رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

ضبط السلوك بين القضاء والضمير الإيماني

لئن كان المنهج الرباني أرقى وأسمى من أن يوضع مع غيره من قوانين البشر موضع المقارنة، إلا أنّ تزاحم المرجعيات النهائية في هذا العصر وكثرة أنصارها، تحتم بيان أوجه تميز هذا المنهج عن دساتير البشر التي بنيت على العقود الاجتماعية وأعراف البلاد وأهواء الرجال. ومما امتاز به التشريع في المنهج الإسلامي عن المناهج الأرضية، هو تكوين الوازع الديني والضمير الإيماني، ففي القوانين الوضعية يكون الهدف هو حفظ النظام الظاهر ومراعاة الصالح العام، والقضاء على مظاهر الانحراف المعلنة، ولا علاقة له بوأد الانحراف في نفوس البشر. وأما التشريع الإسلامي الذي يراعي مصلحة الفرد في إطار مصلحة المجموع، فإنه مع العقوبات الرادعة يخلص النفوس من سيطرة النزوات والشهوات والمادة، بربطها بالجزاء الأخروي الذي لن ينفع معه التدليس والتزوير وإخفاء الحقائق وطمسها، وهو ما لا يتوافر في القوانين البشرية التي تكتفي بالجزاء الظاهر فقط لردع الجاني عن الانحراف، دون أن تشمل منظومة قيمية تعزز من الرقابة الذاتية لدى الإنسان. عناية الإسلام بتنمية الوازع الديني إلى جانب القضاء الذي يحكم على الظاهر والدلائل والقرائن ويدع السرائر لخالقها، كان له أثر قوي في استجابة الناس إلى العمل بأوامر الله تعالى واجتناب ما نهى عنه، وذلك عندما ينتقل خوف العقاب في حس المؤمن من مجرد أذى مالي أو جسدي، إلى الخشية من عذاب أشد وأبقى في نار جهنم. القاعدة الأساسية في القضاء هي (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر)، فإن المدعي تلزمه البينة وإلا ادّعى كل الحقَّ من ليس له الحق، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بدَعْوَاهُمْ لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ) رواه البخاري. ولكن قد يفقد المدعي البينة وهو صاحب حق، فيؤول الأمر إلى يمين المنكر، فهناك جزء في القضاء يتعلق بالضمير الإنساني. لذلك عندما يقف أهل الإيمان أمام القضاء في الخصومات، فإنهم لا تحكمهم كلمة القاضي فحسب، بل ضميرهم الإيماني ووازعهم الديني، فكما تقول القاعدة (قضاء القاضي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا)، وهو ما أُخذ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّار» متفق عليه. وفي هذا تحذير لكل إنسان ألا يأخذ ما ليس له بحق ولو كان حكم القاضي لصالحه، لأن القاضي يحكم بحسب الظاهر لديه، ويبقى الخوف من جناب الله وتعظيمه وإجلاله وإيثار نعيم الآخرة الخالد على متاع الدنيا الزائف والعقاب الأخروي هو الرادع الأعظم لتجنب المخالفة. ومن جهة أخرى، يغرس المنهج الإسلامي أسمى المبادئ والقيم والأخلاق الحسنة في نفوس البشر، إذ جعل لها منزلة عظيمة، ورتّب على التخلق والتحلي بها مثوبة عظيمة تتوق لها النفس البشرية، فمن ثم يتحرك الإنسان في الحياة عبر منظومة قيمية وأخلاقية، تضبط سلوكياته مع الآخرين، وتجنبه أن يقع في موقع الظالم الجائر، حتى في غياب سيطرة القانون والعقاب، وهو ما امتاز به التشريع الإسلامي عن غيره، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

1353

| 15 ديسمبر 2023

الأولياء بين الخرافة والدين

من هو وليّ الله؟ أهو الذي يمشي على الماء أو يطير في الهواء؟ أم هو صاحب الضريح الذي يقصده الناس لقضاء حوائجهم؟ وهل يعرف الولي علم الغيب المستقبلي؟ وهي الولاية تؤتى بالوراثة أو تحتكرها طبقة معينة من الناس؟ وهل تبيح الولاية لصاحبها ترك الفرائض بدعوى أنه قد رفع عنه التكليف وصار من الواصلين؟ إن الولاية صلة بالله لا يضع قوانينها ومعاييرها سواه وحده سبحانه وتعالى، ويتبين تعيينها من خلال نصوص الوحيين، فالله عز وجل قد عرف الولاية بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وحول ذلك يقول ابن كثير في تفسيره: "يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، كَمَا فَسرهُمْ رَبُّهُمْ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا". فكل من اتقى الله تعالى فهو ولي من أوليائه الصالحين الذين يحظون بمعيته، ولا يستلزم ذلك أن يكونوا من أهل الكرامات الخارقة للعادات، فاستقامته على أمر ربه تعالى هي أعظم الكرامات، فكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه إليه ويرفع به درجته". ومما ينافي التقوى والاستقامة ومن ثَم يناقض الولاية، ادعاء البعض بأنهم قد رُفع عنهم التكليف، فيتركون ما افترضه الله عليهم، وهذا محض كذب وافتراء، فسيد البشر وخير المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم خاطبه ربه قائلًا {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} وهو الموت كما ذكر المفسرون، ويتحفنا القرطبي هنا بلطيفة من لطائف تفسيره، فيقول: "فَإِنْ قِيلَ: فَمَا فائدة قول: "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" وَكَانَ قَوْلُهُ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ" كَافِيًا فِي الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ. قِيلَ لَهُ: الْفَائِدَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ" مُطْلَقًا ثُمَّ عَبَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ مُطِيعًا، وَإِذَا قَالَ "حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" كَانَ مَعْنَاهُ لَا تُفَارِقْ هَذَا حَتَّى تَمُوتَ. لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته رغم الأوجاع والآلام محافظًا على أداء الفريضة، وكانت الصلاة آخر وصاياه. إن الولي لا يعلم الغيب من دون الله، فالله سبحانه وتعالى لا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول، سواء كان رسولا بشريًا أو رسولًا ملكيًا، ومقام النبوة حتمًا أعظم من مقام الولاية، ومع ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، بل أمره القرآن أن يبين للناس هذه الحقيقة (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). إن كرامات الأولياء ثابتة بالكتاب والسنة وأجمعت عليها الأمة، فمنها مثلا كرامة أهل الكهف في لبثهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا في كهفهم دون طعام أو شراب، وكرامة اختصاص مريم أم المسيح عليه السلام بوجود الفاكهة في غير أوانها، وكرامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما نادى أثناء خطبته في المدينة القائد سارية بن زنيم بأن يحتمي بالجبل وهو بالعراق، فأخبر سارية بعد مقدمه أنه سمع صوت عمر فصعد الجبل. لكن الحق الذي عليه أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أن الكرامة من فعل الله لا دخل للولي فيها وليس له كسب في الكرامة، ولا يظهرها بقصد ولا يتحكم فيها، ولا تُؤتى برياضات معينة، وهي تأتي للعبد تثبيتا وطمأنة لقلبه، لذلك قالوا إن كرامات الصحابة أقل ممن جاء بعدهم، لأنهم كانوا على إيمان أكثر رسوخا. وليس كل أمر خارق للعادة يعد كرامة أو دليلا على الولاية، فكثير منها يتلبس بأحوال شيطانية، قال الشافعي رحمه الله: "إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء، فلا تغتروا به، حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة"، نسأل الله أن يقيمنا على سنة النبي صلى الله وسلم وطريقته، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

4491

| 08 ديسمبر 2023

أفسِحوا للتائبين

قال بعض أهل الوجع: الحمد لله الذي جعل الرزق في السماء {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، ولو كان في الأرض بيد الناس لمتنا جوعًا، الحمد لله الذي جعل التوبة بيده يفتح أبوابها ما لم تطلع الشمس من مغربها، ولم يجعلها بيد العباد وإلا هلكنا بذنوبنا وحوكمنا عليها بأثر رجعي. من منا من لم يجب داعي الهوى؟ ومن منا لم تغلبه نفسه وهو على وحدانية الله شاهد؟ لن يكون لنا وجود إذا لم نفعل، فهكذا أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» صحيح مسلم. ولقد أوجب الله التوبة على عباده جميعًا وعلّق فلاحهم عليها {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [النور: 31]، ومن الذنوب التي ينبغي على صاحبها أن يتوب، ذنب الظلم الذي يصدر من البعض تجاه التائب. يظلمون التائب عندما يلوحون له في الغدوة والروحة بذنوبه السابقة التي تبرأ إلى الله منها، ويعيرونه بها، ويدقون الطبول عليها حينًا بعد حين، ولو بحث هؤلاء في سيرة خير القرون، لما وجدوا هذا المسلك الجاهلي مع التائبين، فلم يعيروا أحدًا بأنه كان يسجد لصنم، فإن كان هذا الحال مع سابقة الشرك، فكيف مع سابقة ما هو دونه؟! لم يكن هذا دأبهم، بل كانوا يفرحون بتوبة العباد وانضمامهم إلى خندق التائبين، كيف لا، ورب العزة تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده فرحًا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كانَ رَاحِلَتُهُ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كذلكَ إِذ هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ «. رَوَاهُ مُسلم وقد ورد في كتاب الزهد لأحمد بن حنبل أن الحسن البصري قال «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ قَدْ تَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ ابْتَلَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ». فكيف يطيق قوم قد خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم أن يعيروا إخوانهم بالذنوب؟! النيل من التائب فيه إعانة للشيطان عليه، وربما انقلب من بعد توبته ونكص على عقبيه بكلمة تخذيل من أخيه المسلم، ولذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك، فقد أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: (أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ)، وحول ذلك يقول الإمام ابن حجر رحمه الله «وَوَجْهُ عَوْنِهِمُ الشَّيْطَانَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُرِيدُ بِتَزْيِينِهِ لَهُ الْمَعْصِيَةَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الْخِزْيُ فَإِذَا دَعَوْا عَلَيْهِ بِالْخِزْيِ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ حَصَّلُوا مَقْصُودَ الشَّيْطَانِ». وما أجمل كلمات ابن القيم رحمه الله وهو يحلق في كتابه الماتع «طريق الهجرتين» حول مشهد الحكمة في تخلية الله بين العبد وبين الذنب، فأورد لذلك حكمًا عظيمة جليلة، ذكر منها: «أنه يوجب له الإِحسان إلى الناس والاستغفار لإخوانه الخاطئين من المؤمنين فيصير هجِّيراه – أي عادته-: ربِّ اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثل ما أُصيب به، ويحتاجون إِلى مثل ما هو محتاج إليه، فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم يحب أن يستغفر هو لأخيه المسلم». كم من تائب بات في فراشه يتململ كالسقيم، تشق دموعه طريقها على خديه قهرًا وهو يجد إخوانًا في الإيمان يزدرونه ويحتقرونه، وينابزونه بتاريخه في مخالفة الرحمن، فيُخضعون التعامل معه لمشاعرهم لا لتعاليم دينهم، فذلك ذنب يحتاج إلى توبة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

1284

| 01 ديسمبر 2023

حكاية المقاومة والـ 150 أسيراً

بعضهم ينال من المقاومة على إثر عقد هدنة مع العدو الصهيوني يتم الإفراج بموجبها عن 150 من المعتقلين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية، ويتهم المقاومة بأنها هي من استفزت الصهاينة للحرب، وتسببت بذلك في مقتل 15 ألف فلسطيني ولم تحقق شيئا سوى الإفراج عن عشرات الأسرى. ابتداء أقول: مصطلح استفزاز هذا قد يصلح لإطلاقه على تحرش دولة بأخرى، فعندما تبدأ باستفزازها فإنه من المنطقي إلقاء اللائمة عليها، لكننا في الحالة الفلسطينية، نتحدث عن عدو صائل محتل، وعن أصحاب أرض يقاومون هذا العدو، وهو من الناحية الشرعية أمر متعين على أصحاب الأرض أن يجاهدوا هذا العدو، فيما يعرف بجهاد الدفع، ومن ناحية القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، فإن أصحاب هذه الأرض مكفول لهم حق الدفاع عن أرضهم ضد هذا المحتل، ولا يختص حق الدفاع بوقت دون وقت ولا ظرف دون ظرف، فهو موكول تقديره إلى أصحاب الأرض. العدو الصهيوني هو من بدأ الاستفزاز منذ أن اغتصب أرض فلسطين، لذلك الحرب قائمة منذ هذا الوقت، والطرفان في حالة حرب مفتوحة، حتى وإن تخللتها فترات طوال من السكون وترك السلاح. ولا يغير من هذه الحقيقة اعتراف كثير من دول العالم بدولة إسرائيل المزعومة، كما لا يغير من هذه الحقيقة رضا الدول العربية أو مطالبتها بحل الدولتين، فإن أصحاب الأرض من حقهم ألا يبقى محتل واحد يملك شبرا واحدا من أرض فلسطين. ومن ناحية ثانية، القضية الفلسطينية كانت لا تبرح المظلة الإسرائيلية، وتولي اليمين الإسرائيلي زمام الأمور يعني أن العدو لن يقبل بغير تصفية القضية الفلسطينية بالكامل لصالح الصهاينة، وبناء على ذلك، أرادت المقاومة أن تحرك القضية الفلسطينية من تحت هذه المظلة الإسرائيلية حتى تكسر احتكار العدو الصهيوني للتحكم في مسار القضية الفلسطينية. ومن ناحية ثالثة، تهويد الأقصى قد بلغت محاولاته ذروتها، وبدا أن الاحتلال يضع اللمسات الأخيرة قبل الاحتلال العام للأقصى، في ظل غياب الدور العربي الإسلامي، فكان لابد من معركة تخوضها المقاومة لإحباط محاولة تهويد القدس. ومن ناحية رابعة، قد بلغ التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي ذروته، عندما أضيفت إلى قائمة المطبعين القدامى دول أخرى هرولت باتجاه التطبيع، ودول أخرى كانت في طريقها إلى ذلك التطبيع، بما ينذر بأن القضية الفلسطينية سوف تباع على مائدة التقارب العربي الإسرائيلي، فكان لابد من خوض معركة بهذا الحجم. وقد نجحت المقاومة بالفعل في إيقاف عجلة التطبيع، بعد أن كشفت عدم اكتراث العدو الصهيوني بالجانب العربي واستبعاده من المعادلة، بهذا الدمار الرهيب الذي ألحقته الغارات على القطاع وتدمير البنى التحتية له، بما أوقع الأنظمة العربية في حرج شديد أمام الشعوب، فجمدت التطبيع إلى حين. كما كشفت المعركة عن ضعف تأثير مسألة التطبيع في وجدان الشعوب الإسلامية والعربية، والتي تساند القضية الفلسطينية بما أوتيت من قوة واستطاعة. ومن ناحية خامسة، فإن المناخ السائد قبل طوفان الأقصى، كان يشير بقوة إلى حلول موعد صفقة القرن التي يتم خلالها تصفية القضية الفلسطينية، فكان لابد من ضربة استباقية تربك العدو الصهيوني وتمسك المقاومة زمام الأمور فيها. أما عن آلاف الشهداء الذين سقطوا جراء العدوان الصهيوني الغاشم، فإن لكل الحروب التحررية ضحايا، ولم نسمع أن نال شعب حريته إلا بخسائر بشرية، وفي حالة غزة فإنها بالفعل كانت تموت تحت وطأة الحصار الجائر الذي حرم أهل غزة ضروريات الحياة ومنعهم من تجاوز الحدود إلى ذويهم وأقربائهم، ومن ممارسة حياتهم بشكل طبيعي لسنوات طوال، ففي كل الأحوال هو موت بالبطيء. المقاومة لم تخض هذه الحرب من أجل تحرير 150 أسيرا كما يقال، وإن كان تحرير الأسرى من جملة أهدافها، المقاومة خاضت المعركة من أجل التحرير الكامل لأراضي فلسطين، لكنها وافقت على الهدنة وتبادل الأسرى لتحقيق أي مصلحة ممكنة لشعب غزة، خاصة وأن الهدنة جاءت وفق شروط المقاومة، بعد أن مرغت أنف الصهاينة في التراب، وقد كانوا يصرحون من قبل أنه لا مفاوضات قبل تدمير المقاومة، جاءت بعد أن علم العدو أنه دخل عش الدبابير، ولا يستطيع شيئا إلا قصف المدنيين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

2211

| 24 نوفمبر 2023

المرونة في التشريع الإسلامي

لما كان الدين قد كمل في زمن النبوة، فلا يُحتاج إلى زيادة فيه أو إنقاص منه، فإن من تمام ودلائل كماله أنه راعى المستجدات اللاحقة في كل عصر بعد انقطاع الوحي، نظرا لأنها رسالة خالدة لا تتعلق بزمن معين ولا تقف عند حقبة بعينها. الدين قد بيّن القواعد التي يحتاج إليها الناس في الضروريات والحاجيات والتحسينات، فالضروريات ما لا تقوم الحياة بدونها كالمضطر لأكل الميتة لتقوم بها حياته، والحاجيات تقوم بدونها الحياة مع مشقة شديدة تلحق المُكلَّف، والتحسينيات هي التي لا تمس الحاجة إليها وتقوم الحياة بدونها ولا تتأثر حياة المكلف مع انعدامها، فهذه كلها قد بين الدين قواعدها. يقول الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: "فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إلا وقد بينت غاية البيان، نعم يبقى تنزيل الجزئيات على تلك الكليات موكولا إلى نظر المجتهد فإن قاعدة الاجتهاد أيضا ثابتة في الكتاب والسنة فلابد من إعمالها ولا يسع الناس تركها وإذا ثبتت في الشريعة أشعرت بأن ثم مجالا للاجتهاد ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه". تلك المرونة في التشريعات من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية التي تستوعب كل الأزمنة والأمكنة، فإن شريعة جاءت على أساس الخلود إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حتما لن تتعرض لتفاصيل أحكام الجزئيات الواقعة في المستقبل مع كثرتها وتعددها وتجددها بتجدد العصر، لذا ناسب هذا الإجمال خلود هذه الشريعة. ومن أبلغ ما يدل على مرونة الشريعة الإسلامية تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والعرف، لأن الشريعة في الأصل مبناها على مصالح العباد في معاشهم وآخرتهم، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله: "هَذَا فَصْلٌ عَظِيمُ النَّفْعِ جِدًّا وَقَعَ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ أَوْجَبَ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ وَتَكْلِيفِ مَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْبَاهِرَةَ الَّتِي فِي أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ لَا تَأْتِي بِهِ؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ مَبْنَاهَا وَأَسَاسُهَا عَلَى الْحِكَمِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ". وساق ابن القيم أمثلة عديدة على تغير الأحكام وفق الزمان أو المكان، فمن ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تقطع الأيدي في الغزو مع أنه حدٌّ، خشية أن يؤدي لمفسدة أكبر، كأن يلحق من أقيم عليه الحد بالأعداء. ومن دلائل مرونة الشريعة تبدل الأحكام بتبدل المصالح، ومن أعظم ما يدل عليه ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ أَوْ قَالَ بِكُفْرٍ لَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَجَعَلْتُ بَابَهَا بِالْأَرْضِ وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنْ الْحِجْرِ). وهذا الحديث يدل على ترْك النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من أجل ما هو أهم وأولى. والخلاصة كما قال ابن القيم فإن الأحكام نوعان، نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانا ومكانا وحالا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة. الحديث عن مرونة الشريعة الإسلامية وبيان عظمة الدين الإسلامي بصفة عامة أمر ضروري وهام، في ظل حملات التشويه الممنهجة ضد الإسلام عقيدة وشريعة، التي يروج القائمون عليها أن هذه الشريعة مكانها خيام الصحراء في عصر النبوة، ولا تصلح لعصر الذرة والتقنيات الحديثة وارتياد الفضاء، فحري بالدعاة والمصلحين التركيز على خصائص الشريعة الإسلامية لكي يتشبع بها المسلم ويقدر دينه حق قدره، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

10257

| 10 نوفمبر 2023

في ظلال العبودية

قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، تلك هي الغاية التي خلقنا من أجلها، ويجهلها كثير من العباد. إن العبودية لله تعالى ليست تكليفًا وحسب، إنما هي تشريف واصطفاء، وصدق الشاعر إذ يقول: ومما زادني شرفًا وتيها...وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي....وأن أرسلت أحمد لي نبيا فشرفٌ للمرء أن يكون ممن خوطب بهذه الكلمة المحببة لأهل الإيمان (يا عبادي)، حتى عندما يتجاوزون حدوده وينتهكون محارمه، يدعوهم إلى الإنابة بقوله {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. ومن شرف العبودية أن الله تعالى جعل أحب الأسماء إليه ما تضمن انتساب العبد لربه بالعبودية، كما جاء في الحديث (إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ)، فجعل الله التسمي بهذين الاسمين أفضل من غيرهما. ومن شرف العبودية أن الله تعالى نسب نبيه صلى الله عليه وسلم إليها في أشرف المواطن وأعظمها، ففي مقام تنزل القرآن كلام الله تعالى والمعجزة الخالدة قال {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، وفي مقام الدعوة التي هي أشرف الوظائف والمهام البشرية على الإطلاق قال {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19]. وفي مقام الإسراء والمعراج - تلك الرحلة التي لم تكن لبشر قط تشريفًا وسلوانًا للنبي صلى الله عليه وسلم - قال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1]. لقد كانت كلمة "عبد " هي الخيار الأعظم الذي اختاره نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث (جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة فلما نزل قال يا محمد: أرسلني إليك ربك أملكًا جعلك أم عبدًا رسولًا؟ فقال له جبريل: تواضع لربك يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم: لا بل عبدًا رسولًا)، ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن مقام العبادة هو أوفى وأعلى وأعظم المقامات. عندما حملت الصديقة مريم بالمسيح بكلمة الله، أتت قومها بالوليد {قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا } [مريم: 27 - 29]. هنا حدثت المعجزة، وتكلم الصبي في مهده، فكان أول ما نطق (إني عبد الله)، فهي أعظم حقيقة وأشرف انتساب أن يكون العبد عبدًا لله طوعًا.. إن العبودية لله تعني تحرير البشر، فكلما ذلت ناصية العبد لربه ازداد رفعة وعزة {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، فيرفعه الله على خلقه بالعبودية، وتلك هي الرسالة التي وعاها ربعي بن عامر ثم بلّغها قائد الفرس "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة". إنها تحرر العبد - بعد توحيد وِجهته إلى الله - من الذل والهوان للناس ولو سوّرت معصميه الأغلال وألهبت ظهره السياط، فهو مستعلٍ فوق الباطل بعبوديته لله، فيصبح حاله كما عبر شيخ الإسلام ابن تيمية (ما يصنع أعدائي بي، إن جنتي في صدري، أين رحت فهي معي، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة). وإن لم يقم الإنسان بحق العبودية لله تعالى صار أسيرًا لعبودية غيره، عبدًا لهواه أو لماله أو لسلطانه كما في الحديث (تعس عبد الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما (الهوى إله يعبد). ألا فليعلم المسلم أن عبوديته لله تبارك وتعالى هي غاية وجوده ومصدر عزته وسبيل حريته، والطريق الأوحد إلى سعادته الأبدية، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

1761

| 03 نوفمبر 2023

لا تُعينوا على الدم الفلسطيني

ذكر ابن سعد في الطبقات أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ قال: "لَا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ", فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ, أَوَأَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فَيَقُولُ: "إِنِّي أَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ ". لم يكن غريبًا على الغرب الأمريكي والأوروبي أن يدعم الكيان الصهيوني ويؤيده في العدوان الغاشم على غزة، والذي يأتي على أخضرها ويابسها، فهم بالأساس الذين أوجدوا هذا الكيان اللقيط في جسد أمتنا، ولا يزالون يتعهدونه بالرعاية والدعم على حساب دمائنا وأرضنا. لكن ما يثير الدهشة حقًا، أن يكون من هذه الأمة ذاتها، من يتنكر للقضية الفلسطينية ومأساة غزة، ويدير لها ظهره، والأكثر بشاعة منه، أولئك الذين يعينون على دماء إخواننا في غزة وسائر فلسطين، بذكر مساوئهم، أو التنقص منهم، أو تحميلهم المسؤولية عن دماء الشهداء الأبرياء. يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يستدعون الفرية الصهيونية التي تقول إن الفلسطينيين هم من باعوا أراضيهم لليهود، دون التدقيق في صفحات التاريخ التي تبرئ ساحة الفلسطينيين من هذا الاتهام، حيث إن حجم الأراضي التي تملكها اليهود إلى وقت انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين لم يتعد 7% من الأراضي، وسبعة أثمان هذه النسبة كان معظمها من العطايا البريطانية للصهاينة وبعضها بيعت لهم من قبل بعض العرب الذين كانوا يتملكون هذه الأراضي، إذن لم يبع الفلسطينيون غير الثُمن من نسبة 7% منها. يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يقولون إن هذه الأحداث شأن داخلي فلسطيني لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وهؤلاء ضربوا بكل الرايات التي يمكن الانضواء تحتها عرض الحائط، فلا هم رفعوا راية الإسلام الذي يفرض عليهم النصرة برابطة الدين التي هي أقوى الأواصر، ولا هم رفعوا راية العروبة ووحدة اللغة والقومية والأرض والتاريخ، ولا هم حتى رفعوا شعارات القيم الإنسانية. هؤلاء غردوا خارج السرب، وتكشفت سوءاتهم أمام العالمين، وجهلوا حكمة الثور الأبيض، وأن الجميع منا مستهدفون، وإن هي إلا مسألة وقت وأولويات لدى الأعداء. يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يبررون تخاذلهم بأن الفلسطينيين أساءوا إلى دولهم أو حكامها، وبناء على ذلك لا يستحقون الدعم ولا التعاطف، وتبا لهذا المنطق البشع، هل الدماء والأشلاء المتناثرة في غزة تستحق أن تُدرج في هذه المعادلة؟ أهذا وقت تصفية الحسابات؟ هل يكون الرد على رأي جارح بترك الأشقاء بين تروس الحرب الضارية؟! يعينون على الدم الفلسطيني، عندما يقومون بشيطنة المقاومة، ويصفون دفعها للعدو الصائل الجائر المغتصب بالإرهاب، ويلقون باللائمة عليها، وحجتهم في ذلك أن المقاومة من بدأت القصف في السابع من أكتوبر، غافلين أو متغافلين عن حقيقة أن المقاومة أطلقت عملية طوفان الأقصى بعد وصول محاولات تهويد الأقصى إلى ذروتها، غافلين متغافلين عن حقيقة أن العدوان وقع على الفلسطينيين منذ القرن الماضي عندما اغتصب الصهاينة أرض فلسطين، غافلين أو متغافلين عن حقيقة أن مشروعية الدفاع عن الأرض ضد المحتل في أي وقت هو أمر تكفله كل شرائع السماء ودساتير الأرض. وهم مدفوعون إلى ذلك بعدائهم لجماعة الإخوان المسلمين، رغم أن ما يربط حماس بتلك الجماعة هي الجذور الفكرية والمنهجية، وليس لها مع الإخوان رابط تنظيمي، وهو ما أعلنته حركة حماس، والتي تتخذ خيارا استراتيجيا بعدم التحرك العسكري خارج نطاق القضية الفلسطينية. هل هذا وقت تصفية الحسابات؟ ولماذا يغضون أبصارهم عن كون المقاومة تنوب عن كل فلسطين في الدفاع عن أرضهم؟ بل تنوب عن الأمة بأسرها فيما أوجبه الله عليها من دفع العدوان الغاشم على أراضي المسلمين. وإنهم بذلك المسلك يدعمون الرواية الصهيونية بأن الجيش الإسرائيلي لا يقاتل الفلسطينيين، ولكنه يقاتل جماعة إرهابية، رغم كل ما ألحقه الاحتلال بالمدنيين العزّل من دمار. خير لهؤلاء أن يقولوا خيرا أو ليصمتوا، إن لم يدعموا القضية فلا أقل من أن يكفوا عنها ألسنتهم، ولا يعينوا على دماء الفلسطينيين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ehssanfakih@gmail.com

1335

| 27 أكتوبر 2023

هكذا استنهضت غزة قوة الأزهر

على الصعيد الشخصي، كانت المظاهرة الكبيرة التي شهدتها ساحة الجامع الأزهر في مصر الجمعة الماضية دعما لفلسطين وتنديدا بالاحتلال، بمثابة مفاجأة كبيرة، لأنها حدثت في أجواء من الصمت الشعبي ترقّبا لما يؤول إليه الموقف الرسمي، كما أنها سبقت جميع القوى السياسية والمؤسسات المدنية، التي تحركت بعدها بأيام. لكن هذه المظاهرة لم تكن هي الشكل الأوحد المعبر عن موقف الأزهر، فقد صدر بيان عن هذه المؤسسة الدينية العريقة، هو الأقوى منذ عقود، وجاءت مضامينه فيما يبدو متجاوزة للحدود السياسية، بما يستلزم أن نقف مع هذا البيان تفكيكًا. أولا: مطالبة الأزهر "الأمة العربية والإسلامية بإعادة النظر جذريا في الاعتماد على الغرب الأوروبي الأمريكي المتغطرس"، وهو منحى جديد لهذه المؤسسة في التعامل مع الغرب، وفيه دعوة صريحة لنبذ التبعية للغرب، علما بأن مصر تربطها منذ عقود علاقات استراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية. ثانيًا: وضع العدو الإسرائيلي وداعميه ورعاته من الغرب الأمريكي والأوروبي، في خانة واحدة، معتبرا أن الغرب بهذا الدعم يقاتل مع الاحتلال في أرض فلسطين، ويظهر ذلك من خلال قوله: "على الفلسطينيين أن يثقوا في أنَّ الغرب بكل ما يملك من طاقاتٍ عسكريةٍ وآلاتٍ تدميريةٍ ضعيف وخائف حين يلقاكم أو تلقونه، فهو يقاتلُ على أرضٍ غير أرضه ويدافع عن عقائد وأيديولوجيات بالية عفا عليها الزمن". وبالفعل، العدو الصهيوني يحظى منذ انطلاق هذه المعركة بدعم ضخم من أمريكا، التي أبطلت مع بريطانيا وفرنسا واليابان، مشروعا في مجلس الأمن يقضي بوقف إطلاق النار، وأعلنت موقفها صراحة بتقديم كل سبل الدعم لجيش الاحتلال، كما أنها جرّمت المقاومة، وتبنت الروايات الإسرائيلية الكاذبة حول قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين واتهام المقاومة بتنفيذ مجزرة مستشفى المعمداني، وهي التهم التي تبين زيفها، مما أوقع الولايات المتحدة في الحرج. كما يتأكد ذلك المنحى الأزهري في تذكير الفلسطينيين بضعف الغرب وآلته العسكرية، وساق مثالا على كسر الغطرسة الأمريكية، الإخفاق الذي منيت به الولايات المتحدة في غزوها الصومال وأفغانستان، حيث جاء في البيان: "وما مقدار الغرب في ميزان الصومال وأفغانستان منكم ببعيدٍ". ثالثا: عدم اقتصار بيان الأزهر كما جرت العادة على دعم الفلسطينيين بالتبرعات والأموال، بل تعدى ذلك إلى العدة والعتاد، حيث جاء في البيان: " على الأمة الإسلامية أن تستثمر ما حباها الله به من قوة وأموال وثروات وما تملكه من عُدةٍ وعتادٍ، وأن تقف به خلف فلسطين وشعبها المظلوم الذي يواجه عدوًّا فقد الضَّمير والشعور والإحساس". وهذا بلا شك تحول كبير في خطاب الأزهر عما كان عليه في السابق، وتحمل دعوة للدول العربية بالدعم العسكري للفلسطينيين. هذه المضامين هي أبرز ما جاء في بيان الأزهر، لكن ثمة شكل آخر يعبر عن قوة موقف الأزهر في هذا الظرف التاريخي، إلا أنه ورد من خلال بيان لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، بعنوان "فلسطين قضية عادلة.. وعالم لا يرى ولا يسمع"، جاء فيه: "إن "مستوطني الأرض المُحتلة من الصهاينة لا ينطبق عليهم وصف المدنيين، بل هم محتلون للأرض، مغتصبون للحق، مُتنَكِّبُون لطريق الأنبياء، معتدون على مقدسات مدينة القدس التّاريخية بما فيها من تراث إسلاميّ ومسيحيّ". وهو بلا شك مضمون قوي، في توصيفه وتكييفه الفقهي لمسألة لطالما أثارت الجدل، حول المستوطنين واعتبارهم محاربين أم مدنيين. كما تضمن هذا البيان لمركز الفتوى، دعما صريحا للمقاومة في الوقت الذي يتجه البعض لشيطنتها، حيث جاء في البيان: "إن عمليات المقاومة الحالية حلقةٌ جديدة من سلسلة نضال شعب فلسطين ضد إرهاب الكيان الصهيوني المحتل الغاصب، وجزءٌ صغير من رد عدوانه التاريخي البشع على المقدسات والأرض والشعب الفلسطيني، بلغة القوة التي لا يفهم الصهاينة غيرها". وهو كما يتضح سباحة عكس التيار، إذ أن الخطاب العربي السائد في هذه الآونة، هو التفريق بين عمل المقاومة وبين القضية الفلسطينية. بصرف النظر عن مدى توافق موقف الأزهر مع الإرادة السياسية أو تجاوزها، يتحتم القول إنه موقف تاريخي يبشر بعودة هذه المؤسسة العريقة إلى دورها البارز في أحداث الأمة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

3123

| 20 أكتوبر 2023

غزة بين جلَد الفجّار وعجز الثقات

"اللهم إني أعوذ بك من جلَد الفاجر وعجز الثقة"، هذه المقولة التي أطلقها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اقتحمت خاطري بقوة في ظل الأحداث المأساوية التي يعيشها أهل قطاع غزة، وتعرضهم لحرب إبادة من قبل جيش الاحتلال. ففي الوقت الذي كشف المجتمع الدولي عن وجهه القبيح، وتضامن قلبا وقالبا مع الكيان الإسرائيلي، وقدم له الدعم، صامتا على مذابحه الوحشية التي يرتكبها بحق القطاع، نرى في المقابل عجزًا عربيًا يندى له الجبين، فأهل غزة الذين مُنِعوا الكهرباء والماء والطعام والأدوية والإسعافات، عار علينا أننا لم نستطع تقديم زجاجة ماء لهم. ألهذا الحد بلغ بنا الخور والضعف، ألهذه الدرجة صرنا عاجزين عن اتخاذ قرار موحد بدعم إخواننا في غزة في الوقت الذي يتبجح الطرف الآخر بدعم الكيان الإسرائيلي؟! أين الإسلام ورابطة الدين، وأين العروبة، بل أين الإنسانية؟ إن كل هذه المنطلقات تفرض على الجميع مد يد العون للقطاع الذي تُمحى أحياؤه السكنية محوًا من على الأرض. إذا كان الكيان الصهيوني يدكّ البيوت والمنازل على رؤوس أهلها المدنيين العزل بأطفالهم ونسائهم وعجائزهم، ثم يخرج إعلامه لتزييف حقائق يراها العالم كالشمس في رابعة النهار مدعيًا أنه شن غارات على المقاومة، فماذا عن أنظمتنا العربية التي ترى هذا الكذب؟ ماذا ستقول لشعوبها؟ وماذا ستقول للأجيال القادمة وقد تركت غزة للدمار دون فعل أي شيء سوى الدعوة إلى وقف إطلاق النار من الجانبين! الشباب من غزة يكتبون على مواقع التواصل تحت أزيز الطائرات، ويزفون أخبارا عن استشهاد العائلات والجيران والأهل، يستصرخوننا أن نفعل شيئا، رائحة الموت في كل مكان، والأطفال يقضون ليلهم في رعب، كل أهل بيت يتساءلون: هل هذه الليلة هي موعدنا مع الموت، أم نعيش إلى الغد؟ نحن لم ترق طموحاتنا لأن تعلن الأنظمة الحرب على الكيان الغاصب، إنما نطالب بكسر هذا الحصار والاتفاق على خط إمداد للقطاع بما يحتاج إليه من مؤن وأجهزة طبية وأدوية، والضغط على الغرب لوقف العدوان، لأن الكيان الإسرائيلي يرغب في تدمير القطاع حتى يفرض شروط المنتصر عندما يدخل في فترة التفاوض، وبالتالي يضع حينها شروطا مجحفة مقابل إعادة إعمار غزة، قد تغير مسار القضية الفلسطينية لصالحه وعلى حساب الفلسطينيين. لدينا أوراق عدة لهذا الضغط، المقاطعات الاقتصادية والدبلوماسية، الغاز والنفط العربي، تجميد اتفاقيات وفاعليات التطبيع للحكومات المطبّعة، الأوراق كثيرة لكن أين الشجاعة لاستخدامها! الشعوب تغلي كالمراجل لهذا الصمت الرسمي العربي، ويهدد بمزيد من الشقاق بين الجماهير وأنظمتها الحاكمة، والتاريخ لا يموت، ستتناقل الأجيال القادمة قصة الخذلان العربي. إضافة إلى الدعم الغربي للكيان الإسرائيلي، تأتي الطائرات بالصهاينة من أنحاء العالم للانضمام إلى جيش الاحتلال علانية، دون خوف من اتهامهم بالإرهاب، وهم الكيان المحتل الغاصب الجائر، دون أن نحرك ساكنا أو نطلق صرخاتنا بوجه هذا الإرهاب بالاعتراض، لقد استطاعوا في ظل صمتنا الذي يشبه صمت القبور أن يعزلوا عنا غزة وإخراجها من السياق العربي كأنه لا صلة لها بالعرب والمسلمين. الجراح غائرة والقلب دامٍ، وأشعر أنني بهذه الكلمات أعبر عن حلم وأمنية لن تجد آذانا صاغية، فأسوأ ما يمر به الإنسان هو أن يطالب بما يعلم أنه شبه مستحيل، يطالب به من فرط العجز، ليهدأ في نفسه صوت الضجيج قليلا، لكنني كالعادة أتبع منهج الخليل إبراهيم، فكان عليه النداء وعلى الله البلاغ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ehssanfakih@gmail.com

2421

| 13 أكتوبر 2023

لنكتب التاريخ من جديد

لما ذهب مُلْك النعمان بن المنذر، قالت ابنته هند: " لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشده ملكا، ثم ما غابت الشمس حتى رأيتنا من أذل الناس". هكذا الأيام دُول، وبذا جادت قريحة أبي البقاء الرندي: لكل شيء إذا ما تم نقصانُ فلا يغرنّ بطيب العيش إنسانُ هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سره زمنٌ ساءته أزمانُ ولئن كان هذا شأن أمتنا وحضارتنا، إلا أنه قد فات وقت التباكي، ومضى زمن النظر إلى الماضي إلا لاستلهام العبرة، لم يعد هناك وقت نهدره في عبارات كان وكان، فالحياة موحشة، والعالم من حولنا بحر فيه السمك والحيتان. الله الله في الأمة والأوطان، من سيشيد الملك من جديد؟ ومن سيبني المجد من بعد أطلال؟ ومن سيغزل من بعد نكْث؟ لن يقوم على أمرنا سوانا، سيصرخون إذا ما انقرضت الفيلة في افريقيا لكنهم لن يأبهوا لجراحنا، سيذرفون الدمع لانتحار الحيتان على سواحل نيوزيلندا لكنهم لن يلقوا بالا لمصائبنا، قالها الإمام الشافعي: "ما حك جلدك مثل ظفرك، فتول أنت جميع أمرك". يا شعوب الإسلام، ويا جماهير العرب، لبوا نداء (واعتصموا)، أما آن الأوان لترص الصفوف، ووضع الكفوف على الكفوف؟ العالم شرع في التكتل وقد علم أن شاردة الغنم مأكولة، وأن الرماح إذا افترقن تكسرت آحادا، ونحن لا نزال في لجة الفرقة الداخلية نخوض، وفي تيه الاختلاف نمضي، فأين المفر؟ ما الذي ينقصنا لتتحد كلمتنا؟ بل ما الذي يمنعنا أن تتحد كلمتنا؟ نعم، تعددت عقائدنا، تنوعت عرقياتنا، اختلفت مشاربنا، وذلك شأن الله في الناس (ولا يزالون مختلفين)، لكن ما الذي يضير الكف أن اختلفت أصابعه طولا وعرضا وسُمكًا، ستبقى جميعها بالكف موصولة، ستظل كلها متكاملة متعاضدة في القبض على الزمام. بلاد أمتنا تتسع لنا جميعا، تتسع لاختلافاتنا العقدية والمذهبية والإثنية والسياسية، فقط إذا ما اجتمعنا على ذلك القاسم المشترك، رغبتنا في إحياء تلك الحضارة التي انضوينا جميعا تحت لوائها، على اختلاف مشاربنا. وحتى نضع أنفسنا على هذا الطريق، فلا يسعنا إلا أن نتجرد في قضيتنا، ونضع المصالح العليا لأمتنا في ذروة الاهتمامات، ونتناسى المعارك الجانبية، والانتماءات الجزئية، والسجالات البينية، فأمامنا طريق طويل، لن يسلكه إلا أصحاب بنيان مرصوص، وأجساد اجتمعت على قلب رجل واحد. فليكن شعارنا التسامح فيما مضى بشعار (لا تثريب عليكم اليوم)، والتعاهد فيما بقي على شعار (ستجدني إن شاء الله من الصابرين). لن نسلك هذا الطريق إلا إذا نبذنا كل أجندة خارجية، نريدها خالصة، لا مجال فيها لعبث الأيادي الخارجية مهما تلاقت معها مصالحنا الجزئية، فلا خير فيمن يعين أخا على أخيه، فتلك ريح عاد العقيم، وإن خصومنا لن يتمكنوا منا إلا من خلال التسلل عبر الحدائق الخلفية، فلنفسد عليهم كل محاولة رخيصة لزرع الفرقة وتشتيت الصف. كلماتي ليست إلا بوحًا إلى أصحاب القلوب الحية بالأماني، من قلب مسلمة عاشقة لتراب هذه الأمة، ولا تزايد على حبكم لأمتكم، وتوقن بأن فيكم ومنكم من إذا وزن حبه لأمته بالجبال لرجح بها، ومعًا لنبني أمتنا، ولنكتب التاريخ من جديد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

945

| 06 أكتوبر 2023

لماذا نزلت الرسالة في أرض العرب

لئن كان الإسلام رسالة عالمية تتجاوز حدود اللغة والعرق واللون واللسان والجغرافيا، ولئن كان الإسلام قد ألغى الفوارق بين الناس وجعل تقوى الله هي معيار التفاضل بينهم، إلا أن العرب هم أصل الإسلام ومادته. وبناء على ذلك جاءت بعض النصوص للتعبير عن المسلمين بوصف "العرب"، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج مثل هذه - وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها) [متفق عليه]، فهل يقتصر خطر ظهور يأجوج ومأجوج على العرب وحدهم؟! ومن ذلك قول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه "قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب"، ويعني بـ أرطبون العرب عمرو بن العاص رضي الله عنه، مع أنه قائد مسلم ينتمي للأمة الإسلام بأسرها وليس العرب وحدهم. ولا يسعنا أن ننظر إلى اختصاص أرض العرب بتنزل الرسالة بمعزل عن سنن الله في خلقه ونواميس العلاقة بين الأسباب وبين المسببات، فهناك حكمة قطعا في نزول الرسالة على أرض العرب. والحكمة التي نقصدها هنا ليست جلية أو منصوصا عليها، بل هي مما يسوغ فيها الاستشفاف بالنظر والتأمل. العرب رغم كل ما احتشدت به ذاكرة التاريخ لهم من معالم لحياة جاهلية تموج فيها القيم المتردية، إلا أنهم كانوا أفضل حالًا من جميع الأمم والحضارات الأخرى، وكانوا هم الأقرب والأنسب لأن تكون أرضهم مهبط الوحي. كانت العرب أقرب إلى الفطرة السليمة دون غيرهم ممن قوضت فطرتهم النعرات الفلسفية والخوض المحموم فيما يفوق إدراك العقول. وساعد العرب على ذلك بعدهم إلى حد بعيد عن دوائر التناحر الدولي وصراع الحضارات، فاحتفظوا بإطارهم الثقافي دون الذوبان في الحضارات الأخرى. هذه المنظومة القيمية التي أهّلت العرب دون غيرهم لاستقبال رسالة الإسلام، كانت ميراثا باقيًا لهم من شريعة إبراهيم عليه السلام، وجاء الإسلام فأضفى على حسنها عبقًا، فهم رغم ما انتشر بينهم من الوثنية وعادات قبيحة أخرى كشرب الخمر والسلب والنهب وأكل مال اليتيم وظلم المرأة، إلا أنهم كانوا أقرب إلى الفطرة مقارنة بغيرهم من الأمم، وفيهم خصال حسنة عزّزها الإسلام وأضاف عليها، ويروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "جاء الإسلام وفي العرب بضع وستون خصلة كلها زادها الإسلام شدة، منها: قرى الضيف وحسن الجوار والوفاء بالعهد". بل نستطيع القول إن الإطار الأخلاقي للعرب كان سمة مميزة للقبائل العربية القديمة، كقبيلة جرهم اليمنية، وليس أدل على ذلك من قصة أم إسماعيل عليه السلام عندما انفجرت عين زمزم، فجاءت قبيلة جرهم العربية اليمنية، واستأذنوا هذه المرأة الضعيفة الوحيدة في أن يقيموا لديها بجوار زمزم طلبًا للماء، وليس لهذا تفسير سوى دستورية الأخلاق لديهم. وليس هذا التناول تكريسا للنعرات القومية أو اختزالا لمفهوم الانتماء، وإنما هو بيان للعلاقة بين الإسلام والعروبة، والتي عبّر عنها بعض العلماء بأنها علاقة الروح بالجسد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

2730

| 29 سبتمبر 2023

حتى لا يُقعدنا الخوف من الفشل

الخوف من الفشل هو عدو لدود للإنسان، وهو عائق كبير في طريق النجاح والفاعلية، وإنما يخاف الإنسان من الفشل لأنه يسبب له ألما نفسيا شديدا، والإنسان بطبعه مستعد لأن يفعل أي شيء لتجنب الألم، لاسيما إذا كان ألما نفسيا، حتى ولو كان هذا الألم هو الطريق الوحيد نحو تحقيق النجاح، ومن ثم يفضل معظم الناس أن يعيشوا بدون أهداف واضحة خشية الوقوع في الإحساس بالألم من جراء الفشل في تحقيق هذه الأهداف.ويخاف الإنسان من الفشل بسبب تجارب سابقة أخفق فيها، فأقعدت همته عن مواصلة الكد والسعي، لأنه قد ترسب لديه أن جهوده وإمكاناته غير كافية لتحقيق النجاح.ويخاف الإنسان من الفشل بسبب المثبطات البيئية، عندما يكون حوله من يغذي في نفسه الخوف من الفشل، تارة بتذكيره بمحاولات مشابهة أخفقوا بها، وتارة بدعوته إلى إيثار مبدأ السلامة، وتارة غير ذلك. ولأن الفشل قرين الجبن، فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله تعالى من الجبن ويقرن بينه وبين العجز والكسل، فجاء في دعائه صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل). وابتداءً لابد وأن يدرك المرء أن الخوف من الفشل أمر طبيعي، لا يصيب الأحداث أو قليلي الخبرة وحدهم. عام 2018م، أجرت شركة استثمار أمريكية تسمى «نوروست فينتشر بارتنرز» استطلاعا للرأي، كانت نتيجته أن 90% من الرؤساء التنفيذيين اعترفوا بأن الخوف من الفشل هو ما يبقيهم مستيقظين طوال الليل أكثر من أي مخاوف أخرى. فهو أمر طبيعي يصيب الجميع، لكن الفرق في مدى الاستجابة لهذه المخاوف، فمنهم من يستجيب ويقعد، ومنهم من يعلن التحدي ويمضي في طريقه لتحقيق النجاح. من عناوين الكتب الطريفة التي قرأتها، كتاب بعنوان «متعة الفشل»، برر الكاتب صيغة العنوان، بأن الفشل خطوة من خطوات النجاح، فمن لم يتذوق طعم الفشل، فأنى له أن يدرك طعم النجاح.«ونستون تشرشل» رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق له مقولة تقر هذا المعنى، إذ يعرف النجاح بقوله: «النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك».المخترع العبقري «توماس أديسون» أجرى عددا هائلا من التجارب لاختراع المصباح الكهربائي، لم تكلل بالنجاح، فسأله أحدهم: لماذا لا تتوقف عن هذه التجارب الفاشلة؟ فأجاب أديسون: «الفاشلون هم أناس لم يعرفوا كم كانوا قريبين من النجاح حينما توقفوا».وهناك حكمة صينية بهذا الشأن تقول: «حينما يغلق أمامك باب الأمل لا تتوقف لتبكي أمامه طويلا ؛ لأنه في هذه اللحظة انفتح خلفك ألف باب في انتظار أن تلتفت إليها». ومن الحكم الإدارية المعروفة: «من رحم الفشل يولد النجاح». إن على المرء ألا يدع خوف الفشل يقعده عن العمل، لأن القعود هو الفشل بعينه، وبحسبة بسيطة ندرك أن الإقدام والمضي يحتمل النجاح، بينما القعود هو فشل قطعي لا احتمالات معه للنجاح. وينبغي أن يكون ارتباط المرء بالعمل والسعي الحاضر، لا بالنتائج المستقبلية، ولنا في نملة سليمان - التي لا نمل من تكرار الاستفادة منها- مثل، فعندما أرادت إنذار قومها من جيش نبي الله سليمان نادت فيهم ليدخلوا مساكنهم، ولم توقفها أسئلة على غرار: هل سيصل صوتي الضعيف إلى كل قومي؟ هل سأستطيع أن أنقذهم قبل فوات الأوان؟ وإن المؤمن أولى الناس بعدم الاستجابة لهاجس الخوف من الفشل، لأن له منظومة عقائدية في القدر تريح نفسه وتربط على قلبه، فهو مطالب بالأخذ بالأسباب، لعلمه أن المقادير مقدرة بأسبابها، لكن إذا أتى بالسبب ولم يكلل بالنجاح، حينها يستحضر إيمانه بقدر الله تعالى، فيرضى بصدر منشرح، ثم يعاود الكرة في السعي والعمل. فكيف يتمكن منه الخوف من الفشل، وهو يقرأ وصية النبي صلى الله عليه وسلم (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك). الفاشل هو القاعد، والناجح هو من يمضي في سبيله بكد وسعي حتى وإن لم يبلغ مراده، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

2799

| 22 سبتمبر 2023

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

2382

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
خيبة تتجاوز الحدود

لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...

2262

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1458

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

1194

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
هل نجحت قطر؟

في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...

768

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
النضج المهني

هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل...

663

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...

645

| 08 ديسمبر 2025

alsharq
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال

يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا...

582

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

570

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
تحديات تشغل المجتمع القطري.. إلى متى؟

نحن كمجتمع قطري متفقون اليوم على أن هناك...

516

| 11 ديسمبر 2025

alsharq
مسيرة تعكس قيم المؤسس ونهضة الدولة

مع دخول شهر ديسمبر، تبدأ الدوحة وكل مدن...

492

| 10 ديسمبر 2025

alsharq
معنى أن تكون مواطنا..

• في حياة كل إنسان مساحة خاصة في...

486

| 11 ديسمبر 2025

أخبار محلية