رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

"ماذا إن لم يتحقق!"

يُؤرقهن أمر الزواج، فهو الحُلُم الذي لا يُغادر مخيلتهن، وما عيبٌ أن حلمنَ به، فهذه نداءات الفطرة، لا مجالَ للتصدي لأصداء فُطرت المرأة عليها، فتحلمُ الفتاة برجلٍ صالح يحتويها، ويكونُ لها حصناً منيعاً وتكونُ لهُ سكناً حنوناً، وأن تكونَ الأم بعد كل ذلك، فتُربي جيلاً متميزاً. إن كان ما سلف ليسَ عيباً فأينَ العيب إذا؟ دَعُوني أُحدثكم.. تُحدثني إحدى الفتيات وهي في السادسة والعشرين من عمرها، إنها قلقة جداً من أن يفوتها القطار، وتُصبح "عانسا" على حد قولها، فأراها دائما صفراء الابتسامة، تُمارس حياتها دون حيوية، فتأكل دُون لذة وتشرب دون استساغة وتُقابلنا دون مرح! تجرأتُ يوما حين انفردنا مصادفةً لأسألها: "لمَ أشعر دائما أنك تفعلين كل شيء وأنتِ مُجبَرة.. فلا حماسة في الأمر ولا حيوية؟" فأجابتني بما توقعت:" أرى كل صديقاتي قد تزوجن وأنا كما أنا، ادعي لي الله أن يرزقني بالنصيب!" غضبتُ سرا من جوابها ولكنني لم أُفصح فأخبرتها مباشرة: "سأفعل ولكن هل عدم تحقق حلم الزواج يجعلك تعيشين حياتك كُلها دون تذوق، تستثقلين اليوم كله، وتقومين بالممارسات اليومية مُكرهه؟"، لم استطع إنهاء الحوار معها لأن احدى الفتيات انضمت لنا سريعا.. فَفُضَّ النقاش. لم يهدأ لي بال في تلكَ الليلة، هاتفتُها ولكني هذه المرة لم أكتم غيظاً ولم أُجَمِّل نصحاً، فأخبرتها بقول الدكتور جاسم المطوع: " أن الدرر المكنونة في قاع البحر لا ينقصها شيء إن لم تجد صياداً ماهراً حذقاً.. " قلتُ لها واصلي الدعاء وابقي الحُلُم فلا ضَيْرَ في ذلكَ ولا عيب، ولكن العيب كُله أن أكون تلكَ الجثة الهامدة التي بها بقايا رُوح بائسة، فأُعلق سعادتي بحلم الزواج، فلا أسعد ولا أهنأ حتى يتحقق.. ماذا إن لم يتحقق؟ هل أعيش العمر الجميل دون انجاز وانتاج؟ دون سعادة ورونق وبهجة؟ ماذا لو تحقق وابتليت بزوج كئيب، زادَ حياتكِ تعاسة وابتلاء؟ أتكونين كالصائم الذي صام دهراً يحلم بفطورٍ شهي جداً ليجد ما ينتظرهُ بصلة مُجَردة!، ركزي على الموجود يا "فلانة" لا على المفقود، على ما تملكين لا على مالا تملكين، واستمتعي حتى في شرب الماء الصافي، فهناكَ الملايين الذي يحلمون بالنعم التي تملكين. حتى اذا ما جاء الزوج المُنتظر أضفتِ الى سعادتكِ سعادة. اخلقي السعادة بنفسك ولا تربطيها بحدثٍ أو بشخصٍ أو بزمن.. قاطعتني: " غاليتِ في النصح، ولا أجدني قادرة على التطبيق، سأطلب منكِ طلباً أن ادعي الله أن يرزقني زوجاً".. اخبرتها ستكونين في دعواتي وأن تُكثف هي الدعاء كذلكَ لتنالَ ماتُريد، وانتهت المحادثة. كان ذلك الحوار في أحد الرمضانات المنصرمة، لم ينته الشهر الكريم حتى قالت لي: " أبشرج يا صديقتي، هناك من جاء ليطلب يدي، شاب طيب متعلم".. واخذت في وصفه.. سَعدتُ لها كثيراً،وباركتُ لها بفرحة عارمة، فقد تحقق ما تريده صديقتي. تزوجت وانجبت، وابتعدت عنا جميعا بحكم الظروف، هاتفتني منذ فترة ليست ببعيدة تبكي بكاءَ الأرامل، تشكي حزناً دفيناً، فهي لا تجد أدنى سعادة مع زوجها. وأنا أسمعها تبكي، صَعُبَ علي أن أُذكِرُها بكلامي ونُصحي، وأخذتُ مجراً آخر للتخفيف من آلامها. فتاة أخرى، وقتها مشغول من الصباح إلى المساء، حياتها كلها أهداف سامية، تعمل، تدرس، تقرأ، تتطوع بلذة لا توصف، مشاريعها النبيلة لا منتهية، أنهت الدراسات العليا، وبلغت من العمر 33 سنة ولم تتزوج، هيَ قريبة مني جداً، لم أسمعها يوم تبكي أو حتى تشكي أمر الزواج، فسألتها يوما، ألا تخافين شبح العنوسة! فأجابت: " أنا مؤمنة أن الله سيكتب لي قدراً جميلاً، أيا كان، مع من كان، ومتى كان.. والأهم أني سعيدة، فهو "تعني الزوج" ليسَ الحياة التي انتظر، أنا اعيش حياتي بحذافيرها بمتعةٍ متناهية، فإن تزوجت أضافَ الزواج إلى حياتي الجميلة جمالاً، الزواج ليس الحياة، الزواج إضافة فقط إلى تلك الحياة. كانت تتكلم وأنا أرى دون مرآة أن عيني تبرقُ من السعادة، هكذا النساء العاقلات المُنجزات وإلا فلا.. كانت يدي مُحَمَّلة ببعض الأشياء، ما إن أنهت كلامها حتى وضعتُ كل ما بيدي جانباً وصفقتُ لها، فإن لم يستحق هذا الكلام التصفيق فما الذي يستحق إذا؟.. لن آخذكم في تفاصيل طويلة ولكن تزوجت هذه الصديقة من رجل أكاديمي، بعد قصة حب جميلة وقصيرة واليوم تعيش معه حياة وردية. كنتُ أقرأ منذ فترة كتاب "نسيان كوم" للكاتبة المتألقة الجزائرية أحلام مستغانمي، فأضحكني احد العناوين التي تقول " أيتها الحمقاوات الحياة تنتظرك وانتي تنتظرينه!" ضحكتُ طويلاً وقد تذكرتُ جنون الفتيات من حولي. لعلي بكلامي هذا لا أُقلل من قيمة الزواج ولا أعيب الرغبة به، ولكنني أعيب فتيات يُعطِلنَ سعادتهن كلها حتى يتزوجن! ويَقرن أمرَ السعادة والحياة الجميلة بحدث الزواج.. أعوذ بالله أن يزيد هذا المرض في الجنس اللطيف. اللهم إنا نسألك السعادة والرضا، ونسألك الفوز في الدنيا والآخرة.. اللهم آمين.

1989

| 04 سبتمبر 2012

"نصيب"

إحدى صديقات الطفولة أحبت شخصاً واستمرت علاقةُ الحب تلك ست سنين، وحينما "كَوّن" الشاب نفسه وكان قادراً على أن يُقدم على أمر الزواج، رفضت والدته قطعاً لاختلاف المذاهب بينهما، حاولت الفتاة المستحيل وحاول الشاب المستحيل، كل بطريقته، لكن الأم أبت أن تَتَم هذه الزيجة، فبقى الاثنان متمسكين بالعلاقة رغم مَمَات الأمل، ورفض الأهل، باختصار.. شاءت الأقدار أن تُصاب والدة الشاب بسرطان الثدي، وأخذت تعاني المرض لمدة سنتين كاملتين، ومن ثم توفاها الله "رحمها الله رحمةً واسعة". بعدَ زمن من وفاتها أقدمَ الشاب على أمر الزواج وتَمت الزيجة. اليوم لديهم من الأطفال اثنان وقد سمعتُ من إحدى صديقاتي أن الثالث في طريقه إلى النور. حينَ تمت تلكَ الزيجة جميعنا قُلنا: "سبحان الله.. نصيب!". اليوم تُحدثني جارتي عن صديقة عمرها "عبير" إذ تقول وهي تسرد لي القصة: أحبت "عبير" أحد زملائها في الجامعة وأحبها، وبعد فترة سافرت إلى ألمانيا لمدة شهرين عند إحدى العائلات لتحسين مستوى اللغة الألمانية، وعند عودتها إلى الديار، كانت بصحبة فتاتين من ألمانيا رغبا أن يسكنا مع إحدى العائلات ليتعلما كذلك العربية. ما حدث أن عرّفت عبير "حبيبها وزوج المستقبل" على الفتاتين الألمانيتين، اكتشفت عبير مصادفة بعد فترة وجيزة خيانة حبيبها مع إحدى الألمانيتين لتسقط عبير مَغشي عليها، تألمت، أنهت العلاقة. تزوج حبيب "عبير" الألمانية تلك، وانتقل إلى المانيا، وأنجبت له بعد فترة ولداً جميلاً، في تلك الأثناء، وقفت عبير مجدّداً على قدميها واجتهدت فتخرجت من البكالوريس ومن ثم الماجستير، وحصلت بعدها على بعثة دراسية لدراسة الدكتوراه بفرنسا، حدث أن سمعَ حبيب "عبير" السابق، زوج الألمانية الحالي أن "عبير" بعد اثنتي عشرة سنة من انفصالهما، توجد الآن بفرنسا لدراسة الدكتوراه، حاول جاهداً بعد أن طلق الألمانية أن يعود أدراجه إلى عبير، لكنها رفضت، اجتهد كثيراً وحاول الوسائل كلها، قبلت به عبير مجدّداً بعد أن خاض جميع الاختبارات التي وضعتها لهُ بامتياز، وتزوجا. عندما سمعتُ تلك القصة، قلتُ لجارتي: " وكأنها من قصص الأفلام" ولكني سرعان ما قلت: " سبحان الله.. " النصيب.. يصيب" ". إحدى الفتيات تمّ طلب يدها من ابن الجيران، وهما يتبادلان إعجاباً كبيراً منذ زمن بعيد، والعائلتان على وفاق كبير، تمت أمور الخطبة ومراسيمها على أتم وجه، حتى جاءت ليلة الزواج، وحدث اختلاف نجهلهُ جميعاً، هدم الزواج والحفل والارتباط!. أحيانا نظن أن الأمور معقّدة ولن تتمّ إلا بضربة عصا سحرية، ولكنها تتم، لأن الله قدّر أن يَتم الأمر، وأحيانا نظن أن الأمور مُنسابة ومُتَيسرة ولكنها لا تكتمل وإن حاولت جميع الأُمم المستحيل. إحدى الزميلات الجميلات تزوجت مرّتين، وتمنّت أن تنجب في كلّ زيجة، ولكنها لم تنل ما تتمنّى، وحين انتهى زواجها الأوّل والثاني بالانفصال، دون أطفال، كانت تقول: ليتني انجبت طفلاً على الأقل، ساق الله لها زوجاً أفضل من الأوّل والثاني بكثير، وتزوجته، وانجبت منهُ طفلةً كالقمر، رزقها الله المولود من الزوج الذي سيكون لها الزوج الأبدي!. نظن أحيانا أن الامور سيئة كما ظاهرها لكنها مبطنة بخيرٍ عظيم، لا تُدركه عقولنا في حينها، ولكن لا بد من حكمة ربانية في كلِّ أمر يحدث، ذلك لأن الرحمن لا يأخذ أشياءنا الجميلة ولكنهُ يَستبدل أشياء أجمل بها. مِن القوانين الكونية الجميلة "قانون الجذب" الذي ينصّ على أن ما تفكر فيه وتؤمن به بعمق ويقين تحصل عليه ويتحقّق، وأنا من أشد المؤمنات بذلك القانون إذ إنهُ قانون رباني قبل أي شيء فاللهُ سبحانهُ يقول في الحديث القدسي: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء". الأمر الأعظم أن تفوّض أمرك كله لله عزّ وجلّ وتؤمن الإيمان التام أنهُ إن لم تحصل على ما تريد فاعلم إن "حكمة الله تُخفى بعض أحيانِ" وإنكَ في المستقبل القريب ستقول الحمد لله أن حدثَ كذا وكذا. أعرفُ أحدى زميلات الدراسة الجامعية، يتيمة الأم والأب، يحبها أحد الشباب الصالحين وتحبه حباً جماً، والدتهُ معارضة لهذا الزواج، والسبب أن الفتاة تكبر الشاب بسنتين. حاول الشاب المستحيل حتى بكى بين يدي والدته ليخبرها أنها حبّ حياته والأم متمسكة بالقرار دون جدوى. انفصلا للتو حين بدى لهم أن الزواج مستحيل. تواصلتُ معها حين عرفتُ منها بشأن الانفصال واخبرتها: "لتعلمي أن الأيام القادمة حُبلى وستلد لكِ مولودا أجمل من ماضٍ أبكاكِ وأحرق مُقلتاكِ. فقط قولي: " توكلتُ على الله وكفى بالله وكيلاً" بعمقٍ ويقين وانتظري منهُ الفرج الجميل فإن خير العبادة انتظار الفرج وتذكري أن الأمر كما نقول بلهجتنا العامية: "نصيب"، وهكذا فعلت. لم يحدث شيء بشأن صاحبتي اليتيمة بعد ولكني كما متيقنة أن اسمي "رحاب"، متيقنة أن الله قد رسم لها مستقبلاً جميلاً، بل وجميلاً جداً. اللهم إنا توكّلنا عليك التوكّل الجميل.. فأنت نعم المولى ونعم الوكيل.

1876

| 28 أغسطس 2012

"مُفيد!"

ارتبط مقهى كوستا في حياتي بالجد وعمل المفيد، فعندما كنتُ ادرس البكالوريوس اضحيتُ أُلاكم المقررات الصعبة في هذا المقهى دراسةً وتلخيصاً، خصوصاً في آخر سنة دراسية، حيث المقررات أعداء لدودة: دسمة، ثقيلة وصعبة. واستمر الارتباط في دراساتي العليا، وفي قراءاتي وكتاباتي وفي عمل كل ما هو مُفيد. حتى إذا ذكرت كلمة مفيد في الحياة تذكرت كوستا، واذا تذكرت كوستا رأيت كلمة مفيد بخط عريض. أحيانا تكبر خيالاتي بطريقة سريالية حتى اُفكر أن إدارة كوستا من المفترض أن تضع لوحة على الباب إلى جانب أوقات العمل، فيُكتب بها: "لا يحق لك أن تدخل هذا المكان إلا لعملِ المفيد". أتذكر صديقتي نور ومُحياها في كل خميس وهي تقولُ لي: "شنو البرنامج هالويكند؟" وهي تتمنى أن تسمع اجابات تروق لها، لأجيبها بإجابة يتمعر منها وجهها غضباً: "ابغي اسوي شي مفيد". ولا داعي أن اكشف عن اجابتها بعد أن تسمع كلمة "مفيد" وكيف تكون ردة فعلها. لعلي كنتُ أكره كلمة مفيد كذلك منذ زمن بعيد، فكانت هذه الكلمة عدوتي التي امقتها، والتي كانت تفسد علي نومي اللذيذ كل صباح في العطلة الصيفية. فمكالمات أمي الصباحية من مقر عملها والتي تكون قبيل الساعة الثامنة والربع على الغالب، تتصل حتى "يفقع الجوال" وحينها اضطر اضطراراً ان أُجيب لأسمع منها: "قومي سوي شي مفيد"، لأُجيبها وأنا في أشد الغضب بصوت النوم والكسل: "حرام عليج أنا في عطلة صيفية". لتجيبني الإجابة التي لن أنساها ما حييت: "المتميز يجد اللذة في الفائدة". كانت تحثني ان احفظ كل يوم شيئا من القرآن وعددا من أبيات الشعر، وعددا من الكلمات الجديدة باللغة الانجليزية وقراءة جزء من كتاب وكتابة خاطرة. لاُجيبها باجابة طفولية: "بووووه كل هذا في يوم واحد؟" لتُسمعني اجابة أروع مما سلف: "ليش انتي شوية؟ انتي قدها". حينها اقولُ العبارة التي كنتُ من المفترض ان أقولها في بداية الحوار: "ان شاء الله". لتنتهي المكالمة. لا أنهض مباشرة من فراشي بل أبقى مُتقلبة وأنا أُنازع محتارة بين الكسل ولذيذ النومِ من جهة وبين كلمات أمي وعباراتها من جهة أخرى. مُخَبِئة وجهي في لحافٍ دافئ وكأنها قد هَدَتني النجدين وعلي أن أختار، لأنهض بعد حين لأتوجه إلى البرنامج المفيد. باتت كلمة مفيد اليوم من أجمل الكلمات إلى قلبي، أجد فيها المتعة واللذة وأجد نفسي وهذا هو المطلب الأكبر. نرجع لسالفة "كوستا" الذي اقضي فيه كل يوم ما لا يقل عن 3 ساعات فأقرأ واحفظ واكتب أنا وصديقاتي. وقد اشتُهر عني ذلك بين زميلاتي في العمل حتى إذا مرت إحداهن في ذلك الطريق لقضاء حاجة ما لابد أن تمر في مقر العمل المفيد "كوستا" لتلقي التحية. من الطرائف التي حصلت مؤخراً والتي دفعتني دفعاً لكتابة هذا المقال، أن احدى زميلاتي في العمل واحدى صاحباتها مرتا بي فسلمتا سلاماً طالت مدته السبع دقائق. في صباح اليوم التالي بالعمل تقول لي زميلتي ان صاحبتها عَلّقَت: "مسكينة البنت ما عندها صديقات قاعدة تقرأ!". فأجابتها زميلتي: "بل لديها الكثير ولكنها تجد نفسها في ذلك". ضحكتُ كثيراً حين قَصت علي صديقتي ما جرى، ولكني تألمت للتبرير والتفسير والتأويل. فقلت في نفسي ونحن ندعو الله كل يوم أن تعود الأُمة للسيادة والريادة وشبابنا يُمسكون الكتاب ليهديهم إلى النوم وقت الحاجة. والذي يقرأ منا مسكين لا صاحب له ولا صديق! يا سبحان الله! ابنة عمتي الحبيبة لظروف قاهرة جداً لم تستطع أن تُنهي الثانوية العامة، ولكن اسلوبها الرقراق يفوق حملة الدكتوراه، دون أدنى مغالاة أو غلواء، ولا أعجب من ذلك أدنى العجب، فهي كثيرةُ القراءة وكثيرةُ الاطلاع، وقديما قيل: "من شابه أباهُ فما ظلم"، فهي ابنة الشيخ "محمد مال الله الخالدي" رحمهُ الله الذي ترك من الكتب الكنز الكثير في عمرٍ قصير وكان ممن ميراثهُ المحابر. إن مما يُعزي النفس ويسرّ الخاطر أن هناك من شبابنا من يقرأ، بل ويقرأ الكثير، بل واكثرُ من ذلك، فهم يتصدقون بالجهود الجبارة لشن حملات توعوية منها على سبيل المثال لا الحصر: حملة "كلنا نقرأ" التي كانت مبادرة من الأخ المتميز "أحمد الحربان" وثلة من الاخوان والاخوات، أسأل الله ان يبارك لهم في جهودهم، ومشروع "تنوين" للأخت "عائشة السلطان" وجماعة من الأخوات الأكفاء. وكلما زادت هذه المشاريع المفيدة استشعرتُ اقتراب الأمة من الهدف وكلما قلتُ قول جهنم يوم الحشر: "هل من مزيد؟!"، ولكنهُ حتما المزيد الايجابي. اللهم إنا نسألك الهمة لنهضة هذه الأمة. آمين.

673

| 14 أغسطس 2012

"عزيزتي أحلام"

لا أُشاهد البرامجَ التلفازية البتة، والجميعُ يَعجبُ من ذلك، لكني لا أُحبُ التلفاز، أبداً أبداً، فالتلفاز في المنزلِ بالنسبةِ لي قطعةٌ زائدة، رغم المفيد من البرامج ولكنني يا "جماعة الخير" ما إن أجلس أمامَ هذه الشاشة إلا وشعرتُ بالنعاس وإن كنتُ قد أخذتُ قسطاً كبيراً من الراحة. هكذا أنا منذ سنوات طويلة فقصةُ العداء الخفي بيني وبين التلفاز مُعلنة دونَ أسبابٍ ودوافع. أما تَأتيكَ حالاتُ العداء هذه أحيانا دونَ أسباب؟! في الفترة الأخيرة ذاعَ صيت برنامج لهُ علاقة بالغناء والفن والطرب "أرب أيدل"، وكما فهمت من المحيطين أن في هذا البرنامج لجنة تحكيم مكونة من ثلاثة أشخاص: "راغب علامة، وأحلام وأحدهم". يتم اختيار أفضل المشتركين من خلال اللجنة ومن خلال أصوات الجمهور، ويكون البقاء للأفضل. لا تغريني هذه البرامج أبداً ولا أحبها بغض الطرف عن شرعية الأمور فيها، فأنا لا أحبها والسلام. هي الناس كذلك رغباتٌ وميول فمنا من يميل للورد ومنا من يميل للياسمين ولكل ذوق يفضلهُ وطعم يُؤثره على غيره. وأنا على عموم الرأي أحترمُ الأذواقَ أجمع وإن لم تَرُقْ لي أو لم توافق مبدأً معيناً في أعماقي، فكلٌ منا ينام "على الجنب اللي يِرَيَحُه". لكنهُ مع أصداء البرنامج المدوية، انتشرت انتشار الطاعون في زمانه عبارات منحطة عن أحلام، عن لبسها، عن شكلها، ملامحها، كلماتها، بكائها وضحكاتها. وانتشرت مع تلك العبارات فكاهات عجبتُ لها العجب كله. حتى باتت أحلام محور حديث كل مجلس، في العمل وفي التجمعات وفي المجالس وفي "البلاك بيري مسنجر" ووو.. فكل يوم أتلقى صورا وفكاهات وعبارات، أحياناً مضحكة وأحياناً مقززة من العداء والتهجم. ولا أدري ما يدريهِ هؤلاء. فعزمت يوما ان أشاهد جزءاً من هذا البرنامج لأشاهد فقط أحلام محاولةً لفهم ما يجري. وعندما فعلت، وبالتجاهل إن كانت تستحق — كما يبررُ البعض — ما يقولونهُ فيها أم لا، إلا انني أعلم يقيناً أن كل ما يقولونه لا أخلاقي، لن أقرب العدسة الشرعية لما يفعلون، ولكنني أعجب من قلوبٍ رانَ عليها صدأ السخرية، بحجة "تستاهل" أو "والله اهيه اللي جابته لنفسها"، دون أن يدركوا إن كان ذلك رقيا أم انحطاطا. لا أعرف أحلام شخصياً ولا أحب الغناء لأُدافع بقلمي وأبجديتي، ولكن الجهل بَلغَ مَبلغه، والميكافيلية سادت وعظمت، ففي سبيل أن يَضحكوا أو يُضحكوا لا يَهُم أيةَ وسيلة يتخذون. عزيزتي أحلام، لقد قرأت صدفة في حسابك بتويتر منذ فترة الراقي من الكلمات والجميل من الدعاء والتصدق بالعرض، ورأيتُ العفو كله، لكلِ من أساءَ لكِ، فابتسمت وعجبتُ العجب كُله، ولكن العجب لم يطل لأنه ليس فينا من يدري، من أقربنا إلى الله أنتَ أم أنا أم أحلام، فلا تبطش كثيرا.. قبلَ أيام دُعيتُ لإلقاء ندوة في بيت احدى الأخوات، ترددتُ كثيراً ولكني عزمت على الذهاب في آخر الأمر، وكان الموضوع تحت عنوان: "التسامح: الفريضة الغائبة" وقبل أن أبدأ كانت مقدمتي "لستُ أكبركم ولستُ أعزكم ولست أتقاكم، وقد تكون أقلنا كلاماً في هذه القاعة أتقانا، وقد لا تكون. فالتقوى والأفضلية أمورٌ عند الرحمن، ليست عندي وعندك، وأنا هنا أذكر نفسي وإياكم، فإن الذكرى تنفع المؤمنين".

811

| 07 أغسطس 2012

"مِنْ نُور"

حينَ كنتُ في الثانوية العامة تعرفتُ على "نور"، زميلة لي بالصف، لم أكن أتقبل أن تَكون صديقتي رغم محاولاتها لأَن تكون، طوالَ تلكَ السنة. حتى جاءت نقطة التحول، إذ بلغنا نهاية العام وبدأت المعلمات في رصد درجات أعمال الفصل، وكانت الكرّاسة الصفية مهمة جداً إذ تُمثل درجة عالية من درجة أعمال الفصل، وما حدث أن فاجأتنا مُدَرسة الأحياء دونَ سابق تنويه أن اجمعن جميع الكرّاسات، فاليوم سأرصد الدرجات، ومن لا أرى كرّاستها اليوم ستحصل على "صفر". ارتعتُ جداً لأني لم أحضر الكراسة في هذا اليوم، ومع هذا تجاهلت الحقيقة وبحثتُ في حقيبتي المدرسية عن كرّاسة الأحياء لعلي وضعتها بين الكتب والدفاتر، ولكن لا فرار من الواقع. الكرّاسة لَيست معي. وليسَ لي غير الـ"صفر". لم أذهب لاتوسل المُدَرسة لتمنحني فرصة أخرى فأنا أعرف هذه المُدَرسة جيداً، كلامها لا يتبدل ولا يتغير. جلستُ في الصف، وزميلتي نور تَرقبُ حالتي، نور بكل هدوء ذهبت وسَلَمَتْ كرّاستها للمدرسة ثم رجعت أدراجها. سادت لحظات صمت حتى تُكمل المدرسة رصد الدرجات وتصحيح الكراسات. في نهاية الحصة، أخذت المُدَرسة تُنادي بأسماء الطالبات ليتسلمن دفاترهن، وتقول الدرجة التي رصدتها لكل طالبة، فبدأت تنادي بأسماء الطالبات بالترتيب الأبجدي، حتى وصلت إلى اسمي، صُعقت حينَ نادتني لأتسلم دفتري، وصُعقت حين سمعت أني حصلت على درجة كاملة! ذهبتُ لاتسلم الدفتر، الذي لستُ أدري من أينَ أتى؟ وكيف! وأنا أتحرك بالحركة البطيئة من هول الصدمة، سمعتُ من نور عبارة: "خذيه وأرجعي لا تقولين شيئا". وهكذا فعلت. حينَ تصفحتُ الدفتر لم يكن دفتري بالطبع، ولكن كان اسمي في مقدمته، علمتُ من الخط أنهُ خط نور، وأنا أقلب الكرّاسة يَمنةً ويَسرة، وصلت المُدَرسة لاسم نور وإذا بها تقول: "نور عدنان الشامسي، صفر "!! حينها شعرت بحجم الإيثار من تلكَ الإنسانة، وشعرتُ كم ظَلَمَتْ نفسها بهذه الفعلة، لم أتقبل أن أكون صاحبة الدرجة الكاملة وأنا من نسيت الكرّاسة وصاحبة الكراسة الحقيقية تأخذ "صفر". ألتفتُ الى نور وأنا متلونة بألوان غريبة، وجميع ملامحي تتكلم: "لم فَعلتِ ذلك!" ثم قلت: "حرام عليج تحصلين صفر!" فابتسمت ابتسامة جميلة وقالت لي: "ماعليج". المعجزة الربانية التي حدثت أن تلكَ المُدرسة الصارمة، قبلَ أن تَنصرف من الصف أخبرتنا أن الفتيات اللاتي لم يُحضرن دفاترهن سأمنحهن فرصة أخيرة حتى صباح الغد. ذلك الموقف الذي أطنبتُ في وصفه كان نقطة التحول في علاقتي بنور من الزمالة الى الصداقة، إذ أدركتُ رغم معارضتي لما فعلت، أنها أصيلة بحجم السماء. منذ ذلكَ الحين وحتى يومنا هذا أنا وهي ظللتنا صداقة حميمية، فنؤثر الخير لبعضنا البعض، وتواعدنا منذ المرحلة الثانوية أن يكون حبنا خالصا لله، فالحب في الله هو الرباط الأبقى والأدوم. وكتبتُ لها كلمات بخطي المعوج باتت تحفظها حتى يومنا هذا: "الشمسُ بعظمتها تغيب، والوردُ بجماله يذبُل، والشمعُ بتضحيته يَذوب، وجميع الأشياء في أفول، فالتغير سنة الحياة، لكنني أنا وأنتِ سنخالف السنة، ستبقى علاقتنا باقية وإن رحلنا سنلتقي بجنات النعيم". ووضعتُ عهوداً غليظة لتلكَ العلاقة، أساسها الحب في الله والنصح والإنجاز. نور ليست الصديقة الوحيدة التي بنيتُ معها صرح صداقة شامخ، لدي صديقات كُثر، وجميعهن تربطني معهن نفس الرباط، رباط الله في الصداقة، الذي نسيجهُ حب ونصح وعلم وفائدة. فحين نجتمع نجتمع لطاعة أو لعلم أو لإصلاح أمر، نجتمع كذلك للترفيه، الترفيه الرصين، ولكننا نحرص على أن تكون أغلب لقاءاتنا لقاءات الهمم والفائدة، فهذه هي الصداقة الحقة، التي تعينك على الرقي في الدنيا والآخرة. بعض الناس لا يؤمن بالصداقات، إذ انهُ لا يعرف كيف يحل معادلات الصداقة الخطية البسيطة، فيرى الغدر في كل صديق يقرَبُه، ولَعلَّ العيب هنا ليس في الأشخاص ولكن في الرباط الذي يَربطُ الأشخاص، وحين تنتهي العلاقات بالفشل، أدركُ يقينا أن الرباط لم يكن رباطاً ربانياً. أَتَفَكَرتَ يوماً في صَحبكَ؟ ونشاطاتكم حينَ اللقاء، وعهود الصداقة بينكما! حين تُجيب عن أسئلةٍ كَتلك سَتُدرك مستوى العلاقة وعمقها وأصالتها. وأنا أكتبُ سطوراً كهذه تذكرت النشيدة القديمة التي يحفظها غالب الناس: "أن تدخلني ربي الجنة.. هذا أقصى ما أتمنى.. وتهبني الدرجات العليا.. يارب.. يا لهنائي حين أُلاقي في الجنةِ صحبي ورفاقي.. فَرِحِينَ بنعم الخلاقِ..ياذا المنة..يارب". وهنا تُجبرني صداقاتي على أن أُغير البيت الذي يقول: "ما أكثر الاخوان حين تعدهم.. لكنهم في النائبات قليلُ" ليكون: "ما أكثر الاخوان حين تعدهم.. وجميعهم في النائبات عضيدُ" اللهم ارزقنا صحبة الأخيار لنكون على منابر من نور.. اللهم آمين.

525

| 31 يوليو 2012

"يا سلام"

سمعتُ قصة "محمد بن أبي عامر" الشهيرة منذ سنوات عديدة وشاهدتُ قصتهُ في المسلسل التاريخي الشهير:"ربيع قرطبة"، إذ تتلخص قصتهُ أنهُ كان فقيرا معدما، وكان يحلم بأن يكون خليفة المؤمنين، وكان قد أخبر أصحابه: ماذا تتمنون لو أصبحتُ الخليفة؟ فأما الأول فقال: توليني القضاء، وقال الآخر: توليني حسبة السوق، أما الثالث فقال مستهزئاً: إذا تحقق ما تريد فأمر بأن يطاف بي قرطبة كُلها على حمار وأنا مطلي بالعسل، ليجتمع على الذباب والنحل. فلما بلغ "محمد بن أبي عامر" الهدف منح كل واحد منهم أمنيته، على نحو ماطلب. "محمد بن أبي عامر" بلغَ الهدف باجتهاده وهمته وطموحه وذكائه وأصبح الحاجب المنصور، وحل محل خليفة المؤمنين، وأثبت معادلة الوصول: إن تواجدت الهمم وغلت العزائم فلا يحول بينك وبين الهدف أمر. "محمد صفر" زميل لي في عملي السابق، يذكرني أخي "محمد صفر" بـ"محمد بن أبي عامر"، فهو كبير الهمة، قوي البأس، كثيرُ العمل، وكان يحلم بأن يصل إلى منصب كبير في سن صغيرة وهذا ما حصل، تدرجَ السلم الوظيفي من أدناه حتى بلغَ منصب "مدير" وهو لم يتجاوز السابعة والعشرين عاماً في أحد أشهر البنوك الإسلامية، ولا عجب فحين تتواجد الهمم تموتُ المستحيلات. عمتي "بدرية" هي أكبرُ عماتي سناً ولكنها ذاتَ همة كبيرة، وعمل دؤوب، لم يُثنها عن تحصيل العمل حاجز، ولا عن الوصول لشهادة الماجستير عمر معين، بل هي مصدر تحفيز وإلهام للقاصي والداني. كلمتني جدتي منذ فترة اذ التقت بها صباحا لتوصيَتها ببعض المهام واستغربت همتها العالية فتقول:"ياريت الكل عنده مثل همتها"، فأجبت: "ياريت". فلا يحولُ بين الإنجاز أعمار، ولا أعذار، إن وُجدت الهمم. "فيصل الذيب" أحد المستثمرين العمانيين الذين كنتُ أتعامل معهم في عملي السابق، صغيرُ السن، أصبح مليونيرا من الصفر وهو لم يتجاوز الثلاثين عاما، وعندما ذكرَ لي قصتهُ صُعقت لفترة لكن العجب تبعثر بسرعة شديدة، فالهمم تصنع المعجزات يا رحاب فلمَ العجب؟ إذ إن قصتهُ باختصار أنهُ عندما كان طالباً جامعيا كان يملك سيارة قديمة جدا، فكان يوصلُ بتلك السيارة أصحابه الذين لا يملكون أي وسيلة مواصلات للوصول للجامعة، وكان يأخذ مبلغاً شهرياً من كل طالب، فأشتهر بالجامعة وأخذ الكثير يطلبون منه "التوصيلة" للجامعة، فجمع مبلغاً من المال وباع السيارة القديمة، واشترى باصاً مستخدماً ليستطيع نقل مجموعة أكبر، وجمع مالا أكثر واشترى باصاً آخر ووكلَ أحدُ زملائة بسياقته بحيث يمنحهُ مرتبا شهريا، وجمع مالاً أكثر وهكذا حتى اشترى باصاً ثالثاً ورابعاً وخامساً وسادساً!! حينَ بلغَ عدد الباصات الستة، قاربَ هو على التخرج، وتخرجَ بنجاح بل وبتميز، باعَ تلك الباصات الستة وما جمع من خلال تلك السنوات من المال واشترى قطعة أرض، باعها واشترى غيرها وهكذا.. حتى باتَ اليوم مليونيرا بل ومن كبار المستثمرين العمانيين. بفضل الله وتوفيقه، ثم بفضل تلك الهمة العالية المتدفقة. منذ يومين كنتُ أحثُ أخي الأصغر "ابراهيم" على القراءة والكتابة بشكل أكبر، فأجاب: "أنا صغير ليحين على هالسوالف"، أجبتهُ: "ليس هناك عمر للانجاز، إن توافرت الهمة، فطأطأ الرأس غير متقبل.. حتى ذكرتُ لهُ بيت المتنبي: "واذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام".. قَبَلَ بروحٍ عالية بعد مناقشة طالت عن معنى البيت، ووضعَ نصب عينيه أن يكون الأول على المرحلة الإعدادية في العام القادم. هزتني قصة "أبي مسلم الخرساني" الرجل الذي أسقط دولة بني أمية وأقام دولة بني العباس، صاحب الفتوحات والانتصارات العظيمة،اذ جاء في التاريخ أن أمهُ كانت تراه وهو صغير يتقلب على الفراش كالملسوع، فتهب إليه مستفسرة، فيقول لها: همة يا أماه تنطح الجبال! "يا ســلام" على همم كتلك. قصصُ الهمم كثيرة، قديمة كانت تلكَ القصص أم "طازجة" من حاضرِ عصرنا، العبرة ليست في زمن القصة وبطل القصة وتسلسل أحداثها، انما العبرة في من اعتبر بهذه القصة، فتكون تلك القصص المحفزة كالنار الحامية لتغلوا بها الهمم، ولكنهُ حتماً الغليان المستمر. اللهم إنا نسألكَ همماً عظيمة لا تخمدُ أبدا..

2900

| 24 يوليو 2012

" ملل"

أدخلُ المنزل لأُلقي التحية، فأسمعُ من أخي الأصغر "إبراهيم" الكلمة المعتادة "ملل"، ليُدهشني دهشة تتشقلب منها قسماتي، أحضنه بعض الوقت ثم أعدد لهُ كل مالديه: وسائل التسلية، الألعاب الإلكترونية، الكتب التي حوله، مركز التحفيظ، الرحلات الترفيهية، ليقاطعني بعبارة: "بعد ملل!". لأندهش دهشة أكبر من ذي قبل دون اكتراث منه لدهشتي وجوابي. وأنا في خضم العمل، أستمع من زميلتي لكلمات عديدة وقصص غريبة ولكن الكلمة الأكثر وقعا في فؤادي كلمة ملل! وأنا في المنزل تتصل بي إحدى القريبات لأستمع منها بعد بعض "السوالف" كلمة "ملل "، وكأن الكلمة هذه هي الفاصلة والنقطة بين عبارة وأخرى. في "البلاك بيري مسنجر" أكثر كلمة متكررة بين الجميع هي كلمة "ملل"، وأحياناً يدخل علي أحدهم ليبدأ المحادثة فيكون الحوار كالتالي: — ملل صح؟ — انا مو متمللة.. — شدعوة! — اللي عنده هدف في حياته لا يعرف الملل — اها. بدينا حصة في الفلسفة. — لا والله بس هذا الواقع. أحاول الانسحاب من الحوار لأنهُ بدأ يأخذ منحى الحوار العقيم، ولكن تبدأ عندي علامات الاستغراب في كل مرة، رغم أنهُ كان لزاماً علي أن اعتاد الأمر، ولكني لم أصل لمرحلة الاعتياد بعد.. تُحدثني احدى صديقاتي أن حياتها الزوجية مُملله وكئيبة رغم حبها لزوجها وحب زوجها لها، فتزيد في الوصف: حين تكون مع زوجها في مطعم للاستمتاع بوجبة العشاء يُردد هو كلمة "ملل"، لتجيبهُ هي مؤكدة: "إي والله ملل"! رغمَ أن الاثنين في مطعم راق يستمتعان بتناول وجبة يحلمُ بها مليارات الفقراء، لكن الأمر ليس في قلة البرامج، والعلة ليست في كيفية قضاء الوقت؟ وكيفية استثمار الساعات والدقائق، إنما الخلل يكمنُ في تلكَ الأرواح التي هي ميتة وهي لا تزال على قيد الحياة. فتجد إحداهن مسافرة مع ثلة من صديقاتها لدولة باتت أمداً طويلاً تحلمُ بالسفر إليها، ولكنها حينما عادت أدراجها للوطن، سألها أحدهم: " إن شاء الله استمتعت؟ " تُجيب: " ممم والله مو ذلك الزود، مملة السفرة شوي"! إحدى الفتيات المقتدرات، تُبهرني أحياناً عندما تذهبُ إلى "كشك الفلافل" لتطلب سندويتش فلافل على مزاجها (سندويتش فلافل مع سلطة وطحينية وقليل من الشطة)، ومشروبها الغازي المفضل (دايت كولا) وتجلس على كرسي الكشك المتواضع، وهي تشعر بقمة المتعة وهي تأكل الأكل اللذيذ، تشعر بمنتهى السعادة واللذة وهي مستمتعة بأكلها البسيط، وأكاد أجزم أن أي مخلوق يراها تأكل سيشتهي أن يأكل مما تأكل فقط لأن في طريقة أكلها لذة ومتعة وحياة رغم أنها تأكل أكلاً بسيطاً على بساط البسطاء. بينما تأكل تلكَ الزوجة مالذ وطاب من أشهى الأكلات وأكثرها تنوعا، من مطعمٍ قد يفوق رقيه مطاعم الخمس نجوم، وهي تردد كلمة "ملل" هي ومن معها. "منصور" أحد الذين يعملون في البقالة التي نتردد عليها، يعمل منصور وكأنهُ يلعب، من شدة المتعة والسعادة، فتراهُ مبتسما سعيداً ضحوكاً، وهو عامل بسيط في بقالة صغيرة، بينما الموظف الذي يملك راتبا يفوق راتب منصور بأربعين ضعفا، ويملك مكتباً رحباً، يُتمتم بين كلمة وأخرى بكلمات الملل والضجر. زارني أخي "أحمد" منذ فترة ومررت على البقالة لشراء بعض الحاجات، فاندهش أخي كل الدهشة عندما رأى منصور، مرددا: "سبحان الله" ، ثم أضاف: "يعمل ببهجة دون ملل! رغم أنهُ لا يملك شيئا إلا وكأنه يملك كل شيء". “Dean” أحد الموظفين الجدد الذين انضموا إلى فريق العمل بالشركة، من أصل أجنبي “المملكة المتحدة تحديدا"، فكان كلما سمع أن هناك اجتماعا سوف يعقد قريباً يُبهرني بعبارات تُشعشع منها الحياة والحيوية: فيقول "ليس لدي صبر حتى يأتي الاجتماع"، وأحياناً يُردد: "أنا متحمس جداً". بينما الباقية المتبقية من فريق العمل يترنحُ في مشيه مللاً وكأنهُ يصرخ: " لايعة جبدي"، وكأنهم أحياء دون حياة وأجساد دون أرواح. فسبحان الله! أدركتُ يقينا أن الخلل ليس فيمَن يقضون أوقاتهم ولكن كيفَ يقضون أوقاتهم، تلكَ النفس البشرية تستطيع أن تستمتع بكل شيء حتى بالأمور البسيطة فتصل لقمة النشوة والسعادة، وتستطيع أن تسخط حتى من الفاخر الراقي لتبلغ قمة الملل والتذمر والضجر. اللهم اشرح صدورنا ونفوسنا.. اللهم آمين.

773

| 17 يوليو 2012

"حَبِيبة غَيْرِه"

اشتُهَرَتْ قصةُ إحدى الفتيات في أيامِ الدراسةِ الجامعية، فَقَدْ أَحَبّتْ أَحَدَ زملائها في الجامعة، وأَحَبَها حُباً شديداً، وبَعْدَ أربع سنوات مِنْ الحُبِ والوَلَع، اختارَ ابنةُ خالتهِ، لِتَكُون زَوجته، وأخبر حَبيبتهُ بِأنهُ مُفارِقُها قبلَ ارتباطهِ بيومٍ واحد، لِتَنْهارَ الانْهِيارَ العَظِيم، وتَدْخُلُ مَرْحَلةَ اكتئابٍ شديدة، وحِينَما بَحَثَ بَعضُ المُقَرَّبِينَ عن سَبَبِ فِعْلَتِهِ أَجاب: كُنْتُ أُحبها حُباً عَظِيماً ومازلتُ، ولَكِني لَمْ أَكُن لأتَزَوَج فتاة كَلّمْتُها! لَنْ أقرب المنظارَ الشَرعي لِعلاقةٍ كَتِلك، ولَكِنهُ السُؤال الذي يَطْرحُ نفسه: إن كُنتَ لم تَكُن لِتَتَزَوجَ فَتاة كَلّمْتَها وأحبَبْتَها قَبْلَ الزواج.. لِمَ دَخَلْتَ فِي عِلاقةٍ كَتِلك؟ ولِمَ عَلّقْتَ قَلْبَ فَتاةٍ مُرهَفَة الحِس، رَقِيقَة المَشاعِر، وجَعَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ دماً يَسْرِي في عُرُوقِها، وأَنتَ تَعْلمُ العِلمَ اليَقِين أنكَ لن تُقدمُ على زواجٍ وارتباط، فأنْتَ هُنا لا غاية ولا وَسِيلَة.. فَأيُّ رَذِيلة! وإن كُنتَ قد أحْبَبْتَها فعلاً كما تَقُول وما تَزال تُحِبُها، فإنَّ ذلكَ لن يُفلِتَكَ مِنْ العِقاب، فإنهُ كما تُدِينُ تُدان ولو بَعْدَ حِينٍ.. يا صاح. مُنْذُ فَترةٍ ليست بِبَعيدة كُنتُ وصديقاتي نَتَكلمُ في مَواضيع شَتّى حتى رَسَت سُفُنُ الكلام في ميناءِ الحُب والعلاقات والقَصَصَ ذَاتَ العِلاقة، فإذا بإحداهنَّ تَتَكَلمُ عن أَحدِ معارفِها.. فاسْتَهَلّتْ بِأنهُ دَخَلَ في علاقاتٍ كثيرة، وأحَبَّ الكَثير مِنْ الفتيات وأحَببنه، وخَاضَ غِمارَ البَناتِ خَوضاً، حتى أتى العُمْرُ الذي قَرّرَ فيهِ الزواج، ذَهَبَ لِوالدتهِ لِيُخْبِرُها أنهُ يريدُ فتاةً دُونَ تَجارب سابقة، ماضِيها كَصفحةٍ بَيضاء، أرادها كما وَصَفَها "قطوة مغمضة"، وهكذا والدتهُ فَعَلت، بَحَثَتْ عَنْ فَتاةٍ لا ماضيَ لها، وفعلاً وَجَدَتْ تِلْكَ الفتاة بَعْدَ جُهْدٍ جَهِيد، وبَحْثٍ كَثٍيف وتَمْحِيصٍ وتَدْقِيقْ، وتَزَوّجَها وهو سعيد جداً بِحَظّه، فَلَمْ يَمْضِ على زَوَاجِهُما العام حتى عَلِمَ بَلّ عَلِمُوا جَمِيعاً، أنها كَلّمَتْ "شباب الفريج" أَجْمَع، كما ذَكَرَتْ صديقتي وهي تَنْقلُ لنا القِصة، كانت مُبْتَهِجَة وسَعِيدة، وكَأنّها تَقُول: إنَّ اللهَ يُمهل ولا يُهمل، فَقَد كَذَبَ على كثيرٍ مِنْ الفتيات وتَسَلّى بِمَشاعِرِهن حَتى تَعَلَّقَتْ به القُلُوب وبَعْدَها؟؟ يَبْحثُ عَنْ تِلْكَ "القَطْوَة" على حَدِ قَولهِ.. فَيا سُبْحانَ الله! هنا تَذَكَّرْتُ عبارة: "مَنْ لم يَتَزوجُ حَبِيبَته، تَزَوج حَبِيبةَ غَيْرِه". عِبارَةٌ كَالتي سَلَفَتْ طَرَحْتُها لا لِأُشَجِع عِلاقاتٍ كَتِلك، ولَكن لكي لا أُشجع الظُلْمَ الذي يَقَعُ في عِلاقاتٍ كَتِلك. أَحدُ الزُملاء نَراهُ على علاقةٍ عاطفيةٍ هاتفية مع إحدى الفتيات، يُكلِّمُها فِي كُلِ دَقِيقَة يَكُونُ هُوَ فارِغ فيها.. بحبٍ ووَلَه، سَألتْهُ إحدى الزميلات وكَأنّها تَجْهلُ العِلاقة: هل مِنْ المُمْكِنِ أن تَتَزَوج فَتاة عَرَفْتَها قَبْلَ الزواج، أَجابَ جواباً قاطعاً دُون أدنى تَفكير: لا..!! لم يُفكر زميلنا في جوابهِ لِثوانٍ بل قَطَعَ الَشكَ باليقين، تَألَّمَتْ صديقتي لحالِ تِلْكَ الفتاة التي يُكلمها — ولها مِنْ اللومِ والعِتابِ نَصِيب —، ربما أنه لم يَعِدْها بالزواج، لَيَكُونَ واضحاً بَيِّنَاً مَعَها، ولِكن لِمَ تَتَهللُ المشاعرُ وتَرْتَبِطُ القُلوب وتُدْمِنُ النُفُوس، والحالُ منقطع، والغاية تسلية ودَغْدَغَة للمشاعر؟!!، ولكنها حَتْماً الدَغْدَقة الأليمة، لَيْسَتْ للفتاة وحَسب، ولكِنها للاثنينِ معاً.. بِغضِّ النَظر عَنْ اللوم الذي يَقَعُ على الفَتاةِ التِي وَضَعَتْ نفسها في موضعٍ كَهذا، الأمرُ الذي حَيّرَنِي صَنْف جَدِيد مِنْ الناس، فَقَدْ شَهِدْتُ صَنْفاً يُؤمنُ بأن الغاية لا تُبَرِرُ الوسيلة، وشَهِدْتُ صَنفاً يُؤمنُ بِأن الغاية تُبَرِرُ الوسيلة، "بو الشباب" الذي يُكلِّمُ الفتاة وهو يَعلمُ أنهُ لا يُرِيدُها زوجة، مِنْ صنْفٍ غَريبٍ عَجِيب، فَهوَ لا غاية ولا وسيلة، فلا الغايةُ شَفَعَتْ لَهُ وَسِيلَتُه، ولا وسيلتهُ شَفَعَتْ لهُ غايَتُه.. فأيُ مَكارِم؟ وأيُ أخلاق.. دَفَعَتْنِي أَعْزُ صَدِيقاتي"بُشرى فقيهي" وهيَّ القَرّاءَة النَهِمَة، لِأن أقرأ كِتاب "عَصْرُ القُرُود" للكاتب مُصطفى محمود — رحمهُ الله رحمةً واسعة — وكانت أجمل عبارةٍ قرأتُها في ذلكَ الكتاب عبارةً تَقُول: " إذا أردْتَ زوجةً كخديجة، عليكَ أن تَكُونَ رَجُلاً كَمُحَمد". وقد قَصَدَ الكاتبُ: إن كُنتَ تريدُ الإنسانة ذاتَ الخُلُقُ والدين فَكُن ذُا خُلُق ودين لِتَجِدَ مُبْتَغاك. بَعضُ الغافلين مِنْ الناس يَظنُ أنهُ مَهما تَمادى فَلن تَدُورَ الدائرةُ عليه، قد لا تَدُورُ الدائرةُ عليه، وقد يَجدُ الزَوجةَ المَلاك وهو الذي صالَ وجَال، ولكِنَّ الدائرة قَدْ تَدُورُ على أَحدِ أخواته.. بناته.. أو حتى حفيداته.. ليُوقن أنهُ لن يُفلِتَ مِنْ مبدأ كما تُدِينُ تُدان. لَعَلّ كَلِماتي هذهِ لَيست وقفة مع المرأة ضد الرجل، فقد يَكُون النقيض، هي الإنسانة التي تَتَسلى وتَعْبثُ بِمشاعرِ الطَرف الآخر، وهو المُخلصُ الصادق.. فما أردتُ إيصاله عَزِيزي القارئ أنهُ ـ تماماً ـ "كما تُدينُ تُدان"، ولو بَعْدَ حِينٍ وحِينٍ وحِين، فإياكَ والظُلمَ. اللهم إنا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَظْلِمَ أو نُظْلَم.. اللهم آمين.

2511

| 10 يوليو 2012

" لستُ أدري!"

بين حينٍ وحين، تُجبرنا الأشواق الدفينة أن نلتقى بالأحبة رغم المشاغل، فنلتقى بالفتيات اللاتى أصبحن اليوم "حريم".. "كبرنا".. نجلس فى بقعة معينة حيث تتكفل إحداهن بالانتقاء المكانى ووصفه، والتحديد الزمانى لنلتقي، وتبدأ دائرة الحديث.. بعد السلام وكلمات الأشواق الفَتاتِية "وحشتونى بنااات" و"اشتقنا يختى " ونحو ذلك.. تبدأ كل فتاة بإلقاء ما فى جعبتها على الطاولة المستديرة. فتبدأ الأولى بوصف أحد الأعراس التى كانت فيه العروس "شيفه" والمعرس "توم كروز"، وهى متحسرة ومعتصرة رغم أنها متزوجة من رجل وسيم، فالتحسر على ماذا؟ لستُ أدري! وتبدأ الفتاة الأُخرى بالحديث عن ماركة جديدة فتصفها بعمق وطول وعرض، بل وبحبٍ وشغفٍ وولع، وكم أنها شعرت بأناقة ورقّة عندما اقتنتها، أشعرتنى حينها أنهُ لو كانت هذه الماركة رجلا لتزوجته. رغم جمالها وأناقتها دون الخوض فى بحار الماركات الغريبة. فلماذا البطرُ المجنون؟ لستُ أدري؟ تقطعها الأُخرى لتتكلم عن الحمية المُتعبة "الرجيم" فتبين معاناتها وكيف ابتدت وكيف انتهت وكيف تنفست وكيف كادت أن تتوفى، مع ذلك كُله فهى صامدة تنتقل من حمية لأخرى ومن نادٍ رياضى لاخر رغم تناسق جسمها الشديد، فلماذا العناء والقرب من الوفاة؟ لستُ أدري! وهكذا تجرى رياحُ الأحاديث الفَتاتِية، بما لا تشتهى السفنُ المنطقية وبما لا ينمُ عن عقلها وثقافتها، لتخالف القول فى تلك اللحظة فقط: "كل إناء بما فيه ينضحُ". فاللقاءات الفتاتية أحيانا تجرنا لتيارات هوائية لا تُعين السفن على المضي، بل تزيدها عرقلة وتجبرها أن تحيد عن المسار والوجهة المقصودة. تُخبرنى إحدى الزميلات أن أحد الشباب أرادَ أن يتقدم لإحدى الفتيات، ووضع من شروطه أن لا تكون هذه الفتاة من "طخة الماركات المجنونة". لم يكن هذا الشاب فقيرا أو بخيلا ليشترط مثل تلك الشروط، بل كان حكيما ثقيل الرأس بعقله، وتقيا رحب الصدر بورعه. لن يمنعها من شراء الماركات، بل يُحزنهُ أن يكون هذا الأمر هوسَ زوجته ومحورَ فكرها وغايةَ أهدافها وأقصى أمنياتها، بل هو يتمنى أن تكون نصفهُ الآخر من المدركين للآية القرآنية "ثم لتُسألُنَّ يومئذ عن النعيم". المُضحك فى الأمر أن والدته اختارت له فتاة أرضها وسماؤها وهواؤها الماركات، وعندما هَمّوا بالسؤال عنها وعن أصلها وأخلاقها وتفاصيل أخرى، جعلها الناسُ كما يريد تماما بل أفضل مما يتمنى؟ لماذا؟ لستُ أدري؟ تزوجها بعد دندنةٍ وطقطقةٍ وبهرجةٍ طويلة، ليطلّقها بعد شهرين من انتهاء عسلهما الذى كان أساسا أقربَ للبصل منه للعسل. لأنها تزوجت وليس لديها أى استعداد لتغيير نفسها، وهو تزوج إنسانة توقعها شرقا فإذا بها غربٌ. ويسألون لماذا نسب الطلاق فى تزايد؟ لا تسألوني. فلستُ ادري! "نرجع لمحور حديثنا"، لعلى بهذه السطور لا أُعيب شراء الماركات، لكنى أنتقد الادمان الشديد، بل ويؤسفنى أن يتحول الموضوع إلى محور موضوعي، وأهداف حياتية وغايات يتم تحقيقها بطرق مضحكة وديون لا داعى لها. وفى قراءاتى الأخيرة لم استغرب من حياة أثرياء العالم البسيطة، فهم لا يبحثون عن الكماليات، لا يلبسون الماركات، ولا يعيشون فى بيوت فاخرة، وليست لديهم طيارة خاصة.. وهم يملكون المليارات ويتصدقون بأطنان من الأموال. هم لا يحاولون إثبات أن لديهم المال بذلك المظهر أو بتلك الهيئة. بل وهم موقنون أن ذلك لن يزيد من مكانتهم ولن يضيف إلى إنتاجاتهم.. بل وأكثر من ذلك، فإنهم يعرفون تماما عقلية أصحاب الماركات ومصمميها، الذين يُعتبر هدفهم الأول والثانى والأخير جلب المال. وأنا اكتب هذه السطور تراودنى ماركة معينة — لن أذكرها — أتمنى اقتناءها لكنى لن أفعل. لماذا؟ لستُ أدري؟ عفوا بل أدري، لأنى أعلم أنها لا تستحق قيمتها رغم جمال رونقها، فقررت أن اشترى ما يشابهها بسعرها الملائم، وأمنح الباقى لبعض المحتاجين. اللهم تقبل.

1010

| 03 يوليو 2012

"الدجاجيون"

لَديَّ صديقات اُسَمِيهنَّ "الدجاج" لأنهن ينمن مبكراً جداً ويستيقظن مبكراً جداً، ولم أعتد يوماً أن أكون مثلهن، فساعات العطاء عندي تمتدُ من المغرب حتى الفجر، وفي هذا الوقت أكتب وأقرأ وأحفظ، وأكونُ "رايقة " تماماً.. وكلما اشتدت ساعاتُ الليلِ حُلكة اشتد "الروقان" بين جَنبيّ. فَكم يصعبُ عَليَّ النهوض من نومي لاستعد للعمل وأتوجهُ إليه، رغم أن العمل هو بالنسبةِ لي ذلكَ المكانُ الجميل، به عائلتي الأُخرى التي تنتظرني، والتي بها من أُعاونهم ويُعاونوني، إلا أنّ مُفارقةَ لذيذ النوم أمرٌ ليسَ بالهين بالنسبةِ لي. بل هو التحدي الجَلَل. أما "الدجاجُ" مِن الناس الذين أعرفهم، فهم مواظبون على النوم في ساعاتٍ مُبكرة والنهوض في ساعاتٍ مبكرة أيضاً، التي تكون في ساعاتِ الفجر الأولى، لِيستيقظوا من نومهم لصلاةِ الفجر، وليَستمتعوا بالفُطور المَلَكي، قد يكون ذلكَ الفطور "سندويتش جبن وكأساً من الحليب"، إلا أنه يبقى مَلَكيًّا، لأنهُ تم أكله بهدوءٍ ورَوية، وتم رشف الحليب بمتعة، وهم يَستَمِعُون إلى ما يُحبون مِن الآيات القرآنية، أو إلى نوع خاص من الموسيقى الهادئة، أو مشاهدة برنامَجِهم الصباحي المُفضل، أو الاستماع إلى برنامج إذاعي وطني أو أو... فَتَكُون المَلَكية في جَوهر الشُعور والمُتعة، لا مَظهر المائدة ونوعية الطعام. وجدتُ في حياة "الدجاج" من الناس، بركة كبيرة في أرزاقهم، وألاحظ أنهم يكبرون وينمون مادياً بسرعة يتمناها جميع الناس من حولهم. وليس في قولي انبهار أو عجب، فقد قال ذلك سيد الخلق: "اللهم بارك لأمتي في بكورها". ومازلتُ أتذكر قصة أحد الأقرباء كان موظفاً عادياً في وزارة عادية بالدولة، وكان من الفئة "الدجاجية" من الناس، ينام مبكرا جدا ويقوم قبيل الفجر لينتظر المؤذن في المسجد، فيؤدي الفريضة، لِيَشرَع بعدها بالهرولة - كرياضة صباحية - لوقتٍ ليسَ بالكبير، ليذهب بعدها للاستعداد للعمل ومن ثم اليه.. مازلت أتذكر تعليق والدي: "لا أذكر قط أنهُ جاء في غيرِ موعدهِ لصلاة الفجر"، حتى أحسستُ أن والدي باتَ يُنافسهُ في ذلك.. {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.. لم يكن والدي الفائز بالطبع في هذا التنافس الشريف! الخلاصة إن "أخانا" بدأ مشروعاً عقارياً، ونما وكبر وأصبحَ من الأثرياء اليوم. لعلي لا أتعجب من النتائج، فهو بَذل الأسباب جميعَها، وتوكلَ على الله في شأنه، وأدرك أوقات البركة، فبارك الله له وارتقى حتى بلغ. ومن المُضحك أن لدي صديقة مقربة جداً، من صنف "الدجاج" الأصلي، تتسلمُ مرتباً شهرياً يقلُ عن نصف مُرتبي، ولديها من الالتزامات ما يفوقُ التزاماتي بكثير، وهي تعيشُ الحياة التي أعيش، بنفس الدقة ومستوى الجودة. ربما تعجبون إن أفصحتُ أننا نضع الميزانية الشهرية معاً، وأننا نأكل في نفس المطاعم، نتصدق معا، ونتبضع معا، إلا أنني أضطر كلَ شهر أن أستدين منها مبلغاً مُضحكا لأمور تطرأ. ولعلي هنا لا أتعجب أيضا فالمعادلة واضحة بالنسبةِ لي. أجبرتني صديقتي منذ فترة أن أكون "دجاجية" مثلها ليومٍ واحدٍ فقط، فَجاهَدت وناضَلت وكَافَحت حتى لا أنام بعد أداء صلاة الفجر، فعادتي بعد أن أُكمل صلاة الفجر أذهبُ مسرعةً لأرتمي في أحضان السرير الدافئ لأواصل النوم إلى أن يحين وقت العمل. ففي هذا الوقت أشعر بأن كل 10 دقائق إضافية من النوم تعني لي الكثير". نرجع لمحور حديثنا، أصرت صديقتي "الدجاجية" ألا أنام بعد الفجر ففعلت، فأخذتُ ألبس مَلابسي بطريقة أخرى، وأتناول طعامي بلَذة، واتفقنا أن نلتقي في المقهى المُفَضل لنقرأ شيئاً ونحن نرتشف القهوة معاً. فَوافقتُ على مَضَض... خرجتُ من منزلي بِرَوية وهدوء، لا أسابقُ الريحَ حتى أصل إلى عملي في الوقت المحدد كعادتي، بل دخلتُ السيارة ووضعتُ الأناشيد المُحَبَبَة الصباحية، وشَرَعت ُ في قيادة سيارتي باستمتاع، وكَأنني "توني ماخذة الليسن"، لأَرى حولي أجواء لم أرها من قبل، فَالطرُقات ليست الطرُقات، والناسُ ليسوا الناس، فَفِي هذا الوقت لا ترى غير "الدجاجيين"، وحتى الطقس من حولي مختلف تماماً، فأخذتُ نفساً عميقاً وقُلتُ بصوتٍ مسموع: "ياااااه هالكثر كنت حارمة نفسي!! "؟ دخلنا كوستا، ذلك المقهى المفضل لنطلب الشراب المفضل، ونجلس جلسة شعرتُ فيها "بأضعاف الروقان" الذي كنتُ أشعرهُ في وقت الأصيل.. فقرأتُ في وقتٍ وَجيز الشيء الكثير، وشربت قهوتي باستساغةٍ ولذة، وبلغت عملي قبل الوقت بخمس عشرة دقيقة وبابتسامةٍ عريضة، وروح خفاقة. كم شعرتُ باستمتاع شديد، وكم أدركتُ {والصبح إذا تنفس}، وكم استشعرتُ الجَمالَ من حولي، والنورَ المُنبثق تدريجياً للكون، وعلمتُ أنهُ بغض النظر عن فوائدِ الإبكار والبكور من بركةٍ في الرزق، أو ثواب عبادةٍ معينة {إن قرآن الفجر كان مشهودا} أو غير ذلك.. فإن جمالَ الحياةِ في ذلك الوقت يَنقُلك من عالم السرعة إلى عالم المُتعة، ومن "اللا لذة" إلى رحاب اللذة، ومن التخبط إلى التَرَوي، وأضف فوائد جمة منحها الله عبده من بركة ونحو ذلك.. قُلتها بصوت مسموع حينها: "فليقبلني عالم الدجاج... فأنا دجاجة منذ اليوم". هل يقبلني عالم الدجاج؟ وهل ياترى استمر؟ اللهم إنا نسألك الخير كله، اللهم آمين.

865

| 25 يونيو 2012

"الفيل والنملة"

كنتُ منذ فترة في حوارٍ مع الكاتب "مصطفى فرحات"، فَتَشَعبَ الحديثُ معهُ تحتَ مظلة الثقافة والأدب، حتى طَفقَ يُكلمني عن عَلَمٍ مِنْ أعلامِ الفِكْرِ والأدب "محمد البشير الإبراهيمي"، فقد أخبرني أنهُ ما بَلَغَ التسع سنين مِنْ عُمرهِ حتى كانَ قد حفظَ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه. وكانَ قد حَفِظَ معهُ ألفية ابن مالك، ومعظم الكافية له، وألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السير والأثر، والجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأنه حفظَ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وحفظَ معظم رسائل بلغاء الأندلس مثل ابن شهيد، وابن برد، وابن أبي الخصال، وأبي المطرف ابن أبي عميرة، وابن الخطيب. ثم أسهَبَ أنهُ حفظَ صدراً من شعر المتنبي، وصدراً من شعر الطائيين، وحفظَ ديوان الحماسة، وحفظَ كثيراً من رسائل سهل بن هارون، وبديع الزمان وحفظَ كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابية للهمذاني، وكتاب الفصيح لـ: ثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب بن السكيت، حفظَ كل ما سلف ولم يبلغ مِنْ العمر إحدى عشرة سنة! كنتُ استمعُ إلى الكاتب مصطفى وهو يُعددُ لي ما حفظ محمد البشير — لا ما قرأ — مِنْ كتبٍ ودواوين ووجهي كُلهُ متلون وقسماتي كُلها مُتَشَقْلِبَة، فرجل كَمحمد البشير مِنْ وفيات الستينيات، 1965م تحديداً، وتعليمهُ الكثيف يُذَكرني بِعَهْدِ الأئمة والتابعين، والأندلس الرغيد، فعندما سَمِعْتُ ما سَمِعت احتقرتُ ذاتاً مجدتها، حتى ادركتُ الفرق الشاسع، فقد كنتُ أفخرُ بنفسي لأني عندما كنتُ بالخامس الابتدائي قرأتُ كتب ديل كارنيغي وفي السادس قرأتُ كتب المنفلوطي. أما في المرحلة الاعدادية فقد بدأت سلسلة توفيق الحكيم والرافعي وبعضا من كتب العقاد ولخصتُ الموسوعة العربية الميسرة بجزأيها وكتبا ودواوين من هنا وهناك وأنا لم أبلغ المرحلة الثانوية بعد، وكنتُ سعيدة جداً ومفتخرة بتاريخي وكأني الفتاة الغريبة العجيبة بين الأنام، حتى سمعتُ سيرة محمد البشير الإبراهيمي. "إيهاب مدحت" أحد الأشخاص الذينَ تعرفتُ عليهم في مجموعة سلام — الدوحة، فَعَلِمْتُ منهُ أنهُ بَدَأ القراءة في كتب كارنيغي والفقي وغيرهما وهو في المرحلة الثانوية، كانَ إيهاب فخوراً على حد قولهِ بتاريخهِ التليد حتى عَلِمَ عن تاريخي في القراءة، المُضحك أننا نحنُ معاً — وجميع من يندرجُ تحتَ المظلة نفسها — "عاملين ديك وسط فراخ"، نُقارنُ أنفسنا بالفارغين، الذين لا يقرؤون البتة، فنكونُ نتيجة تلكَ المقارنة الجبابرة والعمالقة في الفكر والقلم، وإذا أردتَ الواقع فالواقع ليس كذلك أبداً. قرأتُ منذ فترة مِنْ الزمن مقالاً للشيخ علي الطنطاوي رحمهُ الله، فكانَ يتضمن سؤالاً عجيباً، إذ يقول: إذا سألتكَ عن العصفور أصغير أم كبير؟ فإن قُلتَ صغير، قُلتُ: أقصدُ نسبتهُ إلى النملة،. وإن قلتَ: كبير. قُلتُ: أقصدُ نسبتهُ إلى الفيل. فالعصفور كبير جداً معَ النملة وصغير جداً مع الفيل. المؤسف أن الغالبية منا يرى تاريخهُ تاريخاً تليداً وعطاءاته وقراءاته عطاءات متميزة وهي اليسيرة المتواضعة. السؤال الآن عندما أطلقتَ الحُكمَ على نفسك، أكانَ نسبةً إلى الفيل أم إلى النملة! علمتني والدتي حفظها الله ورزقني بِرَّها، أن أقارن نفسي في العلومِ والتقوى دوماً بمن هم أفضل مني وأن أقارن نفسي في المال والجاه دوما بمن هم أقل مني شأناً وأسوأ مني حالاً. لقد سمعتُ سيرة محمد بشير وأدركتُ الفارقَ الجَلِيّ، هوَ: حفظَ كل ما سلف من أمهات الكتب ولم يبلغ الحادية عشرة سنة من عمره، نحنُ: قرأنا شذرات من الكتب ونحن في عمرٍ متقدمة، هوَ: حفظَ القرآن كُله ومفرداته وغريبه ولم يبلغ التسع سنين. نحنُ: لم نحفظ القرآن بعد، هو: بلغَ العناء مَبلغهُ لنهلِ العلوم الغزيرة، نحنُ نتلقى العلوم البسيطة ونحنُ على الأرائك. هو: الفخرُ لأولادهِ وأحفاده. نحنُ: نبحثُ عن الفخر في أسماء العائلات البَرّاقة والقبائل الممتدة الأصيلة. هو: سَطَّرَهُ حاضرهُ وهو موجود وتاريخهُ وهو في عداد الموتى، نحنُ: لا سَطَرَنا الحاضرُ ولا الماضي. لَعَل نماذج محمد البشير الإبراهيمي عديدة على مر العصور، قارن نفسكَ بأيهم أردت، لا يهم، الأهم أن تقارن نفسكَ في العلوم والتقوى بالفيل لا النملة، لتَتقِد الهِمَم وتَعلُو العزائم وتضرم الإرادة، فَتلكَ هيَ المُقارنة الحَقَّة. اللهم اشغلنا بالعلم والإيمان.. اللهم آمين.

648

| 18 يونيو 2012

البخلاء والحب

مازلت أتذكر تلك القصة الحقيقية التي قرأتها والتي تمّ تمثيلها وعرضها في دور السينما، قصة أحد الأزواج الذي علم من طبيب زوجته أنها مصابة بمرض عضال وأنها سوف تعيش لمدة سنة واحدة فقط، حينها لم تكن الزوجة تعلم عن ذلك، فقد حرص الزوج على تكتم الموضوع، تبدل الزوج تبدلا رهيبا، فأصبح الزوج الرومانسي الرائع، الذي يفتتح نهاره بقبلة على جبين زوجته، ويختتم ليلته بقبلة على يديها، أصبح لسانه معسولا، فلا تكاد تخلو عبارة من "حبيبتي" أو "يا حياتي" أو ماشابه ذلك من كلمات الحب والوداد والرحمة. كان يمنحها ما كانت تتمنى طوال حياتها من هدايا، وكان يتفنن في مفاجأتها وتقديم الهدايا لها. حتى مرّ العام، وذهبا إلى الطبيب كمراجعة عادية ليصدم الطبيب أنها شفيت من المرض تماما! حينها قلت في نفسي: صدق من قال إن الأمراض العضوية هي أصلها نفسية. عزيزي الزوج، إن كنت تملك تلك المواهب كلها في إظهار المشاعر لزوجتك، والفن العظيم في تقديم الهدايا وصياغة العبارات والقبل، لم بخلت عليها طيلة أيام زواجكما التي مضت؟، ما فعلت ذلك إلا حينما أدركت أنها مغادرة دون رجعة. فأي بخل هذا؟ وأي نوع من البخلاء أنت؟ حكت لي صديقة سعودية مرّة، والتي قدّر الرحمن أن أتعرف عليها في رحاب الحرم المكي، أن زوج أختها الكبرى لم يقل لها كلمة حب واحدة طوال حياتهما الزوجية، حتى لحظة الوداع وهي تحتضر من سرطان عانت منه سنوات عديدة — حفظ الله الجميع من سائر الأسقام —، صرّح فيها الزوج السعودي بأنه لن ينساها وسيبقى يحبها، بينما كانت — رحمة الله عليها — تشتكي طوال حياتها من فتور الارتباط، وجمود العلاقة وجدّيتها، ورغبتها في سماع كلمة رقيقة كما في الأفلام، كأن تسمع "أحبك" في نهاية المكالمة، بدلا من أن تسمع "طووووووط" حيث كان يغلق السمّاعة مباشرة بعد أن يرتل عليها الأوامر والنواهي، دون أن يكلف نفسه حتى بأن يختم المكالمة بـ:"مع السلامة". مازلت أتذكر ملامح وقسمات صديقتي حين يممت وجهها نحو الكعبة وهي تبكي وتدعو لأختها، التي لم تر الراحة ولم تشعر بالسعادة في كل أطوار حياتها. فلم البخل في البوح؟ ولم البخل في التعبير، ولم الحرص على عدم إظهار المشاعر؟ حتى ما إذا تمّ الإفصاح يكون ذلك في لحظة الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى، ويعلم الله إن كانت قد استطاعت هذه الزوجة تلقي تلك الكلمة وهي في مرحلة تحشرج الروح! فأي بخل هذا؟ وأي نوع من البخلاء أنت؟ المؤلم أن هناك أشخاصا في الحياة، حين يصيح هاتفهم الجوّال ويكون المتصل هي الزوجة/الزوج، فإن الملامح تتشقلب، ويرد بطريقة فاترة وكأنه قد شرب الحنظل المرّ، ولا داعي أن أذكر لك الترحيب الشديد والتهليل الطويل حين يكون المتصل صديقا.. فكيف ولماذا ولم؟ أوَليس الأقربون أولى بالمعروف، أوَليست المعاملة الحسنة أولى درجات المعروف.. فأي بخل هذا؟ وأي نوع من البخلاء أنت؟ أستاذي في الأدب، رائعٌ جدا، على مستوى عال من الدين والخلق، يحب زوجته حبا جما، يتفنن بكل الطرق في التعبير عن الحب لزوجته ولا يحول بينه وبين التغزل بها أي أمر، بل ويبدع في ذلك، بقصائده ونثره، وخواطره، وحتى كلماته العامية البسيطة، ومؤخرا علمت أنه هو صاحب كلمات نشيدة "زوجتي" التي أنشدها المنشد "أبو خاطر" والتي انتشرت انتشارا كبيرا، وعرف هذه النشيدة القاصي والداني. ولا عجب فكلماته الصادقة لزوجته تستحق الانتشار والنجاح. حفظ الله أستاذي فداء الجندي، لهو الرجل الكريم، كريم الأقوال والفعال.. الكلمات الجميلة الرقيقة، هي بمثابة البلسم الشافي، مهما توترت العلاقة ومهما تكالبت عليها المسؤوليات ومهما عانت من المشاكل المادية. الكلمات الحانية كلماتٌ مجانية، تجمل العلاقة وتبعثر آلامها وتشتت مشاكلها، ناهيك عن الأجر العظيم، فتلك هي الكلمة الطيبة التي لا تتنافى مع الأديان كلها والمذاهب جلّها، ولا تناقض الأخلاق في كل بقاع العالم، لها مفعولها السحري، وأثرها العميق. يظن البعض، أنّ ذلك دليل قوة، حين يكتم مشاعره، ويغلف فؤاده بغلاف الفتور ويصون لسانه من كل كلام ليّن حان، جاهلا أنّ في ذلك ضعفا شديدا وبخلا عنيفا. لعلي من الموقنين أنه لو كان الجاحظ في زماننا لألّف كتابه البخلاء مرة أخرى، ولكنه في هذه المرّة لن يذكر لنا قصص بخلاء الدراهم والدنانير، ولكنه سيذكر قصص بخلاء المشاعر، فهم أعظم دنواً من بخيل الدرهم والدينار. اللهم باعد بيننا وبين البخل كله كما باعدت بين المشرق والمغرب.. اللهم آمين.

5286

| 08 يونيو 2012

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1989

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1563

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
الانتماء والولاء للوطن

في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...

1143

| 22 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1113

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1080

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

906

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

666

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

660

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

582

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

558

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

531

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
التحول الرقمي عامل رئيسي للتنمية والازدهار

في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...

513

| 23 ديسمبر 2025

أخبار محلية