رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الحديث الشريف "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" فقوله صلى الله عليه وآله وسلم "من ترضون" دليل على أن من يجيء فيهم من نَرْضى دينَه وخلقَه وفيهم من لا نرضى دينه وخلقه. وفي رواية عن ابن عمر مرفوعاً إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته" ولكي يستقر عقد الزوجية ويقوى بناؤه لابد أن يكون تدين وخلق كل من الطرفين محل رضا، وقبول؛ حتى لا تنفك عرى هذا العقد عند أول مطرقة من مطارق الحياة ولَأْوَائِها. وسنعرض هنا لبعض نماذج من الرجال لا تحبذها النساء لأوصاف وسلوكيات تعكر صفو الحياة الزوجية، وتجعل الحياة غير مستقرة ولا آمنة، وذلك لاختلال قيم التدين والأخلاق، كَانَ بَعضهم يَأْكُل وَمَعَهُ على الْمَائِدَة ابْنه وَزَوجته؛ فَقَالَ: لعن الله الزحمة؛ فَقَالَ لَهُ ابْنه: يَا أبه، تعنيني؟ فَلَيْسَ هَا هُنَا غَيْرِي وَغير أُمِّي. فردَّ عليه الأب البخيل الشحيح: أفترى أَعْنِي نَفسِي؟ نسي هذا البخيل الحديث الشريف أن "خير الطعام ما كثرت عليه الأيدي" ومن أبواب كسب الأجر "اللقمة تضعها فِي في امرأتك" وفضلاً عن هذا فإنه لا يأكل أحد من رزق أحد شيئاً، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها كما في الحديث. وهذا نموذج يُدْعى "أبو الفضل" من نوادره في البخل على الطعام: أنه قعد يوماً يأكل مع زوجته طعاماً فقال لها: اكشفي رأسك. ففعلت، فقرأ سورة الإخلاص، فقالت: ما الخبر؟ فقال: إذا كشفت المرأة رأسها لم تحضر الملائكة، وإذا قرئت سورة الإخلاص هربت الشياطين، وأنا أكره الزحمة على المائدة. ويكفيه في طرد الشياطين من بيته وعدم مشاركتهم له في طعامه تسميته عند دخول المنزل وعند تناول الطعام فلا تصيب الشياطين شيئاً من طعامه ولا شرابه، ثُمَّ إن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تتناكح ولا تتناسل فما ثمة حاجة إلى ما فعله توَهُّما كيلا تحضر الملائكة طعامه. وهذا نموذج بلغ من الشح مبلغاً لا مزيد عليه إذا وصل درهمٌ إلى يده أخرج له شهادة وفاة، فلا تصل إليه يد حتى يد أهله خطب خالد بن صفوان امرأة فقال: أنا خالد بن صفوان؛ والحَسَب على ما قد علمتِهِ، وكثرة المال على ما قد بَلَغَك، وفيَّ خصال سأبيّنها لك فتقدمين عليّ أو تدعين؛ قالت: وما هي؟ قال: إن الحرّة إذا دنت منّي أملّتني، وإذا تباعدت عني أعلّتني، ولا سبيل إلى درهمي وديناري، ويأتي عليّ ساعة من الملال لو أنّ رأسي في يدي نبذته؛ فقالت: قد فهمنا مقالتك ووعينا ما ذكرت، وفيك بحمد الله خصال لا نرضاها لبنات إبليس، فانصرف رحمك الله. وقد أورد صاحب القوت: أنّ رجلاً أراد أنْ يتزوج فقال للمرأة: إنّ لي أخلاقًا أوقفك عليها فإن رضيت بها تزوّجتك فقالت: افعل فقال: أنا رجل ملول حقود، سيئ الظن غيور، ضيق الصدر واسع الضرب، إنْ كثرت عندي مللت، وإنْ أبعدت قلقت، وإنْ تكلمت أوغرت صدري، وإنْ سكت أشغلت قلبي، فقالت المرأة: أما بعد فقد ذكرت من نفسك أخلاقاً ماكنا نرضاها لبنات إبليس فكيف نرضاها لبنات آدم، انصرف راشداً لا حاجة لنا بك". وربما كثرت شواغل الرجل حتى يذهل عن أهله، وذلك مما لا تتحمله المرأة وربما تحركت حماته فأخذت بثأر ابنتها. قال أبو القاسم عبيد الله بن عمر البقال: تزوّج شيخنا أبو عبد الله ابن المحرّم، وقال لي: لمّا حُمِلت إليّ المرأة جلست في بعض الأيّام أكتب شيئاً على العادة، والمحبرة بين يديّ، فجاءت أمّها، فأخذت المحبرة، فضربت بها الأرض، فكسرتها، فقلت لها في ذلك، فقالت: هذه شرّ على ابنتي من ثلاثمائة ضرّة. قال الزبير بن بكارٍ: قالت بنت أختي لأهلي: خالي خير رجلٍ لأهله، لا يتخّذ ضرّةً، ولا يشتهي جاريةً؛ فقالت لها المرأة: والله لهذه الكتب أشدّ عليّ من ثلاث ضرائر. والزوج الناجح من يجعل البيت للبيت والعمل للعمل، قال تعالى: (وَأقِيمُوا الْوَزْن بِالْقِسْطِ وَلَا تخسروا الْمِيزَان). والبخل أشد ما تكره المرأة في الرجل كان أبو الأسود معروفاً بالبخل: ومن أخباره في ذلك حتى على دوابه ؛ قيل إنه سمع دابّة له تعتلف في جوف الليل، فقال: إني لأراك تسهرين في مالي والناس نيام، والله لا تصبحين عندي. وباعها. وقف أَعْرَابِي على أبي الْأسود وَهُوَ يتغدى، فَسلم عَلَيْهِ، فَرد عَلَيْهِ، ثمَّ أقبل على الْأكل، وَلم يعرض عَلَيْهِ؛ فَقَالَ لَهُ الْأَعرَابِي: أما إِنِّي قد مَرَرْت بأهلك. قَالَ: ذَاك كَانَ طريقك. قَالَ: هم صَالِحُونَ. قَالَ: كَذَاك فَارَقْتهمْ. قَالَ: وامرأتك حُبْلَى. قَالَ: كَذَاك عهدتها. قَالَ: ولدت. قَالَ: مَا كَانَ لَهَا بُد من أَن تَلد. قَالَ: ولدت غلامين. قَالَ: كَذَاك كَانَت أمهَا. قَالَ: مَاتَ أَحدهمَا. قَالَ: مَا كَانَت تقوى على إِرْضَاع اثْنَيْنِ. قَالَ: ثمَّ مَاتَ الآخر. قَالَ: مَا كَانَ ليبقى بعد أَخِيه. قَالَ: وَمَاتَتْ الْأُم. قَالَ: حزنا على وَلَدهَا. قَالَ: مَا أطيب طَعَامك. قَالَ: ذَلِك حداني على أكله. قَالَ: أُفٍّ لَك مَا ألأمك. قَالَ: من شَاءَ سبّ صَاحبه. أرأيت إلى هذه الدرجة لا يلتفت عن الطعام، ولا يصرف نظره عنه إلى أي شيء آخر، مهما كان هذا الصارف. ولهؤلاء سلف لم يُقره رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على بخله وأفتى زوجه بأن تأخذ من ماله — بغير علمه — كفايتها فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ امْرَأَةُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ»،
3198
| 30 أبريل 2013
عصمة دماء وأموال المعارضة والمتظاهرين " سلميا" هل كلما خالف أو اعترض على ولي الأمر أحد من أفراد رعيته في الرأي ، يحق له أن يقتله؟!! – ولا سيما في القضايا التى فيها مجال للاجتهاد ، حيث لا نص صريح من الكتاب ولا صحيح من السنة النبوية وما أكثر ذلك ، وتجدد الموضوعات وتتشعب ولا سيما الأمور الدنيوية ، أفكلما وقع خلاف في الرأي تم إحلال الرصاصة محل الحجة، والمولوتوف محل شفافية الرأي ورفاهية الحس ،؟؟!! يحكم مَنْ إذًا ؟؟!! أين الجدال بالتي هي أحسن ، أين دفع الحجة بالحجة؟؟!! أين مواريثنا الشرعية ؟؟!! أين قدواتنا الصالحة ؟؟!! أذلك صنيع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ، أذلك سبيل المؤمنين ؟؟!! ليس لنا مثل السوء ، تعجب عندما تسمع أقوالا تفضح خبيئة ولاة السوء في ديار المسلمين ، ما حدث في بلاد الربيع العربي ليس ببعيد؟؟ هاهي ليبيا المنكوبة بالأمس وسوريا اليوم ،- تجأر إلى الله أرضها وسماؤها ورطبها ويبسها ، وشعبها بكل طوائفه إلا شرذمة مفتونة مأخوذة العقل ، ذاهلة اللب، شاردة الفؤاد، تجأر وتئن من بغي واليها، وظلمه وطغيانه ، وعدوانه، وقدواته التي بها يكيد ؛ بل ويدمر ويقتل شعبا مسلما بغير حق ،جريمة شعبه ، أنه رفع رأسه ، وباشر حقه في الرقابة على واليه ، وأراد أن يضع حدا لسفهه وفساده، وبغيه وعناده، فأعمل فيهم القتل والسفك والتشريد ظاهرا بعدما باشر ذلك باطنا على مدار عقود مضت، وقدوته الشيوعيون الملحدون فى روسيا والصين ، فى الأولى، عندما اعتصم نواب البرلمان في روسيا، مطالبين ببعض الحقوق ، ورافضين لسياسات ، عمد رئيس روسيا - يلسن - إبان ذلك إلى الدبابات أسلوبا للحوار ، فدك مبنى البرلمان ؛ والأعضاء بداخله، وواقعة أخري استخدم فيها الغازات السامة، كل ذلك فى مواجهة المعارضة، وفي الصين عندما تظاهر الطلاب في ميدان السماء، مطالبين بالحرية، أيضا استخدمت الدبابات في مواجهة أبرياء عزل من كل سلاح ، واتخذ من هذه النماذج قدوات له في صنيعه مع شعب أعزل ، يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وصدق الله تعالى إذ يقول "وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً[1]" لقد غاب عن أمثال هؤلاء الولاة البغاة الطغاة الذين يُعملون القتل والسفك في دماء رعيتهم وشعوبهم غاب عنهم الصواب والرشاد الذي سار عليه سلف هذه الأمة عندما تنبت نابتة معارضة، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية ماذا كان منه ؟؟!! مع الفاروق الذي أخذته الحمية لشروط المشركين المجحفة، يوم الحديبية ؟؟ وماذا كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما امتنع علي رضي الله عنه عن تعديل بداية وافتتاحية وثيقة المعاهدة التي تم توقيعها مع المشركين، ، ثم لماذا أصلا قدر الله تعالى وقوع صلح الحديبية : يقول تعالى :" وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً * هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً [2] إذًا قد كانت الحكمة من إمضاء وإنفاذ صلح الحديبية على الرغم من الإجحاف في شروطه على المسلمين، هو حقن دماء المسلمين، وصونها من أن تراق هدرا ، إلى آخر ما هنالك من الحكمة البالغة لله تعالى في هذه الواقعة، وما أكثر ما وقع في التاريخ الإسلامي من معارضة للولاة ،ولم تكن المواجهة أبدا بالسلاح والقتل والسفك للدماء والإزهاق للأرواح ، وسأذكر بعضا منها: أولا : الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه – في معارضة الخوارج له أولا راسلهم وكاتبهم، وناظرهم وجادلهم بالتي هي أحسن سواء بنفسه أو بابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين. واستشهد على بعثه إليهم ومراسلته لهم بهدي الكتاب العزيز في الخلية الأولى من بناء المجتمع وهي الأسرة حيث قال تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً[3] وقال أُمَّةُ مُحَمَّدٍ أَعْظَمُ مِنِ امْرَأَةِ رَجُلٍ" واستشهد كذلك بقوله تعالى فيما هو أكبر من الأسرة قليلا "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا[4]" ولا صلح إلا بمراسلة ومباحثة وفحص لما سيتم الصلح عليه هذه سبيل المؤمنين لا القتل ولا السفك ولا التخريب ولا التدمير وعلى هذا كان صنيع خليفة المسلمين الرابع رضي الله عنه أرسل إليهم وحاورهم حتى رجع منهم ألوف ومن بقي منهم "أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ – يقول - كُونُوا حَيْثُ شِئْتُمْ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا تَقْطَعُوا سَبِيلًا وَلَا تَظْلِمُوا أَحَدًا فَإِنْ فَعَلْتُمْ نَبَذْتُ إِلَيْكُمُ الْحَرْبَ"[5] وأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ فَوَاَللَّهِ مَا قَتَلَهُمْ حَتَّى قَطَعُوا السَّبِيلَ وَسَفَكُوا الدَّمَ الْحَرَامَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْخِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ قِتَالَ مَنْ خَالَفَهُ[6] وإنما لا بدمن المراسلة كما رأينا وقد راسل علىٌ أهل البصرة قبل وقعة الجمل, وأمر أصحابه أن لا يبدءوهم بقتال, ثم قال: هذا يوم من فَلَج فيه فَلَج يوم القيامة, ثم سمعهم يقولون: الله أكبر يا ثارات عثمان, فقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم. كذلك بعثَ عبدَ الله بن عباس للحرورية فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم ألوف[7] فيجب أن يتقدم ما قدمه الله وهو الصلح ويتأخر ما أخره وهو القتال[8] ، لدواعيه الشرعية وإنما وجبت المراسلة والدعوة للطاعة لأن المقصود من القتال هو كفهم ودفع شرهم لا قتلهم؛ فإذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما فيه من الضرر بالفريقين[9] وحتى البغاة – وليس المتظاهرون بغاة – نقول حتى البغاة إذا أمكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم وليس إهلاكهم, ولأن المقصود إذا حصل بما دون القتل لم يجز القتل من غير حاجة[10].لبشاعة وشناعة جرم قتل النفس المعصومة بغير حق ولأن الله جل شأنه قال: {فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[11] , فمن فاء فلا يقاتل, وإنما حل قتال الباغى بمقاتلته ولم يحل قتله قط فى غير المقاتلة[12] فَهَاهُوَ سبحانه لم يَأْذَن ابْتِدَاء فِي قتال بَين الْمُؤمنِينَ بل إِذا اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا والاقتتال هُوَ فتْنَة وَقد تكون إِحْدَاهمَا أقرب إِلَى الْحق فَأمر سُبْحَانَهُ فِي ذَلِك بالإصلاح وَكَذَلِكَ فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اقتتل بَنو عَمْرو بن عَوْف فَخرج ليصلح بَينهم وَقَالَ لِبلَال إِن حضرت الصَّلَاة فَقدِّم أبا بكر" ثمَّ يقولَ سُبْحَانَهُ "فَقَاتلُوا الَّتِي تبغى حَتَّى تفئ إِلَى أَمر الله[13] فَبعد اقتتالهم إِذا أصلح بَينهم بِالْقِسْطِ فَلم تقبل إِحْدَاهمَا الْقسْط بل بَغت فَإِنَّهَا تُقَاتل لِأَن قتالها هُنَا يُدْفع بِهِ الْقِتَال الَّذِي هُوَ أعظم مِنْهُ وإذا لم تقَاتل حَتَّى تفئ إِلَى أَمر الله بل تُركِت حَتَّى تقتتل هِيَ وَالْأُخْرَى كَانَ الْفساد فِي ذَلِك أعظم والشريعة مبناها على دفع المفسدتين بِالْتِزَام أدناهما وَفِي مثل هَذَا يُقَاتلُون حَتَّى لَا يكون فتْنَة وَيكون الدّين كُله لله لِأَنَّهُم إِذا أمروا بالصلاح والكف عَن الْفِتْنَة فبغت إِحْدَاهمَا قوتلت حَتَّى لَا تكون فتْنَة والمأمور بِالْقِتَالِ هُوَ غير المُبْغَى عَلَيْهِ أُمر بِأَن يُقَاتل الباغية حَتَّى ترجع إِلَى الدّين فقتالها من بَاب الْجِهَاد وإعانة الْمَظْلُوم المُبْغَى عَلَيْهِ[14] وها هو أمير المؤمنين معاوية – رضوان الله عليه –يمتنع عن قتال معارضيه الأشداء فيما، روت كتب التاريخ أنه رضي الله عنه – قال : ما أخاف على ملكي إلّا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، قيل: فلم لا تقتلهم؟ فقال: فعلى من أتأمر؟[15] وعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا[16] فيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا بما يتوعد به الكافر، قال ابن العربي: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول، وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل. حيث قَالَ ابْنِ عُمَرَ: إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأمُورِ الَّتِى لا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ[17] والمعنى : أَي ذَنْب وَقع كَانَ لَهُ فِي الدّين وَالشَّرْع مخرج إِلَّا الْقَتْل، فَإِن أمره صَعب والورطات جمع ورطة: وَهِي كل بلَاء لَا يكَاد صَاحبه يتَخَلَّص مِنْهُ. يُقَال: تورط واستورط[18]. وعن جابر لما افتتح النبي صلى اللّه عليه وسلم مكة استقبلها بوجهه وقال: أنت حرام ما أعظم حرمتك وأطيب ريحك وأعظم حرمة عند اللّه منك المؤمن قال تعالى:" وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً[19] وقال الحسن البصري – رضي الله عنه - يَا سُبْحَانَ اللَّهِ الثلاثة الذين خُلِّفوا مَا أَكَلُوا مَالًا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ أَصَابَهُمْ مَا أصابهم وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ فَكَيْفَ بِمَنْ يُوَاقِعُ الْفَوَاحِشَ وَالْكَبَائر ، وَقد ورد في هذا الحديث زَيادَة فِي رواية " فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا نُزِعَ مِنْهُ الْحَيَاءُ" وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ عَامِدًا بِغَيْرِ حَقٍّ تَزَوَّدْ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ فَإِنَّكَ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوَالُ الدُّنْيَا كُلِّهَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ لَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْبَهِيمَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْوَعِيدُ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ فَكيف بِالْمُسلمِ فَكَيْفَ بِالتَّقِيِّ الصَّالِحِ، إن شأن القتل – بغير حق - في الإسلام عظيم، ولو لغير مسلم ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ إِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أُمُورُ دِينِهِ وَيُوَفَّقُ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَلُطْفُهُ، وَلَوْ بَاشَرَ الْكَبَائِرَ سِوَى الْقَتْلِ، فَإِذَا قَتَلَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْآيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " «مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» ".قال فى مرقاة المفاتيح : "وَيَجُوزُ أَنْ يُنَزَّلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ مُعْنِقًا صَالِحًا» ". أَيِ الْمُؤْمِنُ لَا يَزَالُ مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ مُسَارِعًا لَهَا مَا لَمْ يُصِبُ دَمًا حَرَامًا، فَإِذَا أَصَابَ ذَلِكَ أَعْيَا وَانْقَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ لِشُؤْمِ مَا ارْتَكَبَ مِنَ الْإِثْمِ[20]وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مَنْ يقتُلُ مُؤمنا مُتَعَمدا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وفى الحديث أيضا تجريم حمل السلاح على المسالمين ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) وكلام أهل العلم في مثل هذا بحمله على الخروج عن الإسلام والحكم عليه بالكفر المخرج عن الملة إن استحل ذلك، إن استحل قتل المسلم المعصوم معصوم الدم؛ لأن من استحل المحرَّم المعلوم تحريمُه بالضرورة من دين الإسلام كَفَر، كما أن من حرَّم ما أحلَّه الله المعلوم حلُّه بالضرورة من دين الإسلام كَفَر. وبعد يقال: لا تتشبث بالسلطان في وقت اضطراب الأمور عليه، فإن البحر لا يكاد يسلم منه راكبه في حال سكونه، فكيف عند اختلاف رياحه واضطراب أمواجه. عجيب صنيع باغي ليبيا وطاغيها بالأمس ، وباغي سوريا وطاغيها اليوم !!!، كأنه يؤثر الإمارة ولو على الحجارة. إذْ ماذا يبقى له بعد تدمير وطنه وقتل شعبه،؟؟!!! ، واللافت للنظر أن طاغية ليبيا قد اتخذ من طغاة وبغاة المعسكر الشيوعي قدوة له في صنيعه بشعبه، وباغي سوريا وطاغيها اليوم يستقوي بهؤلاء الملاحدة الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، كان رجلٌ يساير عاملا فمرّ بقصرٍ خربٍ عليه زوجا بوم، والذكر يُصرصر للأنثى، فقال العامل للرجل: ما يقول هذا البوم؟ فقال: إن أمَّنّتني أخبرتك بما يقولان؟ فقال: أنت آمن. قال: إن الذكر خطب الأنثى، فقالت: لا أجيبك حتى تجعل مهري عشرين قرية خربة. فقال الذكر: إن بقي لنا هذا العامل سنة أمهرتك خمسين قرية. فغضب العامل وقال: لولا أني أمنّتك لعاقبتك[21]. والخلاصة حرمة وشناعة وبشاعة قتل المعارضة والمتظاهرين - سلميا - المطالبين بحقوقهم ، ونصفة مظلومهم لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ وَ يَحْرُمُ أَخْذُ مَا لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ، وَيَحْرُمُ أَخْذُ وَقَتْلُ ذُرِّيَّتِهِمْ؛ وَيَحْرُمُ قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَقَتْلُ جَرِيحِهِمْ ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ قَالَ: " صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلْنَ مُدْبرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ؛ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ[22] قلت : هذا من الخليفة الراشد على بن أبي طالب رضي الله عنه – فى الخوارج وليس المتظاهرون اليوم بالخوارج فهم أشد حرمة دماء وأموالا وأعراضا ، هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله وقوته.
677
| 25 أبريل 2013
قال تعالى"صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" ولم يقل: غير الذين غضبت عليهم، في ذلك تعليم لأدب جميل، عند مخاطبة رب الأرباب، وكذا عند الحديث عنه تبارك وتعالى، ويتلخص هذا الأدب في أن الإنسان يجمل به أن يُسند أفعال الإحسان إلى الله، ويتحامى أن يُسند إليه أفعال العقاب والابتلاء، وإن كان كل من الإحسان والعقاب صادرا منه، لشواهد كثيرة في الكتاب العزيز لهذا الأدب — خطاباً وحديثاً — الشاهد الأول: من حديث الخليل إبراهيم — عليه السلام — لقومه كما حكى المولى — عز وجل "قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ*فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ*الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ*وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ *وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ *وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ*رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" فنسب إلى ربه كل كمال من هذه الأفعال، (الخلق والهداية والإطعام والسقاية والإماتة والإحياء والمغفرة وفيها دلائل الوحدانية والقدرة والإنعام والإحسان)، ونسب إلى نفسه — عليه السلام — النقص منها، وهو المرض والخطيئة. فأَسْنَدَ الْمَرَضَ إِلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ وخلَقْه، وَلَكِنْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ أَدَباً. الشاهد الثاني: من دعاء أيوب — عليه السلام — "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"، هذا فيه غاية الأدب، فهو لم يقل: مَسَسْتَنِي بِضُر، أو أنزلت بي الضر، والله عز وجل هو الذي يخلق الخير والسقم والبلاء. الشاهد الثالث: من قول مؤمنى الجن لما بعث الله تعالى محمداً صلوات الله وسلامه عليه، حماية لوحي السماء، من عبث الجن، رُصدت شهب لمن يسترق السمع من الجن، قطعاً للطريق على شياطين الإنس والجن حتى لا يوحي بعضهم إلى بعض، وإنهاء لضروب الكهانة التي كانت فاشية قبل البعثة المحمدية، وتأمل أدب الجن في حديثهم عن الإرادة الربانية بهذه البعثة الربانية "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً *وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً*وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً" الشاهد الرابع: قول الخضر في خرق السفينة "فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها" لأن كونه يخلع لوحاً من السفينة هذا فيه نوع من الشر والإفساد، لذلك أدباً مع الله سبحانه وتعالى نسب إرادة ذلك إلى نفسه،"فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها" مع أن ذلك قد كان بوحي فقد قال بعد ذلك "وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي". الشاهد الخامس: قول الخضر في شأن الجدار الذي أراد أن يميل فقام على إصلاحه حتى يظل الكنز مدفوناً ومحفوظاً للغلامين اليتيمين وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}، ثم قال: "فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما" ؛ لأن فيه إصلاحاً وخيراً الشاهد السادس: قوله تعالى:" مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً" وقبل هذه الآية بقليل أورد المولى — جلَّ مذكورا وعزَّ مُرادا — تصورات بعض الناس، ومفاهيمهم لمُجريات الأحداث، فقال".. وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ.."ولم يخرج من نفس الآية إلا بعدما قرر حقيقة عقدية مهمة هي أن كل الأمور بتقدير الله وقضائه فقال "قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً" الشاهد السابع: قوله تعالى: {..وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُورٌ} نسب إذاقة الرحمة إليه، ونسب فعل الإصابة بغيرها إلى السيئة. الشاهد الثامن: قوله تعالى "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ذكر لفظ الجلالة عند فتح الرحمة، دون الإمساك الشاهد التاسع: قوله تعالى: "وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" نسب المس إلى الضر، ولكنه أسند كشفه إلى الله تعالى "كشفنا" الشاهد العاشر: قوله تعالى: "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ* ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ" الشاهد الحادي عشر: قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}، فأضاف الشر إلى المخلوقات، يعني: شر الذي خلق أو من شر المخلوقات، فالشر لا ينسب إلى الله سبحانه وتعالى. الشاهد الثاني عشر: فى التزيين: التزيين المشروع المحبوب يُنْسَبُ إلى الله تعالى ويُنْسَبُ إلى غيره ما كان دون ذلك، قال تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ" فنسب هذا التزيين المحبوب إليه. وقال: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ" فحذف فاعل التزيين. من دروس سورة الفاتحة — التي تعبدنا الله تعالى بتلاوتها وتدبرها يومياً — التأدب مع الله تعالى — مخاطبة وتحدثاً — بنسبة الإنعام إليه وعدم (نسبة) الشر إليه، فلم ينسب الغضب إليه، وإن كان هو الفاعل المختار لكل شيء لكن جرت العادة في مقام التأدب أن ينسب للفاعل الخير دون الشر . هذا وبالله التوفيق ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل، وللحديث بقية بحول الله تعالى وقوته.
744
| 23 أبريل 2013
قلنا إن الحمد لله تشمل التوحيد والحمد - كُلَّ حَمْدٍ ممكن - للخلائق بل المخلوقات جميعا عاقلها وغير عاقلها- أَتَى بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْحَامِدِينَ أو لَمْ يَأْتِ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْحَامِدِينَ فَهُوَ لِلَّهِ، فيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي ذُكِرَت عن مَلَائِكَةالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَسَاكِنى أطباق السموات وَجَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي ذُكِرَت عن جَمِيع الْأَنْبِيَاءِ مِنْ آدَمَ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَجَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي ذُكِرَت عن جَمِيع الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَجَمِيع الْخَلْقِ وَجَمِيعُ الْمَحَامِدِ الَّتِي سَيَذْكُرُونَهَا إِلَى وَقْتِ قَوْلِهِمْ: "دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ"، كُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِ الْعَبْدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فالحمد كله لله وهو سبحانه وتعالى أهل لكل المحامد وليس ذلك لأحد إلا الله تعالى. واسمع ما قالت الملائكة عندما أعلمها الباري بجعل خليفة فى الأرض ".. قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" وهاك خبر المولى عنها عموما "وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ" "..وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ" وخصوصا حملة العرش "وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ" و"الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ" وكذا الظواهر الكونية " وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ " وكان من التكليف لصفوة الخلق وأمته بالحمد والتسبيح مقرونا بتكاليف أخرى كالصبر والعبادة بإطلاق والتوكل والاستغفار والتوبة، بل يُحدد له أوقات التحميد والتسبيح " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" "فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى" "فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار" "فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ. وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ" "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ.وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ" "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا" ويُخبر تعالى أن الخلائق المختلفة لا تنفك عن التسبيح بحمده بلغاتها التي لا تلتبس على باريها" تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا" وفى آخر العمر يتوجب الاستعداد للرحيل وللقاء الله تعالى ويكون بالإكثار من الحمد والتسبيح والاستغفار والتوبة فيقول تعالى له في آخر ما أنزل عليه "..فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا" ويوم البعث تنهض الخلائق من أجداثها مسبحة بحمد الله تعالى "يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا" ولا يكتمل الإيمان ويتم إلا بالتسبيح بحمده عز من قائل "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" بل لا يفى بالعهد مع الله ببيع النفس والمال مقابل الجنة إلا من اتصف بمجموعة صفات فى قمتها الحمد له عز من قائل" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" فعندما يقول العبد " الحمد لله" بأداء الاستغراق " الألف واللام" فكأنه يحمد الله تعالى بجميع المحامد التي حمده بها جميع الخلائق من الملائكة والبشر والحجر والشجر والأنبياء والأولياء والعلماء وأهل الجنة حتى مستقرهم فى الجنة — جعلنا الله تعالى منهم بغير سابقي عذاب ولا سالفي حساب ولا عتاب اللهم آمين. قال الإمام ابن القيم: وبالجملة فكل صفة عليا واسم حسن وثناء جميل وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به ويذكر به ويخبر عنه به فهو حمد له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، فله الحمد أولاً وآخراً حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله ورفيع مجده وعلو جده. قال القرطبي: فيجب على كل مكلف أن يعتقد أن الحمد على الإطلاق إنما هو لله وأن الألف واللام للاستغراق لا للعهد، فهو الذي يستحق جميع المحامد بأسرها، فنحمده على كل نعمة وعلى كل حال بمحامده كلها ما علم منها وما لم يعلم... ثم يجب عليه أن يسعى في خصال الحمد وهي التخلق بالأخلاق الحميدة والأفعال الجميلة. وهذا حمد أعضل الملائكة كتابه وحصره رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ: "أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَالَ يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ فَعَضَلَتْ بِالْمَلَكَيْنِ فَلَمْ يَدْرِيَا كَيْفَ يَكْتُبَانِهَا فَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَا يَا رَبَّنَا إِنَّ عَبْدَكَ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لَا نَدْرِي كَيْفَ نَكْتُبُهَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا قَالَ عَبْدُهُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي قَالَا يَا رَبِّ إِنَّهُ قَدْ قَالَ يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ فَقَالَ اللَّهُ لَهُمَا اكْتُبَاهَا كَمَا قَالَ عَبْدِي حَتَّى يَلْقَانِي فَأَجْزَيهُ بِهَا هذا وبالله التوفيق.
466
| 16 أبريل 2013
زيادة فاحشة في ثروات الولاة الطغاة وأذنابهم، وعجز مشين في ميزانيات دولهمضرورة إقرار الذمَّة المالية قبل وبعد شغل الوظيفةإن ولي الأمر في كل أمة، عقدة نظامها وقوامها، وملاك أمرها، وحرزها، وكهفها، ومعقلها الذي يلجأون إليه، شهابها الساطع، ونجمها الثاقب، وبدرها الطالع، وسهمها النافذ، فإذا فسد فمن يصلح ومن أين يكون الصلاح ؟؟!!كنتُ من كربتي أفزع إليهم ..... فهمُ كربتي فأين الفرار؟إذا كان ربُ البيتِ بالطَبلِ ضارباً ..... فشيمةُ أهلِ البيت كلهم الرقصُ.(إِذا مَا اللَّحْم أنتن ملحوه....... ونتن الْملح لَيْسَ لَهُ دَوَاء)يا معشر القراء يا ملح البلد ....... ما يُصلحُ المِلْحَ إذا المِلحُ فسد؟من بالغ الدروس، وأعاجيب أحداث عالمنا العربي المعاصر، أنك ترى تضخما في ثروات رعاة هذا العالم العربي، وعجزا مريعا في ميزانيات دولهم، لم يعرف قانون من أين لك هذا سبيلا إلى تشريعاتهم، ولم يضرب على وتر قلوبهم حديث رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- "لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة، حتى يُسألَ عن أربع عن عُمُره فيما أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟»1،ولا استشعرت قلوبهم حديث النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنِ استعملناه على عمل، فرزقناه رزقاً، فما أخذَ بعد ذلك فهو غُلول»2 وقد قال تعالى "..وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"3، لو أنه تتم محاسبة هؤلاء، لما تم نهب وسلب ثروات الأمة، حتى تتجمع في أيدى شرذمة، بينما عامة الشعب يتضورون جوعا، ويفترشون الحرمان، ويلتحفون العراء، وكان لسان الحال عند ضيق الصدور وبلوغ القلوب الحناجر من مثل هذه المظالم.إن كنت لا ترضى بما قد ترى ........ فدونك الحبل به فاختنقوفي الحديث الصحيح من تقرير مبدأ المحاسبة فى الدنيا – قبل القيامة - ما يضع حدا لهذه الجرائم : عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ عَلىَ صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ الأُتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّىَ تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقاً؟" ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَىَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّىَ تَأْتِيهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً، واللهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِيَ اللهَ تَعَالَىَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعِرُ". ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّىَ رُؤيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟" بَصُرَ عَيْنِي، وَسَمِعَ أُذُنِي4. شعوبهم لهم بالمرصاد، ومن فوق الشعوب رب العباد، " إن ربك لبالمرصاد"5.كتب عليّ بن أبي طالب إلى ابن عمه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهم- واليه على البصرة:أما بعد، فإنه قد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت الله، وأخزيت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين. بلغني أنك جردت الأرض وأكلت ما تحت يدك، فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم من حساب الناس والسلام6.وما تردد في الآونة الأخيرة من زيادة ثروات بعض هؤلاء الرعاة الطغاة – زيادة فاحشة، تكفى لسد العجز في ميزانيات دولهم، بظهور هذه الثروات الخيالية فطنت الشعوب، كيف أصاب ميزانيات دولها العجز مع كثرة الموارد، وتنوع وتعدد مصادر الدخل لإيرادات الدولة، هذا ذكَّرنا بما ورد، في أدبيات تاريخنا العربي مِن أن معاوية خطب يوما فقال: إن الله تعالى يقول: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ "فعلام تلوموني إذا قَصَّرت في عطاياكم؟ فقال له الأحنف بن قيس: وإنا والله لا نلومك على ما في خزائن الله ولكن على ما أنزله الله لنا من خزائنه فجعلته في خزائنك وحلت بيننا وبينه7.ترى أليس هذا حال كثير من رعاة وطننا العربي؟؟؟؟ !!!!ولذلك لا بد من المساءلة العادلة، والمحاسبة المسؤولة ففي الحديث "أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْوولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَىَ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَىَ مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"8. بالله قولوا لي : ماذا عساه أن يكون في نفس الرعية وهي تتضور جوعا، بينما رعاتها، تكاد يقتلها البشم والتخمة، أين العدل وأين الشورى،وأين العدالة الاجتماعية ؟؟؟!!! ذكرت كتب التاريخ أيضا أنه قد أصاب القوم مجاعة في عهد هشام بن عبد الملك، فدخل إليه وجوه الناس من الأحياء، وفي جملتهم درواس بن حبيب العجلي وعليه جبة صوف مشتمل عليها بشملة قد اشتمل بها الصماء، فنظر هشام إلى حاجبه نظر لائم في دخول درواس إليه، وقال: أيدخل عليّ كل من أراد الدخول. وكان درواس مفوّها فعلم أنه عناه، فقال درواس: يا أمير المؤمنين ما أخلّ بك دخولي عليك ولقد شرفني ورفع من قدري تمكني من مجلسك، وقد رأيت الناس دخلوا لأمر أعجموا عنه، فإن أذنت في الكلام تكلّمت، فقال هشام: لله أبوك تكلّم، فما أرى صاحب القوم غيرك، فقال: يا أمير المؤمنين تتابعت علينا سنون ثلاث، أما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأكلت اللحم، وأما الثالثة فانتقت المخ ومصَّت العظم، ولله في أيديكم أموال، فإن تكن لله فأعطفوا بها على عباد الله، وإن تكن لهم فعلام تحبسونها عنهم، وإن تكن لكم فتصدقوا بها عليهم فإن الله يجزي المتصدقين ولا يضيع أجر المحسنين. فقال هشام: لله أبوك ما تركت واحدة من ثلاث، وأمر بمائة ألف دينار فقسمت في الناس، وأمر لدرواس بمائة ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين ألكل رجل من المسلمين مثلها، قال: لا ولا يقوم بذلك بيت المال، فقال: لا حاجة لي فيما يبعث على ذمّك، فلما عاد إلى داره أمر بذلك فبعث إليه فقسم تسعين ألف درهم في تسعة من أحياء العرب، وحبس عشرة آلاف درهم فبلغ ذلك هشاما، فقال: لله دره إن صنيعة مثله تبعث على الاصطناع.9.*كان عبد الله بن جعفر من الجود والكرم بالمكان المشهور، وله فيه أخبار يكاد سامعها ينكرها لبعدها عن المعهود، وكان معاوية يعطيه ألف ألف درهم كل سنة فيفرقها في الناس، ولا تراه إلّا وعليه دين. ولما مات معاوية وفد عبد الله بن جعفر على يزيد فقال له: كم كان أمير المؤمنين معاوية يعطيك؟ قال: كان رحمه الله يعطيني ألف ألف، قال يزيد: قد زدناك لترحمك عليه ألف ألف، قال: بأبي وأمي أنت، قال: ولهذه ألف ألف، قال: أمّا إني لا أقولها لأحد بعدك، فقيل ليزيد: أعطيت هذا المال العظيم رجلا واحدا من مال المسلمين فقال: والله ما أعطيته إلّا لجميع أهل المدينة، ثم وكل به من صحبه وهو لا يعلم، لينظر ما يفعل في المال، فلما وصل المدينة فرّق جميع المال حتى احتاج بعد شهر إلى الدّين10.وقال له الحسن والحسين عليهما السلام: إنك قد أسرفت في بذل المال، فقال: بأبي أنتما، إن الله عز وجل عوّدني أن يتفضل عليّ وعوّدته أن أتفضل على عباده، فأخاف أن أقطع العادة فتنقطع عنّي المادة11.قال المدائني: قدم عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية، فقال له: كم كان عطاؤك؟ فقال له: ألف ألف. قال: قد أضعفناها لك. قال: فداك أبي وأمي وما قلتها لأحد قبلك! قال: أضعفناها لك ثانية. فقيل ليزيد: أتعطي رجلا واحدا أربعة آلاف ألف؟ فقال: ويحكم، إنما أعطيتها أهل المدينة أجمعين، فما يده فيها إلّا عارية. فلما كان في السنة الثانية قدم عبد الله بن جعفر، وقدم مولى له يقال له نافع كانت له منزلة من يزيد بن معاوية. قال نافع: فلما قدمنا عليه أمر لعبد الله بن جعفر بألف ألف، وقضى عنه ألف ألف، ثم نظر إليّ فتبسم، فقلت: هذه لتلك الليلة12.ترى هل يصنع أفراد أنظمة الأحزاب الحاكمة في ديارنا، ما كان يصنع سمحاء هذه الأمة عندما كان يغدق عليهم الولاة العطايا والهبات، أم أن أفراد الحزب الحاكم، تجوع الشعوب ليشبعوا، وتعري ليكتسوا، وتظمأ ليرتووا، وقف أعرابي على حلقة الحسن البصري فقال رحم الله من تصدق من فضل أو واسى من كفاف أو آثر من قوت فقال الحسن البصري : ما ترك الأعرابي أحدا منكم حتى عمه بالسؤال13 ترى هل بقي أحد من أفراد الرعية إلا وله حق في هذه الفضول؟؟!!!ومن عجيب أنهم يستخفون بهذه الأموال من الناس،"يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً"14. نخلص من هذا كله إلى درس بالغ من الدروس المهمة من أحداث الأمة، هو ضرورة تقديم كل موظف كبر أو صغر، إقرارا بذمته المالية عند شغله لوظيفة من وظائف الدولة وعند تخليه أو تركه لها إقالة أو استقالة، فهلا اتخذت وزارة المالية من الاجراءات، ما يجعل هذا فى حيِّز التنفيذ، وهلا أصدرت المجالس التشريعية - بغرفتيها (النواب، الشيوخ) أو ( الشعب، الشورى) أيا ما كانت التسمية - يصدر عن المؤهل أو الفاعل منهما من القوانين والتشريعات ما يجعل هذا معيارا للنزاهة، وسياجا ومعصما، ومرشحا للكفاءة والترقية إلى الأعلى من الوظائف والمناصب والمراكز، يتم من خلاله الكفكفة أو التقليم لأظافر من تمتد أيديهم إلى المال العام، والأخذ على أيديهم بيدٍ من حديد لتسود الأمانة، وتشيق الثقة وحتى لا تكون الوظائف العامة مغنما، ومرتعا ممرعا للسلب والنهب، هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته. ومنه وحده العصمة من الزلل والخطأ والخلل في القول والعمل.هوامش:1-أخرجه الترمذي في سننه في صفة القيامة باب رقم (1) حديث رقم (2419) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.2-أخرجه أبو داود في سننه في الخراج والإمارة باب في أرزاق العمال رقم (2943) وإسناده صحيح3-آل عمران:1614-صحيح البخاري،كِتَاب الْإِكْرَاهِ. باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ.صحيح مسلمكتاب الإِمارة. باب تحريم هدايا العمَّال.5-الفجر: 146-[العقد الفريد 5/ 103]7-المستطرف في كل فن مستطرف (ص: 70)8-صحيح مسلم كتاب الإِمارة. باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحثُّ على الرِّفق بالرَّعية، والنَّهي عن إدخال المشقَّة عليهم.سنن أبي داوود، كتاب الخراج والفيء والإمارة. باب ما يلزم الإمام من حق الرعية.9-عيون الأخبار (2/ 366):محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 626)10-[التذكرة الحمدونية 2/ 269]11-[التذكرة الحمدونية 2/ 269]12-[العقد الفريد 1/ 322]13-ثمرات الأوراق في المحاضرات (1/ 107)14-النساء{108}
892
| 31 مارس 2013
بمناسبة زيارة الدكتور محمد مرسي رئيس مصر حفظهما الله ورعاهما للدوحة ومشاركته في القمة العربية نوجه إليه هذه الرسالة التي آثرنا اختيارها من العهد الذي كتبه الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لمالك الأشتر النخعي حين ولاه مصر، والذي جاء فيه: هذا ما أمر عبد الله عليّ أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولَّاه مصرَ: جِبَايةَ خراجها وجهادَ عدوّها، واستصلاحَ أهلها، وعمارةَ بلادها: أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتّباع ما أمر به في كتابه من فرائضه وسنّته التي لا يَسْعَدُ أحدٌ إلا باتِّبَاعها، ولا يَشْقى إلا مع جُحُودها وإِضَاعَتها، وأن ينصرَ الله تعالى بيدِه وقلبِه ولسِانه، فإنه جلَّ اسمه قد تكفَّل بِنَصر مَنْ نَصَره وإعْزاز مَن أعزَّه، وأمره أن يَكْسِر مِنْ نفسه عند الشهوات وَيَرْدَعُها عِند الْجَمَحات، فإنَّ النَّفس لأمَّارة بِالسُّوء إلا ما رحم الله. ثم اعْلمْ يا مالك أَنِّي قدْ وَجَهْتُك إلى بلادٍ قَدْ جَرَت عليها دُوَل قَبْلك مِنْ عدلٍ وجورٍ، وأَنَّ النَّاس يَنْظرُون مِنْ أُمُورك فِي مِثْل مَا كُنْت تَنْظرُ فيه مِنْ أمورِ الوُلاة قَبْلك، ويَقُولون فِيْكَ مَا كُنْت تَقُولُ فِيهم، وَإِنَّمَا يُسْتَدلُّ على الصَّالحين بِمَا يُجرِي الله لَهُم على أَلْسُن عِبَاده، فَلْيَكُن أحبَّ الذَّخَائر إليك ذَخِيْرةُ العملِ الصالحِ، فامْلِكْ هَوَاك وشُحّْ بِنَفْسك عَمَّا لا يَحِلّ لَكَ فإنَّ الشُّّحَّ بِالنَفْس الإنْصافُ مِنْها فِيْمَا أَحَبَّتْ وَكَرِهَتْ. وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمة بِالرَّعيَّةِ والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللطُّفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عليهم سبْعًا ضَارِيًا، يَغْتَنِمُ أكْلَهم، فَإِنَّهُم صِنْفان: إمَّا أخٌ لكَ فِي الدِّين، وإمَّا نظيرٌ لكَ فِي الخَلْق، يَفْرُطُ مِنْهُم الزَّلَلْ، وَتَعْرِض لَهُم العِلَلْ، وَيُؤْتَى على أَيْدِيْهِم فِي العَمْد وَالْخَطأِ، فَأَعْطِهِم مِنْ عَفْوِك وَصَفْحِك مِثْل الَّذِي تُحِبُّ أنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فإِنَّكَ فَوْقَهُم وَوَالِي الأَمْر عَلَيْك فَوْقَك، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ، وَقَدْ اسْتَكْفَاكَ أمْرَهُم وابْتَلَاكَ بِهِم. وليكنْ أحبَّ الأمُور إِليْك أوسَطُها في الحقّ، وأعمُّها في العَدْل، وأجمعُها لِرِضا الرَعيَّة، فإِنَّ سُخْط العامَّة يُجْحف بِرِضَا الخاصَّة، وإنّ سُخْط الخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَا العَامَّة، وَلَيْسَ أحدٌ مِنْ الرَّعِيَّةِ أثْقَل عَلَى الوَالِي مؤونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقلَّ معونةٍ له في البلاء، وأكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَاف، وأقَلَّ شُكْرًا عِنْدَ الإعْطَاءِ وأبْطَأ عُذْرًا عِنْد الْمَنْع، وَأَضْعَف صَبْرًا عِنْد مُلِمَّاتِ الدَّهْر مِنْ أهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عَمُودُ الدِّيْن وَجِمَاع الْمُسْلِمِين وَالْعُدَّة لِلْأعْدَاءِ العَامَّةُ مِن الْأُمَّةِ، فَلْيَكُن صَغْوُكَ [لَهُم] وَمَيْلُك مَعَهُم. ولا يَكُوننّ الْمُحْسنُ وُالْمُسِيءُ عِنْدَك بِمَنْزِلةٍ وَاحِدَةٍ، فإِنَّ فِي ذلك تَزْهِيْدًا لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ، وَتَدْرِيْبًا لِأَهْل ِالإِسَاءَة عَلَى الإِسَاءَة، وأَلْزِم كُلًّا مِنْهُم مَا أَلْزَمَ نفْسَه، واعْلَم أنَّهُ لَيْس شَيْءٌ أدْعَى إِلَى حُسْن ظنِّ والٍ بِرَعِيَّتِه مِنْ إحسانه إليهم وتَخْفِيفِه الْمَؤُوْنَات عَنْهم، وَتَرْك اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُم عَلَى مَا لَيْس لَهُ قِبَلَهُم، فَلْيَكُن مِنْك فِي ذَلِك أمْرٌ يَجْتَمِع لَكَ بِهِ حُسْن الظَّنِّ بِرَعِيَّتِك، فإِنَّ حُسْن الظَّنِّ يَقْطَعُ عنك نَصَبًا طَوِيْلًا، وإنَّ أحَقَّ مَن حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَن حَسُن بَلَاؤُكَ عِنْدَه، وإِنَّ أحَقَّ مَن سَاءَ ظَنُّك بِهِ لَمَن سَاءَ بَلَاؤُك عنده؛ ولا تَنْقُض سنّةً صالحة عَمِل بها صُدُور هذه الأمة، واجتمعت بها الأُلْفَة، وصَلُحَت عليها الرعيَّة، ولا تُحْدِثنَّ سنةً تَضُرّ بشيءٍ مِنْ ماضي تلك السُنَن، فيكون الأجرُ لِمَن سَنَّها، والوِزْر عليك بما نَقَضْتَ منها. واعلم أن الرعيَّةَ طبقات لا يصلحُ بَعْضُها إلا بِبَعض، ولا غِنَى ببعضها عن بعض، فمنها جنودُ الله، ومنها كتّابُ العامة والخاصة، ومنها قضاةُ العدل، ومنها عمّالُ الإنصافِ والرفقِ، ومنها كتّابُ أهلِ الجزيةِ والخراجِ مِنْ الذِمَّة ومَسْلمة الناسِ، ومِنْها التُّجارُ وأهلُ الصِّناعاتِ، ومنها الطبقةُ السُفْلى مِنْ ذَوِي الْحَاجَة وَالْمَسْكَنة، وَكُلُّ مَن قد سَمَّى اللهُ سَهْمَهُ، ووضع على حَدِّه وَفَرِيْضَتِهِ فِي كِتابِهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ عليه السلام عهدًا مِنْهُ مَحْفُوظًا: واجْعل لِذَوِي الحاجات مِنْك قَسْمًا تَفَرَّغ لهم فِيه نَفْسك، وَتَجْلس لهم مجلسًا عامًا فَتَتَواضع فِيْه للهِ الذي خلقك، وَتُقْعد عنهم جُندك وأعوانك مِنْ أحراسك وَشُرطك حتى يُكَلّمك مُتَكلمهم غير مُتَعْتع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في غير موطن: «لن تُقدَّس أمة لا يُؤخذ للضعيف فيها حقّه مِنْ القويّ غير مُتَعْتع»، ثم احتمل الْخُرْق منهم والعَيَّ، ونَحِّ عنك الضِيق والأنف يَبْسُط اللهُ عليك بِذَلك أكنافَ رحمته، ويُوجِبْ لك ثوابَ طاعته، وأعْط ما أعْطيت هَنِيئًا، وامْنَع في إجْمال وإعْذار. إِيَّاك والدِّمَاء وسَفْكِها بِغَيْر حَقِّها، فإنَّه ليس شيءٌ أدْعى لِنِقْمةٍ، ولا أعْظَم تَبِعَةً ولا أحْرَى لِزَوَال نِعْمةٍ وانْقِطَاع مُدَّةٍ مِن سِفْك الدِّمَاء بِغَيْر حَقِّها، واللهُ سُبْحَانه مُبْتَدئ بِالحُكْم بين العباد فيما تَسَافَكُوا مِن الدِّمَاء بِغَير حَقِّها يوم القِيَامة، فلا تُقَوِينّ سُلْطانك بِسَفْك دمٍ حرام، فإن ذلك مِمَّا يُضْعِفُهُ ويُوهِنُهُ بَلْ يُزِيْلُه ويَنْقِلُهُ، ولا عُذْر لَكَ عِنْد اللهِ ولا عِنْدي في قَتْل العَمْد، لِأنّ فيه قَوَدُ البَدَن، فإنْ ابْتُلِيت بِخَطأٍ وأفْرَط عليك سَوْطُك أو يَدُك بِعُقُوبة، فإنَّ في الوَكْزة فما فوْقَها مَقْتَلة، فلا تَطْمَحَنَّ بِك نَخْوَة سُلْطَانِك عنْ أنْ تُؤَدِّي إلى أوْلياءِ الْمَقْتُول حَقَّهم. وإيَّاكَ والعجلةَ بِالأمُورِ قَبْل أوَانِها، أوْ التَثَبُّط فيها عند إمْكانِهَا، واللَّجَاجة فِيها إذا تَنَكَّرت، أوْ الوَهَن عَنْها إذَا اسْتُوْضِحَت، فَضَعْ كلَّ أمْر مَوْضِعَه، وأوْقِعْ كلَّ عملٍ مَوْقِعَه. وإيَّاكَ والاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيه أُسْوة، والتَغَابِي عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضُحَ لِعُيُون النَّاظرين، فإنهُ مَأْخُوذٌ مِنْك لِغَيْرك، وَعَمَّا قليلٍ تَنْكَشِف عَنْك أغْطِيَة الأمُورِ، وَيَنْتَصِف مَنْك لِلْمَظلوم. ومن هذا العهد، وهو آخره: وأنَا أسألُ اللهَ بِسَعَة رَحْمَتِه، وَعَظِيم قُدْرَتِه عَلَى إعْطاء كلِّ رغبة أنْ يُوَفِّقَنِي وإيَّاكَ لِمَا فيه رِضَاه مِن الإقَامَة على العُذْر الوَاضِح إليْه وإلى خَلْقِه، مَعَ حُسْن الثَّنَاء في العِباد، وَجَمِيل الأَثَر في البِلَاد، وَتَمَام النِّعْمة وَتَضَعِيف الكَّرَامَة، وَأَن يَخْتِم لِي ولَكَ بِالسَّعَادَة وَالشَّهَادة، إنَّا إليْهِ رَاغِبُون.
617
| 26 مارس 2013
يا قادة الدول التي لولا الهوى = وخضوعها لعدوها لم تهزم القمة الكبرى، صفاء قلوبكم = لله نصْرُ الخائف المتظلم القمة الكبرى، خلاص نفوسكم = من قبضة الدنيا وأسر الدرهم القمة الكبرى، انتشال شعوبكم = من فقرها من جهلها المستحكم القمة الكبرى، جهادٌ صادق = وبناء صرح إخائنا المتهدم أما مطاردة السراب فإنها = وهم يجرعنا كؤوس العلقم مدوا إلى الرحمن أيديكم فما = خابت يد تمتد نحو المنعم [1] الجامعة العربية منذ إنشائها عام 1945م وهى تحظى بشخصية قانونية دولية مستقلة. ولها حقّ إبرام المعاهدات الدولية، والتمثيل الدبلوماسي الخارجي. وأهم تطور حدث في تاريخ الجامعة هو تنظيم مؤتمرات قمّة عربية بشكل دوري منذ عام 1964م إلا أنه لا توجد أمانة عامة لمثل تلك المؤتمرات، تتابع عن كثب تفعيل ما يصدر عنها من قرارات وتوصيات فباتت هذه التوصيات تنام فوق رفوفها = نوم الفقير أمام باب الأشأم، ما بين مؤتمر ومؤتمر نرى = شبحاً يعبر عن خيال مبهم وقد قال تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"[2] ومع قناعات الكثيرين بأن مؤتمرات القمة العربية كما هي العادة لا تقدم ولا تؤخر في حال الأمة لكثرة الخلافات القُطْرية والتناقضات السياسية؛ إلا أننا متفائلون ونتوقع من هذه القمة التي جاءت بعد ثورات الربيع العربي لذا نأمل أن يتم فيها المصالحة والمصارحة وعلاج المشكلات المزمنة والإجماع على الأمور الهامة التي تثبت للجميع أن أمتنا بإمكانها استعادة وعيها، وحتى تثبت للعالم أجمع أنها قادرة على التغلب على جراحاتها، المطلوب من القمة أن ترتقي إلى مستوى التحديات، وأن تسخر الإمكانات المتاحة وما أكثرها من أجل تحرير فلسطين، القضية الفلسطينية التي كانت ولا زالت قضية عربية إسلامية، ودعم المقاومة الفلسطينية إعلامياً، ومالياً، ولوجستياً، وعسكرياً، ومعنوياً، وتوفير الغطاء الدبلوماسي المطلوب للمقاومة، وعليها أن تخلق حالة من التكامل - على كل الصُّعُد فيما بينها - الاقتصادي والسياسي والعسكري والتربوي والأمني والإعلامي والقانوني والثقافي، فلسنا أقل شأنا من دول الاتحاد الأوربي قال تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"[3]، ومما هو جدير بالذكر أن ثمة قرارات وتوصيات - الجامعة - القديمة الجديدة، وهي قرارات الوقت وتوصيات كل ساعة ومنها ما تمخضت عنه. *قمة الرباط 1974م والتى شاركت فيه جميع الدول العربية ومن بينها الصومال التي تشارك لأول مرة في مؤتمر قمة عربي ومن قراراته: - التحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في عدوان يونيو 1967م، وتحرير مدينة القدس، وعدم التنازل عن ذلك. - تعزيز القوى الذاتية للدول العربية: عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا. وتجنب المعارك والخلافات الهامشية. *ومنها مؤتمر القمة العربي العادي الثامن عشر في الخرطوم2006 م والذي أكد مجدداً مركزية قضية فلسطين، كما دعا المؤتمر إيران إلى الانسحاب من الجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وإعادتها إلي سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة. واليوم لا تقف إيران عند هذا الحد بل تجاوزته إلى مشاركة النظام السورى في قتله لشعبه، وتدخلاتها السافرة في دول الجوار في كل من العراق والبحرين واليمن فمتى يتخذ القادة العرب موقفا موحدا ضد هذا التوغل الإيراني في الدم العربي والشأن العربي ؟؟ يا قادة الدول التي لم تتخذ = لغة موحدة أمام المجرم *ومنها القمة العربية العشرين في دمشق2008 في سوريا والتى شارك فيها أحد عشر زعيما عربيا وغاب عنها تسعة وأعلن فيها البيان الختامي والذي سمي بـ"إعلان دمشق". وقد أكد هذا البيان على الانسحاب الإسرائيلي من الجولان وما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة، كما نص على مواصلة تقديم كل أشكال الدعم للشعب الفلسطيني في وجه إسرائيل وتأمين حقه في تقرير المصير والتأكيد على وحدة الصف الفلسطيني. ولكن "إعلان دمشق" اليوم يصرخ فينا أين أنتم ؟؟ كيف خذلتم دمشق، كيف تركتموها نهبا، للأوغاد، كيف خليتموها مسرحا للدب الأحمر، ينهش بأنياب النظام لحوم أهلها بغير جريرة إلا طلب الحرية والكرامة، كيف تركتموها يعربد فيها الفرس، ويهتك الروافض عرض الحرائر، وتُكسر عظام الأطفال، (أمثال حمزة الخطيب وغيره ) كم ينتظر العرب ممثلين في قادتهم وقمتهم أن يُقتل من أبناء الشام، حتى يقفوا وقفة رجل واحد في وجه هذا المجرم، أما يكفى ثمانون ألفا من الشهداء، وأضعاف هذا العدد أرامل، وثكلى، وأضعافهم يتامي ومصابون وكم، وكم مشردون، ولاجئون وكم . وكم وكم ؟؟!! ماذا ينتظر القادة العرب. أين هم من الحديث الصحيح " عَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: "تَكُفُّهُ عَنِ الظُّلْمِ". *ومنها: إعلان الدوحة المنبثق من القمة العربية المنعقد في 3 - 4 - 1430هـ (30 - 3 - 2009)، وكان من ضمن قراراته القرار الآتي ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة وفتح المعابر كافة، والتأكيد على تحميل إسرائيل المسؤولية القانونية والمادية عما ارتكبته من جرائم حرب وانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومطالبتنا المجتمع الدولي بملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم وإحالتهم إلى المحاكم الدولية.وثمة بيانٌ صادرٌ عن البرلمان العربي، في اجتماع دورته العادية لعام 2009، المنعقد في سورية، بين 21 و23 - 3 - 2009، ومما جاء في قراراته دعوة المجتمع الدولي إلى الإسراع في تقديم العون الإنساني العاجل للشعب العربي الفلسطيني في غزة، بما في ذلك سرعة إعادة إعمار غزة». فأين ذلك على أرض الواقع ؟؟؟!! فماذا ينتظر العالم الإسلامي والعربي حتى يرفع الحصار عن غزة؟ وهو مطلبٌ ديني ضروري، ومطلبٌ سياسي مُقَرّ، ومطلبٌ إنسانيٌّ سابَقَنا فيه أحرارُ العالم من غير المسلمين.هذه بعض مطالبنا وطموحاتنا من قادة أمتنا في مؤتمرهم بالدوحة. هوامش: [1] الدكتور /عبدالرحمن العشماوي حول القمه العربية [2] الصف : 2+3 [3] آل عمران : 103
430
| 20 مارس 2013
نواصل الحديث عن موقف الإسلام من ممارسة الرياضة وأنواع الرياضات التي عرفها المسلمون الأوائل ومارسوها ومنها: رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: كان يعرف عند العرب باسم "الربع " وهو أن يُشال الحجر باليد، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل، والربيعة والمربوع هو الحجر الذى يرفع، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم "مَرَّ بقوم يَرْبَعون حَجَراً أي يُشِيلُونَه" أو يتربعون — يُرِيدُونَ الشِّدَّةَ — (فلم ينكر عليهم) فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء وفى بعض الرِّوَايَات أَنه قَالَ (أَلا أخْبركُم بأشدكم) قَالُوا بلَى قَالَ (من ملك نَفسه عِنْد الْغَضَب) ويُروى عن النبي: أنه مرَّ بقوم يتجاذَوْنَ مِهْراساً فقال: (أتحسبون الشدَّةَ في حمل الحجارة، إنّما الشدة أَنْ يمتلىءَ أحدُكم غيظاً ثم يغلبه) والمهراس: حجر مستطيل منقور يتَوَضَّأ مِنْهُ شَبيه بالهاوون الَّذِي يهرس فِيهِ والهرس: الدق الشَّديد. جاء في تصحيفات المحدثين للعسكري (المتوفى: 382هـ)( هَذَا الحَدِيث فِي موضعٍ فِيهِ تصحيفٌ قولُهم مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قوم يَرْبَعُون حَجَرًا بالباءِ تحتهَا نقطة وَمن لَا يعلم يرويهِ يرفعون وَلَيْسَ بخطأ فِي الْمَعْنى وَلَكِن الروايةُ المضبوطة بالباءِ لَا بالفاءِ، (وأول من فكر فى تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان مشهورا بقوته البدنية، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب عَنْ أَبِي رَافِعٍ مولى رسول الله — صلوات الله وسلامه عليه —، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حين بعثه رسول الله — صلوات الله وسلامه عليه — بِرَايَتِهِ، — يوم غزوة خيبر — فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَطَرَحَ تِرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ، فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٌ أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ". وفى البداية والنهاية لابن كثير:عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَفَتَحُوهَا، فَلَمْ يَحْمِلْهُ إِلَّا أَرْبَعُونَ رَجُلًا. الكرة وهى تشبه لعبة البولو فى هذه الأيام، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة فى كتب الأدب، وَفِي شرح السنة عن أَبِي رَافِعٍ وفى مجمع الزوائد، وغيره عَنْ أَبِي شَدَّادٍ ((كُنْتُ أُلَاعِبُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا بِالْمَدَاحِي)) الدَّحْوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: دَحْرَجَةُ الْأَشْيَاءِ الْقَابِلَةِ لِلدَّحْرَجَةِ كَالْجَوْزِ وَالْكَرَى وَالْحَصَا وَرَمْيِهَا، والمداحى: هِيَ أَحْجَارٌ أَمْثَالُ الْقُرْصَةِ كَانُوا يَحْفِرُونَ — حفرة — وَيَدْحُونَ — أي يُدحرجون — فِيهَا بِتِلْكَ الْأَحْجَارِ، فَإِنْ وَقْعَ الْحَجَرُ فِيهَا غَلَبَ صَاحِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ غُلِبَ،،وَقَالَ ابن منظور في لسانه: الدَّحْوُ: هُوَ رَمْيُ اللَّاعِبِ بِالْحَجَرِ وَالْجَوْزِ وَغَيْرِهِ، وَهي لُعْبَةِ مَأْلُوفةٌ عِنْدَ الصِّبْيَانِ فِي بعض البلدان وَيُسَمُّونَها لَعِبَ الْأُكْرَةِ، وَيُحَرِّفُهَا بَعْضُهُمْ فَيَقُولُ: الدُّكْرَةُ. قلت: هي لعبة قريبة جدا من لعبة "البِلْي" وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ قَالَ — تَعَالَى —: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)، أَيْ أَزَالَهَا عَنْ مَقَرِّهَا، وَسُئِلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَيِ: الْمُرَامَاةُ بِهَا وَالْمُسَابَقَةُ. السباحة: ممارسة النبي صلوات الله وسلامه عليه للسباحة في كثير من كتب السيرة النبوية — قديما وحديثا — منها — المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن جماعة المتوفى: 767هـ): 1 / 27) وإمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع المقريزي (المتوفى: 845هـ): 8 / 143 تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس لحسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (المتوفى: 966هـ): 1 / 299) وغيرها الكثير من كتب السيرة النبوية المطهرة رُوِى أن النبى صلى الله عليه وسلم سَبَح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله فى المدينة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دُفِن أبوه قال: هاهنا نزلت بى أمى وأحسنت العَوْم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطى على أن النبى عَامَ — سَبَحَ — وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره وفى مجمع الزوائد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — وَأَصْحَابُهُ يَسْبَحُونَ فِي غَدِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ —: " لِيَسْبَحْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمُ إِلَى صَاحِبِهِ ". فَسَبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى صَاحِبِهِ، وَبَقِيَ النَّبِيُّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — وَأَبُو بَكْرٍ، فَسَبَّحَ النَّبِيُّ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — إِلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى عَانَقَهُ — وَقَالَ: " أَنَا إِلَى صَاحِبِي، أَنَا إِلَى صَاحِبِي».فى شرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين "تَفَرَّدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ، لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ". وهذه نماذج للتربية البدنية أقرها الإسلام، وشجع عليها. بضوابط وقواعد دقيقة تُثمر ثمرتها المرجوة من خلالها تعرف مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكافة جوانب الشخصية الإنسانية وسائر مظاهر الحضارة الصحيحة. وفى الإطار العادل الذى وضعه للمصلحة، وهناك ألوان من الرياضة البدنية فى الإسلام كثيرة، بل إن التكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات — وإن لم تُقصد لذاتها — للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للروح واستقامة للسلوك، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات — قياما وقعودا وركوعا وسجودا — لمعظم أجزاء الجسم، والحج بمناسكه المتعددة والتنقل بين مشاعره، وزيارة الإخوان وعيادة المرضى والمشى إلى المساجد في الجُمع والجماعات، وسائر أنواع النشاط الاجتماعى كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت فى الحد المعقول. هذا وبالله التوفيق
5947
| 12 مارس 2013
العرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا} فهى من أهم أدوات الحرب، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره، هذا وقد سابق النبى صلى الله عليه وسلم بين الخيل بنوعيها المضمرة وغيرها ففى الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَت، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ — فَقُلْتُ لِمُوسَى: فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ — وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ " قُلْتُ: فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا". وقد قال رسول الله — صلوات الله وسلامه عليه — "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل" وقد سابق النبى — صلوات الله وسلامه عليه — أيضا على الجمال فسابق على ناقته العضباء ففى الصحيح عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى العَضْبَاءَ، لاَ تُسْبَقُ — قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ — فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: «حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ» وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أهل الشام أن علموا أولادكم السباحة والفروسية. وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر. الرماية: عن عقبة بن عامر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ.." أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ"، وعن سلمة بن الأكوع مَرَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِىُّ، (صلى الله عليه وسلم): (ارْمُوا بَنِى إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِى فُلانٍ)، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (مَا لَكُمْ لا تَرْمُونَ)؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِى وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم): (ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ). وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ — صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يَقُولُ: " «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنَبِّلَهُ. فَارْمُوا، وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا.: "«وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَمَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ تَرَكَهَا» ".، أَوْ قَالَ: " كَفَرَهَا" وفى الصحيح "أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ، قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ، قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُعَانِيهِ، قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لِابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا» أَوْ «قَدْ عَصَى». اللعب بالسلاح: — الشيش: وكان معروفا عند العرب باسم "النقاف" وهو المضاربة بالسيوف على الرؤوس (اللسان والقاموس) وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة فى شكلها الحالى، وكان من صوره رقص الحبشة الذى رآه النبى صلى الله عليه وسلم منهم فى المسجد، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفنون ويلعبون بالدرق والحراب يوم العيد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام، وفى رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفنون ويلعبون بحرابهم يتلقونها. وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أشهر المبارزين علي بن أبى طالب ومواقفه فى بدر والخندق وغيرهما معروفة. المصارعة ومثلها الملاكمة: وقد صارع النبى — صلوات الله وسلامه عليه — جماعة، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم، قال ابن إسحاق: لقيه النبى صلى الله عليه وسلم فى شعب من شعاب مكة فقال له: يا ركانة، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال: يا محمد هل لك من شاهد يدل على صدقك؟ فقال: أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. وقال البلاذرى: إن السائل للمصارعة هو ركانة، فقال له: تهيأ للمصارعة، فقال: تهيأت، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه، فتعجب من ذلك ركانة، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا: فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب، وأسلم عقبها، وقيل أسلم فى فتح مكة. هذا وبالله التوفيق وللحديث صلة بحول الله وقوته.
2013
| 05 مارس 2013
رياضة البدن — بدن الرجال والنساء — معالجته بألوان مختلفة من الحركات لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة، وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضا ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هى أحسن الطرق فى هذا المجال. ولا مانع للمرأة المسلمة من جمعها بين حقها في الرياضة البدنية والكرامة والاحتشام والعفة، ورعاية حق الله وحدوده. فممارسة الرياضة البدنية والذهنية أمر مشروع في أصله ما لم يوجد فيه ما يخالف الشرع من كشف العورات، واختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وسماع الموسيقى، وتضييع الأوقات... كما يحرم الركوع أو السجود أو فعل شيء من الطقوس عند ممارسة الرياضة كما يفعل الوثنيون — وعند ذلك تحرم الرياضة البدنية لا لذاتها ولكن نظرا لِما صاحبها من هذه المحرمات. ممارسة الرياضة البدنية جائزة في حق المرأة، وقد دل على ذلك ما ورد في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود أن عائشة رضي الله عنها قالت: سابقني النبي فسبقته، حتى إذا رهقني اللحم سَابَقَني فَسَبَقني، فقال: هذه بتلك. ويشترط لإباحة رياضة المرأة أن تكون هذه الرياضة ملائمة لطبيعتها وأنوثتها، وألا تؤدي إلى كشف عورتها، أو إظهار مفاتنها أمام من لا يحل له أن يرى ذلك منها، وفى الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله".وألا يشترك معها فيها رجال أو أجانب، وكونها تُمارس هذه الرياضة في نوادٍ وقاعات خاصة؛ في هذه القاعات تنزع من ثيابها ما تتمكن معه من أداء الحركات الرياضية بخفة وسهولة ؛ ويزعم البعض أن هذه القاعات محصنة وأنها بمنأى عن اطلاع الرجال، وبعيدة عن أعين الرقباء، فإن الصناعات المتقدمة أنتجت من الوسائط، ووفرت من الوسائل المتطورة الحديثة التي تُمكن من التجسس والرصد مما يشهد بصحة هذا التوقع، ودحض هذا الزعم. فتقع بذلك في مخالفة شرعية. وفى تاريخ العرب والأمة الإسلامية — غير العبادات والتكاليف الشرعية — رياضات تشبه إلى حد كبير كثيرا ما تواضع عليه للناس فى هذا العصر، أقرها الإسلام وشجعها وإليك صورا لها: 1 — العَدْوُ: وهو المشي على الأقدام — منفردا أو متسابقا — والمسابقة على الأقدام والسابق يفخر على المسبوقين، وقد سابق رسول الله بنفسه على الأقدام، وهو تدريب على سرعة المشى، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعى لتحصيل الرزق وغير ذلك، ويذكر التاريخ العداء المشهور " فيديبدس " من قرية ماراثون باليونان وما كان له من أثر فى إخطار البلاد بهجوم الجيش الفارسى عليهم فى سبتمبر سنة 490 قبل الميلاد وفى انتصارهم على العدو، وقد خلد اسمه بعد ذلك بسباق ماراثون. هذا والعَدْوُ داخل ضمنا تحت الأمر القرآني بالمسارعة إلى الخير، فهى مسارعة روحية وجسمية، "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"47 "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"48 وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ — رضي الله عنها — أَنَّهَا قَالَتْ: سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ مِنَ اللَّحْمِ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ هَذِهِ بِتِلْكَ»49 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَشَى بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ — علامتين لتحديد المسافة — كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ»50". وَعن إِبْرَاهِيم بْنِ يَزِيدَ التَّمِيمِي عَن أَبِيه قال" رَأَيْت حُذَيْفَة يعدو بَين الهدفين بِالْمَدَائِنِ فِي قَمِيص" وَعن الْأَوْزَاعِيّ عَن بِلَال بن سعد قال:" أدْركْت قوما يَشْتَدُّونَ بَين الْأَغْرَاض يضْحك بَعضهم إِلَى بعض فَإِذا كَانَ اللَّيْل كَانُوا رهبانا" وَقَالَ مُجَاهِد: رَأَيْت ابْن عمر يشْتَد بَين الهدفين وَيَقُول أَنا بهَا "وكَانَ عقبَة بن عَامر يشْتَد بَين الغرضين وَهُوَ شيخ كَبِير"51 وسار ذكوان — مولى عائشة رضي الله عنها — من مكة إلى المدينة — في يوم وليلة، "المسافة حوالى 500 كيلو متر أو انقص منها قليلا" فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة فقال له أبو هريرة: حاج غير مقبول منه. فقال: لِـــمَهْ؟ فقال: لأنك نفرت قبل الزوال — ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التى يدخل وقتها بالزوال — فأخرج كتاب مروان مؤرّخا بعد الزوال. وكذللك حذيفة بن بدر — اشتهر بسرعة العَدْو — أغار على هجاء بن المنذر بن ماء السماء فسار في ليلة مسير ثمان، وفيه يقول قيس بن الحطيم: هممنا بالإقامة ثمّ سرنا... مسير حذيفة الخير بن بدر52 2 - ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها: والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا}53 فهى من أهم أدوات الحرب، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} 54، هذا وللحديث صلة بحول الله وقوته
1285
| 26 فبراير 2013
2- ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها: والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا}53 فهى من أهم أدوات الحرب، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}54، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}55 ، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره، هذا وقد سابق النبى صلى الله عليه وسلم بين الخيل بنوعيها المضمرة وغيرها ففى الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ56، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ - فَقُلْتُ لِمُوسَى: فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ - وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الوَدَاعِ وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ " قُلْتُ: فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا57. وقد قال رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل "58 وقد سابق النبى - صلوات الله وسلامه عليه - أيضا على الجمال فسابق على ناقته العضباء ففى الصحيح عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى العَضْبَاءَ، لاَ تُسْبَقُ - قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ - فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: "حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ"59. وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين: أن عمر بن الخطاب كتب إلى أهل الشام أن علموا أولادكم السباحة والفروسية. وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر.60. 3- الرماية: عن عقبة بن عامر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول:" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ .." أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ "61 ، وعن سلمة بن الأكوع مَرَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِىُّ، (صلى الله عليه وسلم) : (ارْمُوا بَنِى إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِى فُلانٍ) ، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : (مَا لَكُمْ لا تَرْمُونَ) ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِى وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ (صلى الله عليه وسلم) : (ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ)62. وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنَبِّلَهُ. فَارْمُوا، وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا.63: "وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَمَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهُ نِعْمَةٌ تَرَكَهَا"، أَوْ قَالَ: " كَفَرَهَا"64 وفى الصحيح " أَنَّ فُقَيْمًا اللَّخْمِيَّ، قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: تَخْتَلِفُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَرَضَيْنِ وَأَنْتَ كَبِيرٌ يَشُقُّ عَلَيْكَ، قَالَ عُقْبَةُ: لَوْلَا كَلَامٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُعَانِيهِ، قَالَ الْحَارِثُ: فَقُلْتُ لِابْنِ شَمَاسَةَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنَّا" أَوْ "قَدْ عَصَى"65. 4- اللعب بالسلاح: -الشيش: وكان معروفا عند العرب باسم "النقاف " وهو المضاربة بالسيوف على الرؤوس (اللسان والقاموس)66 وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة فى شكلها الحالى، وكان من صوره رقص الحبشة الذى رآه النبى صلى الله عليه وسلم منهم فى المسجد، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفنون67، ويلعبون بالدرق والحراب يوم العيد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام، وفى رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفنون ويلعبون بحرابهم يتلقونها. وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه في بدر والخندق وغيرهما معروفة. 5-التحطيب: مصدر حطَّبَ. مبارزة بالعِصيّ الطَّويلة68، وتشيع في صعيد مصر " وهو معروف عند العرب باسم "اللبج " أو "اللبخ"69 يشبه اللعب بالسيوف لأنه محاولة للأخذ قوامها هجوم ودفاع بالعصى. 6-المصارعة ومثلها الملاكمة: قد صارع النبى – صلوات الله وسلامه عليه - جماعة، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم، قال ابن إسحاق: لقيه النبى صلى الله عليه وسلم فى شعب من شعاب مكة فقال له: يا ركانة، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال: يا محمد هل لك من شاهد يدل على صدقك؟ فقال: أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. وقال البلاذرى: إن السائل للمصارعة هو ركانة، فقال له: تهيأ للمصارعة، فقال: تهيأت، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه، فتعجب من ذلك ركانة، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا: فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب70، وأسلم عقبها، وقيل أسلم فى فتح مكة71، كما صارع النبى ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم ومعه ثلثمائة من الغنم، فقال: يا محمد هل لك أن تصارعنى؟ قال: وما تجعل لى إن صرعتك؟ قال: مائة من الغنم، فصارعه فصرعه، ثم قال: هل لك فى العود؟ قال: وما تجعل؟ قال: مائة أخرى. فصارعه فصرعه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمد، ما وضع جنبى فى الأرض أحد قبلك، ثم أسلم ورد عليه غنمه، روى عنه أنه قال: ماذا أقول لأهلى؟ شاة افترسها الذئب، وشاة شذت منى، فماذا أقول فى الثالثة؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك، خذ غنمك وانصرف72 وكذلك صارع النبى أبا الأسود الجمحى، وكان رجلا شديدا بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى - أي: ينشّق ويتقطّع- الجلد ولم يتزحزح - أي: يتحرك – عنه73، وكان من المشهورين بالمصارعة فى الإسلام أيضا محمد بن الحنفية. 7- رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: كان يعرف عند العرب باسم "الربع " وهو أن يُشال الحجر باليد، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل، والربيعة والمربوع هو الحجر الذى يرفع، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم "مَرَّ بقوم يَرْبَعون حَجَراً أي يُشِيلُونَه" أو يتربعون - يُرِيدُونَ الشِّدَّةَ74 - (فلم ينكر عليهم75) فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء76 وفى بعض الرِّوَايَات أَنه قَالَ (أَلا أخْبركُم بأشدكم) قَالُوا بلَى قَالَ (من ملك نَفسه عِنْد الْغَضَب)77 ويُروى عن النبي: أنه مرَّ بقوم يتجاذَوْنَ مِهْراساً فقال: (أتحسبون الشدَّةَ في حمل الحجارة، إنّما الشدة أَنْ يمتلىءَ أحدُكم غيظاً ثم يغلبه)78 والمهراس: حجر مستطيل منقور يتَوَضَّأ مِنْهُ شَبيه بالهاوون الَّذِي يهرس فِيهِ والهرس: الدق الشَّديد79. جاء في تصحيفات المحدثين للعسكري (المتوفى: 382هـ)( هَذَا الحَدِيث فِي موضعٍ فِيهِ تصحيفٌ قولُهم مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قوم يَرْبَعُون حَجَرًا بالباءِ تحتهَا نقطة وَمن لَا يعلم يرويهِ يرفعون وَلَيْسَ بخطإٍ فِي الْمَعْنى وَلَكِن الروايةُ المضبوطة بالباءِ لَا بالفاءِ80 (وأول من فكر فى تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان مشهورا بقوته البدنية، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب عَنْ أَبِي رَافِعٍ مولى رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حين بعثه رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - بِرَايَتِهِ، - يوم غزوة خيبر - فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحِصْنِ خَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَطَرَحَ تِرْسَهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ، فَتَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٌ أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ"81. وفى البداية والنهاية لابن كثير :عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَلِيًّا حَمَلَ الْبَابَ عَلَى ظَهْرِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ حَتَّى صَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَفَتَحُوهَا، فَلَمْ يَحْمِلْهُ إِلَّا أَرْبَعُونَ رَجُلًا82. 8- القفز أو الوثب العالى: وكان يعرف أيضا عند العرب باسم " القفيزى" قال الزمخشري في أساس البلاغة " القفّيزى: ينصبون خشبات يقفزون عليها وَيَتَقافَزون عَلَيْهَا : أَي يَتَوَاثَبون83. 9- الكرة: وهى تشبه لعبة البولو فى هذه الأيام، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة فى كتب الأدب، وَفِي شرح السنة84 عن أَبِي رَافِعٍ وفى مجمع الزوائد85 وغيره عَنْ أَبِي شَدَّادٍ ((كُنْتُ أُلَاعِبُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا بِالْمَدَاحِي)) الدَّحْوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: دَحْرَجَةُ الْأَشْيَاءِ الْقَابِلَةِ لِلدَّحْرَجَةِ كَالْجَوْزِ وَالْكَرَى وَالْحَصَا وَرَمْيِهَا. والمداحى: هِيَ أَحْجَارٌ أَمْثَالُ الْقُرْصَةِ كَانُوا يَحْفِرُونَ – حفرة - وَيَدْحُونَ – أي يُدحرجون - فِيهَا بِتِلْكَ الْأَحْجَارِ، فَإِنْ وَقْعَ الْحَجَرُ فِيهَا غَلَبَ صَاحِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ غُلِبَ86، وَقَالَ ابن منظور في لسانه : الدَّحْوُ: هُوَ رَمْيُ اللَّاعِبِ بِالْحَجَرِ وَالْجَوْزِ وَغَيْرِهِ87 وَهي لُعْبَةِ مَأْلُوفةٌ عِنْدَ الصِّبْيَانِ فِي بعض البلدان وَيُسَمُّونَها لَعِبَ الْأُكْرَةِ، وَيُحَرِّفُهَا بَعْضُهُمْ فَيَقُولُ: الدُّكْرَةُ. قلت : هي لعبة قريبة جدا من لعبة "البِلْي" وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ قَالَ - تَعَالَى -: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا)88 أَيْ أَزَالَهَا عَنْ مَقَرِّهَا89، وَسُئِلَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَيِ: الْمُرَامَاةُ بِهَا وَالْمُسَابَقَةُ90. 10- السباحة: السباحة رياضة كل عضو في الجسم ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ فَقَالَ الْآخَرُ: "كَسِلْتَ؟" سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَلَهْوٌ إِلَّا أَرْبَعَةَ خِصَالٍ: مَشْيٌ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَتَعْلِيمُ السَّبَّاحَةِ"91. روى البيهقى عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَلِلْوَلَدِ عَلَيْنَا حَقٌّ , كَحَقِّنَا عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: " نَعَمْ حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْكِتَابَةَ، وَالسِّبَاحَةَ، وَالرَّمْيَ، وَأَنْ يُوَرِّثَهُ طَيِّبًا"92. اشتهر أحد النقباء الاثنا عشر بالسباحة هو سعد بن عبادة الخزرجى. أحد كبار الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين- وكان قبل إسلامه رئيس قومه. واشتهر بالكرم وإتقان السباحة والرماية والكتابة، وسُمِّى بالكامل. أسلم قبل الهجرة93. الفاروق يُنَافس ابن عباس في طول مُدَّة الغطس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رُبَّمَا قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَعَالَ أُبَاقِيكَ فِي الْمَاءِ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا، وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ94. السَبَّاح بموقد قِدْر اللحم مشتعلا حتى يَنضج *عندما تغلب معز الدولة أحمد ابن بُوَيْه على بغداد - وهو أوّل مَن ملك العراق من الدَّيْلم - شجع السباحة والمصارعة، فكان يُحضر المصارعين بين يديه في الميدان ويأذن للعوّام، فمن غلب خَلعَ عليه. وشرع في تعليم السّباحة، حتى صار السّبّاح يسبح وعلى يده كانون فوقه قِدْره، فيسبح حتّى ينضج اللحم95. ممارسة النبي صلوات الله وسلامه عليه للسباحة في كثير من كتب السيرة النبوية - قديما وحديثا – منها - المختصر الكبير في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن جماعة المتوفى: 767هـ) : 1 / 27) وإمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع المقريزي (المتوفى: 845هـ) : 8 / 143) تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس لحسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري (المتوفى: 966هـ): 1 / 299) وغيرها الكثير من كتب السيرة النبوية المطهرة رُوِى أن النبى صلى الله عليه وسلم سَبَح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله فى المدينة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دُفِن أبوه قال: هاهنا نزلت بى أمى وأحسنت العَوْم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطى على أن النبى عَامَ- سَبَحَ- وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره وفى مجمع الزوائد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ يَسْبَحُونَ فِي غَدِيرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لِيَسْبَحْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمُ إِلَى صَاحِبِهِ ". فَسَبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى صَاحِبِهِ، وَبَقِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ، فَسَبَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى عَانَقَهُ - وَقَالَ: " أَنَا إِلَى صَاحِبِي، أَنَا إِلَى صَاحِبِي"96.فى شرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين "تَفَرَّدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ، لَمْ يَشْرَكْهُ فِيهَا أَحَدٌ"97. سابعا: الخاتمة هذه نماذج للتربية البدنية أقرها الإسلام، وشجع عليها. بضوابط وقواعد دقيقة تُثمر ثمرتها المرجوة من خلالها تعرف مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكافة جوانب الشخصية الإنسانية وسائر مظاهر الحضارة الصحيحة. وفى الإطار العادل الذى وضعه للمصلحة، وهناك ألوان من الرياضة البدنية في الإسلام كثيرة، بل إن التكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات – وإن لم تُقصد لذاتها - للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للروح واستقامة للسلوك، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات – قياما وقعودا وركوعا وسجودا - لمعظم أجزاء الجسم، والحج بمناسكه المتعددة والتنقل بين مشاعره ، وزيارة الإخوان وعيادة المرضى والمشى إلى المساجد في الجُمع والجماعات ، وسائر أنواع النشاط الاجتماعى كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت فى الحد المعقول.هذا وبالله التوفيق. هوامش: 53- العاديات-1 54- النحل: 8 55- الأنفال: 60 56- تضمير الخيل هو إعطاؤها علفا قليلا بعد سمنها من كثرة العلف، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت أى الأكل العادى. كما يقال إن تضمير الخيل يكون بأن تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويحمل عليها غلمان خفاف يجرونها ولا يعنفون بها إذا فعل بها ذلك أمن عليها البهر الشديد عند حضرها، أى لا تنهج عند العدو). 57- بَابٌ: هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ؟ صحيح البخاري ، كتاب الصلاة 58- تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (1/ 145) الله تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس (1/ 145) 59- صحيح البخاري (4/ 32) 60- البيان والتبيين - الجاحظ ص 92 ج 2. التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية (2/ 63) 61- شرح النووي على مسلم (13/ 64) 62- رواه البخارى ومسلم 63- رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارِمِيُّ 64- رواه أبو داود والنسائى والحاكم وصححه. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (6/ 2502) 65- صحيح مسلم (3/ 1522) 66- الموسوعة الفقهية الكويتية (24/ 126) 67- الزّفن: الرّقص، الزفّان: الرقاص، والزَّفْنُ الرقص. زفن يزفن زفنا، وأصل الزفن اللعب والدفع ومنه حديث عائشة رضي الله عنها قدم وفد الحشبة فجعلوا يزْفِنُون ويلعبون أي يرقصون ومنه حديث عبد الله بن عمرو إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ويُبْطل به اللعب والزفْن والزّمارات والمزاهِر ... وَفِي حدِيثِ فاطِمَةَ، رَضِيَ اللهاُ تَعَالَى عَنْهَا: (أنَّها كانتْ تَزْفِنُ للحَسَنِ) ، أَي تَرْقِصُ لَهُ.انظر: تهذيب اللغة للأزهري ج 13/ 224، ولسان العرب ج 17/58 النهاية في غريب الحديث، 2/ 756، مادة (زفن) تاج العروس (35/ 147) 68- معجم اللغة العربية المعاصرة (1/ 516) 69- اللَّبْخُ: احتيال لأخذ شيء (العين (4/ 272) تهذيب اللغة (7/ 180) 70- أخرجه أبو داود (4078) فى اللباس، باب: في العمائم، والترمذى (1784) فى اللباس، باب: العمائم على القلانس، والحاكم فى "المستدرك" (3/ 511) وأبو يعلى في "مسنده" (1412) ، والطبرانى فى "الكبير" (5/ 71) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 134) 71- رواه الحاكم وأبو داود والترمذى 72- ذكره الزرقانى فى شرح المواهب ج 4 ص 293) منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (1/ 424) وعزاه إلى ابن حجر في الإصابة. 73- منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (1/ 424) 74- مسند البزار = البحر الزخار (13/ 474) 75- الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 189) قال ابن قدامة رحمه الله : وَسَائِرُ الْمُسَابَقَةِ يُقَاسُ عَلَى هَذَا )المغني لابن قدامة (9/ 466) 76- ذكره فى لسان العرب 77- الفاخر (ص: 123 ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (ص: 33)محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 277) 78- الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 349) 79- الفائق في غريب الحديث (2/ 23) 80- تصحيفات المحدثين (1/ 349) 81- تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (3/ 13) فى الروض الأنف ج 2 ص 239 82- البداية والنهاية ط هجر (10/ 416) 83- أساس البلاغة (2/ 93) تاج العروس (15/ 286) 84- للبغوي ( المتوفى: 516) 85-مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 185) 86- شرح السنة للبغوي (10/ 394) 87- لسان العرب (14/ 252) 88-النازعات:30 89- المفردات في غريب القرآن (ص: 308) 90-لسان العرب (14/ 252) 91- السنن الكبرى للنسائي:(8/177) رواه الطبرانى بإسناد جيد 92-السنن الكبرى للبيهقي (10/ 26 ) في التلخيص الحبير أخرجه البيهقي [10/ 15] ، كتاب السبق والرمي: باب التحريض على الرمي. قال البيهقي عقب روايته له: هذا حديث ضعيف، عيسى بن إبراهيم الهاشمي هذا من شيوخ بقية منكر الحديث، وضعفه يحيى بن معين، والبخاري وغيرهما. 93- الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي (10/ 601، بترقيم الشاملة آليا) 94-مسند الشافعي - ترتيب سنجر (2/ 215) السنن الكبرى للبيهقي (5/ 100)شرح السنة للبغوي (7/ 255) مسند الفاروق لابن كثير (1/ 305) 95- تاريخ الإسلام ت تدمري (25/ 25) المنتظم 6/ 341، البداية والنهاية 11/ 213، النجوم الزاهرة 3/ 285. 96-المعجم الكبير للطبراني (11/ 260) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 44)( الزرقانى على المواهب اللدنية ج اص 164 فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم لأبي نعيم الأصبهاني 1 / 66 مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 44) (الزرقانى على المواهب اللدنية ج اص 164 شرح مذاهب أهل السنة لابن شاهين (ص: 162).
5421
| 24 فبراير 2013
حتى لا تتكرر مجرزة بورسعيد ولا مأساة مباراة مصر والجزائر رابعا: الضوابط والآداب الشرعية للرياضة البدنية قد اهتم الإسلام بجميع جوانب الإنسان بروحه وبجسده وبعقله ، وشجعه على ممارسة الرياضة الذهنية والبدنية المضبوطة بالضوابط الشرعية، والآداب السلوكية الحميدة، تحصيلاً وتحصينا للقوة وحفاظاً على الصحة والعافية . ولكن الرياضة البدنية ليست هدفاً أو غاية في ذاتها ، بل هي وسيلة من وسائل القوة لحماية الدين ونصرة المسلمين وإنقاذ المستضعفين.. وإذا تحولت الرياضة البدنية إلى هدف في حد ذاته، أو شغلت عما ينفع المسلم في دينه أو دنياه وأخراه ، فقد تحولت عن المراد منها شرعاً، وانحرفت عن القصد منها عقليا وعرفيا وينبغي للمسلم ألا يُضِيِّع فيها وقته أو جهده حينئذ. وإذا كانت الرياضة تُجهد البدن وتعوق المسلم عن ورده من قيام الليل وتلاوة القرآن الكريم، فإن عليه أن يتجنبها حتى لا يعجز أو يكسل عن القيام بحزبه، فقيام الليل وقراءة القرآن رياضة بدنية وروحية تقوي البدن وتزيد الإيمان، ولا ينبغي أن يبدل بها الرياضة البدنية فقِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ أَنْفَعِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ، وَمِنْ أَمْنَعِ الْأُمُورِ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ، وَمِنْ أَنْشَطِ شَيْءٍ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ وَالْقَلْبِ، كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ( "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ، فَإِنْ هُوَ اسْتَيْقَظَ، فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ثَانِيَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» ) قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – "وَالصَّلَاةُ مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ، حَافِظَةٌ لِلصِّحَّةِ، دَافِعَةٌ لِلْأَذَى، مَطْرَدَةٌ لِلْأَدْوَاءِ، مُقَوِّيَةٌ لِلْقَلْبِ، مُبَيِّضَةٌ لِلْوَجْهِ، مُفْرِحَةٌ لِلنَّفْسِ، مُذْهِبَةٌ لِلْكَسَلِ، مُنَشِّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ، مُمِدَّةٌ لِلْقُوَى، شَارِحَةٌ لِلصَّدْرِ مُغَذِّيَةٌ لِلرُّوحِ، مُنَوِّرَةٌ لِلْقَلْبِ، حَافِظَةٌ لِلنِّعْمَةِ، دَافِعَةٌ لِلنِّقْمَةِ، جَالِبَةٌ لِلْبَرَكَةِ، مُبْعِدَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، مُقَرِّبَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَهَا تَأْثِيرٌ عَجِيبٌ فِي حِفْظِ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، وَقُوَاهُمَا وَدَفْعِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ عَنْهُمَا، وَمَا ابْتُلِيَ رَجُلَانِ بِعَاهَةٍ أَوْ دَاءٍ أَوْ مِحْنَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ إِلَّا كَانَ حَظُّ الْمُصَلِّي مِنْهُمَا أَقَلَّ، وَعَاقِبَتُهُ أَسْلَمَ22. التربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية، ولذلك ضوابط وآداب ، يجب أن يحافظ على آدابها، ويُلتزم بضوابطها ، والتي من أهمها - فضلا عن ما سبق من تقرير كونها وسيلة وليست غاية ولا هدفا في حد ذاتها – فضلا عن ذلك. 2- عدم التعصب الممقوت فإذا حدث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشرية، وجب أن يكون فى أدب وذوق، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما لا يسره، وقد تكون الجولات المستقبلة في غير صالح الفائز الآن. وفى الحديث عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس مِنَّا مَنْ دعا إلى عصبيَّة، وليس منا من قاتل عصبيَّة، وليس منا من مات على عصبيَّة"23 3- ولا يجب أن تكون هناك شماتة بالفريق المنهزم، ففى الأثر : "لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لأَخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ" قال عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنه - ، قَالَ: "لَوْ سَخِرْتُ كَلْبًا، خَشِيتُ أَنْ أَحُورَ – أرجع – كَلْبًا". وقَالَ إِبْرَاهِيم: إِنِّي لأرى الشَّيْء، فأكره أَن أعيبه مَخَافَة أَن أبتلى بِهِ، إِن عَبْد اللَّهِ، كَانَ يَقُول: إِن الْبلَاء مُوكل بالْقَوْل. وقَالَ سعيد بْن الْمسيب: إِن أربى الرِّبَا استطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه الْمُسلم24. 4- وإنما يجب أن يحب كل فريق وجمهوره للآخر ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وفى الصحيح عَن أنس – رضي الله عنه - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ " كَذَا عِنْد البُخَارِيّ. وَقَالَ مُسلم فِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث شُعْبَة عَن قَتَادَة: حَتَّى يحب لِأَخِيهِ - أَو قَالَ - لجاره مَا يحب لنَفسِهِ "25وقد رأيتم أن الأعرابى سبق بقعوده ناقة النبى صلوات الله وسلامه عليه التي كانت لا تُسبق، وشق على المسلمين ذلك تمثلت الروح الرياضية الصحيحة-كما يعبر المتحدثون -عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، وذلك ليهدىء من ثائرة المتحمسين له. وقال لعائشة لما سبقها: هذه بتلك. 5- من الأدب الإسلامي عند الخصومة والمنافسة، رعاية حسن العهد فحسن العهد من الإيمان ، كما في الصحيح26 وعدم نسيان الشرف والذوق؟ وعدم الفجور في المخاصمة فتلك من خصال المنافقين، ففي الحديث الصحيح "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"27. 6- عدم الاستغراق في ممارسة الرياضة إلى حد نسيان وإهمال الواجبات الدينية والوطنية أو الواجبات الوظيفية والأسرية الأخرى وغيرها، ولا يرضى الإسلام أبدا أن نصرف لها اهتماما كبيرا يستغرق – جهدا ومالا ووقتا - يغطى على ما هو أهم منها بكثير. مما تتقدم به الأمة وتنهض ، فلا بد من مراعاة سُلَّم الأولويات، وفرض الوقت ، ووقت الفرض. "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا"28 "وَلَا يزَال قومٌ يتأخرون حَتَّى يؤخرهم الله "29 وفى الصحيح عَن أبي مُوسَى – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - : " إِن الله لَا ينَام، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام، يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ، يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار، وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل"30. 7- عدم ممارسة الرياضة أو إقامة المباريات بشكل يؤذى الغير - زمانا أو مكانا- ، كما يمارس البعض لعب الكرة فى الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس، وفى أوقات ينبغى أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها. من الدارسين ، والمرضي ، والنائمين والإسلام نهى عن الضرر والضرار. وقد قال تعالى :"وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا"31 وفى الصحيح " عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ – رضي الله عنه - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إيَّاكُمْ وَالْجُلُوس فِي الطرقات " فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا لنا من مجالسنا بدٌّ، نتحدث فِيهَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَإِذا أَبَيْتُم إِلَّا الْمجْلس فأعطوا الطَّرِيق حَقه " قَالُوا: وَمَا حق الطَّرِيق يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " غض الْبَصَر، وكف الْأَذَى، ورد السَّلَام، وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر"32. 8- عدم التحزب الممقوت، الذي فرَّق بين الأحبة، وباعد بين الأخوة، وجعل فى الأمة أحزابًا وشيعا، والإسلام يدعو إلى الاتحاد ويمقت النزاع والخلاف، وغير بعيد ما وقع مؤخرا بين شقيقتين (مصر والجزائر ) في وطننا العربي الإسلامي بسبب لعبة رياضة كرة القدم33" وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"34 "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا"35"وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"36 وفى الصحيح ""عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تباغضوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تدابروا، وَكُونُوا - عباد الله - إخْوَانًا " زَاد ابْن عُيَيْنَة وَغَيره: " وَلَا تقاطعوا "37. 9- الحرص على الكلمات الطيبة من كافة الرياضيين ومن جماهير الفِرق الرياضية مع بعضهم – صاحبة الأرض أو المُضيفة وغيرها- فلا يرضى الاسلام أن توجه الكلمات النابية من فريق لآخر ، أو من جمهور لآخر ويكره – بل يُحرِّم - التصرفات الشاذة التى لا تليق بإنسان له كرامته. وبشخص يشجع عملا فيه الخير لتكوين المواطن الصالح جسميا وخلقيا. قال تعالى:"وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا"38 :"وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا"39 "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ"40 :"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ *وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"41. 10- عدم الاختلاط في الممارسات الرياضية فلا يُقر الإسلام الألعاب الجماعية التى يشترك فيها الجنسان ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور ينهى عنها الدين.وذلك لحرمة الاختلاط بين الجنسين، ولكون ذلك يُؤدي إلى مفاسد جمَّة "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ""وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...."42 وفى الصحيح عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ النِّسَاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غلبنا عَلَيْك الرِّجَال، فَاجْعَلْ لنا يَوْمًا من نَفسك. فوعدهن يَوْمًا لقيهن فِيهِ، فوعظهن وأمرهن، وَفِي رِوَايَة مُسَدّد عَن أبي عوَانَة: جَاءَت امرأةٌ إِلَى رَسُول الله، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، ذهب الرِّجَال بحديثك، فَاجْعَلْ لنا من نَفسك يَوْمًا نأتي فِيهِ تعلمنا مِمَّا علمك الله، فَقَالَ: " اجْتَمعْنَ فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا، فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا " فاجتمعن، فأتاهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلمهن مِمَّا علمه الله، ..."43 ولئن كان الاختلاط غير مشروع في دور العلم والتعليم حيث يُعنى بالعقل ، وثمة صارف عن الاشتغال بالجسد فأولى ثم أولى ؛ عدم الاختلاط في النوادي والمجمعات الرياضية التي تُعنى فيها بالجسد ومكوناته. 11- لا يُقِر الإسلام الألعاب التي تثير الشهوة وتحدث الفتنة، كرياضة الرقص من النساء حين تعرض على الجماهير.فتُحرِّك الغرائز، وتبعث الكامن من الشهوات, فهذه الرياضة تعمل على إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم بعرضها على الجماهير من خلال المسارح العامة وبثها عبر الفضائيات قال تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"44 والقاعدة "كل ما أدَّى إلى حرام فهو حرام" 12- لا يرضى الإسلام لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تليق به ولا تتناسب مع غيره فى تكوينه وفى مهمته ورسالته فى الحياة ذلك أن الإسلام حين يبيح شيئا ويجيزه يجعل له حدودا تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتسق مع الحكمة العامة للتشريع، وفى إطار هذه الحدود يجب أن تمارس الرياضة، وإلا كان ضررها أكبر من نفعها، وذلك مناط تحريمها، كما هى القاعدة العامة للتشريع. ويشير إلى ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}45 ، فالآية بعموم لفظها تحرم الاعتداء فى كل تصرف سواء أكان ذلك مطعومًا أم ملبوسًا أم شيئا آخر وراء ذلك، والاعتداء هو تجاوز الحد المعقول الذى شرعه الدين. بالإلتزام بمثل هذه الضوابط والآداب لا تتكرر مجزرة بورسعيد الشهيرة ، ولا مأساة مباراة مصر والجزائر. خامسا: موقف الإسلام من ممارسة المرأة للرياضة رياضة البدن – بدن الرجال والنساء - معالجته بألوان مختلفة من الحركات لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة، وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضا ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هى أحسن الطرق فى هذا المجال. ولا مانع للمرأة المسلمة من جمعها بين حقها في الرياضة البدنية وبين الكرامة والاحتشام والعفة، ورعاية حق الله وحدوده. فممارسة الرياضة البدنية والذهنية أمر مشروع في أصله ما لم يوجد فيه ما يخالف الشرع من كشف العورات، واختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، وسماع الموسيقى، وتضييع الأوقات ... كما يحرم الركوع أو السجود أو فعل شيء من الطقوس عند ممارسة الرياضة كما يفعل الوثنيون- وعند ذلك تحرم الرياضة البدنية لا لذاتها ولكن نظرا لِما صاحبها من هذه المحرمات. ممارسة الرياضة البدنية جائزة في حق المرأة، وقد دل على ذلك ما ورد في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود أن عائشة رضي الله عنها قالت: سابقني النبي فسبقته، حتى إذا رهقني اللحم سَابَقَني فَسَبَقني، فقال: هذه بتلك. ويشترط لإباحة رياضة المرأة أن تكون هذه الرياضة ملائمة لطبيعتها وأنوثتها، وأن لا تؤدي إلى كشف عورتها، أو إظهار مفاتنها أمام من لا يحل له أن يرى ذلك منها ، وفى الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله"46. وأن لا يشترك معها فيها رجال أو أجانب، وكونها تُمارس هذه الرياضة في نوادٍ وقاعات خاصة؛ في هذه القاعات تنزع من ثيابها ما تتمكن معه من أداء الحركات الرياضية بخفة وسهولة ؛ ويزعم البعض أن هذه القاعات محصنة وأنها بمنأى عن اطلاع الرجال، وبعيدة عن أعين الرقباء ، فإن الصناعات المتقدمة أنتجت من الوسائط ، ووفرت من الوسائل المتطورة الحديثة التي تُمكن من التجسس والرصد مما يشهد بصحة هذا التوقع ، ودحض هذا الزعم. فتقع بذلك في مخالفة شرعية. سدسا: أنواع الرياضيات وموقف الإسلام منها في تاريخ العرب والأمة الإسلامية - غير العبادات والتكاليف الشرعية - رياضات تشبه إلى حد كبير كثيرا ما تواضع عليه للناس فى هذا العصر، أقرها الإسلام وشجعها وإليك صورا لها: 1- العَدْوُ: وهو المشي على الأقدام – منفردا أو متسابقا- والمسابقة على الأقدام والسابق يفخر على المسبوقين، وقد سابق رسول الله بنفسه على الأقدام، وهو تدريب على سرعة المشى، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعى لتحصيل الرزق وغير ذلك، ويذكر التاريخ العداء المشهور " فيديبدس " من قرية ماراثون باليونان وما كان له من أثر فى إخطار البلاد بهجوم الجيش الفارسى عليهم في سبتمبر سنة 490 قبل الميلاد وفى انتصارهم على العدو، وقد خلد اسمه بعد ذلك بسباق ماراثون. هذا والعَدْوُ داخل ضمنا تحت الأمر القرآني بالمسارعة إلى الخير، فهى مسارعة روحية وجسمية، "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"47 "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ"48 وفى الحديث عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ مِنَ اللَّحْمِ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ هَذِهِ بِتِلْكَ"49 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ مَشَى بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ - علامتين لتحديد المسافة-كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ"50. وَعن إِبْرَاهِيم بْنِ يَزِيدَ التَّمِيمِي عَن أَبِيه قال" رَأَيْت حُذَيْفَة يعدو بَين الهدفين بِالْمَدَائِنِ فِي قَمِيص". وَعن الْأَوْزَاعِيّ عَن بِلَال بن سعد قال:" أدْركْت قوما يَشْتَدُّونَ بَين الْأَغْرَاض يضْحك بَعضهم إِلَى بعض فَإِذا كَانَ اللَّيْل كَانُوا رهبانا". وَقَالَ مُجَاهِد : رَأَيْت ابْن عمر يشْتَد بَين الهدفين وَيَقُول أَنا بهَا "وكَانَ عقبَة بن عَامر يشْتَد بَين الغرضين وَهُوَ شيخ كَبِير"51. وسار ذكوان – مولى عائشة رضي الله عنها - من مكة إلى المدينة - في يوم وليلة، "المسافة حوالى 500 كيلو متر أو انقص منها قليلا" فقدم على أبي هريرة وهو خليفة مروان على المدينة فصلّى العتمة فقال له أبو هريرة: حاج غير مقبول منه. فقال: لِـــمَهْ؟ فقال: لأنك نفرت قبل الزوال -ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التى يدخل وقتها بالزوال - فأخرج كتاب مروان مؤرّخا بعد الزوال. وكذللك حذيفة بن بدر – اشتهر بسرعة العَدْو - أغار على هجاء بن المنذر بن ماء السماء فسار في ليلة مسير ثمان، وفيه يقول قيس بن الحطيم: هممنا بالإقامة ثمّ سرنا.. مسير حذيفة الخير بن بدر52. هوامش: 22- زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 304). 23- أخرجه أبو داود رقم (5121) في الأدب، باب في العصبية، وإسناده ضعيف، ولكن يشهد له معنى الحديث الذي قبله، وهو عند مسلم رقم (1848) بأطول منه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فالحديث حسن. 24- شرح السنة للبغوي (13/ 140) 25- الجمع بين الصحيحين (2/ 560) 26- الأحاديث الصحيحة " حديث رقم (216) 27- البخاري ومسلم 28- النساء: 103 29- الجمع بين الصحيحين (2/ 474) 30- الجمع بين الصحيحين (1/ 320) 31- الأحزاب: 58 32- الجمع بين الصحيحين (2/ 435) 33- في قصة الحضارة إن كرة القدم "لعبة بغيضة يدفع فيها الشبان كرة ضخمة، لا يقذفها في الهواء، بل يضربها بالقدم". ويبدو أن هذه اللعبة جاءت من بلاد الصين إلى إيطاليا وإنجلترا حيث انتشرت في القرن الثالث عشر انتشاراً واسعاً، وقد بلغ من عنفها أن حرمها إدوارد الثاني لأنها تؤدى إلى تعكير السلم . قصة الحضارة (16/ 220) هذا وقد كتبنا - بفضل الله وحوله وقوته وقتها - بضرورة اتخاذ أولياء الأمور من الإجراءات ، ما يحقن الدماء ، ويحفظ الصدور من الضغائن ، ويُبقي على الألفة والمحبة بين شعوب الأمة. 34- الأنفال:46 35- آل عمران : 103 36- آل عمران: 105 37- الجمع بين الصحيحين (2/ 482) 38- البقرة: 83 39- الإسراء:53 40- المؤمنون: 96 41- فصلت : 34 – 36 42- النور: 30 – 31 43- الجمع بين الصحيحين (2/ 447) 44- النور:19 45- المائدة: 87 46- رواه أحمد وأبو داود والترمذي 47- آل عمران: 133 48- المؤمنون /60- 61 49- مسند الحميدي (1/ 289) 50- فضل الرمي وتعليمه للطبراني (ص: 138) حكم الألباني ضعيف الجامع حديث رقم: 5858 51- الفروسية (ص: 126 وعزاه إلى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير) 52- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (2/ 648)
2297
| 24 فبراير 2013
مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
1128
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد...
945
| 16 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
678
| 18 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
654
| 19 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
645
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...
615
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...
612
| 21 ديسمبر 2025
هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...
585
| 19 ديسمبر 2025
يأتي الاحتفال باليوم الوطني هذا العام مختلفاً عن...
558
| 16 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
519
| 18 ديسمبر 2025
في اليوم الوطني، كثيرًا ما نتوقف عند ما...
438
| 18 ديسمبر 2025
من الجميل أن يُدرك المرء أنه يمكن أن...
426
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية