رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جاء في الحديث النبوي: (لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا)، وهو منطق بشري معروف، ينتهجه كل من أراد تزييف الحقيقة وتحسين وجه الباطل. وعلى هذا النهج، انبرى البعض لتزيين دعوة هدامة بلباس التقوى، ونادوا بالاقتصار على القرآن ونبذ حُجّية السنة، وسموا أنفسهم بالقرآنيين من باب تحسين منهجهم والانتساب إلى القرآن. يستدلون بالآية {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وهذا استدلال فاسد لا ريب، فليس معنى أن القرآن تبيان لكل شيء أنه قد أحاط بجزئيات الحوادث والوقائع وفصّل أحكامها، فالقرآن لم يتعرض لكل الجزئيات والتفاصيل، وإنما بيّنها عبر مبادئ كلية وقوانين عامة وأحاط في الجملة بكل الأصول والقواعد الضرورية كأساس لكل نظام وقانون. فجاءت السنة شارحة للقرآن ومفسرة له، بل ومكملة له، كما جاء في الحديث: (أَلا إِنِّي أُوتيت الْكتاب وَمِثْلَهُ مَعَهُ). وكيف تُنكر حُجّية السنة النبوية وقد أوجب الله تعالى طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية، فمن ذلك قوله تعالى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا }، وقوله {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. فما جدوى الأمر بطاعة الرسول إن كان بوسعنا الاكتفاء بما جاء في القرآن؟! ثم إنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبين بأقواله وأعماله ما ينبغي للناس فعله إزاء الحوادث والوقائع، يستقيه من الوحي أو بالاجتهاد الذي يقومه الوحي، وحكم بين الناس في كثير من قضاياهم بأحكام لم يرد تفصيلها في القرآن الكريم، فكيف تستقيم هذه الحقائق مع هذه الدعوة. احتجوا لمسلكهم بأن السنة فيها الموضوع والضعيف، وقولهم هذا حجة عليهم، فكيف علمنا بالضعيف والموضوع لولا أن السنة معصومة، كما يقول الشاطبي في الاعتصام. وكما أن القرآن حفظه الله بنفسه دون أن يكل مهمة حفظه للعباد، فإن سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال عصمها الله تعالى بأن هيأ أهل العلم الذي اعتنوا بتمييز الصحيح من السقيم ونقحوا السنة من كل دخيل، وتشددوا في قبول الرواة فيما يسمى بعلم الجرح والتعديل، فكان السهو والشك في صدق الراوي كفيلًا برد روايته. من شأن هذه الدعوة أن تُعطل معظم الأحكام الشرعية لأنها ثبتت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من القرآن الكريم الذي جاء كما أسلفنا بالقواعد والمبادئ العامة المجملة، وترَك التفصيل لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فالصلاة على سبيل المثال لم يحدثنا القرآن الكريم عن أنها خمس صلوات في اليوم والليلة، ولا عدد ركعات كل صلاة، ولا كيفيتها وصفتها وما يقال في قيامها وركوعها وسجودها، ولم يحدد شروط الإمامة وغير ذلك من المسائل الكثيرة التي لم تُفصل إلا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ناظر الصحابي الجليل عمران بن حصين أحد الخائضين في هذه القضية، فقال الرجل: يَا أَبَا نجيد (يعني عمران بن حصين) إِنَّكُم تحدثوننا بِأَحَادِيث لم نجد لَهَا أصلا فِي الْقُرْآن، فَغَضب عمرَان وَقَالَ للرجل: قَرَأت الْقُرْآن؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَهَل وجدت فِيهِ صَلَاة الْعشَاء أَرْبعا وَوجدت الْمغرب ثَلَاثًا والغداة رَكْعَتَيْنِ وَالظّهْر أَرْبعا وَالْعصر أَرْبعا؟ قَالَ: لَا: قَالَ. فَعَمَّن أَخَذْتُم ذَلِك، ألستم عَنَّا أخذتموه وأخذناه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ أوجدتم فِيهِ من كل أَرْبَعِينَ شَاة شَاة وَفِي كل كَذَا بَعِير كَذَا وفي كل كَذَا درهم كَذَا. قَالَ: لَا. قَالَ فَعَمن أَخَذْتُم ذَلِك؟ ألستم عَنَّا أخذتموه وأخذناه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَقَالَ: أوجدتم فِي الْقُرْآن: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أوجدتم فِيهِ فطوفوا سبعا واركعوا رَكْعَتَيْنِ خلف الْمقَام، أَو وجدْتُم فِي الْقُرْآن: لَا جلب وَلَا جنب وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام؟ أما سَمِعْتُمْ الله قَالَ فِي كِتَابه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}؟ إنها جريمة كبرى ترتكب في الأمة أن تروج الدعوة لإقصاء السنة والاكتفاء بالقرآن، وينبغي التصدي لها بالحكمة والموعظة الحسنة والتوعية بأخطارها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1506
| 30 يونيو 2023
تتجلى عظمة وشمولية الدين في وضع تشريعات تفصيلية لتنظيم شؤون الناس وعلاقاتهم في المجتمع الواحد، ومن ذلك وضع قواعد للحكم على الآخرين، لئلا يُترك هذا الأمر للأهواء فيكثر الفساد في الأرض. وإن من أبرز هذه القواعد التي تمس واقع الناس بقوة، أن الأحكام لا تُجرى على النيّات والبواطن، وإنما تجرى على ظاهر أفعال الناس، لأنه لا سبيل لمعرفة بواطنهم، ولو ساغ ذلك لما كان للعدل في هذه الحياة نصيب. لم يختلف أحد من علماء المسلمين على أن الأحكام بين الناس تجرى على الظاهر، وأما السرائر فموكولة إلى الله تعالى يقضي فيها بعلمه في الدار الآخرة، كما بين الشاطبي في كتاب الموافقات: "أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصا، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموما أيضا، فإن سيد البشر صلى الله عليه وسلم مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، وإن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه". قطع الشرع الطريق على إيقاع الظلم على الناس بالحكم على بواطنهم، وهو أمر يظهر في اعتماد قضايا الدعاوى إلى الحديث الشريف الذي يمثل قاعدة جليلة بهذا الشأن: (البينة على من أدعى واليمين على من أنكر) رواه البخاري، فالمُنكِر الذي يلزمه اليمين ربما يقسم زورًا وباطلًا، لكن يُقبل منه ظاهره طالما أن المُدعي يفتقد البينة، وهو أمر عام، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى شاهد على أنه ابتاع فرسًا من أعرابي أنكر ذلك، فلما شهد له خزيمة بن ثابت جعل شهادته بشهادة رجلين. استدل أهل العلم على أن الأحكام تجرى على الظاهر لا الباطن، بعدة أدلة، منها قول الله تبارك وتعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}. قال الشوكاني:" وَالْمُرَادُ هُنَا: لَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَيْكُمْ وَاسْتَسْلَمَ: لَسْتَ مُؤْمِنًا، فَالسَّلَمُ وَالسَّلَامُ كِلَاهُمَا بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ وَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ، أَيْ: لَا تَقُولُوا لِمَنْ ألقى إليكم السلام- أَيْ: كِلَمَتَهُ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ-: لَسْتَ مُؤْمِنًا وَقِيلَ: هما بمعنى التسليم، الذي هو تحية أَهْلِ الْإِسْلَامِ، ....وَالْمُرَادُ: نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يُهْمِلُوا مَا جَاءَ بِهِ الْكَافِرُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَيَقُولُوا: إِنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ بِذَلِكَ تَعَوُّذًا وَتَقِيَّةً". ولنا في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين عبرة، فقد كان يعلم نفاق بعضهم، ومع ذلك لم يعاملهم معاملة المُظهر للكفر لا في النكاح ولا المواريث ونحوهما، فكانوا يرثون من المؤمنين ويرث المؤمنون منهم، يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بعض أسمائهم لكنه حرص على تقرير هذا الأصل في التعامل مع الناس، لأنهم أمام المؤمنين يصلون صلاتهم ويستقبلون قبلتهم ويصومون كما يصومون ويحجون ويغزون. آفة الحكم على بواطن الناس واتهام نواياهم استشرت كنتيجة طبيعية للنأي عن تعاليم الشريعة، وهو باب عظيم من أبواب الشرور وتعميق الشقاق والخلاف بين الناس، فالذي يحكم على نية غيره وباطنه يظل مصرا على دعواه دون بينة لأنه انساق بهواه إلى ذلك، والذي يُوجَّه إليه الاتهام في نيته وباطنه لن يستطيع إقناع الآخر بغير ذلك، فتبقى الحقائق عالقة. الحكم على بواطن الناس جرأة وقحة على الشريعة التي أكدت على هذا الأصل، ولو ترك الشارع للناس أمر الحكم على النوايا لعاشت البشرية أسوأ كوابيسها، وضاعت الحقوق وسفكت الدماء، لكن الله تعالى حكيم، عليم بما يصلح العباد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
4809
| 16 يونيو 2023
يخطئ من يعتقد أن الطبائع والصفات لا يمكن تغييرها، أو أن ما ألفه المرء واعتاده وعاش عليه فترة من الدهر، لا يمكن له أن يتحول عنه، ويصير شيئا لصيقًا به طيلة عمره. وبالنظر إلى الوصايا القرآنية والنبوية بتحسين الأخلاق، سندرك بوضوح إمكانية التغيير، فلو لم تكن الطبائع والأخلاق تتغير لبطلت المواعظ والوصايا، ولما جاء الأمر بتحسين الأخلاق كما قال علماء السلوك كالغزالي وغيره. لكن التغيير كأي سلوك بشري له خصائص ومراحل يمر بها، تسير وفق سنن ربانية، ولها في نفس الوقت عوائق تحول دون إتمام عملية التغيير حتى وإن أرادها الإنسان. وليس هناك ما يدفع الإنسان للتغيير بقدر ما يدفع إليه الإيمان، عندما يتمسك الإنسان بعقيدة سليمة تنتشله من حيرة النظر في الكون العتيد، فتريح عقله، وتنسجم مع فطرته، وتربطه بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. كان النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية منذ البعثة، يؤكد على تعميق الإيمان في النفوس، عن طريق تدبر القرآن الكريم، والوصية بالطاعة والبعد عن المخالفة، فإن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته هي أكبر طاقة دافعة للتغيير. فالعقيدة هي أقوى دافع لتغيير الإنسان، وكلما كان إيمانه بالفكرة أعمق، كلما اتجه صوب ما يتناغم معها من قيم وسلوكيات ترقى لمستوى تلك العقيدة، لذا تحول الصحابة بعد إيمانهم من شأن إلى شأن آخر. كان الفاروق عمر قبل الإيمان، رجلًا جافًا، وليس له تأثير يذكر في مجتمعه، فما إن خالطت بشاشة الإيمان قلبه حتى تحول إلى عمر الذي يُبكيه الجياع، وتقتلع قلبَه آيةٌ قرآنية يتلوها بالليل في صلاته، تحول إلى عمر حاكم أكبر دولة على الأرض في وقت ما، ترتعد له فرائص القياصرة والأكاسرة. كان بلال بن رباح قبل الإيمان، مجرد عبد حبشي، يضنيه العمل بالنهار والسوط بالليل، لا ذِكر له بين الأنام، كان هملًا بين الناس، فتحول بالإيمان إلى سيد في قومه، شجاع يتصدى في ساحة المعركة من كان سيّده يوما في الرق، فقد زال عنه الخوف من السياط، وتحول إلى بلال مؤذن الرسول، الذي يعرفه كل طفل صغير، فما إن يذكر الأذان في العهد النبوي حتى يتبادر إلى الأذهان اسم بلال. وكان مصعب بن عمير قبل الإيمان، فتى مكة المدلل، وابن أمه، تضع له الطعام عند رأسه حتى إذا ما استيقظ لم يتكلف عناء طلب الزاد، تشتري له أفخر الثياب وأرقى العطور، حتى كان يعرف أنه مر من الطريق من رائحة عطره، ولما اعتنق الإيمان تحول هذا الشاب الناعم الذي لا يستطيع الاعتماد على نفسه إلى رجل جلد خشن يتحمل العذاب والجوع من أجل فكرته التي يؤمن بها. اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم عليه في نشر الإسلام بالمدينة، فلم يدع دارًا في يثرب إلا ودعا أهلها إلى الإسلام، فلما أذن الله لنبيه بالهجرة، ذهب إلى المدينة وقد عمها الإسلام بسبب هذا الشاب، فاستقبلوه على مشارفها استقبال الأهل والأحباب. لكن تغيير الأخلاق يحتاج إلى شيء من الصبر والتكلف حتى تصير سجية وطبعا، كما الحال فيمن يحاول تحسين خطه، يعاني ويراعي المسافات على السطور زمنًا، حتى يصبح الخط الحسن شيئا عاديا يفعله بلا تكلف. إن رغبة الإنسان في تغيير نفسه تنبع من قناعته وإيمانه بالكسب الذي سيحصده والذي سيجلبه له هذا التغيير، والخسارة التي سيجنبه إياها، لذلك يلزم تذكير النفس بذلك وتحديثها على الدوام بهذا الكسب وتلك الخسارة. ومما يساعد الإنسان على تغيير نفسه وجود أصدقاء من حوله يحملون نفس هم التغيير مثله، فذلك يشعره بالدعم المعنوي، كما يمنحه فرصة لتبادل التجارب والخبرات مع أشخاص يمشون معه في الطريق نفسه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). ثم ينبغي على المسلم الذي يسعى إلى تغيير نفسه، أن يطلب العون من الله، وألا يكف عن الطلب حتى تتحقق الاستجابة. كما قال الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ehssanfakih@gmail.com
6435
| 09 يونيو 2023
تُعد أزمة الفهم أصلا ترجع إليه معظم الأمراض التي أصابت الأمة، وإذا نظرنا إلى منظومة العقائد والتصورات، سنجد أنها أظهر المجالات التي يتجلى فيها سوء الفهم. وفرعٌ عنه، غياب الفهم الصحيح للعلاقة بين العقيدة والسلوك، فكثير من الناس ينظرون إلى العقيدة على أنها مجموعة من التصورات النظرية، منفصلة عن العمل والسلوك، ما أدى إلى انحرافات في تطبيق المنظومة القيمية، بحجة أنها لا تمس العقيدة.. هذه النظرة المغلوطة تنسفها نصوص الوحيين، فالمتأمل في آيات القرآن يدرك مدى الارتباط بين العقيدة والسلوك في الخطاب الدعوي الذي تبناه المرسلون، يتجلى ذلك في الدمج بين الدعوة إلى تصحيح الاعتقاد وتصحيح السلوكيات معًا. فتضمنت دعوة شعيب عليه السلام على سبيل المثال، الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، إضافة إلى الدعوة لنبذ الخلل السلوكي، وهو الغش في الميزان والمكيال، قال تعالى: { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ }. هذا الدمج هو منهج الأنبياء ليبقى هذا الارتباط الأبدي بين استقامة القلب على العقيدة السليمة، واستقامة الجوارح بحسن السلوك. كما يظهر هذا الارتباط في ترتيب العذاب الأخروي على الخلل العقائدي والسلوكي معًا، ففي القرآن: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}. فأخبر أن أهل النار يُعاقبون ليس فقط على كفرهم، بل على خلل في السلوكيات أيضا، مِن ترك الصلاة والبخل الذي يجسده عدم الإنفاق على المساكين. وقد فهم أوائل الأمة ذلك الارتباط بوضوح، وهنا يورد ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"، حكاية عن الحسن البصري والفرزدق الشاعر، وكان الأخير قد ماتت زوجته، وقد أوصت بأن يصلي عليها الحسن، والذي سأل الفرزدق: "ماذا أعددت لهذا اليوم؟ فأجاب: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة، هنا قال الحسن: إِنَّ لِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شُرُوطًا، فَإِيَّاكَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةِ. وذلك أن الشعراء كثيرا ما يقعون في القذف، والشاهد هنا أن الحسن كان يتحدث عن أصل عقائدي وهو لا إله إلا الله التي تمثل لُب عقيدة التوحيد، ومع ذلك ربط بين قذف المحصنات وبين شروط لا إله إلا الله، فإن فعل لا يكون قائما بشروطها، وعِدته ناقصة كما قال ابن رجب. كما يتجلى هذا الارتباط في قصة يوسف مع امرأة العزيز، فيقول الله تعالى عن يوسف بعدما راودته امرأة العزيز { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. يتضح الارتباط هنا من جهة العلاقة بين السبب والأثر، فمن أخلص إيمانه لله، دفع الله عنه بذلك السوء والفحشاء والوقوع في أوحال الرذيلة. العقيدة والسلوك خاضعان لحقيقة الإيمان، والذي هو "قول باللسان واعتقاد بالجَنان وعمل بالأركان"، فالسلوك والعمل جزء من ذلك الإيمان، كما دلّ الحديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان). السلوك القويم ثمرة لأصل الإيمان في القلب، تظهر على جوارح العبد وأخلاقه وتعاملاته بين الناس، كما قال الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل". وبالنظر إلى منظومة القيم والأخلاقيات التي أرساها الإسلام، نجد أنها تُخضع أفعال العباد لمبدأ الجزاء الأخروي الذي هو بدوره من صميم الاعتقاد، فهذا وجه آخر لهذا الارتباط بين العقيدة السلوك، عندما يلتزم العباد بتصحيح جوارحهم وأخلاقياتهم وسلوكياتهم، انطلاقا من إيمانهم الراسخ بأنه سبيل الفوز بالجنة، وأن الإعراض عنه تعريض النفس لعقاب الله، كما في الحديث (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا). إدراك وفهم حقيقة هذا الارتباط، من شأنه إصلاح العلاقات بين الناس في المجتمع المسلم، عندما ينظر المرء إلى أفعاله على أنها جزء من منظومته العقدية، وتلك هي مقومات السلامة والسلام والأمن في المجتمع، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ehssanfakih@gmail.com
3123
| 02 يونيو 2023
يقول الزعيم البوسنوي علي عزت بيجوفيتش: «نتحدث كثيرا عن الهزائم التي ألحقها بنا الآخرون، وحان الوقت لكي نبدأ بالحديث عن الهزائم والخسائر التي ألحقناها بأنفسنا».وإن من أشد الهزائم التي ألحقناها بأنفسنا: الإخلال بالتصورات الإسلامية الصحيحة، وإحلال تصورات أخرى ليست من الدين في شيء. من أبرز صور هذا الإخلال، الفصام النكد بين الدنيا والآخرة، وتوهم التعارض بينهما، ونتاجا لهذا التصور الدخيل على المنهج الإسلامي، صار هناك فريقان في الأمة، فريقٌ غارق في المادية والرضا بالدنيا واعتبارها الغاية، فاقدًا بذلك أهم مقومات وجوده، وأهمل الغاية التي من أجلها خلقه الله، وهي العبادة بمفهومها الواسع، وعاش في خواء روحي.وفريقٌ آخر ترك العمل للدنيا وإصلاحها وإعمارها، بحجة إيثار الآخرة، وهذا الفريق أسهم من حيث لا يدري في إضعاف الأمة، ونأيها عن السباق الحضاري، حتى صارت ينسب إليها التخلف، بعد أن كان الغرب ينهل من علومها ويستضيء بازدهارها، باعتراف المنصفين من الغرب أمثال جوستاف لوبون. والذي يعنيني في هذا المقام هو الفريق الأخير، الذي ترك العمل للدنيا بحجة أنه اختار الدار الآخرة، وإنما نشأ هذا التوجه جراء الفهم الخاطئ لنصوص الوحيين. تشكلت هذه التصورات لديهم من خلال نظرتهم القاصرة للنصوص التي تذم الدنيا، كقوله تعالى {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}، وفاتهم أن الله لم يذم الدنيا مجردة، والدليل على ذلك أن الله تعالى فطر الناس على حب الأموال والزروع والشهوة، كما في قوله عز وجل {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}. فمن المحال أن يفطر الله عباده على شيء قبيح، ونلاحظ في تتمة الآية {ذلك مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}، وهذا بيان شافٍ في أن زينة هذه الدنيا وإن كانت لا تُذم لذاتها، إلا أنها مقارنة بالآخرة لا شيء، لذلك نقول إن القرآن يذم الدنيا مقارنة بالآخرة، ويذمّ الاغترار بها والرضا بها وجعْلها غاية، ويذمّها تقديم تحصيل ملذاتها على حساب التزود للآخرة. وقد أسهم في تشكيل هذه النظرة القاصرة لدى أصحابها، تأثّرهم بمسالك بعض الزهّاد في القرون التي أعقبت القرون المفضلة، الذين تركوا العمل للدنيا بحجة التفرغ للعبادة، كرد فعل لانصراف الناس إلى اللهو، فكان التطرف مقابل التطرف، فرأوا الافتقار فضيلة، والجوع منقبة، والانزواء في الزوايا تزكية، وأن الرجل لا يبلغ منزلة الصديقين حتى يأوي إلى مزابل الكلاب ويترك زوجته كالأرملة. وهذه آفة الانصراف عن الاقتداء بالقرون التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، فلو أنهم نظروا في سيرتهم لما وجدوا هذا الإعراض عن الدنيا، فكما قال الإمام الشاطبي عنهم، كانوا «بين عامل في سوقه، وعامل في أرضه، ومسافر يبتغي من فضل الله، وهم القدوة لمن سواهم، ولم يكونوا يتحاشون من ذلك، ولا يلحقهم فيه كسل. وكان الغنى من مقاصدهم، والتكسب من شأنهم». ولم ينقل عنهم أن الافتقار وترك العمل من الزهد والتقوى، بل إن بعضهم كانوا تجارا أثرياء، كأبي بكر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص. ولم يتخذوا التجهّم دينا، كانوا يمرحون ولم يتعارض ذلك مع صلاحهم، فلما سئل ابن عمر: هل كان الصحابة يمزحون؟ قال: «نعم، والإيمان في قلوبهم كالجبال». الزهد لا يعني طلب الافتقار، وإلا اتهمنا النبي سليمان بأنه لم يكن زاهدا عندما سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وهذا محال، فالأنبياء سادة الزهد، لكنه الزهد بالمفهوم الصحيح، أن تكون الأموال في اليد، والإيمان في القلب، يسخرها في مرضاة الله، من نفقة على نفسه وأهله والمحتاجين، وإعمار هذه الأرض وإصلاحها. هو طريق واحد، أوله في الدنيا ونهايته في الآخرة، فليسا طريقين متضادين، والله قد استخلف الإنسان على الأرض، ومن مهام هذا الاستخلاف إعمار الكون، والأخذ بأسباب القوة، وهو المنهج الذي اتبعه المسلمون فأصبحوا درة الأمم، ولم يداهمهم التخلف إلا في الحقب التاريخية التي ولّت الأمة ظهرها للتصور الإسلامي الصحيح، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
6432
| 26 مايو 2023
9958
| 15 سبتمبر 2015
9768
| 07 سبتمبر 2015
15758
| 31 أغسطس 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كانت صدمة مُفجعة لأهل الإيمان يوم "أُحد"، فمن ذا يستوعب أن جند الله يتساقطون أمام حزب الشيطان، ومن الذي دار بمُخيلته يوما أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تُكسَر رباعيته، ويُشجُّ جبينه، ويفقد سبعين من خيرة أصحابه؟. لكنّها سنن الله التي لا تحابي أحدا، فالنصر مفتاحه الطاعة، والحيْدَة عن أوامره نذير الخسران، فما إن تساءلوا: "أنّى هذا" كيف حدثت الهزيمة؟ جاءهم البيان واضحا جليا ساطعا: "قل هو من عند أنفسكم". وبينما كان المسلمون في ذروة الألم يجترّون أحزانهم، جاءهم النداء الرباني يجبر قلوبهم المنكسرة، ويبعث فيهم الأمل، ويُلقي في روعهم أنهم مهما فقدوا من أدوات القوة والنصر، فإن معهم الإيمان الذي يتميزون به عن سائر البشر، ومن ثمَّ فلا مجال لطأطأة الرأس أمام حقيقة الاستعلاء بالإيمان: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين". يا ابن دمي وديني، أيها القابع في غيابات الشعور بالضعف، يا من خضع لتسلط الوهن، وهالَهُ سطوة الباطل، ارفع رأسك فإنك أنت الأعلى. *بهذه الكلمات كان النداء الرباني لموسى عليه السلام، بعد أن أوجس في نفسه خيفة، لما رأى زهو الباطل، وعلا ضجيح طبوله، وهيمن على إدراك الشعب، وصوّر له العصي والحبال على أنها حيّات تسعى. في هذا الوقت الحالك جاء النداء، ليُذكِّر موسى عليه السلام بحقيقة الاستعلاء المبني على رسوخ الإيمان: "قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى". *لما دخل ربعي بن عامر على رستم قائد الفرس، لم يعبأ بالمجلس المزين بالنمارق المُذهبة، وأُبرزت فيه اليواقيت واللآلئ، ولم يخطف بصرَه تاج الملك وسريره الذهبي. دخل المسلم العربي البسيط كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية "بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه. فقالوا له: ضع سلاحك. فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت. فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامّتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام". *إنه الاستعلاء بالإيمان، الذي يجعل الباطل في العيون المؤمنة كأمثال الذر، وكما يقول صاحب الظلال: "حين ينتفش الباطل، فتراه النفوس رابياً، وتؤخذ الأعين بمظهره وكثرته وقوته.. ثم ينظر المؤمن الذي يزن بميزان الله إلى هذا الباطل المُنتفش، فلا تضطرب يده، ولا يزوغ بصره، ولا يختل ميزانه". *الاستعلاء بالإيمان هي الحقيقة المشبعة، التي تمتلئ بها النفس المؤمنة، فتكسبها الرضا والشعور بالفوقية ولو كان صاحبها في ميزان الناس من الضعفاء والفقراء، وهو ما جعل إبراهيم بن أدهم في بعض أسفاره يخوض في النهر حتى ركبتيه، ويرتشف من الماء العذب، ثم يُعبّر عن تشبّعه بحقيقة الاستعلاء فيقول: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف". *الاستعلاء بالإيمان، هي تلك الحقيقة التي تقي المرء سطوة التهويل وشقاء النظرة السوداوية القاتمة التي لا ترى من الكوب إلا نصفه الفارغ، فعندما تتخلل هذه الحقيقة مسالك الروح، ترى أبعاد الوقائع كما هي، بل تبصر في كل محنة منحة. ولله در شيخي ومعلمي ابن تيمية، كلما قرأت له تلك الكلمة وددت لو أنني تلقيتها عنه وجها لوجه، لأرى ملامح وجهه وهو يطلقها للتاريخ تسبح في نهر الزمن: "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة". *ذلك الاستعلاء الذي يُجري كلمة الحق على ألسنة المصلحين، فيصدعون بها لتهز أركان الباطل، لأنه لا يقيم لذلك الباطل وزنا. أرأيت إلى صاحب الجسد النحيل الذي دق المرض عظامه، أبى أن يجعل مداهنة الباطل والاعتراف به ثمنا لنجاته وبقائه على قيد الحياة، فقال وقد طُلب منه التوقيع على اعتذار للطاغية: "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوما بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل". "إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية" رحمك الله يا أديب، عشت سيدا ومت سيدا. *ما أحوجنا اليوم إلى تمكين حقيقة الاستعلاء الإيماني من قلوبنا، في زمن دبّ فيه الوهن، وزُلزلت فيه القلوب، وصار الاستخذاء منهجا، والمُداهنة مسلكا، والخضوع لسطوة الغرب طريقا. ما أحوجنا لقصم هذا الطوق من الهزيمة النفسية، والتي جعلتنا نطأطئ الرأس أمام سطوة الأعداء، وانسحبت على منطلقات التفكير فهيمنت عليها، فأفرزت محاولات عفنة لتطويع النصوص بما ينسجم مع قيم الغرب ومخرجات حضارته الزائفة، فلا عجب إذن أن يخرج من يقول: إن القرآن الكريم ذكر الطائرة النفاثة قبل صناعتها، ويستدل بقوله تعالى: "ومن شر النفاثات في العقد"، وهن السواحر ينفثن في عُقد يعقدنها كضرب من ضروب السحر. ارفع رأسك فإنك أنت الأعلى، مهما علا الباطل وانتفش فأنت الأعلى. وتذكر أن العاقبة للمتقين، تذكر أن الأيام دول بين الناس، فتّش في ذاكرة التاريخ عن المحن التي تبعها الخلاص، عن الأقصى الذي ظل أسيرا لدى الصليبيين قرابة مائة عام لم يرفع فيه الأذان، كيف قيض الله له صلاح الدين بجند الإيمان وتم تحريره. فتّش في ذاكرة التاريخ عن الاجتياح التتري لبلاد المسلمين، والذي جعل من جماجمهم جبالا في بغداد، وأصابهم باليأس حتى أن التتري كان يوقف المسلم ويقول له: قف هنا حتى أحضر سكينا لأذبحك، فيفعل، لأنه يظن أن التتري سوف يدركه ولو بين النجوم أو قاع البحار. سيُنبئك التاريخ أن الله قيّض للمسلمين سيف الدين (قطز) وجند الإيمان، ليكسروا شوكة التتار في عين جالوت. تذكر: إنك أنت الأعلى...
18449
| 24 أغسطس 2015
90283
| 17 أغسطس 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ابن باديس يُدرك اختلاف مدلول اللفظين (اليسار واليمين) بين الغرب والإسلام، وهو هنا يستخدم هذه الألفاظ المشتركة بمعناها الإسلامي، فاليسار من اليُسر، وأهل اليمين هم من أصناف الفائزين يوم القيامة. *إن أزمة ترويج المصطلحات الغربية دون النظر في مدلولاتها من الآفات التي تلبس على الجماهير في قضايا الفكر الإسلامي، والكلمة كما يقول الأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوجو: "عبارة عن كائن حي". وكما أن البعض قد روّج للعلمانية باعتبارها تشير إلى العلم والتقدم والتحضر، وروّج للاشتراكية باعتبارها مرادفاً للعدالة الاجتماعية، وروج لـ الليبرالية باعتبارها مرادفاً للحرية، فإن هناك من يقتبس من الغرب مصطلح "الأصولية" ويقوم بتركيبه ودمجه مع محاولة إحياء التراث الإسلامي، تحت اسم "الأصولية الإسلامية". *مصطلح الأصولية الذي يعني العودة إلى الأصل أو المنبع، هو في أساسه مصطلح غربي (الأصولية المسيحية) انسحب على محاولات التجديد وإحياء التراث الإسلامي وبعث الفكرة الإسلامية بنسختها الأولى (الأصولية الإسلامية)، وهما وإن اشتركا في اللفظ، إلا أن بينهما كما بين السماء والأرض من حيث المضمون. *الأصولية المسيحية هي مذهب فكري بروتستانتي ظهر في أمريكا بنهاية القرن التاسع عشر، ويعتمد التفسير الحرفي للكتاب المقدس، حيث عارض هذا المذهب أية محاولات للتأويل الأدبي أو التاريخي لنصوص الكتاب المقدس، وناهض أتباعه كل محاولات التوفيق بينه وبين العلم الحديث. أصحاب هذا المذهب أخذوا موقفا مُعاديا من الاجتهاد والابتكارات العلمية وإعمال العقل، وتجسّد مذهبهم في شكل منظمات مع بداية القرن العشرين، مثل "الاتحاد الوطني للأصوليين" و"جمعية الكتاب المقدس"، و"المؤسسة العالمية للأصوليين المسيحيين". فالأصولية المسيحية إذن كما نقل الدكتور صالح الحساب في كتابه "الإسلام الذي يريده الغرب" عن روجيه جارودي وغيره: "هي جمود في مواجهة التطوّر، وتراث في مواجهة الحداثة، وتحجّر مذهبي في مواجهة الحياد". وأبرز عقائد الأصولية المسيحية في أمريكا: القول بألوهية المسيح... عقيدة الفداء، وهي أن المسيح افتدى البشر من خلال الصلب المزعوم، تكفيرا عن خطاياهم.. الإيمان بالعصر الألفي السعيد، حيث يؤمنون بأن المسيح سيرجع ويحكم العالم... وأما في التراث الإسلامي، فلم يكن فيه موضوع لهذا المصلطح في أي فترة من تاريخ الإسلام، إلا في أمرين: الأول: مصطلح أصول الدين، ويطلق غالبا على علم التوحيد وأصول الاعتقاد. والثاني: مصطلح أصول الفقه، وهو كما يعرفه أهل العلم بأنه "علم يتعرف منه على كيفية استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية". *فالملاحظ أن هناك فرقين جوهريين بين الأصولية المسيحية والأصولية الإسلامية يجعل من الظلم إقحام هذا المصطلح في الخطاب العام للعالم الإسلامي. الفرق الأول أن الكتاب المقدس لدى المسيحيين لا تصح نسبته للخالق، حيث عبثت فيه أيادي البشر، في مقابل القرآن الكريم قد عصمه الله من التحريف. والفرق الثاني، أن الأصولية المسيحية حالة جامدة مغلقة أمام أي أفكار تجديدية، في مقابل الفكر الإسلام الذي يبعث الله في كل زمن وعهد من يجدده ويعيده إلى منابعه الأولى، ويستغل قواعده العامة في التعاطي مع الواقع والمُستجّدات، وذلك لأن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان. *ويطلق الغرب مصطلح الأصوليين أو الإسلام الراديكالي على الإسلاميين الذين يقومون بمحاولات تجديدية لإحياء التراث الإسلامي والعودة إلى الأصل الأول. يقول الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه (الفرصة السانحة) عن الأصوليين المسلمين: "مُصممون على استرجاع الحضارة الإِسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي ... والذين يهدفون إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية، وينادُون بأن الإِسلام دين ودولة، وعلى الرغم من أنهم ينظرون إلى الماضي فإنهم يتخذون منه هدايةً للمستقبل، فهم ليسوا محافظين، ولكنهم ثوارٌ!". *فأين ما قال نيكسون عن الأصولية المسيحية التي تتشبث بنصوص اعترتها كلمة البشر، وحبست الناس في فلكها وعادت كل فكرة تجديدية، وقتلت الابتكار والإبداع، من المسلمين الذين يسعون للعودة إلى الأصل والمنبع، ليستمدوا منه ما يشقون به طريق الحضارة والنهضة؟ استيراد هذا المصطلح الغربي وإقحامه في الفكر الإسلامي خطأ فادح، حيث يساوي بين النص الإسلامي المعصوم وبين الكتاب المقدس لدى المسيحيين والذي هو مقطوع بتحريفه. تقول د. زينب عبد العزيز في كتابها: "هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة:(استخدام عبارة الأصولية في مجال الإسلام لا تستقيم، ومرفوضة، إذ أنها تفترض وجود مثل هذا التحريف الذي رأيناه في الأناجيل، وبالتالي فهي تفترض تصلب رأي رجال الدين، وإصرارهم على الحفاظ والدفاع عن نص عبثت به الأيادي على مر التاريخ، وهو أمر مستبعد وغير وارد، لأن علماء الإسلام يتمسكون ويدافعون عن نص منزل كريم). كما أن هذا المصطلح يتهم الشريعة الإسلامية (ظلما) بالجمود والركود كحال الأصولية المسيحية، بينما هي في الأصل فتحت باب الاجتهاد فيما يُسوّغ فيه الاجتهاد، وأعطت مساحة واسعة للتجديد وتنزيل النصوص على المستجدات وفق قواعدها وضوابطها. *يقول د. محمد عمارة: (أما مصطلح الأصولية بمعناه الغربي فهو غريب عن الواقع الإسلامي، مُقحم عليه بقوة القصف الإعلامي، لأنه يعني في الغرب: أهل الجمود، بينما هو في التراث الإسلامي عنوان على: أهل التجديد والاجتهاد والاستدلال والاستنباط). لذا ينبغي للعقلاء أن يتريثوا في الترويج لأي مصطلح وافد على البيئة الإسلامية، قبل النظر والتعمّق في مدلوله، فالإسلام يواجه حملة شرسة لتغريب وعلمنة المُسلمين، والزجّ بهم لجحر الضبّ الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه).
9399
| 10 أغسطس 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); "أخذ هارون الرشيد زنديقاً فأمر بضرب عُنقه فقال له الزنديق: لمَ تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك، ردّ الزنديق: فأين أنت من ألف حديث وضعتُها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلّها ما فيها حرف نطق به؟ قال فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك، ينخلانها فيخرجانها حرفاً حرفاً؟". *تلك القصة التي ذكرها السيوطي في تاريخ الخلفاء، والذهبي في تذكرة الحُفّاظ، وابن عساكر في تاريخ دمشق، هي قصة متكررة المضمون في كل عصر من عصور الإسلام. إنها تمثل قضية المدافعة، والتي هي سنة من سنن الله في خلقه: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}. سيظل أعداء الإسلام يحيكون المؤامرات في جنح الظلام، وسيبقى في الأمة من ينبري لفضحهم وكشف زيغهم، والله غالب على أمره. ومن الدعوات الهدّامة التي انتشرت كالنار في الهشيم، الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني، وكالعادة ينتقي هؤلاء المغرضون ألقابا وعناوين براقة حتى لا تصطدم بفطرة الناس وموروثاتهم الدينية التي شبّوا وشابوا عليها. فهم دائما يُسمُّون مصائد الشيطان بغير اسمها، فالخمر مشروبات روحية، والزنا والشذوذ حرية شخصية، فمن يكره التطوّر والتقدّم والتحضّر؟ بل ومن يرفض مسمى التجديد في الخطاب الديني إلا المُتخلّفون الظلاميون؟ فدعونا نتطور ونتحضّر يا قوم!! وزادت الحاجة إلى تطوير الخطاب الديني بعد تفشي مصطلح الإرهاب الفضفاض، والذي تتحدد معالمه وفق قواعد المصالح الغربية ورؤى الزمرة العلمانية في الأمة الإسلامية والعربية. وهرول المنخدعون والمغيبون وراء هذه الراية البراقة، فلا ضير في تغيير أسلوب الخطاب الديني، وكيفية الطرح الإسلامي، والقوالب التي تُقدّم فيها الشريعة للناس. لكن الأمر لم يكن على هذا النحو الذي جرف أصحاب النوايا الطيبة، إنما تضمن التطوير والتجديد للخطاب الديني، ضربة جديدة للإسلام، حيث إن حقيقة هذا التجديد هو اختزال حقائق الإسلام وأصوله وفروعه، وتطويعها بما يناسب التطوّرات على الساحة الدولية. وحول ذلك يقول محمد شاكر الشريف: "تغيير الخطاب الديني: المحتوى والمضمون وليس الطريقة أو الأسلوب، ليُجاري التغيرات السريعة في واقع المجتمعات داخليا، وفي العلاقات بين الدول خارجيا، بحيث تصير قضية الخطاب الديني هي إقرار هذا الواقع وتسويغه وتسويقه، والتجاوب معه كلما تغيّر. وعلى هذا فالتجديد عند هذا الفريق هو إجراء التغيير كلما احْتِيج إليه، في أصول هذا الدين وفروعه، لتتوافق مع تغيّرات قيم هذا العصر ومعطياته ومنطلقاته المستمدة من الثقافة الغربية المعاصرة التي هي نتاج تفكير بشري محض، ليس للوحي المعصوم أثر فيه، إضافة إلى خليط رديء من تحريفات اليهود والنصارى ووثنية الرومان". *فكما أراد القرآنيون هدم الدين عن طريق الدعوة إلى الاقتصار على القرآن دون السنة، أراد دعاة تجديد الخطاب الديني تطويع الإسلام لمسايرة الغرب والتعايش وفق قيمه. أتدرون من هم دعاة تجديد الخطاب الديني؟ هم الليبراليون والشيوعيون والعلمانيون، سلوا الكاتب فهمي هويدي عما كتب في جريدة الأهرام بتاريخ 30/9/2003م، بشأن إعلان باريس حول سبل تجديد الخطاب الديني والصادر عن لقاء نظمه مركز القاهرة لحقوق الإنسان في باريس يومي 11 و-12/8/2003م. قال الكاتب مُبديا دهشته تجاه احتضان فرنسا مؤتمرا لتجديد الخطاب الديني الإسلامي بتمويل أوروبي: "حين ألقيتُ نظرة على المشاركين في اللقاء وجدتّهم 29 شخصا دُعوا من ثمانية أقطار عربية، وجدتّ أن 85% منهم من غُلاة العلمانيين والشيوعيين السابقين، أحدهم اعترض ذات مرة على ذكر اسم الله في مُستهلّ بيان صدر عن مؤتمر عُقد في صنعاء، والثاني ألقى محاضرة قبل أشهر في جامعة برلين الحرة بألمانيا شكّك فيها في أن الوحي مصدر القرآن". وممن ينادون بتجديد الخطاب الديني النصارى أيضا، ومنهم نبيل نجيب سلامة منسق العلاقات العامة بالهيئة القبطية الإنجيلية، والذي قال: "إن الخطاب الديني لابد أن يكون منهجيا وموضوعيا بعيدا عن التشنجات السياسية أو الدينية، فالدين والسياسة في رأيي ليسا وجهين لعملة واحدة". *ولا حاجة للتدليل على قيادة أمريكا لهذه الدعوة كما عبّر عن ذلك ساستها، وحسبك أن هذه الدعوة انطلقت بعد الغارة التي شنتها أمريكا على العالم الإسلامي، ما يدل على ارتباطها بالمصالح الأمريكية. *إن تجديد الخطاب الديني لديهم يعني علمنة بلاد الإسلام، وفصل الدين عن شؤون الحياة، بحيث يكون الدين عبارة عن مجموعة من القيم الروحية وعلاقة بين العبد وربه في المسجد. لا يريدون للإسلام أن يكون كما أنزله الله منهاجا للحياة، يسوس الدنيا، ويُهيمن على مناحيها. يريدون مسلمين بلا إسلام، بعد تفريغ الإسلام من محتواه. *تجديد الخطاب الديني لديهم، يعني تذويب العقيدة الإسلامية في العقائد الأخرى تحت شعارات الإنسانية والحوار مع الآخر وتقارب الأديان، ولذا يعوّلون على المتصوّفة والطُرقيين (أصحاب الطُرق الصوفية) لتأصيل مبدأ وحدة الأديان، والذي تشكّل لدى هؤلاء الصوفية بسبب التوغّل الفلسفي في عقيدتهم. *تجديد الخطاب الديني لديهم يعني إلغاء مصطلح الجهاد من القاموس الإسلامي، لأنه مرادف للإرهاب والتطرف والعنف. إذا كان هناك من تجديد للخطاب الديني، فينبغي أن يكون في العودة بالإسلام إلى منابعه الصافية الأولى. التجديد في بيان شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة، والتجديد في ربط الإطار الأخلاقي والقيمي بالعقيدة والعبادة، والتجديد في فهم الإسلام باعتباره دينا ودولة، باعتباره مستلزما لنهضة حضارية تعتمد على الإيمان والقيم والبذل والجهد. التجديد في الخطاب الديني لا من خلال شكله فقط، إنما يكون من خلال مناسبة الطرح لأحوال وأفهام الناس. هذا هو التجديد لا التخريب والتحريف.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
17878
| 03 أغسطس 2015
مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
900
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
744
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها...
690
| 15 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة...
660
| 14 ديسمبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه الأرقام وتتناثر فيه الفرص...
585
| 14 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
558
| 19 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
546
| 16 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
540
| 18 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
510
| 18 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
471
| 18 ديسمبر 2025
-إعمار غزة بين التصريح الصريح والموقف الصحيح -...
423
| 14 ديسمبر 2025
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة...
423
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية