رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إيران وولاية ترامب الثانية

إيران قطعاً ستكون إحدى أولويات التركيز القليلة لترامب في المنطقة خلال الأشهر الأولى من ولايته الجديدة. التفاعلات الأمريكية الإيرانية في ولاية ترامب الثانية تدور في سياق مختلف تماما عن ولاية ترامب الأولى، إذ يواجه ترامب إيران أضعف كثيراً عن السابق، فاقدة لمعظم أذرعها القوية في المنطقة. وعلى الجانب الموازي، يتفاعل ترامب مع إيران في ظل هياج إسرائيلي غير مسبوق بعد كارثة طوفان الأقصى، يبلغ طموحه الأقصى في تدمير البرنامج النووي الإيراني وإسقاط النظام الإيراني. وعلى إثر ذلك، يمكن القول إن جميع الاحتمالات واردة بشأن سياسة ترامب تجاه إيران، بدءًا من الاستمرار في سياسة الضغط القصوى-كما صرح أعضاء من إدارته- مروراً بإمكانية التفاوض-كما صرح ترامب شخصيا- وصولاً بتوجيه ضربة عسكرية للمفاعلات النووية. عندما يفكر ترامب في سياسة محددة في موضوع غاية في التعقيد كإيران، على الفور أول ما سيتبادر إلى ذهنه هو كيف يمكن تحقيق أقصى مكاسبنا بأقل خسائر ممكنة، وكيف يمكن تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة-لو أمكن- وذلك من منطلق مبدأ التعاملات التجارية الحاكم لنهج ترامب. وعلى ذلك، فمسألة الانخراط في حرب مع إيران من الخيارات غير المفضلة إطلاقا لترامب وهو ما يتماهى مع سياسته العامة «إنهاء الحروب الأبدية» خاصة في المنطقة. والحقيقة أن تصريحات ترامب وبعض من أعضاء إدارته المفاجئة صراحة بشأن إمكانية التفاوض مع إيران، تعكس جلياً ما سبق. ففيما يبدو أن ترامب يرى أن وضع إيران الضعيف والمهزوز حاليا في المنطقة خاصة بعد فقدانها سوريا؛ قد يجبرها على إبرام صفقة تتخلى فيها عن كل شيء بما في ذلك برنامجها النووي، مقابل فقط بقاء النظام الحاكم. وبالتالي، حقق ترامب أقصى ما يمكن من مكاسب مقابل لا شيء. بل حافظ أيضا على حصة المكاسب الاقتصادية التي تجنيها الولايات المتحدة من دول المنطقة عبر صفقات بيع السلاح المليارية بذريعة «البعبع الإيراني». يتبع ترامب نهج سياسة الضغط الأقصى المتدرجة كنهج معتاد عليه ويعتقد بفعاليته. وبالتالي، فمن المتوقع أن ترامب سيدعو إيران في الأسابيع من ولايته الجديدة للتفاوض المباشر على صفقة لإنهاء البرنامج النووي، ووسط هذه الدعوة تهديدات مباشرة وغير مباشرة من إدارته بعودة سياسة الضغط الأقصى، واحتمالية ضرب البرنامج النووي. ستواجه إيران بلا أدنى شك خلال ولاية ترامب الثانية وضعا شديد الصعوبة ربما لم تمر به من قبل. فإجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي هو بمثابة انتحار لها. فامتلاك السلاح النووي هو حلم إيران الأبدي الذى دفعت فيه أثماناً باهظة على مدار ثلاثة عقود من أموال وعقوبات ووكلاء واغتيالات. ناهيك عن ذلك، تقارير تؤكد أن إيران على أعتاب إنتاج قنبلة نووية خلال شهر إذا أرادت وفقا للتقارير الدولية التي أكدت قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 70%. وربما يكمن التحدي الرئيسي لإيران في أن صفقة مع ترامب حول البرنامج النووي ستخلو من أية نافذة ممكنة للمناورة، حيث سيتعين عليها تسليم أو تدمير ما لديها من يورانيوم وبلوتونيوم وأجهزة الطرد المركزية، ووضع جميع منشآتها النووية تحت أعين الرقابة الدولية الدائمة. في ظننا أن إيران لن تقبل بصفقة التخلي النهائي عن البرنامج النووي، وترامب في المقابل لن يتحمل الانتظار طويلا السياسة الإيرانية التي تتبدل كل ساعة. وعليه، سيمضى فورا في مواصلة سياسة الضغط الأقصى أملا في إجبارها على صفقة التنازل. والواقع أن سياسة الضغط الأقصى المرتقبة ستكون أكثر عنفاً عن سابقتها، إذ من المتوقع أن يقطع ترامب جميع منافذ تصدير النفط لإيران لاسيما الدول المتحدية كالصين وروسيا، التي ربما ستستجيب إثر ضغوط أخرى ستمارس عليها كالحرب التجارية وإنهاء الحرب الأوكرانية. فضلا عن ذلك، أغلقت الكثير من المنافذ الإيرانية التي كانت تلتف منها على العقوبات كلبنان وسوريا وربما العراق. خلاصة القول، من الجلي في ظل وضع إيران، والضغوط الإسرائيلية، أن ترامب لن يقبل إلا بصفقة باتة تتخلى فيها إيران عن برنامجها النووي، ووكلائها، وجميع طموحاتها في المنطقة. ومع عدم استبعاد خيار استخدام الحل العسكري بسبب ضغوط إسرائيل الملحة، أو مواصلة إيران بشكل سريع إنتاج القنبلة النووية؛ إلا أن ترامب لا يحبذه مطلقا وهو ما يتماشى مع التوجه العام للولايات المتحدة بعدم الانخراط في أية حرب في المنطقة. إذ يراهن على مواصلة سياسة الضغط الأقصى لإضعاف إيران إلى أقصى مدى ممكن مما سيجبرها على صفقة في نهاية المطاف.

813

| 02 يناير 2025

ترامب وتدمير إرث بايدن في الإندو- باسيفيك

كانت سياسة حشد أو بناء التحالفات السمة الأبرز على الإطلاق لسياسة بايدن الخارجية. ومنطق بايدن أو الديمقراطيين عموما في بناء التحالفات يتلخص في أمرين: إن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية يقتضى بناء هذه التحالفات الداعمة لكى لا تتحمل الولايات المتحدة وحدها عبء القيادة. والثاني، أن الولايات المتحدة لا تستطيع مواجهة الصين وحدها، فالحلفاء والشركاء ضروريون لمواجهة خصم قوى عنيد كالصين. وتركزت معظم تحالفات بايدن في منطقة الإندو-باسيفيك أو المحيطين الهندي-الهادئ؛ فحسبان أن تلك المنطقة تعد الركيزة الأساسية في سياق الحرب الباردة بين الصين وواشنطن على الهيمنة الدولية. وعلى أساس ذلك، قامت إدارة بايدن بإعادة تصنيف وضعها في المنطقة كجزء أساسي منها «أمريكا دولة إندو- باسيفك». كما قامت بعملية إحياء موسعة للتحالف الأمني الرباعي «كواد»، وتأسيس تحالف «أوكوس» الأمني. والتحالفان كانا نواة لتأسيس ما يسمى «الناتو» الآسيوي. فضلا عن ذلك، انخرطت في شراكات موسعة مع الهند والفلبين وفيتنام وتجمع الآسيان. وقدمت للأخير مساعدات مالية تقدر بأكثر بمائة مليون دولار. ومن هذا المنطلق، نجح بايدن في تكوين إرث صلب من التحالفات والشراكات مدعوم بانغماس أمريكي سياسي واقتصادي ومالي في المنطقة غير مسبوق. مطويا بذلك صفحة سوداء من الجفاء الأمريكي تجاه المنطقة في ولاية ترامب الأولى. لا يختلف ترامب عن بايدن في مسألة حتمية تقويض الصين فهي من المسائل المحدودة للغاية التي يتوافق عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري. بل إن بايدن قد واصل بعنف ما ابتدعه ترامب من سياسات لمواجهة الصين وتحديداً الحرب التجارية والتكنولوجية. لكن مكمن الاختلاف الرئيسي بين الجمهوريين والديمقراطيين يكمن في سياسات مواجهة الصين، فالجمهوريون لا يفضلون سياسة بناء التحالفات. وزد على ذلك أن ترامب لديه نهجه الخاص أيضا في مواجهة الصين يستند بالأساس على الحرب التجارية. فمن غير المتوقع أن شخصا مثل ترامب لاسيما بعد انتصاره الكاسح أن يعدل عن نهجه المعتاد عدا بعض التغيرات التكتيكية أو الحيوية. ومع ذلك أيضا، قد بادر ببعض الأمور التي تعكس بؤرة أولويته الرئيسية في سياق نهجه التقليدي وهى الاقتصاد وسلاح الحرب التجارية. حيث صرح علانية بفرض تعريفات جمركية عالية ليس على الصين فحسب، بل على بعض الشركاء مثل كندا والمكسيك. كما هدد دول البريكس المتطلعة للتخلي عن الدولار. يضاف إلى ذلك، أولوية ترامب لمواجهة اخطر تحد يواجه الولايات المتحدة وهو التدني الاقتصادي الحاد خاصة التضخم ومن الإجراءات اللازمة كما أعلن لمواجهة هذا التحدي إعادة توطين الصناعات الأمريكية. ويليها تحدي الهجرة أو خطة ترحيل المهاجرين. ناهيك عن ذلك، كرد ترامب أكثر من مرة مقولته المشهودة المتعلقة بضرورة دفع الحلفاء مقابل الحماية خاصة الأوروبيين. وعلى هدى ذلك، يرسم ترامب معالم سياسة إهمال شديد للإندو-باسيفيك خاصة لإرث التحالفات القوى الذى أسسه سلفه. فابايدن قد رسخ هذه التحالفات على أساس القيم المشتركة أو الديمقراطية تحديدا، والالتزام بالدعم الكامل خاصة المادي لتلك التحالفات ودولها. فإدارة بايدن قد دعمت أوكرانيا بما يقرب من 60 مليار دولار في إطار الحفاظ على الالتزام الأمريكي بدعم الحلفاء. وهذا الأمر أو الدعم تحديدا لا يمكن تصوره في ظل قيادة ترامب، بل على عكس ذلك سيعمل ترامب جاهداً على استنزاف الحلفاء. ستكون محصلتها ضعف هذه التحالفات وربما تفكيكها، وذلك أسوة بكواد الذى تحول في عهد ترامب إلى مجرد منتدى لوزراء الخارجية لتبادل النقاشات التقليدية دون تفعيل سياسات على أرض الواقع. والمخاطر الناجمة عن تدمير إرث تحالفات بايدن سيكون لها تبعات شديدة السوء على مستويات عدة. يكمن أهم خطر في صعوبة ترميم تلك التحالفات والشراكات مرة أخرى حتى في ظل إدارة ديمقراطية في المستقبل. فحبل الثقة بين واشنطن وحلفائها الذى أعاد أوصاله بايدن بصعوبة شديدة، سيتمزق نهائيا، مع علم الحلفاء أن المزاج العام الأمريكي الانعزالي الذى يجسده ترامب في نمو مرعب داخل الولايات المتحدة. بينما تكمن الخطورة الثانية، في منح الصين الفرصة الذهبية لجذب دول التحالف إلى شبكة تحالفاتها وترتيباتها خاصة في الباسيفيك، لاسيما دول تتبع ما يسمى «التحوط الاستراتيجي» في علاقاتها بين بكين وواشنطن كالفلبين وماليزيا وسنغافورة وفيتنام. دول أخرى كأستراليا وكوريا الجنوبية ستضطر إلى الانخراط في شراكات اقتصادية مع الصين. ملخص القول، تعد سياسة بناء التحالفات العمود الفقري أو السياسة الواقعية لاحتواء الصين، وباقي السياسات الأخرى تعد مكملة لها. وبالتالي، فالإجهاز على التحالفات الأمريكية سيعمل على عكس ما يعتقد الكثيرون على تقوية الصين خاصة توسيع رقعة نفوذها السياسي والاقتصادي.

795

| 26 ديسمبر 2024

تحديات المشهد السوري بعد الأسد

تواجه الدول التي تشهد مراحل انتقالية ناجمة عن تغير جذري في نظم الحكم الكثير من التحديات الصعبة التي قد تدوم في بعض التجارب حتى التخلص منها عقودا، ولنا في ليبيا عبرة التي بالكاد تسير على خطى استقرار هش بعد مخاض طويل من العنف وتدخلات دولية جماعية للاستقرار والمصالحة وإعادة البناء. والحالة السورية قطعاً لن تكون استثناء عن مثيلتها من تجارب الانتقال السياسي، بل يمكن القول دون أدنى تهويل إن الحالة السورية تتوازى في حجم التحديات المعقدة مع أصعب تجارب الانتقال السياسي خاصة في أفريقيا، وربما تفوق. وذلك من حيث اقتصاد مدمر بالكلية، وبنية تحتية عبارة عن ركام، غياب تام لمؤسسات خاصة الصلبة، إرث من الصراعات والعداءات الطائفية، أكثر من 20 مليون نازح خارجي، والأخطر من كل ذلك جهات خارجية عديدة متغلغلة في سوريا طامعة في اقتطاع مساحات أوسع من النفوذ. هيئة تحرير الشام بقيادة «أحمد الشرع» أو الجولانى هي من تتحكم في زمام الأمور في سوريا حاليا وسط توافق دولي على شرعيتها. وسرعان ما شكلت الهيئة حكومة انتقالية وسط تعهدات بأولوية إعادة الإعمار وحماية الأقليات وعودة اللاجئين السوريين ونزع سلاح الفصائل. ونظن أن الهيئة بقيادة الجولانى-الذى تحول فكرياً بنسبة 360 درجة- لديها نوايا طيبة في تنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها وتأسيس نظام ديمقراطي تعددي يمثل جميع الأطياف السورية. لكن تلك النوايا الحسنة تواجه بكم من التحديات الأساسية، لعل من أهمها هل ستعمل الهيئة على تأسيس حكومة إسلامية متشددة يعكس التوجه العام لجميع الفصائل المسلحة المنضمة لتحالف الجولانى، أم معتدلة تلامس واقع المشهد السياسي والاجتماعي لسوريا. والتحدي الثاني الأخطر، هل ستتمكن الهيئة بالفعل من نزع سلاح الفصائل وضمهم في جيش وطني. والحقيقة من واقع تجارب هيمنة الفصائل المتشددة على الحكم من الصعب مواجهة هذه التحديات، بل في الأغلب الأعم سرعان ما تتناحر هذه الفصائل في صراعات دموية لا تنتهى. والحالة السورية على وجه الخصوص التي تتشكل من قوميات عديدة بعضها يتمتع بقوة مسلحة ودعم خارجي كالأكراد، تحتاج إرساء سريع مدعوم بقوة خارجياً لقوانين ومؤسسات رادعة لنشر السلاح والتمرد خارج مؤسسات الدولة. تحتاج سوريا وفقا للتقديرات الدولية قرابة الـ 400 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولية، والسرعة في ضخ هذه الأموال الباهظة ضروري لإرساء حالة الاستقرار وعودة اللاجئين، وبث روح الأمل في سوريا جديدة ما بعد الأسد. بيد أن توفير حتى ربع هذه المبلغ يكاد يكون شبه مستحيل، بل إن حتى بعض المانحين الخارجيين سيكون دعمهم لسوريا مشروطا بأطماع وصفقات سرية متضاربة. في أغلب تجارب الانتقال السياسي، كان للعامل الخارجي دور رئيسي في سرعة هذا الانتقال وضمان استقراره، والعكس صحيح فالعامل الخارجي كان مفسداً في كثير من التجارب الأخرى. فالدور الأمريكي «البناء» كان عاملاً رئيسيا في تجارب الانتقال السياسي والديمقراطي في شرق أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وعلى نحو مماثل الدور الفرنسي في بعض تجارب الانتقال الديمقراطي في أفريقيا. ومن المفترض في الحالة السورية شديدة التعقيد، أن العامل الخارجي سيلعب دوراً رئيسياً في التغلب على تلك التعقيدات والتحديات بما في ذلك التحديات المالية. بيد أن جميع معطيات وملابسات الوضع الخارجي لسوريا منذ اندلاع الثورة في 2011 حتى الإطاحة ببشار الأسد؛ لا تشير لدور خارجي «بناء» مرتقب في سوريا. بل تشير بجلاء إلى أدوار خارجية مفسدة. تعد الولايات المتحدة-وتلك حقيقة لا يمكن دحضها- المحرك الرئيسي للأحداث على الأقل في المنطقة. فالقوى الغربية برمتها تتحرك خلف واشنطن. ودور قوى لواشنطن في سوريا يعنى حشد الدعم الدولي لسوريا الجديدة ماليا ودبلوماسيا، وردع تدخلات الأدوار الخارجية المفسدة. والحقيقة أنه قد تبدى منذ اندلاع الثورة السورية وذلك على خلفية الانغماس التام في آسيا، أن واشنطن لا تعنيها سوريا تماما عدا محاربة داعش ومساعدة إسرائيل في القضاء على النفوذ الإيراني. وسوريا الجديدة في ضوء ولاية ترامب ستتداعى تماما من جدول الأولويات الأمريكية. بل ستتحول إلى داعم للقوى الخارجية المفسدة وعلى رأسها إسرائيل التي لم تتوانى عن تنفيذ مخططها الجديد في سوريا بالتوغل التام في الجولان كمقدمة لتأسيس منطقة عازلة حتى أطراف دمشق. وفى ضوء المخاوف الكبيرة المفهومة لبعض أقليات سوريا من حكم سنى متشدد؛ سيكون المجال متاحا لمعظم القوى الخارجية الدولية والإقليمية لتقطيع أواصر سوريا إلى دويلات نفوذ.

1263

| 20 ديسمبر 2024

حسابات روسيا تجاه سوريا

التطور الدراماتيكي المفاجئ في سوريا والذي انتهى بسقوط حكم عائلة الأسد الذي دام قرابة الستة عقود؛ يثير العشرات من الأسئلة الملغزة، من قبيل، هل ما حدث في سوريا كان مخططا له أم مفاجئا؟ من المستفيد الحقيقي من ذلك؟ هل تقف جهات خارجية وراء دعم الفصائل المسلحة؟ هل لإسرائيل يد في تحريك تلك الأحداث؟ وهل سوريا ذاهبة إلى سيناريو التقسيم؟....إلخ. لكن من بين جميع تلك الأسئلة، يعد سؤال لماذا تخلت روسيا بصورة سهلة ومفاجئة عن بشار الأسد؟ هو السؤال الأهم والأخطر-في تقديرنا- لأن هذا التخلي يشير أو يعكس الكثير من الحقائق حول تطورات الأحداث في سوريا ومستقبلها. كانت روسيا في المقام الأول، وبدعم من إيران وحزب الله في المقام الثاني السبب الرئيسي لاستمرار نظام بشار الأسد طيلة عقد ونصف العقد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011. والأهمية الحيوية للدعم الروسي لبشار كانت لا تكمن في قوتها النارية ضد قوات المعارضة ثم ضد داعش؛ بل في وزنها الدولي خاصة في مجلس الأمن لعرقلة أية مخططات غربية لإسقاط بشار أو مشروعات قوانين لتضيق الخناق عليه أو معاقبته. ولأنه لا يوجد عشاء مجاني في السياسة الدولية، فروسيا بدعمها لبشار قد ضمنت قاعدة بحرية عسكرية لها على سواحل المتوسط في «طرطوس»، وأخرى جوية في «حميميم». وبذلك، قد تمكنت روسيا من تمديد نفوذها إلى البحر المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا في إطار سعيها لترسيخ مكانتها كقوى كبرى وتجميع أوراق الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا. وعلى هذا الأساس، لم يكن أحد يتصور أن تتخلى موسكو بسهولة عن بشار الحليف المضمون، وتخاطر بهذا التخلي بتلك المصالح الاستراتيجية التي جنتها على مدار عقد ونصف العقد. فور التقدم السهل والسريع للفصائل المسلحة في حلب دون رادع واضح من جانب موسكو؛ تباينت كبرى الصحف العالمية بخصوص موقف روسيا، وقد استقرت تقريبا على رأيين رئيسيين: مفاد الأول وجود صفقة بين روسيا والقوى الغربية (سوريا مقابل أوكرانيا). والثاني هو الإشارة إلى الخسائر أو الانتكاسة الكبرى لروسيا من فقدان حليفها الأسد، وهو ما يعكس تقهقر لقوة ونفوذ روسيا الدولي والإقليمي، وكسر هيبتها وسمعتها أيضا كقوى عظمى. وحقيقة الأمر، أن تخلى روسيا السريع المفاجئ عن بشار يعكس في طياته إعادة تفكير روسي ممتزج بين الرأيين أو التحليلين؛ سيما وأن التطورات في سوريا وإعادة الحسابات الاستراتيجية لموسكو ليست بمعزل عن التطور الدراماتيكي الأهم وهو وصول ترامب للبيت الأبيض. وفقا لتسريبات متعددة يعد الآن لصفقة بشان أوكرانيا تتمحور حول تعهدات لموسكو بعدم انضمام أوكرانيا للناتو، واعتراف بسيادة تامة لموسكو على القرم وأربعة أقاليم أوكرانية. ووفقا لتسريبات أخرى نحسبها موثوقة، قد جرت تفاهمات مع موسكو بشأن السماح لها ببقاء قواعدها في سوريا. وإذا صدقت هذه التسريبات فهي مؤشر خطير على سيناريو تقسيم قادم لسوريا. في جميع الأحوال، أو بعيداً عن صفقة بشأن تمديد الحضور الروسي في سوريا؛ تعد أوكرانيا حاليا الأهم لروسيا إذا تم الوضع في الحسبان عدة معطيات رئيسية: الفرصة التاريخية لموسكو الممنوحة من ترامب عبر تلك الصفقة، والإنهاك العسكري والاقتصادي الرهيب الذي تئن منه روسيا جراء الحرب الأوكرانية، والضعف الشديد لقوات «فاجنر» بعد مقتل زعيمها والتي تعد ذراع روسية حاسمة لتعزيز حضورها ونفوذها في العالم. الحرب الأوكرانية بلا أدنى شك أنهكت روسيا بصورة كبيرة، ويحسب للغرب بقيادة واشنطن نجاحه في إنهاك روسيا عبر الدعم المتواصل لأوكرانيا. وفى ضوء ذلك، يجب على موسكو حسم الأولويات القصوى للحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ وهيبة. وبالتالي، فخسارة سوريا، أو تحديدا خسارة بعض المكتسبات الاستراتيجية من الدعم المطلق لبشار الأسد، أمر لا بد منه لإنهاء الحرب الأوكرانية والخروج بمكاسب استراتيجية والحفاظ على توازن القوى لروسيا أمام أوروبا. وفوق كل ذلك، حفاظ نظام بوتين على قوته وشرعيته التي كانت في طريقها للتداعي الحتمي بسبب طول الحرب الأوكرانية. خلاصة القول، سوريا مقابل أوكرانيا هو التفسير الواقعي العقلاني المقبول لفهم الأسباب الرئيسية للتخلي السريع والمفاجئ عن بشار الأسد أحد أهم حلفاء روسيا الرئيسيين. وهذا في حد ذاته يعكس أن أوكرانيا هي الأولوية الرئيسية لموسكو، كما يعكس تراجعا في القوة والنفوذ الروسي جراء الحرب الأوكرانية. والمشهد برمته يعكس بجلاء إعادة ترتيب لسوريا منطقه الرئيسي التخلص من جميع أدوات إيران وعلى رأسها الأسد والمستفيد الأول والأهم إسرائيل بلا أدنى شك.

807

| 13 ديسمبر 2024

الخطايا الكبرى للحزب الديمقراطي

فوز ترامب بالاستحقاق الرئاسي كان متوقعاً، لكن المفاجأة كانت في النتيجة فقط، حيث فاز باكتساح شعبي وفي المجمع الانتخابي. واكتسح أيضا السبع ولايات المتأرجحة. وفي مقابل ذلك، فالهزيمة القاسية لهاريس كانت هي المفاجأة وليس هزيمتها عامة. يقف خلف الانتصار الساحق لترامب جملة من الأمور من أهمها الأخطاء الفادحة للحزب الديمقراطي، وهو محط تركيز هذه المقالة. وفي صدد تشريح أخطاء الحزب الديمقراطي القاتلة؛ يمكن التمييز بين مستويين، الأول- الأصغر أو المرحلي. والثاني-الأكبر أو العام وهو الأهم. * على الرغم من أن تلك الأخطاء الصغرى للحزب الديمقراطي لن تبرر «مطلقا» الفوز الساحق لترامب. لكنها ساهمت جزئياً في هذا الفوز الساحق، كما تعكس أيضا طريقة إدارة وتفكير الحزب في إطار الأخطاء الكبرى التي سيتم الحديث عنها. كان الخطأ المرحلي الرئيسي الذي وقع فيه الحزب هو عدم ممارسة ضغوط كافية على بايدن للانسحاب من السباق الرئاسي. بل نعتقد أن إجماع الحزب على ترشحه لفترة ثانية كان خطأ فادحا، وذلك بسبب تقدمه في السن، وظروفه المرضية، وفشله الذريع على الصعيد الاقتصادي والخارجي. والشاهد في الأمر، أن خوض بايدن السباق الرئاسي قد صب في خانة ترامب. بل والأهم من ذلك، أن انسحابه المتأخر من السباق، قد حرم هاريس من فترة كافية للإعداد الجيد لحملتها الانتخابية، والتي تعد أقصر حملة انتخابية في تاريخ الولايات المتحدة. وهذا يدفعنا إلى الخطأ الثاني، وهو إجماع الحزب على خوض هاريس للسباق. إذ بالإضافة إلى حملها لإرث بايدن الفاشل، تفتقد هاريس إلى مقومات الزعامة، والكاريزما، والخبرة. وكل ما سبق، يرتد إلى الخطأ القاتل الثالث وهو استهانة الحزب بترامب، والثقة المبالغ فيها في انتصار هاريس استنادا إلى استطلاعات رأي- غالبا غير دقيقة - وحملة التبرعات التي ناهزت مئات الملايين في غضون أسابيع قليلة، ودعم مشاهير هوليود لهاريس. الهزيمة القاسية للحزب الديمقراطي الذي فقد أيضا الأغلبية في الكونجرس، تتأتى في المقام الأول من مجموعة من الأخطاء العامة القاتلة التي ينتهجها الحزب منذ إدارة أوباما. ويأتي في صدارة هذه الأخطاء بل هي أهمها على الإطلاق، تحول تركيز الحزب من الاقتصاد إلى الهوية. فيما يبدو أن نجاح أوباما- ذي البشرة السمراء - في 2009؛ قد رسخ قناعة لدى الحزب الديمقراطي أن الرهان على الهوية هو الكسبان خلال العقود القادمة في ظل تناقص أعداد البيض الأمريكيين، وطفرات في المقابل في أعداد الملونين من كافة المشارب. وعلى إثر ذلك، بدأ منذ ولاية أوباما تشكيل الحزب ضمنيا ما يعرف بتحالف الأقليات والمهاجرين كحاضنة تصويتية للديمقراطيين، وفي سياق ذلك أيضا يعد الحزب داعما أساسيا لسياسة الهجرة، بحسبانه أن زيادة أعداد المهاجرين ستمثل السلاح القاتل للقضاء على الحزب الجمهوري. ولعل هنا الخطأ القاتل الذي لا يغتفر للحزب هو تغافله أو تنحيته لأهم عامل حاسم في الفوز بالرئاسة الأمريكية وهو «الاقتصاد» وما يتبعه من وعود أو أداء. وهذا بدوره قد نفر بيض الولايات المتحدة من الحزب، الذي كان ما يقرب من نصفهم موالين للحزب. كما نفر أيضا الطبقات العاملة وفقراء الولايات المتحدة من البيض من الحزب، الذي كان يمثل الصوت الرئيسي لهم والحاضنة الأساسية لهم عبر ثوابت العدالة الاجتماعية والاشتراكية المتزنة للحزب. ويمكن القول، إن الفوز الساحق لترامب، قد عكس أو رسخ بجلاء أهمية الاقتصاد كعامل حاسم في الفوز، وليس الهوية. وخير دليل على ذلك، منح ما يقرب من نصف الأقليات والمهاجرين صوتهم لترامب رغم أجندته المعادية لهم، أملا في تحسن الوضع الاقتصادي المتردي، والثقة العالية في أداء ترامب الاقتصادي استنادا إلى ما حققه من نتائج اقتصادية مذهلة في ولايته الأولى. * ثاني هذه الأخطاء الجوهرية للحزب، يكمن في فقدان الحزب لهوية محددة له خلال العقدين الماضيين. فالحزب قد أصبح يعكس أجندة أو سياسات تمزج ما بين اشتراكية المتطرفة للغاية، وليبرالية المتطرفة للغاية أيضا. الهام في صدد ذلك، أن هذا المزيج لا يتماهى مع الأغلبية الساحقة من الأمريكيين، وتقاليد الولايات المتحدة الرئيسية التي تتلخص في ليبرالية علمانية محافظة متزنة. وتنطوي مظاهر هذه الاشتراكية المتطرفة في دعم الحزب لرفع الضرائب لمستويات كبيرة خاصة على الأغنياء. بينما على صعيد الليبرالية المتطرفة فتكمن في قضية الإجهاض القضية الخطيرة، حيث يدافع ويدعم الحزب «الحق المطلق في الإجهاض» دون ضوابط. والخطير في ذلك أن قضية الإجهاض تحديدا لم تنفر الأغلبية الأمريكية المحافظة من الحزب. بل قد نفرت الملايين من المهاجرين من الحزب بما في ذلك مسلمو الولايات المتحدة. * وثالث هذه الأخطاء تتمحور حول انفصال الحزب عن واقع المزاج الأمريكي العام. فمنذ كارثة حرب العراق 2003، تنامى مزاج عام أمريكي ينادي بالمزيد من الانعزال في السياسة الخارجية، والكف عن لعب واشنطن الدور المهيمن في العالم، ودعم حلفاء وحروب وقواعد عسكرية أنهكت الاقتصاد الأمريكي بتريليونات الدولارات. وهذا المزاج الانعزالي المتنامي باطراد أصبح يجد ضالته في ترامب الانعزالي الصريح. بينما لا يزال الحزب الديمقراطي يدافع ويدعم ما يسمى عودة الدور الأمريكي في العالم وسياسة دعم الحلفاء.

1110

| 19 نوفمبر 2024

الدلالات البعيدة للاصطفاف الكوري مع روسيا

بحسب مصادر موثقة أرسلت كوريا الشمالية قرابة العشرة آلاف جندي إلى روسيا، بعض منهم شارك بالفعل مع القوات الروسية في معاركها في أوكرانيا، والبقية الباقية تتلقى تدريبات للانضمام لاحقاً. كما أكدت مصادر أخرى موثوقة عن خطط لإيفاد كوريا أعدادا أخرى من المقاتلين قريباً. الدعم العسكري الكوري المباشر لروسيا لا يمثل أو يعكس نتاجا طبيعيا لتطور العلاقات الأخير بين روسيا وكوريا، والذي أثمر اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة في يونيو الماضي، بل فعلياً يعكس دلالات جوهرية بعيدة المدى يجب النظر فيها بعمق. بلا أية مواربة، يعكس هذا الدعم نواة لتحالف عسكري صلب بين القوة المناوئة للغرب وتحديدا روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران. فهذا الدعم الكوري لن يتم إلا بضوء أخضر صيني، فكما أن إسرائيل ولاية أمريكية بامتياز، فكوريا الشمالية أيضا تعد ملكية حصرية للصين مع بعض الاختلافات. وعلى إثر ذلك أيضا، أصابت التحليلات القائلة بأن الحرب الأوكرانية هي مجرد ساحة استنزاف بين الغرب والشرق أو تحديدا بين الصين والولايات المتحدة، أصابت كبد الحقيقة. فالولايات المتحدة تسعى من وراء الدعم القوى لأوكرانيا لاستنزاف أهم حليف للصين وهو روسيا، وفى المقابل ترى الصين أن الدعم الغربي (الأمريكي-الأوروبي) لأوكرانيا هو بمثابة استنزاف عسكري واقتصادي رهيب للغرب. وبالتالي، فالدعم الكوري هو مساندة إنقاذ قوية لروسيا التي تقهقرت بصورة كبيرة بعد التوغل الأوكراني لكورسك بفضل الدعم الغربي العسكري القوى. وبصورة أكثر وضوحاً، لاستمرار المعارك في أوكرانيا لاسيما في ضوء الإشارات الغربية القوية بالسماح بأوكرانيا بضرب أعماق روسيا بأسلحة متطورة. إذ في صدد ذلك، يمثل التعاون المتطور بين روسيا وكوريا جبهة ردع نووية قوية للكتلة الغربية برمتها. علاوة على ذلك، تمتلك كوريا منظومة صواريخ بالستية متطورة قادرة على اختراق أعماق الولايات المتحدة. ومن ثم، فهذا التعاون قد ينظر إليه على انه رسالة تحذيرية قوية للغرب ضد أية خطط أو نوايا وشيكة لضرب أعماق روسيا. وفى سياق نفس المضامين والتداعيات، يعد هذا التحالف العسكري، الذي قد ترجم عن عمد بتورط مباشر كورى في المعارك الأوكرانية، رسالة تحذيرية قوية للدول الإقليمية خاصة كوريا الجنوبية واليابان الطامحة في امتلاك سلاح نووي، أو للتخلي عن فكرة تدعيم التعاون العسكري مع واشنطن كنواة لتشكيل ناتو آسيوي يضم كل خصوم الصين الآسيويين. وينبغي هنا الإشارة الى أن هذا الدعم يأتي في سياق التصعيد العنيف بين إيران وإسرائيل، والذى ينذر بضرب إسرائيل لمنشآت إيرانية حيوية بما في ذلك المنشآت النووية، وإذا حدث ذلك فستضرر الصين ضرراً بالغاً باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخليجي عامة حتى الإيراني. وحتى المناورات الصينية الأخيرة حول تايوان تندرج في سياق الرسائل التحذيرية لواشنطن من مغبة السماح لإسرائيل بضرب المنشآت النفطية الإيرانية. وعلى هدى ما سبق أيضا، فمن البديهي أن الحرب الأوكرانية سيطول أمدها، ومع فوز ترامب فمن المرجح استمرار الحرب لكن مع تقليص الدعم الأمريكي لأوكرانيا. خلاصة القول، نرى في تقديرنا الخاص، أن التورط العسكري الكوري المباشر في الحرب الأوكرانية، يمثل الإعلان الأولي الفعلي أو العلني للتحالف الشرقي العسكري الأعظم ضد التحالف الغربي بقيادة واشنطن. وهذا الصراع بين التحالفين قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة-وإن كان ذلك غير مرجح بصورة كبيرة- لكنه من المؤكد يؤسس لنظام جيوسياسى-اقتصادي عالمي جديد بقيادة الصين، بديل عن النظام الغربي المهيمن عليه غربياً.

798

| 11 نوفمبر 2024

الحسم الصيني تجاه تايوان

أنهت الصين مؤخراً مناورتها الثانية حول تايوان التي تجريها هذا العام والتي تحمل اسم "السيف المشترك 2"، والتي أجرتها عقب الخطاب الذي ألقاه رئيس تايوان "ويليام لاي" في العاشر من أكتوبر بمناسبة اليوم الوطني. ويذكر أن مناورة "السيف المشترك 1" قد أجرتها الصين في يناير الماضي عقب انتخاب "ويليام لاى" رئيسيا للبلاد. وجاءت المناورة الأولى في يناير ردا على انتخاب "ويليام لاي" شخصياً بحسبانه من أشد حكام تايوان تأييداً للانفصال، وتعده الصين من أكبر أعدائها. والمناورة الثانية ردا على ما تعهد به "ويليام لاي" من تعزيز الانفصال عن الصين في خطابه يوم 10 أكتوبر. وتعد المناورة الأخيرة أو الثانية "السيف المشترك 2"، ليست مناورة عادية ضمن المناورات المكثفة التي قامت بها الصين في محيط تايوان خلال الأعوام الثلاثة الماضية. بل تعد استثنائية تحمل دلالات حاسمة قاطعة في حول النوايا الصينية تجاه تايوان. وتكمن استثنائية المناورة في شقين أساسيين، أولهما هو نطاقها عالي الكثافة بصورة غير مسبوقة، حيث شملت المناورة استخدام عدد كبير من المقاتلات والسفن الحربية، كما شملت أيضا محاكاة حرب شاملة لمحيط لتايوان والجزر التابعة لها. والشق الثاني ولعله الأخطر، هو تصريح الصين أثناء وبعد الانتهاء من المناورة "بأنها لن تتخلى أبدا عن خيار القوة لضم الجزيرة". والخبراء في الشأن الصيني، وتحديدا القضية التايوانية يعلمون تماما أن تصريحات من هذا النوع متزامنة مع مناورات حرب حقيقية واسعة النطاق؛ تعكس حسما أو قرارا صينيا بضم الجزيرة للسيادة الصينية سواء سلماً أو قسراً. ويعكس ذلك بصورة أوضح أن قرار الضم "لا تراجع عنه"، إذ سيحدث يوما ما. وبالتالي، فحتى الخيار التقليدي "دولة واحدة ذات نظامين" الذي مضت فيه الصين لعقود؛ لم يعد مقبولا لدى الصين على المدى البعيد. إذ قد تتقبل الصين هذا الخيار شريطة وجود نظام في تايوان موال لبكين، أو موافق على هذا الخيار على المديين القصير والمتوسط، لكن على المدى الطويل فالصين قد حسمت الأمر. ويحسب للصين اتباعها نهجا عقلانيا رشيدا في جميع خطواتها وسياستها الخارجية، كما تتحلى السياسة الخارجية للصين بالصبر الاستراتيجي النموذجي. ومغزى ذلك أن قرار الحسم تجاه تايوان لا ينبع من حماسة قومية متطرفة أو غير عقلانية قد تهوي بالبلاد للانتحار، إذ تعد تايوان قضية وطنية عليا لا جدال عليها في الصين. بل نابع من تقدير رشيد لحسابات وموازين القوة الصينية، وقراءة رشيدة أيضا لحسابات ومواقف وحدود العائق الرئيسي لضم تايوان، وهو العائق الأمريكي. تايوان بالنسبة لواشنطن ليست مجرد التزام شبه أبدى بحمايتها، بل في مدركات الحسابات الاستراتيجية لواشنطن يعد التخلي عنها خاصة للصين إقراراً بانهيار الهيمنة الأمريكية التي ترتكز بصورة رئيسية على الحضور العسكري الراسخ خاصة البحري في جنوب وشرق آسيا والمحيط الهادئ. كما أن موقع تايوان الاستراتيجي حاسم في توطيد هذا الحضور. بيد أن ثمة العديد من المظاهر الدالة أو المرجحة على ضعف الإرادة الأمريكية إذا تطلب الامر موقفا حاسما أو عسكريا تجاه تايوان. على رأس هذه المظاهر هو التراجع العام في القوة الأمريكية خاصة الاقتصادية، بالتوازي مع ذلك تنام لافت لجميع مؤشرات القوة الصينية. فالصين عسكريا واقتصاديا قد اقتربت من موازنة الولايات المتحدة، بل اقتصاديا ستحتل الصدارة عالميا بحلول عام 2035 وفقا لجميع المؤشرات العالمية. وواقع الأمر، أن التراجع الأمريكي تظهر ملامحه بوضوح سنة تلو الأخرى. ففي ولاية بايدن قد تبدى بوضوح في العجز أما روسيا، والتدهور الاقتصادي الرهيب داخليا، والاعتماد على الحلفاء بصورة أساسية حتى في مواجهة الصين من خلال تشكيل تحالفات أمنية قوية مع خصوم الصين. ومن المؤشرات القوية جدا التي لا تنال اهتمام كاف من البحث، هو حالة الانقسام الشديد التي تعانى منها الولايات المتحدة، والتنامي الرهيب للمزاج الانعزالي والشعوبي الداخلي الذى يمثله ترامب أو الظاهرة الترامبية. تلك المؤشرات خاصة التوجه الانعزالي المتمدد حتى في غياب ترامب، ستلعب دوراً حاسما في إضعاف الإرادة الأمريكية تجاه تايوان. فالرأي العام الأمريكي بسبب وطأة التردي الاقتصادي، وحروب واشنطن السابقة عديمة الجدوى خاصة الحرب في أفغانستان؛ قد أصبح أكثر تأييدا لضرورة الانكفاء أو الانعزال عن العالم. فبحسب الاستطلاعات الأمريكية، يعارض قطاع عريض من الأمريكيين مسالة استمرار لعب الولايات المتحدة دوراً قياديا في العالم يستنزف التريليونات من الخزينة الأمريكية. بل وأكثر من ذلك، ثمة تذمر واسع بين الأمريكيين بشان دعم ما يسمى الحلفاء وعلى رأسهم أوكرانيا وإسرائيل. إذ يرون أن لا مصلحة ولا تهديد حقيقي يستدعى هذا الدعم. وبالتالي، سيشكل الضغط الانعزالي العام في أمريكا عائقا رئيسيا في الأجل الطويل أمام استمرار الدعم القوى لتايوان، والأهم الانخراط في حرب مدمرة كل هدفها الحفاظ على الهيمنة الأمريكية. ملخص القول، قد حسمت الصين أمرها بضم تايوان آجلا أم عاجلا، وعلى الأرجح في غضون عقد من الزمان. ويستند هذا الحسم على تفوق متنام في القوة، وتراجع في قوة واشنطن أخذ في التنامي. وهذا في حد ذاته سيجعل قرار واشنطن بشن حرب لأجل تايوان المسمار الأخير في نعش الهيمنة الأمريكية المتداعية.

1359

| 22 أكتوبر 2024

هل انتهى حزب الله؟

تعرض حزب الله اللبناني لسلسلة من الضربات القاسية في فترة وجيزة وبشكل غير متوقع، بلغت ذروتها باغتيال حسن نصر الله الأمين العام للحزب والرمز التاريخي له. وبعد هذه السلسلة القاسية للحزب التي أدت إلى اغتيال الأغلبية العظمى من قيادته، وانكشافه أمنياً بصورة فاضحة، وتدمير الكثير من قواعده في الجنوب، وأخيراً مقتل زعيمه التاريخي. أمسى أهم سؤال مطروح الآن وهو: هل انتهى حزب الله في لبنان بعد سجل حافل طويل من حلقات المقاومة قد بدأ منذ الثمانينيات؟ هناك سببان رئيسيان قد جعلا استقراء مستقبل الحزب ضرورة ملحة، وبناء عليهما أيضا قد خلص كثيرون إلى انتهاء حزب الله عمليا أو فعلياً من لبنان. أولهما بالقطع اغتيال أهم شخصية في تاريخ الحزب حسن نصر الله. فالأخير له مكانة رمزية كبيرة للغاية ليس فقط بين صفوف الحزب بل وسط جميع حركات المقاومة، ليس بسبب كاريزميته وحسب بل في طريقة إدارة الحزب والنجاحات الكبيرة التي حققها على صعيد مقاومة إسرائيل، وقدرته البارعة على إدارة التوازنات وتقوية الحزب تنظيميا وعسكريا. ومن ثم، من الصعب للغاية توافر بديل مثل حسن نصر الله. والسبب الثاني هو الانهيار السريع للغاية للحزب، وهو ما يشير- ضمن جملة أمور أخرى - أن قدرات الحزب التي عمل على تقويتها على مدار أربعة عقود لم تكن سوى فقاعة سرعان ما انفجرت أمام أول اختبار حقيقي. و»حقيقي» هنا تشير إلى عزم جدي من قبل إسرائيل وبمباركة حلفائها على إنهاء حزب الله بصورة نهائية. ثمة مسلمة رئيسية تم اختبارها مراراً مفادها صعوبة استقراء مستقبل حركات المقاومة مهما تعرضت من انتكاسات كبرى. إذ على سبيل المثال لا الحصر، عادت حركة طالبان للحكم وبصورة أقوى في أفغانستان بعد تموضعها كحركة مقاومة للاحتلال الأمريكي لفترة ناهزت العشرين عاماً. حزب الله نفسه تعرض طوال تاريخه لانتكاسات كبرى كان من أبرزها اغتيال أمينه العام الثاني «عباس الموسوي» عام 1992 بغارة جوية إسرائيلية. وفي حرب لبنان الثانية عام 2006 قد مني الحزب بخسائر كبيرة رغم انتصاره في الحرب. ومع ذلك، عاد الحزب أقوى مما كان. فحركات المقاومة تختلف جذريا عن الدول وذلك من حيث العقيدة الاستشهادية التي يحملها مقاتلو هذه الحركات، وعقيدة حركة المقاومة ذاتها التي تجعل عملية تجديد صفوف الحزب خاصة من جانب الشباب عملية لا تنضب، خاصة إذا كانت لمقاومة احتلال. هذا فضلا عن التكتيكات والأساليب القتالية غير التقليدية التي تستخدمها هذه الحركات والتي تجعل هزيمتها من جانب جيوش نظامية أمراً صعبا للغاية. وحزب الله على وجه الخصوص يتمتع ببعض الخصوصيات الرئيسية أهمها اثنان وهما هيمنته وشعبية الكبيرة في جنوب لبنان، فجنوب لبنان يعد شبه دولة يسيطر عليها حزب الله تماما. والثاني قوى المساندة الخارجية الرئيسية له وهي إيران. وإزاء جميع المعطيات السابقة يمكن القول إنه من حيث المبدأ من غير الملائم أو المنطقي الجزم بانتهاء حزب الله في لبنان، ومن ناحية أخرى من الصعب التكهن أيضا بمستقبل حزب الله في لبنان. فالحزب حركة مقاومة بالأساس لديه أكثر من مائة ألف مقاتل، ولا يزال بحوزته أسلحة دقيقة مدمرة، والأهم من ذلك أن قرار إنهاء دور الحزب يخضع بصورة كبيرة لإرادة ورغبة إيران. وبالتالي، فمن حيث المبدأ نقدر أن حزب الله باقٍ في جنوب لبنان، وربما الاختلاف أو ما يصعب الجزم به هو مستوى قوته ونوعية دوره في المرحلة المقبلة. ويتضح ذلك من أمرين رئيسيين وهما استمرار عمليات المقاومة ضد إسرائيل فور اغتيال نصر الله، والثاني قيام إيران بضرب إسرائيل بسلسلة من الصواريخ الباليستية ردا على اغتيال حسن نصر الله ومساندة الحزب. وفي التقدير الأخير، حزب الله لم ينتهِ فعليا، ولن ينتهي من الوجود. سيبقى لكنه يعاني من حالة ضعف وتخبط شديدة ستدوم لفترة طويلة نسبيا. وسينعكس هذا الضعف بالقطع على مستوى المقاومة تجاه إسرائيل ومستوى نفوذه الطاغي على الداخل اللبناني. وفي القول الأخير من الصعب تصور تخلي إيراني مطلق عن حزب الله المساهم الرئيسي في تمديد النفوذ الإيراني في منطقة الشام برمتها.

2730

| 07 أكتوبر 2024

عندما يكون الخيار خسارة كل شيء أو التضحية ببعض الأشياء!

في ضوء حرب لبنان الثالثة التي أشعلتها إسرائيل عبر قصف عنيف غير مسبوق على جنوب لبنان، وبعض الأماكن المتفرقة في لبنان. قد أصبح أهم سؤال مطروح على الإطلاق:هل تخلت إيران عن حزب الله؟ والواقع أن هذا السؤال قد تم طرحة مبكراً منذ اغتيال فؤاد شكر مرورا بتفجيرات البيجر؛ لكن باتت الإجابة عليه مسألة في غاية الإلحاح إثر التعثر الواضح الذي يواجه الحزب في حربه أمام إسرائيل؛ وقد كانت أخطر مظاهر ذلك اغتيال حسن نصر الله إثر قصف مدو على مقر قيادة الحزب. لا يمثل حزب الله تنظيم مقاومة مسلحة عادي لإيران، إذ تعتبره درة حركات المقاومة، والتجربة الأكثر إلهاماً لباقي حركات المقاومة. هذا إلى جانب اعتبارات أخرى عقائدية وتاريخية وتنظيمية، إذ بحسب بعض الخبراء الإيرانيين توازي قوة حزب الله قوة الحرس الثوري الإيراني. والحقيقة إن كل تلك المعطيات السابقة تضع جميع المحللين في حيرة عظيمة، وهي لماذا لم تتدخل إيران بصورة مباشرة عاجلة لإنقاذ الحزب. بل ربما هناك هالة من الغموض تتعلق بأوامر إيرانية للحزب بعدم استخدام ما بحوزته من أسلحة وصواريخ ثقيلة دقيقة ضد إسرائيل. بلا أدنى شك أو مواربة تواجه إيران، أو فرض عليها وضع شائك شديد التعقيد وربما غير مسبوق. إذ تواجه تحديداً خطة إسرائيلية محكمة معدة سلفا-ناجحة حتى الآن- منذ طوفان الأقصى لدفع إيران دفعاً لحرب مفتوحة معها، ومدخل هذه الحرب هو بالتأكيد حزب الله، وإذا فشلت ورقة حزب الله لن يكون هناك مدخل آخر حيث توجيه دفعة الحرب مباشرة تجاه إيران. واختصاراً، في تقديرنا المتواضع، منطلق حسابات إيران حاليا يتمحور حول «إما خسارة كل شيء أو التضحية ببعض الأشياء». بجمل أكثر وضوحا، تفطن إيران جيداً أن التدخل المباشر لإنقاذ حزب الله سيترجم مباشرة لتدخل الولايات المتحدة. ومن ثم، فعلى اقل تقدير سيكون ذلك كارثيا على النظام الإيراني وربما يؤدى إلى انهياره مع تحويل الدولة إلى أشلاء، ما لم تكن المنشآت النووية محل استهداف عنيف وهو أكثر ما تخشى منه إيران، بل هو عينه «خسارة كل شيء». والتضحية ببعض الأشياء والمقصود بالطبع «حزب الله»، لا يعني تخلي إيران بصورة كاملة عن الحزب. بل العمل على وقف استنزافه جنبا إلى جنب عرقلة مخطط إسرائيل الأوسع. ويتبدى ذلك بجلاء من مستويات وطبيعة التحركات الإيرانية منذ بدء ضرب إسرائيل جنوب لبنان. ففي اليوم الأول لبدء ضرب الجنوب، بل فور ضرب الجنوب، أعلنت إيران أنها لا تعادي أحدا في المنطقة، ولا تريد الحرب مع أي طرف، ولا تسعى إلى امتلاك قنبلة نووية. وبالتوازي مع ذلك، أُعطي ضوء أخضر واضح لما تسمى جبهات إسناد المقاومة في العراق واليمن للهجوم على إسرائيل من أجل التخفيف عن الحزب. فضلا عن تسريبات تشير إلى انتقال عناصر من تلك الجبهات وعناصر من الحرس الثوري إلى جنوب لبنان لمساندة حزب الله. وناهيك عما سبق، قد اتضحت الصورة كاملة من خلال تصريحات الرئيس الإيراني الإصلاحي «بزشكيان» إبان حضوره اجتماعات الجمعية العامة وقبلها، والتي قال فيها تصريحات مثيرة للجدل، حيث وصف الأمريكان كأخوة وإيران تسعى للتقارب مع واشنطن، وأعلن استعداد إيران لإبرام صفقة سريعة بشأن البرنامج النووي، وعدم رغبة إيران مطلقا في الحرب الشاملة في المنطقة. ويشير ذلك وهو مربط الفرس صراحة إلى تركيز الجهد الإيراني على ترتيب اتفاق مع واشنطن تقوم بموجبه الأخيرة بالضغط على إسرائيل لثنيها عن مخططها الأوسع، على اعتبار أن لا حل غير ذلك. وربما المقابل هو إحراز تقدم في الاتفاق النووي، والتعهد بتحييد حركات المقاومة ضد إسرائيل بما في ذلك حزب الله. وتعول طهران على تحرك أمريكي مدعوم غربيا خاصة من جانب فرنسا، من منطلق وعيها التام أن تدمير إيران ليس في مصلحة واشنطن بالمقابل. فإيران هي الذريعة الرئيسية للتواجد الأمريكي العسكري في المنطقة، وإبرام صفقات تسليح مع الخليج تناهز المليارات. ملخص القول، إن إيران في وضع لا تحسد عليه، قد جعل حساباتها تتمحور في خيار إما خسارة كل شيء أو التضحية ببعض الأشياء. إذ من الواضح أنها على استعداد لقبول وضع ضعيف لحزب الله في جنوب لبنان، مقابل بقاء النظام وعدم المساس مطلقا بالحلم النووي.

813

| 30 سبتمبر 2024

خيارات صعبة أمام «حزب الله»

باعتراف السيد حسن نصر الله - قبل إقرار جميع المراقبين - تعرض حزب الله على خلفية تفجيرات أجهزة «البيجر» اللاسلكية لأكبر عملية اختراق أمنى في تاريخه. وهي ضربة موجعة للحزب بحسب كلام نصر الله بسبب أيضا استهدافها لأكثر من خمسة آلاف من كوادر الحزب ما بين قتيل ومصاب في يوم واحد. وبعد مرور ساعات قليلة على تفجيرات البيجر، تعرضت ما تسمى «وحدة الرضوان» التابعة للحزب لضربة إسرائيلية أودت بحياة عدد من عناصر الوحدة، ومقتل القيادي البارز «إبراهيم عقيل». يواجه حزب الله بلا أدنى شك مأزقا غير مسبوق في تاريخه؛ حيث أصبح الرد على إسرائيل أمرا حتميا وجوبيا للثأر لشهدائه، واستعادة مكانته التي اهتزت كثيراً ليس بعد البيجر بل منذ سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة الحزب العسكريين من الصف الثاني والتي توجتها إسرائيل باغتيال فؤاد شكر، وتقويض مستهدف إسرائيل من الحزب التي تسعى بحسب آخر تصريحات مسؤوليها إلى تجريد قدرات حزب الله. وعلى الرغم من امتلاك حزب الله لقدرات عسكرية كبيرة ومتطورة، خاصة صاروخية قادرة على هز أعماق إسرائيل بعنف وحسم، وتماسك قدراته خاصة البشرية حيث يمتلك أكثر من مائة ألف مقاتل مدربين على خوض المعارك. بيد أن خيارات رد حزب الله أمست شديدة الصعوبة. في ظل الظرف الحساس الذي يمر به حزب الله، فمن الطبيعي أن يكون أمامه ثلاثة خيارات للرد وهما: عدم الرد بالأساس، أو الاستمرار في خيار الاشتباك العادي، أو الرد الحاسم العنيف. ونضيف أيضا بصعوبة التكهن بأي خيار من الثلاثة. وعلى كل، فخيار الرد الحاسم سيفضي بلا أدنى مواربة إلى عواقب وخيمة على الأقل على لبنان، وليس بالضرورة إلى حرب شاملة التي توسع الكلام عنها بلا داعٍ. إذ بمجرد بدء الحزب بالرد الحاسم الانتقامي ضد إسرائيل، ستصبح لبنان برمتها في مرمى آلة العنف والتدمير الإسرائيلية الرهيبة كما حدث في 2006. ولعل المعضلة العويصة التي تواجه الحزب بشأن هذا الخيار هو تأهب إسرائيل لهذه اللحظة ومعها ضوء أخضر أمريكي ظهر جليا بعد تفجيرات البيجر، بل إن كل ما تقوم به إسرائيل ضد حزب الله هو بغرض جره إلى الحرب الواسعة. ويتوقع الحزب شن إسرائيل لحرب على لبنان وجنوبه تحديداً تفوق في شراستها أضعاف حرب 2006 لاسيما في ضوء التغير التام في أسباب الحرب واستعداد إسرائيل لها مقارنة بعام 2006. على الرغم من طرح الكثير من المحللين لخيار عدم الرد من جانب الحزب وذلك انطلاقاً من حالة الانكشاف والضعف التي تمر على الحزب خلال تلك الفترة، أو استجابة لطلب من إيران في سياق سياسة الهدوء والحذر والصبر التي تتبعها خاصة أمام العواصف العاتية، أو لرغبة حكيمة لتجنيب لبنان أتون نار سيجهز عليه تماما في ضوء الضعف الشديد الذي يعانى منه. وبغض النظر عن المنطلقات أو أيا ما كانت، فخيار عدم الرد له عواقب شديدة الوطأة على الحزب. فعدم الرد يعني صراحة إقرار الحزب بالهزيمة. وثمة الكثير والكثير من التداعيات الخطيرة جراء ذلك، فمن ناحية سيشجع إسرائيل على الاستمرار في استنزاف وتجريد قدرات الحزب. ومن ناحية أخرى، سيؤدي ذلك إلى إضعاف الروح المعنوية داخل الحزب، ومن ناحية ثالثة ستصبح شعبية ومكانة الحزب على المحك. في خطاب السيد حسن نصر الله عقب تفجيرات البيجر، قد أقر بلا مكابرة بالضربة المدوية التي تلقها الحزب. لكنه في ثنايا الخطاب قد أكد جازما بالرد وعدم التخلي عن التصعيد في الجبهة الجنوبية وعدم التخلي عن أهل غزة وعدم السماح لإسرائيل باختراق جنوب لبنان بريا. ويشي ذلك من حيث المبدأ أن خيار عدم الرد مستبعد إلى حد كبير. وفي ضوء العواقب المدمرة للرد الحاسم فهذا الخيار مستبعد بدرجة كبيرة أيضا. إذن ما تبقى هو خيار الاستمرار في قواعد الاشتباك التقليدية التي بدأت منذ طوفان الأقصى. بيد أن هذا الخيار-رغم تفضيله مرحليا من جانب الحزب-قد بات بلا جدوى، بل يعد رسالة لإسرائيل لاستكمال مخطط التجريد والتصعيد. في النهاية، يمر حزب الله بفترة عصيبة غير مسبوقة في تاريخه، إذ يواجه خصما يسعى بشتى الطرق إلى جره في حرب مفتوحة ستكون تكلفتها تدمير لبنان برمتها-على الأقل- ومن ثم، فجميع الخيارات المتاحة أمام الحزب لردع إسرائيل بات أصعب من بعض، ويصعب التكهن بواحدة منها.

852

| 23 سبتمبر 2024

الهوية والعداء.. إيران ـــ إسرائيل كنموذج

يمثل العداء أو الصراع الطويل الممتد من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 حتى الوقت الحاضر بين إيران وإسرائيل، النموذج المثالي الذي يتم الاستشهاد به عند دراسة دور الهوية كمحدد رئيسي للصراع في النظام الدولي. فهذا الصراع على وجه الخصوص، وكثير من الصراعات المتقاربة حتى الصراع بين الصين والولايات المتحدة، والأخيرة والاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة؛ قد دحض تماما تصورات المدرسة الواقعية الراسخة في النظام الدولي والتي أطرت أي صراع دولي في مقاربات القوة والنفوذ والأمن والحدود السيادية والهيمنة. مع عدم إنكارنا ببواعث هذه المقاربات في الكثير من الصراعات والعداوات بين الدول. يجادل أنصار المدرسة البنائية التي أحدثت ثورة هائلة في حقل العلاقات الدولية، وغيرهم من أنصار التفسيرات غير المادية للصراعات، بأن الهوية تشكل المحدد الرئيسي لسلوك الدول. بعبارة أخرى، إن أي سلوك أو سياسة خارجية للدولة هو انعكاس لهويتها التي تشكلت عبر مزيج من التقاطعات التاريخية والقومية والإيديولوجية. وفي طور هذه الهوية يتم تكريس «نحن»، و»الآخرون» وهم الأعداء المختلفون معنا في العقيدة أو الثقافة أو يحملون قومية معادية لنا، أو لدينا ميراث عدائي تاريخي معهم، والقضية هنا ليست كيف أصبح الآخرون أعداء لنا، حيث الأسباب لا حصر لها. المهم أنهم أعداء أو مختلفون عنا، ويتم تكريس ذلك كهوية وطنية للدولة تنعكس في الخطابات الرسمية والتنشئة السياسية والاجتماعية ومناهج التعليم وبرامج النخب والمعارضة ووسائل الإعلام. وعند النظر لجوانب مختلفة للعداء المستحكم بين إيران وإسرائيل يتبدى لنا كيف أنه النموذج المثالي لعامل الهوية. إذ من جانب ليس هناك حدود مشتركة بين الدولتين، ومن جانب ثانٍ ليس هناك ميراث عدائي تاريخي بين الدولتين قبل الثورة الإيرانية، حيث كان نظام الشاه يتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل. ومن جانب ثالث هناك قوى إقليمية منافسة كبرى لكلا الدولتين، بمعنى آخر يحاط بإيران عدة قوى منافسة متعددة كتركيا وروسيا وباكستان، وعلى الجانب الإسرائيلي يحاط بها عدة قوى إقليمية منافسة كمصر والعراق وسوريا. ومع ذلك، يرى كل طرف الآخر كتهديد وجودي مقارنة برويتهم للقوى الأخرى كقوى منافسة فقط رغم اختلاف الهوية أيضا. وبالتالي، يكمن السر في الهوية العدائية التي تطورت وتكرست على مدار أربعة عقود. إذ منذ اندلاع الثورة الإيرانية وإسرائيل ومعها حليفها الرئيسي الولايات المتحدة هي الشيطان الأعظم بحسب مفردات الخطاب الإيراني، التي يجب استئصالها من المنطقة. وعلى الجانب الآخر، تبلورت هوية إسرائيلية ترى في إيران العدو الوجودي الرئيسي لإسرائيل. ويعد الصراع بين الدولتين حول البرنامج النووي والذي قد ينجرف إلى حرب إقليمية، كاشفا بوضوح لعمق تأثير الهوية العدائية. إذ لماذا يشكل البرنامج النووي لإيران على وجه التحديد خطرا وجوديا على إسرائيل، على الرغم من امتلاك باكستان القوى السنية الكبرى لقنبلة نووية. بعبارة أخرى، لماذا لا تسعى إسرائيل لتدمير البرنامج النووي لباكستان، ولماذا سمحت به بالأساس وبرضا أمريكي. الإجابة ببساطة لأن باكستان وبكل صراحة لم تتبلور لديها هوية عدائية تجاه إسرائيل بحيث تصبح تهديدا وجوديا لها، بل هوية باكستان العدائية منصبه تماما نحو الهند، والعكس صحيح حيث يرى مسلمو الهند باكستان العدو الرئيسي لبلدهم. والأمثلة لا حصر لها، فإيران الشيعية ترى في أذربيجان الشيعية عدوا لها وقد تجلى ذلك في مساندة أرمينيا المسيحية الأرثوذكسية في الحرب الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان. والسبب الرئيسي في عرقلة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي هو الهوية الأوروبية المشتركة التي ترى في تركيا آخر غريب مهدد لتلك الهوية؛ على الرغم من إيفاء تركيا بمعظم مطالب الانضمام. وينطبق ذلك على كل الدول الأوروبية المسلمة كالبوسنة وألبانيا.

1089

| 16 سبتمبر 2024

آمال استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن

بينما كان العالم ينتظر الرد الإيراني المدوي ضد إسرائيل على خلفية اغتيال هنية في طهران؛ قد تفاجأ في أواخر أغسطس، بعد انتظار شهر كامل، بتصريحات إيرانية رسمية مفادها فتح الباب لإحياء المفاوضات النووية مع واشنطن التي قد توقفت مع اندلاع الحرب الأوكرانية دون إحراز أي تقدم. وما لبثت بعض الأقلام أن استنتجت أن إحياء المفاوضات هو الثمن أو التسوية التي تمت سراً بين طهران وواشنطن لثني إيران عن ضرب إسرائيل ومنع اندلاع حرب شاملة في المنطقة. وربما كان هناك تسوية سرية بين الجانبين، وربما «لا». لا شك أن كلا الجانبين لديهم الرغبة في استئناف المفاوضات النووية؛ لكن فيما يبدو أن إحياء المفاوضات في هذه المرة قد جاء كمبادرة إيرانية من جانب واحد. ويتبدى ذلك من خلال تصريحات إدارة بايدن التي قالت نصاً «سنحكم على إيران من خلال الأفعال وليس الأقوال»، كما صرحت الخارجية الأمريكية أن إيران قد خصبت اليورانيوم بصورة تجعلها قادرة على إنتاج سلاح نووي في غضون أسبوعين، كما عليها عدم المناورة والتعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية. وتتطابق التصريحات مع التقرير الفصلي للوكالة الذي قال إن إيران قد خصبت اليورانيوم بنسبة 60 % وهي بذلك قريبة من نسبة التخصيب النووي وهي 90%، كما تمتلك مخزونا كافيا من البلوتونيوم لإنتاج قنبلة نووية واحدة على الأقل. كما أشار التقرير أيضا إلى رفض إيران زيارة كبار مفتشي الوكالة لمنشآتها النووية. لا نرى أن تفجير إيران من جانب واحد لقضية إحياء المفاوضات مناورة متعددة الأبعاد من جانبها للتملص من الرد على اغتيال هنية، أو تهدئة الأجواء مع واشنطن وعرقلة مساعي نتنياهو لحرب شاملة؛ بل هي جادة في ذلك. ويتبين ذلك أولاً من تصريحات القيادة الإيرانية وخاصة الرئيس الإيراني «بزشكيان» الذي قال صراحة في أكثر من مناسبة إن إعادة العلاقات أو خفض التوتر مع واشنطن يرمي بالأساس إلى رفع العقوبات عن الشعب الإيراني، وقد قال المرشد الأعلى ووزير الخارجية الإيراني تصريحات مشابهة في إحدى المناسبات. وثانيا وهو الأهم هي حسابات إيران ويأتي على رأسها مخاوفها من عودة ترامب مع احتمالية مسايرة حكومة نتنياهو بتوجيه ضربة حاسمة للبرنامج النووي. وبالتالي تسعى إيران إلى إبرام اتفاق ملزم مع واشنطن والقوى الغربية يعوق أية مساعٍ لترامب لإفشاله. في ذات الوقت تعلم طهران جيداً أن إبرام هذا الاتفاق ترغبه إدارة بايدن لأنه سيحسب كانتصار تاريخي لبايدن، كما سيدعم بقوة كامالا هاريس ضد ترامب. وربما في هذا الصدد قد قدرت إيران باحتمالية انتصار هاريس وذلك في ظل الدعم والشعبية المتنامية لها. وبالتالي فتح المجال لاستئناف المفاوضات فور وصولها للبيت الأبيض. وقد يكون لإيران حسابات كثيرة وراء رغبتها المتسرعة في إبرام الاتفاق. لكن ما هو أهم هو إمكانية إحياء الاتفاق من عدمه في ظل التحديات الهائلة التي تواجه. بادئ ذي بدء، يمكننا القول إن إمكانية إحياء الاتفاق «فقط» في ظل الفترة المتبقية من إدارة بايدن تكاد تكون شبه معدومة. إذ ربما ترى إيران أن إبرام اتفاق بين ليلة وضحاها ممكن وذلك فقط عبر رفع العقوبات مقابل موافقة إيران على وقف تخصيب اليورانيوم ووضع منشآتها النووية تحت أعين مفتشي الوكالة. لكن الواقع خاصة بعد طوفان الأقصى قد يدحض ذلك. فمن حيث المبدأ أو استنادا إلى مجريات المفاوضات في بداية ولاية بايدن، يعد رفع العقوبات كاملة عن إيران مسألة معقدة وتحتاج إلى موافقة الكونجرس ودعم الدوائر الداخلية العميقة. ناهيك عن عدم الثقة الكبيرة للولايات المتحدة في التزام طهران بخضوع منشآتها النووية بصورة كاملة لرقابة الوكالة الدولية، إذ تعتقد واشنطن أن لدى إيران منشآت نووية سرية. والجانب الآخر المهم يتعلق بموقف إسرائيل والموقف العام في المنطقة. ففي ظل هذا المناخ الملتهب في المنطقة الذي تقوده إسرائيل نحو حافة الهاوية؛ فستواجه إحياء المفاوضات ممانعة قوية من إسرائيل ومن داعميها داخل واشنطن التي ترمي بالأساس لحرب مع إيران. وقد برهنت تطورات الأحداث منذ طوفان الأقصى سطوة إسرائيل القوية على القرار الأمريكي. وفي خضم هذه التطورات أيضا، من المؤكد أن إدارة بايدن ستفرض على إيران مجموعة شروط تعجيزية على رأسها إيقاف هجمات وكلائها وخاصة حزب الله على إسرائيل. وعلى افتراض موافقة إيران على ذلك- وهو مستبعد - ستفسد إسرائيل ذلك عبر استفزاز متواصل لهؤلاء الوكلاء. وفي التقدير الأخير، من حيث المبدأ تعد آمال إحياء المفاوضات خلال المدة القصيرة المتبقية لإدارة بايدن شبه معدومة، وفي المجمل العام أصبحت فرص التوصل إلى اتفاق نووي صعبة للغاية حتى في ظل إدارة هاريس التي في كل مناسبة لا تنسى تأكيدها على دعم وتسليح إسرائيل؛ إذ إن الأخيرة بعد طوفان الأقصى قد وضعت مسألة تدمير البرنامج النووي كهدف إستراتيجي لأجل بقاء إسرائيل.

588

| 09 سبتمبر 2024

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4242

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1938

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1773

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1614

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1428

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1164

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

906

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
القيادة الشابة VS أصحاب الخبرة والكفاءة

عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...

696

| 09 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

663

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

636

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
العرب يضيئون سماء الدوحة

شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...

564

| 07 ديسمبر 2025

أخبار محلية