رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك بالإيمان، وحينما أثنى الله على رسوله قال: "إنك لعلى خلق عظيم"، حيث له مئات الخصائص المتميزة، لكن الذي يثني الله عليه هو كسبه الحقيقي وهو خلقه، والخلق هو انتصار على النفس، فالنبي صلى الله عليه وسلم بشر وتجري عليه كل خصائص البشر، فهو سيد البشر لأنه انتصر على نفسه، ولو أردت أن تعلم خصائص الأمة في عصور ازدهارها وحالها الذي لا تحسد عليه اليوم يتعلق بأخلاق الأمة، فمظاهر الإسلام الآن صارخة بشكل لا يصدق، مساجد ومؤتمرات ومكتبات ولقاءات وألقابا علمية، لكن الحب بين المؤمنين مفقود، فلذلك مكارم الأخلاق هي مؤشر على قوة الإيمان، ونحن في أيام شهر رمضان خير الشهور والذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فأمرنا الله سبحانه وتعالى فيه بأن نتزود وخير الزاد التقوى.فدعانا الإسلام إلى مكارم الأخلاق وأمرنا بالتحلي بأحسنها، لذا فإن قيمة الصدق في حياة الإنسان قابلة للاكتساب، قابلة للتنمية والترسيخ عن طريق التدريب العملي، والذي يتحرى الصدق لا يسمح لنفسه بأن يلقي كلاما دون ترو ولا بصيرة، لأنه يحرص على الصدق ويتحرى بإرادته الجازمة الصدق في أقواله وأعماله. يجب على الجميع التواصي بالصدق والنصح وتقوى الله في جميع الأمور، لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصفاء القلوب وصلاح المجتمع، فهو صادق مع نفسه ومع ربه ومع الناس، فالمسلم شخصيته اجتماعية تقف عند أوامر الله تعالى ونواهيه في السلوكيات عامة وكيفية المعاملة مع الناس، فمن هذا الأصل الكبير من أصول العقيدة الإسلامية تتفرع الأخلاق الاجتماعية التي يتحلى بها المسلم التقي المرهف في سلوكه، وعلى هذا الأساس المتين يقيم المسلم الصادق علاقاته الاجتماعية مع الناس، فهو صادق مع الناس جميعا، لأن هدي الإسلام الذي تغلغل في كيانه علمه أن الصدق رأس الفضائل وأساس مكارم الأخلاق وهو بالتالي يهدي إلى البر المفضي بصاحبه إلى الجنة، في حين يهدي الكذب إلى الفجور المفضي بصاحبه إلى النار، ومن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه يدعو إلى التحلي بعادة الصدق والحرص عليها كما يحذر من الكذب وينفر منه لكي يزرع في القلوب كراهية عادة الكذب فتكون عاملا مساعدا للتربية وتأصيل عادة الصدق في نفوس أفراد المجتمع المسلم. ذلك أن المجتمع الذي تسود فيه عادة الصدق تقوى فيه الروابط الاجتماعية وتحفظ الحقوق وتصان العهود، ومن هنا تظهر حاجة المجتمعات إلى التحلي بخلق الصدق والعمل على تنمية هذه القيمة وتعويد الأبناء وتدريبهم عليها في الأقوال والأفعال، فالإسلام دين القيم والأخلاق قد اهتم بتثبيت هذا الخلق في نفس إنسان يخلص إلى ربه، فكيف بك وأنت صائم وتكذب وهو يراقب تصرفات الوالدين مع الطفل وذلك لتجنب وقوع الوالدين في رذيلة الكذب على الطفل ويضع قاعدة عامة في الشرع الحنيف، فكل إنسان له حقوقه في الحرص على التعامل الإنساني معه، ولا يجوز للوالدين خداعه بأي وسيلة كانت، والتأكيد على تأصيل القيم والأخلاق في نفس الطفل من خلال السلوك العملي الذي ينتهجه الوالدان في تربيته.إن تربية الصدق في نفس الولد وفي نفس كل مسلم كان، رجلا أو امرأة، تؤدي إلى ضبط السلوك الفردي فتكفه عن الألفاظ والأعمال التي لا يقبلها المجتمع المسلم، كما تشجعه على القول السديد لكي يعيش في أمن مع أفراد مجتمعه، فيستطيع بذلك أن يكتسب محبتهم واحترامهم، فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والتناصح في جميع شؤون الحياة وحرم عليهم الكذب والخيانة وما ذاك إلا لما في الصدق والتناصح وأداء الأمانة من صلاح أمر المجتمع والتعاون السليم بين أفراده، فالصدق أساس الخلق الفاضل كما أن الصدق سبب لنهضة المجتمع وتقدمه وتماسكه، الصدق من أسباب البركة في المعاملات وأن الكذب والغش من أسباب محقها.
2095
| 26 يونيو 2015
إن رمضان شهر العبادة والصوم والقرآن وفعل الخيرات وترك المنكرات مما يدفع الجميع إلى التنافس في الخير والبعد عن الشر، فكن ممن عصم نفسه عن الهوى ولاتكن من نسى الله فأنساه الله نفسه،فأمة الإسلام تعيش شهر رمضان المبارك بنفوس راضية مطمئنة مما يدفع جميع المسلمين على بقاع المعمورة للحرص على فعل الخيرات وترك المنكرات فكن ممن يحرص على العمل الصالح والتقرب إلى الله تعالى بفعل الخيرات ولاتكن ممن يفعل المنكرات فيخسر أيامه ولياليه، حتى نفوز بما أعده الله لعباده الصائمين من جنة عرضها الأرض والسموات، فديننا الحنيف يرشدنا إلى ان نكون ممن يفعل الخير ويأمرنا به ويبعدنا عن الشر وينهانا عنه فالمسلم كالنخلة يرميها الناس بالحجارة وترميهم بالثمار، فكن إيجابيا تعود على فعل الجميل وحرص عليه وتعدى بجميله وخيره وبره إلى المجتمع فيصلح الله به المجتمع،فإن من أبرز سمات الإيجابية في الشخصية الإسلامية كما يريدها ديننا الحنيف هو دعوتها لكى يتحمل صاحبها المسؤولية ولاتكن ممن يقف من المواقف موقفا سلبيا، فلا يستفيد ولا يفيد غيره ولا ينتفع ولا ينفع من حول ضره أقرب من نفعه،فالمسلم مسئول عن نفسه وعن زوجته وأبنائه وعن مجتمعه ووطنه، لذلك فهو يقف دائما موقفا إيجابيا لا شك إن اكتساب القوة والتحلى بها من علامات الإيجابية.فبالإنسان الصالح يقوى المجتمع ويتعاون أفراده فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فالصائم بحق في رمضان يجب عليه الاهتمام بنفسه ودعوته للخير وزجرها عن الشر فإن روح المبادرة قائدة ودليل إلى النجاح والتفوق، والحياة مليئة بفرص الخير ومجالات التقدم كثيرة ولكن يقل من يتقدم لنيل المبادرة وقصب السبق ونحن متفاوتون في طريقة استقبالنا لمثل هذه الفرص، فكن مبادرا فالمبادرة هى عنوان الفلاح وهى طريق التقدم وسلاح اغتنام الفرص واستثمار الأوقات في العمل الصالح والعبادة ولاتكن كسولا لا مبالى لا تهزه فرص النجاح والفلاح في الطاعة والعبادة،فاحرص على أيام الطاعة واكثر من العمل الصالح واخلص لله تعالى في صيامك وكن ممن يدخل باب الريان،فعن سهل رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد) رواه أحمد، لا تكن ممن يترك مكفرات الذنوب فعن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر) رواه مسلم.لذلك ينبغى أن يكون كل واحد منا عنصرا فعالا في الحياة والمجتمع ومؤثرا نحو الخير إيجابا لا سلبا،فالكثير منا يحتاج إلى من يدفعه إلى الطاعة وإذا لم يجد من يدفعه قعد واستراح، ومنهم من لا يندفع مهما دفعه الدافعون ومهما حثه الغير ويفر أصلا من تحمل مسؤولية نفسه فلا يعمل الخير الواجب عليه فضلا عن أن ينقله للآخرين أو يحث الآخرين عليه أو يدفعهم إليه، فلنحرص على أن نكون أقوياء نؤثر في الغير بالطاعة والعبادة ولا نكون ضعفاء نحتاج إلى الغير، فكن كالقطار يحمل الناس ولا تكن محمولا وبدلا من أن تحتاج إلى من يدفعك كن مستقيما نشيطا تدفع غيرك وتصلح غيرك، ولاتكن ممن يتكل على غيره،فإذا كان كل واحد سيقول ما الفائدة فلن نستطيع أن نفعل شيئا وعندئذ يزداد الشر ويقل الخير، لكن إذا كان كل واحد يتجه إلى نفسه أولا محاسبا لها مزكيا مطهرا مصلحا، ثم يلتفت إلى من حوله فيدعو إلى الخير والإصلاح، ثم يلتقى مع إخوانه الشباب والرجال الذين صلحت قلوبهم واستقامت سلوكياتهم فيضع يديه بأيديهم فيتم البناء فمن رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان.فالبشر تواقون إلى النجاح والفلاح والإنجاز في حياتهم الشخصية والعملية ولكن النجاح الدائم حلم صعب المنال يحتاج لقوة العزيمة والإرادة الصادقة التى تجعل من الطاعة طريق للفلاح والفوز بجنة عرضها الأرض والسموات،فللنجاح طريق واحد وللإخفاق أبواب عدة فهل أيقن كل مخطئ أن يملأ نفسه بقوة العزيمة وتحويل المعصية إلى طاعة فالقوى هو من زجر نفسه عن المعاصى وعلم أن يكون مطيعا لربه ولا يكون عاصيا فيخسر الدنيا والأخرة.
723
| 25 يونيو 2015
فقد أمرنا الخالق القادر أن نلجأ إليه وحده دون سواه وأن ندعوه ليحمينا من شر الخلق ويقينا من أذى مخلوقاته ومن نفوسهم المظلمة، فالإنسان في شهر الخيرات يسعى بكل جهده وطاقته نحو البر، يطمع في رحمة ربه، ويخشى عذابه لعله يلحق بركب الصالحين، فهو يصوم لله ويتقرب إليه بالأعمال الصالحة ولكن ما نلاحظه اليوم وبات ملموسا تغيب الدعاء من الأفئدة والقلوب إلا من رحم الله، فما إن يذكر لك أحدهم أمرا فترد عليه أن عليك بالدعاء إلا وتجده عبس وزمجر وكأنك تثبط من همته وتميت أمره وقضيته فأين بات الدعاء منا، أليس هو العبادة، بل من أجلّ العبادات وبه يقاس قرب العبد من ربه وخضوعه له واستلامه لعظمته وإقراره بوحدانيته، فالمسلم المتدبر للتوجيهات الربانية واللفتات النبوية الشريفة لا يسعه إلا أن يكون أبر خلق الله بوالديه في كل حال وفي كل آن وهذا ما كان عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فمن شيمة ديننا الحنيف الوصية بالوالدين ومن الإحسان إليهما والإقبال عليهما بالقلب النابض بالحب واليد المبسوطة بالبذل وخاصة في أيام رمضان والتي يضاعف الله فيها الأجر، الحسنة بعشر، وتضاعف أضعافا كثيرة ويبرهما بالكلمة الطيبة والبسمة المفعمة بالود، وإن هذا البر لخليقة أصيلة من خلائق المسلمين وما ينبغي للمسلمين أن تغيب فيهم هذه الخليقة مهما تعقدت أمور الحياة ومهما طرأ عليها من تطور ومهما تجمع فوقها من ركام العادات المستورة.فهي من الخلائق التي تحفظهم من تحجر القلب وتقيهم من أنانية السلوك وتردهم إلى أصالتهم وإنسانيتهم ووفائهم إذا ما تردى غيرهم في حضيض الأثرة والجحود والكفران وهي فوق ذلك كله تفتح لهم أبواب الجنان, ومن أبرز صفات المسلم الحق البر بالوالدين والإحسان إليهما، وذلك لأن البر بالوالدين من أجل الأمور التي حض عليها الإسلام وأكدتها نصوصه القاطعة الحاسمة والمسلم الواعي المتمثل هذه النصوص الوفيرة التي استفاضت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها تدعو إلى البر بالوالدين وحسن مصاحبتهما، فلا يسعه إلا أن يكون البر بالوالدين سجية من ألزم سجاياه وخليقة من أبرز خلائقه، لقد رفع الإسلام البر بالوالدين إلى مرتبة لم تعرفها الإنسانية في غير هذا الدين، حيث جعل الإحسان إليهما والبر بهما في مرتبة تلي الإيمان بالله والعبودية له، فقد جاءت آيات الله متضافرة متعاقبة تضع مرضاة الوالدين بعد مرضاة الله، وتعد الإحسان إليهما فضيلة إنسانية تلي فضيلة الإيمان بالله، يقول الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين أحسانا) النساء :36، ومن هنا كان المسلم الصادق الواعي أبر بوالديه من أي إنسان في الوجود، ويسمو القرآن الكريم في تصوير مكانة الوالدين وبسط السلوك الخلقي الواقي الذي يجب على المسلم أن يتتبعه في معاملة والديه إذا تنفس بهما أو بأحدهما العمر وبلغا مرحلة الهرم والشيخوخة والعجز، فيصل إلى غاية ما عرفتها الإنسانية من قبل أن تسطع شمس هذا الدين على الأرض، إنه الأمر الرباني الخالد للمسلم في صورة حتمية، لا فكاك منه ولا معدل عنه وإنه للربط المحكم بين عبادة الله وبر الوالدين، وفي ذلك رفع لقيمة الوالدين وإعلاء لشأنهما, فالمسلم صاحب القلب السليم والبصيرة المتفتحة، يتلقى دوما مثل الإيقاع الرباني الجميل في عدد من آيات الله البينات، فيمتثل لأمر ربه ويزداد لوالديه احتراما وبهما برا، فالمسلم الذي صاغه الإسلام بحق إنسان بار بوالديه يحيطهما بأجمل مظاهر الاحترام والتقدير، ويخفض لهما من جناحه وينتقي العبارات المهذبة اللطيفة في حديثه معهما، فلا يجري على لسانه معهما لفظ ناب أو عبارة خشنة جارحة، ولا يبدو منه في تعامله معهما فعل عار عن أدب التوقير والتكريم والإجلال مهما تكن الظروف والأحوال, فهو يعمل على إسعادهما وإدخال السرور على قلبيهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
697
| 25 يونيو 2015
إن من روعة هذا الدين أنه جعل من فريضة الصلاة والصيام مدرسة تربوية متكاملة اجتمعت فيها غالبية العناصر التربوية المطلوبة في العمل التربوي الفعال بصورة أكبر مما هي عليه في العبادات الأخرى، وذلك لما للصلاة من مكانة في النفوس وشوق في القلوب ولهفة وولع يعتصر أفئدة المؤمنين، فتجد استعداد النفس المسلمة الراضية الممتثلة للتوجيهات الربانية، فمن فضائل العبودية لله تعالى الافتقار إلى الله تعالى بأن يجرد العبد قلبه من كل الفتن والأهواء ويقبل على العبادات متذللا مستسلما لربه متعلقا قلبه بمحبة الله تعالى وطاعته، فحياة المؤمن كلها صراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، فشهر رمضان المبارك شهر الصوم وشهر الدعاء، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران ويتقبل الله من عباده أعمالهم وتفتح أبواب السماء، فيجيب الله الدعاء ويعطي لكل سائل سؤله، لذلك أمرنا المولى عز وجل أن نتضرع إليه ونسأله فقال: "ادعوني أستجب"، وأخبر النبي صلى الله عليه بأنه إذا سأله عباده فإنه قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.فينبغي على كل مسلم أن يعلم أن الله عز وجل قد سلط على الناس من يوسوس لهم ويغويهم وذلك من أجل المجاهدة والفتنة والاختبار، لذا يجب عليه أن يتحصن بذكر الله ودعائه ويتعلق برحمة ربه، خاصة في هذه الأيام المباركة، لأن الله سلط الشيطان على الإنسان كما يسلط الذباب على العيون القذرة والأوبئة على من أهمل النظافة ولا يقع في الفريسة إلا من ليست له قدرة على المقاومة وينجو الأصحاء المحصنون بذكر الله، فالشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم، فلقد أمرنا الخالق القادر أن نلجأ إليه وحده دون سواه وأن ندعوه ليحمينا من شر الخلق ويقينا من أذى مخلوقاته ومن نفوسهم المظلمة، كما يقينا من شر الليل إذا أظلم وأطبق بعتمته فأضل السالكين ومن شر النفاثات في العقد وهم جماعات النمامين الذين يقطعون روابط الألفة وعلاقات المودة بسعيهم ومؤامراتهم ونمائمهم ومن شر الحاسدين الذين أكل الحسد قلوبهم فأعماهم عن الالتجاء إلى الله وتمنى مثل ما منحه الله للغير من نعيم وعز وأمن وخير، فالدعاء ترجمة تنقل أمل نفس العبد المؤمن ومشاعره إلى اليقين الصادق مما يجعله يتضرع إلى ربه بابتهالات صادرة من قلب خاشع إلى مقلب القلوب ترجمة صادقة ليست بألفاظ معينة ولا بكلمات خاصة ولا بصيغة محددة، فقد تكون همسات شفاه خافتة أو حديث نفس صامتة أو صلوات فؤاد أو رجوات قلب أو خفقات روح أو نبضات وقد تكون ابتهالات ملتهبة أو عبارات حارة أو عبرات وشؤونا تتساقط من عيني راغب عابد تحمل معاني الندم والتوبة والرجوع.قد يكون دفقات شعورية تنطلق حسب الدوافع الخاصة لكل داع وبما تيسر له من الألفاظ وبما أفاض الله عليه من إلهامات وما أفاء من نفحات، فالكل يدعو بما يترجم ترجمة صادقة عن داخله ورغائبه وعن رجواته ومتطلعاته، الكل يدعو بطريقته الخاصة وعلى الكيفية التي تتفق وحالته، فالقرآن والسنة مليئة بالآيات والأحاديث الدالة على فضله ورفيع قدره وعلو مكانته وكثرة عوائده، فهو سنة الأنبياء والمرسلين ودأب الأولياء والصالحين ووظيفة المؤمنين، إنه من أفضل العبادات يجلب لقلب الذاكر الفرح والسرور والراحةَ ويورث القلب السكون والطُّمأنينةَ، إنه مفتاح أبواب الرحمة يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ويكون حرزا لصاحبه فمن خلى من الذكر لازمه الشيطان ملازمة الظل هو نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله. من رحمة الله تعالى وفضله علينا أنه لم يجعل بيننا وبينه حاجزا ولا وسيطا ولا وكيلا، بل هو سميع قريب مجيب الدعاء، فهو الرحمن الرحيم الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن كثير، يجازي السيئة بالسيئة أو يعفو والحسنة بعشر أمثالها.
729
| 24 يونيو 2015
إن هدي النبي صلى الله عليه وسلم يعمل على بناء الأفراد والمجتمعات، فيرشدهم ليكونوا خير الأمم بما يأمرون به من معروف وما ينهون عنه من منكر، فيسكب في سمع البشرية أروع منهج للأخلاق عرفته البشرية منذ أن كان الإنسان على ظهر الأرض، فالذي يتأمل هدي الإسلام العالي الحاوي على مكارم الأخلاق كلها، من حب وتعاطف وتآخٍ، فيزرع في نفوس أبنائه القيم الإسلامية النبيلة والتي ينبغي على كل مسلم التخلق بها، فلا يتخلق بالشحناء إلا من كان في قلبه مرض وفي طبعه جفوة وفي فطرته التواء، فبعض الناس قد يهتمون بأداء العبادة المطلوبة ويظهرون في المجتمع العام بالحرص على إقامتها، وهم في الوقت نفسه يرتكبون مخالفات عظام ويتركون أعمالا حسانا يأمرنا بها الخلق الكريم والإيمان الحق، نقول لأمثال هؤلاء إن حسن الخلق يعني الدين كله، لأنه امتثال لما يحبه الله بطيب نفس وانشراح صدر، فإن سبيل صلاح المجتمع هو سبيل صلاح الأخلاق، لذلك تجد المسلم الذي يلبي نداء الله عز وجل مستشعرا عظمة الخالق سبحانه وتعالى، يعلم حق العلم أنه ما خلق في هذه الحياة إلا للعبادة، لذا فهو يشعر بلذة المناجاة عندما يتضرع إلى ربه وهو يؤدي هذه العبادة، فهو يعلم علما يقينيا لاشك فيه، أن الشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفسدة أو تجلب مصلحة.عندما يسمع المسلم نداء الحق سبحانه وتعالى بـ"يا أيها الذين آمنوا"، فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيرا يحثك عليه ويأمرك به أو شرا يزجرك عنه وينهاك عن فعله أو جمعا بين الحث والزجر، وقد بين في كتابه الكريم ما في بعض الأحكام من المفاسد، فحثا على اجتناب هذه المفاسد وما في بعض المصالح، فحثا على إتيان هذه المصالح والامتثال لها، فإننا في وسط هالة من نور بين فرائض الله تعالى في هذه الأيام والتي تحمل بين طياتها أجل معاني العبودية لله تعالى من صيام وقرآن وصلاة، فشهر رمضان شهر مبارك حقا يمتلئ بالنور، نور الصيام، ونور القرآن، فالصلاة صلة بين العبد وربه تترك من الآثار الإيجابية في نفس المسلم ما يميزه عن غيره، فهي تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتعوِّده على الانضباط والإتقان، فكان من عطاء الله تعالى لخلقه ومن منه وكرمه عليهم، أن نظم لهم وفرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة لتأكيد الصلة به، تحفظهم على تباعد فتراتها من الضياع سحابة نهارهم كما حثهم على الاستزادة من هذه الصلاة تنفلا في الليل والنهار، كما شرع لهم من العبادات ما يحصلون به القرب الذي يكون سبب في الحماية من المهالك وسفن النجاة التي تحملهم إلى بر الأمان، وإلى ذلك يشير الله تعالى في الحديث القدسي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: "بأنه ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه"، وحيث إن عظمة الإسلام تتمثل في أنه دين عملي وواقعي، لذلك فإنه ينطلق بالمسلم من حيث هو يأخذ بيده ويرتقي به ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية، وذلك من خلال العبادات التي افترضها الله سبحانه وتعالى عليه وأنه دين لا يغفل أي موقف يحياه المسلم إلا ويجعله منطلقا للارتقاء به، وأنه دين يجعل من عباداته عاملا أساسيا في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها وإصلاحها، وأنه دين يجعل الأخلاق مقترنةً بالعبادات في تلازم وتجانس بديعين لتكون هذه الأخلاق وهذه القيم أثرا من آثار العبادة المقبولة التي تتجسد فيها قمة العمل التربوي لتصبح ميدان تربية متكاملا تكون له أكبر الآثار الإيجابية، إصلاحا وتغييرا للسلوك.
268
| 23 يونيو 2015
إن آيات القرآن الكريم أنزلها الحق سبحانه لتخرج الناس من الظلمات على النور ومن الضلال إلى الهدى ولتبين لنا عظمة هذا الدين ومقام شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظيم منزلته عند ربه وبالأخص أننا في أيام طيبة كلها طاعة وقرب، أيام رمضان الذي نصوم نهاره ونقوم ليله فوجب علينا أن نملأ قلوبنا بمحبة الخالق عز وجل ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونقتدي به ونتأسى به في كل أعمالنا ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الجنة وأن يكون شفعينا يوم القيامة، وليعلم كل مسلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وتعظيم أهل بيته وصحابته، وإذا كانت محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره من أجل أعمال القلوب وأفضل شعب الإيمان، فإن بغضه من أشنع الذنوب وأخطرها، فإنه لا يؤمن أحدكم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.إن الإنسان في رمضان يمتثل أمر الله تعالى وطاعته، فهو يصوم لله ويقوم الليل يطمع في الجنة ويتعوذ من النار، لذا ينبغي أن يعلم كل عاقل أن الله سبحانه وتعالى جعل حسن الخلق أفضل من درجة الصائم القائم، فما فائدة في صوم بلا خلق أو صلاة بلا أخلاق لذلك ينبغي أن يعلم كل إنسان إذا شاتمه امرؤ أو سبه فليقل إني صائم، فالمسلم كريم الطباع لين القول، يهتدي بنور الإسلام، يلتزم أوامر الدين وينتهي عما نهى الله تعالى.فالمرء يعلم علم اليقين أن الدين الإسلامي هو دين الشمول والعموم، فإن نظرة الإسلام شاملة للحياة كلها وركن ركين لبقاء الأمة الإسلامية وصمودها في مواجهة النوازل والخطوب من خلال بنائها التشريعي، فالحكم على مقدار الفضل وروعة السلوك يرجع إلى الخلق العالي، وفي الإبانة عن ارتباط الخلق بالإيمان الحق وارتباطه بالعبادة الصحيحة وجعله أساس الصلاح في الدنيا والنجاة في الآخرة.إن أمر الخلق أهم من ذلك، فلابد من إرشاد متصل ونصائح متتابعة ليرسخ في الأفئدة والأفكار فإن الإيمان والصلاح والخلق عناصر متلازمة متماسكة لا يستطيع أحد تمزيق عراها، فالخلق الحسن في منابع الإسلام من كتاب وسنة هو الدين كله والدنيا كلها وحسن الخلق من كمال الإيمان، فالمسلم يؤمن بما لأخيه من حقوق وآداب تجب عليه، فيلتزم بها ويؤديها لأخيه المسلم وهو يعتقد أنها عبادة لله تعالى وقربة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، إذ إن هذه الحقوق قد أوجبها الله تعالى على المسلم ليقوم بها تجاه أخيه المسلم، ففعلها يكون طاعة لله تعالى وقربة له دون شك، لذلك حدد النبي صلى الله عليه وسلم أن الهدف من بعثته والشريعة الحقيقية لدعوته من خلال قوله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فإن الأخلاق الحسنة عند غير المسلمين يرجعونها إلى حسن التربية وسلامة التنشئة ورقي التعليم والتعهد بالتدريب. ولكن الأخلاق عند المسلمين فإن مرجعها إلى هدي الدين وتشريعه الممتثل في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فديننا الحنيف جعل الخلق سجية أصيلة في الإنسان المسلم يتربى عليه ويتدرب من خلال دينه على مكارم الأخلاق التي ترفع منزلته في الدنيا، فيكون له القبول في الأرض ويكون محبوبا بين الناس وترجح كفة ميزانه في الآخرة، فلا يوجد عمل في ميزان الإنسان أثقل من حسن الخلق، بل إن الإسلام جعل حسن الخلق من كمال الإيمان وأن منهج الإسلام في تربية النفوس قائم على التحابب والتقارب والتآلف، ومن هنا لا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق، فصلاح الفرد سبيل لصلاح المجتمع.
1182
| 22 يونيو 2015
إن المرء البعيد عن منهج الرحمن وسنة خير الأنام لعلى حيرة واضطراب لا ينجيه منها ويهديه إلى سواء الصراط إلا الاهتداء بنور ربه وبرهان كتابه العزيز، فرسوخ القرآن الكريم في القلب الذي يحصل به الانتفاع لا يكون ترديدا باردا باللسان لا يحرك قلبا ولا يغير واقعا، بل رسوخه بأمور هامة تنفعه في حياته وفي آخرته، فالمؤمن العاقل إذا تلا القرآن استعرض القرآن فكان كالمرآة يرى بها كل خير في الدنيا ويعلم أن الله عز وجل كرمه وشرفه بالعبادة والطاعة وأنه يجب عليه العمل والسعي نحو النجاح والبناء فيكون معول تعمير لا معول تخريب ويكون متبوعا وليس تابعا، عندئذ يكون حقا هو خير البرية الذين اختارهم الله لتعمير الأرض، فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوته ورعاه حق رعايته وكان له القرآن شاهدا وشفيعا ونفع نفسه ونفع أهله وعاد على والديه وعلى ولده كل خير في الدنيا والآخرة، فالإسلام دين الشمول والكمال لذلك ارتضاه الله لعباده ليكون لهم شرعة ومنهاجا فعلمنا الله سبحانه وتعالى أن الدين عند الله الإسلام، فمن فضائل هذا الدين أنه يدعونا إلى الفرائض التي تقربنا من الله تعالى ومنها الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الطاعات، وإننا في هذا الشهر الكريم شهر رمضان نرتقي إلى أعلى الدرجات بأدبنا مع الله تعالى في تنفيذ فرائضه والتحلي بالأدب في جميع مجالات الحياة، فلقد حدد رسول الإسلام الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته بأنه إنما بعث ليتمم أحسن الأخلاق.فلقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من الخصائص القوية والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعيا لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه، فإن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أجل وأكرم وأعظم وألزم لنا من حقوق السادات على مماليكهم، والآباء على أولادهم، لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة، وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعراضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لأمر إذ أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم، فأي نعمة توازي هذه النعم وأي منة تداني هذه المنن، فرسالة الإسلام هي الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة وبذل صاحبها جهدا كبيرا في مد شعاعها وجمع الناس حولها وتأسيسهم على الحق والفضائل والآداب فعملت على تدعيم فضائلهم وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا إليها على بصيرة، فمما لا ريب فيه أن علينا تجاه هذا النبي الكريم صلوات ربي وتسليمه عليه حقوقا كثيرة يجب القيام بها وتحقيقها، فلابد من تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع وأن ننصره ونؤيده ونمنعه من كل ما يؤذيه ويسيء إليه. وإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقادا وقولا وعملا، ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، فإن الله جل ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار، ووعدنا عند اتباعه والتأسي به أن يدخلنا جنة عرضها السموات والأرض، فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة، وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة، فوجب علينا أن نحبه ونجله ونعظمه ونهابه، فبهذا نكون من المفلحين ومن هنا ندرك أن من جل الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم التوقير ونرى بيان الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره، أي تعظيمه، وبالأخص إننا في أيام طيبة كلها طاعة وقرب، أيام رمضان الذي نصوم نهاره ونقوم ليله فوجب علينا أن نملأ قلوبنا بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونقتدي به ونتأسى به في كل أعمالنا ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الجنة وأن يكون شفعينا يوم القيامة.
284
| 21 يونيو 2015
لقد فرض الحق سبحانه وتعالى الصيام لطهارة نفس المسلم وترويضا لها على الصبر وتحمل الآلام، والبعد عن المحرمات والترفع بها عن مظاهر الحيوانية التي همها الأكل والشرب وإشباع الغريزة، وتقوى الله عز وجل هي فعل أوامره واجتناب نواهيه بل لابد من إمساك الجوارح عن اقتراف الآثام والذنوب والمعاصي فليتنبه الإنسان لذلك وليبتعد عن كل ما ينقص الصوم ويضعف الأجر ويغضب الله عز وجل من سائر الذنوب والمعاصي كالتهاون بالصلاة والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور غير ذلك مما نهى الله عنه، والترفع عن التقليد العمى الذي يعمي القلوب قبل عمى الأبصار ولنرجع لدستور السماء وليكن المسلم متخذا من قرآن الله تعالى دستورا له وعلامة تميزه عن غيره من الأمم يحلق به نحو التقدم والرقي يقرأ ويرتقي يعمل ويطبق يعلم أن السعادة في منهج الله، وأنه يستطيع أن يصل لمرتبة خير البرية بالقرآن والصيام والطاعة والذكر، ليتحقق بذلك معنى الصيام من تقوى وإيمان، فالمسلم في رمضان يصوم لله تعالى طمعا في رحمة الله تعالى ونجاة من شدائد يوم القيامة هذا اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالقلب صلاح جسم الإنسان وكلما كان منيعا قويا كان صاحبه قويا وكلما هزل وضعف صار صاحبه هزيلا ضعيفا، فلقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب وإنما يكون القلب صالحا إذا كان منورا بنور الله عز وجل ومكسوا بلباس التقوى والورع يمتلئ بآيات الله البينات فيسرج فيه شعلة من نور تزيده رونق وبهاء فيزداد قربا من الله تعالى وتظهر عليه أمارات السكينة والطمأنينة خاصة في هذه الأيام التي نعيشها الآن وهي أيام رمضان ولياليه المباركة.فلقد كرم هذا الشهر الكريم بإنزال القرآن فيه فليجعل المسلم لنفسه حظا ونصيبا فلكي يبلغ المسلم هذه المرتبة العالية من الطاعة والصلاح والتقوى والوعي والنضج، لابد من استرواح نسمات الهداية المعطرة من كتاب الله يفيء إلى ظلاله الوارفات كل يوم، فيكون له لقاء قرآني دائم يقبل فيه على آياته البينات يتلوها بتمعن وتبصر وتأمل وتدبر،فتتسرب معانيه في مسارب عقله ومشاعره ويتشرب قلبه نورانيته الصافية، فيخلف الله عز وجل عليه في الدنيا بالحياة الطيبة التي يزداد بها بشر وسعادة ويوم القيامة يقرأ ويرتقي حتى تكون منزلته عند أخر آية يقرأها ويشفع في أهله ويلبس والديه تاجا من النور والحلى، وبهذه التلاوة الندية تظهر على القلب حينئذ علامات الرقة والصلاح، فلا ترى صاحبه إلا رحيما رقيقا خاشعا سباقا للخير والفضل تواقا لكل بر ومعروف مشتاقا للقاء الله سبحانه وتعالى، فالقلب ما هو إلا وعاء الأعمال يحملها وينطبع بآثارها، فيكون صلاحه وفساده بحسب صلاح الأعمال وفسادها وبتقلب سلوك العبد وأخلاقه تتقلب ظواهر القلب وحالاته بين السلامة والمرض والسعادة والشقاء وبحسب موافقة الأعمال لشرع الله جل وعلا وكثرتها وقلتها وإخلاصها تكون رقة القلب أو قسوته.فإن الله سبحانه وتعالى منّ على هذه الأمة بأن زادها الله شرفا بالدين الذي ارتضاه، إنه دين الإسلام وأرسل إليه محمد خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام وأكرمها بكتابه أفضل الكلام وجمع فيه سبحانه وتعالى جميع ما يحتاج إليه الناس من أخبار الأولين والآخرين والمواعظ والأمثال والآداب وضروب الأحكام والحجج الظاهرات وضاعف الأجر في تلاوته وأمرنا بالاعتناء به والإعظام له وملازمة الآداب معه وبذل الوسع في احترامه فحاجة القلب الماسة إلى تدبر القرآن تجعل في القلب حجة لا يسدها إلا ذكر الله والتلذذ بكريم خطابه وإن فيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بكتابه وإن فيه قلقا وخوفا لا يؤمنه إلا السكون إلى ما بشر الله به عباده وإن فيه فاقة لا يغنيها إلا التزود من حكم القرآن وأحكامه والاستظلال بآياته الكريمة التي تزيده بهاء ونورا.
284
| 20 يونيو 2015
إن الناس مختلفون في بناء أنفسهم وتأسيسها وتربيتها اختلافا بينا، يظهر ذلك جليا في اختلافهم في استقبال المحن والمنح والإغراء والتحذير والنعم والنقَم والترغيب والترهيب والفقر والغنى، فمنهم سابق للخيرات وهو من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان فربى نفسه على الطاعة والقرب وأدبها في البعد عن المعاصي والملذات، فهذا لا تضره فتنة ولا تزعزعه شبهة ولا تغلبه شهوة، صامد كالطود الشامخ فهم الحياة نعمة ونقمة يسرا وعسرا، ثم اجتهد في التوازن بين هذا وذاك لأنه علم أن كل شيء بقدر وأن مع العسر يسر فضبط نفسه في الحالين، فلم يحزن على ما فات ولم يفرح بما هو آت فتجده راضي النفس مطمئن الفؤاد هذا هو السابق إلى الخيرات ذو القيم والمبادئ كريم النفس صافي القلب، ولكن هذا الصنف قليل وما ضره أنه قليل، فإن الله سبحانه وتعالى فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم بما تدعو إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك يغتنم المسلم أيامه بالذكر والطاعة والقرب لله تعالى وهذا شهر كريم وموسم عظيم خصه الله على سائر الشهور بالتشريف والتكريم، وأنزل فيه القرآن وفرض صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، فهو شهر البركات والخيرات شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن شهر الصدقات والإحسان، شهر تضاعف فيه الحسنات وتقال فيه العثرات، شهر تجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات وتغفر فيه السيئات وتفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين.إن شهر رمضان فضائله كثيرة فيجب علينا أن نستقبله بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات وعن كل ما يؤثر على صيامنا من اللهو واللغو والعبث وارتكاب المحرمات، لذلك ينبغي علينا أن نستغل كل دقيقة منه بالإكثار من الأعمال الصالحة، كتلاوة القرآن والذكر والصلاة والصدقة والدعاء وسائر العبادات، فقد خص الله عز وجل به هذه الأمة وجعله الله ميدانا لعباده يتسابقون إليه بأنواع الطاعات، ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات وهو شهر واحد في السنة، وجب على كل مسلم الاستفادة من أيامه ولياليه والإكثار من الطاعات والعبادات، فالصيام جنة ووقاية وله فوائد نفسية وعديدة ومن هذه الفوائد إنماء الشخصية أي النضج وتحمل المسؤولية والراحة النفسية فإنه يعطي الفرصة للإنسان لكي يفكر في ذاته، ويعمل على التوازن الذي يؤدي إلى الصحة النفسية والصيام يدرب الإنسان على الصبر والتحمل وينمي قدرته على التحكم في الذات وإنه يخضع كل ميول الدنيا تحت سيطرة الإرادة، وكل ذلك يتم بقوة الإيمان وتتجلى في رمضان أسمى غايات ضبط النفس وتربيتها بترك بعض العادات السيئة كما أن له فوائد نفسية كثيرة فالصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية والفكرية ويحاول الابتعاد عما يعكر صفو الصيام من محرمات ومعاصي ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة مما ينعكس إيجابا على المجتمع عموما. فإن شهر الصوم المبارك يزيد من قوة الإنسان وقدرته على التغلب على الشهوات فالصيام ليس فقط امتناعا عن الطعام والشراب ولكنه قبل ذلك امتناع عن الظلم والعدوان والشهوات وميول الشر لأنه يضبط جماح النفس ويخضع الملذات لإرادة الفرد ومن ثم يكون الإنسان في حالة من التواضع وعدم الاختيال بالذات مع إحساس بالخشوع والاتجاه الصحيح إلى الله، وهو ما يعزز إيمان الإنسان ويقوي عقيدته. فالصيام عبادة وقربة لله تعالى فهو يعمق الخشوع والإحساس بالسكينة والتحكم في الشهوات وإنماء الشخصية فلقد علمنا الهدي النبوي أن من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وقد خلق الله النهار لننشط فيه ونبتغي من فضل الله، وخلق الليل لنسكن فيه ونهجع فليس الغرض من الصيام تعذيب النفس وتجويعها وإنما الغرض منه التقوى وتربية النفس المؤمنة وتهذيبها ورفع درجاتها وتعويدها على التحرر من شهواتها وملذاتها.
259
| 19 يونيو 2015
إن الله سبحانه وتعالى صاحب الفضل والإنعام قد أوجب الصيام على أمة الإسلام وجعله أحد أركان الدين العظام ،فالخالق خلق الخلق ووهبهم الحياة وجعل الإنسان معلقا بين الحياة والموت يعيش بنفس يتردد فجعل للإنسان وقتا محدودا وعمرا معدودا، والحياة في البدء والمنتهى بيد الله وحده يقضي بما يشاء ويحكم ما يريد بيده الأمر يهب الحياة للأحياء ويسلبها متى يشاء يفعل ما يريد ويحكم بما يكون ولا يكون إلا ما أراد، فينبغي على المسلم أن يستقبل هذا الشهر العظيم بالفرح والسرور والغبطة وشكر الرب الغفور ،الذي وفقه لبلوغ شهر رمضان وجعله من الأحياء الصائمين القائمين الذين يتنافسون فيه بصالح الأعمال ،لذلك على العاقل الحصيف أن يستغل أوقات عمره في إخلاص العبادة لرب البرية، وإن في انقضاء الأيام ومرور الأعوام عبرة للإنسان بأن هذه الدار فانية وأنها سريعة الانقضاء وقريبة الزوال، فعلينا أن نبادر بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، وأن نحذر التسويف حتى لا يكون ندم وخسران في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأيام الله تعالى دول وها نحن بين طيات الزمن الذي يمر بنا مر السحاب ،وإننا في هذه الأيام المباركة المقبلة يستعد المسلمون بقلوبهم وابدانهم لاستقبال ضيف كريم يأتي في العام مرة ،إنه شهر عظيم الخيرات كثير البركات فيه فضائل عديدة وفوائد جمة ينبغي للمسلم أن يغتنمها ويفوز بخيرها.إن شهر هذه بركاته وهباته حري بكل مسلم أن يستقبله بفعل الطاعات واجتناب المعاصي والآثام وأن يقبل على ربه سبحانه بالتوبة النصوح وأن يرد المظالم إلى أهلها وأن يبرئ نفسه من ذنب ومعصية ،وينتهز هذه الفرصة العظيمة ، فيجتهد في العبادة حتى يألفها مدى عمره وطول أجله وعلى العبد أن يجاهد نفسه فيمنعها عما حرم الله عليه من الأقوال والأعمال ،لأن المقصود من الصيام هو التقوى وطاعة المولى جل في علاه وتعظيم حرماته وكسر هوى النفس وتعويدها على الصبر لأن الصبر ضياء وأجر عظيم ومثوبة كبرى ،إنه خير شهور السنة أفضل أيام الله الحسنة بعشر أمثالها وتضاعف إلى سبعمائة ضعف فليكن التنافس في أعمال الخير والبر ،فهل أدرك هؤلاء الذين يسر الله لهم العيش لحضور رمضان هذا وهم في أتم الصحة والعافية قيمة هذه الفريضة الربانية وعرفوا ما لهم وما عليهم فعزموا على السباحة في هذا النهر العذب الجاري نهر الرحمات والبركات والسعي إلى رب السموات والتضرع إليه بقبول التوبة وإخلاص العمل لله تعالى،والسير في روضة الرحمن الرحيم والتي لا يذبل زهرها ولا ينفد رحيقها، فإن الذنوب والمعاصي تحجب المرء عن نور الله من علم وهدى ومعرفة فيكون عنصرا سيئا في المجتمع فلا يفيد المجتمع وتكثر الفواحش والرذائل التي تفتك بالمجتمع المسلم ولكن لابد أن يسعى كل مسلم لإصلاح نفسه وإبعادها عن خطر المعصية فيستفاد بنور الله من علم وهدى ويفيد مجتمعه الذي يعيش فيه، لذلك لابد أن تعلم أنه لن يفتح لك باب إذا أغلق الله باب رحمته وتوبته في وجهك وتوقع حينها كل أمر يحدث لك. فإن كان حب الدنيا يعيقكم فلا بد من الرجوع إلى الله فيا خيبة من ضيع منه الليالي والأيام ،و يا حسرة من انسلخ عنه الهدى بقبائح الآثام ،وياخسارة من كانت تجارته في الذنوب ،ويا ندامة من لم يتب إلى علام الغيوب، فبادروا واستقبلوا الخيرات أيها الإخوان ولا تتواكلوا وسارعوا ولا تتأخروا، فلابد أن يعلم المرء مهما كانت ذنوبه عظيمة فإن الله يغفرها جميعا ما لم يشرك به وليعلم أيضا أن الحسنات يذهبن السيئات فلا بد وأن يتوشح بحسام التوبة ويملأ نفسه ثقة ورجاء بعفو الله، فالذي يدرك صفات الله وأسماءه وآلاءه ونعماءه يحصل له في قلبه معرفة حقيقية بالله العظيم الرحيم الرؤوف الغفور سبحانه وتعالى فهو معرفة قدرته مع عبده الضعيف المذنب يدعوه ويرجوه إلى أن يتوب إلى علام الغيوب، فيا له من فضل عظيم من رب كريم وخالق رحيم ،ألم تحن اللحظة لك أيها المسلم إلى أن تتوب وتؤوب ونفتح صفحة جديدة ناصعة البياض مشرقة بفعل الطاعات والقربات لرب الأرض والسموات وتتعلق بأستار المساجد وتقف على أعتابها متضرعا إلى الله تائبا مستغفرا، فهيا معا نركب ركب المستغفرين إلى ديار التائبين قبل فوات الأوان فمن أشرقت له بدايته أشرقت نهايته ومن صدق مع الله في توبته صدق الله معه ووفقه لحسن الخاتمة فينبغي مراعاة حرمة هذه الأيام لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة وابدأ شهرك ببدن طاهر وقلب نظيف.
429
| 18 يونيو 2015
كلما ارتبط العبد المسلم بهدي القرآن الكريم وسنة النبي العظيم واتعظ بالذكريات الطاهرة، كلما كان أقرب إلى رحمة ربه ومغفرة الذنوب وخروجه من رمضان، ليقال له: هنيئا لكم الجائزة، فمن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ولقد قال الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة183، وشتان بين مسلم يرتبط قلبه بمهبط الوحي ومنازل التشريع من قرآن وسنة وعبادات ومعاملات ومسلم يتعلق قلبه هنا أو هناك خلف عرض زائل من حطام الدنيا ولهو فانٍ وضياع الأوقات فيما لا يفيد ولا ينفع ويظن أن ليالي رمضان إنما جعلت للتسلية والسهر، فالحق سبحانه جعل رمضان موسما للطاعة والقرب من الله تعالى، ففرض علينا صيامه وسن لنا قيامه وأمرنا بالصيام والقرآن والإحسان، والإنسان هو الكائن الوحيد في هذا الوجود الذي نفخ الله فيه من روحه وقد كانت هذه النفخة الروحية الإلهية هي مناط التكريم الذي حظي به الإنسان ومن أجل ذلك طلب الله سبحانه وتعالى من الملائكة أن يسجدوا لآدم تكريما له، ليس لأنه خلق من طين، ولكن لأن الله قد نفخ فيه من روحه، فكان هذا التكريم الذي جعله للإنسان سببا في استخلافه في الأرض وتعميره لها ببقاء النوع الإنساني.الإنسان أحيانا يتمنى أن ينتشر الحق، فلو تنازل قليلا وعم الحق الأرض، هذا يعد مكسبا كبيرا، لكن الله عز وجل يلفت نظر حبيبه، صلى الله عليه وسلم، إلى أنه ينبغي أن تبقى ثابتا، ولا تتزحزح عن الأحكام الشرعية قيد أنملة، لأنك إن تنازلت قليلا استمر هذا التنازل حتى أصبح القرآن رسما والإسلام اسما وهذا ما يطمح إليه الطرف الآخر، فلا يكون هذا الشهر عند المسلمين شهر المسلسلات، شهر الولائم، شهر السهرات الرمضانية، يبدأ بالأذان وطعام الإفطار وينتهي بالرقص مع طعام السحور، فالحق الذي يعلمه الصائم أن طاعة الله تعالى هي الأصل الذي جاءت به الشرائع السماوية جمعاء ودعت إليه كل الديانات السماوية على لسان الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل منقذين للبشرية من الظلمات إلى النور، فإن جميع الرسل والأنبياء جاءت دعوتهم متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت وهو الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل الواحد القهار، ووضعت لذلك أسس وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعادة البشرية، فبهذا الإيمان تستطيع هذه البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة، فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمة يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل، فما قيمة جسد ليس في قلب صاحبه إيمان وعقيدة وما قيمة صورة لا يحمل صاحبها مبادئ ولا قيما، فإن استشعار المؤمن أن الجنة محفوفة بالمكاره يتطلب منه همة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلب على نفسه وملذاتها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تجره إلى الفتنة والمعصية، وإنما تفاوت الناس بالهِمم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة، فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه، الأمر الذي يؤدي إلى أن يصبح بحق جديرا بأن يكون وكيلا عن الله في الأرض، يقيم فيها موازين العدل ويرسي دعائم الحق ويزرع الخير الذي تعود ثمرته على الآخرين وهذا ما ينبغي على هذا الوكيل أن يفعله إلى آخر نفس في حياته والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يحقق للإنسان البقاء وللأرض الإعمار والصلاح وللبشرية الأمان، فالمسلم عزيز بالإيمان، صاحب القلب المطمئن لا تزعزعه المحن ولا تؤثر فيه الفتن، بل يزرع الخير ويجني الفوائد.
1123
| 18 يونيو 2015
إن التنشئة الإسلامية الحقيقية هي عملية تمرير للقيم الدينية والخلقية والثقافية من جيل إلى جيل، وبذلك تكون عملية حضارية تحمل في طياتها قيم علاقات التعامل الاجتماعي بين الأفراد كالصدق والتعاون والتكافل، فهي تتضمن عملية ضبط اجتماعي للفرد، فعن طريقها تتعلم الأجيال الجديدة الحقوق والواجبات داخل المجتمع، فتتحقق عن طريق اختيار العناصر الصالحة والتي تؤدي إلى رقي الفرد والمجتمع ويدخل في ذلك ما يلقنه الآباء والمدرسة والمجتمع للأفراد من لغة ودين وتقاليد وقيم ومعلومات ومهارات، فالحق سبحانه وتعالى خلق الإنسان واستخلفه في الأرض ليؤدي رسالته في الحياة فينعم بما وهبه الله من نعم، فالإنسان يعيش في هذه الدنيا بين حاجات يريدها وواجبات مفروضة عليه وأمنيات يتمناها وأحلام يسعى لتحقيقها وتختلف هذه الغايات والأهداف من شخص لآخر لعوامل عديدة كالبيئة والمجتمع والأسرة، والطفل كيان إنساني سليم وليس حالة خاضعة لنظريات تربوية قد تخطئ أو تصيب، فالأطفال هم سمة الحياة والشيء الجميل فيها، فهم يزينون الحياة بالبهجة والسعادة والتطور، لأنهم حماة المستقبل الواعد الذي سيأتون إليه بهمتهم ونشاطهم وحركتهم الدائمة التي تملأ البيت حبورا وسرورا.فطفلك الصغير هو مليكك المتوج في مملكة حياتك لأن ذلك من فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها فهم زينة الحياة الدنيا، فمع التطور التكنولوجي والتقنية الحديثة وسرعه نمو تقنية المعلومات تغيرت بعض هذه الأهداف والغايات منها للأفضل والآخر للأسوأ، لذلك أصبح للمحطات الفضائية تأثير كبير على العادات والقناعات والأفكار وهذا التأثير أدى إلى تغير هذه الغايات والأهداف واستغل أعداء الفكر السليم هذه المحطات، فأصبح يغزو أبناءنا وأطفالنا ويحاربهم عن طريق المسلسلات والأفلام الكرتونية التي نعتقد أنه مفيدة لأطفالنا وأنها لشغل أوقات الفراغ والترفيه عن النفس، ولكنها في الحقيقة تحمل في طياتها العديد من الأهداف غير المباشرة والتي تؤثر على عقول أبنائنا الباطنية فينحرف سلوكهم وتتغير وجهتهم وتسوء أفكارهم مما يكون له الأثر السلبي في تكوين الطفل ومعتقداته وهي في الأساس حرب على العادات سواء العربية أو الإسلامية فيزرعون الخيال في عقول النشء مثل كلام الحيوانات وكيف يطير الإنسان ؟ وكيف يتحول لوحش ؟ وكيف يطلق طاقات يفجر من خلالها الكواكب ويحرق الأعداء ويعيد الأموات للحياة وغيرها من الخرافات والخيالات وعلى صعيد الأفلام والمسلسلات يصورون العديد من الشخصيات والأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا العربية بأنها واقعنا وعاداتنا ويطلقون عليها اسم الحرية وهي في الأساس حملات على العادات العربية لا يستخدمون فيها الأسلحة وإنما يستخدمون فيها سلاح إرسال الرسائل السلبية للعقول، فعندما أرادوا محاربة الحجاب جعلوا أبطال أفلامهم منزوعي الحجاب لنشر الفتنة لدى الشباب العربي وبداعي الحرية، وللأسف الشديد فهناك غزاة للفكر العربي من أصل عربي وهؤلاء خطرهم أشد، فشبكة المعلومات الإنترنت تعتبر الآن من أقوى مصادر وقواعد الغزو الفكري فبسهولة يستطيعون التأثير على مرتادي هذه الشبكة بوضع صور مخلة وإعلانات مدمرة ومواقع إباحية، وهناك العديد من الوسائل الأخرى التي تخدم أهدافهم وقد علمنا الهدي النبوي أن الطفل يولد على الفطرة السليمة ولكننا نؤثر عليه بالمعلومة والصورة المزيفة والتي تجعله هشا ضعيفا، ففيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)رواه البخاري، إذ يجب علينا الاعتقاد بأن الله تعالى قد منح الطفل من الملكات الفطرية والقدرات الأولية وبذلك التصور سيتحدد نوع تدخلنا في كيانه والذي يتجلى في وظيفة محددة هي الإنضاج والتنمية، فوظيفتنا تجاه الطفل هي تقديم يد المساعدة للطفل حتى ينضج تلك الملكات وينمي تلكم القدرات، وقد يجد الوالدان صعوبة في التكيف معهم والتعامل مع كافة متطلباتهم في هذه الحياة ولكن لا يتم ذلك إلا بإشاعة المودة والصراحة والصدق والأمانة وتعزيز الثقة بالنفس، فمتى كانت هذه المادة قوية متماسكة كانت جودة هذه اللبنة بقدر هذا التماسك ومتى كانت رخوة طرية كانت هذه اللبنة معيبة لا تصلح للبناء، فإن أصول التربية وقواعدها تهدف إلى تربية الإنسان الصالح الذي يقوم برسالته على الوجه الأكمل بحيث تجعله قادرا على التحكم في نفسه وضبط تصرفاته والحرص على احترام القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يحيا لها ويحرص على الالتزام بها، وأن يكون خير قدوة للعمل الجاد القائم على الإصلاح والإخلاص الصادق.
219
| 11 يونيو 2015
مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة...
1524
| 24 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي...
1137
| 18 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن...
1107
| 22 ديسمبر 2025
إنه احتفال الثامن عشر من ديسمبر من كل...
702
| 18 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف...
684
| 21 ديسمبر 2025
يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة...
660
| 19 ديسمبر 2025
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي،...
657
| 18 ديسمبر 2025
هنالك قادة ورموز عاشوا على الأرض لا يُمكن...
594
| 19 ديسمبر 2025
لماذا تقاعست دول عربية وإسلامية عن إنجاز مثل...
588
| 24 ديسمبر 2025
-قطر تضيء شعلة اللغة العربيةلتنير مستقبل الأجيال -معجم...
579
| 23 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة...
573
| 24 ديسمبر 2025
لقد من الله على بلادنا العزيزة بقيادات حكيمة...
555
| 18 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية