

627

| 20 أكتوبر 2024

التوازن الأمثل في التعامل مع الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة

لا تُعد العديد من القضايا التي تغطيها الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة مثيرة للجدل بطبيعتها. والواقع أن الأفكار التي تزعم أن الشركات لا ينبغي لها أن تلوث المحيط، ولا تعرض العمال أو أفراد الجمهور للأذى، ولابد أن تضم في مجلس إدارتها أشخاصًا صادقين وغير قابلين للفساد، تندرج ضمن الأفكار السائدة والمسلم بها. ولكن في السنوات الأخيرة، أصبح مفهوم "البيئة والمجتمع والحوكمة" مسيسًا ومستقطبًا، لا سيَّما في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن بين الأسباب التي ساهمت في حدوث ذلك تغير المناخ، حيث تتعرض الشركات لضغوط شديدة لإجبارها على تبني سياسات وممارسات تقلل من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. ويرى بعض المنتمين إلى جناح اليمين السياسي أن هذا النهج، إلى جانب السياسات الرامية إلى تحسين تمثيل الأقليات، هو "رأسمالية مستيقظة"، وأن الهدف السليم لأي عمل تجاري يجب أن يكون ضمان تحقيق عوائد تجارية قوية لأصحابه، وليس أن يكون وسيلة للنشاط السياسي. وقد أقرت بعض الولايات الأمريكية ذات القيادة المحافظة مثل تكساس تشريعات توجه الكيانات التي تديرها الدولة مثل صناديق التقاعد إلى التخلص من الاستثمارات في الشركات التي تمنح الأولوية للعوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة. والواقع هو أن الأشخاص الطبيعيين قادرون على تحديد الممارسات التي تلبي الحاجة إلى الاستدامة وممارسات الأعمال الحميدة. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يشجع التركيز على المسؤولية البيئية الإبداع في الاستخدام الفعال للطاقة والموارد، وهو ما يعزز الإنتاجية ويزيد بالتالي من الأرباح. وتُبشر التطورات في مجال الطاقة المتجددة وعلوم المواد والذكاء الاصطناعي بتحقيق المزيد من الفوائد، وربما تكون ذات تأثير تحويلي. وكثيرا ما تكون المسؤولية الاجتماعية مفيدة لاستقرار السوق والنمو الاقتصادي. وفي بعض الأحيان تبرز الحاجة للتوصل إلى حل وسط، أو قد تكون القرارات صعبة. فعلى سبيل المثال، قد تتعارض الأهداف البيئية مع الأهداف الاجتماعية، حيث تكون التدفئة بالوقود الأحفوري للمنازل أرخص، مع وجود اعتبارات تتعلق بتكلفة المعيشة. وتنسجم السياسة القطرية مع هذا التوجه العملي. ففي شهر يونيو الماضي، أطلق مصرف قطر المركزي استراتيجيته ومبادئه الخاصة بالاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية للقطاع المالي. وتستند هذه الاستراتيجية والمبادئ إلى ثلاثة ركائز أساسية هي إدارة المخاطر المناخية والبيئية والاجتماعية داخل القطاع المالي، وتشجيع الاستثمارات الرأسمالية في التمويل المستدام، ودمج ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والاستدامة في العمليات الداخلية للبنك. وفي خطابه الرئيسي الذي ألقاه خلال شهر سبتمبر الماضي، أكد سعادة الشيخ بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، محافظ البنك المركزي، على أهمية تحقيق التوازن بين النمو والاستدامة. وحث سعادته على استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا للتخفيف من الانبعاثات الكربونية، ودعا إلى زيادة الاستثمار في المشاريع المستدامة. وقال سعادته "وكما كان للبنوك دور حاسم في تمويل الاقتصاد، فإنها قادرة على المساهمة في تعزيز الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المدى الطويل، عبر توجيه الموارد اللازمة للمبادرات التي تحقق الجدوى الاقتصادية وتؤثر إيجابيا على التنمية." وأشار سعادته إلى الإمكانات الواعدة السندات الخضراء والتكنولوجيا المالية في تحقيق أهداف الاستدامة. وكان سعادته يلقي الكلمة الرئيسية في المؤتمر المصرفي العربي لعام 2024، الذي نظمه اتحاد المصارف العربية تحت عنوان "متطلبات التنمية المستدامة ودور المصارف". ويشير تناول القادة في أهم منطقة منتجة للنفط في العالم لخطورة تغير المناخ إلى أن الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة، أو على الأقل، العديد من المؤشرات التي تندرج ضمن هذه الفئات العريضة، باتت سائدة الآن. وفي شهر سبتمبر الماضي أيضًا، قامت شركة MSCI العالمية التي تقدم خدمات الأبحاث والبيانات، برفع التصنيف البيئي والاجتماعي والحوكمة للبنك التجاري القطري من BBB إلى AA. وعلى نحو متزايد في عالم المال، من شأن التصنيف البيئي والاجتماعي والحوكمة المرتفع أن يخفض تكلفة الاقتراض، ويجذب المستثمرين. ويتبنى بعض النشطاء الأكثر حماسة، سواء كانوا مؤيدين أو معارضين للنظر إلى العوامل الاجتماعية والبيئية بعين الاعتبار في الاستثمارات أو القرارات التجارية الاستراتيجية، مواقف متطرفة. ولكن خير الأمور الوسط. كما يقول المثل: لا تكن ملكياً أكثر من الملك.

309

| 07 أكتوبر 2024

ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية

من بين المفارقات المتعلقة بحالة الإنسان أن الإنفاق على العلاجات الطبية يتزايد مع عيشنا لحياة أطول وأكثر صحة. فقد أفاد المسح السنوي للاتجاهات الطبية العالمية الذي أجرته شركة الاستشارات ويليس تاورز واتسون بحدوث زيادة قياسية بلغت 10.7 % في تكاليف الرعاية الطبية خلال عام 2023، بارتفاع من 7.4 % في عام 2022. وكانت هناك بعض الاختلافات الإقليمية، حيث انخفضت الزيادات في تكاليف الرعاية الطبية بقارة أوروبا من 10.9 % إلى 9.3 %. وسجلت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا مستوى أعلى، حيث ارتفعت من 11.3 % إلى 12.1 %. وهناك العديد من العوامل التي تدفع إلى زيادة تكاليف الرعاية الصحية. فقد أثر الارتفاع العالمي للتضخم خلال الفترة من عام 2022 إلى عام 2023 على قطاع الصحة، ولكن التضخم في هذا القطاع يبدو أكثر تعقيدًا من غيره. وبفضل التغطية الشاملة التي توفرها الدولة وتقديم خدمات التأمين الصحي الخاص بأسعار معقولة، أصبح هناك استخدام أعلى للخدمات؛ حيث يسعى الناس إلى الحصول على المساعدة الطبية لعلاج أمراض أقل خطورة، في حين كانوا في الماضي يكتفون بالراحة وتناول الأسبرين في التعامل معها. وهذا واضح في قطر، حيث تؤكد التقارير المستقلة أن الاستخدام المرتفع للخدمات الصحية يمثل اتجاهًا سائدًا في العديد من البلدان. وإذا كان المريض يتحمل تكاليف الرعاية الخاصة، فإن هذا يعني أنه لن يكون لديه حافز لطلب الحصول على فحوصات أو علاجات إضافية ليست ضرورية على الإطلاق. ولكن عندما تكون التكاليف مغطاة بالتأمين أو تتحمل تكاليفها الحكومة، فإن هذا الحافز لن يكون كافياً للمريض أو الطبيب، وربما يرغب الطاقم الطبي في توخي الحذر عبر إجراء عدد أكبر من الحد الأدنى من الفحوصات. ويحدث تأثير مماثل في دولة مثل الولايات المتحدة التي تتمتع بنظام قانوني ناضج وسجل حافل من التعويضات، حيث يرغب الأطباء في تجنب مقاضاتهم بسبب الإهمال، وقد يؤدي هذا إلى وجود ميل طبيعي إلى زيادة عدد الفحوصات والعلاجات إلى أقصى حد. وبالإضافة إلى حدوث التضخم بسبب ارتفاع تكلفة مستوى الخدمة، فقد ارتفع الإنفاق الكلي على الرعاية الصحية بلا هوادة. ومن المفارقات أن برامج الصحة الوقائية لا تعمل دائمًا على خفض الإنفاق على العلاج على مدار حياة الناس. فعلى سبيل المثال، يساهم انخفاض التدخين واستهلاك الكحول في الحد من الطلب على بعض الخدمات، ولكن الناس قد يعيشون لفترة أطول مع معاناتهم من أمراض مزمنة مثل مرض السكري. وعلى نحوٍ مماثل، يبشر الذكاء الاصطناعي بتوفير تشخيص أسرع وأكثر دقة لبعض الحالات في مرحلة مبكرة، وهو ما يتم في الوقت المناسب ويقلل من عدد الساعات السريرية اللازمة في مرحلة التشخيص، ولكن الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات كبيرة وتدريبًا وقدرة تخزين على أجهزة الحاسوب. وتساهم كل هذه العوامل في دفع الإنفاق على الرعاية الصحية وتكاليف الوحدات إلى الارتفاع. وهناك بعض القوى المخففة للتضخم، مثل زيادة استخدام الأدوية المشاعة Generic Drugs، ولكن هذه القوى ليست كافية حتى الآن للحد من التضخم بشكل كبير. وقد أصبحت الرعاية الصحية صناعة عالمية بشكل متزايد، ومع توافر خدمات السفر الجوي بأسعار معقولة، نمت ظاهرة السياحة العلاجية على مر السنين. وقد يختار الأشخاص الذين يعيشون في دولة ترتفع تكاليف العلاج والرعاية الصحية فيها، مثل الولايات المتحدة أو ألمانيا، إجراء عملية جراحية في دول مثل كرواتيا أو البرازيل أو تايلاند حيث تكون التكلفة أقل بكثير. وحتى مع تمتع هؤلاء الأشخاص بقضاء عطلة كذلك في إطار هذه الرحلة، فقد تظل التكلفة الإجمالية أقل. وبالنسبة للعديد من المرضى، تعادل جودة العلاج الطبي الجودة التي قد تكون موجودة في أوطانهم، ومع ذلك قد لا تكون هذه الجودة مضمونة مع وجود مشاكل تتعلق بمراقبة الجودة والمعايير. ويتمثل المحرك الديموغرافي الرئيسي على المستوى الدولي في ارتفاع متوسط ​​العمر المتوقع. ولا تقتصر هذه الظاهرة على البلدان الأكثر ثراءً. فقد انخفض معدل الفقر المدقع بشكل كبير خلال السنوات الثلاثين الماضية، وخاصة في آسيا. ولكن رغم عيش الناس لفترات أطول، إلا أنهم قد يعانون من أمراض مزمنة، وقد يسعون للحصول على المساعدة الطبية حتى في الحالات البسيطة إذا كان الوصول إليها سهلاً وبأسعار معقولة.

1572

| 29 سبتمبر 2024

خفض الفائدة والفرص المصرفية

تشكل البنوك وسيطًا ضروريًا لأي اقتصاد، باعتبارها جهات استيداع آمنة للنقد تقدم خدمات الائتمان للأسر والشركات للمساعدة في تنمية الاقتصاد. ومع خفض البنوك المركزية لأسعار الفائدة على مستوى العالم، واحتمال أن تكون هذه الأسعار أقل كثيرًا خلال العامين المقبلين مقارنة بالعامين السابقين، ستكون هناك آثار ملحوظة، وسيتعين على البنوك أن تدير أعمالها بعناية. ومع خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة بنسبة 0.50% خلال الأسبوع الماضي الذي اتبعته البنوك المركزية الخليجية حيث ترتبط معظم العملات بالدولار، فإننا مقبلون على فترة انخفاض لأسعار الفائدة. وتتكون أصول البنوك الخليجية والتزاماتها من مزيج من الدولار الأمريكي والعملات المحلية، ولكن الغلبة تكون للعملة المحلية. وسوف تنخفض تكلفة تمويل الالتزامات، التي تمثل بالنسبة للبنك الأموال التي يودعها العملاء، والتمويل من سوق رأس المال، والاقتراض من البنوك الأخرى ي، مع انخفاض أسعار الفائدة. وسوف ينخفض كذلك الدخل المكتسب من الأصول مثل قروض الأفراد والشركات. وسيميل الفارق بينهما إلى الانضغاط مع خفض أسعار الفائدة التي يفرضها البنك المركزي، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل الربحية. ومن بين الاعتبارات المهمة أن هناك عادةً فارقا زمنيا قد يكون إيجابيًا أو سلبيًا لربحية البنك اعتمادًا على مزيج الأصول والخصوم. وتتحدد معظم القروض على أساس ربع سنوي لأنه لا يمكن إعادة تحديد القروض كل يوم من الناحية التشغيلية. ولكن في غضون ذلك، سيتم تخفيض تكلفة تمويل البنك لأنه يقترض في الأسواق الدولية. وتستند القروض والتمويلات الصادرة بالدولار الأمريكي إلى معدل التمويل المضمون لليلة واحدة (SOFR). ومن ناحية أخرى، ترتبط القروض بالعملة المحلية عادةً بسعر الإقراض المرجعي للسوق المعنية. وعادةً ما يكون تمويل السندات بسعر ثابت، لذلك فلن يُعاد تسعيره، في حين سيُعاد تسعير الودائع بالعملة المحلية. ويتعين على البنوك إدارة نظام أسعار الفائدة بحرص للحفاظ على الربحية، حيث تحتاج إلى إدارة صافي دخل الفائدة ومزيج دخل الرسوم في حساب الأرباح والخسائر، وإدارة الفجوات الزمنية. وستكون الأعمال والمنتجات القائمة على الرسوم العامل الرئيسي الذي يميز بين الفائزين والخاسرين. ويشمل ذلك إدارة الثروات والخدمات الإضافية والسمسرة. كما تحتاج البنوك إلى التعامل مع المنافسة المتزايدة من شركات الاتصالات والتكنولوجيا المالية، ويشمل ذلك رواج أنظمة الدفع الرقمية على الهواتف الجوالة دون الحاجة إلى فتح حساب مصرفي. وهذا شائع جدًا في العديد من البلدان الأفريقية، ويتزايد انتشاره بشكل متنامٍ في الشرق الأوسط أيضًا. ويمكن لشركات الاتصالات أن تقدم محافظ رقمية ومنصات دفع وخدمات تحويل الأموال للعملاء غير المتعاملين مع البنوك أو الذين يتعاملون معها بشكلٍ محدود. وعلى نحو مماثل، تستطيع شركات التكنولوجيا المالية أن توفر البساطة وسهولة الوصول للعملاء، والخدمات للأفراد غير المتعاملين مع البنوك. وفي الوقت الحاضر، قد تقدم هذه الشركات أيضًا خدمات أخرى، مثل الإقراض التجاري، والتأمين، ومنتجات تمويل رأس المال العامل. وفي مراحل مختلفة من الدورة الاقتصادية، تتمتع البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي بإدارة جيدة. فقد توصل تقرير صادر عن شركة ماكينزي في أواخر عام 2023 إلى أن عائد حقوق المساهمين لدى هذه البنوك أقوى من المتوسط العالمي، حسبما تم قياسه على مدى العقد السابق. كما أن تكاليف التشغيل كانت أقل، حيث تتمتع المؤسسات في دول مجلس التعاون الخليجي بتوافر رأس مال أفضل. كما أنها تسجل نتائج أفضل فيما يتعلق بالمرونة التشغيلية، فضلاً عن عوائد المساهمين في السنوات الأخيرة. وسوف تتقلص أرباح البنوك التقليدية، ولكن من الممكن تعويض ذلك من خلال خفض التكاليف التشغيلية، وإيجاد أسواق جديدة. وقد أنشأت بعض البنوك الراسخة في المنطقة شركات رقمية فرعية. ومن المرجح أن يكون لانخفاض أسعار الفائدة تأثير إيجابي على جودة الأصول في مختلف أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. وسوف يوفر انخفاض أسعار الفائدة راحةً للمطورين العقاريين المتعثرين، كما سيقلل من الضغوط على جودة المحفظة الاستثمارية للبنوك وربما يقلل من متطلبات المخصصات. ويتوقع العديد من خبراء الاقتصاد والمراقبين أن تكون هناك تخفيضات تصل إلى 1.5%، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة لدى البنوك المركزية إلى نحو 3.25% أو أقل بحلول نهاية عام 2025.

939

| 22 سبتمبر 2024

مرحلة جديدة في سياسة أسعار الفائدة

في الثالث والعشرين من أغسطس، ألقى جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خطابًا حظي بمتابعة شديدة في جاكسون هول بولاية وايومنغ الأمريكية، أكد فيه أن الخطوة التالية ستكون خفض أسعار الفائدة بنحو 0.25 %، ومن المؤكد تقريبًا أن يحدث ذلك خلال هذا الأسبوع. وتأتي هذه الخطوة المتوقعة في أعقاب ظهور مؤشرات واضحة على تباطؤ سوق العمل في الولايات المتحدة، وارتفاع معدلات الثقة في اقتراب التضخم من النسبة المستهدفة البالغة 2 %. وهناك قلق خاص بشأن تباطؤ معدل نمو الوظائف. وقال باول: «لقد زادت المخاطر السلبية التي تهدد جهود التوظيف». ويتوقع بعض المستثمرين خفضًا أكبر لأسعار الفائدة بمقدار 0.50 %. ومن غير المرجح أن يحدث هذا لسببين: والسبب الأول هو أن هذه الخطوة قد تشكل صدمة في وقت من المرجح أن يرغب فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي في تجنب المفاجآت، والثاني أن صناع القرار لا يرغبون في أن يُنظَر إلى هذه الخطوة باعتبارها توجهًا حزبيًا سياسيًا. وفي بداية العام، أعرب المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب عن وجهة نظر مفادها أن باول كان يوالي الديمقراطيين من خلال ميله نحو خفض أسعار الفائدة، رغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي انتظر عدة أشهر قبل القيام بذلك، وهو ما يؤكد حياده. ولهذا السبب، من المرجح ألا يكون هناك المزيد من التخفيضات إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. وفي جاكسون هول، أكد باول على نهج رزين وتكنوقراطي حيث قال: «إن اتجاه السير واضح، وسوف يعتمد توقيت ووتيرة خفض أسعار الفائدة على البيانات الواردة، والتوقعات المتغيرة، وموازنة المخاطر». وستلقى هذه الفترة التي تتسم بالهدوء ترحيبًا. فقد أدى رفع بنك اليابان لسعر الفائدة بمقدار 0.25% في الحادي والثلاثين من يوليو، إلى جانب ضعف الإشارات الاقتصادية الأمريكية، إلى تقليص هائل للمراكز في تجارة الفائدة على الين، وإلى اضطرابات في أسواق الأسهم العالمية. ولكن قيمة الين كانت في تراجع مستمر مع انخفاض أسعار الفائدة إلى الصِفر فعليًا، وعودة التضخم إلى الاقتصاد الياباني بعد سنوات من الانكماش. ومن ثم، فإن الارتفاع المتواضع في أسعار الفائدة لم يكن يشكل مفاجأة. ومنذ 31 يوليو، وعد البنك بعدم زيادة أسعار الفائدة مرة أخرى في ظل عدم استقرار الأسواق. وتحدث محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، أمام مجلسي البرلمان الياباني في نفس اليوم الذي ألقى فيه جيروم باول خطابه. وأكد أن البنك مستعد لرفع أسعار الفائدة بشكل إضافي إذا لزم الأمر، لكنه «يقظ للغاية» فيما يتعلق بظروف السوق. ولكن من السذاجة دومًا الاعتقاد بأن رفع أسعار الفائدة من شأنه أن يكبح النمو وأن خفض أسعار الفائدة يضمن تحفيز الاقتصاد. وقد تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة للغاية إلى سوء تخصيص رأس المال والاستثمار في أصول غير منتجة، وهو ما يتسبب في إبطاء النمو. ويتميز المستوى السائد في أغلب الاقتصادات المتقدمة، الذي يبلغ نحو 5% أو أكثر قليلاً، بأنه معتدل، وفقًا للمعايير التاريخية، وليس مرتفعًا، ويكافئ المدخرين. وقد ساهم استعادة أسعار الفائدة الإيجابية بشكل كبير خلال عامي 2022 و2023 في إعادة التوازن للاقتصادات. وعلى عكس بعض التوقعات، لم تؤد الزيادات إلى حدوث ركود. فقد انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له عند 3.4% في الولايات المتحدة خلال شهر أبريل 2023. وفي 18 أغسطس من هذا العام، خفض بنك جولدمان ساكس تقديراته المئوية لخطر الركود في الأشهر الاثني عشر التالية من 25 % إلى 20 %. بالنسبة للاقتصادات الخليجية التي تربط أغلب عملاتها بالدولار، سيؤدي خفض أسعار الفائدة الفيدرالية إلى خفض أسعار الفائدة المحلية بالتبعية، مع وجود فارق بسيط عن سعر الفائدة الفيدرالي يبلغ نحو في المتوسط 0.50 %. وفي حالة قطر، ونظرًا لقوتها المالية وارتفاع تصنيفها الائتماني وتحسن آفاقها الاقتصادية، هناك مبرر لخفض هذا الفارق بشكل أكبر. وسيرحب العديد من المستثمرين بخفض أسعار الفائدة، خاصة في قطاع العقارات، حيث تشير البيانات إلى ارتفاع الديون وتراجع التدفقات النقدية بسبب انخفاض نسب الإشغال وتراجع عوائد الإيجار. وفي السياق الحالي، من المرجح أن يكون لهذه الخطوة تأثير تحفيزي للاقتصاد، نظرًا لارتفاع مستوى الاقتراض في بعض القطاعات وعدم وجود مشكلة تضخم محلية.

516

| 16 سبتمبر 2024

مرحلة جديدة في سياسة أسعار الفائدة

في الثالث والعشرين من أغسطس، ألقى جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خطابًا حظي بمتابعة شديدة في جاكسون هول بولاية وايومنغ الأمريكية، أكد فيه أن الخطوة التالية ستكون خفض أسعار الفائدة بنحو 0.25 %، ومن المؤكد تقريبًا أن يحدث ذلك خلال هذا الأسبوع. وتأتي هذه الخطوة المتوقعة في أعقاب ظهور مؤشرات واضحة على تباطؤ سوق العمل في الولايات المتحدة، وارتفاع معدلات الثقة في اقتراب التضخم من النسبة المستهدفة البالغة 2 %. وهناك قلق خاص بشأن تباطؤ معدل نمو الوظائف. وقال باول: «لقد زادت المخاطر السلبية التي تهدد جهود التوظيف». ويتوقع بعض المستثمرين خفضًا أكبر لأسعار الفائدة بمقدار 0.50 %. ومن غير المرجح أن يحدث هذا لسببين: والسبب الأول هو أن هذه الخطوة قد تشكل صدمة في وقت من المرجح أن يرغب فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي في تجنب المفاجآت، والثاني أن صناع القرار لا يرغبون في أن يُنظَر إلى هذه الخطوة باعتبارها توجهًا حزبيًا سياسيًا. وفي بداية العام، أعرب المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب عن وجهة نظر مفادها أن باول كان يوالي الديمقراطيين من خلال ميله نحو خفض أسعار الفائدة، رغم أن بنك الاحتياطي الفيدرالي انتظر عدة أشهر قبل القيام بذلك، وهو ما يؤكد حياده. ولهذا السبب، من المرجح ألا يكون هناك المزيد من التخفيضات إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. وفي جاكسون هول، أكد باول على نهج رزين وتكنوقراطي حيث قال: «إن اتجاه السير واضح، وسوف يعتمد توقيت ووتيرة خفض أسعار الفائدة على البيانات الواردة، والتوقعات المتغيرة، وموازنة المخاطر». وستلقى هذه الفترة التي تتسم بالهدوء ترحيبًا. فقد أدى رفع بنك اليابان لسعر الفائدة بمقدار 0.25% في الحادي والثلاثين من يوليو، إلى جانب ضعف الإشارات الاقتصادية الأمريكية، إلى تقليص هائل للمراكز في تجارة الفائدة على الين، وإلى اضطرابات في أسواق الأسهم العالمية. ولكن قيمة الين كانت في تراجع مستمر مع انخفاض أسعار الفائدة إلى الصِفر فعليًا، وعودة التضخم إلى الاقتصاد الياباني بعد سنوات من الانكماش. ومن ثم، فإن الارتفاع المتواضع في أسعار الفائدة لم يكن يشكل مفاجأة. ومنذ 31 يوليو، وعد البنك بعدم زيادة أسعار الفائدة مرة أخرى في ظل عدم استقرار الأسواق. وتحدث محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، أمام مجلسي البرلمان الياباني في نفس اليوم الذي ألقى فيه جيروم باول خطابه. وأكد أن البنك مستعد لرفع أسعار الفائدة بشكل إضافي إذا لزم الأمر، لكنه «يقظ للغاية» فيما يتعلق بظروف السوق. ولكن من السذاجة دومًا الاعتقاد بأن رفع أسعار الفائدة من شأنه أن يكبح النمو وأن خفض أسعار الفائدة يضمن تحفيز الاقتصاد. وقد تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة للغاية إلى سوء تخصيص رأس المال والاستثمار في أصول غير منتجة، وهو ما يتسبب في إبطاء النمو. ويتميز المستوى السائد في أغلب الاقتصادات المتقدمة، الذي يبلغ نحو 5% أو أكثر قليلاً، بأنه معتدل، وفقًا للمعايير التاريخية، وليس مرتفعًا، ويكافئ المدخرين. وقد ساهم استعادة أسعار الفائدة الإيجابية بشكل كبير خلال عامي 2022 و2023 في إعادة التوازن للاقتصادات. وعلى عكس بعض التوقعات، لم تؤد الزيادات إلى حدوث ركود. فقد انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له عند 3.4% في الولايات المتحدة خلال شهر أبريل 2023. وفي 18 أغسطس من هذا العام، خفض بنك جولدمان ساكس تقديراته المئوية لخطر الركود في الأشهر الاثني عشر التالية من 25 % إلى 20 %. بالنسبة للاقتصادات الخليجية التي تربط أغلب عملاتها بالدولار، سيؤدي خفض أسعار الفائدة الفيدرالية إلى خفض أسعار الفائدة المحلية بالتبعية، مع وجود فارق بسيط عن سعر الفائدة الفيدرالي يبلغ نحو في المتوسط 0.50 %. وفي حالة قطر، ونظرًا لقوتها المالية وارتفاع تصنيفها الائتماني وتحسن آفاقها الاقتصادية، هناك مبرر لخفض هذا الفارق بشكل أكبر. وسيرحب العديد من المستثمرين بخفض أسعار الفائدة، خاصة في قطاع العقارات، حيث تشير البيانات إلى ارتفاع الديون وتراجع التدفقات النقدية بسبب انخفاض نسب الإشغال وتراجع عوائد الإيجار. وفي السياق الحالي، من المرجح أن يكون لهذه الخطوة تأثير تحفيزي للاقتصاد، نظرًا لارتفاع مستوى الاقتراض في بعض القطاعات وعدم وجود مشكلة تضخم محلية.

453

| 15 سبتمبر 2024

استقرار مضطرب

بلغت أرقام النمو العالمي نحو 3% في المتوسط، مع تأرجح معدل التضخم في نطاق يتراوح بين 2-4%، وهي أرقام معقولة، وتمثل مصدرًا للشعور بالراحة لدى الكثيرين في أعقاب الصدمات التي حدثت خلال الفترة من 2022-2023، عندما تجاوز معدل التضخم حاجز الـ 10%، وتعطلت سلاسل التوريد بسبب النزاعات الدولية، وبدأ العالم الاقتصادي يتأرجح على شفا الركود. ولكن رغم أن هذه التطورات تمثل هبوطًا هادئًا، إلا أن هناك شعورا بالقلق إزاء الآفاق المستقبلية للنمو والتضخم، حيث تشكل التدابير الحمائية جزءًا كبيرًا من جدول الأعمال، وخاصة إذا فاز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية. وفي شهر يوليو الماضي، قدَّم التقرير ربع السنوي لآفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي نظرة عامة موجزة عن الديناميكيات الاقتصادية لعام 2024 والآفاق المستقبلية. ويُظهر التقرير كيف يخفي رقم التضخم الرئيسي تحديات، مع استمرار ارتفاع الضغوط الناجمة عن الأجور والتضخم في قطاع الخدمات. ويرصد التقرير انخفاض التضخم، لكنه لا يتوقع حدوث المزيد من الانخفاضات، على الاتجاهات الحالية. وقد تنخفض أسعار الفائدة في هذا الشهر. وتساهم عودة النزاعات التجارية والرسوم الجمركية المفروضة على الواردات في زيادة تعقيد الخيارات المتاحة لصناع السياسات. ويُعد محاولة توقع النتائج الاقتصادية للقرارات السياسية أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وذلك بسبب العواقب غير المتوقعة والتفاعلات المعقدة. ويفكر المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب في فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات السلع الصينية، وخفض قيمة الدولار. وتشير التقارير إلى أن الصين تقوم بتخزين السلع ذات الأهمية الاستراتيجية، مثل الحبوب والنفط والغاز الطبيعي، كإجراء احترازي محتمل تحسبًا للحروب التجارية أو الحروب الفعلية. وقد ارتفعت واردات السلع الأساسية بنسبة 16% من حيث الحجم في عام 2023. وتتباين هذه السياسات مع الاتجاه العالمي السائد من عام 2000 تقريبًا إلى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي السياق الجديد، يتمثل التطور المهم في أن نفوذ البنوك المركزية يبدو آخذًا في التضاؤل. وكانت العقيدة التقليدية المتبعة على مدى السنوات الثلاثين الماضية تتمثل في استخدام أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، لكن هذه العقيدة كانت تفترض اتباع مبادئ التجارة الحرة إلى حد ما وتنامي العولمة. وقد يكون التضخم أقل تأثرًا بالسياسة النقدية؛ فعلى سبيل المثال، كان ارتفاع التضخم خلال الفترة من 2022-2023 ناتجًا عن حدوث صدمات في إمدادات السلع المادية، وليس المعروض النقدي. وقد بدأت الشركات متعددة الجنسيات في تعزيز المرونة في سلاسل التوريد، لكن هذه المحاولات تساهم في ارتفاع التكلفة. ورغم أن منظور صندوق النقد الدولي مفيد إلى حد كبير، هناك تحد في أنه لا توجد حكومة واحدة أو هيئة أخرى مسؤولة عن اقتصاد العالم، حيث تمنح الحكومات الوطنية الأولوية لشعوبها وآفاق النمو. وعلى هذا، يميز صندوق النقد الدولي بين الاقتصادات التي تكون فيها معدلات التضخم منخفضة، ويمكن فيها تخفيف أسعار الفائدة، وبين تلك الاقتصادات التي يتعين عليها أن تظل أكثر يقظة في التعامل مع الضغوط التضخمية. وهناك مجال آخر من الاختلاف الملحوظ بين الدول يتمثل في مستويات الإنتاجية. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن «العوامل ليست كلها دورية»، ويوصي باتخاذ إجراءات سياسية حاسمة لتعزيز ديناميكية الأعمال، وتحسين تخصيص الموارد وسياسات سوق العمل، مثل دمج النساء والمهاجرين بشكل أكثر اكتمالاً في قوة العمل، وهي أولوية خاصة للاقتصادات المتقدمة التي تعاني من ضغوط ديموغرافية. ولحسن الحظ، هناك العديد من التطورات الجارية بخلاف سياسات التعريفات الجمركية وغيرها من القيود التجارية، حيث تستثمر الحكومات والمستثمرون والشركات الكبرى في الطاقة النظيفة، وتُبشر ثورة الذكاء الاصطناعي بحدوث تحسينات في الكفاءة والإنتاجية بالإضافة إلى طرح خدمات جديدة. ويبدو النمو المتوقع لعام 2024 في أكبر اقتصادين غير غربيين، وهما الهند والصين، صحيًا إلى حد معقول، بنسبة 7% و5% على التوالي. ومن المتوقع أن تستفيد الهند من حزمة تحفيز مالي كبيرة متفق عليها بين الرئيس مودي وحكومته الائتلافية الجديدة بقيمة 2 تريليون روبية (24 مليار دولار)، تركز على التعليم والتوظيف. ويعني تعزيز الاتصال الرقمي في جميع أنحاء العالم أنه سيصبح بإمكان المزيد من الأشخاص في الاقتصادات الناشئة الانخراط في قطاع الخدمات العالمي. وقد أصبح الاقتصاد العالمي متوازنًا بشكل دقيق بين النمو والانكماش، وبين الترابط الدولي والصراع.

252

| 08 سبتمبر 2024

تقلبات الأسهم العالمية

شهدت أسواق الأسهم العالمية خلال شهر أغسطس انهيارات هائلة أعقبها انتعاش سريع نوعًا ما. والدورة الاقتصادية الحالية في العديد من الأنظمة بالأسواق المالية تعني أن التعديلات، التي قد تكون ضرورية وعقلانية من حيث المبدأ، قد تتجاوز الحد المعقول. وكان إلغاء الصفقات المرتبطة بالاقتراض بالين الياباني للاستثمار في أماكن أخرى Carry Trade، والذي ساهم في تسجيل انخفاض هائل بنسبة 12% في مؤشر توبكس الياباني، قد حدث نتيجةً لرفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط من قِبَل بنك اليابان في الحادي والثلاثين من يوليو، بارتفاع من نسبة الصفر فعليًا. وقد حدث هذا في وقت تزايدت فيه التكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة هذا الشهر. وكان من شأن تقليص الفارق بين أسعار الفائدة اليابانية والأمريكية أن يدفع العديد من صفقات التحوط إلى الخسارة. فضلاً عن ذلك، أدت الانخفاضات إلى إطلاق إشارات بيع في صناديق التتبع. بالنسبة لمديري الاستثمار، الذين يعملون لصالح صناديق التقاعد على سبيل المثال، يبدو استثمار الجزء الأكبر من الاستثمار في صناديق سلبية أو صناديق تتبعية خيارًا آمنًا؛ حيث لن يؤدي ذلك إلى طردك من العمل. وهذه الصناديق مبرمجة لإصدار أوامر بيع عند نقاط بيانات معينة، وتتدفق هذه الأوامر عبر النظام. وثمة حاجة إلى جعل مثل هذه الصناديق أكثر تطورًا، مع وجود إجراءات احترازية لمنع البيع المتراكم عندما تتحول بضعة مؤشرات فقط إلى السلبية. وتتسم الصناديق السلبية بأنها رخيصة في إدارتها، وأن كمية الأموال التي تتدفق إليها مستمرة في النمو. وكانت بيانات سوق العمل الأمريكية التي أزعجت المستثمرين هي الأخبار التي تفيد بإضافة 114 ألف وظيفة، مقارنة بحوالي 175 ألف وظيفة متوقعة. وربما كانت هذه البيانات مخيبة للآمال، لكنها لا تنذر بكارثة كساد كبرى مماثلة لتلك التي حدثت في ثلاثينيات القرن العشرين. وسجل معدل البطالة نسبة 4.3%، بارتفاع من أدنى مستوى مسجل له بلغ 3.4% في أبريل 2023. ورغم كل ما يعج به العالم المالي من بيانات، فلا يبدو أن هناك رقمًا دقيقًا يشير إلى حجم تجارة الفائدة على الين التي بلغتها بحلول نهاية شهر يوليو. وتتراوح التقديرات بين 500 مليار دولار و4 تريليونات دولار، ومن الصعب تحديد حجمها. وهناك أكثر من نوع واحد من أنواع الاستثمار التي قد تندرج تحت بند تجارة الفائدة على الين. فهناك الاقتراض بالين من جانب صناديق التحوط وغيرها من المستثمرين قصيري الأجل للاستثمار في أصول دولية، وكثير منها في الولايات المتحدة وبعضها الآخر مثل البيزو المكسيكي. فضلاً عن ذلك، هناك الاستثمار من جانب المؤسسات والأسر اليابانية على المستوى الدولي. وهناك فئة ثالثة تتمثل في شراء الأسهم اليابانية من جانب المستثمرين الدوليين كتحوط للعملة. وهناك عامل آخر يتمثل في أن أسعار الأسهم كانت تبدو مبالغًا فيها، لدرجة أن العديد من المستثمرين كانوا يبحثون عن إشارة للبيع. فقد كانت أسهم التكنولوجيا الأمريكية ترتفع طوال العام وسط آمال في أن تتجه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي نحو تحقيق طفرة. وقد أدى هذا إلى ارتفاع نسبة السعر إلى الأرباح التي لا يمكن تبريرها إلا في ظل السيناريوهات الأكثر تفاؤلاً لثورة الذكاء الاصطناعي. وكانت بعض إعلانات الأرباح من شركات التكنولوجيا خلال الصيف مخيبة للآمال، ولكنها لم تكن مثيرة للقلق كما هو الحال مع إحصاءات سوق العمل. وعلى الرغم من التقلبات الجامحة التي شهدتها أسعار الأصول خلال شهر أغسطس، لاحظ كثيرون أن الأساسيات الاقتصادية لم تتغير. ولكن المشكلة تكمن في أن أسعار بعض الأسهم لا تزال تبدو مبالغًا فيها. يضاف إلى ذلك الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر مع عدم وضوح الفائز وسياساته الاقتصادية. ويبدو أن عجز القطاع العام الأمريكي سيستمر في الارتفاع بغض النظر عمن سيتولى سدة الحكم في البيت الأبيض. ولا تزال هناك مؤشرات على حدوث نمو اقتصادي على المستوى العالمي، كما انخفض التضخم عن أعلى مستوياته في عام 2022. ومن الممكن، بل ومن المرجح، أن يجد الاقتصاد الأمريكي هبوطه الهادئ. ولكن هناك سابقة لانهيار أسواق الأسهم في خريف نصف الكرة الشمالي: فقد حدثت الانهيارات الثلاثة الكبرى في أعوام 1929 و1987 و2008 خلال شهري سبتمبر أو أكتوبر. ولذلك، قد يكون الربع الأخير من عام 2024 متوترًا.

360

| 01 سبتمبر 2024

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

4776

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3369

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2865

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2670

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2592

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1311

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1014

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

948

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

822

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

804

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

765

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية