رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أمست الشراكة الاستراتيجية الوطيدة بين تل أبيب وآسيا الوسطى نموذجاً فريدا أو خاصا أو نادراً أو «غريباً»، للشراكات الاستراتيجية في العلاقات الدولية. إذ أصبحت بعض دول آسيا الوسطى أهم أو أقرب حليف في العالم الإسلامي برمته لتل أبيب، بل رغم تعدد مجالات الشراكة بين الجانبين؛ فقد أصبح مواجهة إيران محور الشراكة الرئيس من الآن وصاعداً. يتنازع في العلاقات الدولية اتجاهان رئيسيان حول تفسير نمط العلاقات في النظام الدولي، الأول التفسيري أو الوضعي في مقدمته المنظور الواقعي، والذى يرتأي أن المصلحة هي المحدد الرئيس للعلاقات. والثاني ما بعد الوضعي وفى مقدمته المنظور البنائي، لا يغفل محدد المصلحة، لكنه يرتأي أن المحددات غير المادية كالهوية والإيديولوجيا حاسمة في تشكيل العلاقات بين الدول. إذ على سبيل المثال، يرى أنصار هذا التيار أن صراع الحرب الباردة المستعر حاليا بين بكين وواشنطن مكمنه الرئيس الاختلاف الإيديولوجي، ومن قبله الحرب الباردة بين واشنطن والاتحاد السوفيتي، والصراع بين إسرائيل وإيران، وروسيا والغرب عموما. والدراسة المتأنية لتلك الأمثلة تظهر صحة هذا المنظور بصورة كبيرة، إذ بالقياس أيضا على دراسة نماذج كثيرة للعلاقات الوثيقة مثل العلاقات الأمريكية الأوروبية، وشبكة التحالفات الأمريكية في المحيط الهادئ؛ تتبين أكثر صحة المنظور. لكن على الرغم من ذلك، فوطأة المصالح في كثير من الأحيان قد تتجاوز حدود التقارب أو الاختلاف الإيديولوجي، بل قد تحول الأعداء إلى حلفاء، والعكس صحيح. والشراكة الاستراتيجية بين بعض دول آسيا الوسطى وتل أبيب مثالاً صارخاً على ذلك. من منطلق الإيديولوجيا، يجادل البعض أن أحد كوامن الشراكة التي تقترب إلى التحالف الاستراتيجي بين الجانبين هو النظام العلماني شديد الانفتاح، وإن كان ذلك صحيحا نسبيا لكنه غير كاف أو مرضٍ-في واقع الأمر- لتفسير شراكة استراتيجية عميقة بين دولة يهودية ودولة من دول آسيا الوسطى. من الصحيح أن العلمانية عميقة وقديمة ؛ لكنها ليس علمانية شاملة (فصل الأرض عن السماء) على غرار الاتحاد السوفيتي سابقاً الذى قيد ممارسة الشعائر الدينية في نطاق محدود للغاية لجميع الطوائف الدينية لجمهوريات الاتحاد، بل كان يدعم ويجذر الإلحاد في جميع أنشطة الحياة العامة بما في ذلك المناهج الدراسية. الشاهد في الأمر أن الشعب كأحد شعوب آسيا الوسطى شعب متدين ينظر إلى إسرائيل كدولة مغتصبة لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية. تتمتع دول آسيا الوسطى بخصوصية متعددة الجوانب، وفوق كل ذلك، لديها صراعات تاريخية متشعبة الأبعاد، منها ما يتعلق بتقاسم الموارد في بحر قزوين، ومنها ما يتعلق بطبيعة النظام الديني والسياسي؛ إذ أنها ليست علمانية فحسب، بل تعارض بشدة أيضا نظام ولى الفقيه في إيران وتراه «بدعة» وثمة بعد قومي للعداء يتمحور حول الأقليات. وإزاء وطأة جميع تلك المصالح ومع اشتداد التحديات، والطموحات أيضا تطورت العلاقات مع تل أبيب رويدا رويدا إلى شراكة استراتيجية. إذ أصبحت الأخيرة الداعم الرئيس للطموحات الاقتصادية وهو ما يتجلى في التعاون في مجال الطاقة (النفط والغاز والاستكشاف) الذى يتجاوز المليار دولار سنويا. والمساند الرئيس لها في مواجهة التحديات. إذ تعد تل أبيب من أكبر موردي السلاح لبعض عواصم آسيا الوسطى، والوسيط الأساسي عند واشنطن لتوريد أحدث الأسلحة الأمريكية لها. وفى هذا الصدد لا يمكن إغفال المساهمة الإسرائيلية القوية مقابل الدعم القوى-غير الخفي- لتل أبيب في حربها الأخيرة ضد إيران. والجانبان حاليا في تحالف عسكري فعلي لمواجهة إيران-بحسب تقارير استخباراتية عدة- إذ تعمل تل أبيب حاليا على تدريب وتسليح هذه العواصم وتزويدها بالخبرات اللازمة.
294
| 29 يوليو 2025
مؤخرا أعلن إيلون ماسك الغنى عن التعريف عن شروعه في تأسيس حزب جديد تحت مسمى «حزب أمريكا»، إثر خلاف ممتد مع ترامب بلغ ذروته مع تمرير الكونجرس مشروع الميزانية الضخم. وصاغ ماسك ثلاثة مبررات رئيسه لتأسيس الحزب: كسر هيمنة الحزبين (الجمهوري- الديمقراطي) على الحياة السياسية، التعبير عن إرادة الوسط الأمريكي وهى الإرادة الحقيقية وفقا لماسك، إعادة إصلاح الموازنة العامة. وليس مستغربا أن يثير حزب ماسك صخباً وجدلاً واسعاً داخل أمريكا وعالميا أيضا، والذى تشعب إلى مسائل شتى جوهرية وفرعية، من بينها مدى إمكانية تأسيس الحزب على أرض الواقع، ودور رجال الأعمال في الحياة السياسية الأمريكية، وتأثير التكنولوجيا الرقمية، ومدى جديدة الحزب وإمكانية تحديه للحزبين، وما هي أهداف ماسك الحقيقية...وغيرها. وبطبيعة الحال، نال الجدل حول إمكانية تأسيس الحزب من الأساس على نصيب الأسد من الجدل، بسبب النظام الحزبي الأمريكي الشديد التعقيد والصعوبة بشأن تكوين أحزاب جديدة، والقاعدة الانتخابية التي يستحوذ عليها الحزبان بصورة شبه كلية، وبرنامج الحزب وتمايزه عن الحزبين، ومصادر التمويل وحدودها. وخلاصة هذا الجدل، قد أفضت إلى نتيجة واحدة وهى الصعوبة البالغة في تأسيس حزب جديد وذلك من حيث تجاوزه للتحديات القانونية والحزبية. وفى حال تأسيسه على أرض الواقع، سيجابه بتحديات شتى أهمها على الإطلاق صعوبة منافسة الحزبين. وتلك النتيجة قد استندت في جانب كبير منها إلى تجارب سابقة تجسدت في ثلاثة أحزاب تعمل رسميا لكنها تفتقد إلى قاعدة جماهرية راسخة، وهى: حزب الإصلاح، والحزب الليبرالي، وحزب الخضر. ولعل-وهو ما لفت إليه قلة من المراقبين- ثمة تمايز كبير في تجربة حزب ماسك عن التجارب المشابه السابقة، ومنبع التمايز الرئيس هو التوقيت والسياق. إذ يشكل حزب ماسك حتى ولو كان مجرد محاولة نواة لـ (طريق ثالث) في الحياة السياسة الأمريكية. أجرى ماسك على منصته «إكس» استطلاعا للرأي حول الحزب وكان نتيجته أن أكثر من 50% من الأمريكيين يرغبون في حزب ثالث منافس للحزبين، وأجرت مؤسسات أخرى مستقلة استطلاعات وخرجت بنتيجة مشابه، إذ عبر المستطلع آراؤهم خاصة من انصار الحزب الديمقراطي عن اشتياقهم للحزب الجديد بسبب الفشل الذريع للحزبين على أصعدة عدة خاصة الاقتصادية، بجانب تغلغل الفساد والنزاعات الحادة لمفاصل الحزب، واحتكار النخب للمناصب القيادية. وبجانب ذلك وهو الأمر المفصلي والعاكس لمسألة التوقيت والسياق، هو التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة منذ عقدين، سواء على صعيد التركيبة السكانية والاجتماعية أو المزاج العام السياسي أو تنامى فئة الشباب غير المتحزب وتنامى ظواهر اجتماعية جديدة مثل النسوية، وهى تطورات-في حقيقة الأمر- بعيدة كليا عن تقاليد وسياسات الحزبين، وليس بمقدورهما استيعابها أيضا. ولن نذهب بعيدا، إذ بروز أوباما في حد ذاته في الساحة السياسية الأمريكية، ثم ترامب والشعبوية، ثم حركات جديدة متعددة مثل ماجا، وحياة السود مهمة، وأخيراً «زهران ممدانى» الاشتراكي المسلم، المرشح الأوفر حظا لعمدة نيويورك؛ ما هي إلا انعكاس حقيقي للتحول العميق داخل الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، انعكاس لانفلات الزمام السياسي من يد الحزبين حتى ولو كانت تلك الحركات أو الشخصيات تابعة لاحدهما. فترامب على سبيل المثال، المنتمي رسميا أو اسميا للحزب الجمهوري، لا تعكس سياسته سوى 30% على الأكثر من سياسات الحزب التقليدية الراسخة، بل هو شخصيا قد أثر على توجهات الحزب وأعضائه بصورة لافته. خلاصة القول، قد لا يكتب لحزب ماسك الجديد النجاح، لكنه في واقع الأمر، انعكاس أو صدى لطريق ثالث يشتاق إليه الأمريكيون آخذ في التنامي، قد يفضى على المدى المنظور إلى بروز محاولات متعددة لكسر هيمنة الحزبين، وقد تكون المحاولة من رحم الحزبين نفسها عبر أجنحة مستقلة إصلاحية.
522
| 17 يوليو 2025
تعيش أوروبا منذ الأزمة المالية العالمية 2008 أزمات عاصفة متتالية، فما تلبث أن تخرج من واحدة حتى تصطدم بالأعنف، وقد أدى ذلك إلى ارتباك وضعف أوروبي عام، وانقسام متزايد، وهشاشة على مستوى الوحدة والتضامن. وتعد معضلة أوروبا في موازنة علاقاتها بين الولايات المتحدة شريكها الرئيس التقليدي، وضامن أمنها الوحيد، والصين أكبر شريك اقتصادي لها، أحد أهم المظاهر القوية للضعف والارتباك والانقسام الذي تعيشه أوروبا. منذ تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة في 2016، بدأت نبرة الاستقلالية الأوروبية-خاصة الأمنية أو العسكرية-في تزايد، بقيادة فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص بسبب النزعة الانعزالية لترامب وتركيز واشنطن التام على الأندو-باسيفك للتصدي للتحدي الصيني على حساب كل المناطق الاستراتيجية التقليدية خاصة أوروبا والشرق الأوسط. والاستقلالية التي ترتئيها أوروبا خاصة الأمنية؛ هي الاعتماد على النفس بصورة كلية خاصة في التصدي للتهديدات الأمنية الخطيرة دون مساعدة الولايات المتحدة وحلف الناتو عند الضرورة. وفى إطار تلك الاستقلالية، تنفصل أوروبا تدريجيا عن انحيازها التام لواشنطن خاصة بشأن الرؤية والتوجه تجاه الصين. فالصين لم تعد فقط أكبر شريك تجاري لأوروبا، حيث تعتمد الأخيرة عليها بصورة كبيرة لاستيراد المنتجات الرخيصة، والتكنولوجيا المتطورة مثل 2G؛ بل أصبحت شريكا في مبادرة الحزام والطريق، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وهما أهم أدوات الصين قاطبة لتعزيز قيادتها الدولية. وعلى الرغم من الترابط الاقتصادي القوي بين الجانبين، فإن هذا لا يحول دون مخاوف أوروبية جلية من الصين، لكن بصورة عامة تنظر أوروبا للصين كمنافس خطير، وليس تهديداً استراتيجياً لزعامتها الدولية كما تنظر واشنطن. ولعل هنا تبرز أهم معضلة تواجها أوروبا حول سياسة متوازنة بين واشنطن وبكين. إذ على الرغم من مساعي الاستقلالية، فإن تحقيقها بالكامل أمر مستحيل على الأقل في المديين القصير والمتوسط، وربما مستحيل على المدى البعيد أيضا. والأمر الثاني أن الاستقلالية الأوروبية لا تعني التخلي التام عن واشنطن، ومحورية حلف الناتو في حماية أوروبا، إذ كما تنص الوثائق الأوروبية خاصة البوصلة الاستراتيجية الاعتماد على النفس «عند الضرورة القصوى»، والهدف العام هو التكامل مع الناتو وليس تحديه. وهذا ما تجلى تماما في قيادة واشنطن لأوروبا في أزمة الحرب الأوكرانية، إذ برهنت الأزمة لكثير من الدول الأوروبية بأن مسألة الاستقلالية الأمنية حلم صعب المنال. وعلى إثر هذه الأزمة أيضا، نجح بايدن جزئيا في إحداث شقاق بين أوروبا والصين، حيث علقت أوروبا مفاوضات اتفاق الشراكة مع الصين في 2021، وانضمت دول أوروبا إلى مبادرة «بناء عالم أفضل» الرامية لتقويض مبادرة الحزام والطريق، وانسحبت إيطاليا من الأخيرة. لكن ذلك لم يدفع أوروبا إلى إعادة توجيه رؤيتها للصين من منافس إلى تهديد استراتيجي، ولم تقلص تعاونها الاقتصادي الكبير مع بكين. مع عودة ترامب للبيت الأبيض، تنامى حديث أوروبا حول الاستقلالية بصورة غير مسبوقة، بل اتخذت أوروبا بصورة جماعية سياسات تنم عن مظاهر استقلالية لافتة من أبرزها دعم أوكرانيا بالسلاح بقيادة بريطانيا، الإصرار على تحرير جميع الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها روسيا في أية مفاوضات لإنهاء الحرب، الانتقادات الشديدة غير المسبوقة لإسرائيل حول غزة خاصة في مسالة إدخال المساعدات، رفض التعريفات الجمركية المرتفعة والتلويح بتعزيز التعاون مع الصين.. وغيرها. وتلك السياسات العاكسة للاستقلالية، لن تفضي إلى توتر العلاقات مع واشنطن بصورة غير مسبوقة بالضرورة، ولن تؤدي إلى انفصال استراتيجي بين شركاء الأطلسي. لكنها بالضرورة تدشين لنهج يسعى إلى التوازن بين بكين وواشنطن. ولعل منطلق هذا النهج هو رفض أوروبا الانجرار وراء واشنطن في تسخين الحرب الباردة مع بكين؛ إذ ترفض أوروبا من حيث المبدأ مفردات ومناخ ما يسمى الحرب الباردة على الهيمنة العالمية، ولا ترى في الصين تهديدا استراتيجيا يستدعي حربا باردة. ناهيك عن أن الصين باتت شبه حليف لأوروبا الشرقية. خلاصة القول: مؤخراً صرح الرئيس الفرنسي ماكرون أن على أوروبا أن تسعى إلى استقلالها الاستراتيجي للحد من الاعتماد على الصين والولايات المتحدة، ونجزم أن ما يتمناه فعلاً هو التوازن بين الشريكين، إذ باتت أوروبا في أمس الحاجة إليهما، ولا تستطيع الاستغناء عن أحدهما.
459
| 13 يوليو 2025
مع بلوغ الحرب بين إيران وإسرائيل ذروتها التصعيدية بدخول واشنطن على الخط وضرب المنشآت النووية بقاذفات البى-2، عجت وسائل الإعلام بعناوين عريضة عن التدخل الوشيك لحلفاء طهران وخاصة روسيا والصين في خط المواجهة لحماية حليفهم الرئيس في المنطقة، وعند هذا التدخل الضروري ستكون ساعة الصفر للحرب العالمية الثالثة، وما لبث أن مر فقط 48 ساعة حتى توقفت الحرب، واتضح أن كل تلك العناوين كانت مجرد هراء فارغ. قبل الولوج في موقف الصين، واستحالة الانخراط في هذه الحرب تحت أية ظروف، من الجدير تسليط الضوء على عمل أو منطق التحالفات والحلفاء والذهاب للحروب. التحالفات ومن بينها التحالفات العسكرية جزء أصيل في السياسة الدولية منذ قرون، وتنشأ التحالفات العسكرية لمواجهة تهديد قائم وردعه والدخول معه في حرب في الضرورة، وللتحالفات العسكرية أنماط متعددة، أبرزها النمط التقليدي الجماعي مثل حلف الناتو، ونمط تحالفات الحماية وهو الشائع ويكون بين دولة عظمى أو إقليمية ومجموعة من الدول الصغيرة، أو دولة واحدة ليست قوية، وأبرز مثال على ذلك التحالف الأمريكي مع اليابان، والأمريكي مع فيتنام، والفلبين. الشاهد في الأمر من كل أنماط التحالفات أمران رئيسيان، أولهما أن تجمع مجموعة دول في تحالف عسكري يكون لمواجهة تهديد خطير يهدد مصلحة حيوية مشتركة تجمعهم، وبالتالي فالانجرار للحرب يكون قراراً مصيرياً خطيراً لا بديل غيره لحماية تلك المصلحة. والثاني، أن القوى العظمى في تحالفات الحماية قد مضت في التحالف لحماية مصلحة شديدة الحيوية لها، وبالتالي أيضا لن تنجر في الحرب لأجل حماية حلفائها بل ذلك مجرد ذريعة لتقويض التهديد الخطير لمصلحتها. هذا هو واقع ومنطق التحالفات العسكرية، لا شيء مجاني خاصة إذا تعلق الأمر بالذهاب للحرب، وسوابق التحالفات العسكرية مليئة بتلك المفارقات المصلحية، ففرنسا وألمانيا على سبيل المثال رفضتا مشاركة واشنطن في حرب العراق رغم أنهما عضوان في الناتو، في حين ترددت إدارة أوباما أسابيع قبل التدخل في ليبيا للإطاحة بالقذافي رغم مشاركة الناتو السريعة. وفى مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، قادت واشنطن تحالفا أوروبيا لدعم أوكرانيا عسكريا لأن روسيا أصبحت تهديداً خطيراً للنظام الدولي الليبرالي ذاته وليس أمن أوروبا فقط. في المقام الأول لا ترتبط الصين بأية تحالفات عسكرية أو اتفاقات دفاع مشترك مع طهران، يربط فقط بين الجانبين علاقات استراتيجية واسعة قوامها الاقتصاد وبخاصة النفط، وفي 2021 تم التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي الشامل لمدة 25 عاما ارتكز على توطيد التعاون الاقتصادي مع توسيع التعاون الأمني. لكن هذا لا يعكس جوهر موقف الصين من الحرب، بقدر ما يعكس موقف الصين العام من الحروب والصراعات، وحساباتها الاستراتيجية الكبرى ومنطق الانخراط في الحروب في إطار هذه الحسابات. ترتكز السياسة الخارجية الصينية على عدة مبادئ رئيسية ومنها الحياد الإيجابي وعدم التدخل في الصراعات، إقامة علاقات متوازنة مع الجميع. ومنذ تولي الرئيس شي جين بينج السلطة عملت الصين على ترسيخ وضعها في النظام الدولي كـ «قوى مسؤولة» تسعى جاهدة لنشر السلام ومنع اندلاع الصراعات وأولوية الدبلوماسية والحلول السلمية. وهذا من حيث المبدأ يبرر انحصار دور الصين في الحرب في الجانب الدبلوماسي ووسط هذا الجانب تبدى الموقف التقليدي الحيادي للصين الداعم لإنهاء الحرب والتعقل ودعوة الأطراف للحوار ونزع جذور الصراع. لأن الصين من موقعها كقوى مسؤولة لا يمكن تصور تبنيها موقفا منحازاً خاصة لإيران رغم أهميتها الاستراتيجية لها، بعكس روسيا التي أطلقت تحذيرات مباشرة لأمريكا وإسرائيل بشان تدمير البرنامج النووي، واغتيال المرشد الأعلى، وهي مجرد تصريحات إعلامية لا أكثر. وعلى الجانب العملي البرجماتي حافظت الصين على الحياد الإيجابي الذي أفاد الصين فوائد جمة، فالصين ترتبط بعلاقات استراتيجية واسعة مع إسرائيل ومعظم خصوم إيران. ما سبق كفيل وحده لتبرير استحالة تدخل الصين في الحرب لمساندة طهران؛ لكن ثمة حسابات استراتيجية أوسع تعكس الصورة كاملة. من حيث المبدأ، إن فكرة انخراط الصين في حرب لصالح طرف آخر أو حليف استراتيجي غير واردة تماما عند الصين، لأن تلك الحروب ستعطل مسيرتها للقيادة الدولية، وتضرب الاقتصاد الصيني في مقتل العمود الفقري لصعودها. علاوة على ذلك، حددت الصين في عقيدتها الاستراتيجية حتمية خوض الحروب في حالات الضرورة القصوى للدفاع عن مصالحها الأساسية وخصوصاً تايوان وبحر الصين الجنوبي، والعدو المحتمل المهدد لتلك المصالح هو واشنطن. وعلى الجانب الآخر، أن سقوط النظام الإيراني على أسوأ افتراض سيضر الصين ومصالحها بلا شك، لكن ذلك ليس مبررا كافيا أو تهديدا خطيرا يستدعي الانجرار في حرب قد تتوسع لحرب عالمية ثالثة.
624
| 29 يونيو 2025
حققت دول مجلس التعاون الخليجي طفرة مذهلة في كافة المجالات خلال العقد الماضي، ومن المنتظر أن تتضاعف هذه الطفرة إلى خمس مرات خاصة على الصعيد الاقتصادي بحلول عام 2030. وأثار هذا بالطبع جدلاً كبيراً خاصة في الغرب حول مكمن السر في هذه الطفرة المذهلة في دول مصنفة غربياً على أنها "غير ديمقراطية"، ولماذا دول الخليج تحديدا إذا كان الأمر ليس ذا صلة بالديمقراطية؟ وكلمة أو مكمن السر هو "الحكم الرشيد" الذي برعت فيه دول الخليج بصورة لا مثيل لها. تعددت تعريفات الحكم الرشيد، وبين هذه التعريفات، تعريف عام شامل مفاده "أسلوب في الحكم أو إدارة الحكم أو الشأن العام يرمى إلى استغلال جميع موارد الدولة أفضل استغلال من أجل تحقيق هدفين رئيسيين: التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية". وبناء على هذا التعريف، تقتضى ممارسة الحكم الرشيد تطبيق أو إرساء عدة معايير أهمها: مكافحة صارمة للفساد، القضاء على البيروقراطية، وبناء مؤسسات مرنة رشيقة، تطبيق الشفافية والرقابة الإدارية، المساءلة الشاملة، حكم القانون، المشاركة في اتخاذ القرار، الاعتماد على الكفاءات والخبرات. عند قراءة رؤى مجلس التعاون الخليج مثل رؤية قطر 2030 على سبيل المثال، نجد أن إرساء تلك المعايير تم التأكيد عليه كأولوية أساسية في كافة المجالات المستهدفة بالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، وإن كان مرمى الرؤى الرئيسي هو ذلك بالضبط، علاوة على رفع مكانة الدولة كدولة عظمى في النظام الدولي عبر التفوق والمنافسة على المراكز الأولى عالميا في كافة المجالات حتى المجالات التي حقق فيها الغرب اختراقا كبيرا كالفضاء والبيئة والتعليم والرياضة. وهذا يجعلنا نصدق مؤشرات وتوقعات المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي المتعلقة بالتنمية في الخليج بحلول 2030 على أقل تقدير. إذ بحسب هذه التقديرات ستحتل قطر المركز الأول عالميا في مؤشر الرفاهية دون منافس، وفى مكافحة الفساد والطاقة النظيفة مع الدول الإسكندنافية، والثالث عالميا في جودة التعليم، والإمارات تتصدر عالمياً في النزاهة الإدارية، والمناخ الجاذب للاستثمار، ومن العشرة الكبار في مجال الفضاء والطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، والسعودية الثالث عالميا في جذب الاستثمارات والكفاءة الإدارية، ومن العشرة الكبار في المجال الصحي والرياضي وجودة التعليم والذكاء الاصطناعي. وكل من البحرين والكويت وسلطنة عمان، ستحتل مراكز متقدمة عالميا في مجالات الكفاءة الإدارية ومحاربة الفساد والتجارة البحرية والتعليم. * إن ما تحققه دول الخليج من طفرة مذهلة عبر الحكم الرشيد، يفاقم من الجدل في الغرب خصوصاً حول الديمقراطية في الخليج ومستقبلها، والعلاقة بين الحكم الرشيد والديمقراطية، إذ هناك حالة من الذهول حول كيف تحقق هذه الدول تلك الطفرة المذهلة التي من الصعب تحقيقها دون حكم ديمقراطي، بل تفوقت على كثير من الدول الغربية. والواقع أن هذا الجدل، أو بفضل تجربة الخليج في الحكم الرشيد، قد كشف الكثير من المغالطات المزمنة عن الديمقراطية ذاتها. وتتبدى المغالطة الأولى في تصوير الديمقراطية على أنها أفضل نظام للحكم والطريق الوحيد الذي لا بديل عنه للتنمية والعدالة والاستقرار واحترام حقوق الإنسان وغيرها، وذلك عبر ممارسات معينة مسلم بها على رأسها التداول السلمي للسلطة، وحرية الصحافة والرأي والتعبير، والفصل بين السلطات خاصة استقلال القضاء. لا جدال بأن الديمقراطية من أفضل نظم الحكم التي عرفها التاريخ، لكنها ليست مثالية، وفى بعض الأحيان تكون مثالبها مدمرة. * أما المغالطة الثانية فتتعلق بإمكانية بل بضرورة تعميم الديمقراطية وآلياتها والمبادئ الليبرالية الحاكمة لها على العالم، دون مراعاة للخصوصية الثقافية والاجتماعية للدول. وواقع الأمر أن تلك المغالطة تتبدى بجلاء في الدول الغربية ذاتها، فمستوى أو ما يسمى جودة الديمقراطية متباينة بشدة بين الدول الغربية العريقة، ففي بعض البلدان الأوروبية تعانى المرأة أشد معاناة في تولى مناصب قيادية، وفى الولايات المتحدة لا يسمح للمتجنس بالترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وفى فرنسا لا بد أن يكون المرشح للرئاسة فرنسي الجنسية "كاثوليكي المذهب"، ومرجع كل ذلك الخصوصية الثقافية لكل دولة التي لا تسمح على الإطلاق بتطبيق ديمقراطية ليبرالية خالصة. * والمغالطة الثالثة المتعلقة بلب الحكم الرشيد تتعلق بفرضية "لا تنمية اقتصادية دون ديمقراطية"، من حيث المبدأ يمكن القول إن مرتكزات الحكم الرشيد لدول الخليج، لا تعكس فقط مبادئ الديمقراطية السياسة والاقتصادية، بل تتفوق عليها أيضا. لا سيما في مسألة دولة الرفاهية وعدالة التوزيع، فالديمقراطية الاقتصادية ذاتها لا تلبى كليهما بالشكل الكافي أو المرجو، بل أسهم ما بات يطلق عليه "النيوليبرالية المتوحشة" في نفور حاد من الديمقراطية وكراهية شديدة للتجارة الحرة والعولمة انعكست في الصعود الصاروخي لليمين المتطرف. ** خلاصة القول، قدمت أو برهنت دول الخليج للعالم عبر الحكم الرشيد إمكانية تحقيق التنمية والرفاهية والعدالة الاجتماعية لمستويات مذهلة غير محققة في معظم الدول الغربية، في ظل خصوصية اجتماعية وثقافية تتم فيها ممارسة الديمقراطية تعكس هذه الخصوصية.
843
| 08 يونيو 2025
إن تنميط زيارة ترامب التاريخية لكل من السعودية وقطر والإمارات في قالب منفعي أمريكي أحادي الجانب، أو ما بات يشاع من جانب المغردين ومحدودي الفهم والمعروفة بـ «حلب دول الخليج» بعدما ناهزت الصفقات التجارية المتبادلة قرابة الثلاثة تريليونات دولار؛ يعد ضربا واسعا من العبث، وقصوراً خطيراً في فهم منطق السياسة الدولية، وفى إدراك الواقع والمتغيرات والتحديات الكثيرة على كافة الأصعدة. بادئ ذي بدء، يعد اختيار ترامب لدول الخليج كأول زيارة رسمية له منذ عودته للبيت الأبيض، ذات مدلول استراتيجي عميق مؤداه الأساسي الإقرار الأمريكي الصريح بزيادة الأهمية الاستراتيجية المطردة للخليج، فدول الخليج وخاصة ثلاثي الزيارة، نجحت خلال العقد الماضي بفضل سياسات الحكم الرشيد، وقوتها الاقتصادية، واستراتيجيات التنوع الشاملة، ودبلوماسيتها النشطة، والمناورة والاستغلال الحكيم للسياسة الخارجية وملفاتها، نجحت في النهوض بالأهمية الاستراتيجية للخليج إلى مستويات قياسية إقليميا ودوليا. وعلى صعيد العلاقات مع واشنطن، غدت شريكاً استراتيجياً أساسياً، بحيث تحول مسار الشراكة الاستراتيجي بين الجانبين إلى شراكة متوازنة ذات أبعاد متعددة عميقة، لا ترتكن على الجانب الأمني فقط. فالدوحة على سبيل المثال، غدت وسيطاً تعتمد عليه واشنطن بصورة أساسية دائمة في الوساطة والحل في أعقد الصراعات التي عجزت واشنطن عن حلها حتى عبر القوة العسكرية المفرطة. وفي ملفات عدة حاسمة لواشنطن بات الخليج شريكا أساسيا مثل محاربة الإرهاب والتطرف، وضبط أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، وتقوية توازنات واشنطن الدولية في مواجهة الصين وروسيا، والتعاون الاقتصادي الشامل. جاء ترامب إلى الخليج وهو واضع نصب عينيه الصفات التجارية والسياسة والأمنية أيضا، ونظير ذلك، وضعت دول الخليج الثلاث نصب أعينها صفقات ومكاسب استراتيجية عميقة طويلة الأمد. في المقام الأول، تساهم صفقات الخليج التريليونية في إنعاش الاقتصاد الأمريكي المتراجع ودفعه خطوات قوية للأمام بلا أدنى شك. لكن في مقابل ذلك، يتبدى من نوعية الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة أو تحديدا تركيزها في مجالات محددة خاصة المجال التكنولوجي والذكاء الاصطناعي؛ مدى المردود الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الهائل لدول الخليج على المدى الطويل، فالقطاع التكنولوجي خاصة التكنولوجيا الفائقة وأشباه الموصلات بات القاطرة المحركة لكل شيء تقريبا، وفي ضوء استراتيجيات ورؤى الخليج الجديدة مثل «رؤية قطر 2030» باتت التكنولوجيا الفائقة العامل المحرك للتحديث الاقتصادي والاجتماعي الشامل وفقا لتلك الرؤى خاصة الاعتماد على الطاقة البديلة ووجوب توديع عصر النفط. والشيء الجدير بالذكر والمغفل عن غير عمد أو عمداً، هو النفوذ الواسع الذي ستتمتع به دول الخليج في الولايات المتحدة جراء هذه الاستثمارات الضخمة، مما يعنى أموراً كثيرة أهمها التأثير على القرار الأمريكي تجاه مصالح الخليج والعرب عموما، لاسيما تقليص الانحياز المفرط للكيان الصهيوني. ولعل عدم زيارة ترامب للكيان أثناء زيارته الخليجية-في سابقة غير معهودة- دليل قاطع على إيلاء ترامب أهمية استراتيجية للخليج تفوق أهمية الكيان. يتبدى من زيارة ترامب للخليج أنه بات يراهن بصورة تامة على نفوذ الخليج وقوته ورؤيته الخاصة في حلحلة العديد من أزمات الشرق الأوسط، فالحرب في غزة، والوضع في سوريا كانا على رأس أولويات تلك الزيارة. بالنسبة لسوريا والتي كانت أهم مفاجآت الزيارة، قابل ترامب أحمد الشرع وأشاد به وأعلن عن رفع كافة العقوبات عن سوريا، متخطيا الشروط القاسية الست التي شرطها لرفع العقوبات. وهذا ينم عن اقتناع ترامب بالرؤية الخليجية حول واقع ومستقبل جديد واعد في سوريا تحت القيادة الجديدة، وفي طيات ذلك أيضا إرضاء للخليج خاصة السعودية هذا لا يمكن إغفاله بالقطع، لكنه مبشر لإنهاء قريب لحرب الإبادة في غزة بضغط خليجي خاصة قطري، إذ أدلى ترامب خلال الزيارة وبعدها بتصريحات تشي برغبته القوية في إنهاء الحرب، واعتراضه على كثير من سياسات وتصورات حكومة نتنياهو بشأن مستقبل غزة. وفي محصلة ذلك، خرج الخليج بأهم مصلحة استراتيجية له، وهي إعادة الالتزام الأمريكي بحماية أمن الخليج بصورة قاطعة لا لبس فيها، ومن المرجح أن تتطور إلى معاهدات دفاع مشتركة مكتوبة ملزمة للولايات المتحدة. إذ على الرغم من تنوع الشراكات الأمنية للخليج خلال العقد الماضي مع جميع القوى الدولية الكبرى وتحديدا روسيا والهند والصين؛ فإن الولايات المتحدة لا تزال القوى العسكرية الأقوى والأكبر في الخليج، ويتبدى أن جميع القوى ذات المصلحة القوية في الخليج خاصة الصين لا ترغب في لعب دور أمني عسكري مواز للدور الأمريكي، كما أنها ترتبط بشراكات استراتيجية مع خصوم الخليج. دول الخليج عموما- وهذا واقع لا يمكن إنكاره- ليست قوى عسكرية كبرى تحت وطأة محدودية السكان والمساحة والعمق الاستراتيجي، محاطة بجيران أقوياء، ومحيط شديد الاضطراب مفرغ للتطرف والإرهاب والمليشيات شبه النظامية. وبالتالي، دون ضمانات حماية قوية ستصبح دول الخليج على محك عدم الاستقرار والفوضى دائما، وبفضل الدور الاستراتيجي القوى الذي باتت تلعبه للمصالح الأمريكية، أصبحت حماية الخليج مصلحة أساسية لواشنطن قبل الخليج
630
| 22 مايو 2025
انتهجت إدارة ترامب نهجاً حذراً تجاه سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع، حيث لم تعترف رسميا بحكومة الشرع، لكنها قد أبدت إمكانية للانفتاح مشروط بأفعال إيجابية على الأرض من جانب الحكومة الجديدة، ومؤخراً قامت إدارة ترامب بخطوة نحو الانفتاح على سوريا اقترنت بقائمة شروط بعضها شديد الصعوبة لرفع العقوبات، والتي تعد عائقاً هائلا نحو تيسير التجارة الدولية لسوريا خاصة صادرات النفط، وتدفق الاستثمارات والمساعدات الاقتصادية لسوريا، وتسهيل المعاملات المالية لسوريا في العالم، وفك العزلة الدولية عن سوريا، وطالما ما نادت حكومة الشرع برفعها. وتضمنت الشروط: التعاون الفعال في مكافحة الجماعات الإرهابية ومنع المقاتلين الأجانب من تولي مناصب حكومية رفيعة، ومساعدة الحكومة الأمريكية في تحديد أماكن المواطنين الأمريكيين المفقودين وإعادتهم لأمريكا خاصة الصحفي أوستن تايس، وتصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني رسميا ككيان إرهابي، وتدمير ما لدى سوريا من أسلحة كيماوية، وتنفيذ إصلاحات دستورية واسعة مع بدء حوار وطني وتأسيس برلمان تمثيلي. وتلك الشروط تبين أهدافا أمريكية واضحة ومتوقعة، وأهدافا أخرى غامضة بعض الشيء وتم التلميح لبعضها، الواضحة تتلخص في الإجهاز التام على النفوذ الإيراني في سوريا، بل وتحويل سوريا إلى جبهة لمقاومة إيران، ونزع أية أوراق ضغط أو أسلحة قوية قد تشكل تهديدا لإسرائيل، وقطع النظام الجديد أية صلة له بالجماعات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش. أما الغامضة يمكن تصورها من خلال بعض الشروط صعبة التحقيق، وكذلك التي لا تشكل أهمية بالغة للولايات المتحدة عموما، وإدارة ترامب على وجه الخصوص مثل التحول الديمقراطي، وهى تحديداً منع المقاتلين الأجانب من تولى مناصب رفيعة وهذا ربما يمتد لعناصر سورية كانت أعضاء في القاعدة وداعش سابقاً مع شرط قطع الصلة مع الجماعات الإرهابية، وتنفيذ إصلاحات دستورية وتحويل سوريا إلى نظام ديمقراطي تام. ولعل الأهداف الأمريكية من وراء تلك الشروط الصعبة هو الضغط على حكومة الشرع إلى أقصى درجة ممكنة لأجل تحويل سوريا إلى تابع ضمن محور الدول التابعة لها في المنطقة، والسماح لإسرائيل بتمديد حضورها العسكرى لما وراء هضبة الجولان، والهدف الأصعب الأخير هو التطبيع بين سوريا وإسرائيل. وفى خطوة استباقية للأمام، أعلنت حكومة الشرع على لسان أسعد الشيباني وزير الخارجية أنها على استعداد لتلبية العديد من المطالب الأمريكية، كما أحرزت تقدما في بعضها مثل تتبع مقاتلي داعش واعتقال عدد منهم، والتعاون مع المفتشين الدوليين لتدمير الأسلحة الكيماوية، كما تبذل جهودا كبيرة لتحديد أماكن المفقودين الأمريكيين، والإعلان قريبا عن إصلاحات دستورية واسعة وتمثيل واسع للأقليات في الحكومة. ورغم هذا التقدم المحرز العاكس عن رغبة حكومة الشرع في تخطى أكبر تحد وهو العقوبات الأمريكية، وتعزيز شرعيتها الداخلية والخارجية؛ فإن تلبية جميع الشروط الأمريكية لايزال تحدياً كبيراً مع علم واشنطن بذلك. تعد مسألة قطع حكومة الشرع صلتها تماماً بجميع الجماعات المسلحة والتي منها هيئة تحرير الشام التي لاتزال مصنفة كإرهابية لدى واشنطن؛ مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد لحكومة الشرع حتى إذا كانت تريد ذلك بصدق، فحكومة الشرع وأعضاؤها هم قادة هيئة تحرير الشام، وأعضاء سابقون في داعش والقاعدة. ومن ثم، لا يزال أغلبيتهم مرتبطين فكريا وتنظيما أو لديهم صلات قوية بتلك الجماعات علانية وسراً، وبعض منهم يتولون مناصب سيادية في سوريا الجديدة، وبالتالي فهم من منظور إدارة ترامب إرهابيون. يضاف إلى ذلك، أن قوة وشرعية أحمد الشرع نفسه مستمدة من تلك الجماعات وأعضائها، ومن ثم ففتح جبهة عداء معهم بصورة سريعة سيمثل خطراً شديدا على مستقبل الشرع، بل سيحول سوريا إلى جبهة اقتتال داخلي عنيفة. وأيضا، يعد تحويل سوريا إلى نظام ديمقراطي تمثيلي حقيقي في وقت سريع أمراً لا يمكن تصوره في ظل الظروف الانتقالية عامة خاصة وأن سوريا تتمتع بتنوع طائفي واسع وبنية مدمرة ومؤسسات هشة، ونزاعات انفصالية، وفى ظل وجود حكومة إسلامية تسعى إلى الاعتدال، لكنها تحتاج إلى فترة زمنية طويلة وتجربة واسعة لتأسيس نظام ديمقراطي كامل أقرب إلى نظام علماني. إن سرعة واستعداد حكومة الشرع لتلبية الشروط الأمريكية يعكس عزما قويا على إزالة عائق العقوبات، لكن على الأرجح لن يكون بمقدورها تلبية جميع الشروط، أو تلبيتها بالسرعة الكافية، علاوة على التحديات والتداعيات الكبيرة لتلبية بعض الشروط. وبالتالي يبدو لدينا أن الشروط الأمريكية التي يمكن وصفها بالتعجيزية الغرض منها إخضاع سوريا تماما، وضمان هيمنة أبدية لإسرائيل على الجولان، واستمرار الضغط حتى تقبل سوريا التطبيع مع إسرائيل، وهذا في حد ذاته رغم الأقاويل المتضاربة بشأنه أمر من الصعب للغاية تصوره. لكن هذا لا يحول أيضا دون إمكانية رفع جزئي تدريجي للعقوبات عن سوريا لتشجيع سوريا على المضي في تلبية جميع الشروط، خاصة في ضوء موقف عالمي خاصة أوروبي مؤيد لإزالة العقوبات ودعم الشرع.
1383
| 06 مايو 2025
لم تكن تتوقع إدارة ترامب أن تتحدى الصين التعريفات الجمركية وتدخل بحسم منقطع النظير في تحدى الحرب التجارية الذي وصل إلى قرابة 145% تعريفات متبادلة بين البلدين في آخر تصعيد. إذ اعتقد ترامب أن رفع التعريفة الجمركية على الواردات الصينية إلى هذا المستوى الجنوني في إطار سياسة «الضغط الأقصى»؛ سيجبر الصين على الفور على الدخول في اتفاق تجاري جديد مع واشنطن. تعد السوق الأمريكية من الأسواق الرئيسية للصين حيث تجني منه قرابة النصف مليار سنويا. فضلا عن ذلك، تشكل الحرب التجارية خطراً على ديناميكية وحركة التجارة العالمية التي تعد الصين أكبر المستفيدين منها باعتبارها أكبر منتج ومصدر للعالم. ومن ثم، يعكس التحدي الصيني القوي لتعريفات ترامب متغيرات على مستوى التفكير والقوة الصينية، وأيضا على مستوى الواقع العالمي والداخل الأمريكي. * الصراع الأمريكي الصيني له خصوصية عن باقي صراعات العالم، فهو صراع على الهيمنة العالمية وهو أهم واخطر صراع عالمي بالتأكيد. وبالتالي، فأي صراع جزئي بين القوتين يدور في رحاب صراع الهيمنة، من جانب واشنطن يعد البعد الاستراتيجي الأبعد من الحرب التجارية التي أصبحت سياسة راسخة لا تقتصر على ترامب فقط، هو إضعاف القوة الاقتصادية للصين التي جعلت الصين القطب الثاني عالمياً. وبعيداً عن أضرار الصين من الحرب التجارية؛ فتحدي الصين الحاسم لها هو رسالة مباشرة للعالم قبل واشنطن بأن الصين أصبحت قوى عالمية قادرة على القيادة وتحدى الهيمنة الأمريكية بل وانتزاع الهيمنة منها. وما أدل على ذلك من التحدي الصيني الحاسم المتصاعد في جميع الخلافات الكثيرة التي تطرأ بصورة متوالية بين الجانبين، وتحديداً في تايوان. قبل عقد مضى لم يكن التحدي الصيني لواشنطن بذلك القوة والحسم، فهو يسير بشكل مطرد. وهذا الحسم المطرد لا ينبع من فراغ حيث تتسم الصين بالصبر والحكمة، بل نابع من تنام شديد لقوة الصين الشاملة، نظير تراجع للقوة الأمريكية. والواقع أن تلك القوة خاصة الاقتصادية تجعل الصين في مركز قوة رئيسي أمام ترامب، إذ أن اقتصادها الرهيب قادر على الصمود أطول فترة ممكنة في تلك الحرب. نظير ذلك، الاقتصاد الأمريكي الغير قادر-وفقا لإجماع الخبراء- على الصمود طويلاً أمام حرب تعريفات ترامب. إذ يكفى القول بمستويات التضخم الرهيبة المرتقبة في الولايات المتحدة جراء تلك التعريفات، فالولايات المتحدة تستورد ما يقرب من 70% من احتياجاتها بما في ذلك سلع حساسة كالأغذية والدواء ومستلزمات الإنتاج خاصة من أكثر الدول المستهدفة بالتعريفات وعلى رأسها الصين. وبفضل قوة الصين الرهيبة عالميا سياسيا واقتصادياً، فهي قادرة على تعويض خسائر السوق الأمريكي عبر زيادة الصادرات مع تخفيض قيمة العملة إلى مستويات أدنى. فالصين حاليا توصف بزعيمة كتلة الجنوب العالمي التي تشهد في المقابل تراجع حاد للنفوذ الأمريكي. * من منطلق استراتيجي آخر يعكس تطور لافت في التفكير الاستراتيجي للصين؛ ترى الصين أن الحرب التجارية المتهورة لترامب؛ إنما هي فرصة ذهبية للصين لتوسيع نفوذها وقوتها الدولية. فترامب بتلك الحرب يعادي أو يتحدى العالم حتى أقرب حلفائه؛ وهذا بدوره يمنح الصين فرصة لاستيعاب دول العالم حتى الحلفاء إلى فلكها الخاص خاصة الاقتصادي، لا سيما وأن جميع دول العالم باتت تعتمد على الصين اقتصادياً بصورة رئيسية. دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا قد ألمحت إلى تعميق شراكات اقتصادية مع الصين، بعدما نجح بايدن في إحداث قدر من النفور في العلاقات الأوروبية الصينية. كما تدور أقاويل عن شراكة اقتصادية شاملة تضم اليابان وكوريا الجنوبية والصين. ** خلاصة القول، في كل أزمة جديدة بين واشنطن وبكين، تبرهن الأخيرة على أنها لم تعد تخاف الهيمنة الأمريكية، بل متحد قوي لها. علاوة على أنها تكون كاشفة بجلاء لتراجع القوة الأمريكية، وتخبط السياسة الأمريكية أيضا خاصة تجاه الصين. ومن ثم، فعلى الأرجح سيضطر ترامب للتراجع في حربه التجارية مع الصين في القريب العاجل-مثلما تراجع في معظم سياساته العامة حتى الآن- ويقبل بإبرام اتفاق مع الصين غالبا سيتضمن تخفيض التعريفة إلى أقصى حد ممكن؛ لاسيما أيضا وأن حربه التجارية المتهورة تواجه بكم واسع من الانتقادات الداخلية الحادة حتى من أقرب داعميه في الحزب الجمهوري بسبب تبعاتها الخطيرة اقتصاديا وسياسيا. فهي ستعزل أمريكا عن العالم، وستخسر بسببه جميع حلفائها.
1017
| 21 أبريل 2025
فيما أسمته إدارة ترامب «يوم التحرير» أعلن الرئيس الأمريكي عن فرض تعريفات جمركية على واردات جميع دول العالم بنسبة 10 % دون استثناء. علاوة على فرض تعريفات إضافية فوق لـ 10% بحسب نسبة صادرات الدولة إلى الولايات المتحدة. وكان نصيب الصين هو الأعلى بنسبة 34 % إضافة إلى التعريفات السابقة 20 %، وجميع حلفاء أمريكا التاريخيين لم يستثنوا من التعريفات المرتفعة فنصيب أوروبا بلغ 20 %، واليابان 34 %، وسويسرا نحو 40 %، وفيتنام نحو 46 %. مبررات ترامب وعشوائية المنطق والحسابات في يوم التحرير هذا الذي شن فيه ترامب حربا تجارية على العالم كله؛ قال ترامب ما مفاده إن اليوم قد تحققت العدالة الغائبة لعقود بفرض التعريفات الجمركية لأن الأعداء والأصدقاء كانوا يسرقون أمريكا لمدة 50 عاما. فالتعريفات وفقا لترامب ستحقق التوازن الناجم عن تلاعب الدول المصدرة في سعر العملة، والقيود التي تفرضها على الواردات الأمريكية، وعدم استيراد منتجات أمريكية بكميات متكافئة، وهذا في معظمه غير صحيح. وعلى هذا الأساس، فرضت إدارة ترامب التعريفات بصورة يغلب عليها عشوائية غير مسبوقة اقتصادياً، حيث يتم حساب عجز الميزان التجاري مقسوما على صادرات الدولة إلى الولايات المتحدة ثم يتم تخفيضه إلى النصف. وبناء على تلك الحسبة العشوائية، فرضت التعريفات بصورة غير عادلة حيث فرضت تعريفات قاسية على دول صافى صادراتها إلى الولايات المتحدة محدود مقارنة بدول أخرى. وبعيدا عن عشوائية فرض التعريفات؛ يرى ترامب بصورة عامة منذ ولايته الأولى، أن الولايات المتحدة تعانى من عجز تجارى خطير يهدد اقتصاد أمريكا، بل ويهدد سيادتها أيضا. ومن هذا المنطلق، ارتأى ترامب أن فرض التعريفات الجمركية من شأنه: تخفيض العجز التجاري، زيادة الصادرات الأمريكية، تعزيز توطين الصناعات الأمريكية-أحد أهدافه الرئيسية-، إضعاف اقتصاد الخصوم خاصة الصين. على الرغم من أهداف ترامب الموضوعية صراحة؛ فإن تشديد التعريفات الجمركية لن تحقق تلك الأهداف، بل ستلحق بالولايات المتحدة قبل العالم أضرارا في غاية السوء. إذ يمكن سقوط الاقتصاد الأمريكي رهينة لعجز تجارى فادح، وحجم ديون كارثية خاصة للصين. والهشاشة البالغة للصناعة الأمريكية في معظم القطاعات الاستراتيجية، وهروب الشركات الأمريكية إلى الأسواق الناشئة في آسيا. هو في واقع الأمر نتاج العولمة الاقتصادية وحرية التجارة العالمية التي قادتها وكرستها الولايات المتحدة. وبالتالي، فالنتيجة الحتمية كما يجمع الخبراء من فرض التعريفات الجمركية هو ارتفاع التضخم داخل الولايات المتحدة بمعدلات خطيرة. فالولايات المتحدة تعتمد على الخارج بنسبة تفوق 70 % لسد احتياجاتها الداخلية. إذ حتى الشركات العاملة داخل الولايات المتحدة تعتمد على الخارج أيضا خاصة الصين لسد احتياجاتها التشغيلية، وهو ما قد يؤدى إلى هروبها للخارج. وعليه، فالمعالجة الصحيحة كما يرتأى الخبراء تعتمد على استراتيجيات أخرى غير التعريفة الجمركية وغالبا ستكون بطيئة وتدريجية، مثل تهيئة البيئة الاستثمارية كتخفيض الضرائب لتعزيز توطين الصناعات المحلية، وجلب استثمارات خارجية. تبعات فوضوية خطيرة السوق الأمريكي قبل الاقتصاد الأمريكي سوق مركزي عالمي رئيسي، حيث تجنى منه معظم دول العالم خاصة الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا، أرباحاً طائلة نتاج ضعف الإنتاج الأمريكي. ومن ثم، ستصيب هذه التعريفات الاقتصاد العالمي برمته في مقتل، علاوة على حالة الفوضى العارمة الناجمة عنها. حيث ارتفاعات قياسية في التضخم في العالم، علاوة على أسعار الشحن والتوريد، وضعف الإنتاجية، وغلق شركات كثيرة لن تقوى على المنافسة. فضلا عن اختلال خطير في حركة التجارة والأموال العالمية، إذ ستضطر البنوك العالمية والشركات الكبرى إلى إجراء إعادة هيكلة شاملة لمواكبة هذه التغيرات الخطيرة. مع إحجام متوقع عن الاستثمار، والهروب إلى الملاذات الآمنة خاصة الذهب الذي سيشهد ارتفاعات قياسية غير مسبوقة. وعلى الجانب السياسي والجيواستراتيجى تكمن التبعات الأخطر، وبدأت بوادر هذه التبعات خلال ساعات من فرض التعريفات الجمركية وهو ما تبدى من فرض دول أخرى ككندا تعريفات رداً بالمثل، وهو مؤشر خطير على تنامي الحمائية التجارية، وتقويض العولمة الاقتصادية العالمية. ولعل الجانب الأخطر على الإطلاق، هو حرب التعريفات المتبادلة القادمة بين الصين والولايات المتحدة؛ وهذا في حد ذاته يشل الاقتصاد العالمي، ويتسبب في فوضى عالمية شاملة. ناهيك عن ذلك، ستؤدى قطعا إلى تشكيل تحالف عالمي بقيادة الصين يضم جميع حلفاء واشنطن خاصة أوروبا للتصدي لترامب. في التقدير الأخير، لا يمكن وصف حرب ترامب التجارية على العالم إلا بأنها حرب عشوائية ليس لها داعٍ ستجلب فوضى عامة في العالم، ستؤدى إلى تصاعد حروب تجارية أعنف، قد تتطور إلى حروب عسكرية. وفوق كل ذلك، تعد الولايات المتحدة أكبر الخاسرين منها.
648
| 06 أبريل 2025
بعدما وعد بإنهاء الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة بعد وصوله للبيت الأبيض، اكتشف ترامب بعد أول محاولة لكسر جبل الجليد بين روسيا وأوكرانيا، أنه أمام أكبر تحد سيواجهه خلال ولايته الجديدة. بدأت مساعي ترامب بإنهاء الحرب بتصريحات مفادها الاتفاق مع أوكرانيا على صفقة المعادن النادرة، بالتوازي مع تصريحات أشار فيها بانفتاح بوتين على المفاوضات. وقد تلى ذلك، لقاؤه التاريخي مع زيلانيسكى في البيت الأبيض، الذى أسفر إلى طرده من البيت الأبيض، وإلغاء اتفاق المعادن. وفى غضون أقل من شهر تم الاتفاق على هدنة لمدة 30 يوما بين روسيا وأوكرانيا تم التركيز فيها على عدم التعرض لمنشآت الطاقة تحديدا، انهارت خلال يومين. ومؤخراً تم التوصل إلى اتفاق هدنة آخر عبارة عن جزأين منفصلين يتعلق الأول بالملاحة بسلام في البحر الأسود، والثاني عدم التعرض للمنشآت النفطية. وكحال اتفاق الهدنة الأول، فمن المرجح على نحو كبير انهيار الثاني الذى تم بجهود سعودية؛ وذلك بسبب التسرع في الاتفاق عليه، والأهم من ذلك هو الموافقة المبدئية غير الجازمة لموسكو عليه لأسباب فنية وتكتيكية واستراتيجية. ويشي ذلك أن مجرد الاتفاق فقط على هدنة كتمهيد لمفاوضات حاسمة لإنهاء الحرب، قد أصبح في حد ذاته تحدياً كبيراً. وخلف ذلك يتبدى مدى تعقد الحرب القائمة منذ 3سنوات، وأن إمكانية إنهائها قد أصبح محل شك كبير. على الرغم من المرونة الشديدة لترامب في مفاوضاته مع روسيا لإنهاء الحرب، حيث اتضح تماماً رغبته في سرعة إنهائها لصالح روسيا تقريبا، ويقدم في سبيل ذلك تنازلات جوهرية التعهد بعد انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، والموافقة على سيادة لروسيا على الأراضي التي انتزعتها من أوكرانيا. ومع ذلك، فلايزال أمام إنهاء الحرب الكثير من التحديات الوعرة. خرجت أصوات من داخل واشنطن واصفة بوتين بالمتطرف إثر شروطه التعجيزية التي يفرضها على الولايات المتحدة لإنهاء الحرب. إذ لم يكتف فقط بتنازلات ترامب، بل يطالب أيضا بنزع سلاح أوكرانيا، وإيقاف الدعم الغربي لها بكافة أشكاله. والمفارقة هنا أن هذه المطالب يقوم بفرضها عند اتفاقات الهدن، كمسوغ لاختراقها بسهولة. ومن هنا يظهر التحدي الرئيسي الذى يواجه إنهاء الحرب والكامن في عدم قبول المجموعة الأوروبية لفكرة نزع سلاح أوكرانيا وتوقف الدعم عنها. إذ بالكاد يوافقون على تقديم ضمانات لعدم ضم أوكرانيا للناتو، ويرون أنها فكرة غير عملية. لكن ما هو أخطر من ذلك، قد أظهر الأوروبيون بقيادة بريطانيا بعد لقاء ترامب العاصف مع زيلانيسكى؛ أنهم على استعداد تام لاستمرار الحرب دون الولايات المتحدة وانطلقواً في تأسيس ما يسمى «تحالف الراغبين» كنواة لكتلة عسكرية أوروبية موازية للناتو. وهذا التطور بالقطع يخرج عن نطاق سيطرة ترامب، ويدفع الحرب الأوكرانية لمزيد من التطور الدراماتيكي. بل ربما يخرج واشنطن من معادلة الصراع بالأساس حيث إنه صراع أوروبي في الصميم. وفى الخلفية يدرك بوتين أن قوة فرض واشنطن إرادتها على أوروبا لها حدود، تتوقف عندما تشعر أوروبا بخطر وجودي مثل روسيا. شن بوتين الحرب على أوكرانيا دون تحديد واضح لأهدافه الكاملة منها، لكن على الأقل هناك أهداف واضحة منها معاقبة أوروبا على التفكير في ضم أوكرانيا للناتو، ووقف غربنة أوكرانيا ومعاقبتها على ذلك، وضمان تأمين أخطر منطقة يتم من خلالها اختراق الأمن القومي الروسي، وضم جميع المناطق الموالية لروسيا، وتأمين الهيمنة الدائمة على شبه جزيرة القرم. مقابل ذلك، شكل بايدن تحالفا أوروبيا قويا لردع موسكو واستنزافها تكلف قرابة الـ 100 مليار دولار. وبالتالي، فمن غير المتصور أن تنتهى الحرب بالسهولة والسرعة التي يتصورها ترامب، ودون مراعاة لأمن ومصالح أطرافها الرئيسية أوكرانيا وأوروبا. مقابل ذلك، فمن غير المتصور أيضا أن يوافق بوتين على صفقة لإنهاء الحرب دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافها؛ هذا بخلاف الأهداف الكبرى غير المعلنة والتي تبدأ فيما يبدو بنزع سلاح أوكرانيا كنواة لهيمنة روسية تامة على شرق أوروبا حتى أبواب برلين. خلاصة الأمر، إنهاء الحرب الأوكرانية بات مسألة في غاية التعقيد، وعلى الأرجح سيحتاج سنوات، وتصور ترامب لإنهائها السريع محض خيال. إذ لن تقبل أوكرانيا ومعها أوروبا إنهاء الحرب دون ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا ربما أقوى من السابق، وانسحاب موسكو من جميع الأراضي التي احتلتها، إذ من الصعب الوثوق في بوتين، وتقديم تنازلات غير مشروطة سيؤدى به إلى المطالبة بالمزيد.
819
| 30 مارس 2025
بعد هدنة يمكن اعتبارها هشة دامت نحو شهرين، عاودت إسرائيل حملتها العسكرية العنيفة على قطاع غزة في الثامن عشر من شهر مارس. ومن حيث المبدأ لا يستبعد عن إسرائيل النكوص عن تعهداتها واختراق الاتفاقات؛ ومع ذلك يحمل اختراق الهدنة الراهنة قدراً كبيراً من المفاجأة في ظل التقدم الواسع في عمليات تسليم الرهائن وجهود الوساطة الجبارة التي تقودها قطر ومصر. جددت إسرائيل العمليات على القطاع تحت ذريعة رئيسية وهي عدم جدية حماس في مفاوضات تسليم الرهائن، والتي جرت المرحلة الثانية لها بصورة مباشرة بين إدارة ترامب وحماس، ويتبدى من تفاصيلها المحدودة شروط إذعان قاسية فرضها ترامب على حماس. والثانية هي عدم احترام حماس لاتفاق الهدنة من خلال استئناف العمليات العسكرية ضد إسرائيل. وتلك هي الذرائع التي لا تبرر بالقطع استئناف العمليات بالصورة الوحشية التي راح ضحيتها حتى الآن ما يربو من ألف شهيد فلسطيني. * ومن ثم، ثمة أسباب قوية دافعة لتجدد العمليات تندرج في مستويين: - الأول-قصيرة الأمد أو التكتيكية وعلى رأسها: الضغوط الداخلية الشديدة التي يواجهها نتنياهو، ونرى أنها الباعث الأساسي المحرك لتجدد العمليات. يواجه نتنياهو مشكلتين كبيرتين: الأولى وهى الملاحقات القضائية بشان تهم فساد شبه مؤكدة، كذلك وهى الأخطر ملاحقات قضائية متوقعة حول التقصير الأمني الذي أدى إلى «طوفان الأقصى». والثانية تتعلق بضغوط أقصى اليمين المتطرف عليه سواء داخل حكومته أو خارجها. مما يعني أنه في جميع الحالات يواجه نتنياهو تهديداً خطيراً بانهيار حكومته في أي وقت-وسيكون انهيارا تاما لحياته السياسية- ومن ثم البقاء ما تبقى له في الحياة في غياهب أروقة القضاء. وبالتالي، فاستمرار الحرب العنيفة في غزة تمثل طوق النجاة له لتمديد بقائه في السلطة إلى أطول فترة ممكنة خاصة مع إمكانية تمديد الحرب على جنوب لبنان وعلى الحوثيين. فقبل تجديد العمليات في غزة بخمسة أيام فقط، طلب نتنياهو من النيابة العامة الإسرائيلية تأجيل محاكمته بسبب استئناف العمليات في غزة، وقد وافقت النيابة على طلبه. والذي لا يقل أهمية على هذا وبات أمر ماسا لاستمرار بقائه في السلطة، وتقوية حكومته هو إرضاء أقصى اليمين المتطرف الرافض لتوقف العمليات في غزة وصفقة تبادل الرهائن مع حماس. فمع بداية المرحلة الأولى للمفاوضات مع حماس، استقال المتعصب «بن غفير» من حكومة نتنياهو احتجاجا على وقف إطلاق النار في غزة، والتفاوض مع حماس. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل هدد باقي أفراد اليمين المتطرف في حكومته بالاستقالة أكثر من مرة، كان آخرها تهديد «سومتريتش» الأكثر تعصباً وزير المالية بالاستقالة إذا لم يتم توقيف المفاوضات مع حماس مع شرط تجدد الحرب في غزة. وعلى إثر ذلك، لم يأت رضوخ نتنياهو في تجدد العمليات فحسب، بل في عودة «بن غفير» للحكومة مجددا، لتعاد إلى حكومته التماسك القوي المطلوب لبقائها أطول فترة ممكنة. - الثانية-طويلة الأجل: الفعلية الحاسمة. يدرك الجميع تمام الإدراك بما في ذلك بالقطع الوسطاء الرئيسيون قطر ومصر ؛ أن مرمى إسرائيل الفعلي النهائي هو تنفيذ مخطط التهجير الذي أصبح مطلبا واضحا علنيا بدعم الولايات المتحدة. وبقطع النظر عن صعوبة تحقيق المخطط؛ فإسرائيل ماضية فيه بصورة عبثة حتى ولو امتد التنفيذ لسنوات. والحقيقة أن المرحلة الأولى الرئيسية لتنفيذ المخطط حتى على المد الطويل هو القضاء على حكم حماس في القطاع جنبا إلى جنب استمرار الضغط على سكان القطاع للقبول طوعا أو ارغاما بالمخطط. وبالتالي، فمن البديهي أن حرب الإبادة الصهيونية على القطاع لن تتوقف في ظل وجود نتنياهو من عدمه. ويبقى هدف الوسطاء الرئيسي أولاً الحد من قتل المدنيين في القطاع إلى اقصى قدر ممكن، ثانيا استمرار الضغط على الأطراف المتداخلة خاصة واشنطن لعودة المفاوضات على أساس حل الدولتين أملاً في إثناء إسرائيل عن المخطط، أو إضعافه وإرجائه إلى أقصى حد ممكن. * والأمر الهام في هذا الصدد أيضا، أن تجدد العمليات ليست بمعزل عن مرمى إسرائيل الثاني الأهم وهو تقويض إيران. إذ ترى إسرائيل في حماس ذرائع إيرانية لابد من تدميرها بالتوازي مع باقي الأذرع الأخرى خاصة الحوثيين، تمهيدا للضغط عليها في صفقة إذعان يقودها ترامب تتمحور حول القبول بالتفكيك الطوعي للبرنامج النووي أو تحطيمه عسكرياً. وفي التقدير الأخير، وإن كان تجدد العمليات على غزة كان مفاجئا بعض الشيء، إلا أنه متوقعاً على أية حال. ومع العودة القوية لليمين المتطرف لحكومة نتنياهو جنبا إلى جنب أهداف إسرائيل بعيدة المدى الحاسمة؛ فمن المرجح على نحو كبير استمرار العمليات في غزة وربما بصورة أقوى، وقد تتخللها فترات قصيرة من الهدن الهشة.
771
| 25 مارس 2025
طفت إيران على السطح بقوة وبسرعة في ترتيبات أولويات ترامب، على عكس ما كان متوقعا بسبب أولوية الحرب الأوكرانية والصين والحرب التجارية. والشاهد في الأمر هو عدم انعراج سياسة ترامب المتوقعة تجاه طهران والتي تتخلص في أمرين إما التفاوض على إنهاء البرنامج النووي، أو المواجهة العسكرية. في الأسابيع القليلة الماضية بادر ترامب طهران بالتفاوض لإنهاء البرنامج النووي، وجاءه رفض مبدئي من طهران، ثم وقع على مذكرة لإعادة إحياء "العقوبات القصوى" لكنها أشد ضراوة عن السابق، حيث تضمنت إلغاء الإعفاء الذى كان مسموحا للعراق باستيراد الغاز من إيران، والعمل على منع تصدير النفط "تصفير شامل" لحلفاء طهران وخاصة الصين، وأيضا الحيلولة التامة دون تهرب طهران من العقوبات المالية بوسائل غير مباشرة. ومن المفارقة أن تجديد دعوة ترامب لطهران للتفاوض مرة أخرى بعد هذا الإحياء، قد قوبلت من الرفض أولا من جانب المرشد الأعلى، ثم باقي مسؤولي طهران الذين عبروا عن رفضهم للتفاوض تحت وطأة الضغط، كما عبروا عن أيضا عن عدم ثقة إيران في التفاوض مع واشنطن. وهو ما دفع ترامب وإدارته من وقتها للاستمرار في استخدام نفس العبارة تقريبا "إما التفاوض، أو المواجهة العسكرية". ويتبدى مما سبق أولا سعى ترامب لإبرام اتفاق مع طهران تتخلى بموجبه عن برنامجها النووي دون شروط، أي يكاد يكون اتفاق "استسلام". والثاني صلابة الموقف الإيراني تجاه ترامب، بحيث لا يبدو أن هناك مناورة تشوب هذا الموقف كما هو معتاد من إيران. ومن ثم، فمن حيث المبدأ، قد يؤدى هذا التأزم إلى لجوء ترامب للخيار العسكري ضد طهران-رغم عدم تفضيله له- لكنه قد يضطر إليه أو يتحفز له على خلفية انحيازه التام لإسرائيل خاصة النخبة اليمينية الحاكمة، وتراجع قوة إيران بعد تقويض وكلائها وأذرعها الرئيسية. بواعث التصلب الإيراني ومواطن قوته يعد البرنامج النووي الخط الأحمر الغامق لإيران، فطموحات إيران الإقليمية، وشرعية بقاء النظام تستند على البرنامج. ناهيك عن الأثمان المالية والبشرية والدبلوماسية الباهظة التي أهدرت لأجل البرنامج، وزد على ذلك، تواجه إيران أزمة خانقة بعد تدمير أهم وكلائها في المنطقة نظام بشار وحزب الله. إذن بعبارة مختصرة أصبح دفاع طهران عن برنامجها مسألة "حياة أو موت" فخسارة البرنامج تعنى خسارة كل شيء تقريبا. أبدت طهران منذ إدارة أوباما رغبة في التفاوض على البرنامج النووي، وأعلن الرئيس الإيراني مؤخرا أيضا عدم ممانعة إيران من التفاوض لكن ليس تحت الضغط، وعلى إثر ذلك أبرمت الاتفاق النووي مع واشنطن في 2015، الذى انسحب منه ترامب في ولايته الأولى. لكن نلاحظ هنا أن تفاوض طهران عن البرنامج أو وفق شروطها لا يعنى التخلي التام عنه، أو تدميره، بل تجميده موقتا، وتحديدا إيقاف التقدم في صنع القنبلة النووية في ظل وضع مراقبة دولية ليس صارماً بالقدر الكافي. وتتباين التفسيرات حول ذلك، إذ يرى كثيرون أن ذلك مجرد مناورة لتقوية طهران بعد فك العزلة وبعد ذلك ستقوم باستئناف نشاطاتها النووية، بينما يرى البعض الآخر عدم تخلى إيران عن ورقة النووي تحسباً لتبدل الظروف والمواقف مع رغبة حقيقية في تجميد نشاطها النووي والانخراط في المجتمع الدولي، بل وتقوية الشراكة مع واشنطن. بيد أن شروط تفاوض ترامب على النووي الإيراني تختلف كليا عن الموقف الأمريكي العام الرافض أساسا للحل العسكري، حيث يريد ترامب كما ذكرنا تدمير البرنامج النووي تماما مع وضع رقابة دولية شديدة الصرامة. وهذا ما يفسر قطعا بواعث التصلب الإيراني، وعلى الرغم من المأزق الإيراني الشديد لطهران المتجسد في إدارة عنيفة حاسمة غير مسبوقة، وضعف وضعها الإقليمي العام. فإنها لاتزال تتمتع بمواطن وأوراق قوة تسعى من خلالها للضغط على ترامب. ويأتي في مقدمتها تحالفها العسكري مع الصين وروسيا، وهو ما تجسد مؤخراً في المناورات المشتركة بالقرب من مواني طهران، والأخيرة لم تتأخر عن إرسال رسالة صريحة لترامب مفادها أن طهران ليست وحدها ضد تهديداتك العسكرية، فهي جزء من تحالف قوى سيدافع عنها. في أعقاب تهديدات ترامب، برز الحوثيون مجددا في المشهد مهددين بعودة استهداف الملاحة في البحر الأحمر على خلفية تعثر اتفاق تبادل الأسرى في غزة، وهو رسالة واضحة لترامب مفادها أن طهران ليس وحدها وسيطال الانتقام الحلفاء في الخليج. تمتلك إيران الكثير من أوراق الضغط في سوريا ولبنان وغيرها، كما تمتلك برنامج صواريخ باليستى متقدم تصل مداها إلى أكثر من 1700 متر، كشفت عن بعضها مؤخراً. في التقدير الأخير، إن لجوء ترامب للخيار العسكري ضد طهران ليس مستبعداً، لكن فيما يبدو ستكون التكلفة باهظة للغاية، مما يجعل ترامب يلجأ إليه بعد نفاد كل الصبر والوسائل مع طهران خاصة في ظل الإصرار على إنهاء الطموح النووي لإيران.
825
| 13 مارس 2025
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3519
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2871
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2670
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2595
| 21 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1455
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1041
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...
765
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية