رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الصين وترامب.. التحدي والفرص الإستراتيجية

يقدم المقال تصوراً لتحديات وفرص الصين المتوقعة إذا فاز ترامب برئاسة الولايات المتحدة في 2025، ووفقا لاستطلاعات الرأي الأمريكية فإن ترامب قد اقترب بشدة من البيت الأبيض عن منافسته هاريس. لعل من مميزات ترامب هو وضوحه وصراحته المزعجة في الكثير من الأحيان. وبالتالي، فمن السهل توقع سياسات ترامب عامة التي يكون جاداً للغاية أيضا في تنفيذها مع بعض الاستثناءات. ومن ثم أيضا، فسياسة ترامب في ولايته الجديدة أو (ترامب 2) تجاه الصين لن تختلف بأي حال من الأحوال عن ولايته السابقة من حيث محاور التركيز الرئيسية وهى تحديدا الحرب التجارية والتكنولوجية، ولعل الاختلاف فقط سيكون في حدة المواجهة في هذه المحاور. وباعتراف الكثيرين داخل واشنطن بما في ذلك أعضاء في إدارة بايدن أن الحرب التجارية والتكنولوجية التي استحدثها ترامب في مواجهة الصين، أدوات فعالة لإضعاف الصين؛ وعليه فاستمرار ترامب في تلك السياسات التي ستكون أكثر حدة، ستؤدى إلى توتر شديد في العلاقات الصينية الأمريكية ربما غير مسبوق. ويذكر هنا أن إدارة بايدن قد استمرت في الحرب التجارية والتكنولوجية ضد الصين وبمستوى حدة أعلى من ترامب. لكن ما سوف يتميز به ترامب في ولايته الثانية هو اتباع تلك الحرب بصورة عنيفة للغاية، ترمى إلى تقليص فجوة الميزان التجاري الشاسعة إلى مستويات متدنية، حيث تصدر الصين للولايات المتحدة بأكثر من 400 مليار دولار سنويا، بينما لا تتجاوز صادرات الولايات المتحدة للصين 200 مليار سنويا. إذ في إطار ذلك أيضا كشف ترامب في أكثر من لقاء عن خطة كبيرة لتوطين الصناعات الأمريكية وتشجيع الشركات الأمريكية للعودة للعمل في الولايات المتحدة. وعلى المستوى التكنولوجي، فمن المتوقع أتباع ترامب لسياسة رامية لتصفير صادرات التكنولوجيا الأمريكية إلى الصين، وتصفير أيضا جميع المنتجات والتطبيقات التكنولوجية الصينية في الولايات المتحدة، أي قطيعة تامة في هذا المجال. ولعل الأهم من ذلك هو كم الضغوط الهائلة التي ستمارسها إدارة ترامب على حلفائها لمقاطعة المنتجات التكنولوجية واللاسلكية الصينية، ففي نهاية ولاية ترامب الأولى، مارست ضغوط شديدة على حلفائها بما في ذلك إسرائيل وإنجلترا لثنيهم عن إدخال الجيل الخامس من الشبكات التابع لشركة هواوى في بلادهم. ويجدر الذكر أن تلك الضغوط قد باءت بالفشل. أدت الحرب التجارية والتكنولوجية خاصة الأولى إلى توتر كبير في العلاقات بين البلدين في ولاية ترامب الأولى، وهو ما يدل على الفعالية الكبيرة للحرب التجارية على الصين، حيث أجبرتها هذه الحرب على رفع وارداتها من الولايات المتحدة بما يقدر بـ 200 مليار دولار. وبالتالي، فولاية ثانية لترامب ستمثل تحديا هائلا للصين خاصة وأن الولايات المتحدة ثاني أكبر سوق للصين بعد الاتحاد الأوروبي، ويساهم مساهمة كبيرة في إنعاش الاقتصاد الصيني الذي يعانى من التباطؤ بالأساس. لكن على الجانب الموازي للقصة، يقدم ترامب للصين فرصا عظيمة بمقدار ما يفرض تحديات أيضا. ثمة فارق شاسع ما بين العناوين الإعلامية غير الرصينة التي تبني سردية وتوقعات بناء على موقف أو توتر، وما بين الأبحاث العلمية الموثقة التي تسعى إلى تقديم تحليل شامل الأبعاد للظاهرة. الشاهد في الأمر في هذا الصدد، أن تلك الأبحاث العلمية قد وجدت أن سياسات ترامب الانعزالية ونهجه الانفرادي وتركيزه فقط على الصفقات والحروب التجارية قد منحت للصين فرصا ذهبية لتمديد نفوذها، وتقوية مواقفها وحقوقها. فبسبب الانغماس الضعيف لإدارة ترامب في آسيا، نجحت الصين في استثمار ذلك عبر توثيق العلاقات مع الدول الآسيوية حتى مع حلفاء واشنطن التاريخيين كاليابان وكوريا الجنوبية، والذي قد أسفر عن توقيع 20 دولة آسيوية على اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بقيادة الصين في 2020 والتي ضمت اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والهند. وعلى نفس المنوال أيضا، تحسنت العلاقات الصينية الأوروبية بصورة لافتة خلال إدارة ترامب وانضمت بعض الدول الأوروبية لمبادرة الحزام والطريق، إثر سياسة ترامب العدائية تجاه أوروبا وحلف الناتو. وعلى إثر ذلك، فاستمرار نهج ترامب المتوقع كما هو تجاه شركاء وحلفاء الولايات المتحدة؛ سيفضى إلى تنافر حاد بين واشنطن وحلفائها مقابل تقارب أوسع مع الصين. فضلا عن ذلك، سيفسد ترامب الجهود الجبارة التي بذلتها إدارة بايدن في إرساء شبكة تحالفات قوية في المحيطين الهندي والهادئ أهمها تحالف كواد. ولعل الأهم من ذلك للصين، أن ترامب سيمنح الصين فرصاً كبيرة لتعزيز موقفها تجاه تايوان وبحر الصين الجنوبي بسبب سياساته الضعيفة المتوقعة تجاه هذين الملفين الخطيرين للغاية.

852

| 02 سبتمبر 2024

الدور المتصاعد للوساطة الصينية الدولية

لم تضطلع الصين منذ تخليها عن سياسة العزلة الخارجية في سبعينيات القرن الماضي بدور كبير أو يذكر في مجال الوساطة الدولية. ويعزو ذلك -بحسب البعض- إلى عدم رغبة الصين في إقحام نفسها في صراعات دولية قد تؤثر على صورتها الدولية الإيجابية وثوابتها الراسخة في السياسة الخارجية وخاصة مبدأي عدم التدخل واحترام السيادة. وقد استمر الوضع على ذلك حتى قدوم الرئيس «شى جين بينغ» حيث بدأت الصين في البروز كوسيط دولي، وبرزت مساحة هذا الدور بصورة أكبر في المنطقة، فالصين كانت إحدى القوى الرئيسية المساهمة في المفاوضات بين إيران والغرب والتي أثمرت الاتفاق النووي عام 2015. كما قامت بوساطة في اليمن والسودان. وربما المعترك الرئيسي الذي اضطلعت فيه الصين بمساحة أكبر في الوساطة هو الانقسام الفلسطيني الداخلي، حيث استضافت أطراف الانقسام في بكين ما يقرب من ثلاث مرات. وفي يوليو الماضي استضافت الأطراف في جولة جديدة، أثمرت اتفاق الوحدة بين حركة حماس وفتح في 23 يوليو. وفي صراعات كثيرة في العالم، وفي مقدمتها الحرب الأوكرانية؛ ارتفعت الرهانات بصورة كبيرة على وساطة صينية تنهي هذه الحرب. وتطور دور الوساطة الصينية مقترن بثلاثة أسباب رئيسية: الأول، الأهمية الحيوية للوساطة في إطار إعادة صياغة دور الصين العالمي في النظام الدولي على يد الرئيس «بينغ». والثاني، تزايد الصراعات الدولية وتراجع دور الولايات المتحدة التي كانت ضالعة في حل معظم الصراعات الدولية. والثالث، تزايد الثقة الدولية في الوساطة الصينية. الوساطة بالطبع من الأنشطة المحمودة في العالم، لكنها وفقا لعلم وسائل فض المنازعات ليست مجانية أو بدون مقابل للوسيط. وفي محط إعادة صياغة الدور العالمي للصين وتطلعها للقيادة الدولية، تخدم الوساطة هذا الغرض من نواح شتى. تعد الوساطة من أهم الأدوات لاكتساب النفوذ بصورة ناعمة، إذ تختلف الصين عن معظم القوى الدولية قديما وحديثا في اعتمادها شبه التام على الأدوات الناعمة بكافة صورها والتغلغل الاقتصادي لتمديد نفوذها العالمي وترسيخ موقعها كقائد في نظام دولي متعدد الأقطاب. والوساطة الصينية غدت شديدة الحيوية لترسيخ صورة الصين كقوى دولية مسؤولة، بحسبان أن دورها كقوى كبرى مسؤولة أحد المرتكزات الرئيسية لإعادة التموضوع الصيني في النظام الدولي كقوى صاعدة سلمية تعاونية، وتقويض نظرية التهديد الصيني التي تضخمها واشنطن بصورة دائمة لتنفير وتخويف دول العالم وخاصة دول آسيا من الصين. في ضوء غياب دور أمريكي قوي في النظام الدولي، وتنامٍ مأهول لمصالح الصين الاقتصادية في العالم. لا بديل أمام الصين سوى تولي زمام القيادة خاصة في حل الصراعات التي تضر مصالح الصين في المقام الأول. فمبادرة الحزام والطريق على سبيل المثال، تمر بطرقها البحرية والبرية في أرجاء العالم تقريبا، وفي أكثر مناطق العالم صراعاً. فضلا عن ذلك، تعتمد الصين على دول العالم لاستيراد مستلزمات التصنيع، واحتياجاتها من الطاقة. حيث تستورد أكثر من نصف احتياجها من النفط الخام من منطقة الخليج العربي. لذا، نلحظ وساطة صينية نشطة ومقترحات مستمرة للسلام في المنطقة على وجه الخصوص التي تلعب الدور الحيوي للطاقة الصينية ومبادرة الحزام والطريق. ولعل أبرز مثال على ذلك هو نجاح الوساطة الصينية في تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية وهو ما فشل فيه كثيرون من قبل. وفقا لعلم الوساطة، تعتمد نجاح الوساطة على عاملين رئيسيين: أولهما حيادية ومصداقية الوسيط، والثاني قدرته على المتابعة والضغط على أطراف النزاع لاحترام مقررات اتفاق المصالحة وإنهاء الصراع. وبدأ القبول الواسع ومطالبة أطراف الصراع بوضوح لتدخل أو وساطة صينية، بسبب ما تتمتع به الصين من حيادية ومصداقية عالية نابعة بالأساس من المبادئ الأساسية الراسخة للسياسة الخارجية الصينية. حيث نلحظ في وساطات الصين السابقة لاسيما المتعلقة بالمصالحة الداخلية الفلسطينية، تركيز جهودها على تقريب وجهات النظر بين الفصائل الفلسطينية، وحثهم على منافع المصالحة، وعدم ممارسة ضغوط على أحد الأطراف، أو الانحياز لطرف على حساب الآخر. بينما الوسيط التقليدي الأشهر وهو الولايات المتحدة غالبا ما كان متحيزا لطرف على حساب الآخر حتى وإن أظهر عكس ذلك، ويعتمد على الإكراه والضغوط لإنهاء الصراعات. يضاف إلى ذلك أن ما تتمتع به الصين من صورة إيجابية ونزاهة ونفوذ كبير في النظام الدولي، سيجعل أطراف الصراعات يميلون دائما إلى احترام اتفاقات المصالحة وحل الصراعات بصورة جذرية.

954

| 26 أغسطس 2024

ترامب والحرب الأوكرانية

منذ أن بدأ حملته الانتخابية وحتى آخر لقاء معه مع الملياردير «إيلون ماسك» على منصة «إكس»، كرر ترامب في كل مناسبة أو لقاء جماهيري أو إعلامي، جملتين بشأن الحرب الأوكرانية وهما «لو كنت موجودا في السلطة لما قامت هذه الحرب»، و»سأنهى هذه الحرب خلال 24 ساعة بصورة سلمية». وعلى هذا الأساس، أثار موقف ترامب من الحرب الأوكرانية الكثير من التساؤلات الرئيسية، خاصة وأنه الأقرب للبيت الأبيض بصورة كبيرة عن منافسته هاريس، وأهم هذه التساؤلات المثيرة للجدل مفاده هل بمقدور ترامب إنهاء الحرب، وكيف؟. إذ يرى كثيرون في صدد ذلك أن تصريحاته بشأن الحرب مجرد دعاية انتخابية. بسبب الخطورة والحساسية الشديدة للملف الأوكراني للولايات المتحدة وحلفائها وللعالم. في كل مرة يُسأل فيها ترامب كيف ستنهى الحرب الأوكرانية، لم يدل بإجابة أو خطة محددة، مع الإدلاء بجمل غامضة من قبل بوتين مفاوض ناجح ويريد إنهاء الحرب، قمت باتصال مع رئيس أوكرانيا والاتفاق معه على إنهاء الحرب، الحرب كلفت الخزانة الأمريكية أموالا طائلة وأضرت بالولايات المتحدة. ويدل ذلك على معرفة ترامب الجيدة أن إنهاء هذه الحرب، أو إنهاء الدعم الأمريكي لها ليس بالأمر الهين. يمنح الدستور الأمريكي للرئيس الأمريكي صلاحية تحديد السياسة الخارجية الأمريكية أو وضع التصور العام للسياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فصلاحيات الرئيس الخارجية تظل مقيدة في بعض الجوانب الخارجية التي خص بها الدستور الأمريكي الكونجرس، وعلى رأسها المساعدات الخارجية، وسلطة تمديد عمل القوات المسلحة في الخارج، وهذا من جانب. ومن جانب آخر، في بعض القضايا الاستراتيجية الحساسة وخاصة دعم إسرائيل، والتصدي للصين وروسيا، ومكافحة الإرهاب. يتم صنع القرار بمشاركة دوائر داخلية متعددة من أبرزها البنتاجون وجهاز الأمن القومي، ويخضع الرئيس دائما لقرار هذه الدوائر التي يطلق عليها «العميقة» حيث لديها رؤى مختلفة تتعلق بأمن الولايات المتحدة واستدامة دورها المهيمن في العالم. ومن هذا المنطلق، فقدرة ترامب على إنهاء الحرب الأوكرانية ليس بالأمر السهل، حيث يتطلب ذلك أمرين، أولهما أغلبية جمهورية في الكونجرس، وموافقة الدوائر العميقة على ذلك. وباستقراء الموقف الأمريكي تجاه الحرب منذ اندلاعها، يتبين أن تلك الحرب تلقى دعما واضحا من الحزبين من خلال الكونجرس الذى وافق بأغلبية عدة مرات على استمرار الدعم المادي والعسكري لأوكرانيا، وأيضا من الدوائر العميقة التي تسعى فيما يبدو إلى استنزاف روسيا. ومن ثم، أيضا إضعاف التحالف الصيني- الروسي. وعليه، فإنهاء ترامب لهذه الحرب أو إنهاء الدعم الأمريكي لها، في وقت قصير وليس في 24 ساعة كما يدعى لأغراض دعاية، نظن أنه مهمة مستحيلة. إذن، فمحل البحث الرئيسي ينبغي أن يكون منطلقة الرئيسي كيف سيؤثر ترامب على هذه الحرب، وليس كيف سينهيها. فوجود ترامب في السلطة بما له من صلاحيات خارجية واسعة وحق الفيتو في قرارات الكونجرس، سيؤثر بلا أدنى شك على مسار الحرب الأوكرانية. من منطلق سوابق ترامب الخارجية، وأسلوب قيادته، وتصريحاته في الحملة الانتخابية. يمكن القول إن تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيتأثر مؤكداً في وجوده. يتعامل ترامب في السياسة الخارجية من منطلق التاجر والمكسب والخسارة المباشرة. إذ لا يعنيه مصالح ومفردات من قبيل انتصار الديمقراطية على الديكتاتورية أو محور الشر، أو استنزاف روسيا.. إلخ. فقط ما ترمى إليه بصيرته هو كيف سيؤثر هذا القرار على المصالح الأمريكية المباشرة خاصة الاقتصادية، وكيف يؤثر هذا التهديد بشكل مباشر على الولايات المتحدة. وسبق وقد انتقد ترامب في أكثر من مناسبة الدعم المالي الأمريكي الكبير على أوكرانيا. وبالتالي، سيضغط ترامب بشتى السبل لتقليص الدعم لأوكرانيا، وسيواجه الكونجرس فيتو رئاسيا مستمرا موجها لدعم أوكرانيا. والدعم الأمريكي لأوكرانيا أمر في غاية الأهمية لترسيخ الصمود الأوكراني ضد روسيا، حيث تمكن الجيش الأوكراني من اختراق «كورسيك» على مقربة من العمق الروسي. وجود ترامب أيضا، سيدفع تحالف شركاء الأطلسي مجددا إلى حافة التوتر كما حدث في ولايته السابقة. في لقائه الأخير مع ماسك، وجه انتقادات لأوروبا بحسبانها تستغل واشنطن، ويجب أن تدفع ثمن الحماية الأوروبية. ومن ثم، فمن المؤكد أن تحالف الأطلسي القوى الداعم لأوكرانيا لن يستمر على نفس القوة في وجود ترامب. ونخلص من ذلك، أن وجود ترامب في البيت الأبيض مرة ثانية، لن ينهى الحرب أو الدعم الأمريكي بصورة نهائية قاطعة. لكنه حتما سيؤثر بصورة كبيرة على هذه الحرب، وهذا سيصب في صالح روسيا، على الأقل من زاوية عدم تقديم أية تنازلات لإنهاء هذه الحرب.

768

| 19 أغسطس 2024

احتمالات الحرب الشاملة في المنطقة

في إطار التصعيد الجاري حاليا بين إسرائيل وحزب الله، عقب اغتيال إسرائيل لكل من إسماعيل هنية وفؤاد شكر. وتوعد حسن نصر الله والحرس الثوري الإيراني إسرائيل برد حاسم ردا على عمليات الاغتيال. تتزايد المخاوف في المنطقة من حرب شاملة، ويتداول مفهوم الحرب الشاملة على نطاق واسع دون التمعن في تفاصيله لاسيما أطرافه الرئيسية ونطاقه وتداعياته. قد أصبح من المتداول في المنطقة أن الحرب الشاملة هي مرادف لحرب عنيفة يتم فيها حشد كل القوات والإمكانات العسكرية واللوجستية بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، أسوة بحرب عام 2006 لكن على نطاق أقوى وأعنف. وإن كانت شرارة الحرب ستكون بالقطع بين حزب الله وإسرائيل؛ إلا أنها ستكون شاملة- في واقع الأمر - لأنها ستدفع أطرافا عديدة للتورط فيها وعلى رأسها إيران والولايات المتحدة، بجانب معظم حركات المقاومة في سياق وحدة الساحات. وبالتالي، فهي شاملة من حيث النطاق والأطراف والتداعيات الوخيمة على المنطقة والعالم بالقطع. ومن هذا المنطلق، فاندلاع هذه الحرب الشاملة ليس بالأمر السهل- كما يتراءى للكثيرين - بل يؤكد عدد لا يحصى من الشواهد خلال السنوات السابقة الممتدة حتى ما بعد تداعيات طوفان الأقصى، أن الأطراف الرئيسية الكبرى ونقصد تحديدا الولايات المتحدة وإيران لا يريدون هذه الحرب بأي حال من الأحوال. وأقرب شاهد على ذلك هو تسوية أزمة قصف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوريا، عبر اتفاق بين واشنطن وإيران على عدم التصعيد. وتمادي إسرائيل في استفزاز الجميع وخاصة حزب الله، يؤكد أمراً واحداً، أن إسرائيل ترغب في هذه الحرب بشدة، والمستفيد الوحيد منها. بل وتسعى بشتى الطرق لتوريط الولايات المتحدة فيها، لأنها ستكون الفرصة الذهبية للقضاء على طموحات إيران النووية وتدمير جميع خصومها من حركات المقاومة وخاصة حزب الله الذين أصبحوا يشكلون تهديداً وجودياً لإسرائيل، وفقا لمزاعمها ورؤيتها الأمنية. وعلى إثر تلك المعطيات السابقة، يتبدى لدينا سيناريوهان بشأن الحرب الشاملة على الأقل خلال الفترة المتبقية لإدارة الرئيس بايدن: الأول: وهو المرجح بشدة، استبعاد اندلاع هذه الحرب. ثمة عوامل متعددة مرجحة لهذا السيناريو أهمها عدم رغبة واشنطن وإيران- كما ذكرنا - في اندلاع هذه الحرب. ينبع الرفض الأمريكي العام من التورط في حرب مع إيران من عدة اعتبارات من بينها، التداعيات الخطيرة لهذه الحرب على مصالح واشنطن وقواعدها في المنطقة وعلى مصالح حلفائها، عدم استعداد الولايات المتحدة لخوض حروب أخرى في المنطقة نتيجتها الفشل الحتمي، تركيز واشنطن التام على تقويض الخطر الصيني، وأخيراً أن وجود التهديد الإيراني في حد ذاته يشكل مبرراً لاستمرار وجودها العسكري في الخليج والضغط لتسريع التطبيع واستمرار مبيعات السلاح في المنطقة بصفقات تقدر بمليارات الدولارات. وعلى الجهة المقابلة، فتداعيات حرب مباشرة مع أمريكا شديدة الوطأة على إيران وعلى مكاسبها الثمينة التي حققتها منذ الربيع العربي. وبالتالي، يتوقف تحقيق هذا السيناريو في المقام الأول في نجاح الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل في إيقاف سياستها الاستفزازية تجاه حزب الله وخاصة سياسة الاغتيالات، وعدم الانجرار إلى تصعيد عنيف إذا قام حزب الله بالرد على عمليات الاغتيالات الأخيرة. إذ من المؤكد أن يقوم حزب الله بصورة منفردة أو بالتعاون مع إيران أو بعض الوكلاء، بعملية عسكرية قوية إلى حد ما ضد إسرائيل، لكن نعتقد أنه سيكتفى بهذا الرد كالمتعاد بأوامر عليا من إيران. الثاني: ليس مستبعدا، لكنه غير مرجح بصورة كبيرة، وهو اندلاع الحرب الشاملة. يشير بعض الخبراء الأمريكيين أن إسرائيل قد أصبحت أخطر تهديد للولايات المتحدة، بل يضيفون أن ضياع ما تبقى من هيمنة أمريكية في العالم سيكون على يد إسرائيل. ويتبدى منذ طوفان الأقصى أن واشنطن قد أصبحت في مأزق عميق بشأن التعامل الأمثل مع إسرائيل، حيث أصبحت الأخيرة خارج نطاق السيطرة الأمريكية المعتادة. فرغم ضغوط إدارة بايدن على إسرائيل لعدم التصعيد في المنطقة وخاصة تجاه حزب الله والذي وصل إلى حد منع توريد بعض الأسلحة الخطيرة لإسرائيل. ومع ذلك فإسرائيل بقيادة تحالف اليمين المتطرف ماضية في تصعيدها. وبالتالي، فاستمرار هذا التصعيد سيدفع بالحرب الشاملة لأن إيران ووكلاءها ليس بمقدورهم تحمل فوق طاقتهم من استفزاز إسرائيلي. خاصة وأن هذا الاستفزاز قد بدأ يطال خطوطا حمراء لإيران. فسياسة الاغتيالات على سبيل المثال قد طالت أكثر من 40 قيادة عسكرية هامة في حزب الله آخرهم فؤاد شكر أهم قائد عسكري في الحزب. لكن على الرغم من ذلك، ثمة أمر رئيسي قد يجعل إسرائيل تعدل عن إصرارها على الحرب الشاملة- وليس استبعادها تماما - خلال ولاية بايدن المتبقية، ويكمن في مخاوفها من عدم تقديم إدارة بايدن الدعم الكافي لها للاستمرار في هذه الحرب، والضغط لإنهائها بصورة سريعة. فإسرائيل على علم تام بالانقسام الدائر الآن حتى بين الديمقراطيين بشأن دعم إسرائيل، فقد قاطع عدد من النواب الديمقراطيين خطاب نتنياهو الأخير في الكونجرس. ملخص القول، نرى أن الحرب الشاملة في المنطقة أمر مستبعد على الأقل حتى نهاية ولاية بايدن، فالحاصل الآن هو ضغوط أمريكية شديدة على إسرائيل لعدم التصعيد يساندها بعض الأطراف الرئيسية كقطر ومصر والسعودية، مما سيجعل إسرائيل ترضخ لهذه الضغوط بصورة كبيرة.

1296

| 05 أغسطس 2024

سياسة الاغتيالات الإسرائيلية

في كل عملية اغتيال تقوم بها إسرائيل خاصة ضد قيادات كبيرة في حركات المقاومة؛ يثار لفترة قصيرة مجموعة أسئلة متكررة حول أهداف إسرائيل من سياسة الاغتيالات، وجدوى سياسة الاغتيالات (السؤال الأهم)، وتأثير هذه السياسة على حركة المقاومة المستهدفة...وغيره. وأقدمت إسرائيل في يومين متتالين باغتيال اثنين من أكبر قادة حركات المقاومة في سابقة غير مسبوقة، الأول إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وأحد القادة التاريخيين لحماس. وفؤاد شكر القائد العسكري الأول لحزب الله ويعد الرجل الثاني في الحركة بعد حسن نصرالله، وأحد قادة الحزب التاريخيين أيضا. ونعتقد بعد هذه السابقة غير المسبوقة، ستدور مناقشات كبيرة حول سياسة الاغتيالات الإسرائيلية لاسيما في ذلك التوقيت الحساس، ونسعى في هذا المقال بالمساهمة في هذا النقاش. تعد سياسة الاغتيالات سياسة إسرائيلية راسخة منذ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة. فإسرائيل تعد من أكثر الدول في التاريخ التي قامت بعمليات اغتيال لخصومها، ففي العقد الأخير فقط اغتالت العشرات من قادة ورموز حركات المقاومة وعلى رأسهم الشيخ ياسين الزعيم التاريخي الروحي لحركة حماس. وبعد طوفان الأقصى، نفذت عمليات اغتيال ضد قادة بارزين في حماس وحزب الله كان أشهرها اغتيال الشهيد صالح العرورى. وتؤمن إسرائيل إيمانا راسخا بأن سياسة الاغتيالات ضد قادة ورموز حركات المقاومة تحقق لها مجموعة أهداف استراتيجية، لعل أهمها إضعاف هذه الحركات عبر تصفية الشخصيات الأكثر تأثيراً وخبرة سواء سياسيا أو عسكريا أو رمزياً، وتسمى هذه الاستراتيجية بـ «قطع الرؤوس». ولعل اغتيال فؤاد شكر ذي الخبرة العسكرية الميدانية التي تمتد لأكثر من عقدين، والمسؤول الأول عن مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله، يؤكد منطق إسرائيل من سياسة الاغتيالات. ومن الجدير بالذكر أن سياسة قطع الرؤوس سياسة أمريكية راسخة في مواجهة خصومها أيضا نقلتها من الخبرة البريطانية الطويلة في المنطقة، حيث عادة ما كانت تعتقد وتنصح بريطانيا أن المنطلق الرئيسي للقضاء على أي حركة أو تيار، أو إخضاعه هو القضاء على قادته أو ترويضهم. وتؤمن إسرائيل أيضا أن سياسة الاغتيالات، سياسة غير مكلفة لإسرائيل، تساهم في تعزيز شعبية القيادة الحاكمة، ورفع الروح المعنوية للشعب والجيش الإسرائيلي. حيث تقدم إسرائيل على عملية الاغتيال ومتيقنة أن الرد على هذا الاغتيال لن يكون بمستوى الرد على عملية عسكرية كبرى أو يتطور إلى حرب شاملة. وبالتالي، تعده إسرائيل انتصارا معنويا كبيرا بدون تكلفة عسكرية وبشرية ومادية كبيرة. هذا بخلاف ما تعقده إسرائيل من إضعاف قوة حركة المقاومة، وزعزعة روحها المعنوية، وإضعاف شعبيتها خاصة إذا أقدمت على اغتيال رمز كبير من رموزها. وعطفا على ذلك، ربما تعتقد إسرائيل سياسة الاغتيالات الممنهجه لقادة حركات المقاومة، ستخلق عملية إحجام عن تولى مناصب قيادية حساسة أو هامة داخل حركات المقاومة خاصة القيادات غير القابلة للمهادنة مع إسرائيل. أو على العكس ستساهم في صعود قيادات ضعيفة قابلة للمهادنة والرضوخ لإسرائيل أو لديها استعداد دائم لتنحية ورقة المقاومة المسلحة مقابل التفاوض غير المشروط. سياسة الاغتيالات الإسرائيلية: رهان فاشل على المدى الطويل ونتائج عكسية مخيبة لا يمكن إنكار أن اغتيال كبار القادة والرموز في حركات المقاومة أو أية جماعة أخرى سياسية أو حتى إرهابية، من شأنه إحداث إرباك شديد في صفوف الحركة، وربما إضعاف لكنه في كل الأحوال «مؤقت» أو قصير المدى. ومع حركات المقاومة خصيصا التي تقاوم من أجل قضية عادلة تاريخيا وقانونياً كالقضية الفلسطينية؛ فتداعيات الاغتيالات لن يزعزع من الروح المعنوية أو عقيدة المقاومة لتلك الحركات، أو يدفعهم للاستسلام، بل على العكس تزيدهم صلابة وشعبية. وليس هذا محض خيال إنشائي، بل حقيقة قد رسخها الزمن. أقدمت إسرائيل على اغتيال العشرات من أبرز قيادات حماس؛ وكانت النتيجة ظهور جيل جديد من القيادات لا تقل كفاءتهم أو خبرتهم عن الأجيال المغتالة، وتعاظم أعداد المنتمين للحركة، بالإضافة إلى زيادة شعبيتها داخل فلسطين وخارجها. وكانت المحصلة النهائية المخيبة تماما لإسرائيل، هو قيام هذا الجيل بعملية طوفان الأقصى التي تعد أكبر هزيمة في تاريخ إسرائيل. وينطبق ذلك أيضا على حزب الله اللبناني، الذى أصبح بعد عشرين عاما من اغتيالات ممنهجة لقادته أكبر تهديد وجودي لإسرائيل.

849

| 03 أغسطس 2024

لماذا فشل تحالف الازدهار في هزيمة الحوثيين؟

في مطلع الشهر الحالي أقر الرئيس بايدن بما مفاده أن الحملة العسكرية على الحوثيين لن تؤتى بثمارها المتوقعة، وهو شبه إقرار بفشل الحملة ضد الحوثيين، أو بصعوبة هزيمتهم. وفي ذات الشهر أيضا، شن الحوثيون ولأول مرة هجوما على إسرائيل، تأكيدا على فشل حملة تحالف الازدهار المستمرة من يناير في تقويض الحوثيين، وتمدد سطوة الأخيرة. بالإضافة إلى شن الجماعة هجمات على بعض السفن في البحر الأحمر التي يزعم تبعيتها أو دعمها لإسرائيل. وقد أثار فشل تحالف حارس الازدهار بقيادة واشنطن الذي تشكل في يناير الماضي، في هزيمة الحوثيين الكثير من اللغط والحيرة. إذ على مدار سبعة أشهر من انطلاق الحملة، لم تحقق أية نتائج جوهرية. بل ان الحوثيين في منعطف استعراض قوة مستمر، بل حتى زعيم الجماعة «عبد المالك الحوثي» قد قلل في حديث رسمي له من أهمية وفعالية هذه الحملة. ومكمن الحيرة أو التعجب الرئيسي ربما لدى واشنطن أيضا، هو عدم تصور أن تكون هزيمة الحوثيين بهذه الصعوبة. وعلى إثر ذلك، ذهب البعض بالتأكيد أن ثمة تواطؤا أمريكيا مع الجماعة، إذ لا تتعمد واشنطن استهداف مراكز القيادة الرئيسية للجماعة في اليمن، ولا قادتها الرئيسيين. أما سبب التواطؤ، فهو للإضرار بالتجارة الصينية في البحر الأحمر. مسألة التواطؤ الأمريكي مع الحوثيين أو إيران داعمها الرئيسي، مستبعدة من الأساس، وذلك عند النظر فقط لحجم الإنفاق المهول على الحملة التي بلغت بحسب التقديرات 30 مليار دولار حتى الآن دون نتيجة بالطبع، وتطور خطر الجماعة ليطال إسرائيل الخط الأحمر الأمريكي. ثمة أسباب عديدة مترابطة لفشل الحملة ضد الحوثيين. أولها وأهمها، هو سوء التقدير الأمريكي-الغربي حول القوة الحقيقية للجماعة، وذلك من حيث خبرتها القتالية، وأعداد العتاد والصواريخ معها، وعقيدتها القتالية، وعدد أفرادها. وأبلغ دليل على ذلك، هو الكم الهائل من الصواريخ والمسيرات التي لدى الجماعة والتي لم تنفد رغم نجاح التحالف في إسقاط المئات منها. فضلا عن دقة استخدامها عن بعد ضد أهداف في البحر الأحمر، ويعكس ذلك الخبرة الواسعة التي اكتسبتها الجماعة. إذن فمن حيث المبدأ، كان من المفترض على تحالف الازدهار تبني خطط أكثر قوة وصرامة في حربه ضد الحوثيين، وهذا ما أقر به البنتاجون بالقول إن هزيمة الحوثيين تحتاج إلى استراتيجية أكثر قوة وصرامة. ومع ذلك، فالرهان على قدرة الاستراتيجية الصارمة على هزيمة الحوثيين بصورة مطلقة رهان خاسر، فمن شأنها فقط الحد من هجمات الجماعة المتواصلة في البحر الأحمر. إذ يمكن القول إن هزيمة جماعة أيديولوجية مثل الحوثيين تعمل في بيئة تضارسية جبلية معقدة، أمر أشبه بالمستحيل. ولنا في طالبان أفغانستان عبرة، إذ أقصى ما أنجزته الولايات المتحدة من خلال أسلحتها شديدة التطور، وإنفاقها الذي ناهز ال2 تريليون دولار، هو إضعاف طالبان وقتل بعض من قادتها. ومن ثم، فإضعاف الحوثيين، وليس هزيمتهم، يتطلب استراتيجية صارمة طويلة المدى تستند على استخدام تقنيات عسكرية متطورة، وتحالف أوسع، وتعاون استخباراتي عالي المستوى. والاستعداد إلى تدخل بري إذا استلزم الأمر. ونعتقد أن الولايات المتحدة غير راغبة وغير مستعدة أيضا لتبني تلك الاستراتيجية التي ستكبدها مليارات الدولارات، وتشتت التركيز الأمريكي على أهداف أكثر أهمية. الرهان على الحسم العسكري ضد الحوثيين وغيرها من الكيانات من غير الدول العسكرية الجهادية، قد فشل فشلا ذريعاً. وسيواجه جولة أخرى من الفشل ربما أكثر فداحة مع الحوثيين. وبالتالي، فالرهان على تحييد تلك الجماعات وتقويض تهديداتها، ينبغي أن يكون رهاناً سياسياً بالأساس. تعالج فيه جذور الأزمة وليس أعراضها. ومن ثم، فالحل يجب أن يبدأ من داخل اليمن ذاتها عبر تكثيف الجهود لمصالحة شاملة يتم فيها الاعتراف بالحوثيين كمكون سياسي واجتماعي أصيل، ويحتاج ذلك إلى صبر وتدخل وسطاء أكثر قبولا وعلى رأسهم الصين. وفوق كل ذلك، يكمن الحل الجذري في تخميد المد الجهادي في المنطقة في العمل على حل شامل عادل للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة، وضرورة وقف حرب الإبادة في غزة.

1194

| 30 يوليو 2024

ترامب والانعزالية الأمريكية

من بين الأمور التي لا تحصى التي أثارها دونالد ترامب منذ ظهوره في المشهد الأمريكي عام 2016، أي قبل انتخابه رسميا عام 2017، هي هل سيدفع ترامب الولايات المتحدة إلى الانعزالية؟. تعنى الانعزالية الأمريكية المقصودة ببساطة تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم طواعية. برز الحديث والجدل الأمريكي حول الانعزالية في نهاية ولاية الرئيس بوش الابن، حيث طلت أصوات أكاديمية ونخبوية عالية تنادي بالانعزالية، وذلك من عدة منطلقات رئيسية من بينها، الأضرار البالغة التي لحقت باضطلاع الولايات المتحدة بدور القيادة، حيث يستلزم هذا الدور دعم الحلفاء وحمايتهم، تكبد الخزينة الأمريكية نفقات باهظة، الانخراط في كل الأزمات الدولية وفي بعض الحالات عسكريا. ومن الحجج الداعمة للانعزالية كذلك، عدم قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار بدور القيادة، إذ إن الاستمرار في هذا الدور في ظل الظروف والتحديات الراهنة في الوقت الحاضر سيؤدي إلى إضعاف الولايات المتحدة بصورة نهائية. وعلى البر الآخر، تناطح حجج الانعزالين حجج التدخلين أو أنصار القيادة، وبعض من تلك الحجج في غاية الوجاهة، والتي من بينها، الربط بين القيادة الأمريكية والفوضى في النظام الدولي. إذ يرون أن ما تبقى من استقرار في النظام الدولي يعزو بصورة أساسية لاستمرار الدور الريادي العالمي لواشنطن في حين لا تستطيع قوى أخرى أن تضطلع بهذا الدور في الوقت الراهن. كما يرى آخرون أن الانعزالية ستضر بمصالح واشنطن المترامية الأطراف في العالم، كما ستؤدي إلى تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي، وتفشي الديكتاتورية، وتراجع الاهتمام بالقضايا الخطيرة كالانتشار النووي وتغير المناخ. ويلاحظ المتتبع لسياسة الولايات المتحدة منذ تولي إدارة أوباما أن ثمة تغيرا كبيرا على السياسة الخارجية الأمريكية يشير إلى أمر جوهري رئيسي وهو محاولة الولايات المتحدة إعادة صياغة دورها القيادي في العالم، أي محاولة إظهار استمرار القيادة الأمريكية في العالم، لكنها قيادة «انتقائية إلى حد بعيد» أو قيادة غير تدخليه، والبعض يطلق عليها «قيادة من الخلف». ويعزو ذلك من إحساس الولايات المتحدة العميق بعدم قدراتها على الاضطلاع بقيادة تامة كما كان في السابق. وعلى هذا الأساس، دشنت إدارة أوباما في إطار ما بات يعرف بعقيدة أوباما مصطلحات وسياسات غير معهودة عن واشنطن، من أبرزها «تقاسم الأعباء مع الشركاء» «الحروب الذكية» «التدخل في الأزمات الحرجة أو على المحك». ومع تولي ترامب سدة الحكم في واشنطن، جدد الجدل من جديد بفضل سياساته العنيفة مع أقرب الحلفاء ومن قبلها شعاره الانتخابي «أمريكا أولاً»، حول الانعزالية الأمريكية. في واقع الأمر، هناك نزعة انعزالية واضحة بصورة كبيرة لدى ترامب- حتى دون أن يعي ذلك أو يعرف ما هي الانعزالية تحديدا - لاسيما وأنه ينطلق في تعاطيه مع السياسة الخارجية من منطلق الصفقة، ولا يكترث بأي قضايا خارج نطاق المصالح الضيقة لواشنطن كالاستقرار العالمي أو تغير المناخ. لكن في ذات الوقت، من الصعب أيضا أن يدفع ترامب وحدة الولايات المتحدة نحو الانعزالية، فالمصالح الإستراتيجية الأمريكية تصنعها شبكة معقدة من المؤسسات الداخلية الأمريكية. والأقرب إلى الصح والموضوعي، أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يعكس تنامي توجه شعبي يرغب الانعزالية هذا من جانب، ومن جانب آخر أن وجود ترامب عامة في المشهد السياسي الأمريكي سيساهم في تعزيز التوجه الانعزالي الأمريكي. واحد من العوامل الرئيسية للشعبية الجارفة لترامب هو خطابه الخارجي الناقد بشدة للإنفاق العسكري الأمريكي في العالم، والحروب في المناطق البعيدة عن الولايات المتحدة، وكذلك الدعم الأمريكي لحلفاء مثل أوكرانيا، وهجومه على الأمم المتحدة، ودعمه للحمائية التجارية حتى ضد شركاء وحلفاء واشنطن، وانسحابه من المؤسسات الدولية كمنظمة الصحة العالمية، وعداؤه لحلف الناتو... وغيرها. ويحظى هذا الخطاب بدعم شعبي متنامٍ بسبب الوضع الاقتصادي المتردي الذي يئن منه الأمريكان وفي اعتقادهم الراسخ أنه بسبب استمرار الولايات المتحدة الاضطلاع بدور القيادة على حساب الشعب الأمريكي. إذ بحسب استطلاعات مركز بيو، لا يدعم ما يقرب من 70 % من الأمريكان الدعم الأمريكي لأوكرانيا. وفي استطلاعات مماثلة عبر عدد لا يستهان به عن عدم اقتناعهم بالقيادة الدولية الأمريكية. بنسبة تتجاوز الـ 90% ترامب هو سيد البيت الأبيض القادم، والحظ حليفه بقوة حتى الآن خاصة بعد الأداء المخيف لبايدن في المناظرة الأخيرة، ومحاولة اغتيال ترامب التي رفعت شعبيته لنحو 20 % في غضون ساعات. ومن ثم، ستشهد ولاية ترامب القادمة الكثير من المظاهر الخارجية الداعمة للانعزالية الأمريكية على المدى البعيد.

813

| 22 يوليو 2024

اليمين المتطرف الفرنسي ولعنة نهاية الماراثون

اتحد الأنداد والأعداء ضد اليمين المتطرف الفرنسي، هذا هو ملخص الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأخيرة وعنوانها الرئيسي. لكن على الرغم من أن هذا الاتحاد بين تحالف الوسط الرئاسي والتحالف اليساري، والتحالف الاشتراكي ذاته، كان مساهما رئيسيا في عرقلة حلم اليمين المتطرف الفرنسي من الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية التي كان قوب قوسين أو أدنى من نيلها بعد تصدره في الجولة الأولى. إلا أن ذلك لا يقدم تفسيراً واضحا للغز تحطم أحلام اليمين المتطرف في نهاية كل ماراثون انتخابي. ففي الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعامي 2017، و 2022، كادت ماري لوبان زعيمة التجمع الوطني أن تصل إلى قصر الإليزيه لكن تعرقل وصولها على آخر لحظة. وفى الانتخابات البرلمانية لعام 2015، تصدر حزبها في الجولة الأولى، لكنه فقدها في الجولة الثانية. وفى كل مرة يتكرر نفس السيناريو حرفياً، تتحالف أحزاب الوسط واليسار ضد اليمين المتطرف، والتحالف هنا لا يعنى تشكيل جبهة موحدة لخوض الانتخابات ضد اليمين المتطرف. بل عبر التنسيق و دعم بعضهم البعض في الدوائر الانتخابية المختلفة، وحث أنصارهم للتصويت ضد اليمين أو لصالح أي منافس اليمين. وذلك عندما فعل التحالف اليسار عندما حث أنصاره للتصويت بكثافة لماكرون ضد لوبان في انتخابات 2022. لكن يتبدى وراء ذلك، أن الناخب الفرنسي نفسة - صاحب الكلمة العليا في الانتخابات عامة ووصول اليمين المتطرف لحكم فرنسا خاصة- ينتابه حالة من التردد الشديد في اللحظات الأخيرة. فلا شك أن القاعدة الشعبية الداعمة لليمين المتطرف قد تنامت بصورة مطردة. وهذا ما برهنت عليه الانتخابات الأخيرة التي حصل فيها اليمين المتطرف رغم حلوله في المركز الثالث على أعلى نسبة تصويت شعبي له في تاريخه والتي ناهزت 11 مليون صوت. مما أدخل المشهد السياسي الفرنسي أيضا في حالة إرباك شديد حيث لم يحصل أي تكتل على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة. ومع ذلك، يبدو بجلاء أن هناك كتلة تصويتية ضخمة اغلبها من انصار اليمين بأطيافه، لم تحسم موقفها النهائي من اليمين المتطرف، رغم تماشى خطاب وسياسات اليمين المتطرف مع مزاجها العام. هنالك مخاوف متنوعة لدى الفرنسيين (شعبا ونخبة) من حكم اليمين المتطرف لفرنسا كشفت عنها العديد من الاستطلاعات التي تعد السبيل الوحيد لفك شفرة هذا اللغز. ولم تجمع هذه الاستطلاعات على مخاوف محددة مشتركة، لكن اليمين المتطرف الفرنسي بصفة عامة يثير عددا لا يستهان به من المخاوف. يخشى عدد كبير من الفرنسيين أن يغير اليمين المتطرف المعالم الرئيسية وروح الجمهورية الفرنسية التي بنيت على مبادئ الثورة الفرنسية. فمبادئ اليمين المتطرفة للغاية قد تقوض أسس العلمانية والليبرالية المتجذرة في فرنسا. ويخشى البعض الآخر، من تقويض اليمين المتطرف لروح التسامح وأسس مبادئ حقوق الإنسان العالية التي تتمتع بها فرنسا، وذلك على إثر خطابه شديد التطرف والتعصب ضد كل ما هو غير فرنسي خاصة العرب والمسلمين. وهذا لا يتماشى مع حال فرنسا اليوم حيث أقليات من السود والمسلمين والعرب تناهز الملايين، وتلعب دورا رئيسيا في جميع مناحي الحياة الفرنسية. حتى كرة القدم معشوقة الفرنسيين أساطيرها التاريخيين اغلبهم ليسوا فرنسيين في الأصل. وثمة مخاوف تتعلق بعزلة فرنسا عن محيطها الأوروبي، بل واحتمالية انسحابها من الاتحاد الأوروبي. فاليمين المتطرف كما هو معروف يرفض ما يسمى هوية أوروبية جامعة، ومؤسسات فوق سيادية. وواقع الأمر، أن ندم الإنجليز الشديد من الخروج من الاتحاد الأوروبي بفضل ضغوط اليمين الإنجليزي، ماثل في ذهن الفرنسيين باستمرار. فخروج إنجلترا من الاتحاد قد أصاب اقتصادها بنكبة شديدة، وأضعف من قوتها السياسية. إذن ملخص القضية أن الفرنسيين في حيرة شديدة أمام يمين متطرف يلامس ويداعب مخاوفه ومتاعبه لاسيما مخاوفه من تنامى أعداد الأقليات والمهاجرين وطمس الهوية الفرنسية ومعها تأكل حقوقه الأصلية لصالح الغرباء. وبين مخاوفه من سياسات شديدة الراديكالية على كافة المناحى إذا حكم اليمين المتطرف فرنسا.

957

| 11 يوليو 2024

احتمالات الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله

اشتعلت الجبهة الجنوبية للبنان منذ عملية طوفان الأقصى المجيدة بين إسرائيل وحزب الله، لكن المواجهات بين الطرفين كانت تدار بإحكام وحذر بفضل الضغط المستمر لكل من إيران والولايات المتحدة على حليف كل منهما. لكن رغم ذلك، كانت تشير تلك المعارك إلى احتمال حرب شاملة مفتوحة ربما أفدح من حرب 2006. ومنذ مطلع يونيو الماضي، ارتفعت حدة المواجهات المسلحة بين الطرفين-بدون مقدمات وأسباب واضحة أو معلنة- حيث شنت إسرائيل هجمات صاروخية موسعة متتالية أدت إلى تدمير العشرات من البنى التحتية في الجنوب وبعض قواعد حزب الله ومقتل بعض قادة الحزب الكبار. ورد حزب الله بهجمات صاروخية الأكبر من نوعها منذ السابع من أكتوبر. وقد أسفر كل ذلك إلى نزوح ما يربو من 100 ألف مستوطن يهودي من شمال إسرائيل، وتعزيز حزب الله لتمركزه في جنوب نهر الليطاني. ومع تطور حدة المواجهات العسكرية، تصاعدت خلال الأيام القليلة الماضية تصريحات بعض من قادة الحكومة الإسرائيلية التي تؤكد على ضرورة الحرب مع حزب الله واستعداد إسرائيل التام لها، وكان أبرز تلك التصريحات تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي الذى أكد على ضرورة هذه الحرب لتقويض حزب الله والقضاء على قدراته العسكرية المتطورة. ويتبدى من تدابير الدول المتخذة في هذه الأيام والتي من أهمها منع رحلات الطيران إلى لبنان، وتحذير بعض السفارات مواطنيها من السفر إلى لبنان أو مغادرة لبنان. وتصريحات أمريكية غير مباشرة بالاستعداد لمساندة إسرائيل في الحرب. يتبدى أن استخبارات الدول قد أهدت إلى تقارير تفيد بالاقتراب الوشيك لهذه الحرب. لماذا تصر إسرائيل على الحرب، على الرغم من صعوبتها وكارثيتها الشديدة، وتعثرها المخيب في غزة، والإنهاك الشامل لها جراء حرب غزة؟ هناك بالطبع العديد من الاعتبارات الدافعة لإسرائيل لخوض هذه الحرب، والتي قد تكون غير منطقية أو مبرره. يمكن القول إن الاعتبار الأول والرئيسي ليس بمعزل عن طوفان الأقصى. إذ يجب الوضع في الاعتبار أن الجرح العميق الذى أحدثه طوفان الأقصى لكرامة إسرائيل، وتنامي إحساس التهديد الوجودي؛ يمثل دافعا رئيسيا لإسرائيل لخوض حروب استباقية غير نهائية ضد جميع الخصوم، لاسترجاع زعم الكرامة المفقودة، والإحساس بالتفوق الوجودي. وحزب الله وفقا لجميع الاعتبارات يشكل التهديد الأقوى والأخطر لإسرائيل، حيث إن قوته التسليحية التي تطورت بصورة كبيرة وفقا لتصريحات حسن نصرالله، وخبرته القتالية، وعدد قواته لا يقارن بأي جماعة مقاومة أخرى. ومن ثم، فالقضاء على حزب الله قد اصبح مطلبا استراتيجيا لإسرائيل لا تنازل عنه. وقد يدعم هذا التوجه حكومة نتنياهو التي تعانى من فشل في غزة باعتراف عدد من العسكريين والسياسيين الإسرائيليين الكبار، كما تعانى من هاجس المحاكمة جراء هزيمة طوفان الأقصى. وبالتالي، تبحث حكومة نتنياهو عن ذرائع لبقائها في السلطة وتحقيق أي انتصار، وليس أفضل من حرب طويلة مع حزب الله التي من المرجح بشدة أن تتورط فيها الولايات المتحدة. ومن الاعتبارات الأخرى التي تدور في ذهن إسرائيل، هي استخدام الحرب مع الحزب كذريعة لشن حرب شاملة مع إيران. في حسبان إسرائيل أن حربا شاملة مفتوحة مع حزب الله ستؤدى إلى توريط الولايات المتحدة وإيران في هذه الحرب. ومن ثم، قد يؤدى ذلك إلى تحقيق حلم إسرائيل الذى تتمناه من عقود وتتفادها واشنطن بكافة السبل وهو حرب كاسحة أمريكية على إيران، لإسقاط النظام القائم، وتدمير القدرات النووية لإيران. وثمة بعض الاعتبارات الأخرى في الحسبان، ومن أهمها الإحراج الشديد الذى تواجهه الحكومة الإسرائيلية نتيجة لنزوح الكثير من مستوطني الشمال بسبب المعارك في الجنوب. ولا يمكن عودة هؤلاء المستوطنين أو إقناعهم بالعودة إلا إذا تم تقويض قدرات حزب الله تماما. ومن ضمن الاعتبارات أيضا، مخاوف إسرائيل من ترامب الذى أصبح على مقربة شديدة من البيت الأبيض لاسيما بعد المناظرة الأخيرة مع بايدن التي أضعف موقفه بصورة كبيرة. ومشكلة ترامب بالنسبة لإسرائيل هو عدم الوثوق الكامل في دعم جنوحها في المنطقة. أو بعبارة أخرى، صعوبة السيطرة عليه حتى من قبل الدوائر الصهيونية النافذة في الولايات المتحدة. خلاصة القول، ثمة العديد والعديد من الحسابات والدوافع لحرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل. ففي المجمل، أصبح حزب الله بفضل التطور المطرد لقدراته العسكرية خاصة الصاروخية تهديد وجود خطير لإسرائيل. وهذا في حد ذاته كفيل بحتمية اندلاع المواجهة عاجلا أم أجلاً.

882

| 09 يوليو 2024

التقارب الحميم بين روسيا وكوريا الشمالية: دلالات وتساؤلات

في 18 يونيو الماضي قام الرئيس بوتين بزيارة رسمية إلى كوريا الشمالية بعد غياب دام 24 عاما منذ زيارته الأولى في عام 2000، مما أثار حيرة المراقبين عن مغزى الزيارة التي تعد مفاجئة أو غير متوقعة أيضا. وأهم ما تمخض عن الزيارة هو توقيع البلدين على اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة. ورغم كونها شراكة وليس معاهدة تحالف أمنى. إلا أن اتفاق الشراكة قد نص في أحد بنوده على المساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أحد اطراف الشراكة، وهو بمثابة «شبه» التزام بالدفاع المشترك أسوة بالتحالفات الأمنية الرسمية. والتقارب الروسي الكوري الذى يمهد لتحالف أمنى موسع يعد من الأحداث الفارقة التي يجب التوقف عندها كثيراً وفحصها عن كثب، بسبب ما يحمله من كم هائل من التداعيات والتساؤلات. ويبدو من الوهلة الأولى أن الدلالة الرئيسية والخطيرة لهذا التقارب تتعلق مباشرة بالحرب الأوكرانية. قد يكون غير معلوم لدى الكثيرين أن أكثر من قدم مساعدات ودعما لروسيا في حربها في أوكرانيا هو كوريا الشمالية وليس الصين- الحليف الرئيسي لموسكو- كما يتصور الكثيرون. فالصين بحكم سياستها المتوازنة والحذرة لم تعلن موقفا داعما مباشرا للحرب أو لروسيا، بعكس كوريا التي أيدت روسيا بصورة علانية مباشرة كما أعلنت عن استعدادها للتدخل لمساندة روسيا. وبالنسبة لروسيا وهو الأهم أن الصين لم تدعمها عسكريا بالقدر الكافي حيث لم تزودها بالصواريخ والذخائر المطلوبة، بعكس كوريا التي زودتها بكميات كبيرة من الأسلحة ويليها إيران. وعلى هذا الأساس، يتبدى من التقارب الروسي الكوري، الاحتياج الروسي الشديد لحليف قوى مناصر له، في ضوء التطورات الخطيرة المتوقعة لمسار الحرب الأوكرانية. حيث يتبدى من الحراك الغربي وتصريحات بعض القادة الكبار، أن القوى الغربية وحلف الناتو في إطار الاستعداد لتدخل مباشر في الحرب، أو على أقل تقدير تزويد أوكرانيا بأسلحة مكثفة فائقة التطور والسماح لها بضرب أعماق روسيا. ففي الشهر السابق، زودت الولايات المتحدة وإنجلترا أوكرانيا بصواريخ متطورة وأعلنتا السماح لأوكرانيا باستخدامها ضد أهداف حيوية داخل روسيا. في مقابل ذلك، كررت روسيا التلويح باستخدام السلاح النووي، كما رفضت روسيا مقررات مؤتمر سويسرا للسلام حول أوكرانيا وأعلنت عن شروط تعجيزية للتفاوض حول إنهاء الحرب. وعلى هدى ذلك، ترى روسيا أن التحالف مع كوريا النووية رادع رئيسي لتدخل غربي أمريكي في أوكرانيا، وورقة ضغط حاسمة ضد الغرب للاستلام للشروط الروسية، حيث من الوارد أن تثير كوريا توترات في شبه الجزيرة الكورية كما هو معتاد، مما يضطر الغرب للرضوخ. والتقارب الروسي الكوري ليس بمعزل عن الصين بطبيعة الحال حليف الطرفين. وعليه، يثير العديد من التساؤلات. وذلك من قبيل، هل تم بمباركة الصين؟ وهل لدى الصين مصلحة أساسية منه؟ وهل يمثل بداية لتحالف ثلاثي أمنى؟. أم الأمور عكس ذلك تماما؟. وقد تكون المفاجأة المدهشة، أن هذا التقارب قد يكون أكثر ما سوف يقلق الصين، ويربك خططها الاستراتيجية. ونقطة الانطلاق تبدأ من التفهم الصحيح للتحالف الروسي الصيني. في واقع العلاقات الدولية عموما، وواقع العلاقات بين القوى الكبرى خصوصاً؛ التنافس والخوف من الآخر وأولوية المصالح الذاتية هو السمة الغالبة، مهما اتسمت العلاقات من عمق في التعاون. ومقاومة التهديد الأمريكي وتأسيس نظام دولي تعددي يعد الأساس للتحالف الروسي والصيني. لكن هذا لا يمنع من وجود تناقض في المصالح ومنافسة غير معلنة أو مؤجلة لأجل غير مسمى. والحرب الأوكرانية ورفض الصين تزويد روسيا بأسلحة متطورة يبرهن على ذلك. وعلى أساس ذلك، فالتقارب الروسي مع كوريا الشمالية من ضمن أهدافه بعيدة المدى للطرفين هو موازنة القوى الصينية والضغط عليها في بعض الملفات. وهذا قد يكون مستغربا بحسبان أن الصين الحليف الرئيسي والوحيد لكوريا الشمالية، بل تعد كوريا بحسابات التاريخ والإيديولوجية احتكارا صينيا صرفا. ومع ذلك، فالمتتبع جيداً لسياسة كوريا منذ تولى «كيم جونج اون» هو محاولة جنوح خفيفة للخروج من بيت الطاعة الصيني. فكوريا الشمالية لا تثق في الصين بصورة تامة، وغير راضية عن الكثير من سياسات الصين لا سيما محاولات التقارب مع اليابان وكوريا الجنوبية، التي ستؤدى إلى مزيد من الضغوط الصينية على كوريا الشمالية للخفيف من تطوير السلاح النووي والصواريخ بعيدة المدى. نافلة القول، خلق التقارب الروسي الكوري واقعا جديدا صعبا، من شأنه التأثير بصورة خطيرة على الحرب الأوكرانية، وشبه الجزيرة الكورية، والصين، والقوى الغربية.

1050

| 01 يوليو 2024

الصين وفشل الرهان الأمريكي الناعم

كان انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بشكل مفاجئ وبصورة غير متوقعة، أي دون مواجهة عسكرية، ذات تأثير غير عادى على السياسة الخارجية الأمريكية من حينها. حيث فطنت الولايات المتحدة إلى القوة الإعجازية لسلاح «القوة الناعمة» الذي أسهم بالنصيب الأكبر في انهيار هذا القطب العملاق. ومن حينها، أصبحت القوة الناعمة أحد المرتكزات الرئيسية في السياسة الخارجية الأمريكية، وسلاح يتم تطويره بصفة دائمة لترسيخ القطبية الأمريكية وفي مواجهة الدول العصية. والحقيقة أن القوة الناعمة الأمريكية قوة ذات جاذبية مدوية، سواء تجسدت في النظام التعليمي الأمريكي، أو الثقافة الفنية والغنائية، أو الابتكارات التكنولوجية العالمية.. وغيرها. والحقيقة أيضا التي لا شك فيها أن القوة الناعمة الأمريكية أصبحت تمثل الآن المرتكز الرئيسي لاستمرار القوة الأمريكية في العالم، أو لنقُل الميزة التنافسية المتبقية لها بعدما ضعف توازن القوى العسكري والاقتصادي والجيوسياسية لصالح القوة الصاعدة. خلصت المعادلة الأمريكية-التي يشوبها قدر من الغرور- أن لا دولة مستعصية على القوة الناعمة الأمريكية التي فككت إمبراطورية مترامية الأطراف، وقضت على أخطر وأهم إيديولوجية معادية للرأسمالية في القرن العشرين. إلا أن هذه المعادلة قد جابهت استعصاء مستحكما في وجهتين الأولى العالم الإسلامي والثاني الصين. وربما قد تفهمت الولايات المتحدة كوامن الاستعصاء في العالم الإسلامي والتي منها الانحياز المطلق لإسرائيل، ومنظومة القيم الخاصة للمسلمين التي تتعارض تماماً مع القيم الأمريكية خاصة في مسألة حقوق الإنسان. لكن الأخطر والمحير للولايات المتحدة كان الصين. وتفاقمت الحيرة مع صعود الصين كأكبر تهديد للأحادية الأمريكية على الإطلاق بعد الإجهاز على التحدي السوفيتي. تبنت الصين مع سياسة الانفتاح التي اتبعها الزعيم «دينج شياو بينج» الرأسمالية الاقتصادية، وانفتحت سياسيا على العالم، وانخرطت الصين والولايات المتحدة في علاقات دافئة في إطار سياسة الانفراج. كل ذلك كان مدعاة-رغم تحذير خبراء واشنطن المخضرمين- لاعتقاد واشنطن الجازم أن تحويل الصين كحليف أمريكي تام في آسيا أسوة باليابان وكوريا الجنوبية أمر ممكن وسهل للغاية. تبنت الصين الرأسمالية الاقتصادية بصورة ليست كاملة تماما أسوة بالولايات المتحدة والجماعة الأوروبية لكنها تبنتها في النهاية. لكن على الصعيد السياسي والثقافي؛ جابهت الليبرالية السياسية، ومنظومة القيم الناعمة الأمريكية عامة التي تشكل المبادئ الليبرالية والقواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان النصيب الأكبر منها، جابهت استعصاء رسميا ونخبويا وشعبيا منيعا. وعلى غرار التجربة السوفيتية، وغيرها الكثير من تجارب الدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية، وأمريكا اللاتينية. يكون للقوة الناعمة فعل السحر إما على النخب الحاكمة أو الشعوب، أو الاثنين معا مثل الاتحاد السوفيتي بسبب الانبهار الشديد بالنموذج أو ما يدعى «الحلم الأمريكي». فتنقلب هذه الشعوب على النظم والأيديولوجيات الحاكمة، وتطالب بنظام ديمقراطي أملاً في استنساخ الحلم الأمريكي. وبالتبعية، تتحول النظم الجديدة إلى تابعين أو حلفاء مقربين للولايات المتحدة. والمعضلة العويصة التي واجهت الولايات المتحدة أنه على الرغم من استمرار النظام الصيني كنظام حزب واحد متمسك بثقافته وهويته الخاصة. إلا أن شعبية هذا النظام في تزايد مطرد، والرهان على انقلاب نخبوي أو شعبي عليه أضحت ضئيلة للغاية. مكمن السر الصيني مكمن السر الصيني يتلخص في أمرين: نجاح اقتصادي باهر، وتنوع وغنى الثقافة الصينية. نجح الحزب الشيوعي الصيني في غضون 3 عقود فقط من تحويل الصين من دولة فقيرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهذا في ظل التمسك بالقيم والمبادئ والثقافة الصينية المتنوعة الغنية. الصين -وهذا ربما لا يعلمه الكثيرون- تمتلك قوة ناعمة قوية جدا مستمدة من تاريخها وثقافتها وتراثها الإيديولوجي. وهذا في حد ذاته يجعل تأثير القوة الناعمة الأمريكية عليها ضعيفا للغاية. إذ عكس ما يعتقد الكثيرون، تمتلك القوة الناعمة الصينية الكثير من خصائص القوة الناعمة الأمريكية، حتى في مسألة الديمقراطية، حيث يتاح في المجال العام التعبير عن جميع الآراء والاتجاهات بحرية بما في ذلك الاتجاهات المناهضة للشيوعية والحزب الواحد. حتى داخل الحزب الواحد هناك مناخ ديمقراطي واسع ومعارضة ضد بعض السياسات. ولعل الأهم من ذلك أن الشعب الصيني لديه اعتزاز قوى بثقافته وهويته ومن الصعب ذوبانه في الثقافة الغربية. وتلك ثمة رئيسية للثقافة الآسيوية عموماً. الخلاصة في الأمر أن النجاح الاقتصادي الباهر للحزب الشيوعي الصيني جنبا إلى جنب مع أصالة وتنوع الثقافة الصينية، لم يسقط غرور القوة الناعمة الأمريكية فحسب، بل حولت الصين إلى قوة ناعمة عالمية موازية. فنموذج التنمية الصيني أصبح منافس شرس للنموذج الليبرالي الغربي، خاصة ان الأول يجسد قوة ناعمة حقيقية تنجذب لها الدول طواعية ولا يتم فرضها بالترغيب أو الترهيب.

1704

| 17 يونيو 2024

مهمة إسرائيل المستحيلة

جميع ما أقدمت عليه إسرائيل في قطاع غزة، منذ عملية طوفان الأقصى المجيدة، من ارتكاب مجازر وحشية غير مسبوقة، وتدمير أكثر من 70% من بنية قطاع غزة، والتسبب في ترحيلات قصرية لملايين الغزاويين، ومجاعة، وأوضاع إنسانية لم ترتكبها حتى النازية. كل ذلك، يصبو إلى هدف واحد فقط-معلن أكثر من مرة بالمناسبة- وهو القضاء على حركة حماس تماما. بل حتى موافقة إسرائيل المبدئية على صفقات تبادل الأسرى ووقف العنف، وكان آخر ذلك الموافقة على مقترح الرئيس بايدن الثلاثي، هو مناورة تكتيكية لم تثن إسرائيل عن الهدف الرئيسي. وسبق وأن أشرنا مراراً في مقالات سابقة عن دوافع إصرار إسرائيل على القضاء على حماس. لكن في هذا المقال سنعمل على تأكيد أن هذا الهدف هو بمثابة مهمة مستحيلة لإسرائيل عبر زوايا نقاش مختلفة. حماس ليست حركة إرهابية كما تسعى إسرائيل والقوى الداعمة لها تصنيفها هكذا منذ سنين، حماس حركة مقاومة مسلحة شرعية ضد احتلال غير مشروع بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وهذا الجانب الذي يمكن نعته بالمعنوي أو الرمزي؛ هو المنطلق الأساسي لاستحالة القضاء على حماس من قبل إسرائيل أو غيره. حماس ليست مجموعة أفراد وقادة، بل هي بنيان فكرى أو إيديولوجي بالأساس «لمقاومة احتلال». ومن ثم، فالتصور بأن القضاء على حماس يكمن في القضاء على أفرادها وقادتها الرئيسيين، تصور ينطوي على مغالطة ساذجة للغاية. فالأفراد والقادة سيرحلون عموما يوما ما بأي وسيلة أو لأية سبب ما، لكن الأيديولوجية لن تموت. وبالتالي، فحماس كأيديولوجية لن تموت، بل ستظل باقية وتعيد تجديد نفسها عبر دماء جديدة. لا سيما وأن أيديولوجية حماس الرئيسية هي «المقاومة» واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في ظل انسداد أية أفق سياسية. وعليه أيضا، فتلك الأيديولوجية المشروعة فكرياً وقانونياً، إذ أن مقاومة الاحتلال حق راسخ وفقا لميثاق الأمم المتحدة. ستؤدى بدورها إلى نشوء المئات من حركات المقاومة، أو ألف حماس أخرى لكن بأسماء مختلفة. وهذا على النقيض تماما من الجماعات الإرهابية والمتطرفة، كداعش مثلا، التي تعتنق أيديولوجية متطرفة للغاية بلا شك لكنها مرفوضة تماما فكريا وشرعيا وقانونيا. ولعل هذا يفسر سبب تراجع قوة داعش منذ إعلان التحالف الدولي ضدها في 2015 بمشاركة دول عربية وإسلامية. علاوة على ذلك، لا تمتلك الأيديولوجية المتطرفة لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، المسوغات القوية للاستمرار وتجديد دمائها. القضاء على حماس تماماً في قطاع غزة أو طردها من القطاع-عمليا وليس معنويا- يتطلب السيطرة الإسرائيلية التامة على القطاع وإخلاء سكانها بالكامل البالغ عددهم نحو 2 مليون. فمادام هناك غزاويون، ستتجدد حماس أو غيرها من حركات المقاومة. قد كتب وقيل الكثير جدا عن صفقات لتصفية القضية الفلسطينية تماما، تستند على إخلاء فلسطين التاريخية تماما من الفلسطينيين والعرب. الشاهد في الأمر، أن عملية طوفان الأقصى، قد قطعت الشك باليقين أن تلك الصفقات مجرد تكهنات فارغة أو سيناريوهات خيالية حتى للمؤمنين بها. إذ من ضمن ما كتب مؤخراً في هذا الصدد-وهو محض هراء بالطبع- أن الممر الإنساني البحري الأمريكي في غزة المزمع إنشاؤه، هو في حقيقته خطة متفق عليها لترحيل سكان غزة أو توزيعهم في أوروبا وكندا وأستراليا. والحقيقة التي لا شك فيها، أن فكرة إخلاء القطاع تماما من سكانه، فكرة مستحيلة. فضلا عن ذلك، ما هي الدولة التي لديها الاستعداد وتحمل المسؤولية التاريخية لاستقبال أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ. فمصر التي ترمي أغلب السيناريوهات عليها، أعلنت اكثر من مرة، وعبر الرئيس السيسي رفضها التام لذلك لأنه يعني تصفية القضية الفلسطينية. فضلا عن ذلك، هل سيكون هذا الترجيل نهائيا، أي عدم إمكانية للعودة ونسيان فلسطين تماما، نعتقد أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين، بما في ذلك سكان غزة الذين يعانون معاناة رهيبة، لن يقبلوا بذلك تماما. من ضمن الأسباب العملية لاستحالة القضاء على حماس، والتي برهنت عليها السوابق المختلفة، هي الصعوبة البالغة في أن يحقق جيش نظامي انتصارا ساحقا أو كاملا مع حركات أو منظمات مسلحة شبه نظامية. والشاهد على ذلك، خسائر قوات الاحتلال المتوالية منذ اقتحامه معبر رفح. وفى البيان الأخير، ثمة العديد من الأسباب الأخرى المعنوية والعملية-لن يتسع المقال لسردها- التي تجعل مهمة إسرائيل للقضاء على حماس مهمة مستحيلة. لكن أهم ما يمكن الخلوص إليه في هذا الصدد أن ظهور واستمرار حركة مقاومة مقترن بوجود واستمرار احتلال غير مشروع.

1548

| 10 يونيو 2024

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4242

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1938

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1773

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1614

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1428

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1164

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

906

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

696

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

636

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

564

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية