رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

لكل مجتهد نصيب

بالعلم ترتقي الأمم وترتفع البيوت والجهل يخفض بيت العز والشرف، لذا جاء النهج القرآني في بدايته يدعو إلى العلم والقراءة فكان أول ما نزل من القرآن الكريم قول الله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق:1، فالمجتمع بحاجة ماسة لكوادر فتية تتسلح بسلاح العلم والمعرفة، ففي هذه الأيام تعيش الأسر في حالة من القلق والتعب والإرهاق حيث الأبناء ينظمون أوقاتهم واضعين أمامهم جدول الامتحان يقومون بمراجعة دروسهم متوجهين إلى قاعات الاختبارات، وأولياء الأمور يرفعون أكف الضراعة إلى رب البرية يسألونه المدد والعون لأبنائهم والتوفيق لهم والنجاح، فالكل متعب ومجهد ولكن يهون هذا التعب وينسى تماما عندما يخرج الابن ويطمئن والديه أنه كان موفقا في هذا اليوم، فتتعالى الأصوات بالتوصية والتوجيه بالانتباه لما بعده مذكرين الولد بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، عندئذ تنتهي الامتحانات ولكن لا تنتهي دقات القلوب والقلق ولا يهدأ القلب ولا يرتاح إلا باستلام النتيجة النهائية وتسلم الشهادة مكتوب عليها كلمة ناجح، حينئذ ينسى الجميع التعب والإرهاق لما جنوه من ثمار للجهد والتعب فيسجدون لله شكرا على التوفيق والنجاح، فأمتنا العربية هي رائدة الحضارات بما تحمل من عقيدة هي أرقى العقائد لأنها تساهم و تساعد في بناء الإنسان الفكري و الوجداني و هي عقيدة علم تحترم العقل و تدفعه دفعا حثيثا نحو العلم والمعرفة و هي عقيدة خلق إنساني معتدل كريم يتجافى عن الإفراط في الحب و التفريط في الواجب .فإن دور الأسرة والمعلم هام في تقليل حدة القلق وتوفير الجو الدراسي المريح والآمن الذي يزرع الثقة بالنفس ويساعد الطالب على اجتياز مرحلة الامتحانات بتفوق ونجاح فيحقق نهضتنا لتطوير التعليم، لأن المسلم يستمد العون من الله مع أخذه بالأسباب فهو على إحساس دائم من أعماقه أنه بحاجة إلى قوة الله وعونه لذا يجب على كل طالب نجيب وكل والدين يهتمان بشؤون أبنائهما وكل معلم مشغول على طلابه أن يعي ما يجب على الطالب من استعداد وذلك يكون بالاستعانة بالله والتوكل عليه والدعاء بأن يوفقهم الله والتفاؤل بالنجاح والعمل الجاد من أجل تنظيم الوقت بطريقة مناسبة، يراعى فيها تقسيم الوقت بين الدراسة الجادة واستقطاع بعض الوقت للراحة بين كل فترة وأخرى، والبدء بالمواد الدراسية حسب أهميتها، واختيار المكان المناسب للمذاكرة من حيث التهوية والإضاءة، وتنظيم الكتب والمذكرات بشكل يسهل الرجوع إليها، والجلوس بوضعية صحيحة ومريحة وتهيئة الجو المحيط بالطالب، مما يساعد الطالب على اجتياز مرحلة الامتحانات بتفوق ونجاح وجني ثمار الجهد والتعب، فإننا أصحاب روحانية إيجابية بناءة و روحانية إلهية تلازم المرء في ميدانه بل تنقله من كمال إلى كمال و تذكره بالله الذي خلقه، والأرض التي درج عليها والناس الذين يعيشون معه و عبوديته لله رب العالمين ولا ينسى المسلم أن عقيدته الطاهرة هي الدين الوحيد على ظهر المعمورة الذي يدعو إلى الحضارة والرفعة والعلو، فقد اهتم بالحث على طلب العلم وحب التعلم ومن مظاهر هذا التكريم أن الرسول صلوات الله وسلامه عليه اعتبر الطريق الذي يسلكه طالب العلم للتعلم طريقا موصلا إلى الجنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة )رواه مسلم، فعلى درب هذه التوجيهات الإسلامية في رفع الإسلام لمنارات العلم وشعار المعرفة، نجد أن دولتنا الموقرة تتوج بالتقدم لرفع لواء العلم فتنير الدرب أمام المتعلمين توجههم وترشدهم وتذلل لهم كافة الصعاب.المجتهد هو الذي يحقق نجاحا علميا عاليا يكسبه في أعين الناس مهابة وإجلالا وتقديرا، فيكون عنصرا فعالا في وطنه فينفع نفسه وينتفع به الناس من حوله ويرفعه ذلك إلى أعلى مراتب المجد والشرف في إخلاصه وجده ودأبه ما دام ينطلق من الروح التي أشاعها الإسلام في جو العلم إذ جعله فريضة يتقرب بها فاعلها إلى الله ويتخذ من العلم وسيلة لمرضاته سبحانه وتعالى، فالمجتمع يرتفع بسواعد فتية تسلحوا بالعلم والمعرفة وشمروا عن سواعدهم وتسلحوا بقوة العلم لأنه القوة التي تخضع أمامها الرقاب وتجعل الناس ينظرون إليهم بكل تقدير واحترام، فالعلم مفتاح كل خير يحتاج لعزيمة قوية وإرادة راسخة فمن جد وجد ومن زرع حصد ولكل مجتهد نصيب، ويرفع الله المؤمنين الذين أتوا العلم درجات والإسلام رفع مكانة المتعلم، قال الله تعالى:( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)الزمر:9، فأداء الامتحان يشكل ركيزة مهمة يجعل الطالب يجني أفضل الثمار لمجهود أيامه الماضية، ولكي يحقق ما يصبو إليه من تفوق ويهنأ بما أحرزه من نجاح ورقي وتفوق فيسعد ويسعد من حوله .

17965

| 04 يونيو 2015

شهر غفل عنه الناس

يجب على كل مسلم أن يعبد الله بما شرع له في كتابه أو جاء مبينا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لذا فهو مطالب دائما بالمداومة على الطاعة والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من القرب تكون تزكيته لنفسه وبقدر تفريطه يكون بعده عن التزكية، لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبا وأكثر صلاحا وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا، فلقد اختار الله من الأزمان أياما مباركات تكون وسيلة للإكثار من للطاعات اصطفى فيها أياما وليالي وساعات فضلا منه وإحسانا يمسحون فيها عن جبينهم وعثاء الحياة ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة وفي قلوب المتقين فرحة،فرب ساعة قبول فيها أدركت عبدا فبلغ بها درجات الرضا والرضوان،فالمرء العاقل الذي يحذر المعصية فهو يراقب نفسه وينهاها عن غيها حتى لا تورده المهالك في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لذا فهو يقدر للزمن حقه ويخشى أن يظلم نفسه في هذه الأيام الطيبة، فلا تظلموا فيهن أنفسكم والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لحرمتها.فإن العبودية للبارئ عز وجل من أجل الأعمال وأفضلها فهي إحساس المرء بالافتقار المطلق إليه والاعتماد عليه في كل الأمور، والافتقار إلى الله تعالى أن يجرد العبد قلبه من كل الفتن والأهواء، ويقبل على العبادات متذللا مستسلما لربه متعلقا قلبه بمحبة الله تعالى وطاعته، فحياة المؤمن كلها صراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، فإن هو استجاب للشيطان والهوى تردى إلى المهالك والخسران، وإن هو استجاب لداعي الحق والهوى ارتقى إلى أعلى الدرجات، فإننا في الأيام الماضية هل علينا هلال شهر شعبان يذكرنا بالأيام العظيمة والفوائد الجسيمة التي يمنحها الله عز وجل لعباده المؤمنين، فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل هذه الأيام مواسم للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح ويتنافسون فيما يقربهم إلى ربهم فالسعيد من اغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمر عليه مرورا عابرا، فإن المسلمين يعتبرون بأيام الله فيسعون جاهدين في الأيام المفضلة السعي إلى رضا الله تعالى يبتغون رضوانه ويرجون جنانه ويخشون نيرانه، فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم انتباه الناس إلى شهر رجب في الجاهلية، وتعظيمه وتفضيله على بقية شهور السنة ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر القرآن الذي امتدحه الله تعالى في كتابه فهو شهر رمضان شهر القرآن والصيام، وبين أن فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر، فاهتم المسلمون بهذا الشهر العظيم واجتهدوا فيه بالعبادة من صلاة وصيام وصدقات، وعمرة إلى بيت الله الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلاح، عندئذ أراد الهدي النبوي أن يبين للناس فضيلة بقية الأشهر والأيام فإن الله تعالى خالق الأيام باق مطلع على سرائر الأعمال وأمرنا بالاجتهاد في كل الأيام، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم في شعبان فقال صلى الله عليه وسلم: (ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أحمد وسؤال أسامة رضي الله عنه يدل على مدى اهتمام الصحابة الكرام وتمسكهم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وبالفعل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلا كما أخبرت عنه عائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق على صحته ولا بد من وجود أمر هام وراء هذا التخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر وهذا ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى، إذا فإن أعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام، وتعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن ترفع أعماله إلى رب العالمين وهو صائم لأن الصيام من الصبر وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، فشهر شعبان شهر عظيم عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحري بنا أن نعظمه وأن نكثر من العبادة والاستغفار فيه تماما كما جاء وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فنحن في شهر من شهور الله تعالى المباركة، فمما أحدث الناس وبدلوا ما يعرف بالاحتفال بليلة النصف من شعبان، ولم يرد في فضل قيام هذه الليلة أو تخصيص صيام نهارها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم .

445

| 28 مايو 2015

الإسراء والمعراج (2)

إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره، فلا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بعده عن التزكية، فالحديث عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم له شجون خاصة لما نرى فيها من التكريم والتشريف للنبي صلى الله عليه وسلم، فلقد جعل الله عز وجل أيامنا عِبراً وذكريات ونفحات ربانية، إن رحلة الإسراء والمعراج كانت درسا تربويا نفسيا لا بد منه للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى يواجه أعباء الرسالة ويتحمل مسؤولياتها ويرفع رايتها، ويقف كالجبل الأشم لا يتزعزع ولا يتزلزل أمام هذه العواصف والمؤامرات، فيتعلم منها المسلم ما يتقرب به إلى ربه، ويأخذ منها العبر والمواعظ بما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه. لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبا وأكثر صلاحا، وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا، فلقد اختار الله من الأزمان أيام مباركات تكون وسيلة للإكثار من للطاعات، اصطفى فيها أياما ولياليَ وساعات، فضلا منه وإحساناً يمسحون فيها عن جبينهم وعثاء الحياة، ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة، وفي قلوب المتقين فرحة، فرب ساعة قبول فيها أدركت عبداً، فبلغ بها درجات الرضا والرضوان.. وما زال الحديث ممتدا بنا حول ذكريات الإسراء والمعراج التي نتعلم من خلالها إكرام الله تعالى لنبيه وحبيبه، فلقد أولاه شرفا ما بعده شرف، وأولاه نعمة ما بعدها نعمة وإكراما ما وراءه إكرام، فعندما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم الرسالة، وقام الرسول بمهمة الدعوة، وواجه المشركين بدعوته، وجاهرهم برسالته، وأبلغهم أمر السماء وسمعت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تسمعه، ورأت منه ما لم تكن ترى، فقررت قريش مقاطعة بني هاشم في شعب أبي طالب للضغط على النبي لهجر دعوته، ولكنها لم تفلح، يقول الله تعالى: "إنه من يتَّقِ ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" يوسف:90، وبعد انهيار هذا الحصار وخسران قريش، أمام ثبات النبي صلى الله عليه وسلم وتصميمه على المضي قدما في طريق نشر دعوته، وبث النور على أرجاء المعمورة في ظل لا إله إلا الله،فقد اشتد البلاء على رسول الله من سفهاء قومه، وتجرؤوا عليه فكاشفوه بالأذى، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، رجاء أن يُؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم، فدعاهم إلى الله عز وجل، فلم ير منهم من يُؤويه، ولم ير منهم ناصرا بل آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينله من قومه، فيلتهج لسان النبي صلى الله عليه وسلم مناجيا ربه بهذه الكلمات: "اللهم أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربي وأنت رب المستضعفين.. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ فإن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي.. غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل عليّ غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك" أخرجه الطبراني.. وبعد هذا الحزن والعناء للنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" الإسراء:1، فبعد كل ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الهوان والأسى والجفاء والأذى في الطائف، أسري برسوله صلى الله عليه وسلم، ومنه إلى ما شاء الله من القرب والدنو، والسرى في السماوات ومشاهدة الآيات والاجتماع بالأنبياء، فقد أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم عرج به في تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء الدنيا، فرأى من آيات ربه الكبرى، وشاهد الأنبياء عياناً، فدعَوا له ولأمته ثم عُرج به إلى الجبار جل جلاله، فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة في اليوم والليلة، وعند رجوعه يلتقي بموسى عليه السلام فيقول له: إن أمتك لا تطيق ذلك، فينادي عليه الجبار في السموات العلا أنْ يا محمد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد.. جعلتها خمساً في العمل، وخمسين في الأجر.. ما أجمل هذا التكريم من الجليل لحبيبه صلى الله عليه وسلم ولأمته!! أن الحسنة بعشر أمثالها.

833

| 21 مايو 2015

الإسراء والمعراج (1)

إن الحق سبحانه وتعالى هو الذي اصطفى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم واختاره من بين الناس ليكون بشيرا ونذيرا بقدرة الخالق سبحانه وإرادته وعلمه وحكمته، فزكاه بقوله وإنك لعلى خلق عظيم لذلك رأى صلى الله عليه وسلم من آيات ربه الكبرى ورأى العناية الإلهية به وبدعوته، مما زاده يقينا بنجاح دعوته وتبليغ رسالة ربه وانتصاره على أعدائه، فلقد أوجد الله تعالى النبي محمد صلى الله عليه تحت الإشراف الإلهي المباشر حتى يكون أسوة وقدوة للمجتمع الإيماني، ولذا قال له ربه ما ودعك ربك وما قلى ويعلمنا الله سبحانه وتعالى أن هديه صلى الله عليه وسلم إن هو إلا وحي يوحى، لذلك لم تفارقه العناية الإلهية لأن الخالق هو الذي يعصمه من الناس فأطلعه الله سبحانه وتعالى على ملكوته العظيم فامتلأ قلب النبي صلى الله عليه وسلم بالنور، وامتلأت نفسه بالرضا وانشرح صدره صلى الله عليه وسلم ، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى لنا في أيام دهرنا نفحات وأمرنا بالتعرض لها لعل أحدنا تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا، فكان مسراه معجزة وآية من آيات الله الكبرى وكانت بلاءً وتمحيصا ليزداد المؤمن إيمانا، وأمر من الله بقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولى الألباب وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق، فأسرى الله سبحانه وتعالى بنبيه كيف شاء ليريه من آيات ربه الكبرى، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد.فالإسراء كان مسيرا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس في جزء من الليل ثم رجوعه بنفس الليل، أما المعراج هو الصعود به صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات السبع وما فوق السبع ، حيث فرضت الصلوات الخمس ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل، أما الطريقة التي تم بها الإسراء والمعراج فهذه معجزة من معجزاته صلى الله عليه وسلم عندما ركب البراق بصحبة جبريل عليه السلام من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ، فنزل هناك وصلى إماما بالأنبياء وربط البراق بحلقة في باب المسجد ،ثم أوتي إليه بثلاثة آنية إناء فيه لبن وإناء فيه خمر وإناء فيه ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأخذت إناء اللبن فشربت منه فقال لي جبريل عليه السلام: هديت وهديت أمتك يا محمد ، وقصة الإسراء ثابتة في القرآن الكريم ، فقد قال الله تعالى في سورة الإسراء :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } الإسراء1، ولقد أشير إلى المعراج في سورة النجم في قوله تعالى : ( ولقد رآه نزلة أخرى .عند سدرة المنتهى. عندها جنة المأوى. إذ يغشى السدرة ما يغشى. ما زاغ البصر وما طغى. لقد رأى من ءايات ربه الكبرى) النجم : 13-18 ،واتفق العلماء سلفا وخلفا على أن الإسراء والمعراج كانتا في ليلة واحدة ، وأنهما كانتا في اليقظة بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك الأحاديث الصحيحة المشهورة المتواترة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.فلقد كانتا ترويحا للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أحداث جمة أثقلت كاهله فبعد كل ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الهوان والأذى والجفاء في الطائف، ومن قبل حزنه لفراق عمه أبي طالب وزوجه السيدة خديجة رضي الله عنها، فكان الترويح عن النفس المحمدية بالإسراء به وعروجه إلى السموات العلى ، فأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرم المكي إلى الحرم الإبراهيمي، ومنه إلى ما شاء الله من القرب والدنو والسير في السماوات ومشاهدة الآيات والاجتماع بالأنبياء فكانت ضيافة كريمة من الله سبحانه وتعالى وتسلية وجبر للخاطر وتعويضا عن كل مالقيه صلى الله عليه وسلم من الشدائد والمحن والتكذيب، ففي هذه الفترة من المآسي والأحزان وصدود القوم عن الإيمان ومحاربة الدعوة الإسلامية بكل الوسائل والطرق وبعد هذه الشدائد المتلاحقة، التي أثقلت كاهل النبي صلى الله عليه وسلم عندما فقد السيدة خديجة رضي الله عنها كما فقد عمه أبو طالب الذي كان يمثل ساعد النبي صلى الله عليه وسلم فسمى هذا العام بعام الحزن، فكان من رحمة الله بعبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم أن يخفف عن نفسه الجريحة وفؤاده المحزون فكان الإسراء والمعراج.

800

| 14 مايو 2015

الفاضل والرديء

الإنسان مدني بطبعه يحب أن يخالط الناس ويتخذ الأخلاء والأصدقاء، لذا يطلق على الإنسان إنسانا لما فيه من معاني الأنس والألفة، لذا لابد لهذا الإنسان في هذه الحياة من مخالطة الناس واتخاذ بعضهم جليسا له وعونا على مشاكل الحياة، فلابد للإنسان السوي من أن يتخذ له صديقا أو أصدقاء وذلك لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، فالصديق يؤنسه في الرخاء، ويعينه في الشدة إن كان من أهل الوفاء، من أجلِ هذا كان اختيار الصديق أمرا في غاية الأهمية ذلك لأن للصديق أثرا عميقا في فكر الإنسان وسلوكه، وهذه حقيقة لا شك فيها، فالمرء يتأثر بمن يعايش ويرافق، والصديق يؤثر على صديقه سلبا أو إيجابا لاسيما في مرحلة الشباب، فإن كان الصديق فاسدا زين له سوء الأعمال ودعاه إلى قبيح الخصال فيلوث عرضه ويدنس شرفه ويقوده إلى مهاوي الردى ويكتسب منه السمعة السيئة، وإن كان الصديق صالحا ذكره إذا نسي وأعانه إذا ذكر، فالأول يندم أشد الندم إذا مات على تلك الحال، ويسعد الثاني بإذن الله -تعالى- حين يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فأي الفريقين أهدى سبيلا؟.ولكن الناس متفاوتون في أخلاقهم وطباعهم فمنهم الخير والفاضل الذي ينتفع بصحبته وصداقته ومجاورته ومشاورته، ومنهم الرديء الناقص العقل الذي يتضرر بقربه وعشرته وصداقته وجميع الاتصالات به ضرر وشر ونكد، ومن هنا يجب أن ننتبه لهذه الناحية الهامة في علاقات أبنائنا وأن نتدخل بين الحين والآخر لتوجيه هذه العلاقات وجهتها السليمة، وأن نحرص على أن تكون رفقتهم للنوعيات الجادة الكريمة حسنة الخلق والمعتقد والسلوك فإن أمامهم مستقبلا يحتاج إلى جدية وجهد وعمل، فإنك إن صحبت الأخيار ارتقيت بهم إلى الله وإن صحبت الأشرار هووا بك إلى الهلاك فالصاحب ساحب والصاحب هوية لك، أنت من؟ أعرفك من أصحابك فلا يعقل ولا يقبل أن المؤمن الطاهر العفيف يصاحب إنسانا منحرفا بذيء اللسان له مغامرات في المعاصي والآثام يفتخر بها، لذلك يجب على الوالدين في البيوت ألا يتناسوا خطورة الصداقة وهم يعلمون أن الصديق أشد تأثيرا على صديقه من غيره، فإذا كان صالحا كان منه النفع والفائدة وإن كان غير صالح فهذا هو السبيل لبداية الضياع فيسير الولد بين طيات الصداقة السيئة التي تجر به إلى كل مهلكة فتنسيه حقوق الله -تعالى- وتنسيه حقوق والديه، وربما اكتسب من هذه الصداقة السيئة بعض الصفات التي تجر به إلى المهالك وتؤدي به إلى الضياع. لذلك ترى هدي الإسلام يحثنا على ملازمة الجلساء الصالحين، والتحذير من الجلساء الفاسدين وذلك لما للرفقة والمجالسة من تأثير على الفرد في حياته وسلوكه فإذا كانت الرفقة صالحة فإنها تقوده إلى الخير وتدله عليه، وإذا كانت سيئة فإنها ستقوده إلى الشر وتدله عليه، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ) متفق عليه، فما أروعه من معنى وما أجمله من تصوير تتجلى فيه البلاغة النبوية وروعة البيان النوراني وإن من البيان لسحرا، إنها الصورة الحية الصادقة للجليس والصديق، فالجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه النفس ويطمئن به الفؤاد وتنتعش الروح طربا لحديثه وتنعم بمجالسته وتسعد بصحبته إنه عدة في الرخاء وزينة في الشدة وبلسم الفؤاد وراحة النفس، فإن صحبة الصالحين بلسم للقلب وإنها للنفوس أعظم دواء وعلاج فلقد شبه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجليس الصالح ببائع الطيب الذي ينفحك بعطره ويغمرك بطيبه فإما أن يهديك وإما أن تجد عنده ريحا طيبة، فأنت معه في ربح دائم ونشوة غامرة، أما جليس السوء فليس هناك أبلغ من تشبيهه بالحداد الذي ينفخ بكيره فأنت معه في خسارة دائمة فإن لم يحرقك بناره أحرقك بجمره الخبيث فصحبته هم دائم وحزن لازم، فالصالح جميع أحوال صديقه معه خير وبركة ونفع وغنيمة، مثل حامل المسك الذي تنتفع بما معه إما بهبة أو ببيع أو أقل شيء مدة الجلوس معه وأنت قرير النفس منشرح الصدر برائحة المسك، وهذا تقريب وتشبيه له بذلك صحبته شرف والمشي معه زينة، وأما الأشرار فهم السم النَاقع والبلاء الواقع فتجدهم يشجعون على فعل المعاصي والمنكرات ويرغبون فيها وكأن الجليس الطالح ينفخ في أعماق جليسه فيشعل نيران الغضب والحقد والحسد والشهوة .

1031

| 07 مايو 2015

حديث السوء في النفس

لقد أوجد الله الإنسان في هذا الكون وسخر له كل شيء وفق علم الله تعالى وإرادته، وخلق الظواهر الطبيعية وأجرى الأفلاك والأجرام السماوية وفق نظام معين وناموس محكم، ظلال وعتمة ثم صبح وإشراق ليل دامس ثم نهار مضيء، قمر يظهر ويختفي ونجوم تبدو وتتحرك ثم تحتجب وتستتر، وقد أمرنا الخالق القادر أن نلجأ إليه وحده دون سواه وأن ندعوه ليحمينا من شر الخلق ويقينا من أذى مخلوقاته ومن نفوسهم المظلمة، فهذا أمر إلهي بالاستعاذة بالله والالتجاء إليه والاستعانة به لدفع شر عظيم شر قد يسهو الناس عنه فلا يبالون به، لأنه يأتيهم من ناحية شهواتهم وتتلبس به قواهم من حيث لا يشعرون فيقعون في سيئات الأعمال وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولما كان من خفاء بحيث تضعف قوة الإنسان عن دفعه بسهولة احتاج المرء إلى الاستعانة عليه بالله واللواذ بجواره منه، وذلك الشر هو الوسواس الذي يلقى أحاديث السوء في النفس ويوسوس لها بالمفاسد والآثام والشرور، فيتجه بها وجهة سوداء شريرة بعيدة عن الإخلاص والإشراق والصفاء، وذلك الوسواس يرجع إلى النفس في حالات ضعفها فيتمكن منها بوساطة حديثه الكاذب وأراجيفه التي يوسوس بها في الصدور والقلوب.إن الشيطان يريد أن يكون الإنسان عاصيا لربه فإذا رفض الإنسان طاعته في معصية بعينها فلا يلح عليه فيها وينقله إلى معصية أخرى ولنعلم أن الله عز وجل قد سلط على الناس من يوسوس لهم ويغويهم، وذلك من أجل المجاهدة والفتنة والاختبار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه، قالوا: وأنت يا رسول الله قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) رواه مسلم، فهذا القرين يزين للإنسان الفواحش ولا يدخر جهداً في إغوائه والمعصوم من عصمه الله، لقد طرد الله عز وجل الشيطان من رحمته وجعله رجيما مبعدا، فأعلن الشيطان عداوته لبني آدم وطلب إنظاره إلى يوم القيامة وأقسم أنه سيزين للناس المعاصي في الدنيا، أما النفس فالمعصية عندها ثابتة تلح على صاحبها لكي يفعلها ويتعود عليها والشيطان هو الذي يوسوس بداية بالمعصية ولكن اعتياد المعصية يرجع إلى النفس وعدم جهادها، فمجاهدة النفس فريضة على كل مسلم، فالنفس يمكن محاربتها بمجاهدتها وهناك عبارة مشهورة كان يرددها كثير من الصحابة بعد رجوعهم من المعارك وهي: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، فإن وسوسة النفس والشيطان تأتيك بالترغيب بالخير ليصل معك إلى الشر، عمل ظاهره خير وحقيقته شر، يغريك بالمال الحرام مثلا ويوسوس إليك بأنك محتاج لهذا المال وأنك ستأخذه كسلفة وتعيده عندما يتيسر حالك وتمد يدك فتفرج أزمتك ولكنك لا تستطيع رده، بل إنك تحس أن هذه الطريقة سهلة وتمضي في هذا الطريق، فالشيطان يوقع العداوة بين العبد ونفسه، فعليك أن تتذكر ما أمر الله به ونهى عنه، وتتذكر عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتبصر السداد وتعرف طريق الحق والخير وترفض وساوس الشيطان، وما على المرء إلا التحصن بذكر الله، فالشيطان مسلط على الإنسان كما يسلط الذباب على العيون القذرة، والأوبئة على من أهمل النظافة ولا يقع في الفريسة إلا من ليس له قدرة على المقاومة وينجو الأصحاء المحصنون بذكر الله، فالشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم، فتعوذ منه بقراءة المعوذات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، ويقول تعالى:(قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) لقد اشتملت سورة الناس على الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إلى رب الناس الملك الإله الحق من شر إبليس وجنوده الذين يغوون الناس بوسوستهم، فأعوذ أي ألتجئ وأحتمي برب الناس مربيهم ومعتني بشؤونهم، الوسواس أي الموسوس الذي يلقي في النفوس خواطر الشر والسوء والخناس، أي من عادته أن يخنس ويتراجع ويهرب ويتأخر بذكر الله ودعائه، ولقد أبان الله عز وجل موضع وسوسة الشيطان فقال: الذي يوسوس في صدور الناس، أي الذي يلقي خواطر السوء والشر في القلوب وإنما ذكر الصدور لأنها تحتوي على القلوب والخواطر محلها القلب، قال عقبة بن عامر إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذ؟ قلت بلى، قال: المعوذتين.

15433

| 30 أبريل 2015

الأشهر الحرم

قد جعل الله عز وجل الأيام بين الناس دولا، والعمل الصالح فيها شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية واهتمام، حتى تنمو وتثبت وتؤتي ثمارها، فللأشهر الحرم مكانة عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم ومن اختياره وتفضيله اختيار بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حرما قال تعالى:( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم)التوبة: 36،أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل كل فعل قبيح من المعاصي والمنكرات وما يبغض الله تعالى، فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والتحذير من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرمه الله، ولذلك حذرنا الله في الآية من ظلم النفس فيها مع أنه أي ظلم للنفس يشمل المعاصي، فإنه يحرم في جميع الشهور ولاشك أن لشهر رجب مكانة عند الله تبارك وتعالى، فهو أحد الأشهر الحرم التي كرمها الله جل ذكره في كتابه ونهى الناس عن الظلم فيها، ولا يعني هذا أنه يجوز تخصيصه بعبادة معينة دون غيره من الشهور لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، فتخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع لا يجوز لأنه لا فضل لأي وقت على وقت آخر إلا ما فضله الشرع، فليس للطاعات موسم معين، ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصي، بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره.لا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات والاستمرار في الحرص على تزكية النفس ومن أجل هذه التزكية شرعت العبادات والطاعات،وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بعده عن التزكية،لذا كان أهل الطاعات أرق الناس قلوبا وأكثر صلاحا، وأهل المعاصي أغلظ قلوبا وأشد فسادا، فقد اختار الله من الأزمان أياما مباركات تكون وسيلة للإكثار من للطاعات اصطفى فيها أياما وليالي وساعات فضلا منه وإحسانا، يمسحون فيها عن جبينهم وعثاء الحياة، ويستقبلها المسلمون ولها في نفوس الصالحين منهم بهجة وفي قلوب المتقين فرحة، فرب ساعة قبول فيها أدركت عبدا فبلغ بها درجات الرضا والرضوان، فالمسلم يفرح إذا أحسن استثمار أيام الطاعة التي ينعم الله تعالى بها علينا ويرشدنا لاستغلالها، فيجتهد الجميع لنيل الدرجات والحصول على الثواب والتنافس في الخيرات والتي منها الحرص على الأعمال الصالحة مثل الرجاء وكثرة الدعاء والخوف من الله أي أن الخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته ورجاء قبول العمل مع الخوف من رده يورث الإنسان تواضعا وخوفا وخشوعا لله تعالى فيزيد إيمانه ويحرص على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات.وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله وكرمه على عبده إذا فعل حسنة، لذا يجب أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها فنحافظ عليها ونزيد عليها شيئا فشيئا للوصول إلى الثبات ولنحافظ على الاستقامة والمداومة على العمل الصالح، فإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة بعد مواسم الطاعة، فمن المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها وفوائدها وآثارها والأسباب المعينة عليها وهدي الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه}، فمن أهمية المداومة على الأعمال الصالحة دوام اتصال القلب بخالقه مما يعطيه قوة وثباتا وتعلقا بالله عز وجل وتوكلا عليه ومن ثم يكفيه الله همه لأن الأعمال المداوم عليها أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".

947

| 23 أبريل 2015

سلبيات الأفلام الكرتونية

قد يجد الوالدان صعوبة في التكيف مع أطفالهم والتعامل مع كافة متطلباتهم في هذه الحياة، ولكن لا يتم ذلك إلا بإشاعة المودة والصراحة والصدق والأمانة وتعزيز الثقة بالنفس، فمتى كانت هذه المادة قوية متماسكة كانت جودة هذه اللبنة بقدر هذا التماسك، ومتى كانت رخوة طرية كانت هذه اللبنة معيبة لا تصلح للبناء، فالولد في حال الطفولة مستعد أن يتقبل كل توجيه، وهو في هذه الحالة سيستوعب كل شيء أمامه ويختزنه في ذاكرته ثم يقلده، فالحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليستخلفه في الأرض فيؤدي رسالته في الحياة فينعم بما وهبه الله من نعم، ويعيش في هذه الدنيا بين حاجات يريدها وواجبات مفروضة عليه وأمنيات يتمناها وأحلام يسعى لتحقيقها وتختلف هذه الغايات والأهداف من شخص إلى آخر لعوامل عديده كالبيئة والمجتمع والأسرة، فكذلك ما يتعرض له الإنسان من انحراف في فطرته هو بتأثير خارجي، فإن الإيمان بأن كل مولود يولد على الفطرة ليس مسألة حفظ بالجنان وتلويك باللسان، بل هو تصور عقدي ينبني عليه التزام عملي تربوي ثابت، فالانحراف عن هذا التصور يجعل سلوكنا تجاه أبنائنا منذ البداية محكوما عليه بالفشل الذريع، إذ يجب علينا الاعتقاد بأن الله تعالى قد منح الطفل من الملكات الفطرية والقدرات الأولية وبذلك التصور سيتحدد نوع تدخلنا في كيانه، والذي يتجلى في وظيفة محددة هي الإنضاج والتنمية، فوظيفتنا تجاه الطفل هي تقديم يد المساعدة للطفل حتى ينضج تلك الملكات وينمي تلكم القدرات.والطفل كيان إنساني سليم وليس حالة خاضعة لنظريات تربوية قد تخطئ أو تصيب، فالأطفال هم سمة الحياة والشيء الجميل فيها، فهم يزينون الحياة بالبهجة والسعادة والتطور، لأنهم حماة المستقبل الواعد الذي سيأتون إليه بهمتهم ونشاطهم وحركتهم الدائمة التي تملأ البيت حبورا وسرورا، فطفلك الصغير هو مليكك المتوج في مملكة حياتك، لأن ذلك من فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها فهم زينة الحياة الدنيا، فمع التطور التكنولوجي والتقنية الحديثة وسرعه نمو تقنية المعلومات تغيرت بعض هذه الأهداف والغايات منها للأفضل والآخر للأسوأ، لذلك أصبح للمحطات الفضائية تأثير كبير على العادات والقناعات والأفكار، وهذا التأثير أدى إلى تغير هذه الغايات والأهداف، واستغل أعداء الفكر السليم هذه المحطات، فأصبح يغزو أبناءنا وأطفالنا ويحاربهم عن طريق المسلسلات والأفلام الكرتونية التي نعتقد أنه مفيدة لأطفالنا وأنها لشغل أوقات الفراغ والترفيه عن النفس، ولكنها فالحقيقة تحمل في طياتها العديد من الأهداف الغير مباشرة، والتي تؤثر على عقول أبنائنا الباطنية فتنحرف سلوكهم وتتغير وجهتهم وتسوء أفكارهم مما يكون له الأثر السلبي في تكوين الطفل ومعتقداته وهي في الأساس حرب على العادات سواء العربية أو الإسلامية فيزرعون الخيال في عقول النشء مثل كلام الحيوانات وكيف يطير الإنسان؟ وكيف يتحول لوحش؟ وكيف يطلق طاقات يفجر من خلالها الكواكب ويحرق الأعداء ويعيد الأموات للحياة وغيرها من الخرافات والخيالات وعلى صعيد الأفلام والمسلسلات يصورون العديد من الشخصيات والأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا العربية بأنها واقعنا وعاداتنا ويطلقون عليها اسم الحرية، وهي في الأساس حملات على العادات العربية لا يستخدمون فيها الأسلحة، وإنما يستخدمون فيها سلاح إرسال الرسائل السلبية للعقول، فعندما أرادوا محاربة الحجاب جعلوا أبطال أفلامهم منزوعي الحجاب لنشر الفتنة لدى الشباب العربي وبداعي الحرية، وللأسف الشديد هناك غزاه للفكر العربي من أصلٍ عربي وهؤلاء خطرهم أشد، فشبكة المعلومات الإنترنت تعتبر الآن من أقوى مصادر وقواعد الغزو الفكري، فبسهولة يستطيعون التأثير على مرتادي هذه الشبكة بوضع صور مخلة وإعلانات مدمرة ومواقع إباحية، وهناك العديد من الوسائل الأخرى التي تخدم أهدافهم وقد علمنا الهدي النبوي أن الطفل يولد على الفطرة السليمة، ولكننا نؤثر عليه بالمعلومة والصورة المزيفة، والتي تجعله هشا ضعيفا، ففيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) رواه البخاري، فإن الهدي النبوي يشير إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أن الأصل في الإنسان هو الإيمان بالله المعبر عنه بالفطرة، والتي يوحي أصلها اللغوي بأنه شيء خلق مع الإنسان وركب فيه كما يركب سائر أعضائه وأن الإنسان إنما يخرج عن مقتضى فطرته بمؤثرات خارجية من تربية وبيئة وتعليم.

464

| 16 أبريل 2015

دمعة اليتيم

عندما يتعلق الأمر بفعل خير أو النهي عن شر، ينبغي للإنسان الحصيف أن يتدبر أمره ويحاسب نفسه على مسؤوليته الاجتماعية، فعندما تطالع شاشات التلفاز أو وسائل الإعلام وترى الحديث عن اليتيم والإحسان إليه، واختيار أوقات أو تخصيص يوم بعينه، وجب علينا أن نسعى للخير وتنميته لعل أحدنا يظفر برفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فوسائل التكافل الاجتماعي كثيرة ينبغي على المجتمع الحقِّ أن يعلمها حتى يتبعها ويسير على نهجها، فمن اهمها على الاطلاق الإنفاق في وجوه الخير، فمبادئ الشريعة الاسلامية حثت على هذه الخيرية وحذرت من الشح والبخل، فجعلت في أموال الموسرين والأغنياء حقا معلوما للفقراء واليتامى والمساكين، فهذا المجتمع نفسه يتحمل المسؤولية كاملة بأن يتضامن أبناؤه ويتعاضدوا فيما بينهم؛ افرادا وجماعات، على اتخاذ كافة المواقف الايجابية التي تكفل رعاية الأيتام، بدافع من شعور وجداني عميق، ينبع من أصل العقيدة الاسلامية، ليعيش اليتيم في كفالة الجماعة، وتعيش الجماعة بمؤازرة هذا اليتيم المنسجم معها في سيرها نحو تحقيق مجتمع افضل، ولكي لا تنغلق النفوس وتحتجب عن المشاركة الوجدانية في المجتمع، ولكيلا لا تجف ينابيع الخير والرحمة والتعاطف. فلقد أراد الله للمسلم أن يكون عنصراً بناء فيه منفعة وخير لمجتمعه، يفيض دوما بخيره على الناس، لذا دعاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الإنفاق اليسير، وحذره من السلبية والانغلاق والإمساك، لأن في ذلك مهلكة وبواراً، فلعلنا نتقي النار ولو بشق تمرة، فلقد علمنا الهدي النبوي الطريق إلى الجنة، فأرشدنا إلى كفالة اليتيم وأمر بوجوب رعايته، وبشر كفلاء اليتيم بأنهم إن احسنوا الى اليتامى سيكونون معه في الجنة، لذا بشر كافله بأنه رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في جنة عرضها السموات والأرض، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما" البخاري، فحقاً على من سمع هذا أن يعمل به ويجتهد ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فلا منزلة أفضل من ذلك كما بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم، ففي الإحسان إلى اليتامى نجاة، فعلى المرء الذي يجد في قلبه قسوة وفي طبعه غلظة ويريد أن يذهبها الله عنه أو يريد مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، أو يطمح أن يكسب مئات الحسنات.. فالأمر يسير وهين، فإذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده.. أحسن إليه.. اقترب منه.. ابتسم له.. امسح رأسه.. طيب خاطره.. أدخل البسمة على روحه الظمآى.. فالإحسان إلى اليتامى من أعظم البر، لأن الأيادي الندية هي التي تنفق من عطاء الله تعالى كالمياه العذبة، تنساب على الأرض العطشى لتعود الحياة إليها وتزهر ورداً، لتغدو طاقة وسعادة بعطاءات مباركة على بيوت اغتمت بدموع حارقة، لفقدان الراعي والمعيل، لتحول نفوس ساكنيها إلى طمأنينة، بوركت تلك الأيادي البيضاء التي امتدت إليها، وأنارت ظلمتها، وزرعت فيها ابتسامة يُشرِق منها نهارٌ يمتلئ بالأمل لجني ثمار فردوس ربنا الدائمة، ومرافقة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فيها.. فيا ليتك تبحث عن يتيم تكفله، فيكون هذا سبباً لدخولك الجنة فتأخذه وتحسن إليه وتطعمه وتكسوه وتكرمه كما يكرم الرجل ولده بل أكثر، فيقف هذا اليتيم مدافعاً يوم القيامة عن كافله، قائلاً: خلوا عنه يا ملائكة ربي، حتى أشفع له عند ملك الملوك العزيز الجبار، فإنه قد أحسن إلي وأكرمني، فتقول الملائكة: إنا لم نؤمر بذلك، وإذا بالنداء من قبل الله تعالى يقول: خلوا عنه فقد غفرت له ما كان منه بشفاعة اليتيم وإحسانه إليه، فلنبذل جهدنا لإيصال الرحمة إلى الأيتام، فلعل الله أن ينفعنا بدعواتهم وشفاعتهم لنا يوم القيامة، فلنسرع الخطا إلى هذا الخير، فالمسلم الحق كريم مهما كان فقيرا، ومهما كان عطاؤه قليلا، يأمره الإسلام أن تنبجس في نفسه عاطفة الرحمة، بمن هو أفقر منه، ويحس ما يعانيه غيره من ألم وحرمان، فهدي ديننا الحنيف يحض المسلمين على الإنفاق من طيب ما يملكون؛ كل منهم حسب استطاعته، لتبقى نفوسهم ممتلئة بنداوة المشاركة الوجدانية لإخوانهم، ووعد الله هؤلاء المنفقين على عطائهم، باستثمار صداقتهم وتنميتها حتى تصبح كالطود الشامخ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسْب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يُرْبيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل). متفق عليه.

1152

| 09 أبريل 2015

اللوم يحطم كبرياء النفس

لقد خُلق الإنسان من طين وتم له التكريم من رب العالمين وميزه عن سائر المخلوقات، لذلك فإنه يحتاج إلى سنين طويلة من الرعاية لكي يكون عنصرا فعالا مهيَّئا للمشاركة في الحياة البشرية، وهذا الهدف لا يأتي بالجهد المفرد اليسير، بل يقتضى تضافر القوى وتبادل المشاعر الصادقة والاستعداد للبذل والعطاء والتضحية الصبورة التي لا تنتظر العوض والجزاء في الدنيا، لذا فالخطأ سلوك بشري لا بد أن نقع فيه، حكماء كنا أو جهلاء، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فليس من المعقول أن يكون الخطأ صغيرا فنكبره ونضخمه ولا بد من معالجة الخطأ بحكمة وروية، وأيا كان الأمر فإننا نحتاج بين وقت وآخر إلى مراجعة أساليبنا في معالجة الأخطاء، فشخصية المسلم ترتكز على الإيمان بالقضاء والقدر والبر والتقوى، وعلى مسؤولية الاختيار والصدق والتسامح والتعاون والقناعة، فمجتمعنا الإسلامي أسس على مبادئ سليمة ورفعت أركانه على زرع القيم والأخلاق، فحض على التخلق بها في مجال التعامل الاجتماعي، وكثير من هذه الخصال تشجع على إنماء الشخصية واكتمالها بقصد السعادة النفسية الشاملة التي تحقق للمسلم حياة آمنة مطمئنة ونجاة من الشدائد يوم القيامة. فأصول الشخصية في البيئة الإسلامية لا تزال تقوم على القيم الحضارية المنبثقة من تعاليم الإسلام؛ لأن هذه القيم تبقى من العناصر الرئيسية الواقية من الأخطاء والمخففة لوطأتها عند حدوثها، فالإنسان التقي إذا مسه طائف من الشيطان تذكر واستغفر، ومن يغفر الذنوب إلا الله، والكريم سبحانه وتعالى يعفو عن المخطئ، فلربما أنه يكون قد فعل ذلك بغير قصد، فيرفع الله عن العبد المخطئ الحرج والإثم، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه) رواه ابن ماجة، فلقد كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها وتحاسب على جميع أفعالها، دون أن تكون مبررات الجهل أو النسيان شفيعة لهم أو سببا في التجاوز عنهم، في حين أن هذه الأغلال قد رفعت عن هذه الأمة استجابةً لدعائهم ورحمةً من الله بهم، كما جاء ذلك في قول الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة: 286، فالتربية بمعناها الواسع تشمل صفة من صفات التربية الدينية، لاسيما في بلادنا العربية والإسلامية، وهي منبثقة من الأبوين أو من المدرسة، وذلك لأن تربية الشخص تتضمن تقويمه في حدود إطار أخلاقي للسلوك، وإن القيم الروحية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الإسلام كثيرا ما تهدي الفرد إلى الاستقامة والسلوك السوي، فمن يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان وفي كل الأحوال يبقى سلوك الإنسان مرتبطا بمكارم أخلاقه، والتي تنظم سلوك الإنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو أخطأ أو انحرف.لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد قلوب المسلمين فيغرس فيها غرسات الوفاء التي تحقق التكامل والترابط بين أفراد المجتمع، وإن الدين الإسلامي كثيرا ما يكون وسيلة لتحقيق الإيمان والسلام النفسي، وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام، فعندما نرى الخطأ ونتعامل مع من ارتكب الخطأ لا بد أن ندرك أن كل ابن آدم خطاء، فيلزم علينا النظرة إليه بعين النصيحة التي تقوم على أسس دينية سليمة، فمعالجة الأخطاء لا بد أن تكون بحكمة وروية حتى لا يكون لها مردود سلبي، فالمخطئ ليس مجرما وإنما هو بشر يحتاج إلى تصويب الخطأ وعدم تكراره، وهذا يتطلب منا أساليب وقواعد خاصة، منها ألا نزيد في إلقاء اللوم على المخطئ وتعنيفه؛ لأن هذا لا يأتي بخير غالبا، وقد وضح لنا الهدي النبوي فيما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه خدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات ما لامه على شيء قط، فاللوم مثل السهم القاتل، ما إن ينطلق حتى ترده الريح على صاحبه فيؤذيه، وتذكر يا من أردت أن تقوِّم الخطأ وتصلحه أن اللوم يحطم كبرياء النفس، ويكفيك أنه ليس في الدنيا أحد يحب اللوم، فالمخطئ أحيانا لا يشعر أنه مخطئ، فكيف نوجه له لوما مباشرا وعتابا قاسيا، وهو يرى أنه مصيب، وتذكر أنك بالجدال قد تخسر؛ لأن المخطئ قد يربط الخطأ بكرامته فيدافع عن الخطأ بواقع الكرامة فيجد في الجدال متسعا ويصعب عليه الرجوع عن الخطأ، فلا نغلق عليه الأبواب ولنجعلها مفتوحة ليسهل عليه الرجوع حتى يكون هذا هو السبيل لتصحيح أخطائنا فنعمل على رفعة الأمة وتقدمها.

1058

| 02 أبريل 2015

أمي ليس يوما بل أيام

ما من يوم ينشق فجره إلا نادى منادٍ من قبل الحق: "يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني بعمل صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة"، فالأعمار مقدرة والآجال مقسومة وكل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة، فالشريعة الإسلامية السمحة التي جاء بها خير البشر عليه الصلاة والسلام قد جاءت بتكريم الأم والتحريض على برها كل وقت، فالواجب على المسلمين أن يكتفوا بما شرعه الله لهم من برِّ الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في المعروف كل وقت وأن يحذروا محدثات الأمور التي حذرهم الله منها والتي تفضي بهم إلى مشابهة أعداء الله والسير في ركابهم واستحسان ما استحسنوه من البدع، فإن هدي النبي، صلى الله عليه وسلم، أخبرنا عن وقوع متابعة أمته للأمم السابقة وتقليدهم في كثير من الأمور اليهود والنصارى، وليس هذا، بلا شك، من المدح لفعلهم هذا، بل هو من الذم والوعيد، فعن أبي سعيد، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراعٍ حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: فمن؟)، رواه البخاري.وليس ذلك خاصا بالأم فقط، بل قد شرع الله للمسلمين بر الوالدين جميعا وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع القرابة وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة ولقد خص هدي الإسلام الأم بمزيد من العناية والبر، فكيف ينسى أو يتناسى الواحد منا الأيام الصعاب التي واجهها الوالدان في سبيلنا من حمل ومن رضاعة ومن تربية ورعاية وبذل للمال والنفس ولسنين طوال، فلقد وهبوا لنا كل حنانهم ودعوا لنا بالخير والأمان بدون منٍّ ولا أذى وبدون مقابل ولا يريدون منا إلا البر اليسير والاحترام والتقدير والمداراة الجميلة البسيطة، فعناية الأم بالولد أكبر ما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه وتربيته، فالأم كلمة عظيمة كبيرة الكل يشعر بها والكل يتبارى لإيجاد السعادة بكلمة حب وهدية حب لأم قضت حياتها تعمل من أجل سعادة من تحب. شعور متبادل ومحبة عميقة متأصلة داخل وجداننا ما بين حب أم لأبنائها وحب أبناء لأمهاتهم، الجميع ما بين أمهات وأبناء ينتظر بلهفة شديدة مناسبة للتعبير عن أواصر متعمقة ومليئة بالحب والمودة.فالإنسان البار هو الذي يسعى جاهدا لرسم البهجة والفرحة على وجه الأم وهو يحنو عليها، مقبلا رأسها ويديها، فتكون يده ممتلئة بشيء من البر ومن هنا كان المسلم الحق بارا بوالديه في الأحوال كلها، عاملا على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا في حدود طاعة الله عز وجل، لا يدخر وسعا في تقديم ألوان البر والرعاية والإكرام لهما بالوجه الطلق المحيى الباسم الثغر الفائض بالحب والحنان والوفاء والعرفان بالفضل لصاحبي الفضل الكبير.فلماذا نريد أن نكسر خاطر الأمهات وندعي أن هذا ليس من الدين، بل هو من صميم الدين، فأيام السنة كلها بر بالأمهات وإن كان يزعجنا أن نسميه عيدا، فلنقل عنه "يوم الأم"، فلا تقل: هذا من فعل الغرب، بل، نحن المسلمين، أسبق منهم إلى البر ونحن أولى بالإحسان منهم، فلماذا تريد كسر خاطر الأم؟. وينبغي أن نقول لمن أراد أن يحسن إلى أمه في أي وقت فليحسن وليداوم على هذا البر ولا يتوقف عند يوم معين، فإن من شيمة ديننا الحنيف الوصية بالوالدين، وما ينبغي للمسلمين أن تغيب فيهم هذه الخليقة، فعيدك يا أمي هو رؤيتك كل يوم، فليس مطلوبا منا الكثير سوى أن نبدأ من الآن بود الوالدين وأن نعمل على رضاهما ونستثمر وجودهما، فوجودهما بيننا حسنات وعلينا أن نحافظ عليها، ونستغل دعاءهم ورضاهم.

466

| 26 مارس 2015

الأمل يقوي الإرادة

الأمل هو الذي يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فـيه من قبل ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه لأن الأمل محله نور القلب الذي سببه الإيمان ومن فقد الإيمان فقد كل شيء يقول أحد الحكماء: لولا الأمل ما بنى بان بنيانا، ولا غرس غارس شجرا ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان وإنما حاول تحقيقه مرة بعد مرة دون يأس أو ملل، لذا فالأمل ينمي الطموح والإرادة واليأس يقتلهما لذلك يجب أن نجعل الأمل في القلوب موجودا لأنه من الإيمان وهو نور وأعظم هندسة في الحياة أن تبني جسرا من الأمل أما اليأس فهو سلم القبر نسأل الله أن يجعل حياتنا كلها أملا ويقينا بالله سبحانه وتعالى، فأمة الإسلام متعلمة عاملة بما تعلم لذا يجب أن تكون طموحات المرء وآماله في حدود إمكانياته لكيلا يؤدي عدم تحقيقها إلى شعوره بالقهر وإلى استسلامه لليأس وإلى أن تهتز ثقته بنفسه رغم أنه لو اقتنع بما لديه وبما حصل عليه لكان أكثر حظا وتوفيقا، فالأمل كلمة بسيطة ذات حروف معدودة ولكنها ذات دلالات ومعان كثيرة لا يعرفها الكثير منا ما يجعل الإنسان بلا طموح ولا نظرة مستقبلية.فلا بد أن يدرك الجميع أن الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات والنظر للفرج واليسر وهو الضوء الذي نراه عندما يحل الظلام، فالأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق أملا في الهداية والصلاح فهو الطاقة التي يودعها الله في قلوب البشر لحثهم على تعمير الأرض بالبناء والزرع والعمل الجاد المخلص لذا يعلمنا الهدي النبوي أنه إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة واستطاع أن يغرسها فليغرسها لهذا فإن الإنسان الإيجابي هو الذي يقبل على الحياة بقلب مشرق ونفس راضية فالإخلاص عنوانه والإتقان سبيله، فله أمنياته وطموحاته التي يحقق بها الإنجازات التي تجعله ناجحا في حياته لذا فهو جميل يرى الوجود جميلا، لذلك جعل الإسلام الإتقان قربة يتقرب بها المرء إلى الله تعالى، لأن المسلم يفترض فيه أن تكون شخصيته إيجابية مقبلة على الحياة متفاعلة معها، فالإنسان مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض والسعي في مناكبها عبادة لله وإعمارا للأرض، واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات لا يصل إليها إلا بالعمل الجاد المخلص والمتقن، فمن المعلوم أن الأمل يدفع الإنسان إلى العمل ولولاه لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومواجهة مصائبها وشدائدها ولأصبح يحرص على الموت، لكن المسلم الحق لا ييأس من رحمة الله لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفعه إلى التوبة واتباع صراط الله المستقيم فقد نهانا الحق سبحانه عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، وأمرنا بالإخلاص في العمل لكي يصل المرء إلى مبتغاه في الحياة الدنيا.فإن إتقان العمل من قيم الإسلام وآدابه لأن العمل معنى من معاني الحياة الإنسانية، يتخذ منه الإنسان سببا لرزقه ومظهرا للتعبير عن نشاطه وإسهامه في حركة الحياة، وهو يتسع في شموليته ليشمل كل ما يصدر عن الإنسان من فعل، ويضيق في خصوصيته ليقتصر على مهنة الإنسان التي يسهم بها في بناء مجتمعه؛ فشريعتنا الإسلامية من ضمن ما تأمرنا به، إتقان العمل وهي في حديثها عنه لا تجعله أمرا دنيويا تبتغي منه منفعة عاجلة فحسب بل تجعله أيضا أمرا تعبديا وذلك من خلال الهدي النبوي:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) رواه الطبراني، ومما لاشك فيه أن لكل منا العديد من الأمنيات والآمال والكثير من الطموحات ولا شك أيضا أن كلا منا يتطلع نحو الأفضل ويسعى للحصول على أكثر مما لديه، فهذه هي طبيعة جميع البشر وهي الفطرة التي تظهر بشكل أو بآخر في شخصية الإنسان الإيجابي الذي يحب النجاح ويسعى إليه جاهدا ومما لا شك فيه أن تطلع المرء وسعيه لتحقيق طموحاته حق طبيعي ومشروع، وأنه الأمر الذي يبرر وجودنا وما يمنح لحياتنا قيمتها ومعناها فلابد أن تسعى لتحقيق طموحك وأهدافك وقلبك ممتلئ بالرضا ارضَ بما قسم الله تكن أغنى الناس، فإن قواعد الإسلام وسلوك الأنبياء ومنهج الصالحين من المؤمنين تقوم على أسس ثابتة وهي الطموح المبني على الهمة العالية والهدف النبيل.

19853

| 19 مارس 2015

alsharq
السفر في منتصف العام الدراسي... قرار عائلي أم مخاطرة تعليمية

في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...

1992

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
قمة جماهيرية منتظرة

حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي...

1581

| 28 ديسمبر 2025

alsharq
محكمة الاستثمار تنتصر للعدالة بمواجهة الشروط الجاهزة

أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...

1116

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
الملاعب تشتعل عربياً

تستضيف المملكة المغربية نهائيات كأس الأمم الإفريقية في...

1083

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
بكم تحلو.. وبتوجهاتكم تزدهر.. وبتوجيهاتكم تنتصر

-قطر نظمت فأبدعت.. واستضافت فأبهرت - «كأس العرب»...

924

| 25 ديسمبر 2025

alsharq
لماذا قطر؟

لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...

666

| 24 ديسمبر 2025

alsharq
مشــروع أمـــة تنهــض بــه دولــة

-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...

663

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
حين يتقدم الطب.. من يحمي المريض؟

أدت الثورات الصناعيَّة المُتلاحقة - بعد الحرب العالميَّة...

621

| 29 ديسمبر 2025

alsharq
احتفالات باليوم الوطني القطري

انتهت الاحتفالات الرسمية باليوم الوطني بحفل عسكري رمزي...

558

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
معجم الدوحة التاريخي للغة العربية… مشروع لغوي قطري يضيء دروب اللغة والهوية

منذ القدم، شكّلت اللغة العربية روح الحضارة العربية...

534

| 26 ديسمبر 2025

alsharq
التحول الرقمي عامل رئيسي للتنمية والازدهار

في عالم اليوم، يعد التحول الرقمي أحد المحاور...

513

| 23 ديسمبر 2025

alsharq
أول محامية في العالم بمتلازمة داون: إنجاز يدعونا لتغيير نظرتنا للتعليم

صنعت التاريخ واعتلت قمة المجد كأول محامية معتمدة...

480

| 26 ديسمبر 2025

أخبار محلية